100% found this document useful (1 vote)
1K views114 pages

تاريخ بلاد المغرب من خلال كتابات المؤرخين المغاربة المحدثين دراسة تاريخية نقدية PDF

Uploaded by

Mantra der Liebe
Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
100% found this document useful (1 vote)
1K views114 pages

تاريخ بلاد المغرب من خلال كتابات المؤرخين المغاربة المحدثين دراسة تاريخية نقدية PDF

Uploaded by

Mantra der Liebe
Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
You are on page 1/ 114

‫وزارة التعميــم العـالي والبحـــث العمـــمي‬

‫جامعة الشهيد حمه لخضر بالوادي‬


‫كمية العموم االجتماعية واإلنسانية‬

‫تاريخ بالد المغرب القديم من خالل كتابات المؤرخين المغاربة‬


‫المحدثين‬
‫(دراسة تاريخية نقدية)‬
‫‪00‬‬

‫مذكرة مكممة لمتطمبات الحصول عمى شهادة الماستر في تاريخ الحضارات القديمة‬

‫األستاذ المشرف‪:‬‬ ‫إعداد الطالبتين‪:‬‬


‫أ‪ /‬عمر بوصبيع‬ ‫‪ ‬حكيمة شيحي‬
‫‪ ‬سميرة عطية‬
‫لجنة المناقشة‬
‫الجامعة‬ ‫الصفة‬ ‫األستاذ‬ ‫الرقم‬
‫جامعة حمه لخضر ــ الوادي‬ ‫رئيسا‬ ‫د ‪ /‬محمد رشدي جراية‬ ‫‪01‬‬
‫جامعة حمه لخضرــ الوادي‬ ‫مشرفا ومقر ار‬ ‫أ‪ /‬عمر بوصبيع‬ ‫‪02‬‬
‫جامعة حمه لخضرــ الوادي‬ ‫عضوا مناقشا‬ ‫أ ‪ /‬عبد الحق بالنور‬ ‫‪03‬‬

‫السنة الجامعية‪ 1439 - 1438 :‬ه‪ 2018 -2017 /‬م‬


‫قائمة المختصرات ‪:‬‬

‫ق ‪ .‬م ‪ :‬قبل الميالد‬

‫م ‪ :‬ميالدي‬

‫ط ‪ :‬الطبعة‬

‫تر ‪ :‬ترجمة‬

‫ب ‪ .‬س ‪ :‬بدون سنة نشر‬

‫ص ‪ :‬صفحة‬

‫ج ‪ :‬الجزء‬

‫م ‪ :‬المجلد‬

‫ب ‪ .‬ب ‪ :‬بدون بلد‬


‫مقدمة‬
‫مقدمة‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫تعتبر عممية البحث و النقد في تاريخ ببلد المغرب القديم ‪ ،‬من أىم المواضيع التاريخية‬
‫لكونيا تتطمب من الباحث التدقيق و االستدالل و االعتماد عمى المصادر بمختمف أنواعيا ‪،‬‬
‫كما يتطمب النقد بذكر أوجو الشبو و االختبلف في عممية التدوين لكون المعمومة تختمف من‬
‫مصدر أو مرجع إلى آخر وتجدر اإلشارة إلى اختبلف تدوين تاريخ ببلد المغرب بين القدماء‬
‫و المحدثين وحتى بين األوربيين و العرب ‪ ,‬وىذا راجع لطول الفترة الزمنية التي مر بيا ببلد‬
‫المغرب القديم بداية بفترة ما قبل التاريخ وما عرفتو من قيام الحضارة األشولية والموستيرية‬
‫و العاترية وغيرىا ‪ .‬لكن تبقى مشكمة الحديث عن البدايات األولى لمبشر في ىذه المنطقة محل‬
‫تضارب لآلراء ثم تمتيا المرحمة الثانية ‪ ،‬بداية بالحضارة القرطاجية في الوقت الذي حكم فيو‬
‫الموريون أقصى غرب ببلد المغرب و النوميدون في الوسط و الشرق في حين سيطر الجيتول‬
‫عمى الصحراء ومنذ بداية القرن ‪ 5‬ق‪.‬م ظيرت بوادر الصراع القرطاجي الروماني و خاصة في‬
‫القرن ‪ 3‬ق‪.‬م الذي انتيى بتدمير قرطاجة سنة ‪ 146‬ق‪.‬م ‪ ،‬وألحقت روما مممكة نوميديا لتدخل‬
‫ببلد المغرب المرحمة الثالثة الممتدة من ( ‪146‬ق‪.‬م – ‪ 429‬م ) لينتيي وجودىم بمقاومة ليم‬
‫بعد خوض العديد من المعارك مثل ثورة يوغرطة ‪ ،‬وفي الوقت الذي كان فيو الوندال متجيا‬
‫لغزو ىذه المنطقة بحجة وصوليم إلى روما عبر ببلد المغرب و بذلك ليعرف ىذا األخير الغزو‬
‫الوندالي ( ‪ 429‬م – ‪ 534‬م ) ‪ ،‬لتتعرض بعدىا لبلحتبلل البيزنطي ( ‪ 534‬م – ‪ 647‬م )‪.‬‬
‫و نظ ار لطول الفترة المدروسة جعمت أراء المؤرخين تختمف خاصة في الفترة مابين القرنيين‬
‫( ‪ 9‬ق‪.‬م و ‪ 2‬ق‪.‬م ) التي عرفت شح في كتابة تاريخ ىذه المنطقة لتعرف غ ازرة في نياية‬
‫القرن ‪ 2‬ق‪ .‬م نتيجة اىتمام الرومان واإلغريق مثل ‪ :‬استرابون و ىيرودوت ‪ ،‬ىذا باإلضافة‬
‫إلى المؤرخين األوربيين أمثال ‪ ،‬كامبس و سيتفان غزال و فرنسوا دوكرييو وغيرىم الذين كتبوا‬
‫تاريخيا بتحيز وحسب نظرتيم ليا‪ ،‬أما المؤرخين المغاربة و كتاباتيم ظيرت متأخرة مقارنة مع‬
‫األوربيين ‪ .‬ىذا ما جعمنا نقوم بدراسة تاريخية نقدية لببلد المغرب القديم من خبلل كتابات‬
‫المغاربة المحدثين خبلل الفترة الممتدة مابين القرن ‪ 9‬ق‪.‬م و القرن ‪7‬م ‪.‬‬
‫انطبلقا مما سبق تشكمت في أذىاننا جممة من اإلشكالية وكانت في مقدمتيا اإلشكالية الرئيسية‬
‫‪ :‬كيف كانت كتابات المؤرخين المغاربة المحدثين لتاريخ ببلد المغرب القديم من القرن ‪ 9‬ق‪.‬م‬
‫إلى القرن‪7‬م ؟ ‪.‬‬
‫‌أ‬
‫مقدمة‬

‫وتندرج تحت ىذه اإلشكالية عدة تساؤالت فرعية المتمثمة فيما يمي ‪:‬‬
‫ما ىي المعمومات المقدمة من طرف المؤرخين المغاربة المحدثين خبلل الفترة الممتدة ما بين‬
‫القرنين ( ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م) ؟ وكيف تناول المؤرخون االحتبلل األجنبي لببلد المغرب القديم و‬
‫المتمثل في االحتبلل الروماني ‪ ،‬الوندالي و البيزنطي؟ ما ىو أثره عمى المنطقة حضاريا؟‬
‫و لئلجابة عمى التساؤالت اتبعنا خطة تغطي جل تفاصيل تاريخ المنطقة خبلل الفترة الممتدة‬
‫من القرن ‪ 9‬ق‪.‬م إلى القرن ‪7‬م‪ ،‬فقسمنا الخطة إلى مقدمة و فصل تمييدي و ثبلثة فصول‬
‫وخاتمة فتقدمنا في البداية بفصل تمييدي تناولنا فيو الدراسة الطبيعية و الجغرافية لببلد‬
‫المغرب القديم‪.‬‬
‫أما الفصل األول بعنوان ببلد المغرب من القرن ‪ 9‬ق‪.‬م إلى القرن ‪ 2‬ق‪ .‬م وقد تطرقنا في‬
‫المبحث األساسي‬ ‫المبحث األساسي األول إلى مممكة قرطاجة من التأسيس إلى السقوط ‪ ،‬ثم‬
‫الثاني الذي تضمن الممالك الوطنية المتمثمة في نوميديا و موريطانيا دراسة حضارية ‪.‬‬
‫والفصل الثاني والذي جاء بعنوان ببلد المغرب من بداية االحتبلل الروماني إلى ظيور‬
‫مبحثين أساسين ‪ ،‬األول مقاطعة إفريقيا الرومانية ( نوميديا‬ ‫الوندال والذي انقسم بدوره إلى‬
‫وموريطانيا)‪ ،‬والثاني ببلد المغرب تحت الحكم الروماني ‪.‬‬
‫و في الفصل الثالث و األخير تناولنا الوندال و البيزنطيين في ببلد المغرب و تفرع عنو‬
‫مبحثين األول وفيو االحتبلل الوندالي لببلد المغرب الثاني ببلد المغرب تحت الحكم البيزنطي ‪.‬‬
‫وجاءت خاتمة البحث كخبلصة ألىم ما تمكنا من عرضو في ىذا العمل المتواضع وكإجابة‬
‫عمى ما ورد من تساؤالت ‪.‬‬
‫كما يدعم البحث مجموعة من المبلحق رأينا أنيا خادمة لموضوعنا ووظيفية احتوت خرائط‬
‫خاصة وصور تمثيمية لببلد المغرب ‪ ،‬ومبلحق أخرى تجسد بعض المعارك الميمة التي‬
‫شيدتيا المنطقة ‪ .‬ثم أتبعنا ذلك بجرد المصادر والمراجع المرتبة حسب طبيعتيا وفي األخير‬
‫أوردنا فيرس لمحتوى الموضوع مفصل مع ذكر الصفحات ‪.‬‬

‫‌ب‬
‫مقدمة‬

‫أهمية الموضوع ‪:‬‬


‫إن المكانة التي حضي بيا تاريخ ببلد المغرب القديم عند المؤرخين المغاربة المحدثين جعل‬
‫من ىذه الكتابات مصد ار لمعرفة تاريخ المنطقة ‪ ،‬بما في ذلك المظاىر الحضارية و االحتبلل‬
‫األجنبي الذي تعرضت لو ‪ .‬و إننا سنحاول عن طريق كتابات المغاربة المحدثين إلقاء الضوء‬
‫عمى المحطات التاريخية البارزة في تاريخ ببلد المغرب القديم ‪.‬‬
‫دواعي اختيار الموضوع ‪:‬‬
‫إن توجينا إلى دراسة حيثيات ىذا الموضوع منبثق من رغبتنا الشخصية لمغوص في ثنايا تاريخ‬
‫ببلد المغرب القديم من خبلل كتابات المؤرخين المغاربة المحدثين ومحبتنا في أن نكون رائدين‬
‫من رواد التاريخ القديم‪ ،‬كذلك رغبتنا في إضافة دراسة جديدة لمموضوع ‪.‬‬
‫أهداف الموضوع ‪:‬‬
‫مما ال شك فيو إن انجازنا ليذا العمل ومعرفة تاريخ ببلد المغرب القديم من خبلل كتابات‬
‫المؤرخين المغاربة المحدثين من شانو أن يوجو الباحثين في ميدان التاريخ القديم‪ ،‬مما يفتح‬
‫أماميم تصورات وبناء أفكار مثل التي حاولنا رسميا في موضوعنا ‪.‬‬
‫اإلطار الزماني و المكاني ‪:‬‬
‫ولقد حصرنا اإلطار الزماني لمموضوع في الفترة الممتدة مابين القرن ( ‪ 9‬ق‪ .‬م ‪7 -‬م ) وحسب‬
‫أن بداية الكتابات التاريخية المتعمقة بمنطقة المغرب القديم تعود إلى‬
‫المؤرخين والباحثين ف‬
‫‪ 814‬ق ‪ .‬م وصوال إلى نياية‬ ‫وصول الفينيقيين إلى ىذه المنطقة بتأسيس قرطاجة سنة‬
‫االحتبلل البيزنطي سنة ‪ 647‬م‪ .‬أما اإلطار المكاني لمموضوع ينحصر في منطقة ببلد‬
‫المغرب القديم ‪.‬‬
‫المنهج المتبع ‪:‬‬
‫بما أننا تطرقنا في موضوعنا ىذا إلى تاريخ ببلد المغرب بجميع الجوانب لذا اعتمدنا عمى‬
‫المنيج التاريخي السردي والمقارن النقدي‪ ،‬محاولين اإللمام بالموضوع فالتاريخي والسردي‬
‫وظفناىما بكثرة في تتبع األحداث التاريخية وكل ما يحيط بجوانب الكتابة التاريخية لببلد‬
‫‌ج‬
‫مقدمة‬

‫المغرب القديم‪ ،‬أما المقارنة فقد تم أدراجيا عند الوقوف بين سطور المصادر والمراجع التاريخية‬
‫المختمفة في إعطاء المعمومات حول الموضوع وترجيح أقربيا ثم نقدىا ‪.‬‬
‫المصادر و المراجع ‪:‬‬
‫ولتحرير ىذا العمل تتبعنا مادة البحث في مقدمتيا المصادر اليونانية مثل ‪ :‬ىيرودوت‬
‫( تاريخ ىيرودوت) تر‪ :‬عبد اإللو المبلح‪ ،‬و الرومانية استرابون في كتابو (الجغرافيا) تر ‪:‬‬
‫محمد مبروك الدويب والعديد من المراجع أىميا ‪ :‬محمد اليادي حارش (التاريخ المغاربي القديم‬
‫( معالم‬ ‫السياسي و الحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح اإلسبلمي)‪ ،‬محمد الصغير غانم‬
‫التواجد الفينيقي البوني في الجزائر) والجدير بالذكر عدم توفر المادة العممية في مجال تاريخ‬
‫ببلد المغرب القديم‪.‬‬
‫صعوبات الموضوع ‪:‬‬
‫من المؤكد أن لكل موضوع صعوبات وعقبات نذكر منيا‪:‬طول الفترة الزمنية المدروسة و تداخل‬
‫األحداث وكتابة المؤرخين تاريخ ىذه المنطقة في المصادر اإلغريقية والرومانية بتحيز‪.‬‬
‫وفي األخير نحمد اهلل عز وجل عمى تيسيره لنا في إخراج ىذا العمل بيذه الصورة أميمينا في‬
‫أن ننتفع بما استفدنا وننفع بما اكتسبنا من قدرات وأفكار أثناء ىذه التجربة‪ ،‬كما نتمنى أن نكون‬
‫قد توصمنا عمى األقل إلى االلتزام فيو بمعايير المنيجية والجدية العممية واإلحاطة بجوانبو‬
‫األساسية ونتمنى أن نكون قد ساىمنا في تذليل بعض الصعوبات ‪ ،‬مع جزيل الشكر لؤلستاذ‬
‫المشرف " عمر بوصبيع "‪.‬‬

‫‌د‬
‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬

‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬

‫المبحث األول ‪ :‬دراسة طبيعية‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬دراسة بشرية‬


‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫‪ .I‬الدراسة الطبيعية‬
‫‪ - 1‬الموقع‬
‫اختمفت وتعددت تسميات التي أطمقت عمى بالد المغرب القديم أو تحديدا عمى شمال‬
‫غرب إفريقيا‪ ،‬وذلك بحسب الفترات التاريخية وكذا الشعوب التي استقرت بالمنطقة سواء‬
‫األصمية منيا أو الوافدة إلييا من العالم الخارجي‪ .‬فكان التصور الجغرافي لممنطقة القديمة من‬
‫أصعب األمور ‪ ،‬ذلك أن األقاليم تحدد بجنس سكانيا بحيث أن الحضارة كانت تعيش جنبا إلى‬
‫‪ .1‬ومن بين ىذه التسميات التي‬ ‫جنبا مع الحياة البدائية وقد كان لمتضاريس أثر عمى ذلك‬
‫أطمقت عمى منطقة بالد المغرب ونجد ما يمي ‪:‬‬
‫بالد الغرب ‪ :‬أقدم ما ورد في النقوش المصرية والتي تدل عمى منطقة الغرب ىي كممة أمنت‬
‫" ‪ " imnt‬وتم العثور عمييا في رسم ريشة النعام كميزة تقميدية الزمت رأس الميبي في التاريخ‬
‫‪2‬‬
‫‪ .‬وقد خمدت اآلثار المصرية ىؤالء الغربيين قبل ظيور الكتابة الييروغميفية ‪ ،‬وىذا‬ ‫الفرعوني‬
‫ما جسدتو الموحة المصرية التي تحمل اسم الصميات التي تتضمن رمو از و أشكاال تصويرية‬
‫تعبر عن مدى االتصال بينيم وبين جيرانيم الغربيين ومع ظيور العالمات الكتابية األولى‬
‫نالحظ أن النصوص المصرية تشير إلى أسماء ىؤالء الجيران ‪ ،‬ولعل أشيرىم قبيمتي‪ :‬تحنو ‪،‬‬
‫تمحو‪.3‬‬
‫أ – ذكرت قبيمة تحنو أو تحني في النقوش المصرية منذ فجر التاريخ المصري ‪ ،‬وترجع أقدم‬
‫إشارة إلييم إلى عصر الممك العقرب الذي حكم مصر قبيل الوحدة ‪ ،‬في لوحة إردوازية بحيث‬
‫وجد عمى أحد وجوىيا أربعة صفوف ‪ ،‬في الصف العموي رسم ثيران وفي الثاني حمير ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫ستيفان قزال ‪ ،‬تاريخ شمال إفريقيا القديم ‪ ،‬ج ‪( ، 1‬ب‪ ،‬ط) ‪ ،‬تر ‪ :‬محمد التازي سعود ‪ ،‬مطبوعات أكاديمية المممكة‬
‫المغريبة ‪ ،‬الرباط ‪ ، 2007 ،‬ص ص ‪. 46 -45‬‬
‫‪2‬‬
‫إبراىيم زرقانة الحضارة المصرية في فجر التاريخ ‪( ،‬ب ‪ ،‬ط) دار المعارف ‪ ،‬القاىرة ‪ ،1948،‬ص ‪. 152‬‬
‫‪3‬‬
‫ألن جاردز ‪ ،‬مصر الفراعنة ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬تر‪ :‬نجيب مخائيل ‪ ،‬مر‪ :‬عبد المنعم أبو بكر ‪ ،‬الييئة المصرية العامة لمكتاب ‪،‬‬
‫القاىرة ‪ ، 1987 ،‬ص ‪. 427‬‬
‫‪6‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫الثالث أغنام أما الرابع أشجار زيتون و إلى جانب األشجار من الناحية اليمنى نجد عالمة‬
‫تصويرية تذكر التحنو ‪( 1‬انظر ‪ :‬الشكل ‪. ) 1‬‬

‫ب – أما قبيمة تمحو فقد ورد ذكرىم في عيد ثالث مموك األسرة السادسة( بيبي األول) في‬
‫النص الذي تركو أوني ‪ 2‬عمى الشكل التالي " من بالد التمحو "وفي عيد الدولة الوسطى نجد‬
‫‪3‬‬
‫و اتفقت اآلراء أنيم ذوو البشرة البيضاء والشعر األشقر ويذكر‬ ‫ذكر نحسيو و التمحو‬
‫السعدي في مذكرتو نقال عن ‪ Holscher‬و ‪ Moller‬أنيم األجداد األوائل ألحفادىم المنتشرين‬
‫حاليا في شمال إفريقيا والمعروفون بالبربر الذين تتمثل فييم الثقافة الميبية األصيمة ‪.4‬‬
‫ليبيـا ‪ :‬يرجع أول استخدام لكممة " لوبة " إلى المصادر المصرية والتي تعود إلى النصف الثاني‬
‫(‪– 1298‬‬ ‫من األلفية الثانية قبل الميالد ‪ ،‬وذلك عمى نقش يرجع إلى عيد رمسيس الثاني‬
‫‪ 1222‬ق ‪ .‬م) بصيغة ‪ .R. B. W‬وفي عيد مرنتباح ( ‪ 1194 – 1224‬ق‪.‬م) قصد تحديد‬
‫السكان القاطنين إلى الغرب من نير النيل ‪ ،‬كما ورد اسم الميبيين في التوراة باسم لييابيم‬
‫‪ Loubim‬حيث ورد في سفر الوقائع أن الميبيين حاربوا ضمن جيوش‬ ‫‪ lehabin‬أو لوبيم‬
‫الفراعنة ضد الممك " رحبعام " ‪ .‬كما ذكر ىيرودوت ليبيا " أولوبا " عمى أنيا القارة الثالثة من‬
‫قارات العالم بحيث أن البحر يحدىا من الجانبين ‪ ،‬عدا ما اتصل منيا بآسيا حاليا ‪ . 5‬كما أشار‬
‫‪6‬‬
‫‪ .‬كما تحدث‬ ‫إلى أن معظم اإلغريق يعتبرون أن ليبيا اكتسبت اسميا من امرأة من أىل البالد‬
‫‪7‬‬
‫فرجيل في إلياذتو عمى أنيا تعتبر "أرض ليبية" بمعنى شمال إفريقيا‪.‬‬

‫‪1‬ألن جاردز ‪ ،‬مصر الفراعنة ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.45‬‬


‫‪2‬‬
‫يتضح أنو من خالل نقوش لوحة " أوني "التي عثر عنيا في أبيدوس أنو بدأ حياتو كموظف صغير في عيد (بيبي األول)‬
‫في الوظائف الكينوتية ‪ ،‬انظر ‪ :‬سميمان بن سعدي ‪ ،‬عالقات مصر بالمغرب القديم منذ فجر التاريخ حتى القرن السابع قبل‬
‫الميالد ‪ ،‬أطروحة دكتوراه دولة في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2009 /2008 ،‬ص ‪. 41‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد بيومي ميران ‪ ،‬مصر والشرق األدنى القديم ‪(،‬ب ‪،‬ط) ‪ ،‬م ‪ ، 4‬ج‪ ، 1‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪1989 ،‬‬
‫‪،‬ص ص‪. 298 – 287‬‬
‫‪4‬‬
‫سميمان بن سعدي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 46- 48‬‬
‫‪5‬‬
‫ىيرودوت ‪ ،‬تاريخ ىيرودوت ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬تر ‪ :‬عبد اإللو مالح ‪ ،‬المجمع الثقافي ‪ ،‬اإلمارات العربية ‪ ، 2001 ،‬ص ‪. 307‬‬
‫‪6‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪. 310‬‬
‫‪7‬‬
‫فرجيل ‪ ،‬اإللياذة ‪ ،‬تر ‪ :‬عميرة سالم خالدي ‪ ،‬دار الماليين ‪ ،‬بيروت ‪ ، 1995 ،‬ص ‪. 98‬‬
‫‪7‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫في معبد صالمبو‬ ‫كما ذكر الدكتور محمد اليادي حارش أنو تم العثور عمى نصب بونية‬
‫‪3‬‬
‫حممت مصطمحي ( ‪ )L. B .Y / L . B . T‬كما تمكن‬ ‫ومعبد الحفرة بقسنطينة (سيرتا)‬
‫فيفري من دراسة النقيشة التالية تحت اسم ( ‪( BSDLBYB‬التي تترجم (في بالد الميبيين) ‪. 4‬‬
‫إفريقيا ‪ :‬ذكر المؤرخ محمد اليادي حارش ىذا المصطمح بأنو حديث نسبياً واعتمد في ذلك‬
‫‪5‬‬
‫‪ ،‬كما لقب‬ ‫عمى الشواىد الكتابية التي ال تتجاوز أواخر القرن الثالث ق‪.‬م إفريقيا الجديدة‬
‫سيكبيو ‪ Scipion‬باإلفريقي ‪ . 6Africanus‬وطبقت الصفة " أفريكانوس " عمى النباتات ذات‬
‫‪7‬‬
‫ذكر التين اإلفريقي ‪ ،‬ثم اتسع مدلول الكممة‬ ‫األصل اإلفريقي ففي مؤلف كاتون ‪Katon‬‬
‫تدريجيا ليشمل كل الشمال اإلفريقي من طرابمس إلى المحيط األطمسي‪ .‬كما نجد أيضا الجذع‬
‫‪ Ifri‬وتعني الكيف وأفر ‪ Afer‬تعني سكان الكيوف و أفرو ‪ Ifro‬اإللو المحمي‪ ،‬كما ورد أيضا‬
‫عند محمد اليادي حارش كممة ‪ Frigi‬أو ‪ pharikia‬وتعني بالد الفواكو و ‪ Aprica‬التي تعني‬
‫‪8‬‬
‫‪ ،‬وفيو ما يدرج قصة البطل األسطوري ( أفريقش ) التي أخذت ىذه المنطقة‬ ‫المناخ الحار‬

‫‪1‬‬
‫النصب البونية ‪ :‬عرفيا الباحث األثري الفرنسي لوغمي عمى أنيا لوحات صخرية يكون بداخميا عدة مشاىد أو حتى مشيد‬
‫تصويري ‪ .‬انظر‪ :‬فاطمة الزىراء بمعيد ‪ ،‬دراسة تنميطية و ايكونوغرافية لألنصاب البونية المحفوظة بمتحف المسرح الروماني‬
‫بقالمة ‪،‬مذكرة مكممة لنيل شيادة الماجستير في اآلثار ‪ ،‬جامعة قالمة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2012 / 2011 ،‬ص ‪. 10‬‬
‫‪2‬‬
‫معبد صالمبو ‪ :‬تم اكتشاف المعبد سنة ‪ ، 1922‬لمزيد من التفاصيل ‪ ،‬انظر محمد الصغير غانم ‪ ،‬النصب القسنطينية‬
‫المحفوظة في متحف الموفر بفرنسا (ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬دار اليدى لمطباعة و النشر‪،‬عين مميمة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2012 ،‬ص‪. 385‬‬
‫‪3‬‬
‫معبد الحفرة ‪ :‬يقع في الجنوب الغربي لمدينة سيرتا ‪ ،‬وأكتشف ىذا المعبد خالل القرنين التاسع عشر والعشرين لمزيد من‬
‫المعمومات انظر ‪ :‬فتيحة فرحاتي ‪ ،‬نوميديا من حكم الممك غايا إلى بداية االحتالل الروماني ‪ 46 / 213‬ق‪.‬م ‪ ،‬منشورات أبيك‬
‫‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2007 ،‬ص ‪. 9‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش التاريخ المغاربي القديم ‪ ،‬السياسي و الحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح اإلسالمي (ب ‪،‬ط) ‪،‬‬
‫المؤسسة الجزائرية لمطباعة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 1994،‬ص ص ‪. 23 – 22‬‬
‫‪5‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫‪6‬‬
‫لإلطالع أكثر انظر ‪ :‬شارل أندري جوليان ‪ ،‬تاريخ إفريقيا الشمالية ‪(،‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬تر ‪ :‬محمد مزالي ‪ ،‬البشير بن سالمة ‪،‬‬
‫الدار التونسية لمنشر ‪ ،‬تونس ‪ ، 1969 ،‬ص ‪. 104‬‬
‫‪7‬‬
‫كاتون (‪ 149 -234‬ق ‪ .‬م ) من خطباء ورجال الدولة في روما دعا إلى التقشف و القضاء عمى قرطاج ‪ ،‬كان ينيي‬
‫خطبتو بعبارتو الشييرة (لتدمر قرطاج) ‪ ،‬انظر‪ :‬عبد المنعم محجوب ‪ ،‬معجم تانيت ‪( ،‬ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬دار الكتب العممية ‪ ،‬لبنان ‪،‬‬
‫(ب ‪ ،‬س) ‪ ،‬ص ‪. 197‬‬
‫‪8‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫‪8‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫اسمو ‪ .1‬وقد قدم محمد فنطر ممخص لمعنى ىذا المصطمح ( ‪ )Afer‬بجذر ليبي اشتقت منو‬
‫مختمف الكممات وىو بالتالي يرجع األصول المحمية لمتسمية والتي أطمقت من طرف الرومان‬
‫كما أطمقت أيضا عمى األراضي القرطاجية التي احتموىا سنة ‪146‬ق‪.‬م والتي انتشرت في كامل‬
‫منطقة شمال إفريقيا وأطمقو اإلغريق عمى كل القارة‪.2‬‬
‫البربر‪ :‬أطمق العرب مصطمح البربر عمى سكان شمال إفريقيا األصميين وخاصة أولئك الذين لم‬
‫يندمجوا في الحضارة الرومانية ‪ .3‬ويذكرىم ابن خمدون نسبة إلى جدىم األول "أفريقش" الذي‬
‫قال عنيم عندما سمعيم يتحدثون " ما أكثر بربرتكم " بمعنى كثرة األصوات الغير مفيومة‬
‫فسموا بربر‪ .‬كما أطمق الرومان واإلغريق ىذه المفظة عمى األىالي الخارجين عن حضارتيم و‬
‫المتمسكين بأصالتيم و نعتوىم باليمج ‪ ، Barbari‬وقد أشار شارل أندري جوليان أن ىذا المفظ‬
‫مناسب لبالد المغرب ألن أغمبيم برابرة لكن أىميا يفضمون االحتفاظ بالتسمية األصمية ىي بالد‬
‫األمازيغ ‪.4‬‬
‫األمازيغ ‪ :‬ىو اسم أطمقو المغاربة القدامى عمى أنفسيم وجمعو (إيمازيغن) ومؤنثو تمازيغت‬
‫ومعناه "الرجال األحرار"‪ ،‬أو "النبالء" ‪ 5‬وجذر ىذا المصطمح ‪ M Z K‬أو ‪ M Z G‬وىو ما جعل‬
‫جعل بعض المؤرخين يعتبرون ىدا االسم الحقيقي لبالد المغرب نظ ار لتواجده في العديد من‬
‫أسماء القبائل وفي عدة مناطق من بالد المغرب ‪ ،‬بل واألىم من ذلك ىو االسم الذي سمى بو‬
‫بعض المغاربة أنفسيم إلى اليوم ‪ . 6‬وقد نسب ابن خمدون سكان بالد المغرب القديم إلى "مازيغ‬
‫بن كنعان بن حام بن نوح عميو السالم " ‪. 7‬‬
‫بناء عمى ما سبق فإن كل التسميات التي أطمقت عمى بالد المغرب في األصل تحمل معنى‬
‫واحد غير أن االختالف يكمن في أن كل تسمية سميت من طرف معين سواء كانت من قبل‬
‫المصريين أو الرومان أو اإلغريق كما ال ننسى التسميات المحمية ‪،‬لكن ما يالحظ عن ىذه‬
‫‪1‬‬
‫عبد الرحمان ابن خمدون ‪ ،‬كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر ‪ ،‬م ‪، 3‬دار الكتاب المبناني ‪ ،‬بيروت ‪ ، 1968 ،‬ص ‪. 87‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 25‬‬
‫‪3‬‬
‫ستيفان قزال ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 53‬‬
‫‪4‬‬
‫شارل جوليان أندري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬
‫‪5‬‬
‫المرجع نفسو ‪ .‬ص ‪12‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 26‬‬
‫‪7‬‬
‫عبد الرحمان بن خمدون ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 97‬‬
‫‪9‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫التسميات ىو تأخر لفظة البربر و إفريقيا أو شمال إفريقيا مقارنة بمفظة لوبة و قد حاول‬
‫المؤرخين المحدثين أمثال محمد الدويب و محمد اليادي حارش باإلضافة إلى محمد الصغير‬
‫غانم تقديم األدلة و الشواىد عن كل مصطمح من خالل الشواىد األثرية و الكتابية‪.‬‬
‫‪ - 2‬الموقع حسب المصادر‬
‫من خالل المصادر اإلغريقية والرومانية نالحظ أن الحدود الجغرافية لممغرب القديم‬
‫تتسع وتضيق وفق لتحركات القبائل المحمية التي مواطن انتشارىا تمثل حدود المنطقة ‪ ،‬وقد‬
‫تغيرت ىذه الحدود عبر عدة محطات تاريخية‪ ،‬لكن الثابت منيا و ما أجمعت عنو جل‬
‫‪1‬‬
‫عمى أطراف‬ ‫المصادر أنيا تمثل المنطقة الممتدة غرب نير النيل شرقا إلى رأس سولييس‬
‫المحيط األطمسي غربا ‪ ،‬ومن ساحل البحر المتوسط شماال إلى الصحراء الكبرى جنوبا ‪ .‬وقد‬
‫تنوعت المصادر القديمة التي تناولت موقع بالد المغرب عمى الشكل التالي ‪:‬‬
‫‪ ‬جغرافية بالد المغرب حسب هيرودوت( ‪ : 2)Hérodote‬جاء في ىيرودوت عن المغرب‬
‫من خالل ذكر قارات العالم القديم حيث صنف لوبة بأنيا القارة الثالثة بعد أوربا وآسيا‬
‫حاليا ‪ -‬ألن تسميات أوربا و آسيا حديثة – تمتد حدودىا من غرب مصر إلى رأس‬
‫سولييس وىو ما يتفق مع المصادر القديمة ويمكن تقسيميا حسب روايتو إلى ثالثة‬
‫أقاليم ‪:‬‬
‫‪ -‬اإلقميم الساحمي ‪ :‬وتنتشر فيو القبائل الموبية عمى طول الشريط الساحمي المطل‬
‫‪3‬‬
‫تمتد من‬ ‫عمى بحر ليبيا حيث يقسمو إلى منطقتين تفصميا بحيرة التريتون الشرقية‬
‫نير النيل حتى نير التريتون غربا ساحميا رممي منخفض وىي موطن قبائل البدو ‪،‬‬
‫و الغربية تمتد من التريتون شرقا إلى المحيط األطمسي غربا ‪ ،‬كما أشار إلى أنيا‬
‫موطن الميبيين المزارعين وىي جبمية حافمة بالوحوش الضارية ‪. 4‬‬
‫‪1‬‬
‫رأس سوليس ‪ :‬يقع جنوب طنجة بالمغرب األقصى حاليا ‪ ،‬انظر سيف الدين و آخرون ‪ ،‬أطمس التاريخ القديم ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار‬
‫الشرق العربي ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2009 ،‬ص ‪. 65‬‬
‫‪2‬‬
‫ىيرودوت عرف بأبي التاريخ وىو مؤرخ يوناني (‪ 424 – 485‬ق‪.‬م) ‪ ،‬ابن عائمة تيتم بالسياسة حيث شغف منذ البداية‬
‫بالتعميم و مطالعة الكتب من أىم مؤلفاتو ‪ ،‬مصر ىبة النيل و تاريخ ىيرودوت ‪ :‬انظر عبد المالك سالطنية ‪ ،‬المستوطنات‬
‫الفينيقية – البونية ‪ ،‬أطروحة دكتوراه العموم في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري قسنطينة ‪ ،‬الجزائر ‪( ،‬ب ‪ ،‬س)‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪3‬‬
‫عمى حسب رواية ىيرودوت ىي موجودة عمى الساحل الميبي حاليا ببنغازي ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ىيرودوت ‪ ،‬الم صدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 147‬‬
‫‪10‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫‪ -‬اإلقميم الداخمي ‪ :‬الذي يعتبر امتداد لموطن القبائل الموبية الساحمية يوازي اإلقميم‬
‫الساحمي‪.‬‬
‫‪ -‬اإلقميم الصحراوي ‪ :‬ىو إقميم مناخو صحراوي قاسي تصعب فيو المعيشة ويعتبر‬
‫طريق القبائل في التنقل‪.1‬‬
‫‪ ‬جغرافية بالد المغرب حسب استرابون ( ‪ : 2)Strabon‬في كتابو السابع عشر قدم لنا‬
‫استرابون وصفا لجغرافية بالد المغرب في قولو ‪... " :‬تمتد بين اإلسكندرية شماال‬
‫وميروي عاصمة أثيوبيا جنوبا عمى امتداد ‪ 10‬آالف ستاديوم‪ ، 3‬حيث تقع عمى حدود‬
‫المنطقة المشتركة بين المنطقة المحرقة و بين األرض المأىولة ونستطيع حساب مسافة‬
‫‪ 3000‬ستاديوم تقدر أقصى امتداد جغرافي طوليا لموبة بحوالي ‪ 13000‬ستاديوم ومع‬
‫ذلك فإننا ال نستطيع وضع تحديد دقيق لكامل المساحة " ‪. 4‬‬
‫ودورنا نحن كباحثين في المصادر التاريخية التأكد من ىذه المسافات بتحويميا‬
‫لمكيمومتر حيث وجدناىا تقريبا نفس المسافات الحالية ‪.‬‬
‫‪)2‬‬ ‫وقد وضع استرابون ليبيا بعد آسيا حاليا في مساحتيا وتأخذ شكل مثمث قائم(انظر‪:‬الشكل‬
‫وتقسم إلى ثالث مناطق ‪:‬‬
‫‪ -‬المنطقة األولى ‪ :‬تمتد من بحرنا ‪ -‬كما ذكره استرابون – ويقصد بو البحر األبيض‬
‫المتوسط ‪ ،‬وىي خصبة تتاخم مع الحدود القرطاجية إلى غاية موريطانيا و أعمدة‬
‫ىرقل (جبل طارق بالمغرب األقصى حاليا) ‪.‬‬
‫‪ -‬المنطقة الثانية ‪ :‬تمتد عمى طول المحيط وىي أقل خصوبة من األولى ‪.‬‬
‫‪ -‬المنطقة الثالثة ‪ :‬تتوسط المنطقة الخصبة والصحراوية وال تنبت إال السمفيوم ‪.5‬‬

‫‪1‬ىيرودوت ‪ ،‬الم صدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 147‬‬


‫‪2‬‬
‫استربون ىو جغرافي إغريقي (‪ 20 – 63‬ق‪.‬م ) ألف سبعة عشر مجمد تميزت أعمالو بالدقة والجدية‪ ،‬انظر ‪ :‬عبد المالك‬
‫سالطنية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ 1‬ستاديوم = ‪ 177.6‬متر ‪ .‬نفسو ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫استرابون ‪ ،‬الجغرافيا ‪( ،‬ب ‪،‬ط) ‪ ،‬تر ‪ :‬محمد مبروك الدويب ‪ ،‬منشورات جامعة قاريونس ‪ ،‬ليبيا ‪ ، 2006 ،‬ص ص ‪– 19‬‬
‫‪. 20‬‬
‫‪5‬‬
‫نفسو ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫أما بالنسبة لممناخ فقد ساد المناخ الرطب عمى القسم الشمالي الغربي من ليبيا والجزء الجنوبي‬
‫حار جدا قميل المطر قاحل‪. 1‬‬
‫‪ ‬جغرافية بالد المغرب القديم حسب بمين الكبير( ‪ : 2) Leptis Pline‬حيث قدم امتداد‬
‫ىذه المنطقة وىي المحصورة بين الحدود الغربية لمصر حتى المحيط األطمسي و بيا‬
‫خميج سرت وتريتون و أعمدة ىرقل ‪ ،‬كان اإلغريق يسمون إفريقيا ليبيا والبحر الذي‬
‫يحدىا يسمى البحر الميبي تمتد أقصى حدودىا إلى مصر وسواحميا عمى خط منحرف‬
‫متواصل من الغرب وىي أكثر المناطق قمة لمخمجان ‪. 3‬‬
‫‪ ‬جغرافية بالد المغرب القديم حسب سالوست ( ‪ :4 )Sallustius‬في وصفو لجغرافية‬
‫المنطقة بحيث يصنفيا في الجزء الثالث من العالم ‪ ،‬ويحدىا من الغرب المضيق الذي‬
‫يصل بحرنا بالمحيط و بأنيا تتميز بالح اررة الشديدة وبصحاري واسعة ‪ .‬أما وصفو‬
‫لمظروف المناخية يذكر أن األرض خصبة وىي صالحة لتربية الحيوانات لكنيا غير‬
‫‪5‬‬
‫‪ .‬و يجدر بنا كباحثين في تاريخ بالد المغرب اإلشارة أنو ما‬ ‫صالحة لغرس األشجار‬
‫يؤخذ عن ىذا الوصف ىو التناقض حيث أشار أن األرض خصبة ثم أقر أنيا غير‬
‫صالحة لغرس األشجار لندرة األمطار ويمكن أن يكون ىذا التناقض نتيجة خطأ في‬
‫الترجمة ألن استرابون أكد خصوبة المنطقة األولى لميبيا ‪.‬‬
‫‪ ‬جغرافية بالد المغرب القديم حسب بطميموس( ‪ : )Ptolémaïs‬يقسم ليبيا إلى خمسة‬
‫مقاطعات أو أقاليم وىي ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫استرابون ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 20‬‬
‫‪2‬‬
‫بمين الكبير ‪ ،‬يعرف باسم ببميوس الكبير أو القديم ولد حوالي ‪ 23‬لمميالد ‪ ،‬كان ضابطا من طبقة الفرسان بإفريقيا ‪ ،‬شغل‬
‫مناصب في عيد اإلمبراطور فسباسيان مات مختنقا بفيزوف سنة ‪ 79‬لمميالد أثناء رصده ظاىرة البركان الشييرة ‪ .‬انظر‪:‬‬
‫ميا عيساوي ‪،‬المجتمع الموبي في المغرب القديم ‪ ،‬من عصور ما قبل التاريخ إلى عشية الفتح اإلسالمي ‪ ،‬أطروحة دكتوراه‬
‫العموم في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري ‪ ،‬قسنطينة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2010 - 2009 ،‬ص ‪. 12‬‬
‫‪3.‬‬ ‫‪، XIII24 : XIV ، 1980 ، paris ،Histoire Naturelle ، 3 Pline L' Ancien‬‬
‫‪4‬‬
‫سالوسيت ىو مؤرخ روماني عاش في القرن األول قبل الميالد ( ‪ 36 -87‬ق‪.‬م) ‪ ،‬كان أحد المقربين من يوليوس قيصر ‪،‬‬
‫ألف مجموعة من األعمال التاريخية مستعينا بكتابات المؤرخين القرطاجيين ‪ .‬لمزيد من المعمومات أنظر‪:‬عبد المالك سالطنية ‪،‬‬
‫المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 26‬‬
‫‪5‬‬
‫سالوست ‪ ،‬الحرب اليوغرطية ‪( ،‬ب ‪ ،‬ط) ‪،‬تر ‪ :‬محمد المبروك الدويب ‪ ،‬منشورات جامعة بنغازي ‪ ،‬ليبيا ‪( ،‬ب ‪ ،‬س) ‪ ،‬ص‬
‫ص ‪. 30 – 31‬‬
‫‪12‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫‪ – 1‬مافريتانيا تينغيتاني ‪ :‬وتمثل موريطانيا الطنجية ‪.‬‬


‫‪ – 2‬مافريتانيا كايسارينسيا ‪ :‬وتمثل موريطانيا القيصرية ‪.‬‬
‫‪ – 3‬نوميديا ( إفريقيا )‬
‫‪ – 4‬كيرينايكي (قورينائية )‬
‫‪ – 5‬مارماريكي (مارماريكا) ‪ :‬اإلقميم المسمى ليبيا الحالية كما أشار إلى عدد من الوديان‬
‫المنتشرة عبر سواحل التي كان ليا األثر المباشر في ازدىارىا مثل ‪ :‬نير خولماث ‪ -‬نير‬
‫الشمف حاليا‪.1 -‬‬
‫‪ ‬جغرافية بالد المغرب القديم حسب المؤرخين المحدثين ‪ :‬تقع بالد المغرب في شمال‬
‫القارة اإلفريقية حيث تظير خريطتيا في شكل رباعي غير منتظم ‪. 2‬‬
‫‪ °25‬شرقا و ‪°17‬‬ ‫تمتد بين خطي طول ‪ °38 - °18‬شماال ‪ ،‬وبين خطي عرض‬
‫غربا‪ .‬و ىي بذلك تشغل موقعا إستراتيجيا من خالل وقوعيا عمى الضفة الجنوبية‬
‫لمحوض الغربي من البحر المتوسط باإلضافة إلى انفتاحيا عمى الحوض الشرقي من‬
‫خالل سواحل بالد المغرب الشرقية وكذا حمقة وصل بين ضفتي المتوسط والقارة‬
‫اإلفريقية‪ . 3‬وقد أشار محمد اليادي حارش إلى أن تباين التضاريس يرجع إلى عدة‬
‫عوامل منيا‪ :‬القرب والبعد عن البحر أو الصحراء التي أدت إلى تباين األقاليم المناخية‬
‫فقسوة المناخ القاري تقابميا برودة المناخ البحري الذي ال يشمل إال الشريط الساحمي‬
‫الضيق مقارنة بمساحة البالد الكاممة ‪ . 4‬أما فيما يخص الثروة الغابية تمثمت في البموط‬
‫والعرعار واألرز و غيرىا ‪ .‬ومن خالل كتابات المحدثين يمكننا أن نحدد البنية‬
‫التضاريسية لبالد المغرب والتي تتمثل في ‪:‬‬
‫أ‪ -‬الجبال ‪ :‬توجد في بالد المغرب القديم سمسمتي جبال األطمس التمي و الصحراوي وتمتد‬
‫سمسمة األطمس التمي من الغرب إلى الشرق ويتجاوز ارتفاعيا ‪ 2000‬متر والتي تتميز بقمميا‬

‫‪1‬‬
‫بطميموس كالوديوس ‪ ،‬جغرافيا ليبيا و مصر‪ ،‬ط ‪ ،1‬تر ‪ :‬محمد المبروك الدويب ‪ ،‬منشورات جامعة قاريوس ‪ ،‬ليبيا ‪،‬‬
‫‪ ، 2004‬ص ‪. 21‬‬
‫‪2‬‬
‫شارل أندري جوليان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 15 - 14‬‬
‫‪4‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪13‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫المسننة ‪ .‬أما سمسمة األطمس الصحراوي فيي محاذية لميضاب العميا الممتدة بين السمسمتين‬
‫والتي تتميز بشدة االنحدار نحو الصحراء وتتشكل من جبال التساال والبيبان والونشريس ـ والتي‬
‫تتميز بشدة االرتفاع الذي يتجاوز ‪ 4000‬متر ‪ ،‬وىو ما يجعميا في بعض األحيان محصنة‬
‫وفي أحيان أخرى عائق لمتواصل بين القبائل ‪. 1‬‬
‫ب‪ -‬السهول ‪ :‬تتميز بالد المغرب بوجود نوعين لمسيول ‪ ،‬ساحمية محاذية لمشواطئ مثل‬
‫سواحل مجردة بتونس ‪ ،‬والسيول الساحمية الغربية بتونس والسيول العميا بالجزائر ما تعرف‬
‫بمتيجة في األطمس البميدي حاليا ‪ ،‬وما يميزىا الضيق والتقطع رغم الخصوبة ‪ ،‬أما النوع‬
‫الثاني‪ :‬السيول الداخمية التي سميت بيذا االسم لوقوعيا داخل الجبال ‪ ،‬وىي أقل خصوبة من‬
‫النوع األول وتشترك معيا إال في خاصية الضيق والتقطع ‪. 2‬‬
‫ج ‪ -‬الهضاب ‪ :‬وىي المنطقة الممتدة بين سمسمة األطمس التمي و الصحراوي وىي أقل‬
‫خصوبة من السيول وتعرف أيضا بالسيوب تستغل كمراعي وتتميز بالشاسعة ‪.‬‬
‫أما بالنسبة لمتساقط فيو يتغير من منطقة إلى أخرى ففي الشريط الساحمي ال يتجاوز عمقو‬
‫في كل الحاالت من ‪ 100‬إلى ‪ 200‬ممم و يصل في منطقة السيوب إلى ‪ 100‬ممم‪.3‬‬
‫مما سبق نجد أن تباين التضاريس والغطاء النباتي أعطى المنطقة المغرب القديم صعوبة في‬
‫االتصال بين مختمف أقاليمو ‪ ،‬و كان لوجود الصحراء أثر في ازدواجية النمط المعيشي بين‬
‫البدو والحضر‪. 4‬‬
‫‪ .II‬شعوب و قبائل بالد المغرب‬
‫‪ - 1‬أصل السكان‬
‫تعتبر المصادر األدبية و المادية أىم ما يساعد الباحث في الوصول إلى ىدفو ‪ ،‬فدراسة أصل‬
‫سكان المغرب القديم تتوجب الرجوع إلى المصادر اليونانية مثل ىيرودوت الذي أشار في كتابو‬

‫‪1‬‬
‫شارل أندري جوليان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 14‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬سياسة الرومنة في بالد المغرب من سقوط الدولة القرطاجية إلى سقوط موريطانيا ( ‪ 146‬ق‪.‬م‪40 -‬‬
‫م) ‪( ،‬د ‪ .‬ط)‪ ،‬الشركة الوطنية لمنشر والتوزيع ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 1982 ،‬ص ‪. 07‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 15‬‬
‫‪4‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪. 17‬‬
‫‪14‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫" تسكنو مختمف القبائل الميبية إال‬ ‫الثاني إلى األقوام التي سكنت بالد المغرب قديما بقولو ‪:‬‬
‫بعض أجزائو التي يسكنيا الفينيقيون واإلغريق " ‪.1‬‬
‫وفي كتابو الرابع يقول ‪ " :‬تعيش ىنا أربعة أمم ال أكثر ‪ ،‬اثنان منيا أصميتان ‪ ،‬فالميبيون‬
‫‪ Les Lyiens‬في الشمال و األثيوبيون ‪ Ethioplens‬في الجنوب ‪ ،‬والفينيقيون ‪Phéniciens‬‬
‫‪ Les‬و اإلغريق ‪ Les Grecs‬استقروا فييا فيما بعد ‪ . 2 "...‬في موضع آخر يقول ‪ " :‬المنطقة‬
‫الساحمية الممتدة من مصر إلى رأس سولييس الذي يسجل نياية القارة الميبية إلى الغرب آىمة‬
‫بالميبيين ‪ .3 "...‬وىو ما يؤكده حارش أن ذلك يشكل ضمنيا الوحدة اإلثنية لسكان شمال إفريقيا‬
‫من مصر إلى المحيط ‪ ،4‬حيث صنفيم ىيرودوت عمى أساس نمط معيشتيم إلى ليبيين رعاة‬
‫متنقمين وىم يشكمون قبائل عديدة تعيش في المنطقة الممتدة من مصر شرقا إلى بحيرة التيرون‬
‫غربا ‪ ،‬ومن بين ىذه قبائل ىذا الصنف ذكر ‪ :‬األدروماشيد ‪ ،‬الجينداس ‪ ،‬الماشيل ‪ ،‬األوسيس‪،‬‬
‫أما الميبيين المزارعين ساكني البيوت فينتشرون في المنطقة الممتدة من بحيرة التريتون حتى‬
‫رأس سولييس المطل عمى المحيط األطمسي والذي يشكل نياية القارة فقد ذكر منيم‪:‬‬
‫الماكسوس‪ ،‬األوزيس ‪ ،‬الزويس ‪ ،‬الجيزيت ‪. 5‬‬
‫أما في المصادر الرومانية فقد ورد ذكر سكان بالد المغرب عند سالوست بقولو ‪ " :‬إن السكان‬
‫األوائل إلفريقيا ىم الميبيون و الجيتول ‪ ، Gétules‬ثم أضاف إلييم المور ‪ Maures‬والنوماد‬
‫‪ Médes‬والفرس‬ ‫‪ Numides‬نتيجة امتزاج السكان األوائل ببقايا جيش ىرقل ‪ ،‬من ميديين‬
‫‪6‬‬
‫لكن شارل جوليان ينفي رواية سالوست و يرى أن أنيا ال نصيب ليا‬ ‫‪ Perses‬و اآلرمن ‪"...‬‬
‫ليا من الصحة ‪ .7‬أما محمد اليادي حارش فيذكر أنو يوافق اقتراح قزال الذي حاول التقريب‬
‫‪ Peror‬أو ‪ pharust‬الذي تتواجد أراضييم عمى‬ ‫بين ‪ Perses‬الواردة عند سالوست و‬

‫‪1‬‬
‫ىيرودوت ‪ ،‬الم صدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 147‬‬
‫‪2‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪. 310‬‬
‫‪3‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪. 308‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪. 27 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫لإلطالع أكثر انظر‪:‬ىيرودوت ‪ ،‬أحاديث ىيرودوت عن الميبيين(األمازيغ) ‪( ،‬ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬مصطفى األعشى ‪ ،‬مطبعة‬
‫المعارف الجديدة ‪ ،‬المغرب ‪ ، 2009 ،‬ص ‪. 33‬‬
‫‪6‬‬
‫سالوست ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 33 – 32‬‬
‫‪7‬‬
‫شارل أندري جوليان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬
‫‪15‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫‪1‬‬
‫‪Procope‬‬ ‫‪ .‬كما نفى أيضا جوليان رواية بروكوب‬ ‫السواحل األطمسية في المغرب الحالي‬
‫الزاعمة بحدوث ىجرة فينيقية بعد دخول العبرانيين إلى بالد الشام مرجعا ذلك إلى مصادر‬
‫‪2‬‬
‫‪ .‬وىناك من ربط سكان بالد‬ ‫ييودية متأثرة باليونان قائال ‪ " :‬وليس لو أية قيمة تاريخية "‬
‫المغرب الذي ذكرىم سالوست من جيتول و ليبيين بمعطيات أنتروبولوجية تعود إلى فترة ما قبل‬
‫التاريخ بأصول السكان إلى ساللتين ‪:‬‬
‫‪ -‬إنسان مشتى العربي في الشمال بين التل والبحر المتوسط ‪.‬‬
‫‪ -‬اإلنسان القفصي الذي شغل القسم القاري الداخمي الذي أصبح الحقا لقبائل‬
‫الجيتول‪ .3‬لكن حارش يخمص إلى أن التركيبة األساسية لسكان بالد المغرب القديم‬
‫تنتمي إلى العرق األمازيغي القديم الذي كان موجودا في المنطقة منذ ما قبل التاريخ‬
‫‪ .4‬ليضيف أنو في‬ ‫كتركيب لم يتوقف عن اإلثراء بواسطة مساىمات إثنية وثقافية‬
‫الجانب اإلثني لم تكن مساىمة كبيرة‪ ،‬حيث تنتيي بالذوبان في العنصر البربري‬
‫الغالب ‪ ،‬أما ثقافيا فكانت المساىمة أنشط و أكثر تأثي ار ‪ ،‬لكن دون أن تتمكن من‬
‫إلغاء الركيزة القديمة‪. 5‬‬
‫‪ - 2‬تنوع التركيبة البشرية‬
‫عرف المغرب القديم منذ مجيء الفينيقيين تنوع في التركيبة البشرية ‪ ،‬إذا تعددت‬
‫األجناس بين المحمية و وافدة وقد ذكر ىيرودوت بأن سكان المنطقة الممتدة من غرب النيل‬
‫إلى المحيط شعوب تسمى الميبو وىم العناصر المحمية وتتمركز في الشمال ‪ ،‬أما الفينيق‬
‫واإلغريق فيم الوافدون‪ 6‬و يمكننا تصنيفيا بالشكل كاآلتي ‪:‬‬
‫أ – السكان األصميون ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 27‬‬
‫‪2‬‬
‫أندري شارل جوليان ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد الصغير غانم ‪ ،‬مواقع و حضارات ما قبل التاريخ في بالد المغرب القديم ‪ ،‬دار اليدى ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬عين مميمة ‪ ،‬الجزائر ‪،‬‬
‫‪ ، 2003‬ص ‪. 93‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪. 32 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪. 33‬‬
‫‪6‬‬
‫ىيرودوت ‪ ،‬الم صدر السابق ‪. 369 ،‬‬
‫‪16‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫‪ ‬المور ‪ :‬ىي كممة ذات أصل فينيقي تعني عندىم الغرب ‪ ، 1‬و اسم موريطانيا أو موريزيا‬
‫قد اشتق من المور الذين أشار إلييم سالوست في حديثو عن السكان األوائل إلفريقيا ‪ 2‬و‬
‫اشتق اإلغريق فيما بعد كممة " موريزيا " ‪ ،‬وجرى تداوليا في المصادر الرومانية بصيغة‬
‫موري " ‪ " Mauri‬فجعل سالوست الموريين – كما سبق ذكره – مزيجا من الموبيين‬
‫والميديين ‪ ،‬استوطنوا القسم الغربي من شمال اإلفريقي الممتد من واد مموشة (المموية)‬
‫إلى المحيط األطمسي ‪ 3 .‬وقد استمرت ىذه التسمية إلى العيد الذي سيطر فيو الرومان‬
‫عمى المنطقة ‪ ،‬أما عن ىذه (مور) فيي ذات أصل فينيقي وتعني أقصى الغرب حيث‬
‫اشتقت من كممة "موىيريم" التي ليا ذات المدلول ‪. 4‬‬
‫النوميديون ‪ :‬ورد أول إشارة إلييم عند ىيرودوت بصيغة نوماداس ( ‪)Nomadés‬‬ ‫‪‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ ،‬أما في القرن الثالث قبل الميالد فقد أخذت كممة نوميديا‬ ‫قاصدا بيا المبيين البدو‬
‫مدلوال جغرافيا تمتد من قرطاجة إلى واد مموية غربا ‪ ،‬وكانت حدودىا تتقمص وتتسع‬
‫حسب قوتيا أو ضعفيا ‪ ،‬وسمي السكان النوميديين ‪.6‬‬
‫‪ ‬الجيتول ‪ :‬أحد الشعوب األصمية في بالد المغرب القديم ‪ ،‬ويعتبر الشعب الثالث الذي‬
‫يعمر إفريقيا الشمالية‪ ، 7‬كانت قبائل الجيتول تنتشر من اليضاب العميا إلى الصحراء‬
‫جنوب موريطانيا ‪ ،‬ومن المحيط األطمسي إلى فزان ‪ ،‬وقد ذكر استرابون شبو مناطق‬
‫انتشارىم بالبقع عمى جمد الفيد ‪ ،‬لم ترد ىذه التسمية عند ىيرودوت مما يدل عمى أن‬
‫الجيتول ظيرت فيما بعد ‪ ،‬إذا لم ترد في المصادر الالتينية إال بداية القرن الثاني قبل‬

‫‪1‬‬
‫عبد الرحمان بن خمفة ‪،‬الديانة الوثنية المغاربية القديمة (منذ النشأة إلى سقوط قرطاجة ‪ 146‬ق‪.‬م ) مذكرة مقدمة لنيل درجة‬
‫الماجستير في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2008 / 2007 ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪2‬‬
‫سالوست ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬
‫عبد الرحمان خمفة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 15‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫محمد العربي العقون ‪ ،‬االقتصاد والمجتمع في الشمال اإلفريقي القديم ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار اليدى ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2008 ،‬ص ‪.155‬‬

‫‪5‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب (سياسة الرومنة ‪146‬ق‪.‬م‪ 40 /‬م) ‪ ،‬ط‪ ، 2‬المؤسسة الوطنية‬
‫لمكتاب‪ ،‬الجزائر‪( ،‬ب ‪ ،‬س) ‪ ،‬ص ص ‪. 164 – 163‬‬
‫‪6‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪. 165‬‬
‫‪7‬‬
‫سالوست ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 32‬‬
‫‪17‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫الميالد ‪ .‬كان الجيتول منقسمين إلى عدة قبائل منيا ‪ :‬األتوتول ‪ ،‬ىذه األخيرة لعبت دو ار‬
‫ىاما في تاريخ المنطقة ‪ ،‬فيي القبيمة األقوى وقد خص سالوست الجيتول بمعب دور‬
‫‪1‬‬
‫‪ .‬في حين أشار تيف ليف إلى أنيم يشكمون قسما‬ ‫ميم في تكوين الشعب النوميدي‬
‫من جيوش حنبعل ‪ ،‬أما قزال فيرى أن الجيتول األتاتول كانوا يتواجدون بجوار واد‬
‫بورقرق و مدينة سيال بالمغرب األقصى حاليا ‪ ،‬وكانوا ييددون خطوط االتصال‬
‫باألطمس و يشكمون خط ار عمى المستعمرات الرومانية ‪ .‬وفي مجمل القول فيم‬
‫يتمركزون في السيوب والمرتفعات الجنوبية والحواف الشمالية لمصحراء فيما بين المحيط‬
‫األطمسي حتى فزان شرقا و اشتيروا بممارسة الرعي ‪. 2‬‬
‫ب – السكان الوافدون ‪:‬‬
‫الفينيقيون ‪ :‬عرف التوسع الفينيقي في بالد المغرب مرحمتين ‪ :‬األولى استكشافية‬
‫و ليكسوس ‪ 4‬وذلك نياية األلف الثانية قبل‬ ‫‪3‬‬
‫لمراقبة المنطقة ‪ ،‬أسست خالليا أوتيكا‬
‫الميالد ‪ ،‬والمرحمة الثانية استقرار تمثمت في إنشاء محطات تجارية ثابتة مثل ‪ :‬قرطاجة‬
‫و حضرموت (سوسة) ‪ ، 5‬وقد كانت العالقة بين الفينيقيين و الموبيين الذين يعتبرون‬
‫السكان األصميين سممية تجارية ‪ ،‬ولعل االستمرار في ىذا التوافق بينيما منذ تأسيس‬
‫قرطاجة إلى القرن الخامس قبل الميالد دليل عمى االنسجام بين الطرفين كما يمكن أن‬
‫‪6‬‬
‫تكون تمك الفترة التي تكونت فييا الحضارة البونية (فينيقيين – لوبيين)‬

‫‪1‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪33‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 32‬‬
‫‪3‬‬
‫أوتيكا ‪ :‬ىي مستوطنة فينيقية في الحوض الغربي لمبحر األبيض المتوسط ‪ ،‬تأسست حوالي القرن الحادي عشر ق ‪.‬م ‪ ،‬وىي‬
‫تقع عمى السيول الشمالية الساحمية التونسية ‪ ،‬انظر ‪ :‬محمد الصغير غانم ‪ ،‬سيرتا النوميدية النشأة والتطور ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ط ‪، 1‬‬
‫شركة العال ‪ ،‬عين مميمة ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ص ‪. 74‬‬
‫‪4‬‬
‫ليكسوس ‪ :‬من بين أقدم المستوطنات الفينيقية في الحوض الغربي لمبحر األبيض المتوسط موقعيا حاليا يبعد عن مدينة‬
‫العرائش حوالي ‪ 4‬كمم ‪ .‬انظر ‪ :‬محمد الصغير غانم ‪ ،‬نفسو ‪ ،‬ص ‪. 74‬‬
‫‪5‬‬
‫سوسة ‪ :‬ىي مدينة تونسية تقع عمى بعد ‪ 140‬كمم جنوب العاصمة ‪ ،‬أسسيا الفينيقيون في األلف األولى قبل الميالد وتغير‬
‫اسميا و أطمقوا عميو "حضرموت" ‪ ،‬نسبة لتشابو سواحميا بسواحل حضرموت الموجودة في جنوب شبو الجزيرة العربية ‪.‬‬
‫لمزيد من المعمومات انظر ‪ :‬عبد المالك سالطنية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 227‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬نوميديا وروما اإلمبراطورية تحوالت اقتصادية واجتماعية في ظل االحتالل ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مؤسسة كنوز‬
‫الحكمة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2012 ،‬ص ‪. 198‬‬
‫‪18‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫الرومان ‪ :‬بعد سقوط قرطاج وتدميرىا سنة ‪ 146‬ق‪.‬م دخل الرومان بالد المغرب الكبير‬
‫من بابيا الواسع بل وتربع عمى عرشيا ونيب خيراتيا وقد وفدت جميع طبقات المجتمع‬
‫الروماني من حكام وتجار و مزارعون ‪ ،‬وقد تركز ىؤالء في المدن البونية التي تتوفر‬
‫عمى مرافق الراحة والرفاىية‪. 1‬‬

‫‪ 1‬محمد البشير شنيتي ‪ ،‬نوميديا وروما اإلمبراطورية تحوالت اقتصادية واجتماعية في ظل االحتالل‪ .‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪198‬‬
‫‪19‬‬
‫الفصل األول ‪:‬‬

‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪9‬ق‪.‬م– ‪2‬ق‪.‬م‬

‫المبحث االول ‪ :‬مممكة قرطاجة‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬الممالك الوطنية‬


‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ .I‬مممكة قرطاجة (تأسيسها – تطورها ‪ -‬سقوطها)‬

‫‪ - 1‬اختالفات تأسيس المممكة القرطاجية‬


‫يعتبر وصوؿ البحارة والمستوطنيف مف فينيقيا إلى سواحؿ بالد المغرب القديـ محطة‬
‫لدخولو مرحمة ظيور الكتابات التاريخية المتعمقة بيذه المنطقة ‪ ،‬ولكف تناوؿ تاريخ ىذه الفترة‬
‫أمر صعب‪ ،‬وذلؾ ألف المصادر كميا تقريبا يونانية و التينية‪ .‬وكذلؾ يكتنؼ الحضارات الميبية‬
‫المحمية قبؿ القرف ‪ 3‬ؽ‪.‬ـ بعض الغموض‪ ،‬وقد استمر تراث حضارة العصر الحجري الحديث‬
‫في المغرب حتى األلؼ األولى قبؿ الميالد ‪.1‬‬
‫وما يمكف اإلشارة إليو ما قالو الدكتور محمد الصغير غانـ عف التواجد الفينيقي في‬
‫غربي البحر المتوسط الذي كاف بإنشاء مجموعة مف المستوطنات الفينيقية التي سبقت تأسيس‬
‫قرطاجة ونذكر منيا ‪:‬‬
‫‪ _1‬قادس‪ :‬وىي تعد مف المستوطنات الباكرة في الحوض الغربي لممتوسط‪ ،‬وقد أسسيا التجار‬
‫الفينيقيوف ألغراض اقتصادية وقد أسست حوالي القرف الثامف ؽ‪.‬ـ وىي شبيية بمدينة صور ‪.2‬‬
‫‪ _2‬مالقا(‪ :)malga‬وكانت مخصصة لتجفيؼ األسماؾ وتمميحيا‪.‬‬
‫‪ _3‬أبدي ار (‪: )Abdera‬أسسيا القائد القرطاجي صدربعؿ (وىي مف المستوطنات المتأخرة)‪.‬‬
‫‪ -4‬سردينيا‪ :‬أو ما يسمى (صونت سيراي)‪.‬‬
‫‪ -5‬أوتيكا‪ :‬عمى الساحؿ الغربي مف خميج تونس وذلؾ سنة ‪ 1101‬ؽ‪.‬ـ‪.3‬‬
‫‪ - 6‬تأسيس قرطاجة‪:‬‬
‫_ اختيار الموقع وأسباب بناء المدينة‪:‬‬
‫أ_ أصل التسمية‪:‬‬
‫‪ )Carthage‬مف ( ‪ )Cartago‬وبدقة ىي ( ‪ )Kartago‬وىو لفظ‬ ‫جاء اسـ قرطاجة (‬
‫التيني لمكممة اليونانية ( ‪ )Karchedàn‬التي بدورىا لفظ محرؼ لمتسمية الفينيقية المركبة (قرت‬
‫حدشت) والتي تعني المدينة الجديدة‪ .‬وفي وقت ما وبسبب المفاىيـ السياسية لمفينيقييف فرضت‬

‫‪1‬‬
‫ب‪.‬ىػ‪ .‬وار منجتوف ‪( ،‬تاريخ إفريقيا العاـ) العصر القرطاجي ‪ ،‬ـ ‪(، 2‬د‪.‬ط) ‪ ،‬إش‪ :‬جماؿ مختار‪ ،‬المجنة العممية الدولية‬
‫لتحرير تاريخ إفريقيا العاـ‪ ،‬اليونيسكو‪ ،1985 ،‬ص ‪.453‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬التوسع الفينيقي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ص ‪.83 -82‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 85‬‬
‫‪21‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫قرطاجة نفسيا بقوة عمى رأس العالـ البوني‪ ،‬ونحف ال نقبؿ بالترجمة التي تعطي لكممة ( ‪)Cart‬‬
‫مدلوؿ (عاصمة)‪ ،‬إذ فسر"كاتوف ( ‪ ")Katon‬أصؿ ىذه الكممة ومعناىا‪ ،‬وأشار "تيت‪-‬ليؼ"‬
‫‪ .1‬وىو ما اتفقت‬ ‫(‪ )Tite-live‬إلى كممة قرطاجة في المغة البونية أنيا تعني المدينة الجديدة‬
‫عميو جؿ المراجع الحديثة مع ما ورد في القواميس لمعنى ىذه الكممة ‪ .‬وىذا والمعنى يدؿ عمى‬
‫أف االسـ قد اختير ليدؿ عمى مدينة ورثت مرك از أكثر قدما منيا في ذلؾ الموقع أو أنيا ألحقت‬
‫بو‪.‬ويدؿ ىذا ضمنا عمى أف المكاف قدر لو منذ البداية أف يكوف المستوطنة الرئيسية لمفينيقييف‬
‫في الغرب‪ ،‬واف كنا ال نعرؼ عف آثارىا في أقدـ فترات تاريخيا سوى قدر ضئيؿ ال يسمح‬
‫بالتأكد مف ىذا األمر ‪ .2‬وقد أسسيا سنة ( ‪ 814‬ؽ‪.‬ـ) فينيقيوف أتوا مف صور وأطمقت كممة‬
‫"فوني" عمى فينيقي الغرب وعمى إنتاجيـ ‪ .3‬ولقد بنيت في القرف الثاني قبؿ الميالد "قرطاجة أو‬
‫قرطاجنة" أخرى ( ‪ )Cartagene‬في إسبانيا‪ ،‬وكانت ىي أيضا مدينة جديدة بالمفيوـ الذي يدؿ‬
‫عمى تجديد البناء الفينيقي القديـ "لقادس"‪.4‬‬
‫ب_ ظروف وأسباب بناء المدينة الجديدة‪:‬‬
‫ال يمكف أف نستنتج شيئا ذا قيمة تاريخية مف أسطورة التأسيس التي وصمت إلينا في مختمؼ‬
‫كتابات المؤلفيف اإلغريؽ والروماف‪ ،‬فقد عثرنا عمى آثار ترجع إلى حوالي التاريخ المذكور‬
‫(‪ 814‬ؽ‪.‬ـ) ‪ ،‬ويشير الترابط العاـ لمشواىد األثرية أنو بينما كانت الرحالت الفردية تتـ في فترة‬
‫مبكرة فإف المستوطنات الدائمة عمى ساحؿ المغرب لـ تتـ قبؿ سنة ( ‪ 800‬ؽ‪.‬ـ) ‪ .5‬ولقد نقمت‬
‫لنا ظروؼ بنائيا بواسطة العديد مف الكتاب بمختمؼ المعطيات التي تالمس ىذا الموضوع‬
‫وربما كانت ىذه الراويات شائعة في أوساط القرطاجييف الذيف كانوا عمى احتكاؾ مع العالـ‬
‫اإلغريقي‪.‬وبعد أف تمكنت "عميسا" وصحبيا مف الوصوؿ إلى سواحؿ أفريقيا‪ ،‬وكاف أوؿ أىدافيـ‬
‫ىو سعييـ إلقامة عالقات صداقة مع السكاف األصمييف الذيف أروا في القادميف الجدد إمكانية‬
‫إقامة محطات تجارية مريحة‪ ،‬فقد عرضت الممكة عمى السكاف أف تشتري منيـ قطعة أرض‬

‫‪1‬‬
‫فرانسوا ديكريو‪ ،‬قرطاجة أو امبراطورية البحر‪ ،‬ط ‪ ،1‬تر‪ :‬عز الديف أحمد عزو‪ ،‬دار األىالي لمطباعة والنشر‪ ،‬دمشؽ‪،‬‬
‫‪ ،1996‬ص ‪.53‬‬
‫‪2‬‬
‫ب‪.‬ىػ‪ .‬وار منجتوف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪. 455‬‬
‫‪3‬‬
‫مادليف ىورس مياداف‪ ،‬تاريخ قرطاج‪ ،‬تر‪ :‬إبراىيـ بالش‪ ،‬ط‪ 1‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪-‬لبناف‪ ،1981 ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪4‬‬
‫فرانسوا ديكريو‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪5‬‬
‫ب‪.‬ىػ‪ .‬وار منجتوف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪.455‬‬
‫‪22‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫بمقدار ما يمكف لجمد ثور أف يغطييا كي تستريح ىي وصحبيا المنيكوف بسبب المالحة‪ .‬ولقد‬
‫كاف سكاف بالد المغرب القديـ يخشوف ىؤالء الغرباء دوف شؾ‪ ،‬إال أف عرض الممكة بدا ليـ‬
‫متواضعا فقبموا؛ غير أف الممكة "عميسا" لجأت إلى حيمة جديدة‪ ،‬إذ قامت بقص جمد الثور إلى‬
‫سيور رفيعة جدا‪ .‬وبعد أف تكممت إقامتيـ األولى بالنجاح‪ ،‬أنشئوا مدينة عمى ىذا الشاطئ ‪.1‬‬
‫ج ‪ -‬اختيار الموقع وبداية التشييد‪ :‬باشر الفينيقييف الحفر بيدؼ تأسيس المدينة المدعوة‪،‬‬
‫فعثروا فييا عمى "رأس ثور" فأحسوا أف ذلؾ نذير شؤـ‪ ،‬فاختاروا أرضا أخرى‪ ،‬فعثروا فييا عمى‬
‫رأس حصاف‪ ،‬و أروا فيو رم از لمقيـ الحربية والقوة فكاف ىو المكاف المختار ‪ .2‬وتقع قرطاج عمى‬
‫بعد ستة عشر كيمومت ار تقريبا مف الشماؿ الشرقي لمدينة تونس عمى شبو جزيرة واسعة‪ ،‬يحدىا‬
‫مف الجنوب خميج تونس‪ ،‬ومف الشرؽ البحر (البحر المتوسط) ومف الشماؿ بحيرة (سوك ار)‬
‫المالحة والممتدة عمى الشاطئ‪ ،‬ويتصؿ شبو الجزيرة ىذا مف الغرب بالقارة األفريقية‪.‬‬
‫وتعد قرطاج مف بيف أجمؿ المناظر الطبيعية في العالـ إذ يحظى الموقع بمميزات ثمينة‪،‬‬
‫‪ ،3‬ويميز ىذه‬ ‫تعتبر ضمانات لتأميف وتوسيع العاصمة وحماية جالليا وتألقيا الصاعديف‬
‫المنطقة مناخ حار معتدؿ ‪ ،4‬يوفر ليا مزروعات متوسطية كالحبوب والخضار وغيرىا وليس‬
‫تفاوت درجات الح اررة فييا كبي ار جدا‪ ،‬بؿ يمطفو جوارىا لمبحر‪ ،‬ومعدؿ تساقط األمطار يبمغ‬
‫ثمانيف يوما في السنة‪ ،‬مما يجعؿ مناخيا صحيا وقميؿ الرطوبة وفي أغمب األحياف تتعرض‬
‫مدينة قرطاج لريح شمالية غربية‪ ،‬كما أف نسيـ البحر يخفؼ مف وطأة السموـ عند ىبوبيا ‪.5‬‬
‫د ‪ -‬البناء الحضاري لممدينة‪:‬‬
‫لـ يمض عمى بناء المدينة زمف طويؿ حتى استولى أىميا عمى شطوط إفريقيا‪ ،‬وبعض‬
‫جزر البحر المتوسط واألقيانوس األتمنتيكي (المحيط األطمسي)‪ ،‬فأصبحت سمطتيـ عظيمة‬
‫جدا‪ ،‬واقتضت الحاؿ أف يكوف ليـ جيش وافر‪ ،‬وبوارج كثيرة‪ ،‬وال سيما أف لصوص‬

‫‪1‬‬
‫فرانسوا ديكريو‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪. 55‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 57‬‬
‫‪3‬‬
‫فرانسوا ديكريو‪ ،‬قرطاجة الحضارة والتاريخ‪ .‬تر‪ :‬يوسؼ شمب الشاـ‪ ،‬دار طالس‪ ،‬دمشؽ‪ ،1994،‬ص ص ‪.48 -47‬‬
‫يشبو إلى حد بعيد مناخ تونس حاليا‪ ،‬إذ ال تتمقى ىذه المنطقة في الوقت الحاضر إال ‪ 450‬مـ‪ 3‬مف مياه األمطار‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫مادليف ىورس مياداف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪. 14‬‬
‫‪23‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫البحر كانوا خط ار عمى تجارتيـ ‪ .1‬ولكي تشعر قرطاجة باألمف بنت أسوا ار شاىقة وعريضة‬
‫خارجا يمنع التعمشؽ الفردي (التسمؽ) أو طرح الساللـ لمتسمؽ ‪،2‬‬
‫ً‬ ‫القاعدة وانحناء حيطاف السور‬
‫ومع ذلؾ تصر قرطاجة عمى حماية ذاتيا‪ ،‬فالسور يتقدمو خندؽ (‪ ،)3‬األمر الذي جعؿ وسائؿ‬
‫الدفاع عف قرطاج في غاية القوة‪ ،‬ولـ تقتصر وسائؿ التحصيف عمى ذلؾ‪ ،‬وانما أقيمت قمعة‬
‫داخمية‪ ،4‬يحيط بيا سور كبير طولو حوالي ثالثة كيمومترات‪ ،‬وىو بال شؾ أقدـ جزء في‬
‫المدينة‪.5‬‬
‫وفي أخر ىذا المطمب نقدـ مقارنة لممؤرخيف المغاربة المحدثيف بداية ب الدكتور محمد‬
‫الصغير غانـ الذي أشار إلى إنشاء مدينة قرطاجة التي تعتبر مف أىـ المستوطنات الفينيقية في‬
‫‪ 814‬ؽ ‪ .‬ـ تغيرت زعامة‬ ‫وسط السواحؿ المغاربية ‪ ،‬وبالضبط في خميج شماؿ تونس سنة‬
‫المدف الفينيقية بحيث حمت مدينة قرطاجة محؿ صور ‪ ،‬وبذلؾ أخذت زعامة المستوطنات‬
‫الدكتور محمد‬ ‫الفينيقية القرطاجية في الحوض الغربي لمبحر المتوسط وىو بذلؾ يؤكد فكرة‬
‫فنطر و قد أيده في ذلؾ الدكتور محمد اليادي حارش الذي قدـ التطور الذي شيدتو قرطاجة‬
‫مف مركز تجاري إلى قوة بحرية خالؿ القرف ‪ 5‬ؽ‪ .‬ـ ‪.‬‬
‫‪ - 2‬المظاهر الحضارية لمممكة قرطاجة‪:‬‬
‫أ ـ المظهر السياسي‪:‬‬
‫يؤكدوا المؤرخوف عمى أنيـ لـ يعرفوا الشيء الكثير عف األنظمة السياسية القرطاجية في القروف‬
‫األولى لكنيا مف المؤكد أنيا كانت مشابية لنظاـ صور السياسي عمى أنيا مف األجدر أنيا‬
‫‪ 5‬ؽ‪ .‬ـ‬ ‫كانت ممكية في البداية ورغـ أف التاريخ لـ ينقؿ لنا اسـ أي ممؾ قرطاجي قبؿ القرف‬
‫إال انو في أوائؿ ىذا القرف يكوف ىميمكار ابف حنوف قد وصؿ إلى الحكـ نتيجة قيمتو ىذا ما‬
‫يفيـ منو أف تعيينو كاف باالختيار ال وراثيا ‪،‬أي أف نظاـ الحكـ قد تعرض لمتغيير‪.‬أما في‬

‫‪1‬‬
‫نجيب متري‪ ،‬كتاب ممخص التاريخ القديـ‪( ،‬مقتطؼ مف أصدؽ المصادر وأصحيا)‪ .‬ؼ ‪ ،6‬مطبعة المعارؼ‪ ، ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 1331‬ىػ‪1913-‬ـ ‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد بيومي ميراف‪ ،‬مصر والشرؽ األدنى القديـ (المغرب القديـ)‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪1410 ،‬ىػ‪1990-‬ـ‪ ،‬االسكندرية‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫‪3‬‬
‫شوقي خير اهلل‪ ،‬قرطاجة العروبة األولى في المغرب‪ .‬ط‪ ،1‬دار النشر (مركز الدراسات العممية)‪ ،1992 ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪4‬‬
‫مكانيا اآلف كنيسة لويس التاسع‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد بيومي ميراف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫‪24‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫النصؼ الثاني مف القرف ‪ 6‬والنصؼ األوؿ مف القرف ‪ 5‬قبؿ الميالد سيطرت األسرة الماغونية‬
‫طيمة ثالثة أجياؿ عمى الحكـ ‪،‬ومف أىـ حكاميا نجد ‪:1‬‬
‫ماغوف وأبناءه ( صدر بعؿ‪ ،‬ىممكار ) ثـ أبناء صدر بعؿ الثالث وىـ ( حنبعؿ‪ ،‬صدر بعؿ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ .‬لقد كاف المظير الوحيد في‬ ‫سافوا) وأبناء ىممكار الثالثة ( خميمكاف ‪ ،‬حنوف ‪ ،‬جيسكوف )‬
‫قرطاجة الذي حظي بإرضاء أباطرة اإلغريؽ ىو دستورىا السياسي الذي يبدوا انو يكفؿ ليا‬
‫االستقرار وىنا يبرز التأثير اإلغريقي في قرطاجة نتيجة االحتكاؾ حيث كاف ىذا الدستور‬
‫مشابو بدرجة كبيرة بدستور اسبرطة وأثينا ‪.3‬‬
‫المظهر االقتصادي‪:‬‬
‫أ ـ التجارة ‪ :‬كانت قرطاجة تمثؿ أغنى مدينة في عالـ البحر المتوسط ‪ ،‬لقد كاف دورىـ التجاري‬
‫يتمثؿ في إيصاؿ السمع غير المصنعة في شرقي المتوسط ثـ نقؿ البضائع المصنعة مف ىذه‬
‫الدوؿ وتوزيعيا عمى محتاجييا مف الشعوب حيث حصؿ القرطاجيوف عمى ىذه المعادف الخاـ‬
‫مف كؿ مقاطعة كرنويؿ وجزر كاسيتريدس التي كانت تحتوي عمى معادف القصدير واسبانيا‬
‫حاليا التي وجد بيا مناجـ الفضة والرصاص والنحاس ‪ ،‬ومف غرب إفريقيا االستوائية وبالد‬
‫السوداف المتاف كاف يجمب منيا الذىب والعاج والحجارة الكريمة‪.4‬‬
‫وقد لجئوا إلى الدفع بالطرؽ المعموؿ بيا آنذاؾ مف السبائؾ الذىب أو الفضة أو العمالت‬
‫األجنبية إذ لـ تسؾ العممة حتى أواخر القرف الخامس ؽ‪.‬ـ في قرطاجة‪ ،‬وكانت صادراتيـ عبارة‬
‫عف أقمشة‪ ،‬الزرابي‪ ،‬العسؿ ‪ ،‬التيف‪ ،‬المرمر‪ ،‬النحاس‪ ،‬الحيوانات المفترسة‪ ،‬الخمر والزيوت ‪.5‬‬
‫وقد عرؼ القرطاجيوف أيضا نظاـ المقايضة الصامتة حيث يفرغوف بضائعيـ في مناطؽ بعيدة‬
‫غير معروفة ثـ يعودوف لمسفف ويرسموف إشارة بالدخاف ‪ ،‬عندما يرى األىالي الدخاف يأتوف لذلؾ‬
‫المكاف يضعوف كمية مف الذىب أو العاج أو جمود الغزالف وغيرىا مقابؿ البضائع ثـ ينسحبوف‪،‬‬
‫عند ذلؾ يعود القرطاجيوف لممكاف مف جديد ويفحصوا جيدا ما تركو األىالي فإذا أروا أنو يعادؿ‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد بيومي ميراف‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد الصغير غانـ‪ ،‬المرجع السابؽ‪،‬ص‪.113‬‬
‫‪5‬‬
‫‪،‬‬ ‫ج ‪ .‬كونتو‪ ،‬الحضارة الفنيقية ‪ ،‬تر‪ :‬محمد عبد اليادي شعيرة ‪ ،‬م ار ‪ :‬طو حسيف ‪ ،‬شركة مركز كتب الشرؽ االوسط‬
‫ص‪.87‬‬
‫‪25‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫قيمة البضائع أخذوه وأبحروا بعيدا ‪،‬واذا كاف غير كافي عادوا إلى سفنيـ وانتظروا أف يضيؼ‬
‫األىالي الكمية الكافية إلرضائيـ‪ ،‬ولـ يكف القرطاجيوف يقربوف الذىب أو السمع حتى يساوي في‬
‫قيمتو البضائع التي أحضروىا كما أف األىالي ما كانوا يقربوف البضائع حتى يتـ نقؿ الذىب‬
‫مف مكانو ‪ ،1‬أما عف التجارة البحرية الخارجية فقد كانت مزدىرة لمغاية وأدت إلى ظيور‬
‫الرحالت االستكشافية لممموؾ القرطاجييف الكبرى ولعؿ مف أىميا رحمة ىممكوف التي انطمقت‬
‫مف قرطاجة ووصمت حتى اسبانيا والغاؿ مف اجؿ السيطرة عمى تجارة القصدير‪ ،‬ولـ يسمح‬
‫‪ .2‬باإلضافة إلى رحمة الممؾ‬ ‫القرطاجيوف بتسرب المعمومات عف ىذه الرحالت إال ناد ار‬
‫القرطاجي حنوف التي كانت حوالي ( ‪350 - 450‬ؽ‪.‬ـ)‪ ،‬رحؿ مف قادش حوؿ افريقية إلى أف‬
‫وصؿ جزيرة العرب مف الجنوب ثـ كتب كتاب وصؼ فيو ىذه الرحمة ‪،‬و لقد كاف الميناء‬
‫القرطاجي يعج بالسفف التجارية والسمع ومختمؼ المنتوجات مف مختمؼ المناطؽ ‪.3‬‬
‫ب ـ الصناعة‪ :‬اشتغؿ الفينيقيوف بالصناعة منذ تأسيسيـ قرطاجة غير أنيا كانت في أوؿ األمر‬
‫بسيطة بحيث ال تتجاوز صناعة السفف واصالحيا واستخراج صباغة األرجواف باإلضافة إلى‬
‫صناعة الفخار التي كانت منتشرة ‪ ،‬ولـ تزدىر الصناعة القرطاجية إال اعتبار مف القرف‬
‫الخامس قبؿ الميالد نتيجة اصطداميـ مع اإلغريؽ‪ .‬ولعؿ مف أىـ الصناعات التي برع فييا‬
‫القرطاجيوف صناعة المعادف‪ ،‬حيث كانت قرطاجة تصنع سالحيا بنفسيا ‪ ،‬وصناعة النسيج‬
‫‪ ،4‬وقد كانت الصناعة‬ ‫والثياب األرجوانية وصناعة األخشاب والنقش عف األحجار الكريمة‬
‫البحرية تحتؿ الصدارة خاصة صناعة السفف نتيجة كثرة األشجار في المنطقة خاصة‬
‫خشب(السرو) باإلضافة إلى أعماؿ النجارة مف صناعة النوافذ والكراسي والخزائف الخشبية‪.5‬‬
‫ج ـ الزراعة‪ :‬كانت الزراعة في قرطاجة في أوؿ األمر متواضعة جدا ثـ تطورت تدريجيا‪ ،‬حيث‬
‫كانت ممكية المزارع الواسعة مف حؽ األغنياء االرستقراطييف الذيف كانوا يوجيوف السمطة‬
‫السياسية واالقتصادية في مدينة قرطاجة ‪ .6‬ولعؿ سبب تطور الزراعة في قرطاجة الرئيسي كاف‬

‫‪1‬‬
‫جاف مازيؿ ‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.227‬‬
‫‪2‬‬
‫فرانسو ديكريو ‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد بيومي ميراف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسو ص‪. 114‬‬
‫‪5‬‬
‫ج ‪ .‬كونتو‪ ،‬المرجع السابؽ‪. 89 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫شوقي خير اهلل‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.139‬‬
‫‪26‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫ىزيمة قرطاجة في معركة ىمي ار في ‪ 480‬ؽ‪.‬ـ ىذا ما حد مف نفوذ قرطاجة في البحر ووجيت‬
‫أنظارىا ألراضي األىالي لمزراعة‪ ،‬وىنا قامت زراعة نشيطة جدا‪.1‬‬
‫ومف أىـ المزروعات نجد أشجار الزيتوف والكروـ والتيف والروماف والقمح والشعير والموز‬
‫واألجاص وكانت ليـ بساتيف ومراعي واسعة مكتظة بقطعاف الماشية مف خرفاف وثيراف وخيوؿ‬
‫ودواجف والنحؿ واألبقار باإلضافة لمبغاؿ ‪ .2‬لقد برع القرطاجيوف كثي ار في مجاؿ الزراعة فظير‬
‫بينيـ عمماء مختصوف مثؿ "ماغوف" الذي عاش حوالي القرف ‪3‬ؽ‪.‬ـ وألؼ دائرة معارؼ تتكوف‬
‫في ‪ 28‬كتاب عممي ضمنو تفاصيؿ فف الزراعة وتربية الحيوانات وصناعة الخمور ولـ يكتفي‬
‫ماغوف بتقديـ نصائحو بؿ ذىب إلى معارضة امتالؾ المواطنيف لألراضي الزراعية واىماليـ‬
‫العناية بيا ‪،‬وطمب ممف يزاوؿ مينة الزراعة أف يتفرغ ليا ‪.3‬‬
‫المظهر الديني‪:‬‬
‫كانت الديانة تحتؿ مكانة ىامة في حياة القرطاجييف ‪،‬ولعؿ أسمائيـ أكبر دليؿ عمى ذلؾ حيث‬
‫نجد األسماء مركبة مف اسـ اآللية ‪،‬ومثاؿ ذلؾ "حنبعؿ" أي حضي بحضوة بعؿ "ومتوـ بعؿ"‬
‫أي ىبة بعؿ‪ ،‬وعبد أشموف أي خادـ أشموف‪ ،‬وعبد ممقرت أي خادـ ممقرت‪.‬‬
‫والمالحظ أف المياجريف األوائؿ مف فينيقيا قد واصموا عبادة آلية فينيقية فنجد أنيـ عبدوا اإللو‬
‫الفينيقي" إيؿ" (السيد الممؾ) وممكرت الذي يعني ممؾ القرية كميا كانت موجودة في فينيقيا‬
‫سابقا‪ .4‬وتعتبر تانيت وبعؿ حموف وىو سيد المعبد واليو تقدـ القرابيف البشرية‪ ،‬المعبوديف‬
‫الرئيسييف لمقرطاجييف وباإلضافة ليما نجد اإللو ممقرت الو صور التي كانت قرطاجة ترسؿ إلى‬
‫معبده في صور كؿ عاـ اليدايا والقرابيف حيث كانت تبمغ عشر دخؿ قرطاجة‪ ،‬كما عبدت‬
‫عشتارت في قرطاجة وكذا اإللو أشموف الو الشفاء ومعناه الزيت سمي بيذا نظ ار لما يتمتع بو‬
‫السائؿ مف قدرة شفائية ييب األبناء والحياة والصحة‪ ،‬أما تانيت فقد ظيرت عبادتيا في قرطاجة‬
‫في القرف الخامس قبؿ الميالد كمعبودة شعبية وىي غير فينيقية‪،‬كما أف اسميا ليبي عبدىا‬
‫البربر وىو دليؿ عمى أنيا بربرية األصؿ ‪،‬وىي آلية اإلنتاج والخصوبة ورمز ليا بامرأة ترضع‬

‫‪1‬‬
‫ج‪ .‬كونتو‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‪.87‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد الصغير غانـ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ‪،‬ص‪.116‬‬
‫‪4‬‬
‫شوقي عبد اهلل‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫‪27‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫ابنيا‪ ،‬أما عشتارت ىي بعمة أو السيدة وىي ربة الصيد العظيمة يصورونيا عمى شكؿ ىالؿ‪،‬‬
‫وصمتيـ عف طريؽ الفينيقييف ‪.1‬‬
‫وبخصوص المعابد والكينة فقد كانت المعابد القرطاجية األولى خالية مف التماثيؿ واكتفى‬
‫القرطاجيوف في بداية األمر بتمثيؿ بعض أجزاء الجسـ مثؿ األذف‪ ،‬العيف‪ ،‬الفـ‪ ،‬اليد‪ ،‬ووجدت‬
‫عمى النصب النذرية وىي إشارة إلى أف تانيت وبعؿ قد سمعا واستجابا لدعوة الداعي وباركاه‪،‬‬
‫وكاف لمقرطاجيوف في المرحمة األولى كيوؼ مقدسة ومرتفعات مقدسة وفي مراحؿ الحقة‬
‫أصبحت المواقع المخصصة لمعبادة في المناطؽ السيمية تقاـ في اليواء الطمؽ محاطة بأسوار‬
‫خشنة ووسطيا مكاف تقديـ األضاحي فيما بعد أصبحت ىناؾ بناء في الوسط مبنى صغير‬
‫كمسكف لإللو قبؿ أف تتحوؿ إلى معابد ‪.2‬‬
‫د ـ المظهر االجتماعي والثقافي‪:‬‬
‫تكوف المجتمع القرطاجي في بداية األمر مف الصورييف الذيف أسسوىا حيث قدـ معيـ بعض‬
‫المعمريف الفينيقييف مف سكاف صيدا وأرواد والمدف الفينيقية األخرى ‪،‬باإلضافة إلى القبارصة‬
‫واألىالي البربر الذيف جمبتيـ خيرات المدينة ‪،‬وفي العصور الالحقة جمب العديد مف العبيد مف‬
‫مناطؽ مختمفة‪ ،‬كما وصميا التجار مف صقمية واإلغريؽ وغيرىا مف المناطؽ‪ ،‬ومف ىنا تكوف‬
‫خميط المجتمع القرطاجي الذي عرؼ بالمجتمع البوني نتيجة لغتو البونية التي جمعت بيف المغة‬
‫الفينيقية والبربرية ببعض تأثيراتيا ‪. 3‬‬
‫وعمى العموـ يقسـ المجتمع القرطاجي لثالث طبقات فنجد في القمة الطبقة األرستقراطية الثرية‬
‫التي كانت تسيطر واقعيا عمى الشؤوف العامة السياسية واالقتصادية خاصة‪ ،‬وتضـ الممؾ‬
‫وحاشيتو وأتباعو مف نبالء وتجار كبار وكينة‪ ،‬ثـ يمييا طبقة عامة الشعب الذي يتمتع ببعض‬
‫الحقوؽ السياسية المعتبرة التي كانت في بعض األحياف وىمية‪ ،‬وأخي ار طبقة العبيد الذيف كاف‬
‫عددىـ كبير وىـ يعمموف خاصة في الفالحة عند األثرياء وال يتمتعوف بأي حقوؽ سياسية ‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫جاف مازيؿ‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.213‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد فرجاوي‪،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.207‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 90‬‬
‫‪28‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫أما مف الناحية العمرانية فقد كانت قرطاجة مقسمة إلى أحياء سكنية متميزة حسب الطبقات‬
‫االجتماعية التي يتكوف منيا المجتمع القرطاجي وىي ثالثة أحياء ‪،‬حي صالنبو أو سالنبو‬
‫‪،‬وحي بيرصة أو بيرسة‪ ،‬وحي ميغا ار‪.1‬‬
‫أما عف مظيرىـ وأزيائيـ ولباسيـ كاف القرطاجيوف نساء ورجاؿ يعتنوف كثي ار بشعرىـ‬
‫ويستعمموف أمشاط مف العاج‪ ،‬لقد كانوا يعتقدوف في وجوده قوة خاصة مركزىا شعر الرأس وقد‬
‫كانوا يروف أف ىذه القوة العجيبة تقيـ بصفة خاصة في خصمة يحافظوف عمييا باعتناء كبير‪،‬‬
‫لقد كانوا يرتدوف جباب طويمة فضفاضة ذات أكماـ ‪،‬وكانوا ال يتمنطقوف أي ال يشدوف وسطيـ‬
‫بنطاؽ وكانوا ال يخرجوف مكشوفي الرأس بؿ يضعوف عمى رؤوسيـ قمنسوة طويمة ودقيقة‬
‫ومستديرة تسمى الطرطور المخروطي الشكؿ وأحيانا تكوف أسطوانية وقصيرة ‪،‬وكاف يشدوف‬
‫أيضا عمى رأسيـ صمادة يربطونيا أحيانا فوؽ جبينيـ ويرخونيا عمى أكتافيـ أو يمفونيا بشكؿ‬
‫عمامة‪ ،‬و يمبسوف في أرجميـ نعاال أو صندلة وأحيانا أحذية عالية‪ ،‬أما النساء فقد كف يمبسف‬
‫الفشاف ويشددنو في خصرىف‪.2‬‬
‫أما عف الفنوف والمظير الثقافي ما يمكف قولو بصفة عامة أف اآلداب القرطاجية لـ يذكر عنيا‬
‫شيء فالكتب المتحصؿ عمييا جاءت عمى ذكر الزراعة وغيرىا مثؿ كتاب ماغوف في الفالحة‬
‫والزراعة‪ ،‬أما عف الفمسفة والتاريخ والجغرافيا فمـ يوجد ليا أثر واف وجدت ربما تكوف قد انتقمت‬
‫إلى أيدي المموؾ النوميدييف أو أحرقت مع حرؽ المدينة ولعؿ األجدر باإلشارة أنيـ تكمموا‬
‫البونيقية التي ىي مزيج بيف الفينيقية والميبية أما عف فنيـ فقد أقتصر عمى تحويؿ بعض المواد‬
‫إلى االستخداـ العممي‪.3‬‬
‫‪ - 3‬سقوط قرطاجة‬
‫سبؽ سقوط قرطاجة الحروب البونية الثالثة وىي كالتالي ‪:‬‬
‫الحرب البونية األولى (‪ 241 – 264‬ق‪.‬م ) بدأت الحرب البونية األولى في عاـ ( ‪264‬ؽ‪.‬ـ)‪،‬‬
‫في شماؿ جزيرة صقمية والتي انتيت بانتصار الروماف في معركة جزر (ايغاتس) في العاشر‬
‫مف مارس ‪ 241‬ؽ‪.‬ـ ‪ ،‬و أجبرت قرطاجة عمى توقيع معاىدة االستسالـ التي تتخمى بموجبيا‬

‫‪1‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.164‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع اؿسابؽ ‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪29‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫عمى صقمية و الجزر الواقعة بينيا و بيف ايطاليا ‪ ،‬و كذا دفع غرامة حربية قدرىا ‪ 3.200‬وزنة‬
‫أوبية ‪ ،‬موزعة عمى عشر سنوات مع الحظر عمى قرطاجة تجنيد المرتزقة في ايطاليا و عند‬
‫حمفاء روما ‪ .‬بعد أف وضعت الحرب أوزارىا ‪،‬عجزت قرطاجة عف دفع أجور المرتزقة العشريف‬
‫ألؼ الذيف تجمعوا في ضواحي سيكا عمى أثر عودتيـ مف صقمية فثاروا ضدىا ‪ ،‬وفي ىذه‬
‫الظروؼ ثار أيضا المرتزقة في سردينيا ‪ ،‬مما تسبب في استنجاد سكاف ىذه الجزيرة بروما التي‬
‫استغمت الفرصة و فرضت معاىدة جديدة عمى قرطاجة سنة ‪ 238‬تتخمى ىذه األخيرة بمقتضاىا‬
‫عمى جزيرتي سردينيا و كورسيكا مع دفع ‪ 1.200‬وزنة أوبية إضافية ‪ ،‬و بالمقابؿ سمحت ليا‬
‫روما بتجنيد جنود جدد مف ايطاليا ‪ ،‬مما مكنيا مف القضاء عمى الثائريف سنة ‪237‬ؽ‪.‬ـ‪ 1.‬ثـ‬
‫تولى حنبعؿ قيادة الجيش القرطاجي في اسبانيا ‪ ،‬وكاف استيالؤه ‪ .‬عمى مدينة ساغنتة سببا في‬
‫قياـ الحرب البونيقية الثانية ‪.‬‬
‫الحرب البونيقية الثانية (‪ 201-218‬ق‪.‬م )‪:‬كانت روما تخطط لمقضاء حنبعؿ ‪ 2‬في اسبانيا‬
‫بعد احتاللو لمدينة ساغنتة سنة ‪ 219‬ؽ‪.‬ـ ‪ ،‬بتوجيو قوات إلى إفريقيا فكانت بذلؾ مياديف‬
‫الحرب البونيقية الثانية ىي‪ :‬ايطاليا و اسبانيا و إفريقيا ‪ .3‬و ما ييمنا في موضوعنا ىذا جبية‬
‫إفريقيا و التي أىـ ما ميزىا المعركة الفاصمة في " زاما" (‪ 19‬أكتوبر ‪202‬ؽ‪.‬ـ)‪،‬و معاىدة‬
‫زاما‪201‬ؽ‪.‬ـ التي اضطرت قرطاجة إلى القبوؿ بشروطيا المتمثمة في ‪:‬‬
‫‪ _1‬أف تسمـ كؿ أمالكيا التي خارج أفريقيا‪.‬‬
‫‪ _2‬أف تتعيد أف ال تثير حربا البتة ما لـ تسمح روما بذلؾ‪.‬‬
‫‪ _3‬أف تدفع غرامة مالية سنوية(‪ 48.800‬جنيو) لمدة خمسيف سنة‪.‬‬
‫‪ _4‬أف تسمـ بوارجيا وأفياليا‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫شارؿ أندريو جولياف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 96‬‬
‫‪2‬‬
‫ويؿ ديورانت ‪ ،‬قصة الحضارة ‪ ،‬مجمد ‪ ، 3‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 43‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 63‬‬
‫‪4‬‬
‫نجيب متري‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪30‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫التي ال تنتيي وجودىا كقوة بحرية في البحر األبيض المتوسط‪ ،‬فحسب بؿ حتى كدولة سيدة‬
‫عمى أراضييا في إفريقيا ذاتيا‪ .‬ولما شعر أنو يفاوض الروماف لتسميمو انتحر عاـ ‪183‬ؽ‪ .‬ـ‪.1‬‬
‫‪ -‬الحرب البونيقبة الثالثة ‪ 146 – 149‬ق‪.‬م‪( :‬تدمير قرطاجة)‬
‫أستغؿ مسينيسا بندا مف بنود معاىدة زاما الذي يخوؿ لو استرجاع ممتمكاتو وممتمكات أسالفو‬
‫في التوسع عمى حساب قرطاجة‪ ،‬التي ضاؽ صبرىا‪،‬وردت الفعؿ‪ ،‬وىو ما كاف وراء التدخؿ‬
‫الروماني سنة ‪149‬ؽ‪.‬ـ‪ ،‬بدعوة خرؽ قرطاجة لبند مف بنود معاىدة زاما التي تحضر عمييا‬
‫إعالف الحرب في إفريقيا أو إخراجيا بإذف مف روما‪،‬فأرسمت جيشا في قوامو ‪ 80.000‬رجؿ مف‬
‫المشاة وحوالي ‪ 4.000‬فارس في بداية ربيع ‪ 149‬ؽ‪.‬ـ‪ 2‬أعمف القرطاجيوف استعدادىـ لقبوؿ كؿ‬
‫شروط الروماف‪ ،‬وقدموا كضماف لذلؾ ‪ 300‬شاب قرطاجي كرىائف‪ ،‬وبعد أف تسمـ القنصالف‬
‫‪ 200.000‬درع و ‪ 2.000‬منجنيؽ وأحرقا المراكب القرطاجية ‪ ،‬صرحا بشرط روما بتخمي‬
‫القرطاجييف عف مدينتيـ‪ ،‬وبناء مدينة جديدة عمى بعد خمسة عشر كيمومت ار مف البحر‪ ،‬فرفض‬
‫القرطاجيوف ىذا الشرط‪ ،‬وقرروا القتاؿ‪ ،‬وتمكنوا بما بذلوه مف جيود مف الصمود في وجو‬
‫قناصمو سنتي ‪148 - 149‬ؽ‪.‬ـ‪ ،‬مما دفع روما إلى تعييف سكيبيو قنصال لسنة ‪147‬ؽ‪.‬ـ‪ ،‬رغـ‬
‫‪146‬ؽ‪.‬ـ‪،‬وباع‬ ‫صغر سنو‪ ،‬وتمكف مف االستيالء عمى المدينة التي دمرىا عف آخرىا سنة‬
‫سكانيا في أسواؽ النخاسة‪ ،‬وبذلؾ تنطفئ ىذه المدينة إلي حكـ عميو باإلعداـ بعد الحرب‬
‫البونيقية الثانية‪ ،‬وتحولت أرضييا إلى مقاطعة رومانية سنة ‪ 146‬ؽ‪.‬ـ‪،‬بعد إشعاع داـ أزيد مف‬
‫ستة قروف ونصؼ(‪146 -814‬ؽ‪.‬ـ)‪.3‬‬
‫‪ .II‬الممالك الوطنية (نوميديا و موريطانيا )‬
‫‪ - 1‬أصولها وتطورها‬
‫أ – أصولها ‪:‬‬
‫أشار محمد اليادي حارش إلى صعوبة ضبط فترة فجر التاريخ التي تعود إلييا مممكتا نوميديا‬
‫و موريطانيا ‪ ،‬بحيث تحدثت عنيما النصوص اإلغريقية و الالتينية خالؿ الحرب البونيقية‬

‫‪1‬‬
‫ماجد فخري‪ ،‬مسيرة الحضارة‪ ،‬قرطاج وروما‪ ،‬ـ ‪( ،1‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬تر‪ :‬شاكر مصطفى‪ ،‬الشركة العالمية لمتوزيع واإلعالف‪،‬‬
‫( د ‪ .‬ب) ‪ ،‬ص ‪.228 - 227‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬
‫‪3‬‬
‫شوقي خير اهلل ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 249‬‬
‫‪31‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫الثانية ‪ ،‬و التي تسجؿ في نظر البعض دخوؿ بالد المغرب في التاريخ ‪ .1‬وىو بذلؾ يتفؽ مع‬
‫محمد الصغير غانـ وذلؾ في قولو ‪ ":‬ألف وجود سيرتا ذات العمؽ التاريخي كعاصمة‬
‫لمنوميدييف الذي قد يالمس نياية القرف الرابع لمميالد ‪ .2 "...‬ثـ أضاؼ أف بعض الكتاب ذكروا‬
‫لنا مموكا ليبييف عاشوا قبؿ ىذه الفترة ‪ ،‬األكثر قدما منيـ ىو الممؾ ىيرباص الذي تحدثت عنو‬
‫األسطورة و التي تعرضنا ليا في تأسيس قرطاجة ‪. 3‬‬
‫ب– تطورها ‪ :‬في القرف الثالث قبؿ الميالد ظيرت مممكتيف كبيرتيف ىما ‪ :‬نوميديا وموريطانيا ‪.‬‬
‫‪ – 1‬مممكة نوميديا ‪ :‬انقسمت في ظروؼ غير معروفة إلى قسميف ‪:‬‬
‫مممكة نوميديا الشرقية (ماسيميا) ( ‪)massilya‬‬
‫مف الصعب تحديد ممتمكات القبائؿ الماسيمية لألسباب ذاتيا أي عدـ ورود ذكرىا في الكتابات‬
‫القديمة إال عرضا مع عدـ تحديد مجاليا الجغرافي بصورة دقيقة ‪ ،‬نظ ار لعدـ اىتماـ الروماف‬
‫بالحدود الطبيعية لمشعوب الخاضعة لسمطتيـ ‪ ،‬و يبدو أنيـ استفادوا مف عدـ االستقرار في‬
‫الحدود بتسييرىا حسب ما تقتضيو مصمحتيـ أو األوضاع العسكرية ‪ ،‬فكثي ار ما كانوا يعدلوف‬
‫الحدود وفقا لوالء السكاف ليـ أو عدائيـ ‪ ،‬فكانوا يضموف أراضي المعاديف لممواليف ليـ ‪،‬ونأخذ‬
‫عمى سبيؿ المثاؿ استرابوف الذي تحدث بخمفية تنـ عف حقد دفيف لمسكاف المحمييف أي‬
‫المغاربة‪ ،‬وىي سمة تميز بيا المؤرخوف اإلغريؽ و الروماف حيث كانوا يعادوف الشعوب التي‬
‫ليست مف جنسيتيـ وممتيـ ‪ ،‬حيث أورد المؤرخوف المحدثوف وحتى القدامى منيـ بخصوص‬
‫ماسيميا أو نوميديا الشرقية خالؿ القرف الرابع قبؿ الميالد وبداية القرف الثالث بأنيا كانت تضـ‬
‫مدنا ذات طابع زراعي مثؿ مدف ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 97‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 87‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 97‬‬
‫‪32‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫و تبسة ‪ ،‬سيرتا بالجزائر ‪ .3‬وقد اعتبر بعض المؤرخيف المعاصريف‬ ‫‪2‬‬


‫دوقة‪ ، 1‬مكثر بتونس‬
‫ايميماس‪ 4‬كأقدـ مموؾ الماسيؿ وذلؾ استنادا عمى قبر مدغاسف ‪ 5Medracen‬الذي ينسب إلى‬
‫ىذه القبائؿ والذي يؤرخ ما بيف أواخر القرف الرابع و أوائؿ القرف الثالث ‪ ،‬باعتبار أف األسرة‬
‫التي ينتمي إلييا غايا وابنو ماسنيسا ( ‪ ، )Massinissa‬وقد كانت حدودىا في الشرؽ الجزائري‬
‫ممتدة بيف األراضي القرطاجية في الشرؽ و مممكة المازيسيؿ في الغرب أما في الجنوب فكاف‬
‫راجعا لعالقة قبائؿ الجيتوؿ بمموكيا و نفوذىـ عمى قبائؿ الرحؿ في بداية الحرب البونيقية كانت‬
‫سمطة الماسيؿ تمتد عمى األوراس و الشرؽ القسنطيني والظير التونسية ‪ ،‬والجزء األكبر مف‬
‫مجردة الوسطى ‪ ،‬وكذا أراضي االستبس التي تحاذي السيرت الصغرى في حدود أراضي‬
‫الجرامنت ‪ ،‬وقد استطاع ماسينيسا توحيد ماسيؿ و الماسيسيؿ تحت شعار " إفريقيا لألفارقة" و‬
‫أعاد بذلؾ استرجاع الوحدة السياسية لنوميديا الممتدة مف واد مموية غربا إلى السرت الكبير‬
‫شرقا ‪ .‬بعد وفاة ماسينيسا سنة ‪ 148‬ؽ‪.‬ـ تاركا وراءه ثالثة أبناء وىـ مسطنبعؿ و جموسف و‬
‫مكوسف الذيف تقاسموا السمطة بحيث تقمد مكسوف التنفيذية و جموسف العسكرية و مسطنبعؿ‬
‫القضائية‪ .6‬و كاف لموسكف ابناف وىما ىيمصاؿ األوؿ و أدىـ بعؿ و لجموسف ابف واحد ماسيقا‬
‫أما مسطنبعؿ فخمؼ يوغرطة وجودا ‪ ،7‬إال أف اإلخوة ثالثة لـ يتفقوا فيما بينيـ و اتيـ مكسوف‬

‫‪1‬‬
‫مدينة دوقة ‪ :‬ىي مف أىـ المدف الداخمية و قد اقترف اسميا بالممؾ (ايميماس) كما وردت اإلشارة إلييا في الوثائؽ الكتابية‬
‫واألثرية ‪ ،‬وتعتبر مف المدف الماسيمية العائدة إلى القرنيف الرابع والثالث قبؿ الميالد ‪ ،‬وكانت ذات طابع زراعي رعوي‪ ،‬لمزيد‬
‫مف المعمومات انظر ‪ :‬محمد الصغير غانـ ‪ :‬المممكة النوميدية و الحضارة البونية ‪ ،‬دار اليدى ‪ ،‬عيف مميمة ‪ ،‬الجزائر ‪،‬‬
‫‪ ، 2006‬ص ‪. 112‬‬
‫‪2‬‬
‫مكثر ‪ :‬ىي مدينة نوميدية تقع عمى بعد ‪ 150‬كمـ جنوب غرب مدينة قرطاجة ‪ .‬محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪،‬‬
‫المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 57‬‬
‫‪3‬‬
‫جماؿ مسرحي ‪ ،‬نفسو ‪ ،‬ص ‪. 10‬‬
‫‪4‬‬
‫ايميماس ‪ :‬ذكر ديودور الصقمي اسـ ممؾ ليبي اليمار أو ايميماس الذي مف المحتمؿ أف تكوف عاصمة بالده ىي دوقة ولـ‬
‫تكف خاضعة لمحكـ القرطاجي في ذلؾ الوقت ‪ .‬لمزيد مف المعمومات انظر فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪5‬مدغاسف‪ :‬ىو ضريح نوميدي يعد كأقدـ نموذج لمعمارة النوميدية يقع ببمدية بومية يبعد ‪ 35‬كمـ شماؿ شرؽ باتنة ‪ ،‬لمزيد مف‬
‫المعمومات انظر‪ :‬حسينة عيشوش ‪ ،‬مقارنة بيف ضريح المدغاسف و الضريح الممكي الموريطاني مف خالؿ األبحاث والدراسات‪،‬‬
‫(د ‪ .‬ط)‪(،‬د ‪ .‬د) ‪( ،‬د ‪ .‬ب) ‪ (،‬د‪ .‬س) ‪ ،‬ص ‪. 35‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬دراسات ونصوص في تاريخ الجزائر وبمداف المغرب في العصور القديمة ‪( ،‬د ‪.‬ط ) ‪ ،‬دار ىومو‪،‬‬
‫الجزائر ‪ ، 2011 ،‬ص ص ‪. 234 – 232‬‬
‫‪7‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬المممكة النوميدية ‪ ،‬ص ‪. 56‬‬
‫‪33‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫مف طرؼ أخويو بالوالء األعمى لمروماف وبعد عاميف توفي األخويف بطريقة غامضة ويقوؿ‬
‫سالوست بأف سبب موتيما إصابتيما بمرض وبيذا انفرد مكسوف بالحكـ سنة ‪ 146‬ؽ‪ .‬ـ وكاف‬
‫‪ 118‬ؽ‪.‬ـ اضطربت األوضاع بيف أحفاد‬ ‫مواليا لمروماف طيمة فترة حكمو وبعد وفاتو سنة‬
‫مسطنبعؿ و جموسف ومكوسف و اسند الحكـ إلى ابنيو ىيمصاؿ األوؿ و أدىـ بعؿ و ابف أخيو‬
‫يوغرطة الذي يكوف ابف مسطنبعؿ وبعد ىذه الفترة تأزمت األوضاع في نوميديا إلى غاية‬
‫االحتالؿ الروماني‪.1‬‬
‫مممكة نوميديا الغربية (مازيسيميا) ( ‪)Masacayle‬لـ تشير المصادر التاريخية القديمة‬
‫بوضوح المازيسيمية إال في منتصؼ القرف الثالث قبؿ الميالد ‪ ،‬حيث برزت الدولة‬
‫النوميدية الغربية كقوة ىامة في بالد المغرب القديـ ‪ ،‬في التطورات التي عاشتيا المنطقة‬
‫في تمؾ الفترة ‪ ،‬و الصراع الدائر بيف قرطاجة و الروماف ‪ ،‬السيما خالؿ فترة الحرب‬
‫البونية الثانية و ذلؾ بفضؿ شخصية الممؾ سيفاكس الذي تولى الحكـ بالمممكة في‬
‫‪2‬‬
‫الفترة‪.‬‬
‫أما فيما يتعمؽ بالحدود الجغرافية لممممكة النوميدية الغربية أو قبائؿ المازيسيؿ فيصعب‬
‫تحديدىا بدقة نظ ار لندرة المصادر التي تؤكد وتثبت موقع تمؾ الحدود ‪ ،‬إال إذا أخذنا بعيف‬
‫االعتبار تمركز القبائؿ التي تتشكؿ منيا ‪ .‬كما يحدد استرابوف أراضي قبائؿ المازيسيؿ‬
‫بأنيا تمتد مف حدود قبائؿ المور غربا ‪ ،‬أي أخذ مصب نير المموشة (المموية) كمعمـ‬
‫لمحدود الغربية كما يشير إليو " بميف القديـ" " نهر المموشة يفصل بين مممكة بوكوس و‬
‫المازيسيل" ‪ .3‬في حيف تنتيي حدودىا الشرقية عند رأس تريتوف( بوقرعوف)‬
‫)‪ ،)CapTretum‬كما قدر طوؿ الساحؿ المازيسيمي بػ ‪ 6000‬ستاديوـ‪ .‬أما شارؿ أندري‬
‫جولياف حدد مممكة مازيسولة ‪،‬ىذه المدينة الجاثمة عمى نجد صخري و المحاطة‬
‫بمنحدرات وعرة يتجاوز عموىا ‪100‬متر و يجري مف تحتيا نير المساقة (الرمؿ) في خور‬

‫‪1‬‬
‫فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ص ‪. 153 -151‬‬
‫‪2‬‬
‫لقد ورد اسـ سفاكس في النصوص القديمة وتصفو تمؾ النصوص بكونو يتميز باتزاف الشخصية وسداد الرأي وتغميب العقؿ‬
‫والحكمة في العديد مف المواقؼ وورد اسمو في النقوش البونية عمى الشكؿ التالي ‪ ( :‬س ؼ ؽ ىػ ـ ـ ؿ ؾ ت) وتعني العبارة‬
‫سيفاكس الممؾ أو مممكة سيفاكس ‪ .‬لمزيد مف المعمومات أنظر ‪ :‬محمد الصغير غانـ ‪ ،‬الممؾ سيفاكس والكياف السياسي‬
‫النوميدي (مجمة التراث) ‪ ،‬ع ‪ ، 9‬مطبعة الشياب ‪ ،‬باتنة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 1997 ،‬ص ‪. 13‬‬
‫‪3‬‬
‫جماؿ مسرحي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ص‪. 8 - 7‬‬
‫‪34‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫‪1‬ىذا عف‬ ‫جوانبو وعرة أيضا ‪ .‬وكاف القسـ المجاور لموريطانيا صالحا لزراعة الحبوب‪.‬‬
‫الحدود الشمالية أما بالنسبة لمحدود باتجاه المناطؽ الداخمية فمـ تحدد بصفة دقيقة ‪ ،‬سواء‬
‫أكاف ذلؾ أثناء الفترة السابقة لالحتالؿ الروماني أو بعدىا ‪ .‬وقد يعزى االختالؼ بيف‬
‫المؤرخيف في كيفية تحديد الحدود الداخمية لمممالؾ النوميدية إلى الغموض الناجـ عف‬
‫عدـ اإلشارة إلييا في المصادر التاريخية القديمة ‪ ،‬أو لعدـ االىتماـ بيا لقمة األحداث‬
‫المرتبطة بالممالؾ النوميدية ‪ . 2‬ولكف ما يبدو أف أراضي المازيسيؿ باتجاه الجنوب تنتيي‬
‫عند قبائؿ الجيتوؿ القاطنة جنوب مممكتي المازيسيؿ و الماسيؿ ‪ .‬تجدر اإلشارة إلى أف‬
‫قبائؿ المازيسيؿ استحوذت عمى مساحة كبيرة مقارنة مع قبائؿ الماسيؿ وقد يفسر ذلؾ‬
‫كنتيجة لمحروب التي خاضيا الممؾ سيفاكس لالستيالء عمى الماسيؿ سعيا منو لتوحيد‬
‫نوميديا بشطرييا الشرقي والغربي ‪ .‬ولقد استطاع الممؾ سيفاكس بحنكتو وذكائو عمى‬
‫(عاصمتها سيقا) و الماسيؿ‬ ‫غرار شيوخ القبائؿ النوميدية أف يجمع شمؿ المازيسيؿ‬
‫( عاصمتها سيرتا) في كياف سياسي واحد أي توحيد نوميديا وذلؾ نياية القرف الثالث‬
‫قبؿ الميالد‪. 3‬‬
‫‪ –2‬مممكة موريطانيا ‪ :‬ذكر محمد اليادي حارش أف اآلثار والنصوص ترجع أصوؿ‬
‫مممكة موريطانيا إلى القرف الرابع قبؿ الميالد عندما استعاف حنوف بأحد المموؾ في‬
‫محاولتو لالستيالء عمى قرطاجة ‪ ،‬وبقايا ضريح سيدي سميماف الذي يؤرخ أيضا بأواخر‬
‫القرف الرابع و أوائؿ القرف الثالث ‪ .‬وفي أواخر القرف الثالث ورد ذكر أحد مموكيا منيـ ‪:‬‬
‫باغا معاصر وحميؼ ماسنيسا خالؿ الحرب البونيقية الثانية ‪ ،‬وقد عرؼ تاريخ ىذه‬
‫المممكة انقطاع مدة قرف تقريبا ‪ ،‬وتعود مع سالوسيت الذي يتحدث عف الممؾ بوخوس‬
‫الذي يخضع لو كؿ الموريطانييف و قد امتدت حدودىا مابيف المحيط إلى الغرب وأعمدة‬
‫ىرقؿ إلى الشماؿ و وادي المموية إلى الشرؽ أما حدودىا الجنوبية فكانت متغيرة ‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫شارؿ أندريو جولياف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 132‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬الجزائر في ظؿ االحتالؿ الروماني ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 98‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 102‬‬
‫‪35‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫وتجدر بنا إلى التوسعات التي قامت بيا مممكة موريطانيا عمى حساب نوميديا‪ ،‬المرة‬
‫األولى بعد حرب يوغرطة ‪ ، 1‬في عيد بوخوس‪ ،‬حيث توسع شرقا وناؿ جزءا مف بالد‬
‫الماسيسيؿ كمكافئة لو مقابؿ مساعدتو لمروماف ‪ .‬والثانية بعد انيزاـ يوبا األوؿ في معركة‬
‫تابسوس ‪ 46‬ؽ‪.‬ـ ‪.2‬‬
‫‪ - 2‬المظاهر الحضارية لمممالك الوطنية‬
‫أ – المظهر السياسي‪:‬‬
‫‪ - 1‬نظاـ الحكـ ‪ :‬قبؿ توحيد نوميديا التي كانت منقسمة إلى شطريف شرقي و غربي‬
‫عمى يد الممؾ ماسينيسا حيث عرفت الحكـ الممكي الوراثي لكال المممكتيف وتجدر بنا اإلشارة‬
‫أف الحدود بينيما كانت بيف المد والجزر لكف يمكف تقسيميا إلى طريقتيف ‪:‬‬
‫الطريقة األولى ‪ :‬وىي قبؿ عيد ماسينيسا (القرف الثالث ؽ‪.‬ـ) حيث يتقمد الحكـ الفرد‬
‫الذي يكوف ىو األكبر في العائمة وبعد وفاتو ينتقؿ الحكـ إلى الفرد الثاني والذي يكوف‬
‫أكبر سنا في األسرة الحاكمة ويكوف الجد مشترؾ ومثاؿ ذلؾ بعد وفاة غايا ‪ 206‬ؽ‪.‬ـ‬
‫خمفو أخاه ألنو أكبر سنا مف ماسينيسا و ىو ما طبؽ في نوميديا الغربية وموريطانيا ‪.3‬‬
‫أما الطريقة الثانية ‪ :‬بعد وفاة ماسينيسا لـ يسر النظاـ كما ىو متعارؼ عميو إذ لـ يخمفو‬
‫ابنو األكبر في األسرة بؿ انتقؿ الحكـ إلى أبنائو الثالثة ‪ -‬كما ورد ذكره سابقا – و ورد في‬
‫النقوش بأف الممؾ في نوميديا يحمؿ اسـ إقميد ‪ 4‬وىو مف يرأس القبيمة ويتمتع بالسمطة‬
‫وتمركزت قصور المموؾ في العواصـ وقد شكمت المساحة الشاسعة لكال المممكتيف عائؽ‬
‫وىذا لصعوبة التواصؿ والتبايف الواضح بيف طبقات المجتمع خاصة و أف معظميـ بدو‬
‫رحؿ‪ .5‬وىو بذلؾ يتفؽ في رأيو مع الدكتور محمد الصغير غانـ في تحميمو لمنقيشة التي تشير إلى‬
‫اسـ‬
‫‪1‬‬
‫الممؾ (س ف س ف) ماسينيسا‬

‫‪1‬‬
‫يوغرطة ‪ :‬يعني اسمو القوة أو المناعة في الميجة األوراسية "يقور" وىو ابف مسطنبعؿ ‪ ،‬كاف يحمؿ شعار إفريقيا لإلفريقييف‪.‬‬
‫لمزيد مف المعمومات ‪ ،‬انظر ‪ :‬محمد الصغير غانـ ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 87‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 87‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 104‬‬
‫‪4‬‬
‫إقميد ‪ :‬كاف الممؾ يحمؿ في المغة الميبية اسـ اإلقميد ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 106‬‬
‫‪36‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -2‬نظـ اإلدارة ‪ :‬و قد أشار الدكتور محمد اليادي حارش نقال عف الدكتور محمد حسيف‬
‫فنطر افتراضو وجود ثالثة نظـ إدارية ‪ - :‬اإلدارة المركزية بالعاصمة سيرتا – اإلدارة القبمية بحيث‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬‬ ‫يوجد عمى رأس كؿ قبيمة رئيس – إدارة المدف وتتمتع باالستقاللية في تسيير مصالحيا‬
‫و وجدت العديد مف النصوص التي تتحدث عف والة الممؾ يوغرطة و ىذا ما يؤكد وجود ىاتو‬
‫األقاليـ التي تخضع لإلدارة المركزية أما النظاـ المالي فكانت الضرائب تعتبر المصدر المالي‬
‫لممممكة وكانت الضريبة تسير وفؽ نمطيف ‪ :‬األوؿ ‪ ،‬يخص سكاف األرياؼ الذيف يدفعوف عشر أو‬
‫خمس اإلنتاج وكذا الضريبة التي تدفع عمى المواشي ‪ ،‬أما النمط الثاني خاص بسكاف المدف الذيف‬
‫يدفعوف الضريبة نقدا ‪ .3‬والبد لضماف السير الحسف ألمور المممكة في البداية عبارة عمى وحدات‬
‫‪4‬‬
‫بمرور‬ ‫عسكرية تجمع مف كؿ القبائؿ في وقت الحرب وعند انتيائيا يعود كؿ جندي إلى قبيمتو‬
‫الزمف اىتـ المموؾ بالجانب العسكري وأنشئوا جيش منظـ ومدرب ‪ ،‬عمى نذكر الممؾ سيفاكس الذي‬
‫استعاف بالروماف في التدريب و أدخؿ حرب المشاة كأسموب جديد مف عند الروماف بحيث أف‬
‫محمد اليادي حارش مع‬ ‫الدكتور‬ ‫النوميد أتقنوا حرب الفرساف وحرب العصابات ‪ .‬كما اتفؽ‬
‫الدكتور محمد البشير شنيتي في ىذه النقطة حيث أشاد بدور ماسينيسا في تطوير الجيش ألنو قائدا‬
‫في جيش والده الذي أرسمو لمقتاؿ إلى جانب الروماف مع قرطاجة ‪ ،‬وكاف عمى رأس الفرساف‬
‫النوميدييف‪ .5‬وبعد توليو العرش عمؿ عمى تكويف جيش نظامي مكوف مف القبائؿ الموالية لو والذي‬
‫اقتصر دوره في البداية المحافظة عمى العرش ضد معارضيو ‪،‬وبعد تحقيؽ رغبتو سخره في العمؿ‬
‫عمى استقرار البدو‪.6‬‬
‫وقد قدـ الدكتور محمد اليادي حارش تشكيمة الجيش النوميدي كالتالي ‪:‬‬
‫‪ -‬الشرطة ‪ :‬وجدت عمى نوعيف فرؽ تظير في المدف بيدؼ ضماف االستقرار وأخرى وقت‬
‫الحرب ميمتيا الدفاع عنيا وقت الحرب ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫لإلطالع أكثر ‪ :‬انظر محمد الصغير غانـ ‪ ،‬نصوص بونية – ليبية مختارة مف تاريخ الجزائر القديـ ‪( ،‬د‪.‬ط) ‪ ،‬دار اليدى ‪،‬‬
‫عيف مميمة ‪،‬الجزائر ‪ ، 2012 ،‬ص ‪. 72‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 107‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪4‬‬
‫فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 213‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬أضواء عمى تاريخ الجزائر ‪( ،‬د‪.‬ط) ‪ ،‬دار الحكمة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2003 ،‬ص ‪. 32‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬المممكة النوميدية و الحضارة البونية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 123‬‬
‫‪37‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬الجيش الدائـ أو النظامي ‪ :‬يتألؼ مف الحرس الممكي وحاميات في مختمؼ المواقع وبو‬
‫نسبة الفرساف أكبر مف نسبة المشاة ‪.‬‬
‫‪ -‬وحدات االحتياط ‪ :‬مؤقتة تجند عند اندالع الحرب ‪ ،‬وتسرح بمجرد انتيائيا‪.‬‬
‫‪ -‬المرتزقة ‪ :‬ظيرت بداية مف حكـ يوغرطة الذي استعاف الميقورييف و التراقييف و الغالييف‪.‬‬
‫‪ -‬البحرية ‪ :‬بدأ االىتماـ بيا في عيد ماسينيسا بحيث وجدت نصوص تتحدث عف األسطوؿ‬
‫البحري الضخـ الذي شكمو ىذا الممؾ ودوره في التجارة وصد األعداء‪.1‬‬
‫أما األسمحة التي استخدميا النوميديوف لمدفاع عف أنفسيـ فمنيا الدفاعية واليجومية ‪ ،‬نذكر‬
‫منيا ‪ :‬الرماح – الدروع – السيؼ القصير – الفؤوس ‪ ،‬ومف الحيوانات المستعممة نجد‬
‫الخيوؿ – الفيمة – األحصنة‪.2‬‬
‫ب– الحياة االقتصادية ‪:‬‬
‫‪ –1‬الزراعة والرعي ‪ :‬كاف لمنشاط الزراعي في نوميديا أىمية كبيرة بحيث ساىمت بشكؿ‬
‫واضح في النيوض باقتصادىا خاصة و أنيا تقع في منطقة معظـ أرضييا صالحة لمزراعة‬
‫إال أف النشاط الرعوي سبؽ الحياة الزراعية وظؿ لوقت طويؿ يحظى بمكانة أكثر اىتماما مف‬
‫الفالحة ألف النوميدييف مجتمعات رعوية ‪ .3‬وقد اعتبر العديد مف المؤرخيف بأف ماسينيسا لو الفضؿ‬
‫في إدخاؿ الزراعة إلى نوميديا التي كاف لسكانيا قبؿ فترة حكمو يعتمدوف عمى حياة التنقؿ و اقتناء‬
‫النبات وذىب استرابوف بقولو بأف ماسينيسا جعؿ مف النوميد مزارعيف وأصحاب مجتمع حضاري‬
‫أما بوليبيوس فيرى بأف قبؿ ماسينيسا عاقرة مف اإلنتاج الزراعي وليس ليا أي أىمية ‪ .4‬إال أف‬
‫اآلثار التي تـ الحصوؿ عمييا تثبت عكس ذلؾ فقد عثر في وسط الصحراء عمى حبتيف مف القمح‬
‫وتعود إلى سنة ‪ 6100‬قبؿ الميالد وفترة حكـ ماسينيسا ( ‪ 148 – 203‬ؽ‪.‬ـ) ‪ ،‬كما أف الرسومات‬
‫الجدارية في الطاسيمي تشير إلى عممية الزراعة والحصاد‪ . 5‬إال أف ىذا القوؿ ال ينفي بأنو كانت‬
‫لماسينيسا البصمة الواضحة و المؤثرة في تطوير الزراعة وتمكنو مف جعؿ النوميدييف يصبوف جؿ‬
‫اىتماميـ بخدمة األرض و االتجاه إلى حياة االستقرار بدؿ التنقؿ ‪ ،‬وقد اثبت قزاؿ بأف النوميد عرفوا‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ اؿمغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 114‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 218‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد العربي عقوف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 25‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التطور السياسي و االقتصادي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 103‬‬
‫‪5‬‬
‫فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 231‬‬
‫‪38‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫الزراعة قبؿ مجيء الفينيقييف‪ . 1‬ومف أىـ المحاصيؿ الزراعية التي اشتيرت بيا زراعة الحبوب‬
‫فباستالـ الممؾ ماسينيسا لمقاليد الحكـ وجو اىتمامو لمزراعة وذلؾ ردا عمى بعض المشككيف في أف‬
‫ىذه األرض غير قادرة عمى اإلنتاج و العطاء فقاـ باستصالح األراضي الشاسعة و التوعية بأىمية‬
‫ىذا النشاط و تشجيعيـ و بيذا أصبحت نوميديا تنتج القمح و الشعير بكميات ىائمة ‪ .2‬و لـ يقتصر‬
‫المحصوؿ عمى الحبوب فقط بؿ أولو أىمية لمبقوؿ و المتمثمة في كؿ مف العدس ‪ ،‬الفوؿ‬
‫و الحمص إضافة عمى ذلؾ الخضر بشتى أنواعيا سواء البصؿ أو الثوـ أو الخردؿ أو القرع وغيره‬
‫و اشتيرت كؿ مف قيرطا و دوقة و تبسة بيذه المنتجات ‪ .3‬كما كاف لألشجار المثمرة نصيب في‬
‫ىذا النشاط حيث عرفوا زراعة األشجار كالتيف والزيتوف والتي ذكرت في القرآف الكريـ قاؿ اهلل‬
‫وف‪ 4}}...‬لما ليا فائدة و الكروـ و الموز و الروماف و التفاح ‪ ،5‬عالوة عمى‬ ‫يف و َّز‬
‫الزْييتُت ِن‬ ‫ِّت‬
‫تعالى‪َ {{ :‬ووالت ِن َو‬
‫النخيؿ والعنب و األجاص‪ .6‬وعمى غرار شعوب وحضارات العالـ القديـ استخدـ وسائؿ مختمفة مثؿ‬
‫مثؿ المحراث المصنوع مف الخشب و المجرفة و الفأس التي مازلت ليومنا ىذا في بعض المناطؽ‬
‫الزراعية‪ .7‬أما الوسيمة الرابعة المتمثمة في المنجؿ الذي أستخدـ في موسـ الحصاد‪ ،‬أما عممية‬
‫الدرس و المقصود بيا تنقية الحب مف السيقاف فقد استعممت الحيوانات كالثيراف أو العربة البونيقية‬
‫التي تتألؼ مف عجمتيف مصنوعتيف مف الخشب و تكوف مسننة بالحديد و يتـ تدويرىا عمى‬
‫المحصوؿ وبيذا تصبح الحبوب منفصمة عمى سيقانيا ‪ .8‬كما استخدموا المخازف لمفائض مف اإلنتاج‬
‫اإلنتاج لوفرتو و أدوات الطحف مثؿ ‪ :‬الميراس المصنوع مف الخشب أو مف الحجارة و كذا‬
‫الطاحونة اليدوية و التي مازالت تستخدـ في بعض المناطؽ إلى يومنا ىذا ‪. 9‬‬
‫أما الثروة الحيوانية فقد أشارت المصادر المعاصرة إلى اىتماـ مموؾ نوميديا بتربية الخيوؿ ‪ ،‬كما‬
‫اعتنوا بتربية المواشي كاألغناـ واألبقار والماعز باعتبار المنطقة رعوية ‪ -‬كما سمؼ ذكره –‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 103‬‬
‫‪2‬‬
‫فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 237‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التطور السياسي و االقتصادي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 119‬‬
‫‪4‬‬
‫اآلية ‪ 01‬مف سورة التيف‬
‫‪5‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬دراسات و نصوص في تاريخ الجزائر ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 100‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد العربي عقوف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 33‬‬
‫‪7‬‬
‫فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 238‬‬
‫‪8‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التطور السياسي و االقتصادي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 110‬‬
‫‪9‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪39‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫باإلضافة إلى البغاؿ و الحمير وتربية الدواجف التي وفرت المحوـ البيضاء والبيض و االستفادة مف‬
‫فضالتيا كسماد لتخصيب التربة ‪ .‬ىذا زيادة عمى تربية الوز والبط و النحؿ الذي يعتبر إنتاجو مف‬
‫أجود أنواع العسؿ و أوفرىا و ىذا استنادا عمى رواية ىيرودوت في القرف الخامس قبؿ الميالد ‪. 1‬و‬
‫مف المالحظ أف الدراسة التي قدميا الدكتور محمد العربي عقوف تتطابؽ مع دراسة الدكتور محمد‬
‫اليادي حارش لكف ما يؤخذ عمى ىذا المؤرخ األخير عدـ التطرؽ ألعماؿ العالـ الزراعي القرطاجي‬
‫(ماغوف)التي كاف ليا األثر البالغ عمى الزراعة في نوميديا بؿ وحتى عمى الروماف و االستفادة منيا‬
‫في استصالحاتيـ الزراعية ‪ ،‬وىذا ما أكده أيضا محمد الصغير غانـ في إشارتو لترجمة أعمالو إلى‬
‫المغة الالتينية ‪.2‬‬
‫‪ – 2‬الصناعة ‪ :‬بالرغـ اىتمامات النوميد الزراعية والرعوية وما حققوه مف إنتاج وفير إال أف ىذا لـ‬
‫يشغميـ عمى االىتماـ بالصناعة وىذا مف أجؿ سد حاجياتيـ و مف أشير الصناعات التي عرفوىا‬
‫نذكر ‪:‬‬
‫‪ -‬صناعة المالبس والحمي ‪ :‬دلت اآلثار والرسومات عمى المباس الذي كاف يرتديو النوميدي‬
‫المتكوف مف معطؼ و جبة تحتيا سترة ‪ ،‬وتصنع أغمب المالبس الصوؼ ‪ ،‬ودلت الرسوـ‬
‫الصخرية عمى وجود البرنوس منذ القدـ ‪ ،‬كما كانت صناعة الحمي شائعة وىي مف الفضة‬
‫غالبا ومثاؿ ذلؾ حمية و تعويذة اإللية البربرية تانيت ‪.3‬‬
‫‪ -‬صناعة الفخار ‪ :‬قسـ كامبس الفخار اإلفريقي إلى ‪ :‬فخار نذري لألغراض الدينية وفخار‬
‫منزلي لألغراض العائمية ‪ .‬أما غزاؿ فقسـ الفخار اإلفريقي حسب الموف والزخارؼ إلى ‪:‬‬
‫فخار غير مزخرؼ كالقدور و الصحوف و المصابيح ‪ ،‬فخار مصبوغ ومزخرؼ و يستعمؿ‬
‫عمى الخصوص الموناف األسود و األحمر ‪ ،‬وىو ما يميز الزخارؼ الفخارية إلى اآلف في‬
‫جية القبائؿ ‪.‬‬
‫‪ -‬صناعة األسمحة‪ :‬استعمؿ النوميد العديد مف أنواع األسمحة التي تـ اكتشافيا عبر التاريخ و‬
‫نذكر‪ :‬الرمح ويصنع مف القصب أو مف المعادف و يستعمؿ في الصيد و الحرب و مثاؿ‬
‫ذلؾ ما عثر عميو في النصب الميبية (نصب السوامع) الذي يعود إلى الفترة مابيف القرف‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ . 97‬أو محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪،‬‬ ‫لإلطالع أكثر ‪ ،‬انظر ‪ :‬محمد العربي عقوف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‬
‫المرجع السابؽ ص ‪. 180‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التطور السياسي و اإلقتصادي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‪. 35‬‬
‫‪40‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫الثالث إلى القرف الرابع ؽ‪.‬ـ و أىـ سالح استعممو المور ‪ ، 1‬المالحظ وجود خطأ في وضع‬
‫الدكتور محمد العربي عقوف ليذه الفترة بحيث أنو مف المنطقي وبحكـ أف الفترة ما قبؿ‬
‫و السيؼ والذي اقتصر‬ ‫الميالد تكوف مابيف القرف الرابع و القرف الثالث قبؿ الميالد ‪.‬‬
‫استخدمو إال عمى فرؽ النخبة مف الفرساف و المشاة أو طبقة القادة مثؿ الممؾ يوغرطة كما‬
‫جاء عمى لساف سالوسيت " في تمؾ األثناء أشير يوغرطة سيفو و ىو يقطر بدماء مشاتنا‬
‫الذيف قتميـ في المعركة " ‪ ،‬وتعرؼ ىذه األسمحة بأنيا ىجومية و بخصوص األسمحة‬
‫الدفاعية نذكر الخوذة ‪ ،‬الدرع ‪ ،‬واقي الصدر‪. 2‬‬
‫و كما عرؼ النوميد صناعات أخرى كصناعة النقود (العممة) مثؿ ما قاـ سيفاكس‬
‫وماسينيسا ‪ ،‬و مف الصناعات أيضا الموائد والعسؿ والجبف والزبدة ‪. 3‬‬
‫‪ – 2‬التجارة ‪ :‬نظ ار لتعدد السمع أقيمت األسواؽ و نقسـ ىذا النشاط إلى تجارة داخمية و تجارة‬
‫خارجية و تشير المصادر لألخيرة أكثر مف األولى وىي كاآلتي ‪:‬‬
‫الداخمية‪ :‬و عرفت عدة أسواؽ مثؿ ‪ :‬سوؽ باجة لمحبوب وسوؽ قيرطا باإلضافة إلى سيرتا و‬
‫بتكوت بباتنة ‪ ،‬و انقسمت األسواؽ في نوميديا إلى ثالثة أصناؼ ‪ :‬األوؿ لمرعاة الذيف‬
‫يعرضوف األصواؼ و الجمود وذلؾ مقابؿ الحبوب وتسمى بالمقايضة أو عف طريؽ الدفع‬
‫بالعممة ‪ .‬والثاني‪ :‬ىـ الحرفييف الذيف يقصدوف األسواؽ مف أجؿ بيع بعض الوسائؿ الزراعية و‬
‫المتمثمة في المحراث والمنجؿ والفؤوس وغيره ‪ .‬أما الصنؼ الثالث فيتكوف مف المزارعيف الذيف‬
‫يقدموف الحبوب و الخضروات لمسوؽ و بيذا تمتقي األصناؼ و يأخذ كؿ صنؼ ما يحتاجو ‪. 4‬‬
‫الخارجية ‪:‬إف االمتداد الواسع لممممكة النوميدية عمى طوؿ ساحؿ حوض البحر المتوسط و‬
‫احتوائيا عمى مدف كبيرة يتوافد إلييا التجار أما عمدا أو مرو ار بيا ألخذ قسطا مف راحة و‬
‫إكماؿ سبيميـ فكانت بمثابة البوابة المفتوحة عمى باقي الحضارات المجاورة إضافة عمى ذلؾ‬
‫أف نوميديا ونتيجة الفائض في الثروات كانت بحاجة لتصدير منتجاتيا و استيراد السمع التي‬
‫تفتقر إلييا ‪ .‬وتمثمت الصادرات في ما يمي ‪ :‬القمح بالدرجة األولى و الخيوؿ ‪ ،‬األسود و‬
‫الفيود ‪ ،‬باإلضافة إلى األبقار و المواشي و كذلؾ المنتجات الغذائية مثؿ العسؿ و الزيتوف و‬

‫‪1‬‬
‫محمد العربي عقوف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 36‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 127‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التطور السياسي و االقتصادي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 146‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 160‬‬
‫‪41‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫الكروـ و العنب والزبيب ‪.‬أما الواردات فمـ تكف محطة اىتماـ في المصادر التاريخية وقد‬
‫شممت ‪ :‬المصنوعات الفخارية كالمصابيح و اآلجر و األنابيب ‪. 1‬‬
‫ج– الحياة االجتماعية والفكرية ‪:‬‬
‫‪ – 1‬االجتماعية ‪ :‬تعتبر األسرةىي الخمية األساسية في بناء المجتمع النوميدي الذي ترجع فييا‬
‫السمطة لألب‪ ، 2‬و ينسب األبناء آلبائيـ فقد عثر عمى نقوش بونية و لوبية الجنائزية اإلىدائية‬
‫عمى اسـ المتوفى واسـ أبيو ‪ ،‬و رابطة الزواج تقوـ الرجؿ و المرأة حسب ما يقره المعبد و‬
‫قانوف القبيمة مف حيث االعتراؼ بالتقاليد المتبعة في إتماـ مراسيـ الزواج كما وجد الطالؽ لكف‬
‫كاف قميال ‪ ،‬كما وجدت األسرة المختمطة و تنشأ مف الزواج المختمط أو تعدد الزوجات ‪ .3‬كما‬
‫عرؼ المجتمع النوميدي الوراثة و ظاىرة التبني و كانت الوراثة لألبناء بالتبني و األصالب‬
‫وعرؼ النوميديوف التبني وشاع بيف مختمؼ طبقات المجتمع وخاصة تبني العـ أبناء أخيو ‪،‬‬
‫كتبني مكوسف البف أخيو يوغرطة ‪.4‬‬
‫كما حظيت المرأة بمكانة مرموقة في المجتمع و كاف ليا دو ار فعاال فيي ربة األسرة تتولى‬
‫اإلنجاب وتربية األطفاؿ و القياـ بشؤوف األسرة ثـ العمؿ في الرعي والزراعة ‪ ،‬كما برعت في‬
‫صناعة األدوات الفخارية و التفنف في زخرفتيا و صناعة األنسجة بأنواعيا ‪ .5‬و قد أكد محمد‬
‫الصغير غانـ عمى مكانة المرأة النوميدية معتمدا عمى أورده المؤرخ جزيؿ و ديودور الصقمي‬
‫باإلضافة لييرودوت خاصة في مشاركة المرأة في الحرب و الحكـ و السياسة وقدـ أمثمة عف‬
‫‪ ،6‬في‬ ‫ذلؾ منيا ‪ :‬والدة ماسينيسا التي كانت تتعاطى العرافة واألميرة القرطاجية سوفونيسبة‬
‫حيف نالحظ أف محمد اليادي حارش لـ يتعرض لمجانب االجتماعي في نوميديا وذلؾ عكس‬
‫محمد الصغير غانـ الذي درسو بأدؽ تفاصيمو ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 132‬‬
‫‪2‬‬
‫‪، 1974‬‬ ‫دنيس يولـ ‪ ،‬الحضارات اإلفريقية ‪( ،‬د ‪.‬ط ) تر ‪ :‬عمي شاىيف ‪ ،‬منشورات مكتبة دار الحياة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبناف ‪،‬‬
‫ص ‪134‬‬
‫‪3‬‬
‫ميا عيساوي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 275‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 279‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‪. 209‬‬
‫‪6‬‬
‫سوفونيسبة ( ‪ 203 -201‬ؽ‪.‬ـ)‪ :‬ىي أميرة قرطاجية تنتمي إلى عائمة ثرية لذلؾ كاف حضور سياسي ‪ ،‬كاف أبوىا عزر بعؿ‬
‫الذي كاف لو اتصاؿ بالممؾ سيفاقس وقد زوجيا لو ‪ .‬لمزيد مف المعمومات ‪ ،‬انظر ‪ :‬محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪،‬‬
‫المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬
‫‪42‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫ولقد عرؼ المجتمع النوميدي مجموعة مف العادات و التقاليد و ممارسة عدة طقوس و مف‬
‫أىميا‪ :‬التطير و ىي االعتقاد باألرواح الشريرة التي تتمثؿ في العيوف الشريرة التي كانت‬
‫تسمط عمى اإلنساف نفسو فتصيبو بمكروه في جسمو أو مالو ‪ ،‬و لذلؾ كاف يتقي شرىا‬
‫بواسطة الرسـ و الوشـ و كؿ األشكاؿ األخرى مثؿ اليد بأصابعيا الخمس و التمائـ التي‬
‫تعمؽ في العنؽ ‪ ،‬إضافة إلى نجمة الخماسية أو الزىرة ذات األجفاف األربعة أو الثمانية و‬
‫التي غالبا ما ترسـ في وسطيا عيف ‪ .‬ومف أطعمتيـ الكسكسي و الخبز الذي يصنع مف‬
‫القمح ‪ ،‬كما كانوا يشربوف المبف ‪. 1‬‬
‫‪ – 2‬الفكرية ‪:‬‬
‫‪ -‬المغة ‪ :‬أشار محمد العربي عقوف إلى أف اتساع الرقعة الجغرافية تسبب في ظيور عدة‬
‫ليجات ليا خصوصياتيا ولكف تنحدر جميعيا مف المغة الميبية التي تعد أـ الميجات البربرية‬
‫و تعتبر مف المغات فقد كانت معاصرة لمغات قوية مثؿ الفرعونية و الالتينية المتيف كانتا‬
‫تتمتعاف بالحماية في كنؼ القوة السياسية ومع ذلؾ اندثرتا اليوـ ‪ ،‬بينما نجت المغة الميبية‬
‫التي فقدت السند السياسي منذ زواؿ المممكة النوميدية ‪ ،‬و في ىذا المجاؿ استخمص‬
‫الدارسوف أف ليجات المغة الميبية المستمرة إلى اآلف وجدت سندىا في العائمة و التضاريس‬
‫الجغرافية ولذلؾ استمرت عمى الخصوص في الخصوص في المناطؽ الجبمية ‪ .2‬ثـ أضاؼ‬
‫أنو ال توجد مؤشرات عف بدايات ىذه الميجات أىي قديمة منذ الفترة الرومانية أـ أحدث ‪،‬‬
‫غمة ‪ ،‬الزناتية ‪ ،‬ليجة كتامة ‪،‬‬
‫ليقدـ أىـ ىذه الميجات وىي ‪ :‬السيوية‪ ،‬النفوسية و ر ّ‬
‫الصنياجية‪ ،‬المصمودية‪.3‬‬
‫‪ -‬الكتابة ‪ :‬كانت توجد في بالد المغرب كتابة خاصة ‪ ،‬استخدمت مف طرؼ الممالؾ المحمية‬
‫كميا ‪ ،‬كما استخدميا المواطنوف ‪ ،‬وىي تحتوي عمى ثالثة وعشروف حرفا و تعرؼ بالكتابة‬
‫الميبية و أحيانا النوميدية ‪ ،‬ومنيا اشتقت الكتابة التيفيناغية‪ .‬و يعد نص دوقة المزدوج‬
‫بونيقي – ليبي ‪ ،‬أوؿ وثيقة ليبية مؤرخة بدقة ‪ ،‬وىي عبارة عف كممة إىدائية مف معبد أقيـ‬
‫لماسينيسا في السنة العاشرة مف حكـ ابنو مكوسف ‪ ،‬أي سنة ‪ 139‬ؽ‪.‬ـ كما عثر عمى نقش‬

‫‪1‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 212‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد العربي عقوف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 206‬‬
‫‪3‬‬
‫لإلطالع أكثر عمى ىذه الميجات ‪ .‬انظر ‪ :‬محمد العربي عقوف ‪ ،‬نفسو ‪ ،‬ص ص ‪. 207 -206‬‬
‫‪43‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫مزدوج آخر في نفس المنطقة يخمد إقامة ضريح قد يعود إلى نفس الفترة ‪ ،‬وكذا نصوص‬
‫ليبية أخرى مف نفس المنطقة مرتبة في خطوط أفقية ‪.1‬‬
‫د– الحياة الدينية والعمرانية ‪:‬‬
‫‪ –1‬الدينية ‪ :‬عندمػػا نحػػاوؿ البحػػث فػػي المعتقػػدات النوميديػػة نجػػد أنفسػػنا أمػػاـ أرضيػػة مػػف‬
‫المعتقػػدات الميبيػػة القديمػػة القائمػة عمػى الظواىػر الطبيعيػة والزراعيػة والكوكبيػة مػع عػدد مػف‬
‫المعبػودات المحميػة أضيػؼ إلييػا فيمػا بعػد مجموعػة مػف اآللية البونيػة وعمػى الخصػوص فييػا‬
‫آليػة الخصػب‪ .‬و في حديثو عف الجانب الديني في المغرب أكد محمد اليادي حارش أف‬
‫المغاربة القدامى كانت ليـ آليتيـ و طقوسيـ الدينية حتى قبؿ قدوـ الفينيقييف ‪ ،‬ولـ تتغير إال‬
‫عبادة‬ ‫شكميا في العصور الالحقة ‪ . 2‬و في البداية سنتعرؼ عف أىـ المعبودات المتمثمة في‬
‫الحيوانات مثؿ ‪ :‬الكبش ‪ ،‬الثور ‪ ،‬األسود‪ ،‬وعبادة قوى الطبيعة و تنقسـ إلى قسميف ‪ :‬األوؿ‬
‫عبادة األشجار ‪ ،‬الحجارة ‪ ،‬الجباؿ و الكيوؼ و المغارات ‪ ،‬المنابع المائية ‪.‬‬
‫القسـ الثاني عبادة القوى الخفية و الكواكب وىي بدورىا تنقسـ إلى قسميف عبادة الجف عبادة‬
‫الكواكب ( الشمس‪-‬القمر)‪ .3‬و سنتعرض فيما يمي لبعض ألىـ المعبودات ‪:‬‬
‫االلهة تانيت ‪ :‬عبدت كآلية أـ ليا السيادة عمى العالـ السفمي التي تسير فيو عمى أرواح‬
‫الموتى أثناء رحمتيـ الطويمة مابيف األرض والسماء ‪.4‬‬
‫بعل حمون ‪ :‬تمسؾ بعبادتو المجتمع النوميدي وذلؾ لوظيفتو األساسية ‪ ،‬و ىو إلو شمسي‬
‫يتحكـ في السحب والرعد والتساقط وخصوبة األرض ‪ ،‬ثـ السيطرة عمى الحياة األخرى و كذا‬
‫تجديد قوى الطبيعة ‪ ،‬وبذلؾ فيو يظير في كثير مف األحياف عمى أساس أنو معبود زراعي‬
‫(انظر‪ :‬الشكؿ ‪.5) 3‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ص ‪. 134 -133‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 147‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ص ‪. 145 -124‬‬
‫‪4‬‬
‫عبد اهلل زيتونة عطاء اهلل ‪ ،‬حسف األخوص‪ ،‬النصب النذرية النوميدية المحفوظة بمتحؼ سيرتا بقسنطينة دراسة إحصائية‬
‫تحميمية – ‪ 30‬أنموذجا ‪ ،‬مذكرة مكممة لمتطمبات الحصوؿ عمى شيادة الماستر في تاريخ الحضارات القديمة ‪ ،‬جامعة الشييد‬
‫حمو لخضر ‪ ،‬الوادي ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2017 – 2016 ،‬ص ‪. 18‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 151‬‬
‫‪44‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫ممقارت‪ :‬وىو إلو المدينة و قد عبد في البداية بمدينة صور بالساحؿ المبناني ‪ ،‬وكانت طبيعتو‬
‫شمسية ثـ أضيفت لو الطبيعة البحرية ‪. 1‬‬
‫‪ –2‬العمرانية ‪ :‬في الجانب العمراني تطرؽ محمد اليادي حارش إلى المشكمة التي تعترض‬
‫الكتابة عميو و أرجع سبب ذلؾ أف العمارة الرومانية ىي الطاغية لذا حجبت آثار ما قبؿ ىذه‬
‫الروماف و البحث عنيا يستوجب التضحية باآلثار الرومانية و بحكـ أغراض المدرسة‬
‫االستعمارية ظمت العمارة النوميدية مجيولة تقريبا ‪ ،‬لكف اآلثار المتناثرة في بالد المغرب القديـ‪،‬‬
‫تؤكد بما ال يدع مجاال لمشؾ وجود ىذه العمارة التي تطورت محميا ‪ ،‬ويمكف أف نوجز في‬
‫دراستنا ىذه أىـ النماذج المتبقية و التي في مجمميا عبارة عف معابد و أضرحة ‪ ،‬و تقع خارج‬
‫المدف وىو ما يفسر دواميا في وقت اندثرت فيو كؿ المباني األخرى أو طمرت تحت المباني‬
‫الرومانية وعميو يمكننا التعرؼ عمى أىميا ‪:‬‬
‫‪ -‬المعابد ‪ :‬معبد شمتو‪ ، 2‬وىو النموذج الوحيد لمفترة النوميدية و معبد القميب ‪.‬‬
‫‪ -‬األضرحة الممكية النوميدية ‪ :‬مثؿ مدغاسف ‪ ،‬قبر الرومية ‪.‬‬
‫‪ -‬األبراج الجنائزية الممكية النوميدية – الهيمينستية ‪:‬وتتمثؿ في ضريح صبراتو ‪ ،‬برج سيقا‪،‬‬
‫ضريح دوقا( انظر‪ :‬الشكؿ ‪ ، ) 4‬ضريح الخروب (انظر‪ :‬الشكؿ ‪ ) 5‬وفي األخير أشار‬
‫إلى أف أغمبية المباني الجنائزية لألىالي عائدة لمعيد الروماني‪.3‬‬
‫خالصة لما تعرضنا لو في نياية ىذا الفصؿ و بالرغـ مف تضارب المعمومات نقدـ‬
‫مقارنة لكتابات ا لمؤرخيف المغاربة المحدثيف بداية بمحمد الصغير غانـ الذي يشيد لو بعمؽ‬
‫التصور و نقؿ األحداث بكؿ أمانة و رزانة الذي أشار إلى إنشاء مدينة قرطاجة التي تعتبر‬
‫مف أىـ المستوطنات الفينيقية في وسط السواحؿ المغاربية ‪ ،‬وبالضبط في خميج شماؿ تونس‬
‫‪ 814‬ؽ ‪ .‬ـ تغيرت زعامة المدف الفينيقية بحيث حمت مدينة قرطاجة محؿ صور ‪،‬‬ ‫سنة‬
‫وبذلؾ أخذت زعامة المستوطنات الفينيقية القرطاجية في الحوض الغربي لمبحر المتوسط وىو‬
‫بذلؾ يؤكد فكرة الدكتور محمد فنطر ( وىو مف الكبار المختصيف في المغة و التراث البوني‬

‫‪1‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 156‬‬
‫‪2‬‬
‫معبد شمتو‪ :‬قاـ ببنائو الممؾ مكوسف عمى عشرة مراحؿ فوؽ قمة جبؿ المرمر ‪ .‬لمزيد مف المعمومات ‪ ،‬انظر ‪ :‬محمد‬
‫اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 153‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسو‪ .‬ص‪.154‬‬
‫‪45‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫القرطاجي عمى المستوى العالـ العربي قاطبة ) و قد أيده في ذلؾ الدكتور محمد اليادي حارش‬
‫الذي قدـ التطور الذي شيدتو قرطاجة مف مركز تجاري إلى قوة بحرية خالؿ القرف ‪ 5‬ؽ‪ .‬ـ ‪.‬‬
‫وقد لعبت ىذه الكتابات أدوار كبيرة في كشؼ بعض الحقائؽ التاريخية خاصة و أف كتابات‬
‫تتميز ببعض التحيز و التجاىؿ‬ ‫المؤرخيف الغربييف حوؿ تاريخ بالد المغرب القديـ‬
‫يمكف أف نجمميا فيما يمي ‪:‬‬
‫‪ -‬استعمؿ المؤرخوف الغربيوف مصطمحات ال عالقة ليا بالنزاىة العممية و الموضوعية التي‬
‫يجب أف يتسـ بيا المؤرخ و مثاؿ ذلؾ لفظة بربر ‪.‬‬
‫‪ -‬اعتبار أىؿ المغرب بأنو شعب لـ يكف لو في القديـ أي كياف ووحدة سياسية تجمعو و ىذا‬
‫يعود عمى حسب اعتقادىـ إلى العوامؿ الجغرافية والطبيعية التي تحوؿ دوف تحقيؽ الوحدة‬
‫بينما حسب المعطيات التاريخية فإف الوحدة تحققت في عيد ماسينيسا ‪.‬‬
‫‪ -‬مف عيوب الدراسات أنيا لـ تستطع أف تسير أغوار تاريخنا مف الناحية االجتماعية‬
‫و االقتصادية و الحضارية ‪ ،‬و إال كيؼ نفسر عدـ تخصيص و لو فصؿ واحد لتاريخ بالد‬
‫المغرب القديـ في تاريخ الحضارات العالـ ‪.‬‬
‫وىناؾ جانب آخر وىو وجود تفاىـ كبير بيف المؤرخيف الغربييف القدماء و المعاصريف‬
‫مف ناحية نظرتيـ إلى المغاربة القدماء أي الميبييف ‪ ،‬وىذه النظرة ليا صبغة احتقار ‪ ،‬فمثال‬
‫الثورة التي قاـ بيا المغاربة القدماء في صقمية ضد األرستقراطية التي ماطمت في تأدية أجور‬
‫‪1‬‬
‫وبجرة قمـ ‪ ،‬و استعمؿ ىذا‬
‫بكؿ بساطة ّ‬ ‫النوميدييف ‪ ،‬فقد تـ نعت ىؤالء المغاربة بالمرتزقة‬
‫المصطمح ستيفاف قزاؿ و شارؿ أندري جولياف و غيرىما‪.‬‬
‫موجز الحديث فإف النظرة االستعمارية لتاريخنا القديـ في حاجة ماسة إلى إعادة نظر‬
‫المغاربة المحدثيف المختصوف في تاريخ المغرب‬ ‫و تصحيح و غربمة ‪ ،‬وىو دور المؤرخيف‬
‫القديـ حيث كانت دراستيـ أكثر دقة و غ ازرة وساروا عمى المنيج العممي في البحث التاريخي‬
‫مف ناحية المصادر و المراجع و غيره ‪ .‬كما درسوا المصادر و المراجع الالتينية و البونية أي‬
‫القرطاجية بشكؿ دقيؽ موضوعي‪ ,‬وقد ساعدىـ في ذلؾ معرفتيـ بمغة الفرنسية نطقا و كتابة‬
‫و تمكنيـ مف المغة الالتينية أو البونية ‪.‬‬

‫شارؿ أندريو جولياف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ص ‪. 99 - 98‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪46‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫بالد المغرب من بداية اإلحتالل الروماني الى‬


‫ظهور الوندال‪ 146 ( :‬ق‪.‬م– ‪ 429‬م)‬

‫المبحث األول‪ :‬مقاطعة افريقيا الرومانية‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬بالد المغرب تحت الحكم‬


‫الروماني‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهور الوندال‬
‫( ‪ 429 – 146‬م)‬
‫مقاطعة افريقيا الرومانية‪:‬‬ ‫‪.I‬‬
‫‪ ( 1‬نوميديا ‪:‬‬

‫نصب ماسينيسا‬ ‫‪ .1‬فبعد ان‬ ‫المسماة أفريقية الرومانية‬


‫ّ‬ ‫كانت قرطاجنة حاضرة الوالية‬
‫‪Massinissa‬عمى كامل نوميديا وىذا بعد انتصاره عمى سيفاكس في حرب فاصمة ب كيرطا‬
‫‪ 203‬ق‪ -‬م وبنص المعاىدة التي عقدت بعد معركة زاما استطاع ماسينيسا أن يسترجع أمالك‬
‫أبيو وأسالفو ويضم إلييا نوميديا الغربية لتصبح المنطقة الممتدة من نير المموية غربا إلى خميج‬
‫ا وكرس شعاره‬ ‫السرت الكبير شرقا تابعة لو ‪ ،‬وشيدت المنطقة خالل عيده ازدىا ار واضح‬
‫المشيور إفريقيا لألفارقة ليحاول بعد ذلك ضم قرطاج لوال تدخل روما ‪ 2 .‬وفي سنة ‪ 148‬ق‪-‬‬
‫م توفي ماسينيسا تارك ىذه المممكة ألبنا ئه الثالثة مسطنبعل ‪ Mastanabal‬وجموسن‬
‫‪Gulussa‬ومكوسن ‪ 3Micipsa‬وتفرعت السمطة إلى ثالثة فمكوسن تقمد السمطة التنفيذية‬
‫والدي حمل لقب حمممكت ويعني أمير إال أنو غير مناسب لوظيفتو لكونو أوكمت إليو السمطة‬
‫‪4‬‬
‫‪ .‬في‬ ‫التنفيذية وقد عثر عمى نقشان في تيجيبا وأخر في شرشال بأن ميكوسن حمل لقب منكد‬
‫المممكة وتبعا لمنقش الموجود في تيجيبا فكممة منكد تعني أن الممك ىو الرئيس األعمى وقائد‬
‫الرؤساء المحميين واألمراء والقبائل والمدن ‪ 5 .‬وجموسن السمطة العسكرية ومسطنبعل القضائية‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫وكان لمكوسن ابنان وىما ىيمصال األول ‪ Hiempsal‬و أذربعل ‪ Adherbal‬ولجموسن ابن‬

‫‪1‬‬
‫محمد العيد بشي ‪،‬تاريخ مختصر الىم حضارات الشرق القديمة دراسة حضارية في قبل التاريخ وعبر التاريخ ‪(،‬ب ط)‪ ،‬دار‬
‫ىومة ‪ ،‬الجزائر ‪ ،2007 ،‬ص ‪.183‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬دراسات ونصوص في تاريخ الجزائر وبمدان المغرب‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪.234 -232‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد الصغير غانم ‪ ،‬المممكة النوميدية والحضارة البونية‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪4‬‬
‫كممة منكد تعني الوظيفة العالية ‪ ،‬انظر ‪:‬فتيحة فرحاتي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.199‬‬
‫‪5‬‬
‫فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.199 -198‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي القديم‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪48‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫إال أن اإلخوة الثالثة لم يتفقوا فيما بينيم‬ ‫واحد ماسيقا أما مسطنبعل فخمف يوغرطة وجودا‬
‫واتيم ميكوسن من طرف أخويو بالوالء األعمى لمرومان وبعد عامين توفي األخوان بطريقة‬
‫غامضة ويقول سالوست بأن سبب الموت ىو اصابتيما بمرض وبيذا انفرد ميكوسن بالحكم‬
‫‪ 118‬قبل الميالد‬ ‫سنة ‪ 146‬ق‪ -‬م وكان مواليا لمرومان طيمة فترة حكمو وبعد وفاتو سنة‬
‫اضطربت األوضاع بين أحفاد مسطنبعل وجموسن ومكوسن واسند الحكم إلى ابنيو ىيمصال‬
‫‪2‬‬
‫وبعد ىذه الفترة تأزمت‬ ‫األول و أذربعل وابن أخيو يوغرط ة ‪ Jugurtha‬ابن مسطنبعل‬
‫األوضاع في نوميديا إلى غاية اإلحتالل الروماني ‪49‬ق م‪.‬‬

‫وافترض محمد فنطر أنو وجدت ثالثة نظم إدارية األولى وتمثمت في اإلدارة المركزية‬
‫ومركزىا بالعاصمة والثانية ىي اإلدارة القبمية فعمى رأس كل قبيمة رئيس ويحصل عمى سمطتو‬
‫إدارة المدن والتي تتمتع‬ ‫إما من القبيمة أو أن الممك يعينو رئيسا ليا أما اإلدارة الثالثة وىي‬
‫‪3‬‬
‫بأستقاللية واسعو في تسير مصالحيا ‪.‬‬

‫حارب يوغرطة حتى وفاتو إليقاف الزحف الروماني‪ ،‬وبدأت المناوشات بينو وبين الرومان‬
‫عندما حاولوا تقسيم الدولة النوميدية إلى ثالث دويالت‪ ،‬فقاوميم وانتصر عمييم سنة ‪ 116‬ق‬
‫م‪ .‬ونجح في توحيد نوميديا‪ ،‬وأصبح حاكما لكيرطا سنة ‪ 112‬ق‪.‬م‪ .‬لكن الرومان استعمموا ضده‬
‫أسموب المخادعة لمتخمص منو وىكذا استعمموا صيره أي والد زوجتو الذي توسط بين يوغرطة‬
‫وقادة روما ولكنو ألقى القبض عميو سنة ‪106‬ق‪.‬م‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد الصغير غانم ‪ ،‬المممكة النوميدية والحضارة البونية‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪2‬‬
‫فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.222‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.185‬‬
‫‪4‬‬
‫عمار المحجوبي ‪ ،‬والية افريقيا من االحتالل الروماني الى نياية العيد السويري (‪ 146‬ق‪.‬م‪ 235-‬م) ‪ ،‬مركز النشر‬
‫الجامعي ‪ ،‬تونس ‪، 2001 ، ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪49‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫بدأ خضوع منطقة شمال أفريقيا لنفوذ الرومان ‪ ،‬بقضائيم عمى بقايا القرطاجيين ونفوذىم في‬
‫المنطقة سنة ‪ 146‬ق‪.‬م ‪ .‬وأنشأوا بالمنطقة حصونا تعرف بـ ”الميمس" ؛ كان دورىا عسكريا‬
‫بالدرجة األولى ‪ ،‬حيث تعتبر حصنا متقدما لمقوة العسكرية ‪ ،‬كما كان ليا دور اقتصادي متمثال‬
‫في مراقبة الطرق التجارية ‪،‬وكونو مرك از لمتبادل بين الرومان والقبائل المحمية‪ ،‬وتتمثل الوسيمة‬
‫‪1‬‬
‫‪ .‬ومنحيا بعض االمتيازات ؛‬ ‫الثانية التي اعتمدىا الرومان في استمالو القبائل المغاربية‬
‫كاإلعفاء من الضرائب حتى تبقى وفية ليم‪ ،‬وتتمثل الوسيمة الثالثة في وصول بعض المغاربة‬
‫إلى درجة الحصول عمى حق المواطنة الرومانية ‪ .‬فسخرتيم بذلك ؛إلخماد الثورات التي كانت‬
‫تقوم بيا قبائل أخرى ‪ ،‬غير موالية لمرومان ‪ .‬وانتيت ىذه الوسائل من تمكن اإلمبراطورية من‬
‫‪ 1‬م ‪.‬بييمنتيا عمى موريطانيا الطنجية ‪،‬‬ ‫بسط سيطرتيا عند نياية النصف األول من القرن‬
‫‪2‬‬
‫القيصرية ‪ ،‬نوميديا وكل الممالك البربرية بأفريقيا الشمالية ‪.‬‬

‫تحولت نوميديا بعد ىزيمة يوغرط ة الى غنيمة في يد الرومان‪ ،‬وبدل جعميا عمالة تابعة‬
‫لروما‪ ،‬نصبوا عمييا مموكا محميين عمى شرط قياميم بمد روما بالثروات األفريقية‪ ،‬وبذلك تم‬
‫تقسيم مممكة نوميديا الى ثالثة ممال ك ‪ ،‬استأثر فييا بوكوس بالجزء الغربي جزاء عمالتو‪ ،‬في‬
‫حين حصل غودا عمى الجزء الشرقي‪ ،‬اما ماستانونزوس فقد حصل عمى الجزء األوسط من‬
‫مممكة نوميديا الموزعة‪. 3‬‬
‫كانت نوميديا في عيد يوبا األول بعد خمفاء بوكوس الذين تميزوا باقام ة عالقات ودية مع‬
‫روما‪ ،‬ظير ممك نوميدي آخر‪ ،‬وىو حفيد ليوغرط ة وكان اسمو يوبا األول ‪.‬ىذا اآلخير عمل‬

‫‪1‬‬
‫جمال مسرحي ‪ :‬المقاومة النوميدية لالحتالل الروماني في الجنوب الشرقي الجزائري ‪ ،‬مذكرة لنيل شيادة ماجستير في التاريخ‬
‫الٌقديم ‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطسنة ‪ ،‬الجزائر‪ ، 2008 ،‬ص ‪. 6‬‬
‫‪2‬‬
‫عمار المحجوبي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد بيومي ميران ‪ ،‬المغرب القديم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.291‬‬
‫‪50‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫عمى نيج اجداده يوغرط ة وماسينيسا لبناء دولة نوميدية مستقمة تكفييم التدخالت األجنبية‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 48‬قبل الميالد ‪ ،‬بدت الفرصة سانحة لتحقيق ىذا المأرب‪ ،‬ذلك ان صراعا قام بين‬
‫بومبي وقيصر حول حكم روما‪ .‬واعتقد يوبا األول ان النصر سيكون حميفا لبومبي و راىن عمى‬
‫حمف بينيما غير ان النصر كان مخالفا لتوقعات يوبا األول ‪ .‬و تمكن قيصر من ىزم ة خصمو‬
‫بومبي‪ .‬ففي سنة ‪ 46‬قبل الميالد تمكن الجنود الرومان وجنود كل من بوكوس الثاني وبوغود‬
‫الثاني من تحقيق نصر ضد جيوش يوبا األول وبومبي ‪.‬‬

‫بعد ىزيمة يوبا األول فقدت نوميديا استقالليا السياسي‪ ،‬وكانت نيايتياعام ‪ 46‬ق‪.‬م بعد‬
‫مرور مائة سنة عمى ذكرى سقوط قرطاجة سنة ‪ 146‬ق‪.‬م ‪ .‬وبيذا دخمت نوميديا فترة جديدة‬
‫وىي فترة الحكم الروماني‪. 1‬‬

‫‪ )2‬موريطانيا‪:‬‬
‫مممكة موريطانيا التي يذىب المؤرخون ان تقدميا بصفة عامة اكثر بطئا من نوميديا وربما‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬حيث حكم بوخوس الثاني الجزء الشرقي منيا‬ ‫كان ىذا القصور بسبب نقص المعمومات‬
‫غي ‪ bogoud‬فقد حكم الجزء الغربي منيا غرب مموية ‪.‬فوسع‬
‫خمفا ل بوخوس االول ‪ .‬اما بو د‬
‫بوخوس مممكتو عمى حساب نوميديا وبعد سنوات قميمة ايد بوغيد ( ‪ 30 -73‬ق‪-‬م) ‪ 3 .‬ىذا‬
‫‪ 33‬ق‪.‬م ومقتل بو غيد في عام ‪ 31‬ق‪.‬م‬ ‫وقد صارت كل ىذه بعد موت بوخوس في عام‬
‫خالية من اي حاكم وطني ‪ .‬وكان في امكان روما ضميا الييا مباشرة ‪ ،‬غير ان القيصر‬
‫‪27‬ق‪.‬م ‪ 14 -‬م )‪ .‬نصب‬ ‫جايوس اوكتافيوس والذي صار امبراطو ار يحمل لقب اغسطس (‬
‫سنة ‪ 25‬ق‪.‬م يوبا الثاني ابن اخر مموك نوميديا و ىو يوبا االول عمى موريطانيا‬

‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب ‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.85‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد بيومي ميران ‪ ،‬المغرب القديم ‪ ،‬ص‪.293‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.96‬‬
‫‪51‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫بدور بارز و‬ ‫دام حكمو اكثر من ‪ 40‬سنة ؛ ( ‪ 25‬ق‪.‬م – ‪ 15‬م ) وقد قام في موريطانيا‬
‫‪1‬‬
‫فعال ‪.‬‬
‫فرة ( ‪ 40 – 23‬م) ‪ ،‬الذي‬
‫ت‬ ‫وجاء بعد يوبا الثاني ابنو بطمميوس الذي حكم موريطانيا‬
‫قتمو االمبراطور الروماني كاليجوال فيما بعد ( ‪ 41‬م) ليتم بعد ذلك تقسيم المنطقة اداريا ‪.2‬‬

‫‪ )3‬بالد المغرب تحت الحكم الروماني ‪:‬‬


‫قبل التطرق لمنظم االدارية في ظل االحتالل الروماني ‪ ،‬في الفترة الممتدة من القرن األول‬
‫قبل الميالد إلى القرن الثالث ميالدي‪ ،‬يجب اإلشارة إلى أن بالد المغرب القديم بقيت مدة قرن‬
‫من الزمن ‪-‬من‪ 146‬ق ‪.‬م ‪ .‬تاريخ سقوط قرطاجة إلى ‪ 46‬ق‪.‬م ‪ .‬تاريخ معركة تابسوس التي‬
‫انتصر فييا الرومان عمى يوبا األول والتي من أىم نتائجيا بداية الوجود الفعمي الروماني في‬
‫بالد المغرب القديم ‪-‬خارج السيطرة الرومانية الفعمية‪ ، -‬وىذا راجع لمجموعة من األسباب‪،‬‬
‫حيث يرى بعض المؤرخين الغربيين أن سبب تأخر غزو بالد المغرب من طرف الرومان يتمثل‬
‫في عدم وجود أطماع في المنطقة وىذه معمومة خاطئة‪ ،‬فاالىتمام الروماني بمنطقة المغربالقديم‬
‫‪3‬‬
‫يرجع إلى اندالع الصراع مع اإلمبراطورية القرطاجية سنة ‪ 264‬ق‪.‬م عندما وقفت ىذه‬
‫األخيرة سدا منيعا في وجو توسعات الرومان في حوض البحر المتوسط‪( .4‬انظر الشكل ‪)6‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد بيومي ميران ‪ ،‬المغرب القديم ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.293‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.297‬‬
‫‪3‬‬
‫ميا محم د السيد ‪ ،‬الحصون والتحصينات الدفاعية في شمال افريقيا في العصر الروماني ‪ ،‬مصر ‪ ،2008 ،‬ص‪.2‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد فوكو ‪ ،‬مناطق سيل الشمف في ظل االحتالل الروماني ‪ ،‬مجمة عصور الجديدة ‪ ،‬عدد ‪ ، 12 – 11‬وىران ‪،‬‬
‫الجزائر ‪ ،‬فبرابر ‪ ، 2014‬ص ‪.09‬‬
‫‪52‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الــــنـــظـــــــم اإلداريــــــــة ‪:‬‬ ‫‪.II‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬وىذا باستثناء الفترات التي لم تكن فييا ىذه‬ ‫تميزت االدارة الرومانية بالالمركزية‬
‫المقاطعات خاضعة لمحكم العسكري المباشر ‪ -‬وىو نظام يتيح حرية محدودة لحكام‬
‫المقاطعات لمتصرف فييا ‪ .‬حيث جرى تطبيق اسموبين من النظم االدارية في نوميديا وىما ‪:‬‬
‫حكم اداري مدني في الشمال وحكم اداري عسكري في الجنوب طيمة العيد االمبراطوري االول ‪،‬‬
‫و تم تقسيم بالد المغرب الى اربع مقاطاعات ‪:‬‬
‫‪ -‬افريقيا البرو قنصمية ‪. africa proconsularis‬‬
‫‪ -‬نوميديا ‪.NUMIDAE‬‬
‫‪ -‬موريطانيا القيصرية ‪. Caesariensis‬‬
‫‪ -‬موريطانيا الطنجية ‪.2Tingitana‬‬
‫‪ )1‬افريقيا البرو قنصمية ‪:‬‬
‫‪ . sylla‬حيث لقب نائبو‬ ‫نشاء ىذا المصطمح منذ سنة ‪ 41‬ق‪.‬م أثناء عيد سيال‬
‫‪ ،‬ولقب باغسطس في‬ ‫المكمف بالبروقنصل بعد انتصار اوكتافيوس بروما عن معارضيو‬
‫‪ ،‬وافريقية الجديدة ‪.‬وحدودىا‬ ‫‪ 27‬ق‪.‬م‪ .‬وكانت البروقنصمية تشمل كل من افريقيا القديمة‬
‫لبدة شرقا ‪ ،‬و مقنة غربا حتى ىيبون ‪-‬عنابة –شماال‪ ،‬وغدامس جنوبا ‪.3‬‬
‫كما ضمت الييا مممكة سي تيوس ‪ ،Sittius‬ابتداء من سنة ‪ 44‬ق‪.‬م والبروقنصمية‬
‫‪5‬‬
‫مرتبطة بحاكم ‪4‬من مجمس الشيوخ حيث يمكن اعتبارىا مستعمرة استطانية لقدماء الجيش‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫‪2‬‬
‫احمد حسسن السمماني ‪ ،‬تاريخ مموك البربر في الجزائر القديمة‪ ،‬دار القصبة لمنشر ‪ ،‬ط ‪، 2‬الجزائر ‪ ، 2017 ،‬ص ‪221‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 79‬‬
‫‪4‬‬
‫القاضي أو الحاكم في روما ‪ ، praetor‬لممزيد من المعمومات انظر ‪ :‬سالوست ‪،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪14‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد العيد بشي‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.185‬‬
‫‪53‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪ )2‬نوميديا ‪: NUMIDIE‬‬
‫كانت نوميديا تابعة لمبروقنصمية من الناحية القانونية ‪ ،‬بعد ان احتميا اغسطس عند‬
‫)ايكوزيوم( و (ايول شرشال) غربا الى‬ ‫سقوط مممكة يوبا الثاني ‪ ،‬حيث تمتد من الجزائر‬
‫ات امنية و لو سمطة االشراف عمى‬ ‫غاية روسيكاد شرقا غير ان حاكميا لو صالحي‬
‫‪1‬‬
‫ومنطقة المدن الخمس طرابمس ‪ .‬وتعتبر‬ ‫االراضي الواقعة جنوب منطقة افريقيا القديمة ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬‬ ‫جميع اراضي نومديا ضمن المناطق العسكرية ‪ ،‬وىي مقاطعة امنية اكثر منيا ادارية‬

‫‪ )3‬موريطانيا القيصرية ‪: Mouritanie Cesarirnne‬‬


‫انشات االدارة الرومانية مقاطعة موريطانيا في سنة ‪ 42‬م ‪ ،‬والتي شممت القسم الغربي‬
‫‪ Mulucha‬غربا الى غاية الوادي الكبير‬ ‫من مممكة نوميديا ‪ ،‬امتدت من واد مموية‬
‫‪ Ampsage‬شرقا‪ .‬في حين يحدىا من الشمال البحر ااالبيض المتوسط ‪ ،‬ومن الجنوب امتدت‬
‫الحدود في العمق ‪ ،‬مرو ار بالمناطق الداخمية وصوال الى جيتوليا ‪( 3‬انظر الشكل ‪.)7‬‬
‫‪ Cesaree‬سنة ‪ 25‬ق م‬ ‫سميت المقاطعة بموريطانيا القيصرية ‪،‬نسبة لمعاصمة القيصرية‬
‫وىي شرشال اليوم ‪ ،‬ونصبت السمطات الرومانية الممك يوبا الثاني ‪4‬عمى رأس المقاطعة‪ .‬الذي‬
‫ل يكن لو اي استقاللية عن ىيمنة الرومان كحكم غير مباشر ‪ .‬حيث يعين باعمى السمم االداري‬
‫‪ :‬حاكم المقاطعة او القاضي( ‪، legat‬‬ ‫موظفا من اعضاء مجمس الشيوخ يحمل لقب‬
‫‪)propreteur‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬أضواء عمى تاريخ الجزائر القديمة‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد العيد بشي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد قاسم ‪ ،‬الوضعية االجتماعية والديموغرافية لغرب موريطانيا القيصرية من ‪ 42‬م الى سنة ‪ 284‬م ‪ ،‬مذكرة لنيل شيادة‬
‫ماجستير في التاريخ الٌقديم ‪ ،‬جامعة وىران ‪ ، 01‬الجزائر ‪ ، 2015‬ص ‪. 14‬‬
‫‪4‬‬
‫يوبا الثاني ممك نصبو اوكتافيوس ‪ 25‬ق م ممكا عمى مممكة موريطانيا تميزت فترة حكمو بثورة الجيتول من سنة ‪ 06 -03‬م‬
‫وثورة المزالمة بقيادة تاكفيريناس من ‪ 17‬م الى ‪ 24‬م ‪ ،‬انظر‪ :‬محمد قاسم المرجع السابق ‪ ،‬ص‪16‬‬
‫‪54‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫كما اشرنا سابقا‪ ،‬فقد خمف بطميموس والده يوبا الثاني ‪ .‬حيث ذىب في زيارة ودية إلى‬
‫روما في عيد اإلمبراطور كاليقوال ( ‪41‬م)‪.1‬وكان بطميموس قد ارتدى ثيابا فاخرة تفوق لباس‬
‫اإلمبراطور ‪.‬فحقد عميو وأمر في الحال بإعدامو‪ .‬و بموتو انتيت مممكة موريطانيا ‪.‬وحولت إلى‬
‫نجة‬ ‫واليتين رومانيتين ‪.‬وبذلك سيطر الرومان عمى الشمال اإلفريقي كمو من طرابمس إلى ط‬
‫وقسميا‬
‫وضم كالوديوس ‪ Clauduis‬مقاطعة موريطانيا‪ ،‬إلى روما بعد اعتالئو لمعرش ‪ 42‬م ّ‬
‫‪2‬‬
‫موريطانيا‬ ‫واليتين‪ :‬مور يطانيا سيزرينسس (موري طانيا القيصرية) و (موري طانيا تنجتانا)‬
‫الطنجية نسبة إلى عاصمتيا تنجيس ‪ ، Tingis‬وىي طنجة الحالية‪.3‬‬

‫موريطني الطنجية ‪: Mauretania Tingitana‬‬


‫ا‬ ‫‪)4‬‬

‫في عيد القيصر كالوديوس سنة ‪42‬م أمر بتقسيم موريطانية إلى إقميمين ىما‬
‫موريطانية القيصرية و موريطانية الطنجية في اقصى الغرب ‪ ،‬حيث أن الطنجية ُوجدت عمى‬
‫يطني في عيد مموكيا الكبار‬
‫الخصوص في منطقة شمال المغرب الحالي واتسعت مممكة مور ا‬
‫حتى حدود تونس‪ ،‬وكانت عاصمتيا طنجيس ‪ -‬طنجة حاليا‪ .-‬وكانت مشيورة بزراعة القمح‬
‫‪.‬حيث كانت مق ار اقامة وكيل االمبراطورية الذي يمثل دور القنصل الروماني الذي يشرف‬
‫‪4‬‬
‫عمى قوات االحتالل االضافية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد العيد بشي‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪.184‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد قاسم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد العيد بشي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫‪55‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ثورات المغاربة ضد االحتالل الروماني و موقف القبائل المحمية منه ‪:‬‬ ‫‪.III‬‬
‫أما بالنسبة لموقف القبائل المحمية ‪،‬من الوجود الروماني فكان الرفض والمقاومة‪ ،‬حيث‬
‫كانت نوميديا وموريطانيا ‪ ،‬مسرحا لمعديد من أعمال مقاومة االحتالل الروماني‪ ،‬والدليل عمى‬
‫ذلك‪ ،‬االستحكامات العسكرية الرومانية المنتشرة‪ ،‬في كل أنحاء كل من نوميديا‪ ،‬وموريطانيا‬
‫عمى السواء‪ ،‬نذكر منيا‪:‬‬

‫‪ )1‬يوغرطة ومقاومة روما ‪:‬‬


‫كان يوغرطة مقاتال شجاعا يحظى باىتمام خاص لدى الرومان‪ 1 ،‬الذين لم يبخمو عميو‬
‫ليقبل تجزئة أرض أجداده التي‬ ‫‪ .‬ولم يكن يوغرطة‬ ‫بخبرتيم في استعمال مختمف األسمحة‬
‫أذريعل الذي استنجد بالرومان‪،‬‬ ‫أصبحت تسيل دخول روما‪ ،‬فمجأ إلى قتل ىيمبسال ومطاردة‬
‫يوغرطة لم يرض‬ ‫إلى قسمين‪ ،‬لكن‬ ‫وبالفعل تتدخل روما ويعاد تقسيم مممكة ميسبسا‬
‫باالتفاقية‪ ،‬حيث قام بغزو األراضي التي منحت لـ أذربعل ‪ ،‬وحاصره في كيرتا واتبعو حتى‬
‫لقي مصرعو رغم حذره الشديد‪. 2‬‬
‫ذىب يوغرطة ضحية مكيدة دبرت لو حسب اتفاق المؤرخين المغاربة المحدثين النيم‬
‫اخذوا من نفس المصدر او الم صدر الوحيد لحرب يوغرطا وىو ما رواه سالو ست عن تمك‬
‫الحرب وعن نياية يوغرطة ‪ ،‬حيث تم تسميمو لمرومان في أواخر عام ‪ 105‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫‪ 104‬ق‪.‬م ‪ ،‬وبنيايتو ضاعت آمال اعادة‬ ‫مات يوغرطة جوعا في السجن‪ ،‬في بداية عام‬
‫‪3‬‬
‫بناء نوميديا ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سالوست ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪55‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪ )2‬مقاومة عربيون ‪ 41 – 45 Arabioun‬ق م ‪:‬‬


‫االمير عربيون ابن مسينسن الثاني ىو ممك نوميديا الغربية ‪ ،‬حيث نشأعربيون في اوضاع‬
‫‪ 44‬ق‪.‬م‬ ‫سياسية صعبة و استمم ميمة الدفاع عن المممكة النوميدية بعد مقتل قيصر في عام‬
‫‪1‬لخبرتو العسكرية بفضل اشتراكو الى جانب البومبيين في محاولتيم االخيرة في اسبانيا ‪ ،‬وبعد‬
‫عودتو حاول اعادة بعث امجاد نوميديا ‪.‬حيث كون جيشا نظاميا من المحميين خارج حدود‬
‫‪2‬‬
‫‪ .‬ثم‬ ‫‪sextius‬‬ ‫السطرة الرومانية بسيول قسنطينة حيث وجو ضربات لمقائد سيكسيتوس‬
‫‪ Cornificius3‬الذي انتصر عميو‬ ‫تواجو االمير عربيون مع الوالي الروماني كورنيفيكيوس‬
‫ان تم اغتيالو من طرف الوالي الروماني‬ ‫االمير النوميدي حيث توج ممكا بعد ذلك الى‬
‫سيكسيتوس ‪ 45 sextius‬ق‪.‬م‪.4‬‬

‫‪ )3‬ثورة تاكفريناس ‪17 tacfarinas‬م‪24-‬م ‪:‬‬


‫كان تاكفريناس ضابطا في الجيش الروماني ‪.‬و بالرغم من رغد العيش وترفو الذي كان‬
‫يعيشو في ظل الرومان ‪.‬وىو يشاىد قومو كيف يستغمون و يستبعدون األمر الذي دفعو إلى‬
‫‪.‬انطمق من األوراس بعد أن أعد العدة ودرب‬ ‫التمرد واعالن الثورة عمى االحتالل الروماني‬
‫‪، Musulmii‬‬ ‫أنصاره ىناك ‪.‬معمنا ثورتو عام ‪17‬م ‪ .‬ىذه المقاومة من قبيمة الموزالمي‬
‫فشكل منيا جيشا نظاميا من المشاة والفرسان عمى الطريقة الرومانية وقد كبد تاكفريناس‬
‫الرومان عدة ىزائم ‪ . 5‬حيث كان تاكفاريناس يستخدم أساليب قتالية لم يألفيا الرومان‪ ،‬كان‬
‫يستخدم تقنية المناورة بالمجوء إلى االنسحاب والمباغتة واليجوم المفاجئ وحرب العصابات‬
‫المنظمة وضرب الجيش الروماني في قواعده المحصنة النو اعتمد في حربو عمى نوعين من‬
‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬أضواء عمى تاريخ الجزائر القديمة ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪3‬‬
‫ىو عسكري روماني و صديق لشيشرون ‪ ،‬انظر احمد حسين السميماني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 213‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 217‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬أضواء عمى تاريخ الجزائر القديمة ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪56‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫القوات العسكرية‪ ،‬قوة عسكرية منظمة عمى الطريقة الرومانية المكونة من المشاة والفرسان وقوة‬
‫غير منظمة معتمدة عمى حرب العصابات ىددت وجودىم في المنطقة ودفعتيم إلى تعبئة كل‬
‫قواتيم‪ . 1‬عبر ارسال حمالت فتتابع وصول القادة العسكريين لبالد المغرب الواحد بعد‬
‫اآلخر ‪:‬‬
‫‪/1‬حممة البروقنصل فوريوس كامميوس ‪.Furues Camilus‬سنة ‪ 17‬م‪.‬‬
‫‪/ 2‬حممة أبريونوس‪ Apronius‬سنة ‪ 20‬م‪.‬‬
‫‪/3‬حممة يونيوس‪-‬بميسوس‪ 20 Junnues Blaesus‬م‪.‬‬
‫‪ /4‬حممة دوالبيال ‪ 24 -23 Cornelius Delabella‬م‪.2‬‬
‫طانية‪.‬‬ ‫وبينما كان تكفريناس في شرق سور الغزالن الحالية ‪.‬فجاءتو قوات رومانية موري‬
‫‪23‬م‪ .‬لتخمد بذلك ثورتو ‪.‬‬ ‫فدافع تاكفريناس دفاع األبطال حتى سقط في ميدان القتال عام‬
‫وتندلع ثورات أخرى لمتخمص من االحتالل الروماني ‪.3‬‬

‫‪ )4‬ثورة إيدمون ‪:Aedemon‬‬


‫عمت االضطرابات المممكة الموريطانية في عيد اإلمبراطور كاليقوال ‪ Caligula‬بعد‬
‫مقتل بطميموس ‪ 41‬م فتجمع الثائرون بقيادة إيدمون‪ ،‬بعد أن ضمت روما موريطانيا واستعدادا‬
‫ليذه المواجيات أرسمت روما فرق نحو سواحل موريطانيا‪ ،‬ونزلت ىذه القوات في طنجة‬
‫وليكسوس ‪.‬موريطانيا الغربية و( يول شرشال) و ( كنتاري تنس) بموريطانيا الشرقية‪ ،‬وتوجيت‬
‫ىذه الجيوش بعد اإلنزال نحو الداخل في منطقة فوليكيس في موريطانيا الغربية وسيل الشمف‬
‫في موريطانيا الشرقية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.96‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد فوكو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬أضواء عمى تاريخ الجزائر القديمة ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪57‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫حيث تمكن إيدمون من استنياض كل القبائل المورية والنوميدية‪ ،‬وشممت ىذه االنتفاضة‬
‫كل األراضي الموريطانية وامتدت لألراضي النوميدية‪ .1‬بعد أن امتنعت القبائل البربرية عن‬
‫تقديم القمح والمؤن لمجيش الروماني حيث تركزت العمميات العسكرية في سيل الشمف‪ ،‬وتمكن‬
‫إيدمون من احتالل مدن السيل السفمي وتوسعت ىذه الثورة حتى وادي تافنة ومنطقة وليمي‬
‫بالمغرب األقصى حاليا ‪ .‬استمرت ىذه الثورة أكثر من عامين‪ ،‬وتمكن الرومان من القضاء‬
‫عمييا بعد أن تخمت عنو قبائل وليمي والتي أعمنت مدينتيم مدينة رومانية سنة ‪ 44‬م ‪. 2‬‬

‫‪ )5‬ثورة سيسغا ‪ 253 Sisga‬م – ‪ 255‬م ‪:‬‬


‫قامت ثورة سيسغا خالل حكم االمبراطور فالريانوس‪ ،‬في سنة ‪ 253‬م اندلعت مقاومة‬
‫عنيفة في كل إفريقيا‪ ،‬التي أخبرنا عنيا القديس كبريانوس من خالل رسائمو التي بعثيا‪ ،‬لجميع‬
‫الكنائس آنذاك لجمع أموال الفدية إلطالق صراح الرىائن المسيحيات لدى الثوار كما سخرت‬
‫روما إمكانيات عسكرية كبيرة لمقضاء عمى ىذه الثورة‪ ،‬وقد كمفت حاكم موريطاتيا القيصرية‬
‫بمالحقة الثوار وعززتو بفرق عسكرية أجنبية‪ ،‬كما تم استدعاء الفرقة المرابطة في مدينة تنس‬
‫منذ سنة ‪ 238‬م ‪ .‬ورغم كل ىذه التعزيزات فإن الثوار بقيادة سيسغا ‪ .Sisga‬تمكنوا من‬
‫محاصرة مدينة الشمف وتدميرىا سنة ‪ 253‬م ‪ .‬نستنتج من خالل ذلك أن روما رمت بكل ثقميا‬
‫بعد أن امتد لييب الثورة من موريطانيا إلى نوميديا‪ ،‬وأن العديد من القبائل شاركت فييا‪ ،‬كما‬
‫أبرزت ىذه الثورة رفض األىالي لالستعمار الروماني‪ ،‬وفشل سياسة الرومنة التي بقيت سطحية‬
‫ومنحصرة في فئة قميمة منيم‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد فوكو ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪16‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد فوكو ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪17‬‬
‫‪ ،‬ص ‪18‬‬ ‫المرجع نفسو‬ ‫‪3‬‬

‫‪58‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪ )6‬مقاومة فيرموس ‪ firmianeus‬و جيمدون ‪ 395-372 .Gildon‬م‬


‫وجد الدوناتيون في فيرموس قائدا يخمصيم من الرومان‪ ،‬فساندوه حتى عرفوا بالفيرمانتيين‬
‫‪ . Firmianeus‬وقد أعمن رجال الكنيسة الدوناتية في موريتانيا القيصرية‪ ،‬والءىم لفيرموس‪،‬‬
‫وسرعان ما انتشرت الثورة في المنطقة ‪،‬ابتداءا من سنة‪ 372 1‬م‪ ،‬فأرسل اإلمبراطور‬
‫فالنتيانوس‪ ،‬حممة عسكرية إلى موريتانيا‪ ،‬بقيادة الكونت تيودوز ‪. Theodose‬الذي نظم خمسة‬
‫مركز عسكريا ىاما‬
‫ا‬ ‫حمالت عسكرية متتالية‪ .‬عمى مختمف مناطق موريطانيا‪ ،‬حيث أقام‬
‫‪،‬وجمع حولو قوة كبيرة من الجيش النظامي‪ ،‬والمرتزقة والفرق المساعدة‪ ،‬ورغم ذلك استطاع‬
‫فيرموس حرق مدينة شرشال‪ ،‬و (إيكوزيوم الجزائر)‪ .‬وبعد مطاردة تيودوز لمثوار واقدامو عمى‬
‫وبيع األسرى لممرتزقة‪ ،‬نقل فيرموس ثورتو نحو‬ ‫االنتقام من األىالي و األسر و الحرق‬
‫الونشريس وزكار والبميدة‪ ،‬ممقنا الرومان درسا في التضحية‪ ،‬بعد أن فقد كل ممتمكاتو وعائمتو‬
‫إلى أن قتل في إحدى المعارك سنة‪ 375‬م ‪ .‬ان ثورة فيرموس انتشرت بشكل واسع في‬
‫‪2‬‬
‫وتحولت إلى ثورة شاممة اتحدت فييا معظم القبائل المورية‬ ‫موريطانيا القيصرية ونوميديا‪.‬‬
‫والنوميدية بقيادة" فيرموس" وتمكنت ىذه الثورة من إلحاق خسائر معتبرة بالرومان في األرواح‬
‫والمحاصيل الزراعية‪ ،‬وبسبب الخيانة وسياسة ( فرق تسد) ‪،‬التي اعتمدىا الرومان في مثل ىذه‬
‫الظروف انتحر فيرموس وبذلك تنتيي ىذه الممحمة‪ ،‬وقبيل نياية القرن اندلعت ممحمة أخرى‬
‫عمى منوال فيرموس بقيادة أخيو جيمدون ‪.Gildon3‬‬
‫نهاية االحتالل الروماني ‪:‬‬ ‫‪.IV‬‬
‫بعد صراعات المذىب الدوناتي مع السمطة الرومانية ‪ .‬انتشرت بذور الثورة في كل بالد‬
‫المغرب ‪.‬وكان النظام االستعماري الروماني أكبر سبب لحركة العصيان ‪ .‬انيزم الدوناتيون في‬
‫عدة مواقع أمام الج يش الروماني ‪.‬وكان الوالي العام الروماني يومئذ يدعى الكونت يونيفاس ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد فوكو ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.18‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد العيد بشي‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪. 193‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد فوكو ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪59‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وىو متزوج من إمراة وندالية ‪.‬قد خشي عزلو من طرف سمطة روما ‪.‬فأعمن عصيانو و انفصالو‬
‫عنيا عام ‪429‬م ‪.‬واستقدم الوندال الجرمانين المستقرين بإسبانيا ‪.‬حيث زحفوا عمى إفريقيا عام‬
‫‪ .‬وىكذا انتيى االحتالل‬ ‫‪429‬م ‪.‬بعد أن اتفق مع الوندال ليتركوا لو االحتفاظ بمممكة إفريقيا‬
‫‪1‬‬
‫الروماني لمبالد الذي استمر قرابة ستة قرون ‪.‬‬

‫من خالل لمؤلفات ‪ ،‬نالحظ انو تم تسميط الضوء عمى المواضيع التي تتعمق ب الفترة‬
‫الفنيقية والقرطاجية‪ .‬و الفترة التي تتعمق بروما ‪ ،‬وعالقتيا بشمال افريقاي‪ ،‬خصوصا الفترة الممتدة‬
‫من الحروب البونية ‪ ،‬لغاية االحتالل الوندالي للبالد المغرب القديم ‪ .‬وباالخص الجزء الشرقي‬
‫منو أي نوميديا ‪ ،‬بشقييا الشرقي والغربي ‪ .‬وكذلك افريقيا البروقصمية‪ ،‬وىي المراحل التاريخية‬
‫التي تم تناولتيا العديد من الدراسات المحمية بشيء من التفصيل‪.‬‬
‫اما الجانب الغربي من بالد المغرب ؛ أي موريطانيا تحديدا ‪ .‬فالتفاصيل بالنسبة لياتو‬
‫الفترة تكاد تكون نادرة ‪ ،‬او شحيحة ان صح التعبير‪ ،‬وىي الفترات التي لم يتم التركيز عمييا‬
‫من طرف المؤرخين ‪ .‬لذلك توجد فجوات او ثغرات خالل ىا ‪.‬من قبل الحروب البونية ولغاية‬
‫تقسيم موريطانيا لمطنجية وقيصرية ‪،‬فكل ماتطرق اليو الباحثون ىو ماتعمق بروما بطريقة‬
‫مباشرة او غير مباشرة ‪.‬اما الشأن الداخمي ‪،‬و مايتعمق بتنظيمات المممكة ‪،‬فيكاد يكون غامضا‬
‫او مبني عمى فرضيات فقط ‪ .‬بدليل تناقض بعض التواريخ المعممية في تاريخ المنطقة ‪.‬او عدم‬
‫تطابقيا في معظم االحيان بتعبير ادق ‪ .‬حيث انيا تفتقر الى الدقة والقطعية ‪.‬‬
‫َّ‬
‫وركزوا في ذلك عمى فترات احتالل بالد المغرب القديم ‪ ،‬وليس التاريخ العام لبالد المغرب مع‬
‫اىتمام خاص‪ ،‬العتبارات معروفة‪ ،‬بالفترة الرومانية‪.‬ومما يعاب عمييم عدم إعادة كتابة ىذا‬
‫التاريخ وتفكيك افتراضاتو بنظرة إبداعية ومحايدة ليس من زاوية تقديم حقائق جديدة فحسب‬
‫ولكن أيضا بإعادة قراءة األحداث "المعروفة" برؤية محمية أصيمة مغايرة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.97‬‬
‫‪60‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫أن مؤلف المؤرخ الجزائري مبارك الميمي بعنوان "تاريخ الجزائر" مثال قد اعتمد عمى ترجمة‬
‫كتابات المؤرخ الفرنسي جسال )‪ (Gsell‬وكرر افتراضات ىذا األخير من أن دراسة تاريخ البربر‬
‫يتم من خالل تاريخ األمم األخرى التي سيطرت عمى المنطقة‪ .‬وتضمن مؤلف الميمي ابتكا ار‬
‫جديدا يتمثل في تقسيم تاريخ الجزائر إلى فترتين‪ :‬ما قبل وما بعد "االحتالل العربي‪ "،‬وىو‬
‫يستعمل تعبير "االحتالل" عمى النحو الذي نجده في كتابات المؤرخين الفرنسيين‪ ،‬بينما الحقيقة‬
‫التاريخية تتطمب استخدام تعبير الفتح "االسالمي" عمى اعتبار أن مكون اإلسالم كان األساس‬
‫قره المؤرخون الفرنسيون من أن البربر‬
‫في ىذا الفتح‪ .‬ويصل الميمي تقريبا إلى نفس الزعم الذي ُي َّ‬
‫لم يكونوا قادرين عمى تكوين سمطة مركزية والتوحد في دولة مستقمة خالل تمك العصور‪،‬‬
‫ويضيف أن البربر تعودوا خالل ىذا التاريخ عمى عدم التوحد والفوضى‪.‬‬

‫أما المؤرخ الجزائري اآلخر محمد الصغير غانم الذي عادة ما يطوع التاريخ لمفكر القومي‬
‫‪ ،‬فقد ركز عمى مرحمة الفنيقيين َّ‬
‫وبين أن المرحمة الفنيقية ليست باحتالل مثمما تذىب إليو‬
‫الروايات االخرى وانما الفنيقيون مع المحميين تحت سمطة الحضارة القرطاجية مثل غيرىم من‬
‫البربر انضموا لمفنيقيين بمحض إرادتيم‪ ،‬وكان ليؤالء الفنيقيين االستقاللية والحرية في اتخاذ‬
‫الق اررات بالمنطقة‪ .‬ويضيف الدكتور غانم أن الوجود الفنيقي حمى المنطقة لمدة قرون من‬
‫اليجمات والتحرشات الغربية المستمرة عمى طول سواحل الشمال االفريقي‪.‬‬
‫إن ىذه الطريقة ليست خاصة بالمؤرخين المغاربة‪ ،‬لقد سبق أن اتبعت في الشرق ولكن من‬
‫غير إفراط ال في الكم وال في الكيف‪ ،‬فتاريخ االستاذ محمد العربي العقون مثال ليس إال نسخة‬
‫مشذبة من تاريخ ستيفن قزال ‪،‬حيث يتناولو من زاوية فرنسية بحت‪ ،‬واالطالع عمى ما في نسخ‬
‫ىذه الكتابات المتتالية‪ ،‬مع الفروقات البسيطة في الصياغة والمضمون وىكذا ظل المؤرخ‬
‫الالحق يجتر خالصات المؤرخ السابق دون نقد أو تمحيص‪ ،‬و ىو األمر الذي أعطانا ركاما‬
‫ىائال من الدراسات ذات العناوين المختمفة والمضامين المتشابية نسبيا‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫كما يمكن وصف البحث التاريخي خالل ىذه الفترة بالعشوائي‪ .‬وىو أمر ال يرجع إلى تعدد‬
‫شعب التاريخ وطول أمد الفترة المدروسة‪ ،‬بل ىو موجود بسبب التراكم المعرفي الغير ممنيج‬
‫ومنظم‪.‬‬

‫أمام ىذا الوضع‪ ،‬و بداية التراجع تتضح ىذه اليشاشة في غياب بنيات لمبحث تؤطر الباحثين‪،‬‬
‫واىمال شبو تام المغات األوروبية االخرى غير الفرنسية ‪ ،‬إضافة إلى ضعف المتابعة النقدية‬
‫لألعمال المنجزة‪.‬‬

‫كما يمكن القول بيذا الصدد ما اورده المؤرخ ابن خمدون في المقدمة‪ ،‬وىو أن التاريخ ال يستقيم‬
‫إال باالحتكاك بـ”المعارف متسعة الفضاء” و”النظر بعين االنتقاد ال بعين االرتضاء”‪ ،‬وأن‬
‫“الكتابة صناعة من بين الصنائع”‪ ،‬مع ما تقتضيو من ممكة وسعة اطالع ‪.‬‬

‫والجدير بالذكر ان مرحمة العصر االمبراطوري الروماني ؛ بحاجة لمدراسة والتحميل بشكل‬
‫‪.‬مقارنة بالفترات التي‬ ‫اشمل؛ فيي الفترة التي لم تحض بالقدر الكافي من اىتمام المؤرخين‬
‫سبقتيا كالعصر الجميوري ‪،‬وعالقتو ببالد المغرب القديم مثال ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫اإلحتالل الوندالي و البيزنطي لبالد الم غرب‬

‫(‪429‬م ‪647-‬م)‬

‫المبحث االول اإلحتالل الوندالي‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬اإلحتالل البيزنطي‬


‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫االحتالل الوندالى‪:‬‬ ‫‪.I‬‬

‫‪ )1‬أصول الوندال‪:‬‬

‫ترجع أصول الوندال إلى إحد ى شعوب القوط الذين أقاموا في القرن ‪ 3‬ق م عمى شواطئ‬
‫البمطيق ثم إنتشروا في جرمانية وتعددت شعوبيم فكان منيم السويف واآلالن و البرغند و‬
‫الوندال‪ .‬وفي النصف الثاني من القرن الثالث الميالدي تغمبوا عمى بالد مقدونيا وبالد اإلغريق‬
‫‪1‬‬
‫بعضيم جنوبو ويسمون القوط الشرقيون وبعضيم شمالو‬ ‫وانتشروا عمى ضفاف نير الدانوب‬
‫ويسمون القوط الغربيون‪ .‬واستقروا في إسبانيا سنة ‪ 409‬م ثم اتجيت أنظارىا إلى بالد المغرب‬
‫الحتالليا‪.2‬‬

‫‪ )2‬أوضاع بالد المغرب قبيل اإلحتالل الوندالى‪:‬‬

‫كانت مناطق شمال إفريقيا قبيل اإلحتالل الوندالى ‪،‬تحت سيطرة الرومان‪ .‬غير أن‬
‫ىذه السيطرة لم تكن محكمة ‪،‬لرفض سكان المغرب لإلحتالل الروماني‪ .‬وما يدل عمى ذالك‬
‫حمالت المغاربة المتكررة‪ ،‬نتيجة وجود بعض الجيات ظمت محافظة عمى استقالليا ‪،‬وسط‬
‫الحكومة الرومانية مثل جبال األوراس‪ ،‬و جرجرة ‪،‬و الونشريس ‪،‬وقد كانت ىذه الجيات مادة‬
‫ي ‪ .‬وقد كانت روما ميتمة بيذه المستعمرات وال تريد تضيعيا‪ ،‬ألنيا‬
‫تمقيح الحركة اإلستقاللة‬
‫كانت تنتج قد ار وفي ار من المنتوجات الغذائية‪ ،‬وخاصة القمح ‪.‬و تصدر سنويا كميات كبيرة‬
‫إلى روما‪ .‬إال ان ذالك الضعف الذي أصاب روما أدى إلى إنشقاق كبير بينيا وبين‬
‫مستعمرات شمال إفريقيا‪ .‬وبعد ان مات أونريوس سنة ‪ 423‬م‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.233‬‬
‫‪2‬محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.195‬‬

‫‪64‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫‪ Valentinien III‬إبن جاال بال كيديا ‪ .2‬وكانت جيوشيا‬ ‫‪1‬‬


‫خمفو في النياية فالنيتان الثالث‬
‫‪ ، Bonniface‬وىذا االخير كان يبذل جيده لئال تتمرد‬ ‫تحت إمرة أيتيوس و بونيفاس‬
‫إفريقية عمى اإلمبرطورية الشرعية ؛( اإلمبرطورية الرومانية) ‪،‬التي حققت عمى البربر‬
‫إنتصارات عسكرية ‪ .‬مما أدى إلى إنتشار صيتو وىو ما أدى الى غيرة منافسو القائد العام‬
‫أيتيوس الذي روج لبالكيديا ‪ 3‬أن بونيفاس ‪ ،‬يريد اإلستقالل بإفريقية ‪،‬وطمب منيا أن تدعوه‬
‫‪،‬أن الممكة تريد قتمو لذالك لم يحضر إلى الممكة‬ ‫‪،‬ومن جية أخرى أرسل الى بونيفاس‬
‫‪،‬فعزلتو سنة ‪427‬م فرفض عزلو وىو ما أدى الى نشوب معارك بينيما‪ .‬وقد ىزم بونيفاس‬
‫الجيوش التي أوفد ىا فيميكيس لمقاومتو ‪،‬ولكن الجيش الذي كان يقوده كونت إفريقيا‬
‫سجسفولت ‪.4‬وىو من القوط‪ ،‬إستولي في ما يبدوا عمى (بونة عنابة) و قرطاج في أوائل‬
‫سنة ‪428‬م ‪ .‬فأصبح بذالك وضع المتمرد بونيفاس خطير‪ .‬وىوا ما أدى إلى إستنجاده‬
‫بالوندال‪ .‬ثم قبل الممك الوندالى جنسريق ‪ Geniséric‬ىذه الدعوة ولم يترك ىذه الفرصة‬
‫‪5‬‬
‫تفوتو وجيز حممة عبر بيا مضيق جبل طارق ‪.‬‬

‫‪ )3‬أسباب االحتالل الوندالي‪:‬‬

‫لم يكن إحتالل الوندال لبالد شمال إفريقيا أمر مفاجئا بل تجمعت لو عدة أسباب منيا ‪:‬‬

‫أن الوندال شعبة من القوط ‪ ،‬أمة شديدة البأس صعبة المراس ‪ .‬وىو ما تميز بو قوم الوندال‬
‫ويدل عمى ذلك صياغة تاريخيم واتحادىم في األخالق حتى أطمق الرومان عمىيم إسم‬
‫المتوحشين‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فالنيتان الثالث الذي كان في الرابعة من عمره وىو إبن جاال بال كيديا فحكمت بال كيديا خمسة وعشرون سنة بسم إبنيا ‪،‬‬
‫انظر ‪ :‬شارل اندريو جوليان‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.232‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.232‬‬
‫‪3‬‬
‫جوزيف نسيم يوسف ‪ ،‬تاريخ الدولة البزنطية ‪ ، 1453-284‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬مصر ‪ ، 2005،‬ص ‪.79‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪5‬‬
‫المرجع نفسو ص ‪.234‬‬

‫‪65‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫‪ -‬كان سكان إفريقيا يحتفظون بقدر وفير من المواد الغذائية وخاصة القمح فاستحقت‬
‫إفريقيا ان تكون المخزن العالمي لمحبوب‪ .‬و أصبح الوندال أسيادا عمى معظم تراب‬
‫أسبانيا في العشرينات من القرن ‪5‬م ‪.‬قام ممكيم جنسريق ‪ ،‬بإكمال ميمة أخيو عندريق‬
‫أعظم قواد ورجال الدولة الجرمانية في القرن‬ ‫لتنظيم حممة عمى إفريقيا وكان جنسريق‬
‫‪5‬م‪ .‬وما كان لرجل عمى ىذا القدر من البراعة أن يجيل ما كانت تتخبط فيو إفريقيا من‬
‫‪1‬‬
‫فوضي‪.‬‬
‫خاصة ما آلت اليو اإلمبراطورية الرومانية ‪.‬فضعف السمطة المركزية لروما الذي ظير‬ ‫‪-‬‬
‫في جوانب مختمفة لإلمبراطورية ‪ ،‬و ضعف الجيش وعجزىم عمى حماية المناطق‬
‫البعيدة التي تسيطر عمىيا‪ ،‬وىذه الحالة من الفساد مست العالقة بينيا وبين مستعمراتيا‪.‬‬
‫وشمال إفريقيا من أحد ىذه المستعمرات التي أنتجتيا ىذه الفوضى وتمرد بونفياس عمى‬
‫اإلمبراطورية سنة ‪427‬م ‪ .‬ودخمت في حرب بينيما أدت إلى استدعائو ‪ .‬فصادف ذلك‬
‫رغبة الوندال ولبوا مسرعين‪ .‬وعالوة عمى تمرد بونيفاس ‪،‬كانت الثورات البربرية متزامنة‬
‫‪،‬و إنتفاضات األقوام التي أرىقتيا ضرائب اإلمبراطورية وارىاب الدوناتيين ‪،‬الذين كانو‬
‫انتياز فرصة‬ ‫يغتنمون جميع الفرص ليعبرو عن سخطيم إزاء السمطة المركزية‪ .‬و‬
‫ضعف السمطة الرومانية؛ بسبب اشتداد المقاومة المغربية ومحاولة بونيفاس ؛والى‬
‫إفريقيا الرومانية‪ ،‬االنفصال عن روما و االستعانة بالوندال‪.2‬‬
‫‪ -‬كانت إفريقيا بأكمميا عمى غرار حكميا‪ ،‬تتوق إلى اإلستقالل ‪.‬ومن الطبيعي أن يتوقع‬
‫من تحدثو نفسو باإلغارة عمى ىذه البمد‪ .‬بمقاومة ضعيفة ومساعدات ثمينة ولم يترك‬

‫‪1‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪196.‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص‪.195‬‬

‫‪66‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫الفرصة تفوتو ‪،‬وأنتقل بجيوشو إلى إفريقيا فقد إنطمق من مضيق جبل‬ ‫جنسريق‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫طارق في ماي سنة‪429‬م ‪ .‬و إلتحق بالسواحل اإلفريقية من جية طنجة وسبتة‪.‬‬
‫‪ -‬رغبة الوندال في الوصول إلى روما عن طريق أقصى بالد المغرب بعدما فشموا في‬
‫اقتحاميا عن طريق روما ‪ .‬ورغبتيم في االستيالء عمى الثروات المغاربية‪ .‬فمجميع ىذه‬
‫األسباب احتل الوندال بالد المغرب بطريقة وحشية استعمموىا لمتغمغل واالستيالء عمى‬
‫األراضي‪.3‬‬

‫‪ )4‬سياسة الوندال في بسط سيادتهم عمى البالد‪:‬‬

‫عبر جنسريق مضيق جبل طارق إلى الضفة المقابمة ليا من شمال غرب إفريقيا في‬
‫‪80‬ألف نسمة‬ ‫‪429‬م ‪ .‬مصحوبا بالوندال واألالن والقوط القاطنين بإسبانيا أي مايقارب من‬
‫منيم ‪15‬ألف جندي ‪ - 4‬بالنسبة لتعداد الوندال وجنودىم فقط اتفق المؤرخين المغاربة عمى ىذا‬
‫‪ Procopious‬الذي عاصر‬ ‫العدد النيم اعتمدوا عمى ماذكره المؤرخ البزنطي بوركوبيوس‬
‫عصر جيستنيان ‪ ،Justinien‬و قد يعود ذلك النو من القمة الذين اىتموا بتاريخ الوندال وأرخوا‬
‫ليم ‪ . -‬وأثناء زحفيم داخل البالد تبع ذلك أعمال فظيعة ؛من عبث باألشجار ‪ ،‬والمزروعات‬
‫‪،‬وحرق الكنائس ‪،‬وامعان في تعذيب القساوسة ‪،‬ورجال الكنيسة ‪،‬وتقتيل الشيوخ واألطفال‪ ،‬وىوا‬
‫ما يدل عمى نية الوندال الغازية‪.5‬‬

‫سعى القديس أوغسطين ‪ Augustine‬إلى الصمح بين بونفياس ‪،‬والحكومة الرومانية بروما‪.‬‬
‫فطمب بونفياس ‪،‬بعد أن أعادتو روما إلى واليتو من الوندال؛ الرحيل عن إفريقيا ‪،‬فقابمو الوندال‬

‫‪1‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 238‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد الصالح العود ‪ ،‬التحوالت الحضارية في شمال إفريقيا في الفترة الوندالىة‪ 429- 534 ،‬م‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شيادة‬
‫الماجستير في التاريخ القديم‪ ،‬جامعة منتوري قسنطينة ‪ ، 2010 ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.239‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.196‬‬

‫‪67‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫بالرفض‪ ،‬فقد توغل جنسريق في نوميديا ‪.‬ولم يجد مقاومة تصده ولم يكن في مقدور‬
‫اإلمبرطورية أن تقف في وجيو ‪.‬وعندىا قررت بالكيديا العفو عن بونفياس ‪.‬ثم أعتصم (بعنابة‬
‫ىبيون )‪ .‬وحاصره جنسريق‪ .‬حتى توفي أوغسطين أثناء ذالك الحصار بعد ثالثة أو أربعة أشير‬
‫في سنة ‪430‬م‪ ،‬ثم زحف الوندال عمى بقية البالد دون مقاومة ماعدا مدينة كيرتا و قرطاج التي‬
‫‪1‬‬
‫لم يحاول اقتحميا عنوة لقمة خبرتو في اإلستالء عمى المدن‪.‬‬

‫لنجدة‬ ‫وفي سنة ‪ 431‬م ‪.‬نزل بقرطاج جيش من القسطنطينية ‪ ،‬بقيادة أسبار ‪Aspar‬‬
‫البالد من الوندال ‪.‬وأنضم إلى جيش بونفياس ‪ ،‬ولكنيما إنيزما معا في نفس السنة‪ .‬ثم التجأ‬
‫الرومان إلى الحمول السياسية والدبموماسية ‪،‬بعد استعمال المجابية بالقوة ‪،‬ولكن ىا حالت دون‬
‫‪ 435‬أبرمت " اتفاقية ىبيون " ‪،‬والتي من بنودىا إعطاء حق‬ ‫ذالك أمام الوندال ففي سنة‬
‫االستقرار بنوميديا لمرومان مطمئنين غير أن جنسريق لم يكن يعتبر تمك المعاىدة إال ىدنة‬
‫‪ 439‬عندما حاصر مدينة‬ ‫تمكنو من االستعداد لمواصمة ىجوماتو ‪،‬وىو ما حصل في سنة‬
‫بين الطرفين سنة‬ ‫قرطاجة‪ ،‬إ ستولي عمىيا بدون أن يصادف أي مقاومة ‪.‬ثم وقع عقد صمح‬
‫‪442‬م‪ .‬لكن جنسريق لم يحترم ىذه اإلتفاقية ‪ .‬أيضا بل إستعممو ا كوسيمة لموصول الى غايتو‪،‬‬
‫ولم يقف عند إفريقيا ‪.‬بل إستولي عمى طرابمس ‪ ،‬وعمى جزر بحر المتوسط ‪ ،‬وفي بداية النصف‬
‫الثاني من القرن ‪5‬م ‪،‬إحتل موريطانيا الطنجية ‪ ،‬والقيصرية ‪ ،‬وأصبح جنسريق في الظاىر عمى‬
‫األقل سيدا إفريقيا من أقصاىا إلى أقصاىا ‪ .‬إال أن ىذه المقاطعات األخيرة لم يكن يحكميا حكم‬
‫‪2‬‬
‫مباشر ‪.‬وكذالك نوميديا فيي أشبو بالمستقمة‪.‬‬

‫تميز بالخشونة و منيا م ا كان‬ ‫لقد كانت معاممة الوندال ألىل البالد متفاوتة منيا ما‬
‫معاممة لينة‪ .‬و ىذا االختالف في التعامل كان نتيجة اإلختالف في الدين وطبيعة التركيبة‬

‫‪1‬‬
‫محمد محي الدين المشرفي ‪ ،‬افريقيا الشمالىة في العصر القديم ‪ ،‬دار الكتب العربية ‪ ،‬ط ‪ ، 04‬لبنان ‪،‬ص‪.133‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ص ‪.134‬‬

‫‪68‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫السكانية ومزاج وتصرفات مموك الوندال‪ ،‬ورغم ما يتصف بو الوندال من ىمجية إال أنيم إلتجؤ‬
‫‪1‬‬
‫إلى المكر والحيمة في كثير من األحيان‪.‬‬

‫لقد إفتك الوندال جميع األراضي والمزارع الخصبة والبنايات التي كانت لرومان وأبيد‬
‫األغنياء والطبقة االرستقراطية من الرومانيين وأقتسمواىا بينيم وجعموا يستغمونيا مع إعفا ئىم من‬
‫الضرائب التي كانت تثقل كاىن أبناء البالد وحدىم ‪ ،‬وقد ىدم الوندال ما خمفو الرومان من‬
‫حصون وقالع وأسوار خشية من أن يستعمميا الثوار والمتمردون من المحميين‪ ،‬كأم اكن يمتجؤن‬
‫الييا‪ .‬وكان الوندال متمسكين ‪،‬بمذىب األريوسية ؛ وىو مغاير لمذىب الكاثوليك ‪ .‬الذي تتبعو‬
‫؛الكاثوليك بإفريقيا ‪ ،‬ويقبضون عمى رىبانيم‬ ‫كنيسة روما‪ .‬لذاك كانوا يضطيدون رجال الدين‬
‫‪،‬ويصادرون أمواليم ‪ ،‬وييدمون كنائسيم ‪،‬أما معاممتيم لسكان البالد فقد كانت لينة فييا شيء‬
‫‪2‬‬
‫من المطف والمجاممة ‪.‬اآلمر الذي أستمال قموبيم و نفوسيم بالشعور بالكرامة وبالعزة القومية‪.‬‬

‫لقد كان الوندال يحاولون اإلبتعاد عن الفتن ؛ خاصة منيا الداخمية ‪ ،‬و إجتناب التصادم‬
‫منوا أىميا عمى حقوقيم و‬ ‫مع السكان األصميين ‪.‬ولذاك فما كادوا يستقرون في البالد حتى أ‬
‫ساسوىم برفق‪ .‬ومن الوسائل التي إلتجأ الييا جنسريق ‪،‬التخمص من تمك الفتن التي قد تنشأ‬
‫داخل البالد ‪ ،‬وىي أعمال القرصنة ‪،‬و المصوصية ‪ .‬فتمك العصابات المسمحة ‪،‬والمتمردة من‬
‫اإلفريقيين قام بإشراكيم في شن الغارات عمى السواحل األوروبية عمى البحر المتوسط و نيبيا ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ثم تقتسم تمك الغنائم معيم بمدينة قرطاج ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.245‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد الصالح العود ‪،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.54‬‬

‫‪69‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫‪477‬م‪ .‬ظيرت بعض الفتن وتمرد‬ ‫إال أن ىذا الحال لم يدم طويال فبعد موت جنسريق‬
‫‪،‬التي كان‬ ‫السكان األصميين ‪ ،‬إضافة إلى ذلك ؛ المشاكل الناتجة عن إضطياد الكاثوليك‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الوندال يعتبرونيم دعاة لمرومان المتعصبين في الكنيسة‬

‫‪،‬‬ ‫اىتم الوندال بالجانب االقتصادي ‪.‬فإلى جانب القرصنة والموصوصية التي إستعمميا‬
‫‪.‬إضافة إلى ىدف سياسي ؛ وىو صرف أنظار‬ ‫خاصة الممك جنسريق إلثراء خزينة الدولة‬
‫المتمردين من السكان ‪ ،‬عمى ىذه األعمال ‪ ،‬وتقسيم الغنائم معيم ‪ ،‬و إىتم بالزراعة ‪ .‬فإن‬
‫جنسريق إفتك من أفراد األرستقراطية الرومانية ‪ ،‬سواء كانوا من النبالء‪ ،‬أو من رجال الدين ‪،‬‬
‫األراضي الزراعية‪ ،‬وقسميا عمى النبالء من الوندال‪ .‬إال أن ىناك تجاوزات في حقوق السكان‬
‫بحيث ان ؛ أصحاب االرض ( المالكين الصغار) ‪ ،‬من األفارقة ظموا يعممون في أمالكيم ‪،‬‬
‫ولكن تغيرت مكانتيم من مالكيين إلى عبيد‪ .‬وفرض ضرائب ثقيمة عمى المغاربة الذين امتمكوا‬
‫األراضي األقل خصوبة‪ .‬ومن وحشية الوندال أنيم حاربوا واضطيدوا رجال الدين المخالفين ليم‬
‫في المذىب فأغمقوا الكنائس واستولوا عمى كنوزىا‪.‬من بين المذاىب التي اضطيدىا الوندال‬
‫‪2‬‬
‫المذىب الكاثوليكي‪".‬‬

‫‪ )5‬الوضع العام في مناطق النفوذ الوندالى‪:‬‬


‫اختار ممك الوندال من بين سكان إفريقيا أكثرىم وأعظميم شأنا‪ ،‬فانتزع أمالكيم وكبميم‬
‫بسالسل العبودية‪ ،‬ثم جرد األفارقة من أخصب أراضييم وأوسعيا فوزعيا عمى الوندال‪ ،‬وقد‬
‫سميت ىذه األمالك باسم قطع الوندال‪ ،‬ولم يمبث المالكون القدامى أن تدحرجوا إلى أحط‬
‫دركات البؤس ‪.‬ولكنيم احتفظوا بحريتيم وأمكنيم أن يستقروا حيثما شاؤوا ‪.‬وأعفى جنسريق‬

‫‪1‬‬
‫محمد محي الدين المشرفي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 140‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.240‬‬

‫‪70‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫الوندال من الضرائب عمى األراضي التي يممكونيا وأبقى ألىل البالد جميع األراضي التي‬
‫اعتبرىا ضعيفة اإلنتاج‪ ،‬ولكنو أثقل كاىميم بالضرائب‪( 1.‬انظر الشكل ‪)8‬‬

‫من الناحية اإلدارية ‪ ،‬احتفظ الوندال بنظام الرومان اإلداري‪ ،‬وحتى بالموظفين الرومان‬
‫الذين واصموا مياميم باسم الممك الوندالى‪ .‬أما من الناحية العسكرية‪ ،‬فمم يكن ليم جيش دائم‬
‫بل كانوا يتحولون إلى جنود في األوقات الحرجة‪ ،‬كما استعانوا بالخبرة المغربية في المالحة‬
‫‪2‬‬
‫والسفن لمعناية بأسطوليم‪ .‬قصد فرض سيطرتيم عمى البحر المتوسط و جزره ‪.‬‬

‫‪ )6‬المقاومة المغاربية وانبعاث اإلمارات المستقمة‪:‬‬

‫قامت دولة الوندال ؛ في شمال إفريقيا لفترة تناىز القرن‪ ،‬إال أن ىذا اإلحتالل لبالد إفريقيا‬
‫كان جزائيا ناقصا ‪ ،‬فالوندال قضوا عمى النفوذ الروماني بيا ولكنيم لم يبسطوا نفوذىم بدلو ‪،‬‬
‫غير ان التذمر العام إنفجر في صورة مؤامرات متعددة ‪ .‬أما االضطرابات اإلفريقية العنيفة التي‬
‫كانت تؤيد جنسريق ‪ ،‬فقد عارضت توطيد سمطتو ‪،‬وظمت ثورات سكان شمال إفريقيا والكاثوليك‬
‫أتباع دوناتوس ‪ ،‬تـزعج وتيدد حكم الزعيم بصورة مستمرة‪ .‬وفي قمب إقميم نوميديا ظمت مدينة‬
‫سرتا الداخمية محافظة عمى استقالليا بإصرار ‪ ،‬وعناد ‪،‬وتغمب جنسريق عمى ىذه الصعاب شيئا‬
‫‪،‬وفنون الحرب مرة أخر‪ ،‬لإلقامة مممكتو‬ ‫فشيئا ‪،‬بمثابرة ‪،‬وقسوة ‪،‬واستخدم فنون السمم مرة‬
‫‪3‬‬
‫اإلفريقية‪.‬‬

‫ومن فنون السمم والحيل ‪،‬إبعاد العناصر المسمحة والمتمردين اإلفريقيين ‪ ،‬إلى القائم ين‬
‫بأعمال القرصنة والمصوصية ‪ ،‬فيي مفيدة وناجحة بالنسبة لمجنسريق ‪ ،‬مادامت الفرصة‬

‫‪1‬شارل اندريو جوليان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.324‬‬


‫‪2‬‬
‫محمد العيد يشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد محيي الدين المشرفي ‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.143‬‬

‫‪71‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫موجودة ‪ .‬ولكن بمجرد إنتياء تمك القرصنة الوندالىة إنعكست الوضعية تماماا ‪ .‬فأنقمبوا بتمردىم‬
‫في البالد نفسيا‪ ،‬تدفعيم تمك الغريزة الحربية اليمجية ‪،‬وىذا ما حدث في عيد جنسريق ‪477‬م‬
‫‪،‬عن‬ ‫‪،‬أعمنت قبائل األوراس إستقالليا‬ ‫فظيرت الثورات والفتن الداخمية ‪،‬وفي ذالك الوقت‬
‫الوندال‪ .‬ولم تكتف بذلك فقط ‪،‬بل نزلت من الجبال إلى السيول المجاورة ودمرت وخربت‬
‫إستولت عمى الجيات الخصبة الكائنة غربي‬ ‫بعض المدن الرومانية مثل تمقاد وباغاي ‪ .‬و‬
‫األوراس والمتاخمة لمممكة الحضنة ‪ ،‬وكانت قبائل األوراس تخضع لممك إسمو يومناس‪ ،‬والحكم‬
‫الييا الفوضي ‪ .‬فظيرت القبيمة النوميدية القديمة‬ ‫الدكتاتوري كان النياية الطبيعية التي إنتيت‬
‫الخاضعة لحكم أمير أو قائد ‪ .‬و حمت إفريقيا الميبية ‪ ،‬وتكونت عصابات الدوناتوس تحت نفوذ‬
‫‪1‬‬
‫بعض مموكيم‪.‬‬

‫ومن ىنا قامت ثورات مغاربية عديدة تطالب بتحرير البالد في الوقت الذي نشبت فيو‬
‫خالفات بين الوندال أنفسيم عمى السمطة حيث كثرت الدسائس والمؤامرات ضد كل حاكم ‪ ،‬لقد‬
‫تبين لممغاربة أن الوندال مثل الرومان في القسوة والوحشية واإلستغالل وشممت الثورة جميع‬
‫المناطق من موريطانيا غربا إلى طرابس شرقا ‪.‬ومن ىذه الثورات والتمردات ثورة بنوميديا فقد‬
‫ذكر بعض المورخيين أن الموريين أستولوا عمى موريطانيا حيث نيبوا وقتموا الكاثوليك والوندال‬
‫معا ‪ ،‬من دون تميز كما ظير خطر زحف رجال الجمالة المنحدر ين من طرابمس يقودىم أمير‬
‫‪2‬‬
‫يدعى كاباوون ‪.‬‬

‫وكان في سدة حكم دولة الوندال أنذاك جمداريق الذي قتل األمير كاباوون‪ ،‬ثم إنتصر األمير‬
‫أنطالس بن عنفان عمى جيوش الوندال وألحق بيم خسائر جسيمة‪ ،‬وقد كانت جيوش ىذا الممك‬

‫‪1‬‬
‫محمد العيد بيشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪.197‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد الصالح العود ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.55‬‬

‫‪72‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫ت وىي قبائل جمالة معروفة‬


‫من قبائل الفراشيش وىي قبائل جبمية و أنظمت الييم قبائل لوا ة‬
‫الوندالية كانت أغمبيا حرب‬ ‫بطرابمس‪ ،‬وىذه التمردات والثورات الناجحة التي أنيكت الدولة‬
‫عصابات او عن طريق الجمال ويقول بروكوبيوس بأن الجيش الوندالي ال يحسن حرب المشاة‬
‫والقتال عمى األقدام بل كان الونداليون فرسان خيل سالحيم السيف والرمح ‪ ،‬وان منيم من ال‬
‫يعرف كيف تكون الحماسة فوق ظيور الجمال ‪.‬وقد حاولوا اليجوم مرات ولكن أفراسيم كانت‬
‫وقد نجحت ىذه الثورات‪ ،‬بفضل‬ ‫تخاف من منظر الجمال ومن رغائيا فتعود عل أعقابيا‪.‬‬
‫اإلمدادات التي وفرتيا القبائل الصحراوية كالجمال‪ .‬ومن نتائج ىذه الثورات‪:‬‬

‫‪ -1‬انحصار النفوذ الوندالى في المناطق الساحمية‪.‬‬


‫‪ -2‬تأسيس ممالك مستقمة‪ :‬مممكة األوراس‪ ،‬مممكة الحضنة‪ ،‬مممكة الطاوة‪ ،‬مممكة الجدار‪،‬‬
‫مممكة ىوارة و لواتو‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -3‬سقوط الدولة الوندالىة سنة ‪ 534‬م بعد قرن من االحتالل‪.‬‬
‫‪ )7‬أسباب سقوط الدولة الوندالىة‪:‬‬
‫كانت تركيبة المجتمع في شمال إفريقيا في عيد الوندال ‪ ،‬مابين ( ‪534-430‬م ) مكون‬
‫‪،‬‬ ‫‪ ،‬وىم الطبقة الغالبة عمى المجتمع‬ ‫‪ .‬منيا السكان األصميين‬ ‫من خميط من الشعوب‬
‫والمستوطنين من الرومان ‪ ،‬والوندال ‪،‬ومن إنتقل معيم من القوط ‪ .‬إال أن ىذه التركيبة كانت‬
‫‪ ،‬و الدين و إختالف طباع المجتمع ‪،‬‬ ‫غير متماسكة ‪ ،‬تحول بينيا عدة عوامل كالعصبية‬
‫ومزاجيم و ىو ‪ ،‬ما نتج عنو الكثير من الخالفات ‪.‬فالحضارة الرومانية لم تؤثر إال عمى قمة‬
‫قميمة جدا ‪ ،‬من المغاربة ‪ ،‬ونفس ىذا األمر استمر في عيد الوندال ‪.‬فقد قضى الوندال ‪.‬فترة‬
‫‪2‬‬
‫إحتالليم لشمال إفريقيا ‪،‬في سمسمة من الحروب‪ ،‬والثورات مع المحميين‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 197‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.140‬‬

‫‪73‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫كما نجذ أيضا حالة توتر بين الوندال المتعصبين لممذىب االريوسي ‪،‬فأدى بيم ذالك إلى‬
‫ممارسة سياسة البطش عمى الكاثوليك والعناصر الرومانية والميبية المناؤئة لألريوسية ‪ ، 1‬فشكموا‬
‫كتمة معادية ومعارضة لممحتميين‪ .‬ومن العوامل العدة التي ساعدت عمى االضطرابات الداخمية‬
‫الحكم‬ ‫‪ ،‬وتدخل بعض األمراء الوندال المتعصبين في‬ ‫‪،‬ضعف الحكم والمموك بعد جنسريق‬
‫والمعارضين لسياسة التسامح الديني مع الكاثوليك بل حتي سياسة التقارب الوندالى البيزنطي‬

‫‪1‬‬
‫اآلريوسية‪ :‬نحمة جديدة ظيرت في االسكندرية وكانت مرتبطة بطبيعة المسيح ‪ .‬فالمعروف أن الكنيسة المسيحية منذ نشأتيا‬
‫تعتقد بوجود ثالثة أقانيم ‪:‬األب واالبن والروح القدس‪ ،‬وأن ىؤالء الثالثة ليسوا اال واحدا في الجوىر ‪.‬غير انو ظير في الكنيسة‬
‫من حين ألخر أناس يخالفون ىذه العقيدة‪ ،‬فكانت الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬وىي كنيسة الدولة‪ ،‬تحكم عمىيا باليرطقة وكان من جممة‬
‫ىؤالء سابيميوس) القرن الميالدي الثالث ( أسقف ليبيا الذي قال ان الموجوس ) الكممة ( ىو المسيح وانو مظير من مظاىر‬
‫الالىوت شأنو في ذلك شأن األب والروح القدس‪ ،‬منك ار بقولو ذلك التميز بين االب واالبن والروح القدس‪ ،‬وكان منيم أيضا‬
‫آريوس الذي كان عمى رأس كنيسة صغيرة في االسكندرية سنة ‪ 318‬م ‪.‬وكان آنذاك شيخا معروفا بالتصوف متمتعا باحترام‬
‫عدد كبير من االتقياء والصالحين ‪.‬وكان آريوس قد تعمم في حداثة سنو في أنطاكية بسوريا المذىب العقمي الذي يقول إن‬
‫«الكممة التي اتحدت بالمسيح ليست من نفس جوىر الرب وان المسيح ليس اال مخموقا‪ ،‬جاء من العدم‪ ،‬ال من نفس المادة‬
‫اإلليية ‪ ،‬وأنو مر عمىو وقت لم يكن موجودا‪ ،‬وأنو تبعا لذلك وبوصفو ابن اهلل ال يشارك الرب في شيء وال يشبيو في شيء ألن‬
‫اهلل ليس لو شبيو ‪ ».‬كان آريوس بذلك يرمي إلى تأكيد وحدانية اهلل وقد فاتو انو انما وضع المسيح في مرتبة ثانوية وجرده مما‬
‫اتصف بو من انو منقذ لمعالم فمحا فكرة المسيحية األساسية وىي فكرة الخالص‪ .‬واختمف آريوس عن سابيميوس في أن األخير‬
‫كان يعتقد بألوىية المسيح بينما كان آريوس يرى غير ذلك ‪.‬وأدت دعوة آريوس ىذه إلى انقسام كنيسة االسكندرية بين مؤيد‬
‫ومناىض‪ ،‬فانعقد بيا سنة ‪ 320‬م مجمع شيده نحو مائة قسيس وأسفر عن اتخاذ قرار بحرمان آريوس وعزلو كما أمر بعزل‬
‫جماعة من القسيس والشماسة الذين تمسكوا بآرائيم األريوسية ‪.‬إثر ذلك غادر أريوس مصر إلى فمسطين حيث راح يدعوا لمبدئو‬
‫مما أدى إلى اتساع الخالف حتى شمل جميع الكنائس المسيحية ‪.‬وعند ىذا الحد تدخل االمبراطور قسطنطين لتسوية النزاع‬
‫فعقد مجمعا مسكونيا في نيقية سنة ‪ 320‬م انتيى بإدانة آريوس وسجنو وبتحديد العقيدة األرثوذكسية باعتبار المسيح االبن من‬
‫نفس مادة األب أي أنو يستمد صفة األلوىية من الرب ولكن المسالة لم تنتو عند ىذا الحد فقد اضطر االمبراطور قسطنطين‬
‫فيما بعد أن يفرج عن آريوس بل وبدا يميل الىو فانبعث النزاع الديني من جديد وكان محوره مسألة« كيف تجتمع في شخص‬
‫المسيح الطبيعتان اإلليية والبشرية‪ .‬انظر ‪ :‬عبد المطيف محمد البرغوثي‪ ،‬التاريخ الميبي القديم من اقدم العصور حتى الفتح‬
‫االسالمي ‪ ،‬دار تامنغاست لمنشر ‪،‬ص ‪.341‬‬

‫‪74‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫يقي إلى بيزنطة وخاصة رجال الدين األرثوذوكس‬


‫‪،‬فأدى ببعض الفئات إلى اليجرة من شمال إفر ا‬
‫في المقطعات الشرقية واألرستقراطيين الرومان‪. 1‬‬

‫ومن األسباب أيضا أن عند وصول جميمار ‪ Gelmar‬إلى الحكم بعد قمبو لمنظام في‬
‫قسام الوندال‬ ‫‪530‬م عمى جمداريق الذي ألقي عمىو القبض وأودعو السجن أدي ذالك إلى إن‬
‫‪2‬‬
‫أنفسيم وزاد سخطيم عمى الحاكم الجديد جيممار‪.‬‬

‫كما أن دولة الوندال كانت محاطة بعدة أعداء ومؤامرات في الخارج نتيجة تعامميا السيئ‬
‫في كثير من األحيان ‪ .‬كما رأينا إستعمال سياسة التعصب الديني وأعتدائتيا المتكررة عمى‬
‫سواحل البحر األبيض المتوسط والسفن التي تتجول بو ‪ .‬واحتالل بعض المقاطعات والجزر‬
‫فنتج عنو خصومات مع الممالك الجرمانية األخري وقد عممت الدبموماسية البيزنطية بشتي‬
‫‪3‬‬
‫ويمكن حصر اسباب سقوط‬ ‫الطرق إلى زيادة تأزم العالقات بين الممالك الجرمانية االخرى‪.‬‬
‫الحكم الوندالي في شمال افريقيا فيما يمي‪:‬‬

‫‪ -‬انبعاث ممالك محمية ‪.4‬‬


‫‪ -‬الصراع عمى السمطة بين أفراد العائمة الممكية الوندالية‪.‬‬
‫‪ -‬انغماس الحكام الوندال في حياة الميو والترف‪.‬‬
‫‪ -‬اعتبار بيزنطة الوريث الشرعي لمدولة الرومانية في بالد المغرب‪.5‬‬
‫‪ -‬يالحظ أنو لم يكن لموندال أثر حضاري يذكر بل العكس حطموا الكثير من أثار ممن‬
‫سبقوىم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد المطيف محمد البرغوثي ‪ ،‬التاريخ الميبي القديم ‪،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.341‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد محمد مرسي الشيخ ‪ ،‬تاريخ االمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬مصر ‪ ، 1994 ،‬ص‪.46‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.245‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد محمد مرسي الشيخ ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.45‬‬

‫‪75‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫االحتالل البيزنطي لبالد المغرب ‪ 647 – 533‬م‪:‬‬ ‫‪.II‬‬

‫ان الفترة االستعمارية خالل االحتالل البيزنطي كانت األكثر أىمية لدى المؤرخين والباحثين‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫منذ زمن‬ ‫‪Justinien‬‬ ‫فقد كانت المنطقة محط أنظار اإلمبراطور البيزنطي جوستينيانوس‬
‫‪،‬في ىذه المنطقة السترجاع أمجاد‬ ‫بعيد‪ .‬حيث كان يسعى إلى إنشاء إمبراطورية عالمية‬
‫أن ذلك لم يكن‬
‫اإلمبراطورية الرومانية ‪ .‬التي كانت خمف الحممة البيزنطية عمى البالد‪ّ ،‬إال ّ‬
‫السبب الرئيسي لوقوع بالد المغرب ؛ تحت راية االحتالل البيزنطي ‪ّ .‬إنما يعزى ذلك إلى عدة‬
‫‪2‬‬
‫عوامل مؤثرة من بينيا الصراعات الدينية‪.‬‬

‫ففي عام ‪533‬م نزل األسطول البيزنطي بسواحل أفريقيا‪ ،‬حيث كان القائد البيزنطي‬
‫المسؤول عن األسطول بميزار ‪ Belisaire‬حذ اًر لمغاية‪ ،‬إذ ظير ذلك بمنعو قادتو من استخدام‬
‫القوة والعنوة في دخول قرطاجة‪ّ ،‬إال ّأنو أشار لجيوشو في منطقة رأس كابوديو في الجزء‬
‫الجنوبي من سوسة التونسية بدخوليا والتوجو الييا‪ ،‬وحافظ القائد البيزنطي عمى التسمسل في‬
‫قطع األراضي المغ اربية وجاء ذلك تجنباً لموقوع في الكمائن‪ ،‬وبقي كذلك حتى تمكن من قطع‬
‫‪3‬‬
‫أراضي سوسة‪ ،‬ورأس ديماس‪ ،‬ولمطة‪ ،‬وسيدي خميفة دون أي صعوبات‪.‬‬

‫‪ )1‬أسباب االحتالل‪ :‬من بين أسباب االحتالل البيزنطي لبالد المغرب ‪:‬‬
‫‪-‬تمتع البالد بموقع استراتيجي ىام ‪.‬غنى البالد بالثروات اليامة ‪.‬‬
‫‪-‬رغبة القائد جوستنيان في إعادة أمجاد روما‪.‬‬
‫‪-‬السعي الدؤوب إلى فرض الحماية المطمقة عمى حدود الدولة البيزنطية من أي اعتداء‬
‫خارجي‪. 4‬‬

‫‪1‬‬
‫ج ‪ .‬م‪ .‬ىسى ‪ ،‬العالم البزنطي ‪ ،‬تر‪ :‬رأفت عبد الحميد ‪ ،‬دار روتبارنت لمطباعة ‪،‬مصر ‪، 1997 ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد محي الدين المشرفي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.144‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.264‬‬

‫‪76‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫‪ )2‬سياسة االحتالل البيزنطي لبالد المغرب‪:‬‬


‫انتيج االحتالل البيزنطي سياسة صارمة في فرض سيطرتو عمى البالد‪ ،‬حيث استخدم القوة‬
‫العسكرية في ذلك‪ ،‬فأقام الحصون والمنشآت العسكرية ولجأ إلى تقسيم المنطقة إلى أربع‬
‫‪ .‬و كان أسموب التجويع و التفقير منتيجاً من قبل‬ ‫مقاطعات يترأس كل منيا قائد عسكري‬
‫اإلمبراطورية البيزنطية إذ أرىقوا كاىل الشعوب بالضرائب الكبيرة ومصادرة أمالكيم عنوة‪ ،‬األمر‬
‫الذي ساىم في انقسام المجتمع إلى طبقتين وىما‪ :‬طبقة الروم البيزنطيين وىم األثرياء‪ ،‬وطبقة‬
‫المغاربة وىم الفقراء‪.1‬‬

‫حيث كانت فكرة استرجاع المقاطعات الرومانية اإلفريقية تراود كل األباطرة البيزنطيين‪،‬‬
‫‪482‬م – ‪565‬م)‪ ،‬الذي كان حاكما عمى‬ ‫إلى أن تمكن اإلمبراطور جستنيان األول (‬
‫القسطنطينية منذ سنة ‪527‬م‪ ،‬من وضع حد نيائي لمسيطرة الوندالية عمى الشمال اإلفريقي عام‬
‫‪533‬م‪ .2‬ومن جممة ما قام بو جستنيان األول قبل إعالنو الحرب ضد الوندال‪ ،‬تنظيمو حممة‬
‫دعائية واسعة النطاق في أوساط األساقفة الكاثوليك الذين أيدوه بكل حماس‪ ،‬إلى درجة أن‬
‫مشروعو الحربي أصبح وكأن ىدفو الوحيد يتمخص في نجدة الكنيسة الكاثوليكية ‪.3‬‬

‫ولما أتم كل االستعدادات كمف بيميساريوس ( ‪500‬م–‪565‬م) ‪ ،‬أشير قادة الجيش البيزنطي‬
‫وأكثرىم قدرة وحنكة‪ ،‬بقيادة الحممة العسكرية‪ .‬وقد تشكل األسطول البحري البيزنطي من‬
‫خمسمائة سفينة كان يقودىا عشرون ألف بحار وعمى متنيا عشرة آالف من المشاة وخمسة‬
‫‪533‬م‪ ،‬وبعد معارك طاحنة استولوا عمى‬ ‫آالف فارس‪ ،‬وصموا إلى الساحل اإلفريقي في سنة‬
‫قرطاج بذات السنة‪ .‬وعمى إثر ذلك فر الممك جميمار( ‪530‬م‪534-‬م) ولكن البيزنطيين طاردوه‬

‫‪1‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.198‬‬
‫يوسف عيبش ٔ‬
‫‪،‬االوضاع االجتماعية و االقتصادية لبالد المغرب اثناء االحتالل البيزنطي ‪،‬أطروحة دكتوراه دولة في تاريخ‬ ‫‪2‬‬

‫و آثار المغرب القديم ‪ ،‬كمية العموم اإلنسانية و العموم اإلجتماعية ‪ ،‬جامعة منتوري – قسنطينة‪ ، 2007 ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.267‬‬

‫‪77‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫وتم إلقاء القبض عميو في سنة ‪534‬م ‪ .‬وىكذا انيزم الوندال في إفريقيا الشمالية بعد فترة من‬
‫الزمان كانت كل شعوب الحوض المتوسطي تحسب ليم ألف حساب‪ .‬و الواقع أنيم لم يكونوا‬
‫أصحاب حضارة‪ ،‬وليذا لم يتركوا تراثا ثقافيا ذا مغزى‪ ،‬ىذا مع العمم أن جل ما يعرف عنيم لم‬
‫يكن سوى عن طريق أعدائيم الذين من المحتمل أنيم سكتوا عن أشياء وبالغوا في أشياء‬
‫أخرى‪.1‬‬

‫ولما وطئت أقدام الجنود البيزنطيين التراب اإلفريقي استقبميم الكاثوليك بالحفاوة والترحاب‬
‫واعتبروىم محررين‪ ،‬بينما بقي عامة السكان في حالة ترقب وكأن ىذه الحرب ليست حربا‬
‫تعنييم‪ ،‬خاصة وأن القائد بيميساريوس استطاع إقناعيم بأن جنوده سيمتزمون باحترام أعراضيم‬
‫وممتمكاتيم‪ ،‬وأن وجوده في إفريقيا ىو في الواقع موجو ضد طغيان الوندال وبطشيم‪ ،‬وفعال‬
‫انساق السكان لمدعاية الحربية البيزنطية ولم يستغربوا أن تحتفل الكنيسة اإلفريقية بيذا االنتصار‬
‫ألنيا كانت ىي المستفيد األول‪ ،‬وسرعان ما استعادت ىذه األخيرة نشاطيا وممتمكاتيا التي‬
‫صادرىا الوندال‪.2‬‬

‫بل أكثر من ذلك‪ ،‬لقد أصدر البيزنطيون قانونا إمبراطوريا سنة ‪535‬م يقضي بعزل المنشقين‬
‫الدوناتيين و األريوسيين عن الوظائف العمومية‪ ،‬مع المنع منعا كميا من القيام بأي نشاط ديني‬
‫يتنافى والمذىب الكاثوليكي‪ .‬كما بادر البيزنطيون إلى تقسيم إفريقيا الشمالية إلى سبع مقاطعات‬
‫إدارية موزعة بدورىا إلى أربع مقاطعات كنسية‪ .‬ونظ ار لضعف الكثافة المسيحية في الجية‬
‫الغربية‪ ،‬فإن موريطانيا الطنجية ‪ ،‬والقيصرية ‪،‬والسطيفية كانت تشكل مقاطعة كنسية واحدة‬
‫فقط‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫ج ‪ .‬م‪ .‬ىسى ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.94‬‬
‫‪2‬يوسف عيبش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 41‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد محمد مرسي الشيخ ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪.46‬‬

‫‪78‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫عمما أن وجود البيزنطيين في موريطانيا الطنجية ‪ .‬كان يبدو منحص ار أساسا في مدينة‬
‫سبتة ‪،‬التي تم اتخاذىا كقاعدة غربية بيزنطية لممراقبة األمنية‪ .‬واتضح أن خطة اإلمبراطور‬
‫جستنيان األول كانت ترمي في جوىرىا إلى تمكينو من جمع السمطتين الدينية والدنيوية‪ ،‬إال أن‬
‫انشقاقات جديدة داخل الكنيسة نفسيا وتفاقم األوضاع السياسية البيزنطية حالت دون تحقيق‬
‫طموحو‪ .‬لم تكن الحيمة الدعائية المبنية عمى الميادنة الصورية لتنطوي عمى عناصر المحميين‬
‫لمدة طويمة‪ ،‬فبعد عامين فقط عمى االستعمار البيزنطي تحرك السكان المحميين في انتفاضات‬
‫ال ىوادة فييا ضد المحتل الجديد‪ ،‬بحيث استمرت إلى نياية العصر البيزنطي بإفريقيا ‪.1‬‬

‫وخالل ىذه المجابيات استطاع السكان المحميون‪ ،‬ىزيمة وقتل ثالثة من القادة البيزنطيين‬
‫البارزين‪ :‬تيودور (‪569‬م)‪ ،‬وتيوكتستوس ( ‪570‬م)‪ ،‬وامابميس ‪571‬م ‪ ،‬ولم يسبق لسكان‬
‫‪2‬‬
‫الذي‬ ‫المحميين أن نظموا مقاومة متواصمة بيذا الشكل وبيذه الحدة‪ ،‬حتى أن المؤرخ بروكوب‬
‫رافق الحممة البيزنطية إلى إفريقيا سجل انخفاضا سكانيا كبي ار يقدر بخمسة ماليين من ذوي‬

‫‪1‬‬
‫عبد المطيف محمد البرغوثي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.353‬‬
‫‪2‬‬
‫بروكوبيوس ‪ Procopius‬ىو أشير مؤرخ بيزنطي في القرن السادس الميالدي‪ ،‬عاش في عيد االمبراطور الشيير جستنيان‪،‬‬
‫وعايش محاولة إحياء أمجاد االمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ولد في فمسطين ‪ ،‬كان يجيد اإلغريقية والالتينية إلى جانب لغتو األم‬
‫السريانية اآلرامية‪ ،‬كما كان يعرف الفارسية والقوطية الجرمانية‪ ،‬انتقل في وقت مبكر إلى القسطنطينية ونال شيرة كبيرة في‬
‫المحاماة‪ .‬صار منذ عام ‪ 527‬مستشا اًر لمقائد الكبير بمي ازريوس حتى استدعاه جستنيان وعزلو من مناصبو‪ ،‬وانصرف إلى تالىف‬
‫كتبو في السنوات التالىة‪ ،‬وشيد مرض الطاعون الذي تفشى في العاصمةعام ‪ 542‬وترك وصفاً مؤث اًر لو‪ .‬وقد أنعم عميو‬
‫االمبراطور بمقب رفيع وجعمو عضواً في مجمس الشيوخ ‪ .562‬ال تُعرف معمومات عن سنة وفاتو‪ .‬تنقسم مؤلفات بروكوبيوس‬
‫إلى ثالث فئات ىي‪ :‬الحروب والتاريخ السري واألبنية‪ ،‬وصف فييا أىم أحداث عصره ومختمف أوجو الحياة المادية‬
‫واالجتماعية والثقافية‪ .‬يعالج في مؤلفو الرئيس ‪ de Bellis‬تاريخ الحروب في عيد جستنيان في ثمانية كتب ‪ ،‬خصص‬
‫الكتابين األول والثاني لتاريخ الحروب الفارسية التي انتيت أوالىا عام ‪532‬م‪ ،‬ويروي في الكتابين الثالث والرابع تاريخ الحرب‬
‫مع الوندال‪ ،‬التي انتيت باالستيالء عمى عاصمتيم قرطاجة عام ‪ .533‬ويصف في الكتب الثالثة التالية الحروب التي جرت‬
‫إيطالى عمى القوط الشرقيين وتدمير مممكتيم‪ .‬أما الكتاب الثامن فيو ممخص األحداث التي جرت بعد عام ‪ .540‬عاصر‬
‫ا‬ ‫في‬
‫بروكوبيوس ىذه الحروب‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫األصول الرومانية ومن المتعاونين مع البيزنطيين حيث غادروا كميم المقاطعات اإلفريقية في‬
‫اتجاه اسبانيا تفاديا ليجمات السكان األصميين و ىذه بطبيعة الحال إشارة أخرى مباشرة يستفاد‬
‫منيا بخصوص النسبة المحدودة جدا النتشار الديانة المسيحية في المجتمع المغاربي‪ .‬إذ أنو‬
‫ليس من المنطقي عدم تدخل الكنيسة اإلفريقية‪ ،‬التي كانت تعتبر بنتا شرعية لكنيسة روما‪ ،‬من‬
‫أجل تيدئة األوضاع وحث المغاربة عمى التعايش السممي مع إخوتيم في الدين‪ .‬الواضح أن‬
‫وزنيا كان خفيفا وأن وجودىا كان قبل كل شيء مرتبطا بجاليات أجنبية كانت ليا عالقة‬
‫استيطان استعماري بالمنطقة‪ .‬ولو كان الوضع خالف ذلك لما آلت األمور إلى ما آلت اليو‪.1‬‬

‫‪ )3‬نظام الحكم ‪:‬‬


‫لقد كانت إفريقيا يحكميا واليا يتمتع بسطوة واسعة‪ ،‬ومركزه في مدينة قرطاجنة ‪ ،‬ولم يتغير‬
‫ىذا النظام إال في سنة ‪ 587‬م ‪،‬حيث استطاع جناريوس إخماد ثورة المغاربة فكان بيذا أول‬
‫حاكم عام عسكري لقب بالبطريق‪ ،‬وكان وراء جيش من الموظفين منتشر عمى كامل البالد‬
‫ومعظميم مختص بالتحصيل وجمع المال‪ ،‬حيث كانت الحكومة البيزنطية تعتمد في سياستيا‬
‫عمى نيب المال‪ .2‬إال أن تطورات األوضاع كشفت عن ضرورة تعديل ىذه اإلستراتيجية‬
‫التنظيمية ‪ .‬و ىو األمر الذي أخذ منحنى جديدا ‪،‬حيث أسس منصب األرخون عمى قمة اليرم‬
‫اإلداري في عيد اإلمبراطور موريسن ‪( 3. Maurice‬انظر الشكل ‪)9‬‬

‫الحياة االجتماعية‪:‬‬
‫لقد كانت سياسة الروم في بادئ األمر تميل السترضاء األىالي وذلك من أجل االطمئنان‬
‫ليم وقد استعمموا في ذلك مختمف أنواع وأسالىب الدىاء الدبموماسي‪ ،‬وكان ىدفيم ىو تجنيد‬

‫‪1‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫‪2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.200‬‬
‫‪3‬‬
‫يوسف عيبش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.72‬‬

‫‪80‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫األىالى ضد الواندال‪ ،‬وقد وصل البيزنطيون إلى الغاية المرجوة واليدف المنشود‪ ،‬إذ اط مئن‬
‫المحميون ليم و أروا فييم المنقذ من استبداد الوندال عمييم‪ ،‬إال أن ىذه السياسة لم تدم طويال‪،‬‬
‫حيث انو تحقق اليدف البيزنطي في القضاء عمى أعدائيم الوندال‪ .‬ثم تسارع وا الييم‬
‫يعاممونيم معاممة العبيد ويرغمونيم عمى الطاعة‪ ،‬وسالحيم في ذلك كمو الشدة والعنف‬
‫باإلضافة عمى إلقاء العداوة والبغضاء بينيم بقصد التفرقة‪ ،‬باإلضافة إلى إرىاقيم بالضرائب‬
‫الباىظة‪ ،‬وىذا ما حمل الناس إلى إعالن كراىيتيم واعالن الثورة والعصيان عمى الحكم آنذاك ‪.1‬‬

‫الحياة الدينية‪:‬‬
‫لقد كان من بين أىم األسباب في انييار اإلمبراطورية البيزنطية ىي تمك النزاعات‬
‫والنقاشات الدينية الفارغة بين البيزنطيين‪ ،‬ومما زاد في إشعاليا وبعث التعصب المذىبي من‬
‫مرقده‪ ،‬حينما أعمن اإلمبراطور جستينيان وجوب اعتناق المذىب الكاثوليكي من دون غيره وكان‬
‫ذاك سنة ‪ 535‬م‪ ،‬في حين كان المحميون في ذلك الوقت عمى المذىب األرثوذكسي وانتشار‬
‫المسيحية في ذلك الوقت في بالد المغرب كان يشمل العديد من المناطق‪ ،‬في واد شمف‬
‫وتممسان واألوراس وغيرىا من المناطق ‪ ،‬ولقد تأثرت ىذه الجيات بيذه المناقشات والمشاحنات‬
‫الدينية واتسعت شقة الخالف بين سائر األوساط‪ ،‬وما زاد رقعت الخالف اتساعا ىو ذلك‬
‫القانون الذي أصدره ىرقل األول سنة ‪ 631‬م معمنا فيو بتعالىم جديدة ينبغي اتخاذىا كمذىب‬
‫آخر جديد‪ ،‬فقوبل ىذا القانون من طرف الرعية بالرفض‪ ،‬فأخذت الحكومة باضطياد المخالفين‬
‫ليا وخاصة الييود‪ ،‬ولقد عرفت تمك المناقشات باسم المناقشات البيزنطية‪.2‬‬
‫الثقافة والحضارة والعمران‪:‬‬
‫لم يذكر المؤرخون حالة البالد األدبية والثقافية في العيد البيزنطي‪ ،‬أما فن المعمار فقد شيد‬
‫البيزنطيون بعض الكنائس وأقاموا األسوار حول المدن كأسوار‪ :‬تنس‪ ،‬وشرشال‪ ،‬وسطيف‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد البرغوثي ‪ ،‬التاريخ الميبي القديم ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.356‬‬
‫‪2‬يوسف عيبش ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.117‬‬

‫‪81‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫وميمو وتمقاد‪ ،‬وقالمو‪ ،‬وتبسو ‪ .‬أما ثراء البالد ونشاطيا االقتصادي فإن مؤرخي شمال إفريقيا‬
‫كادوا أن يتفقوا باإلجماع عمى أن العرب وجدوا البالد ساعة نزوليم بيا‪ ،‬كثيرة الزرع وافرة‬
‫الثمرات‪ ،‬ويؤكد ديل أن في السيول الواسعة الميجورة التي تمتد جنوبي ىضبة األوراس وفي‬
‫اإلقميم الجبمي الذي يتوسط سيل تونس‪ ،‬في كل ىذه النواحي يجد اإلنسان في كل خطوة آثار‬
‫مدن كبيرة أو صغيرة وقرى آىمة وأراضي مزروعة عمى امتداد عظيم ‪.1‬‬

‫‪ )4‬انهيار االحتالل البيزنطي‪:‬‬


‫إن سوء اإلدارة ونظام الحكم الجائر‪ ،‬و غياب حسن السياسة مع األىالى وكثرة الحروب‬
‫والثورات والفتن و التعصبات المذىبية و الخالف الديني‪ ،‬وتدخل قساوسة روما في الحكم‬
‫وتسمطيم عمى الحاكم‪،‬وغيرىا من األسباب ىي التي جعمت نظام الحكم البيزنطي يضعف شيئا‬
‫فشيئا‪ ،‬ويومئذ افترقت الكممة وظير االنحالل التام في اإلدارة واألخالق وضعفت الحكومة‪ ،‬ولقد‬
‫عمل البطريق جويجريوس الثاني ‪ ،2‬عمى انفصال إفريقيا عن بيزنطة بقطع العالقة بينو وبين‬
‫اإلمبراطورية الشرقية وتحصن بعاصمتو سبيطمة بالجنوب الغربي من والية تونس وأعمن ثورتو‬
‫‪3‬عمى الحاكم العسكري الذي كان يشاركو في الحكم سنة ‪ 607‬م ولقد كان ىذا منعرجا حاسما‪،‬‬
‫إذ دبت الفوضى واشتد الخالف‪ ،‬واشتبكت الثورات ‪،‬واستمر الحال عمى ىذا إلى أن أذن نور‬
‫اإلسالم بالشروق فسطع نوره بالمشرق وتميدت السبل لمعرب الفاتحين ‪4‬ففتحوا إفريقيا سنة ‪27‬‬
‫ىـ ‪ 647/‬م‪ 5‬وقضوا عمى تمك االضطرابات كميا وقتل جريجريوس‪ ،‬وبموتو انقضت دولة‬
‫‪6‬‬
‫البيزنطيين من إفريقيا بعدما قضت بيا ‪ 113‬سنة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫يوسف عيبش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.96‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 201‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.282‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد محي الدين البرغوثي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫‪6‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.381‬‬

‫‪82‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫نالحظ مما تطرقنا لو في ىذا الفصل ان فترة االحتاللين الوندالي والبيزنطي لم تحض‬
‫بقدر وافي بالبحث والتدقيق مقارنة بالفترة الرومانية التي اخذت حصة االسد من اىتمام‬
‫المؤرخين المغاربة ‪ ،‬فمثال فترة العصر الوندالي تبدو فقيرة جدا من حيث المصادر ومعظم‬
‫مؤرخينا المغاربة اعتمدو عمى ترجمات كتب بروكوبيوس الذي كانت لو أراء سمبية عن الوندال‬
‫عموما بحيث ظير ذلك في مؤلفات المغاربة عبر وصف الوندال بالتوحش وانعدام التحضر‬
‫وغيره من األوصاف بالرغم ان فترة بقائيم ببالد المغرب كانت حوالي قرن من الزمن ‪.‬‬

‫بل وركزوا في معظم كتاباتيم عن االختالف المذىبي وحروب الطوائف والمذاىب‬


‫المسيحية بين االريسويين وغيرىم من االرثوذوكس والكاثوليك مع من سبقيم ولحقيم من رومان‬
‫وبيزنطيين ‪.‬‬

‫وكذلك العصر البيزنطي فيذه الفترة ىي االخرى لم تحض بقدر كاف من البحث وال تزال‬
‫الكتابات المتوفرة بكثرة عن ىذه الفترة ىي الكتابات األجنبية ولعل معظم ما ترجم وتم التفصيل‬
‫فيو بإفاضة ىي المرحمة االخيرة والتي كانت بالضرورة متعمقة بحركات الفتح االسالمي‬
‫واندرجت تحت مواضيع بالد المغرب القديم قبيل الفتح االسالمي في السواد االعظم من الكتب‬
‫العربية و المؤالفات المغاربية خصوصا ‪ .‬رغم ان استقرار وانجازات االمبراطورية البيزنطية‬
‫كانت زاخرة بمثقفييا ومؤلفييا وكتابيا الذين عاصروا فترة الدولة بكل مراحل عزىا وانحدارىا‬
‫وتوسعاتيا بالجوار وببالد المغرب القديم خاصة ‪.‬‬

‫وانو لمن المثير لمشك في طروحات المؤرخين الغربيين الذين يميمون لمنزعة االستعمارية‬
‫عمى التاريخ المغاربي ‪ .‬حيث يعتمد ىؤالء المؤرخين عمى محددات ثالث‪:‬‬

‫أ) التضاريس الجغرافية التي تكون قد سيمت النزعة المحمية وصعبت الوحدة السياسية رغم أنو‬
‫يمكن مالحظة أمثمة واضحة عن الوحدة السياسية والقوة البحرية في المنطقة‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫)‪ (Stephanie Gsell‬و‬ ‫ب) العرق‪ :‬إذ نجد أن المؤرخين الغربيين أمثال قسال سيتفاني‬
‫)‪(Berthier‬‬ ‫)‪ (Gauthier‬و جوليان )‪ (Julien‬و السو )‪ (lassus‬وبرثييي‬ ‫قوثييي‬
‫وكامب )‪ (Camps‬يعتبرون أن المجتمع المغاربي المعاصر مشابو لممجتمع البربري القديم‬
‫بغض النظر عن قرون من التاريخ المتالحق المتجدد‪ ،‬فيم ينظرون إلى ىذا المجتمع أنو‬
‫"بدائي" وذو أشكال أولية من التنظيم االجتماعي وأنو يممك "شخصية سمبية" إضافة إلى غياب‬
‫األصالة واإلبداع‪.‬‬

‫ج) المحدد االجتماعي‪ :‬إذ يعتمد المؤرخون الفرنسيون أمثال )‪ (Gauthier‬عمى أنو صراع بين‬
‫البدو والحضر وأن ىذه البداوة ساىمت في إنياء السيطرة الرومانية والبيزنطية بالمنطقة – و لم‬
‫يستطع ىؤالء المؤرخين بفعل ذلك قراءة الجوانب الفاعمة في حياة البدو وباألخص حبيم الشديد‬
‫لمحرية واالستقالل‪.‬‬

‫وىذه المحددات الثالثة التي تنتيي إلى القول بتأخر المجتمع المغاربي في التمدن والتنظيم‬
‫والشخصية تميد إلى إعطاء الطابع الحضاري لالستعمار الروماني او البزنطي ‪...‬‬

‫حيث يمكن القول أن التاريخ السائد في المراحل االستعمارية تأريخ حظوظ سيئة لممغاربة‪،‬‬
‫أي سوء حظ في عدم االستفادة من القيم الحضارية لمفترة الرومانية‪ ،‬سوء الحظ في قبول ما‬
‫دعاه الرومان بالتحضر‪ ...‬وأخي ار سوء الحظ في وجود مؤرخين محميين يكتبون بانصاف تاريخ‬
‫بالدىم دون التأثر بثقافة المحتل االجنبي انذاك ‪ ...‬فإن بالد المغرب خالل تاريخو لم يدرس‬
‫سوى عبر محتميو األجانب ومن ثم سعى إلى تقديم تقسيم جديد لتاريخ المغرب بدءا من تاريخ‬
‫المغرب تحت السيطرة الرومانية قديما إلى تاريخ المرحمة االستعمارية الوندالية وصوال‬
‫لالحتالل البزنطي‪ .‬ومن جية أخرى فإن أصحاب ىذه المؤلفات ال يدلون إال ناد ار بآرائيم‬
‫الشخصية في األخبار التي يوردونيا؛ فإنيم يكتفون بتقديم عناصر القضايا‪ ،‬المسممة وغير‬
‫المسممة‪ ،‬وال يتورطون بإبداء حكميم الخاص‪ ،‬بل يتركون ذلك لمقراء ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫خاتمة‬
‫خاتمة‬

‫من خالل بحثنا نستخمص مجموعة من النتائج اليامة ‪:‬‬


‫‪ ‬تسبب التنوع التضاريسي و المناخي في بالد المغرب القديم في صعوبة التواصل بين‬
‫ربوعو وأقطاره‪.‬‬
‫‪ ‬عرف بالد المغرب القديم تنوعا بشريا باعتبارىا منطقة جذب لمجموعة من األجناس‬
‫كالفينيقيين واإلغريق والرومان و غيرىم ‪ ،‬دون اىمال ذكر وجود عنصر بشري محمي‬
‫أصيل‪ .‬مما شكل تمازجا ثقافيا نتج عنو تنوع حضاري‪.‬‬
‫‪ ‬عرفت سواحل بالد المغرب القديم إنشاء مجموعة من المستوطانات الفنيقية التي سبقت‬
‫تأسيس قرطاجة ‪ ،‬وىذه االخيرة تميزت بمظاىر حضارية متفوقة مما جعميا تحتل‬
‫الزعامة في غربي البحر االبيض المتوسط‪.‬‬
‫‪ ‬عرفت الممالك المغاربية تقسيمات ادارية بعد االحتالل الروماني وتحولت الى مقاطعات‬
‫تابعة لمروما كإفريقيا البروقنصمية و موريطانيا القيصرية والطنجية‪.‬‬
‫‪ ‬شيدت بالد المغرب عدة ثورات ضد االحتالل الروماني اىميا ثورة يوغرطا‬
‫وتاكفاريناس‪.‬كما تعرضت بالد المغرب القديم لالحتاللين تباعا لالحتالل الروماني‪ :‬ىما‬
‫الوندالي والبزنطي ‪ .‬حيث دام االحتالل الوندالي حوالي قرن من الزمن وشيد عدة‬
‫مقاومات من طرف السكان المحميين‪ .‬و نتجت عدة ثورات ومقاومات طيمة فترة تواجد‬
‫البزنطيين بالمنطقة طيمة قرن و ثالثة عشر سنة ‪.‬‬
‫‪ ‬عندما ننتقل بين كتب المؤرخين المغاربة ‪ ،‬نتبين وجود مسافة في كثافة وعمق الخطاب‬
‫ونمطية المعالجة و غ ازرة المعمومات التاريخية بالفترة المدروسة ‪ ،‬باالضافة لمغة‬
‫‪ ،1‬في سياق البحث عن‬ ‫المركبة‪ ،‬لغة يطغى عمى استدالليا طابع االبستمولوجي‬
‫مسوغات نظرية تسمح باستعمال مفيوم المؤرخين في فضاء تاريخي مخالف لمفضاء‬
‫الذي تبمور في إطاره المفيوم العام لمتآريخ ‪ ،‬فإن اىتماميم بالتاريخ المحمي ‪ ،‬يستدعي‬

‫‪1‬‬
‫تستعمل كممة إبيستيمولوجي )‪ ، (Epistemology‬لمداللة عمى عمم المعرفة‪ .‬وىي مؤلفة من جمع كممتين يونانيتين ‪:‬‬
‫‪episteme‬بمعنى‪ :‬معرفة‪ ،‬و ‪logos‬بمعنى دراسة؛ فيي إذا‪ ،‬عند الغرب‪ ،‬دراسة نقدية لممعرفة‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫خاتمة‬

‫الشواىد والمعطيات من التجربة التاريخية الغربية التي تبمور المفيوم في إطارىا‪ ،‬كما‬
‫يستعرض المعطيات التاريخية العربية‪ ،‬التي تُ َم ِّكن من استعارتو واستخدامو لرسم مالمح‬
‫أدوار الكتاب في عصورنا الحديثة‪.‬‬
‫‪ ‬اعتمد الباحثون في مؤلفاتيم عمى مراجع أساسية كالمصادر الكالسيكية االغريقية و‬
‫الرومانية التي زامنت العصر القديم ‪ ،‬شكل سندىم التاريخي‪ ،‬حيث يتعمق األمر بكتابات‬
‫ىيرودوت ‪ ،‬سالوست ‪ ،‬بمين الكبير و بروكوبيوس وغيرىم ‪ ،‬حيث يمكن ان نستخمص‬
‫ان الكتابات المحمية التي تطرقنا ليا ‪ ،‬أن ظاىرة المؤرخين في بالد المغرب ارتبطت‬
‫في الفترة الحديثة بثالتة معطيات رئيسية‪:‬‬
‫‪- 1‬معطى حضاري سياسي ‪ ،‬قوامو ظيور المدن واستقالل البمدان المغاربية من يد المستعمر‪.‬‬
‫‪ -2‬معطى ثقافي‪ ،‬تمثل في حركة الترجمة الواسعة لممصادر الكالسيكية و مؤلفات الغربيين‬
‫المحدثين كستيفن قزال وغابلاير كامبس و شارل اندريو جوليان وغيرىم‪.‬‬
‫‪-3‬معطى ميني‪ ،‬برز في ظيور فئة الجامعيين المحميين ‪.‬‬
‫إال أن الباحث عند مراجعتو لتاريخ المغاربة القديم‪ ،‬وىو المطمع عمى كثير من معطيات‬
‫ىذا التاريخ النظرية والسياسية و العقائدية بشتى انواعيا و اطوارىا ‪ ،‬يحدد طبيعة المؤرخ في‬
‫الفضاء المعرفي الحديث كما يمي‪ :‬المؤرخ يعمل بفكره ‪ ،‬وىو ينتمي إلى الخاصة‪ ،‬كما ينتمي‬
‫إلى الوسط الحضري‪ ،‬مرجعيتو المركزية تتحدد في الوصول لمحقيقة ‪ُ ،‬يفكر من خالليا ويسعى‬
‫الييا‪ ،‬وىو إضافة إلى كل ذلك يستطيع تحويل الحقيقة التاريخية إلى رأي‪ ،‬إنو في نياية‬
‫التحميل‪ ،‬كما يوضح ذلك المؤلفين المحدثين‪ ،‬يمارس الفعل التاريخي والعمل الفكري بتوسيط‬
‫االرجح دوما بناء عمى من سبقوه من مؤرخين كالسيكيين وغربيين باالضافة لالدلة االثرية ‪.‬‬
‫‪ ‬ان مسألة ظيور فئة المؤرخين المغاربة‪ ،‬يربط ىذا الظيور باإلشكال السياسي‪ ،‬الذي‬
‫يرتبط بدوره بالرغبة في كتابة تاريخ بأقالم محمية لممنطقة وما تََولَّ َد عنو من إشكاالت‬
‫بالنسبة لمفترات المجيولة – فجوات‪ -‬في تاريخنا كمغاربة ويمكن استعراض أجيال‬
‫المؤرخين كما يمي‪:‬‬
‫‪87‬‬
‫خاتمة‬

‫– فئة االوائل لبناء تاريخ محمي عبر حركة الترجمة ‪.‬‬


‫– فئة الذين تصدروا بناء التراث التاريخي المحمي بالمغة العربية‪.‬‬
‫‪ ‬في ىذا المستوى من الكتابة يشعر قارئ المؤلفات المغاربية المحدثة‪ ،‬بأن الكتاب‬
‫يشيرون دون توقف لمألحداث التاريخية ‪ ،‬وبمقدار كثافة المعمومات ذات النفحة‬
‫االبستمولوجية البارزة‪ ،‬نشعر بالصبغة التحميمية التاريخية‪ ،‬التي تغطي باالشارة العابرة‬
‫ة‬ ‫تاريخاً حافالً بالصراعات السياسية والزاخرة باالحتالالت والحركات االستقاللية ونشأ‬
‫الممالك بارجاء المنطقة‪ ،‬تاريخاً مؤسساً عمى قراءات وتأويالت يصعب حصرىا بماضي‬
‫المغرب القديم‪ ،‬وآليات تحولو عبر الزمان بنفس الحيز الجغرافي‪.‬‬
‫‪ ‬وال يتعمق األمر بالحقبة المغاربية القديمة وحدىا‪ ،‬بل إنو يمجأ إلى مقارنتيا بمعطيات‬
‫وسيطية تنتمي إلى مجال التاريخ األوروبي والمجال المتوسطي عموما ‪ ،‬وىنا يتم القفز‬
‫الم َّ‬
‫وجو‬ ‫عمى أمور متعددة‪ ،‬يسكت عنيا لحساب آلية في االستثمار المعرفي المبني و ُ‬
‫حسب المدارس ‪.‬‬
‫‪ ‬ان الكتابة التاريخية التحميمية المقارنة ‪ ،‬ال يعني أنيا تخموا من التركيب‪ ،‬بل إن المقصود‬
‫أوالَ وقبل كل شيء‪ ،‬ىو رصد نمطيتيا العامة‪ .‬ذلك إنيا تضمنت أيضاً أبعاداً في‬
‫التأويل ذات طبيعة إشكالية‪ ،‬كما تضمنت جممة من األحكام‪ ،‬وطريقة في الترتيب تطرح‬
‫كثي اًر من األسئمة في طريقة عرض وتحميل لنماذج من كتابات المؤرخين المحدثين‬
‫كمحمد الصغير غانم ومحمد اليادي حارش و ابراىيم العيد بش ي وغيرىم ‪.‬وىنا بالذات‬
‫يحضر المستوى البيداغوجي في الكتابة‪ ،‬مستوى الممارسة الفعمية لما يسمى بأدلجة‬
‫المفاىيم‪ ،‬حيث يقومون بجمع وترتيب‪ ،‬واعادة صياغة المعطيات‪ ،‬التي تُ َم ِّك ُننا ابتداء من‬
‫اآلن فصاعداً أن نسمي غانم و حارش –نموذجا ‪ -‬بالمؤرخين‪ ،‬عمى شاكمة مؤرخي‬
‫الحضارة الغربية مثل قزال و كامبس التي تبمور في سياق تطورىا التاريخي مفيوم‬
‫المؤرخ‪ .‬مع األخذ بعين االعتبار الحيثيات الفكرية المتعمقة بالموروث التاريخي‬

‫‪88‬‬
‫خاتمة‬

‫المغاربي‪ ،‬بمختمف المالبسات الخصوصية التي شكمت شرط وجوده التاريخي والفكري‬
‫حسب المدرسة التاريخيانية‪ ،‬والنظرية النقدية لمحدث ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫المالحق‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل ‪ :1‬نقيشة توضح صالية التاحنو‬

‫‪1‬مها عيساوي ‪ ،‬المجتمع الموبي في بالد المغرب القديم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪86‬‬

‫‪91‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل ‪ :2‬جغرافية بالد المغرب‬

‫‪1‬محمد الهادي حارش ‪:‬التاريخ المغاربي القديم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪19‬‬

‫‪92‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل ‪3‬صورة االله بعل حامون‬

‫‪1‬‬
‫محمد الصغير غانم ‪ ،‬نصوص بونية ليبية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪101‬‬

‫‪93‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل ‪ :4‬صورة لضريح دوقا‬

‫‪1‬‬
‫محمد الصغير غانم ‪ ،‬نصوص بونية ليبية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪186‬‬

‫‪94‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل ‪ : 5‬ضريح الخروب‬

‫‪1‬‬
‫محمد العربي العقون ‪،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬

‫‪95‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل‪ 6 :‬حدود السيطرة الرومانية لبالد المغرب‬

‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب ‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.85‬‬

‫‪96‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل‪ :7‬موريطانيا القيصرية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد الهادي حارش ‪:‬التاريخ المغاربي القديم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪199‬‬

‫‪97‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل ‪ 8:‬حدود السيطرة الوندالية‬

‫‪1‬‬
‫محمد الهادي حارش ‪:‬التاريخ المغاربي القديم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.243‬‬

‫‪98‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل ‪:9‬حدود االحتالل البزنطي لبالد المغرب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد محي الدين المشرفي‪ ،‬افريقيا الشمالية في العصر القديم ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪149‬‬

‫‪99‬‬
‫قائمة المصادر‬

‫و المراجع‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬

‫قائمة المصادر والمراجع ‪:‬‬


‫أوال – المصادر ‪:‬‬
‫‪ .I‬بالمغة العربية‪:‬‬

‫‪ – 1‬القرآن الكريم ‪.‬‬


‫‪ - 2‬ابن خمدون عبد الرحمان ‪ ،‬كتاب العبر‪ ،‬وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم‬
‫والبربر‪ ،‬ومن عاصرىم من ذوي السمطان األكبر‪ ،‬م ‪ ، 3‬دار الكتاب المبناني ‪ ،‬بيروت‬
‫‪.1968 ،‬‬
‫‪ - 3‬سالوست ‪ ،‬الحرب اليوغرطية ‪( ،‬ب ‪ ،‬ط) ‪،‬تر ‪ :‬محمد المبروك الدويب ‪ ،‬منشورات‬
‫جامعة بنغازي ‪ ،‬ليبيا ‪( ،‬ب ‪ ،‬س) ‪.‬‬
‫سترابون ‪ ،‬الجغرافيا ‪( ،‬ب ‪،‬ط) ‪ ،‬تر ‪ :‬محمد مبروك الدويب ‪ ،‬منشورات جامعة‬ ‫‪-4‬‬
‫قاريونس‪ ،‬ليبيا ‪. 2006 ،‬‬
‫‪ -5‬فرجيل ‪ ،‬اإللياذة ‪ ،‬تر ‪ :‬سالم خالدي عميرة ‪ ،‬دار الماليين ‪ ،‬بيروت ‪.1995 ،‬‬
‫‪ - 6‬كالوديوس بطميموس ‪ ،‬جغرافيا ليبيا و مصر‪ ،‬ط ‪ ،1‬تر ‪ :‬محمد المبروك الدويب ‪،‬‬
‫منشورات جامعة قاريوس ‪ ،‬ليبيا ‪.2004 ،‬‬
‫‪ - 7‬ىيرودوت ‪ ،‬تاريخ ىيرودوت ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬تر ‪ :‬عبد اإللو مالح ‪ ،‬المجمع الثقافي ‪،‬‬
‫اإلمارات العربية ‪. 2001 ،‬‬
‫‪ - 8‬ىيرودوت ‪ ،‬أحاديث ىيرودوت عن الميبيين(األمازيغ) ‪( ،‬ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬تح ‪:‬مصطفى‬
‫األعشى ‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة ‪ ،‬المغرب ‪. 2009 ،‬‬
‫‪ .II‬بالمغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪1- Pline L' Ancien ,Histoire Naturelle , paris , 1980 , XIII24 : XIV.‬‬
‫ثانيا – المراجع ‪:‬‬
‫‪ - 1‬البرغوثي عبد المطيف محمد ‪ ،‬التاريخ الميبي القديم من أقدم العصور حتى الفتح‬
‫اإلسالمي ‪( ،‬د ‪.‬ط) ‪ ،‬دار تامنغاست لمنشر ‪ ،‬الجزائر‪( ،‬د ‪.‬س) ‪.‬‬
‫‪- 2‬بشي محمد العيد ‪ ،‬تاريخ مختصر ألىم حضارات الشرق القديم( دراسة حضارية في قبل‬
‫التاريخ وعبر التاريخ ) ‪( ،‬ب‪.‬ط) ‪ ،‬دار ىومة ‪ ،‬الجزائر ‪. 2008 ،‬‬

‫‪101‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬

‫‪ - 3‬جاردز ألن ‪ ،‬مصر الفراعنة ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬تر‪ :‬نجيب مخائيل ‪ ،‬مر‪ :‬عبد المنعم أبو بكر‪،‬‬
‫الييئة المصرية العامة لمكتاب ‪ ،‬القاىرة ‪.1987 ،‬‬

‫‪ - 4‬حارش محمد اليادي ‪ ،‬التاريخ المغاربي القديم ‪ ،‬السياسي و الحضاري منذ فجر التاريخ‬
‫إلى الفتح اإلسالمي (ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬المؤسسة الجزائرية لمطباعة ‪ ،‬الجزائر ‪.1994 ،‬‬

‫‪ - 5‬حارش محمد اليادي ‪ ،‬دراسات ونصوص في تاريخ الجزائر وبمدان المغرب في العصور‬
‫القديمة ‪( ،‬د ‪.‬ط ) ‪ ،‬دار ىومو‪ ،‬الجزائر ‪. 2011 ،‬‬
‫‪ - 6‬جوليان شارل أندري ‪ ،‬تاريخ إفريقيا الشمالية ‪(،‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬تر ‪ :‬محمد مزالي ‪ ،‬البشير بن‬
‫سالمة ‪ ،‬الدار التونسية لمنشر ‪ ،‬تونس‬
‫‪ - 7‬ديكريو فرانسوا ‪ ،‬قرطاجة أو امبراطورية البحر‪ ،‬ط ‪ ،1‬تر‪ :‬عز الدين أحمد عزو‪ ،‬دار‬
‫األىالي لمطباعة والنشر‪ ،‬دمشق‪.1996 ،‬‬
‫‪ - 8‬ديكريو فرانسوا ‪ ،‬قرطاجة الحضارة والتاريخ‪ ،‬تر‪ :‬يوسف شمب الشام‪ ،‬دار طالس‪،‬‬
‫دمشق‪.1994 ،‬‬
‫‪ - 9‬ديورانت ويل ‪ ،‬قصة الحضارة ‪ ،‬مجمد ‪ ، 3‬ج ‪. 1‬‬
‫‪ - 10‬زرقانة إبراىيم الحضارة المصرية في فجر التاريخ ‪(،‬ب ‪ ،‬ط)‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫‪.1948‬‬
‫‪ - 11‬زرقانة إبراىيم أحمد وآخرون‪ ،‬حضارة مصر والشرق القديم‪(،‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬دار مصر‪،‬‬
‫مصر‪(،‬د ‪ .‬س) ‪.‬‬
‫‪ - 12‬السمماني أحمد حسن ‪ ،‬تاريخ مموك البربر في الجزائر القديمة ‪ ،‬دار القصبة ‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪. 2017‬‬
‫‪ - 13‬السيد محمد ميا ‪ ،‬الحصون و التحصينات الدفاعية في شمال إفريقيا في العصر‬
‫الروماني ‪ ،‬مصر ‪. 2008 ،‬‬
‫‪ - 14‬شنيتي محمد البشير ‪ ،‬سياسة الرومنة في بالد المغرب من سقوط الدولة القرطاجية إلى‬
‫‪ 40‬م) ‪( ،‬د ‪ .‬ط)‪ ،‬الشركة الوطنية لمنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫سقوط موريطانيا ( ‪ 146‬ق‪.‬م‪-‬‬
‫الجزائر ‪. 1982 ،‬‬

‫‪102‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬

‫‪ - 15‬شنيتي محمد البشير ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب (سياسة الرومنة ‪146‬ق‪.‬م ‪-‬‬
‫‪ 40‬م) ‪ ،‬ط‪ ، 2‬المؤسسة الوطنية لمكتاب ‪ ،‬الجزائر(ب ‪ ،‬س) ‪.‬‬
‫‪ - 16‬شنيتي محمد البشير ‪ ،‬نوميديا وروما اإلمبراطورية تحوالت اقتصادية واجتماعية في ظل‬
‫االحتالل ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مؤسسة كنوز الحكمة ‪ ،‬الجزائر (د‪ .‬س)‪.‬‬
‫‪ - 17‬شنيتي محمد البشير‪ ،‬أضواء عمى تاريخ الجزائر ‪( ،‬د‪.‬ط) ‪ ،‬دار الحكمة ‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.2003‬‬
‫‪ - 18‬شوقي خير اهلل‪ ،‬قرطاجة العروبة األولى في المغرب‪ .‬ط ‪ ،1‬دار النشر (مركز الدراسات‬
‫العممية)‪(،‬ب‪.‬ب) ‪.1992‬‬
‫‪(،‬ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬دار المعرفة‬ ‫‪ - 19‬الشيخ محمد محمد مرسي ‪ ،‬تاريخ اإلمبراطورية البيزنطية‬
‫الجامعية ‪ ،‬مصر ‪. 1994 ،‬‬

‫‪ ، 1‬دار‬ ‫‪ - 20‬العقون محمد العربي ‪ ،‬االقتصاد والمجتمع في الشمال اإلفريقي القديم ‪ ،‬ط‬
‫اليدى ‪ ،‬الجزائر ‪. 2008 ،‬‬
‫‪ - 21‬غانم محمد الصغير ‪ ،‬النصب القسنطينية المحفوظة في متحف الموفر بفرنسا‬
‫(ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬دار اليدى لمطباعة و النشر‪،‬عين مميمة ‪ ،‬الجزائر ‪. 2012 ،‬‬

‫‪ - 22‬غانم محمد الصغير ‪ ،‬مواقع و حضارات ما قبل التاريخ في بالد المغرب القديم ‪ ،‬دار‬
‫اليدى ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬عين مميمة ‪ ،‬الجزائر ‪. 2003 ،‬‬
‫‪ - 23‬غانم محمد الصغير ‪ ،‬سيرتا النوميدية النشأة والتطور ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬شركة العال ‪ ،‬عين مميمة‬
‫‪ ،‬الجزائر(د‪ .‬س) ‪.‬‬
‫‪ - 24‬غانم محمد الصغير‪ ،‬معالم التواجد الفينيقي البوني في الجزائر‪ ،‬دار اليدى‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪. 2003‬‬
‫‪ - 25‬غانم محمد الصغير ‪ ،‬التوسع الفينيقي في غربي البحر المتوسط ‪( ،‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬دار‬
‫اليدى‪ ،‬الجزائر‪(،‬د ‪ .‬س)‪.‬‬
‫‪ - 26‬غانم محمد الصغير ‪ ،‬المممكة النوميدية و الحضارة البونية ‪ ،‬دار اليدى ‪ ،‬عين مميمة ‪،‬‬
‫الجزائر ‪. 2006 ،‬‬

‫‪103‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬

‫‪ - 27‬غانم محمد الصغير ‪ ،‬نصوص بونية – ليبية مختارة من تاريخ الجزائر القديم ‪( ،‬د‪.‬ط) ‪،‬‬
‫دار اليدى ‪ ،‬عين مميمة ‪،‬الجزائر ‪. 2012 ،‬‬
‫‪ - 28‬فخري ماجد ‪ ،‬مسيرة الحضارة‪ .‬قرطاج وروما‪ ،‬م ‪( ،1‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬تر‪ :‬شاكر مصطفى‪،‬‬
‫الشركة العالمية لمتوزيع واإلعالن‪ ( ،‬د ‪ .‬ب) (د ‪ .‬س) ‪.‬‬
‫‪ - 29‬الفرجاوي أحمد‪ ,‬بحوث حول العالقات بين الشرق الفينيقي وقرطاجة‪(,‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬المجمع‬
‫التونسي لمعموم واآلداب والفنون‪ ,‬تونس‪.1993,‬‬
‫‪ - 30‬فرحاتي فتيحة ‪ ،‬نوميديا من حكم الممك غايا إلى بداية االحتالل الروماني‬
‫(‪ 46 / 213‬ق‪.‬م) ‪ ،‬منشورات أبيك ‪ ،‬الجزائر ‪.2007 ،‬‬
‫‪ - 31‬قزال ستيفان‪ ،‬تاريخ شمال إفريقيا القديم ‪ ،‬ج ‪( ، 1‬ب‪ ،‬ط) ‪ ،‬تر ‪ :‬محمد التازي سعود ‪،‬‬
‫مطبوعات أكاديمية المممكة المغريبة ‪ ،‬الرباط ‪. 2007 ،‬‬
‫‪ - 32‬كونتو ‪.‬ج ‪ ،‬الحضارة الفينيقية‪ ،‬تر‪ :‬محمد عبد اليادي شعيرة‪ ،‬م ار‪ :‬طو حسين‪ ،‬شركة‬
‫مركز كتب الشرق األوسط‪( ،‬د ت)‪.‬‬
‫‪ - 32‬متري نجيب ‪ ،‬كتاب ممخص التاريخ القديم‪( ،‬مقتطف من أصدق المصادر وأصحيا)‪،‬‬
‫ف‪( ،6‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬مطبعة المعارف ‪ ،‬مصر‪ 1331 ،‬ىـ‪1913-‬م ‪.‬‬
‫والية إفريقيا من االحتالل الروماني إلى نياية العيد السويري‬ ‫‪ - 33‬المحجوبي عمار‪،‬‬
‫( ‪ 235 -146‬م)‪ ،‬مركز النشر الجامعي ‪ ،‬تونس ‪. 2001 ،‬‬
‫‪ - 34‬المشرفي محمد محي الدين ‪ ،‬إفريقيا الشمالية في العصر القديم ‪ ،‬ط ‪ ، 4‬دار الكتب ‪،‬‬
‫لبنان ‪( ،‬ب‪ .‬س)‪.‬‬
‫‪ ،‬م‪(، 2‬د‪.‬ط) ‪ ،‬إش‪:‬‬ ‫‪ - 35‬منجتون ب‪.‬ىـ‪ .‬وار ‪( ،‬تاريخ إفريقيا العام) العصر القرطاجي‬
‫جمال مختار‪ ،‬المجنة العممية الدولية لتحرير تاريخ إفريقيا العام‪ ،‬اليونيسكو‪.1985 ،‬‬
‫‪ - 36‬ميران محمد بيومي ‪ ،‬مصر والشرق األدنى القديم ‪(،‬ب ‪،‬ط) م ‪ ، 4‬ج ‪ ، 1‬دار المعرفة‬
‫الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪.1989 ،‬‬

‫‪ - 37‬ميران محمد بيومي ‪ ،‬مصر والشرق األدنى القديم (المغرب القديم)‪ .‬دار المعرفة‬
‫الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬مصر‪1410 ،‬ىـ‪1990-‬م ‪.‬‬
‫‪ 1‬منشورات عويدات‪،‬‬ ‫‪ -38‬ميادان مادلين ىورس ‪ ،‬تاريخ قرطاج‪ ،‬تر‪ :‬إبراىيم بالش‪ ،‬ط‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪.1981 ،‬‬
‫‪104‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬

‫‪ -39‬ىسى ‪ .‬ج ‪ .‬م ‪ ،‬العالم البيزنطي ‪ ،‬تر‪ :‬رأفت عبد الحميد‪ ،‬دار روتبارنت ‪ ,‬مصر‪،‬‬
‫‪.1997‬‬
‫‪ - 41‬يوسف جوزيف نسيم ‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ،‬دار المعرفة البيزنطية ‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪.2005‬‬
‫‪ - 42‬يولم دنيس ‪ ،‬الحضارات اإلفريقية ‪( ،‬د ‪ .‬ط ) تر ‪ :‬عمي شاىين ‪ ،‬منشورات مكتبة‬
‫دار الحياة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪. 1974 ،‬‬
‫ثالثا – الرسائل الجامعية ‪:‬‬

‫‪ .I‬الدكتوراه ‪:‬‬

‫‪ - 1‬بن سعدي سميمان ‪ ،‬عالقات مصر بالمغرب القديم منذ فجر التاريخ حتى القرن‬
‫السابع قبل الميالد ‪ ،‬أطروحة دكتوراه دولة في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة ‪،‬‬
‫الجزائر ‪. 2009 /2008 ،‬‬
‫‪ - 2‬سالطنية عبد المالك ‪ ،‬المستوطنات الفينيقية – البونية ‪ ،‬أطروحة دكتوراه العموم في‬
‫التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة ‪ ،‬الجزائر ‪( ،‬ب ‪ ،‬س) ‪.‬‬
‫‪ - 3‬عيساوي ميا ‪،‬المجتمع الموبي في المغرب القديم ‪ ،‬من عصور ما قبل التاريخ إلى عشية‬
‫الفتح اإلسالمي ‪ ،‬أطروحة دكتوراه العموم في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري ‪ ،‬قسنطينة ‪،‬‬
‫الجزائر ‪.2010 - 2009 ،‬‬

‫‪ - 4‬عيش يوسف ‪ ،‬األوضاع االجتماعية واالقتصادية لبالد المغرب أثناء االحتالل البيزنطي ‪،‬‬
‫أطروحة دكتوراه دولة في التاريخ و آثار المغرب القديم ‪ ،‬كمية العموم اإلنسانية و االجتماعية ‪،‬‬
‫جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة ‪ ،‬الجزائر ‪. 2007 ،‬‬
‫‪ .II‬الماجستير والماستر‪:‬‬

‫‪ - 1‬بمعيد فاطمة الزىراء ‪ ،‬دراسة تنميطية و ايكونوغرافية لؤلنصاب البونية المحفوظة بمتحف‬
‫المسرح الروماني بقالمة ‪،‬مذكرة مكممة لنيل شيادة الماجستير في اآلثار ‪ ،‬جامعة قالمة ‪،‬‬
‫الجزائر ‪.2012 / 2011 ،‬‬

‫‪105‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬

‫‪ - 2‬بن خمفة عبد الرحمان ‪ ،‬الديانة الوثنية المغاربية القديمة (منذ النشأة إلى سقوط قرطاجة‬
‫‪ 146‬ق‪.‬م ) ‪،‬مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري ‪،‬‬
‫قسنطينة‪ ،‬الجزائر ‪.2008 / 2007 ،‬‬
‫‪ – 3‬العود محمد الصالح ‪ ،‬التحوالت الحضارية في شمال إفريقيا في الفترة الوندالية ( ‪– 534‬‬
‫‪ 429‬م) ‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري ‪ ،‬قسنطينة ‪،‬‬
‫الجزائر ‪ 2010 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -4‬قاسم محمد ‪ ،‬الوضعية االجتماعية و الديموغرافية لغرب موريطانيا القيصرية من ‪ 42‬م إلى‬
‫سنة ‪ 284‬م ‪ ،‬مذكرة مكممة لنيل شيادة الماجستير في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة وىران‪ ،‬الجزائر ‪،‬‬
‫‪.2010‬‬
‫‪ - 4‬عطاء اهلل عبد اهلل زيتونة ‪ ،‬األخوص حسن ‪ ،‬النصب النذرية النوميدية المحفوظة‬
‫‪ 30‬أنموذجا ‪ ،‬مذكرة مكممة‬ ‫بمتحف سيرتا بقسنطينة دراسة إحصائية تحميمية –‬
‫لمتطمبات الحصول عمى شيادة الماستر في تاريخ الحضارات القديمة ‪ ،‬جامعة الشييد‬
‫حمو لخضر ‪ ،‬الوادي ‪ ،‬الجزائر ‪. 2017 – 2016 ،‬‬

‫رابعا – المجالت والمقاالت‪:‬‬

‫‪ - 1‬الحويمى سميمان حامد‪ "،‬شعوب البحر في المصادر النصية و األثرية ومظاىر‬


‫الخمط في تمثيميم في النقوش المصرية "‪ ،‬مجمة اإلتحاد العام لآلثاريين العرب ‪ ،‬العدد ‪. 16‬‬

‫‪ – 2‬عيشوش حسينة ‪ ،‬مقارنة بين ضريح المدغاسن و الضريح الممكي الموريطاني من خالل‬
‫األبحاث والدراسات ‪( ،‬د ‪ .‬ط)‪(،‬د ‪ .‬د) ‪( ،‬د ‪ .‬ب) ‪ (،‬د‪ .‬س) ‪.‬‬

‫‪ - 3‬غانم محمد الصغير ‪ ،‬الممك سيفاكس والكيان السياسي النوميدي (مجمة التراث) ‪ ،‬ع ‪، 9‬‬
‫مطبعة الشياب ‪ ،‬باتنة ‪ ،‬الجزائر ‪.1997 ،‬‬

‫‪ – 5‬فوكو محمد ‪ ،‬مناطق سيل الشمف في ظل االحتالل الروماني ‪ ،‬مجمة عصور‬


‫الجديدة عدد ‪ ، 12 -11‬وىران ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬فبراير ‪. 2014‬‬

‫‪106‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬

‫خامسا – المعاجم و األطالس‪:‬‬

‫‪ -1‬محجوب عبد المنعم ‪ ،‬معجم تانيت ‪( ،‬ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬دار الكتب العممية ‪ ،‬لبنان ‪(،‬ب ‪ ،‬س)‪.‬‬
‫‪ - 2‬أطمس التاريخ القديم ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الشرق العربي ‪ ،‬بيروت ‪. 2009 ،‬‬

‫‪107‬‬
‫الفهرس‬
‫الفهرس‬

‫فهرس المحتويات‪:‬‬

‫الصفحة‬ ‫العنوان‬
‫قائمة المختصرات‬
‫أ‬ ‫مقدمة‬
‫‪05‬‬ ‫الفصل التمهيدي‪ :‬دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬
‫‪06‬‬ ‫المبحث االول‪ :‬الدراسة الطبيعية‬
‫‪14‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬دراسة بشرية‬
‫‪20‬‬ ‫الفصل االول‪ :‬بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪9‬ق‪.‬م– ‪2‬ق‪.‬م‬
‫‪21‬‬ ‫المبحث االول‪ :‬مممكة قرطاجة‬
‫‪31‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬الممالك الوطنية‬
‫‪47‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬بالد المغرب من بداية اإلحتالل الروماني الى ظهور الوندال‬
‫‪48‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬مقاطعة افريقيا الرومانية‬
‫‪52‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬بالد المغرب تحت الحكم الروماني‬
‫‪63‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإلحتالل الوندالي و البيزنطي لبالد المغرب‬
‫‪64‬‬ ‫المبحث االول‪ :‬اإلحتالل الوندالي‬
‫‪76‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬اإلحتالل البيزنطي‬
‫‪87‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪90‬‬ ‫المالحق‬
‫‪100‬‬ ‫المصادر والمراجع‬
‫‪108‬‬ ‫فهرس المحتويات‬

‫‪109‬‬

You might also like