0% found this document useful (0 votes)
475 views28 pages

ماهية التعمير المبادئ و الأسس

Uploaded by

mohamed raquibi
Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
0% found this document useful (0 votes)
475 views28 pages

ماهية التعمير المبادئ و الأسس

Uploaded by

mohamed raquibi
Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
You are on page 1/ 28

‫ﻣوﻗﻊ اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ اﻟﻣﻐرﺑﯾﺔ‬ www.elkanounia.

com ‫ﻟﻠﻣزﯾد ﻣن اﻟﻌروض زوروا‬

fb.com/Elkanounia.Ma twitter.com/ElkanouniaMa
‫جامعة محمد الخامس بالرباط‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‬
‫أكدال‬

‫مسلك اإلجازة في القانون العام‬


‫تخصص القانون اإلداري والمالية العامة‬

‫قانـون التعميـر‬

‫تأليف‬
‫األستـاذ عبـد اإلاله المكينسـي‬

‫طبعـة مزيـدة ومنقحـة من طرف‬


‫األستاذ الهادي مقداد‬

‫‪2020-2019‬‬
‫مقدمـة‬

‫إذا كان مفهوم التعمير قد ارتبط بظهور المدينة الصناعية الحديثة‪ ،‬وعرف تطورا ملحوظا مع‬
‫نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪ ،‬فإن مسألة تنظيم المدينة وتنميتها اقترنت بوجود المدن‬
‫العتيقة في العصور القديمة‪ .‬ويدلنا التاريخ أن جل المجتمعات القديمة سهرت على إنشاء تجمعات سكنية‬
‫مركزة ومنظمة ومحاطة‪ ،‬في غالب األحيان‪ ،‬بأسوار عالية بهدف حمايتها ضد غارات األعداء‪ .‬وعملت‬
‫على تنظيمها بشكل يخدم مختلف األنشطة المجتمعية‪ ،‬وجعلها مجاال مناسبا لنمو المجتمع وربط العالقات‬
‫االجتماعية واالقتصادية والثقافية والسياسة‪ .‬ولذلك تميزت المدن القديمة بتوفرها على مراكز السلطة‬
‫وأماكن السكنى والممرات واألزقة والساحات العمومية واألسواق والمعابد وغيرها‪.‬‬
‫و هناك مفكرون قدامى أمثال أرسطو وأفالطون وشيشرون وابن خلدون اهتموا بالمدينة وبدورها‬
‫في تنظيم العالقات داخل المجتمع‪ ،‬خاصة على المستوى السياسي واالجتماعي‪ .‬فالمدينة هي التي كانت‬
‫تسمح بالعيش الجماعي وتوفر مجموعة من المساكن أو األحياء التي تتوسطها أسواق ومعابد وساحات‬
‫عمومية ذات استعمال مشترك‪ .‬بل كانت هي أساس الدولة لدى المفكرين اليونان‪ :‬تجمع سكاني محصن‬
‫يتحول إلى مدينة (‪ .1)Urbs‬ويعتبر المفكر اليوناني هيبودام )‪ (Hippodame‬من أقدم المهندسين‬
‫المعماريين الذين تجاوزوا االهتمام بالمساكن ليفكروا في بناء المدينة بشكل منسجم ومتناسق‪ .‬وكان من‬
‫األوائل الذين ابتكروا فكرة التخطيط لتصفيف المنازل وشق األزقة والطرقات بشكل متوازي ومستقيم‪،‬‬
‫فسماه غوستاف كلوتز (‪ )Gustave Glotz‬في كتابه "المدينة اليونانية" المهندس عالم االجتماع‬
‫(‪ .2)architecte sociologue‬وقد عرفت حضارات أخرى من بينها الحضارة البابلية والحضارة‬
‫الرومانية والحضارة اإلسالمية أنماطا مختلفة لتنظيم مدنها وتجمعاتها السكنية‪.‬‬
‫لذلك ارتبط مفهوم المدينة بمفهوم العمران أو التحضر الذي يعنى به استقرار الساكنة بمجال‬
‫ترابي محدد يسمح لها ببلورة نمط معيشي اجتماعي واقتصادي وثقافي مختلف عما هو متعارف عليه في‬
‫المجاالت أو المناطق الزراعية‪ .‬ويرى ماكس فيبر (‪ )Max Weber‬أن المدينة التختزل في مسكن واحد‬
‫أو عدة مساكن مشيدة بشكل متفرق‪ ،‬بل تعني على كل حال تكتال سكنيا‪ ،‬أي مجاال محليا تشيد فيه المنازل‬
‫قريبة جدا بعضها بالبعض‪ ،‬ولها وظائف متعددة تجارية واقتصادية وسياسية وإدارية واجتماعية‪ .3‬ولذلك‬
‫فإن المدينة هي في نفس الوقت إقليم وسكان‪ :‬هي إطار مادي ومجال للعيش المشترك‪ ،‬تتشكل فيها مجموعة‬
‫من البنايات والتجهيزات‪ ،‬وتربط فيها العديد من العالقات بين فئات المجتمع‪.4‬‬
‫ويمكن القول إن نشأة المدن وتطورها مع مرور الزمن كان من أهم أسباب ظهور فكرة التنظيم‬
‫ثم فكرة التخطيط لتنظيم مختلف جوانب حياة المجتمع‪ ،‬من سكن ومرافق وتجهيزات وفرص الشغل‬
‫والتواصل‪ ،‬في المدينة أو فيما أصبح يطلق عليه في علم التعمير "المجال الحضري"‪ .‬غير أن التعمير‬
‫كسياسة وكتخطيط واعي لتنظيم المجاالت الحضرية ظهر كما سبقت اإلشارة مع ظهور المدينة الحديثة‬
‫ومع إصدار بعض الكتابات األولى في هذا المجال مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪.‬‬
‫وتعتبر كل من كتابات المهندس اإلسباني إلديفونصو سيردا (‪ )Ildefondo Cerda‬حول تعمير مدينة‬

‫‪1‬‬
‫‪Marcel Prélot et Georges Lescuyer, «Histoire des idées politique», 7° édition, Dalloz, paris, p. 125.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Op. cit., pp. 26-27.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Max Weber, « La ville », éd. Aubier Montaigne, Paris, 1982, p. 17.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Yves Grafmeyer, « Sociologie urbaine », éd. Nathan, Paris, 1994, p. 8.‬‬
‫برشلونة سنة ‪ ،1876‬وكتابات المهندس الفرنسي هنري بروست (‪ )Henri Prost‬حول ظاهرة التعمير‬
‫بالمغرب وفرنسا في بداية القرن العشرين من األعمال المؤسسة لفلسفة التعمير وتنظيم المجاالت الحضرية‬
‫(التخطيط الحضري)‪.‬‬
‫ويعد المغرب من بين أوائل الدول التي توفرت‪ ،‬مع بداية عهد الحماية‪ ،‬على نظام قانوني مدون‬
‫في ميدان التعمير‪ .‬هذا النظام الذي أخذ كمنهاج من طرف دول عديدة أخرى نظرا للدور الذي استطاع أن‬
‫يلعبه في إعداد وتهيئة مجموعة من المدن المغربية خالل حقبة من الزمن‪ .‬وقد عمدت سلطات الحماية‬
‫آنذاك إلى اعتماد هذا القانون بالمغرب وبمستعمرات أخرى بهدف التجربة قبل نقله إلى فرنسا ابتداء من‬
‫نهاية الحرب العالمية األولى‪ .‬وهناك أحياء عديدة من مدن مراكش أو الرباط أو فاس الزالت شاهدة على‬
‫عظمة العمران والمعمار المغربيين وعلى االنسجام المطلق بين التخطيطات واألشكال العمرانية والهندسية‬
‫التي انبثقت عنها‪ .‬إال أن االرتباط بين القانون والواقع أخذ ينفصم تدريجيا لعدم احترام األبعاد المتعددة‬
‫لقانون التعمير من اجتماعية واقتصادية وعقارية وتقنية وتنموية ‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫إن العالقة بين قانون التعمير وتحسين واقع المدن المغربية ترتبط ارتباطا وثيقا بمدى تحكم‬
‫السلطات العمومية في النمو العمراني للمجاالت الحضرية‪ ،‬ومدى نجاعة التخطيط العمراني وإعداد التراب‬
‫الوطني ‪ ،‬وقدرة المؤسسات المتدخلة في القطاع على تنزيل مقتضيات القانون وتوجهات وثائق التعمير‬
‫بكيفية سليمة‪.‬‬
‫ولعل دراسة قانون التعمير بأبعاده المتعددة يتطلب منا كمدخل للموضوع تحديد مجموعة من‬
‫المفاهيم والمصطلحات المرتبطة ارتباطا وثيقا بهذا الفرع من القانون‪ ،‬كمفاهيم التعمير والتخطيط والتمدن‬
‫والتوسع الحضري‪ ،‬ثم معالجة األسس والمباديء التي يقوم عليها هذا القانون‪ ،‬والمراحل التاريخية التي‬
‫مر منها‪ ،‬وأخيرا إلقاء نظرة على اإلدارة المكلفة بالتعمير في المغرب سواء على المستوى المركزي أو‬
‫المحلي‪.‬‬
‫‪ -1‬تحديد المفاهيم والمصطلحات‬

‫هناك تعريفات مختلفة للتعمير‪ ،‬وهناك مصطلحات ومفاهيم حديثة نشأت وتطورت مع نشوء‬
‫وتطور فلسفة التعمير‪ .‬فمن المعلوم أن انشغال الدولة بقضايا المجتمع تزايد بشكل كبير بعد الحربين‬
‫العالميتين األولى والثانية‪ .‬ومن بين المشاكل التي واجهتها الدول آنذاك إعادة البناء والتجهيز والتخطيط‬
‫إلعادة اإلعمار (سياسة التعمير)‪ ،‬وتوافد سكان القرى على المدن بحثا عن فرص الشغل وعن حياة أفضل‬
‫(ارتفاع نسبة التمدن)‪ ،‬وتوسع المجاالت الحضرية على حساب المجال القروي‪.‬‬
‫‪ - 1.1‬التمـدن‬
‫يعرف الكاتب األمريكي جان كاليد ميتشال (‪ )Jean Clyde Mitchel‬التمدن بأنه "عملية‬
‫االستقرار بالمدينة"‪ .5‬فالتمدن انطالقا من هذا التعريف يعني عملية التركيز المستمر للسكان في الكتل‬
‫العمرانية الحضرية‪.‬‬
‫وهذا التعريف‪ ،‬بالرغم من صحته‪ ،‬يظل غير تام ألنه ال يأخذ بعين االعتبار إال عنصرا وحيدا‬
‫من الظاهرة الحضرية وهو السكان‪ .‬فمصطلح التمدن يحتوي على معنى أوسع‪ ،‬ويعني في نفس الوقت‬
‫تنظيم وتجهيز مجال جغرافي معين من أجل تنمية أو خلق كتلة عمرانية‪ ،‬كما قد يعني النمو العمراني‬
‫لجماعة معينة من السكان‪.‬‬
‫فالتمدن إذن له معنيان ‪ :‬المعنى األول مادي يتجلى في عملية نمو المدن وتوسعها وخلق مدن‬
‫جديدة وتهيئتها وتجهيزها‪ .‬والمعنى الثاني ديمغرافي يتمثل في تزايد تركيز السكان في المدن ونمو عددهم‬
‫باستمرار وتنوع حاجياتهم االجتماعية واالقتصادية والثقافية‪.‬‬
‫ويعتبر عنصر السكان من العناصر األساسية المكونة للظاهرة الحضرية ألن الحركة السكانية‬
‫تعد من بين الموجهات الرئيسة للنمو الحضري أي التمدن‪ .‬فالهجرة من البادية إلى المدينة مثال تعتبر من‬
‫العوامل األساسية التي تتحكم في توسع المجال الحضري وتطوره‪ .‬ولعل تتبع الحركة السكانية مثال كمحور‬
‫للظاهرة الحضرية يساعدنا على استقصاء العوامل التي دفعت بمجموعة من السكان إلى اختيار المدينة‬
‫كمقر دائم لهم‪ ،‬وما هو سبب التركيز البشري في الكتل العمرانية الحضرية‪.‬‬
‫إن ظاهرة التمدن لم تطرح كمشكلة إال في بداية القرن العشرين‪ .‬وخالل القرن التاسع عشر لم‬
‫يكن سكان الحواضر يتجاوزون ‪ % 3‬من مجموع سكان العالم؛ وفي سنة ‪ 1950‬انتقل هذا العدد إلى ‪30‬‬
‫‪ ، %‬ثم إلى ‪ % 47‬في بداية القرن الحالي أي سنة ‪ .2000‬وقد أصبح عدد المدن التي يفوق عدد سكانها‬
‫مليون نسمة أكثر من ‪ 213‬مدينة بينما فاق عدد المدة التي يتعدى سكانها عشرة ماليين نسمة ‪ 23‬مدينة‬
‫عبر العالم‪.‬‬
‫فالثورة الصناعية كانت مصحوبة في غالب األحيان بتمدن سريع ناتج عن نمو ديمغرافي سريع‬
‫ومغادرة سكان البوادي لألعمال الفالحية قصد البحث عن عمل في الميدان الصناعي وتحسين مستوى‬
‫العيش العائلي‪ .‬غير أن هذا ال يعني بأن التمدن والتصنيع متالزمان في جميع األحوال‪ ،‬أو أن التمدن ناتج‬
‫فقط عن التصنيع أو يعتبر من نتائجه الحتمية‪ .‬فقد نجد في بعض الدول أن ظاهرة التمدن صاحبت عملية‬
‫التصنيع (الدول المصنعة)‪ ،‬بينما عرفت دول أخرى تمدنا وصل إلى درجة كبرى ال توازي ما وصل إليه‬
‫التصنيع‪ ،‬ودول أخرى شهدت نموا صناعيا ضخما دون ان تعرف حركة التمدن فيها نشاطا يوازي هذا‬
‫التقدم الصناعي المتقدم‪ .‬فمثال نالحظ أن سويسرا عرفت تقدما صناعيا كبيرا دون تمدن نشيط موازي‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫‪Jean Clyde Mitchel, « Urbanisation, detribalisation and stabilisation in southerns : a problem of definition and‬‬
‫‪measurement”, Rapport de l’UNESCO, “Aspects sociaux de l’urbanisation et de l’industrialisation en Afrique au‬‬
‫‪Sud Sahara », UNESCO, Paris, 1956.‬‬
‫بينما شهدت الصين في المقابل ومنذ القدم تكتالت عمرانية ضخمة دون أن يلعب التصنيع أي دور في‬
‫ذلك‪.6‬‬
‫وإذا رجعنا إلى دول العالم الثالث فإننا سنالحظ أن التمدن قد اكتسى خطورة كبرى لكونه جاء‬
‫نتيجة االستعمار‪ ،‬وبات من المشاكل األساسية التي وجب إيجاد حلول لها بموازاة مع مشاكل التنمية‬
‫األخرى‪.‬‬
‫إن عملية التمدن ظاهرة معروفة في الدول المتقدمة والدول النامية؛ فهي ظاهرة عالمية‪ .‬والنمو‬
‫العمراني السريع له بالضرورة نتائج أكثر خطورة على الدول األقل نموا‪ ،‬وذلك الرتكازه على مجموعة‬
‫كبرى من المتطلبات والمجهودات التي تستطيع الدول المتقدمة أن تتغلب عليها نسبيا بسبب استقرارها‬
‫السياسي واالقتصادي ومستوى العيش المالئم وتنظيم وليونة البنيات االجتماعية وغيرها ‪ .7 ...‬أما دول‬
‫العالم الثالث فتعاني من الظاهرة بسبب عدم التوازن االقتصادي واالجتماعي وتباين مستوى الدخل بين‬
‫البادية والمدينة‪.‬‬
‫ولقد اكتسى مشكل التمدن أهمية كبرى بمختلف دول العالم‪ ،‬مما دفع البعض إلى اعتباره "أهم‬
‫ظاهرة عرفها النصف الثاني من القرن العشرين" ‪ .8‬ففي فرنسا عرف المجتمع الفرنسي هذه الظاهرة منذ‬
‫سنوات األربعينات من القرن الماضي‪ ،‬حيث إن عدد السكان الحضريين كانوا يمثلون على التوالي نسبة‬
‫‪ % 53‬من مجموع السكان سنة ‪ ،1946‬ونسبة ‪ % 61‬سنة ‪ ،1962‬ليصل إلى ‪ % 70‬في سنة ‪ ،1970‬ثم‬
‫إلى ‪ % 83‬في سنة ‪ ،1985‬و‪ % 85‬سنة ‪ .2010‬ويبلغ حاليا حسب اإلحصائيات األخيرة ‪.......‬‬
‫أما في المغرب فإن بوادر التمدن بمفهومه الحالي لم تظهر إال في بداية القرن الماضي مع مجيء‬
‫عهد الحماية‪ .‬هذا الحدث الذي خلق تحوالت جذرية في البنية االقتصادية واالجتماعية والثقافية أثرت في‬
‫الحياة العادية للمواطن المغربي وفي التوازن بين المدينة التي اهتمت بها سلطات الحماية والبادية التي‬
‫بقيت على حالها‪ .9‬فاختيارات التصنيع التي مارستها سلطات الحماية‪ ،‬وخلق أنشطة جديدة وتبني نوع جديد‬
‫من اإلدارة والتسيير‪ ،‬وتغيير العالقة بين اإلدارة والمنتفعين‪ ،‬واألزمة االقتصادية العالمية لسنة ‪،1929‬‬
‫كلها عوامل أدت إلى اإلعالن عن ميالد وضعية جديدة في المغرب هي التمدن‪ .‬غير أن هذه الظاهرة لم‬
‫تشكل أزمة في المغرب إال بعد األزمة االقتصادية الكبرى‪ ،‬خاصة ابتداء من سنة ‪ ،1931‬حيث وصلت‬
‫آثار هذه األزمة إلى المغرب‪ ،‬فمست القطاع الفالحي‪ ،‬وترتب عن ذلك هجرة مجموعة كبرى من العاملين‬
‫في هذا القطاع إلى المدينة بحثا عن فرصة عمل يستطيعون بواسطتها مواصلة العيش‪ .‬إال أن األزمة‬
‫بالمدينة لم تكن أخف منها في البادية‪ ،‬مما جعل المجاالت الحضرية الناشئة آنذاك تعرف مشكلتين في آن‬
‫واحد‪ :‬مشكلة مرتبطة باألزمة االقتصادية‪ ،‬وأخرى ناتجة عن التمدن‪ .‬وكان اجتماع هاتين المشكلتين سببا‬
‫في بروز ظواهر حضرية جديدة هي مدن الصفيح والدواوير العشوائية واكتظاظ المدن العتيقة بالسكان‪،‬‬
‫ثم البطالة والمشاكل االقتصادية المترتبة عن سياسة الحماية‪.10‬‬
‫ففي سنة ‪ 1914‬كان عدد سكان المدن بالمغرب‪ ،‬حسب تقدير للوضعية قامت به سلطات الحماية‪،‬‬
‫حوالي ‪ 650.000‬نسمة؛ وفي سنة ‪ 1926‬بلغ حوالي مليون نسمة‪ ،‬بينما تراوح مابين ‪ 1.300.000‬و‬
‫‪ 1.500.000‬نسمة في سنة ‪ .1936‬ومابين سنتي ‪ 1960‬و ‪ ،1971‬أي بعد الحصول على االستقالل‪،‬‬
‫انتقل عدد السكان الحضريين من ‪ .....‬إلى ‪ 5.400.000‬نسمة (إحصاء سنة ‪ .)1971‬والمالحظ أن عدد‬
‫سكان المناطق القروية لم يرتفع إال بنسبة ‪ % 1.8‬بينما ازداد عدد سكان المدن بنسبة ‪ ،% 4.8‬وقد مر‬

‫‪6‬‬
‫‪Gerald Brosso, « Urbanisation et tradition », les éditions internationales, 1969.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Abdel Ilah Mkinsi, « Le droit marocain de l’urbanisme », publications de l’I.N.A.U, Rabat, 1989, p. 3.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Edgard Pisani, débats de l’assemblée nationale française lors de la discussion de la loi française de 1967,‬‬
‫‪séance du 8 novembre 1966.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪Saâd Benzakour, « Essai sur la politique urbaine au Maroc 1912-1975. Sur le rôle de l’Etat », Les éditions‬‬
‫‪Maghrébines, Casablanca, 1978, p. 59.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪E. Escalier, La croissance urbaine au Maroc », Annuaire d’Afrique du Nord, 1972, p. 145.‬‬
‫معدل التمدن من ‪ % 29‬إلى ‪ % 35‬خالل هذه الفترة‪ ،‬الشيء الذي جعل النمو الديمغرافي وحركة السكان‬
‫يسيران في اتجاه المزيد من التمدن‪.11‬‬
‫أما بين سنتي ‪ 1971‬و ‪ 1982‬فإن الوضعية بقيت على ما هي عليه مع نقصان طفيف في مستوى‬
‫التمدن‪ .‬وهكذا فإن عدد سكان المدن أصبح‪ ،‬حسب إحصاء ‪ ،1982‬يناهز ‪ 8.730.399‬نسمة؛ وعرف‬
‫خالل هذه الفترة نموا سنويا يقدر ب ‪ ،% 4.4‬فبات السكان الحضريون يمثلون نسبة ‪ % 42.75‬من مجموع‬
‫سكان المغرب‪.‬‬
‫وخالل إحصاء سنة ‪ 1994‬ارتفعت نسبة السكان الحضريين إلى ‪ ،% 51‬حيث بلغ عددهم‬
‫‪ 13.407.853‬نسمة مقابل ‪ 12.665.882‬نسمة في العالم القروي‪ .12‬وتأكد هذا االتجاه التصاعدي في‬
‫إحصاء سنة ‪ ،2004‬فبلغت نسبة سكان المدن ‪ % 55‬بما مجموعه ‪ 16.463.634‬نسمة مقابل‬
‫‪ 13.428.074‬نسمة )‪ (% 45‬يقطنون بالمناطق القروية‪.‬‬
‫وحسب أخر إحصاء للسكان والسكنى لسنة ‪ 2014‬فإن عدد السكان القانونيين بالمغرب بلغ‬
‫‪ 33.848.242‬نسمة موزعين كالتالي‪ :‬عدد سكان المدن ‪ 20.432.439‬وعدد سكان العالم القروي‬
‫‪ .1313.415.803‬وقد باتت نسبة التمدن تمثل ‪ ،% 60.3‬أي أن غالبية سكان المغرب أصبحت تقطن حاليا‬
‫بالمناطق الحضرية‪ ،‬ولم يعد باإلمكان اعتبار المغرب بلدا قرويا كما كان عليه األمر قبل سنوات الثمانينات‬
‫من القرن الماضي‪.‬‬
‫‪ - 2.1‬التعمير‬
‫يقابل مصطلح "التعمير" في اللغة الفرنسية مصطلح "‪ ،"Urbanisme‬وهو كلمة مشتقة من‬
‫الكلمة الالتينية "‪ ،"Urbs‬وتعني المدينة‪ .‬ولذلك فإن التعمير‪ ،‬فلسفة وهندسة وقانونا‪ ،‬ظل مرتبطا بالمدينة‬
‫وبتنميتها (التهيئة والتنمية الحضرية)‪.‬‬
‫غير أن هذا المصطلح لم يتضح مفهومه إال بعد فترة طويلة من الممارسة‪ .‬فنجده مثال في ظهير‬
‫‪ 16‬أبريل ‪ 1914‬كان يعني تصاميم التصفيف‪14‬؛ وفي القانون الفرنسي بتاريخ ‪ 14‬مارس ‪ 1919‬كان‬
‫يعني مشاريع تهيئة وتجميل وتوسع المدن‪15‬؛ أما لدى الكتاب والباحثين فتارة اعتبروه فنا وتارة أخرى‬
‫علما أو فلسفة أو سياسة عمومية‪.‬‬
‫فبالنسبة للباحث الفرنسي شارل هيبر (‪ )Charles Hubert‬فهو "علم تنمية المدينة"‪ ،‬هدفه‬
‫األساسي تحقيق نمو منسجم للمدينة ‪ .16‬وفي نظر الكاتب لوي جاكينيون (‪" )Louis Jacquignon‬يمكن‬
‫القول إن التعمير هو فن تهيئة المدن أو علم المدينة أو علم الكتل العمرانية التي تشكل نوعا من التكامل‬
‫واالستمرارية‪ ،‬وتخصص أساسا للسكنى والعمل والتبادل االجتماعي"‪ .17‬وبالنسبة للباحثين جان ماري‬
‫أوبي وروبير دوكوس أدير (‪ )Jean Marie Auby – Robert Ducos Ader‬فإن التعمير هو مجموعة‬

‫‪11‬‬
‫‪M’hammed Dryef, « urbanisation et droit de l’urbanisme au Maroc », CNRS éditions, Paris, 1993, p. 32.‬‬
‫‪ 12‬نعني بالسكان الحضريين حسب المفهوم القانوني سكان التكتالت العمرانية المنظمة في إطار عماالت أو بلديات حسب التقسيم الترابي للمملكة‬
‫آنذاك‪.‬‬
‫‪ 13‬حسب توقعات المندوبية السامية للتخطيط ( ‪ )Horloge de la population‬ناهز عدد السكان القانونيين بالمغرب ‪ 35.463.093‬نسمة في‬
‫فاتح مارس ‪.2019‬‬
‫راجع الموقع اإللكتروني للمندوبية السامية للتخطيط‪www.hcp.ma :‬‬
‫‪14‬‬
‫‪Les plans d’alignement.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪Les projets d’aménagement, d’embellissement et d’extension des villes.‬‬
‫‪16‬‬
‫‪Charles Hubert, "Les principes de l’urbanisme », éd. Dalloz, Collection connaissance du droit, Paris, 1993, p. 1.‬‬
‫‪17‬‬
‫‪Pour Louis Jacquignon « on peut dire que l’urbanisme, c’est l’art d’aménager les villes ou encore la science de‬‬
‫‪la ville ou la science des agglomérations présentant une certaine continuité et essentiellement destinées à‬‬
‫» ‪l’habitation, au travail et aux échanges sociaux‬‬
‫‪Louis Jacquignon, « le droit de l’urbanisme, cités actuelles et villes nouvelles », 6ème plan 1971-1975, éd.‬‬
‫‪Eyrolles, Paris, p. 2.‬‬
‫التي من شأنها أن تعمل على تحقيق نمو متناسق‬ ‫‪18‬‬
‫التدابير التقنية والقانونية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫ومنسجم ومعقول وإنساني للكتل العمرانية‪.19‬‬
‫أما كاستون باردي (‪ )Gaston Bardet‬فإنه يعتبر أن التعمير علم وفن وفلسفة‪ :20‬فهو علم ألنه‬
‫يستقصي المشاكل ويدرس الوقائع ويبحث عن األسباب األساسية بطريقة منهجية‪ ،‬وبعد تحليلها تحليال دقيقا‬
‫يخرج بمباديء أو قواعد عامة؛ وهنا ينقلب إلى فن أساسه خلق نظريات وأطروحات جديدة تطبق على‬
‫األحجام التي يأوي إليها اإلنسان‪ .‬لكن تطبيق هذا الفن بعد دراسته علميا يستدعي اختيارين أساسين‪ :‬اختيار‬
‫المكونات الحضرية التي تستوجب العناية أو التغيير أو اإلنشاء‪ ،‬واختيار التطبيق المتيسر‪ .‬وهذان‬
‫االختياران يقودان إلى توضيح القيم اإلنسانية‪ ،‬وهما بالضرورة فلسفة‪.21‬‬
‫فالتعمير إذن علم وفن وفلسفة يتجلى عن طريق مجموعة من التدابير التقنية واالقتصادية‬
‫والقانونية واالجتماعية الهادفة إلى خلق نمو متناسق معقول وإنساني للمجال المشيد والغير مشيد‪.‬‬
‫‪ - 3.1‬قانون التعمير‬
‫كان مجال تدخل اإلدارة في السابق يقتصر على ميادين محددة‪ ،‬ثم أخذ يتوسع تدريجيا بعد‬
‫الحربين العالميتين ليكتسح ميادين كانت في الماضي متروكة لمبادرة الخواص‪ .‬وقد اتخذ هذا التدخل في‬
‫البداية صبغة توجيهية‪ ،‬ثم تطور لكي يتخذ في عصرنا الحالي صيغة تدخل مباشر للقيام بمجموعة من‬
‫األنشطة والعمليات باسم المنفعة العامة‪.‬‬
‫وقد نتج عن توسع نشاط اإلدارة هذا تداخل بين مجاالت عملها ومجاالت نشاط الخاص‪ ،‬الشيء‬
‫الذي جعل الدولة تجد نفسها مرة أخرى ملزمة بالتدخل لتنظيم العالقات بين اإلدارة والخواص حتى ال‬
‫يتعدى قطاع على حقوق وامتيازات القطاع اآلخر‪ .‬ولهذا كان من الضروري سن مجموعة من النصوص‬
‫القانونية التي من شأنها توضيح حدود المجاالت التي تدخل في إطار المبادرة الخاصة (المنفعة الخاصة)‬
‫والمجاالت التي اكتسبت صفة العمومية (المنفعة العامة)‪ .‬فبادرت بعض الدول ومن بينها المغرب (ظهير‬
‫‪ )1914‬إلى وضع أولى قواعد التعمير مثل السويد (قانون ‪ )1874‬وهولندا (قانون ‪ )1901‬وبريطانيا‬
‫(قانون ‪ )1909‬وفرنسا (قانون ‪.)loi Cornudet – 1919‬‬
‫فالتعمير إذن باعتباره مجموعة من المجاالت التي تتداخل فيها المبادرة الخاصة وحق الملكية مع‬
‫المبادرة العمومية التي تتم باسم المنفعة العامة‪ ،‬قد استدعى تدخل الدولة لتنظيمه بعدد من النصوص القانونية‬
‫لضمان تحقيق نوع من التوازن بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة‪ .‬وقد جاء في بداية األمر في شكل‬
‫شرطة إدارية تنظم استعمال الملكية الخاصة حتى التتعارض مع مصلحة المجتمع‪ .‬ومع مرور الوقت‪،‬‬
‫خاصة بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬انخرطت قواعد التعمير في التوجه نحو التهيئة والتخطيط العقالني لنمو‬
‫المناطق الحضرية‪.22‬‬

‫‪ 18‬أي مامعناه مجموعة من التدخالت العمومية التي يجب أن تتم في إطار سياسة عمومية متكاملة تستحضر مختلف الجوانب التقنية والقانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫‪Jean Marie Auby – Robert Ducos Ader, « Droit administratif- Fonctions, biens et travaux », précis Dalloz,‬‬
‫‪Paris, 1973, pp. 733 et 735.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪Gaston Bardet, « Problèmes d’urbanisme », Bibliothèque QSB Dunord, Paris, 1941, P.6.‬‬
‫‪21‬‬
‫‪Pour Gaston Bardet, « … il n’est sidérant de discuter si l’urbanisme est une science ou un art… L’urbanisme‬‬
‫‪est un ensemble de disciplines. L’urbanisme est tout d’abord une science qui s’attaque à la connaissance des‬‬
‫‪choses, étudie méthodiquement les faits, recherche les causes premières, puis après un travail rigoureux‬‬
‫‪d’analyse, en synthèses successives, de déterminer sinon les lois, du moins les principes directeurs ; sur cette‬‬
‫‪base peut s’ériger un art appliqué qui passe à l’action, à la création de synthèses nouvelles, matérialisant par‬‬
‫‪un jeu de pleins et de vides les volumes où s’abritent les groupes sociaux ; l’analyse scientifique, nécessite un‬‬
‫‪double choix : choix des composants urbains à soigner, modifier, créer, et choix des applications possibles. Ce‬‬
‫‪double choix impliquant la détermination des valeurs humains, c’est par essence une philosophie ».‬‬
‫‪22‬‬
‫‪Jacqueline Morand-Deviller, Droit de l’urbanisme, 5° édition, Dalloz, 2001, p. 3.‬‬
‫هذه النصوص أو القواعد القانونية هي ما نطلق عليها قانون التعمير الذي يعرف بأنه "مجموعة‬
‫القواعد القانونية التي تلزم اإلدارة باسم المنفعة العامة والخواص باسم الدفاع عن المصلحة الخاصة على‬
‫تنسيق نشاطهم من أجل تهيئة الكتل العمرانية"‪.23‬‬
‫ويكتسي الجانب القانوني لميدان التعمير أهمية خاصة لكونه يعد اإلطار الذي يدخل فيه النشاط‬
‫التقني واالقتصادي واالجتماعي ليخرج على هيئة ضوابط وقواعد قانونية ملزمة تعد بمثابة المحرك‬
‫والموجه لسياسة التعمير‪ :‬فالمعطيات التقنية واالقتصادية واالجتماعية تخرج على هيئة قواعد قانونية‬
‫ومخططات تلزم اإلدارة بالتدخل للدفاع عن المنفعة العامة وتؤطر الخواص خالل ممارستهم ألنشطتهم‬
‫الخاصة‪ ،‬مع العمل على خلق تنسيق بين المبادرة الخاصة والعمومية من أجل تهيئة وتنمية التكتالت‬
‫العمرانية‪.‬‬
‫من خالل هذا التعريف بقانون التعمير يتجلى لنا بأن هذا الفرع من فروع القانون قد نشأ وتبلور‬
‫بطريقة تدريجية جعلت من الالزم اعتباره مادة مستقلة بذاتها‪ .‬وهنا يمكننا أن نتساءل عن درجة هذا‬
‫االستقالل‪ ،‬وهل معناه استقالل هذا الفرع عن كل الفروع األخرى للقانون‪ ،‬أم أنه ينتمي إلى أحد الفرعين‬
‫الرئيسين‪ ،‬القانون العام أو القانون الخاص؟‬
‫إن استقالل قانون التعمير عن فروع القانون األخرى ال يعني بتاتا استقالله عن أحد الفرعين‬
‫الرئيسيين للقانون؛ فإدا نحن عرفنا القانون الخاص بأنه ذلك الفرع الذي يجمع القواعد القانونية المنظمة‬
‫للعالقات بين الخواص خالل ممارستهم لنشاط يهدفون من ورائه تحقيق مصلحتهم الخاصة؛ وإذا نحن‬
‫عرفنا القانون العام بأنه ذلك الفرع من القانون الذي يجمع كل القواعد القانونية التي تسير نشاط الدولة‬
‫والخواص في سلوكهما من أجل تحقيق أو مراعاة المصلحة العامة؛ أو بمعنى آخر مجموعة القواعد التي‬
‫تطبق على أنشطة الدولة ومؤسساتها وموظفيها في عالقتهم مع بعضهم ومع الخواص‪ .‬وإذا نحن قلنا بأن‬
‫القانون اإلداري هو ذلك الفرع من القانون العام الذي ينظم اإلدارة بمعناها العضوي والوظيفي‪ ،‬أي دراسة‬
‫األجهزة اإلدارية التي تؤمن تدخالت الدولة في حياة األفراد‪ ،‬ودراسة كل أنشطة هذه األجهزة في عالفتها‬
‫بالخواص‪ ،‬فإننا سنتوصل إلى نتيجة مفادها أن قانون التعمير جزء من القانون اإلداري‪ ،‬ألنه يهتم بدراسة‬
‫األجهزة اإلدارية المكلفة بإدارة شؤون التعمير من جهة‪ ،‬وبدراسة النشاط الذي تقوم به هذه األجهزة‬
‫للحرص على تطبيق القانون المعمول به في مجال التعمير واستعمال األراضي من جهة أخرى‪ .‬وهو إذن‬
‫ي عتبر فرعا من فروع القانون العام ألنه يهتم بدراسة الهياكل اإلدارية واألنشطة المختلفة للقطاع العام‬
‫والقطاع الخاص في ميدان التعمير بوازع تحقيق التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪Louis Jacquignon, ouvrage précité.‬‬
‫‪ -2‬أسس ومباديء قانون التعمير‬

‫عرفت بعض الدول المتقدمة البدايات األولى لقانون التعمير في نهاية القرن التاسع عشر وبداية‬
‫القرن العشرين‪ .‬وكان الباعث األول لنشوء وتطور هذا القانون هو حرص السلطات العمومية على تصفيف‬
‫الطرق العمومية واألبنية والحفاظ على صحة وسالمة السكان‪ .‬فتم وضع أولى القواعد القانونية التي تلزم‬
‫الخواص باحترام تصاميم التصفيف (ظهير ‪ 16‬أبريل ‪ 1914‬المتعلق بالتصفيف وتهيئة المدن وتوسيعها‪)24‬‬
‫ومراعاة السالمة والصحة العمومية (ظهير‪ 25‬غشت ‪ 1914‬المتعلق بتنظيم المحالت المضرة بالصحة‬
‫والمحالت المزعجة والمحالت الخطرة‪ . ) 25‬وتوالت النصوص القانونية بهدف تنظيم عمليات التعمير‬
‫وتزويد المناطق العمرانية بالتجهيزات األساسية والمرافق العمومية‪ .‬واكتسبت ألجل ذلك قوة إلزامية تجاه‬
‫الخواص أصحاب األراضي باسم تحقيق المنفعة العامة (إلزامية الحصول على إذن مسبق من اإلدارة‪،‬‬
‫واحترام الحرمات واالرتفاقات المفروضة على األراضي لفائدة الملك العمومي والمرافق العمومية‪ ،‬ونزع‬
‫الملكية لتحقيق المنفعة العامة)‪.‬‬
‫وهناك على العموم مجموعة من المباديء واألسس التي قام عليها قانون التعمير‪ .‬ذلك أن فلسفة‬
‫التعمير تطورت مع تزايد انشغال السلطات العمومية بتطور المدن وتوسعها العمراني السريع‪ .‬فأضحت‬
‫مسألة النمو الحضري ترتبط أساسا بقضايا التنمية االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ .‬كما أن جل التدخالت‬
‫العمومية اعتمدت على بعض المباديء األساسية مثل التأطير والتخطيط وتحقيق المنفعة العامة وضرورة‬
‫مساهمة الخواص في المجهودات التي تقوم بها الدولة لتهيئة وتجهيز المناطق العمرانية‪.‬‬
‫‪ - 1.2‬مبدأ المنفعة العامة‬
‫كانت عمليات البناء وتقسيم األراضي‪ ،‬قبل ظهور قانون التعمير‪ ،‬تدخل في إطار المبادرة الخاصة‬
‫وحق الملكية‪ .‬وكانت تتم من طرف الخواص دون مراعاة لحاجيات الجماعة من طرق وقنوات ومساحات‬
‫خضراء ومرافق إدارية واجتماعية‪ .‬لكنه مع تزايد حاجيات المجتمع في هذا المجال‪ ،‬ومع اهتمام الدولة‬
‫بقضايا التنظيم الحضري‪ ،‬اكتست التجهيزات األساسية والمرافق العمومية طابعا اجتماعيا‪ ،‬حيث اعتبرتها‬
‫السلطات العمومية خدمات ذات منفعة عامة للمجتمع‪ ،‬واليمكن لألفراد تحقيقها بمحض إرادتهم‪ ،‬كما اليمكن‬
‫أن يعول عليهم لتحقيق المصلحة العامة‪ .‬وقد لعبت قواعد التعمير دورا كبيرا في إبراز سمة المنفعة العامة‬
‫في هذا اإلطار‪.‬‬
‫إن المنفعة العامة تتميز عن المنفعة الخاصة بعنصرين‪ :‬عنصر المرفق العمومي القائم على فكرة‬
‫تحقيق المصلحة العامة للمجتمع بواسطة التنظيم أو التوجيه أو التدخل؛ ثم عنصر السلطة العمومية المتمثل‬
‫في تدخل الدولة وأجهزتها المختصة‪ ،‬ولو بالحد من بعض الحقوق والحريات‪ ،‬لتحقيق هذه المصلحة وفق‬
‫شروط ومعايير يحددها القانون‪ .‬ويكتسي مفهوم المنفعة العامة في ميدان التعمير طابعا واسعا يتجاوز‬
‫مفهوم النفع العام المراد تحقيقه بواسطة إنشاء المرافق العمومية‪ .‬فإضافة إلى إنتاج الوحدات السكنية إليواء‬
‫المواطنين ذوي الدخل المحدود بالمناطق الحضرية‪ ،‬أصبح من الالزم تزويد هاته المناطق بما تحتاجه من‬
‫بنيات تحتية وتجهيزات ومرافق تسهل استفادة الجميع من كافة الخدمات التي توفرها المدينة‪ ،‬وذلك في‬
‫إطار ما يسمى بسياسة المدينة؛ أي أنه باإلضافة إلى ضمان الحق في السكن لجميع أفراد المجتمع‪ ،‬بات‬
‫من الالزم ضمان حقهم في الحي وحقهم في المدينة‪ .‬وهذه خدمات تتجاوز قدرات الخواص نظرا لحجمها‬
‫وأهميتها‪ ،‬ولكونها تدخل إطار السياسات العمومية التي تسنها الدولة في مجال التنمية الحضرية‪.‬‬
‫وكما يالحظ‪ ،‬فإنه يشترط في المنفعة العامة أن تتعلق بمجاالت وتدخالت تقدر الدولة أنه اليمكن‬
‫أن يحققها األفراد على الوجه الذي يخدم مصالح الجماعة‪ ،‬وأنه من الالزم أن يستفيد منها الجميع دون‬

‫‪ 24‬ظهير شريف في شأن نشر الظهير المتعلق بتصفيف األبنية وتوسيع المدن وفي الواجبات والضرائب المفروضة على األبنية وما يلحق بها‪،‬‬
‫الجريدة الرسمية عدد ‪ 51‬بتاريخ ‪ 24‬أبريل ‪ ،1914‬ص‪.173 .‬‬
‫‪ 25‬ظهير شريف صادر بتاريخ ‪ 25‬غشت ‪ 1914‬المتعلق بتنظيم المحالت المضرة بالصحة والمحالت المزعجة والمحالت الخطرة‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 70‬بتاريخ ‪ 4‬ستنبر ‪ ،1914‬ص‪.360 .‬‬
‫تمييز‪ .‬وتتمتع السلطات العمومية بسلطة تقديرية واسعة في مجال تحديد المنفعة العامة‪ .‬لكن القاضي‬
‫اإلداري يحتفظ‪ ،‬في حال طعن المتضررين في قرار نزع الملكية من أجل ذلك‪ ،‬بحق المراقبة المبني على‬
‫البحث في نجاعة تحقيق هذه المنفعة‪.‬‬
‫وتكرس جل الدساتير بما فيها الدستور المغربي مبدأ المنفعة العامة‪ .‬فينص الفصل ‪ 35‬من دستور‬
‫‪ 2011‬في هذا اإلطار على إمكانية الحد من نطاق وممارسة حق الملكية "إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية‬
‫االقتصادية واالجتماعية للبالد"‪ .‬ووضع المشرع قانونا خاصا يسمح لإلدارة بنزع ملكية الخواص من أجل‬
‫تحقيق المصلحة العامة‪ ،‬وهو القانون رقم ‪ 7.81‬المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة‪ .26‬كما أن‬
‫الفصل ‪ 28‬من القانون رقم ‪ 12.90‬المتعلق بالتعمير يعتبر المصادقة على تصميم التهيئة بمثابة إعالن عن‬
‫المنفعة العامة‪.27‬‬
‫‪ – 2.2‬المراقبة والتدخل العمومي‬
‫اتسع مفهوم التعمير ليشمل كافة المجاالت واألنشطة التي باتت تعتبر ضرورية وأساسية لحياة‬
‫المجتمع‪ .‬ويتفق الباحثون والممارسون على أن قانون التعمير وجد لينظم مختلف العمليات المرتبطة بأنشطة‬
‫أفراد المجتمع االقتصادية واالجتماعية والثقافية داخل المجاالت الحضرية‪ .‬وتعمل اإلدارة على تنظيم الكتل‬
‫العمرانية بهدف االستجابة لهذه الحاجيات ومعالجة القضايا المرتبطة بالتنمية الحضرية‪ .‬لذلك فإن أهم ما‬
‫جاءت به قواعد التعمير األولى في بداية القرن العشرين هو الحرص على تصفيف الطرق والبنايات‬
‫والحفاظ على صحة وسالمة المواطنين ومراقبة اإلدارة لعمليات البناء وتجزيء األراضي التي يقوم بها‬
‫الخواص‪ .‬فكانت غالبية قواعد التعمير يغلب عليها الطابع التنظيمي والشرطة اإلدارية‪.‬‬
‫لكن اهتمام الدولة بقضايا النمو الحضري‪ ،‬خاصة بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬سوف يتزايد من‬
‫خالل حرص السلطات العمومية على التحكم في تهيئة وتوسع المناطق الحضرية‪ ،‬وتكثيف تدخالتها إما‬
‫لوضع تصاميم التهيئة والتنمية الحضرية‪ ،‬أو للقيام بعمليات التعمير التي تكتسي طابع الصالح العام‪ .‬وعلى‬
‫رأس هاته العمليات إنجاز التجهيزات األساسية والمرافق العمومية‪ ،‬وتوفير اإلمكانيات الكفيلة بمواجهة‬
‫الطلب المتزايد في ميدان التعمير واإلسكان‪ ،‬وإحداث البرامج السكنية لحل أزمة السكنى أو لمعالجة‬
‫ومحاربة السكن العشوائي والسكن غير الالئق‪.‬‬
‫لذلك كان من الالزم خلق مجموعة من اآلليات واألدوات القانونية والمؤسساتية من أجل تسهيل‬
‫وتأطير التدخل العمومي المتزايد في هذا المجال الحيوي‪ .‬ويعتبر الفقيه الفرنسي أندري دولوبادير ( ‪André‬‬
‫‪ )de Laubadère‬أن تدخالت الدولة في هذه المجال كانت تقوم في بداية األمر على وجود "قانون إداري‬
‫للبناء " هدفه األساسي تنظيم ومراقبة عمليات استعمال األراضي وبنائها بشكل ال يخل بتوازن النسيج‬
‫العمراني؛ لكن ذلك تطور مع تطور اهتمامات الدولة في مجال التهيئة والتخطيط الحضري‪ ،‬فأصبحنا أمام‬
‫"قانون إداري للتعمير" يتجاوز طابع الشرطة اإلدارية ليكتسي طابع "القانون العملياتي" ( ‪Un droit‬‬
‫‪.28)opérationnel‬‬
‫لقد أدى التطور الصناعي واالقتصادي إلى إحداث تغييرات عميقة على سيرورة تطور وتوسع‬
‫الكتل العمرانية؛ وكان البد من تنظيم النمو الحضري وفق فلسفة ونظريات جديدة تؤسس للمزيد من التدخل‬
‫العمومي من أجل التحكم في كافة المجاالت والميادين المرتبطة بالتعمير‪.‬‬
‫‪ - 3.2‬التنطـيـق‬

‫‪ 26‬ظهير شريف رقم ‪ 1.81.254‬صادر في ‪ 6‬ماي ‪ 1982‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 7.81‬المتعلق بنزع الملكية ألجل المنفعة العامة وباالحتالل المؤقت‪،‬‬
‫الجردة الرسمية عدد ‪ 3685‬بتاريخ ‪ 15‬يونيو ‪ ،1983‬ص‪.980 .‬‬
‫‪ 27‬ظهير شريف رقم ‪ 1.92.31‬صادر في ‪ 17‬يونيو ‪ 1992‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 12.90‬المتعلق بالتعمير‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4159‬بتاريخ ‪15‬‬
‫يوليوز ‪ ،1992‬ص‪.887 .‬‬
‫‪28‬‬
‫‪André de Laubadère, « Traité de droit administratif », 6° édition, L.G.D.J, Paris, p. 408.‬‬
‫كما سبقت اإلشارة‪ ،‬ساهمت فلسفة التعمير في بلورة مفاهيم جديدة لوظيفة األرض الحضرية لدى‬
‫األفراد ولدى الجماعة‪ .‬وعرفت عملية استعمال سطح األرض في المجال الحضري تحوالت مهمة تزامنت‬
‫مع تطور أنشطة المجتمع المتنوعة‪ .‬وبفعل تعدد حاجيات أفراد المجتمع وتعدد أنشطتهم عملت سياسة‬
‫التعمير على ربط هاته األنشطة بمناطق معينة‪ ،‬فشرعت السلطات العمومية في التخطيط بهدف تخصيص‬
‫األراضي المتاحة الستعماالت معينة ولوظائف محددة مسبقا‪ .‬وهكذا غدت فكرة خلق مناطق‪ ،‬في إطار‬
‫سياسة التنطيق وتوزيع المجال‪ ،‬من أولويات المخططين في ميدان التعمير‪ .‬ويعتبر مؤتمر أثينا للهندسة‬
‫المعمارية المنعقد في سنة ‪ 1933‬أول من نادى بخلق مناطق الكفيلة بتحقيق وظائف المدينة األساسية‪،‬‬
‫وهي السكن والعمل والتنقل والترفيه‪ .‬أما المهندس المعماري ميشال إيكوشار (‪ )Michel Ecochart‬فيعد‬
‫أول من أدخل تقنية التنطيق في التخطيط الحضري بالمغرب على عهد الحماية‪ ،29‬حيث تضمن قانون‬
‫التعمير الجديد الذي أشرف على إعداده في سنة ‪ 1952‬على تصميم التنطيق كوثيقة جديدة من وثائق‬
‫التعمير‪.‬‬
‫وتعتبر مسألة التنطيق أو تحديد المناطق وتصنيفها من بين أولويات وثائق التعمير‪ .‬وتدخل هذه‬
‫العملية في إطار تحديد األغراض العامة أو الوظائف التي يخصص لها سطح األرض ضمن مجال حضري‬
‫معين (مناطق سكنية‪ ،‬مناطق صناعية‪ ،‬مناطق خضراء ‪ ...‬إلخ)‪ .‬وقد جاء المشرع المغربي بفكرة التنطيق‬
‫في ظهير ‪ 1952‬المتعلق بالتعمير من أجل تحقيق هدفين اثنين‪ :‬أوال تحسين توزيع المجال الحضري من‬
‫خالل إحداث تصميم التهيئة لمختلف المناطق التي سوف تحتضن مختلف أنشطة المجتمع وتلبي حاجيات‬
‫األفراد في مجال السكن والتجارة والصناعة والترفيه وغيرها‪ .‬وثانيا حل إشكالية الفراغ في مجال التخطيط‬
‫التي كانت تواجهها إدارة الحماية في غياب تصميم التهيئة أو أثناء إعداده‪ ،‬حيث لوحظ تحايل بعض‬
‫المضاربين الذين كانوا يستغلون هذا الفراغ لإلسراع بإنجاز مشاريعهم قبل وضع مقتضيات التصميم وفي‬
‫غياب المراقبة اإلدارية‪ .‬لذلك نص المشرع على ضرورة تحديد المناطق ووضع تصميم للتنطيق‪ ،‬يجري‬
‫به العمل من طرف اإلدارة‪ ،‬في انتظار المصادقة على تصميم التهيئة الجديد‪ .‬وينص في هذا اإلطار الفصل‬
‫الثاني من ظهير ‪ 1952‬على إحداث مختلف المناطق بما فيها المناطق التي يحرم فيها البناء أو تفرض‬
‫بخصوصها بعض الضوابط أو الشروط الواجب توفرها في األرض أو في عملية البناء‪.‬‬
‫فمفهوم التنطيق بات يرتبط بعملية التخطيط لتنظيم وعقلنة استعمال سطح األرض وكذلك لتوجيه‬
‫التوسع العمراني والتحكم فيه‪ .‬وقد أصبحت الدولة تبذل مجهودات كبيرة لتهيئة المجاالت الحضرية وخلق‬
‫مناطق ا لتعمير الجديدة‪ .‬فهي التي تخطط وتسهر على إنجاز التجهيزات والمرافق العمومية‪ ،‬وذلك بفضل‬
‫تصاميم التعمير التي تعتبر بمثابة مشاريع الحضرية تعتمدها الدولة لوضع مجموعة من االختيارات‬
‫والتوجهات‪ ،‬والضوابط واإلجراءات القانونية‪ ،‬وكذا القيود واالرتفاقات التي تحد من االمتيازات المرتبطة‬
‫بحق الملكية وحرية المبادرة‪.‬‬
‫‪ - 4.2‬مجانية ارتفاقات التعمير‬
‫تعرف المواد ‪ 37‬إلى ‪ 40‬من مدونة الحقوق العينية االرتفاق باعتباره حق عيني في شكل تحمل‬
‫على عقار من أجل استعمال أو منفعة عقار آخر‪ .‬وينشأ هذا التحمل االرتفاق إما عن الوضعية الطبيعية‬
‫للعقار (القرب أو الجوار) أو بحكم القانون أو اتفاق المالكين‪ .‬كما يمكن أن يقرر لتحقيق المنفعة العامة أو‬
‫المنفعة الخاصة‪ .30‬وقد سبق لظهير فاتح يوليوز ‪ 1914‬المتعلق بالملك العمومي أن نص في مادته الرابعة‬
‫على وجوب خضوع كل ملكية خاصة الرتفاقات المرور والمواصالت واستغالل وصيانة الخطوط‬
‫واألعمدة الكهربائية والتلغرافية المرصودة بالملك العمومي‪ .‬كما سمح قانون ‪ 16‬أبريل ‪ 1914‬المتعلق‬
‫بالتعمير‪ ،‬في المادة ‪ ،12‬لإلدارة بفرض االرتفاقات الالزمة في صالح المحافظة على النظافة والمرور‬
‫وجمالية البناء والتشييد‪ .‬وهنا البد من التمييز بين االرتفاق ونزع المكية‪ ،‬حيث يعتبر األول مجرد تحمل‬

‫‪ 29‬عبد الرحمن البكريوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.105 .‬‬


‫‪ 30‬ظهير شريف رقم ‪ 1.11.177‬صادر في ‪ 22‬نونبر ‪ 2011‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 39.08‬المتعلق بمدونة الحقوق العينية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 5998‬بتاريخ ‪ 24‬نونير ‪ ،2011‬ص‪.5587 .‬‬
‫يقع على الملكية الخاصة لفائدة ملك آخر‪ ،‬خاصة الملك العمومي‪ ،‬فتظل األرض موضوع االرتفاق في‬
‫ملكية صاحبها‪ ،‬وال يتطلب ذلك حصوله على تعويض مادي‪ ،‬بينما نزع الملكية كما هو معلوم يؤدي إلى‬
‫نقل الملكية من صاحبها إلى شخص معنوي عام ألجل المنفعة العمومية‪ ،‬وينتج عن ذلك حق المالك في‬
‫الحصول على تعويض مادي مقابل فقدانه لحق الملكية‪ .‬وفي هذا اإلطار تنص ‪ 84‬من القانون رقم ‪12.90‬‬
‫المتعلق بالتعمير على ما يلي‪" :‬ال يستحق أي تعويض على االرتفاقات المحدثة عمال بأحكام هذا القانون‬
‫والنصوص التنظيمية الصادرة لتطبيقه‪ ،‬استجابة لمقتضيات األمن والصحة والمتطلبات الجمالية"‪ .‬غير أنه‬
‫قد يستحق التعويض‪ ،‬يضيف القانون‪ ،‬في حال إلحاق ضرر مادي بمالك األرض أو في حال المساس‬
‫بحقوقه المكتسبة‪.‬‬
‫وإذا كان المشرع يميز بين االرتفاق الناتج عن الوضعية الطبيعية للعقار واالرتفاق بحكم القانون‬
‫أو االتفاق‪ ،‬فإن الباحثين في مجال التعمير يميزون بين االرتفاقات اإلدارية التي تحدث بمقتضى نصوص‬
‫خاصة لحماية أو خدمة الملك العمومي‪ ،‬وارتفاقات التعمير المحدثة في إطار قوانين التعمير ووثائق‬
‫التخطيط‪ .‬ومن بين االرتفاقات اإلدارية مثال تلك المتعلقة بحماية السير على الطرق العمومية بما فيها‬
‫الطرق السيارة‪ ،‬مثل عدم البناء بجوار الطرق تفاديا لحجب الرؤيا على المستعملين (ظهير ‪ 19‬يناير‬
‫‪ )1953‬ومنع البناء على مسافة ‪ 20‬مترا من جانبي الطرق السيارة (القانون رقم ‪ 4.89‬بتاريخ ‪ 6‬غشت‬
‫‪)1992‬؛ واالرتفاقات المتعلقة بسالمة الطيران والمالحة الجوية‪ ،‬حيث ينص ظهير ‪ 26‬شتنبر ‪ 1938‬على‬
‫وجوب احترام مسافة معينة وعلو معين من أجل الوقاية؛ وكذلك بعض االرتفاقات المقررة لفائدة المآثر‬
‫التاريخية والمباني األثرية (القانون رقم ‪ 22.80‬بتاريخ ‪ 25‬دجنبر ‪ ،)1980‬ولفائدة المواقع الحربية‬
‫والمنشآت العسكرية (ظهير ‪ 7‬غشت ‪.)1934‬‬
‫أما ارتفاقات التعمير فتنظمها المقتضيات القانونية المؤطرة في هذا المجال‪ .‬ويسمح بها المشرع‬
‫بهدف تنظيم وهيكلة المجال الحضري وخلق مناطق وتجمعات عمرانية منسجمة‪ .‬وتنص مجموعة من‬
‫المواد القانونية على مختلف أنواع االرتفاقات التي تتضمنها وثائق التعمير كارتفاقات عدم البناء وعدم‬
‫التعلية واالرتفاقات الخاصة بحماية األماكن الطبيعية والتاريخية واألثرية وحماية الموارد المائية واألغراس‬
‫واألشجار‪ .31‬وكذلك ضوابط استعمال األراضي والضوابط المفروضة في مجال البناء لمصلحة المرور‬
‫واألمن والنظافة والصحة والجمالية‪.32‬‬

‫المادة الرابعة من القانون رقم ‪ 12.90‬المتعلق بالتعمير‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫المادة ‪ 19‬من نفس القانون‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫‪ -3‬التطور التاريخي لقانون التعمير‬

‫إذا نحن تمعنا في تصميم مدينة من المدن العتيقة المغربية‪ ،‬فإننا سنالحظ بأنها خضعت لقواعد‬
‫عرفية حكمت نموها وتطورها بشكل يخدم الساكنة ويسهل تنقلها وممارستها لمختلف األنشطة المجتمعية‬
‫الممكنة‪ .‬وهذه القواعد تدور حول محاور أساسية هي‪:‬‬
‫دور السكنى واإلقامات‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫المؤسسات التجارية‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫المجمعات الصناعية التقليدية‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫المباني الدينية المعدة للعبادة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫الساحات العمومية المعدة للتواصل والترفيه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ففيما يخص المباني المعدة للسكن‪ ،‬كانت فتحاتها وعلوها وسمك جدرانها ومظهرها الداخلي‬
‫والخارجي يخضع لنظام دقيق قلما استثني في بناء معين‪ .‬وفيما يخص المؤسسات التجارية فإنها تتجمع في‬
‫أحياء معينة وحسب تنظيم دقيق‪ ،‬فنجد الخرازين والحدادين والحجامين مثال في نظام بديع يجعل من‬
‫السهولة التنقل بينهم من جهة ومباشرة عمليات التبادل التجاري على أحسن وجه من جهة أخرى‪ .‬وفيما‬
‫يخص المجمعات الصناعية التقليدية (دبغ الجلود وصباغة الصوف وصنع األواني مثال) فإنها موجودة في‬
‫األماكن الالزمة الزدهارها‪ ،‬وتتجمع كلها عادة قرب موارد المياه الالزمة لعملها‪.‬‬
‫أما الساحات العمومية والمباني الدينية من مساجد وزوايا فإنها كانت تشكل في غالب األحيان‬
‫المحور الذي تتجمع حوله المباني المعدة للسكنى‪.‬‬
‫هذه القواعد تركت بصماتها على كل المدن المغربية دون أن يصيبها أدنى تدوين‪ .‬وهي قواعد‬
‫عرفية عبرت عن مستوى تطور المجتمع المغربي وحاجياته‪ ،‬وتركت أثرها حيا شامخا إلى اآلن‪ .‬وبمجرد‬
‫دخول الحماية إلى المغرب حاولت سلطات هذه األخيرة أن تقنن هذا الميدان الحيوي؛ إال أن تقنينها هذا‬
‫كان منصبا فقط على المدن واألحياء الجديدة ذات الطابع األوربي دون أن يمس ذلك المدن العتيقة في‬
‫شيء‪ .‬وكان أول قانون نظم هذا المجال هو ظهير ‪ 16‬أبريل ‪ 1914‬المتعلق بتصفيف األبنية وتصاميم‬
‫التهيئة وتوسيع المدن واالرتفاقات والضرائب المفروضة على األبنية‪33‬؛ ثم بعده جاءت نصوص قانونية‬
‫أخرى سواء في فترة الحماية أو بعد حصول المغرب على االستقالل‪ .‬وسنلقي عليها تباعا نظرة حسب‬
‫تطورها الزمني‪.‬‬
‫‪ - 1.3‬فترة الحماية‬
‫عرفت فترة الحماية إصدار العديد من النصوص القانونية المتعلقة بالتحكم في المسألة العقارية‬
‫وفي النمو الحضري في المغرب‪ .‬فقد كانت سلطات الحماية في حاجة ماسة إلى األراضي من إحداث‬
‫اإلدارات والمرافق العمومية وشق طرق المواصالت‪ ،‬وتوسيع مجاالت المناطق الحضرية عن طريق‬
‫التجهيز والتهيئة‪ ،‬وإحداث أحياء ومدن جديدة قادرة على استقطاب المعمرين الفرنسيين واألجانب وخدمة‬
‫المصالح االقتصادية االستعمارية‪.‬‬

‫‪ 33‬ظهير شريف في شأن نشر الظهير المتعلق بتصفيف األبنية وتوسيع المدن وفي الواجبات والضرائب المفروضة على األبنية وما يلحق بها‪،‬‬
‫الجريدة الرسمية عدد ‪ ،51‬السنة الثانية‪ ،‬بتاريخ ‪ 24‬أبريل ‪ ،1914‬ص‪.173 .‬‬
‫‪Dahir relatif aux alignements, plans d’aménagement et d’extension des villes, servitudes et taxes de voirie, B.O‬‬
‫‪n° 78, du 24 avril 1914, p. 271.‬‬
‫وكان البد في ظل هذه الحركية من وضع أولى القوانين التي تسمح لإلدارة بمراقبة عمليات‬
‫استعمال األراضي في المجال الحضري عن طريق الشرطة اإلدارية (الترخيص اإلداري) وعن طريق‬
‫ماسمي آنذاك بتصفيف وتهيئة المدن واألحياء وفرض االرتفاقات اإلدارية وارتفاقات التعمير‪.‬‬
‫‪ - 1.1.3‬ظهير ‪ 16‬أبريل ‪1914‬‬
‫يعد هذا الظهير أول نص قانوني يحمل القواعد المنظمة للتعمير بالمغرب في بدايات عهد الحماية‪.‬‬
‫وقد أتاح سن هذا الظهير للمغرب أن يكون من بين أوائل الدول التي عرفت تقنين هذا المجال‪ .‬وقد استقت‬
‫فيه إدارة الحماية‪ ،‬كما تمت اإلشارة إلى ذلك في تقديم الظهير‪ ،‬بعض القواعد والمباديء والممارسات من‬
‫بعض التجارب والتشريعات األجنبية خاصة تجارب ألمانيا وسويسرا وهولندا وفرنسا‪ .34‬هذا مع العلم أن‬
‫فرنسا لم تكن آنذاك تتوفر على قانون متكامل للتعمير‪ ،‬ولم تسن قانونا مشابها للقانون المغربي إال في سنة‬
‫‪( 1919‬قانون ‪ 14‬مارس ‪ 1919‬الذي وقع تعديله وتتميمه بمقتضى قانون فاتح يوليوز ‪.)1924‬‬
‫واستطاع ظهير ‪ 16‬أبريل ‪ 1916‬أن يشكل إطارا قانونيا ذا فعالية كبرى في مجال التعمير‪ ،‬حيث‬
‫مكن إدارة الحماية في تلك الفترة من تكييف وخلق مجموعة من األحياء والمدن الجديدة‪ .‬وكان هدفه‬
‫األساسي الحفاظ على جمال ورونق التكتالت العمرانية‪ ،‬وذلك في إطار عام يهدف أساسا إلى فتح الطرقات‬
‫(‪ )La voirie‬وفرض الحرمات (‪ )Les servitudes‬والمحافظة على الصحة والنظافة العامة ( ‪La‬‬
‫‪.)salubrité‬‬
‫والواقع أن هذا الظهير يؤرخ لمرحلة جديدة عرفها المغرب مع مجيء عهد الحماية؛ وهي مرحلة‬
‫تقنين ميدان التعمير ومنح اإلدارة العمومية الوسائل الالزمة لمواجهة التوسع العمراني ومحاربة الممارسات‬
‫العشوائية بالمدن وضواحيها‪ ،‬وذلك بتنظيمه للعمليات األربع التالية‪:‬‬
‫فتح الطرق العمومية‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫إعداد مخططات تهيئة المدن واألحياء الجديدة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫مشاركة الخواص في خلق جزء من المدينة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫سن القواعد التي تخضع لها عمليات البناء واستعمال األراضي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫غير أن هذا القانون أظهر بعد فترة زمنية وجيزة نقائصه‪ ،‬ألن اهتمامه األساسي كان مركزا‬
‫حول إنشاء الطرق ومخططات التهيئة لفائدة الحماية الفرنسية‪ ،‬دون تحديد دقيق لبعض المفاهيم والعمليات‬
‫مثل مفهوم التجزئة والطرق العملية لتطبيق مخطط التهيئة‪ .‬لذلك تعرض ظهير ‪ 16‬أبريل ‪ 1914‬لمجموعة‬
‫من التعديالت واإلضافات نذكر من بينها‪:35‬‬
‫‪ -‬التعديل الذي أحدثه ظهير ‪ 19‬أبريل ‪ 1916‬في الفصل التاسع المتعلق بطريقة احتساب‬
‫االشتراكات في الجمعيات النقابية للمالكين الحضريين‪.36‬‬
‫‪ -‬التعديل الذي أحدثه ظهير ‪ 25‬يونيو ‪ 1916‬فيما يتعلق بالضرائب‪.37‬‬
‫‪ -‬اإلضافات الذي سنها ظهير ‪ 23‬أكتوبر ‪ 1920‬فيما يتعلق بالعقوبات‪.38‬‬

‫‪ 34‬انظر عرض األسباب (‪ )Exposé des motifs‬التي جاء بها المشرع لتقديم ظهير ‪ 16‬أبريل ‪.1914‬‬
‫‪35‬‬
‫‪Abdel Ilah Mkinsi, op. cit., pp. 10-11.‬‬
‫‪36‬‬
‫‪Dahir du 19 février 1916 complétant l’article 9, paragraphe 3, du Dahir du 16 avril 1914 relatif aux‬‬
‫‪alignements, plan d’aménagement et d’extension des villes, servitudes et taxes de voirie, B.O. n° 175 du 28‬‬
‫‪février 1916, p. 220.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪Dahir du 25 juin 1916 portant modification du Dahir du 16 avril 1914 sur les alignements et la voirie, B.O. n°‬‬
‫‪194 du 10 juillet 1916, p. 707.‬‬
‫‪38‬‬
‫‪Dahir du 23 octobre 1920 instituant des sanctions nouvelles au dahir du 16 avril 1914 sur les alignements, BO‬‬
‫‪n° 419-420 du 2 et 9 novembre 1920, p. 1860.‬‬
‫‪ -‬ظهير فاتح أبريل ‪ 1924‬الذي أخضع رخص إنشاء البنايات العمومية أو البنايات المخصصة‬
‫الستعمال العموم لتأشيرة رئيس قسم الفنون الجميلة والمآثر التاريخية‪.39‬‬
‫‪ -‬التغيير الذي جاء به ظهير ‪ 27‬يناير ‪ ،1931‬والذي وسع النطاق الترابي لمخططات التهيئة‬
‫إلى المراكز وإلى ضواحي المدن‪ ،‬الشيء الذي مكن اإلدارة من مراقبة عمليات البناء‬
‫المنعزلة التي تتم خارج نطاق المدينة‪ ،‬وإخضاع كل عملية بناء أو تجزئة في المناطق‬
‫المجاورة للمدن والمراكز لمراقبة اإلدارة (توسيع مجال الضواحي)‪.40‬‬
‫‪ -‬ظهير ‪ 23‬يناير ‪ 1935‬الذي نقل االختصاصات التي كانت ممنوحة إلى المدير العام لألشغال‬
‫العمومية في إطار ظهير ‪ 16‬أبريل ‪ 1914‬إلى الكاتب العام للحماية‪.41‬‬
‫‪ - 2.1.3‬ظهير ‪ 12‬نونبر ‪1917‬‬
‫يتعلق هذا الظهير بجمعية نقابة المالكين الحضريين‪42‬؛ وقد أتى بفكرة إمكانية تنظيم المالكين‬
‫الحضريين في إطار جمعيات نقابية للمالكين‪ .‬ومنح لرئيس المصالح البلدية (رئيس المجلس البلدي بعد‬
‫ذلك) صالحية إنشاء جمعية نقابية للمالكين وإعداد نظامها األساسي ورئاسة جمعها العام ثم عرض الملف‬
‫على الصدر األعظم (رئيس الحكومة) إلصدار قرار تأسيس الجمعية‪ .‬وبمجرد تأسيس هذه األخيرة تصبح‬
‫لها صالحية السلطة العمومية‪ ،‬بما فيها منع كل بناء داخل المنطقة التي تدخل في اختصاصها‪ .‬أما أهدافها‬
‫األساسية فتتلخص في ضم أراضي المالكين من أجل إنجاز تصميم للتصفيف والتوسعة خاص بها وتهيئتها‬
‫ثم إعادتها لمالكيها أعضاء الجمعية النقابية‪.‬‬
‫‪ - 3.1.3‬ظهير ‪ 14‬يونيو ‪1933‬‬
‫في بداية الثالثينات وقف المشرع على مجموعة من الثغرات القانونية التي اعترت مقتضيات‬
‫الفصل العاشر من ظهير ‪ 1914‬المخصص لتنظيم عمليات تجزيء األراضي‪ ،‬مما جعله يبادر إلى إصدار‬
‫قانون خاص بالتجزئات بمقتضى ظهير ‪ 14‬يونيو ‪ 1933‬المتعلق بالتجزئات‪.43‬‬
‫ويعد ظهير ‪ 1933‬أول قانون مغربي مخصص لتنظيم عمليات تجزيء وتقسيم األراضي‬
‫الحضرية بشكل مفصل‪ ،‬بعدما كانت هذه العمليات تنظم فقط في إطار الفصل العاشر من قانون ‪ 16‬أبريل‬
‫‪ 1914‬الذي نص وجوب الحصول على ترخيص من طرف اإلدارة‪ .‬وقد جاء بجملة من المقتضيات التي‬
‫لم ينص عليها قانون ‪ ،1914‬وعلى رأسها التوسع في تنظيم أعمال تقسيم األمالك العقارية‪ ،‬وتدخل إدارة‬
‫المحافظة العقارية لمساعدة اإلدارة على مراقبة تقسيم األراضي بالمنطق الحضرية‪ ،‬واعتماد نظام العقوبات‬
‫عند مخالفة مقتضيات هذا القانون‪.44‬‬
‫‪ - 4.1.3‬ظهير ‪ 30‬يوليوز ‪1952‬‬
‫مع بداية الخمسينات من القرن الماضي بادرت إدارة الحماية إلى إصالح قوانين المنظمة للتعمير‪،‬‬
‫فتم إلغاء قانون ‪ 16‬أبريل ‪ ،1914‬وحل محله قانون الشؤون المعمارية‪ ،‬كما أطلق عليه آنذاك‪ ،‬الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 30‬يوليوز ‪ .451952‬ورغم أن المشرع لم يأت بتغييرات جذرية في الموضوع‪ ،‬حيث احتفظ‬

‫‪39‬‬
‫‪Dahir du 1er avril 1924 relatif au contrôle du service des beaux arts et des monuments historiques sur‬‬
‫‪certaines demandes en autorisation de bâtir, B.O n° 603 du 13 mai 1924, p. 778.‬‬
‫‪40‬‬
‫‪Dahir du 27 janvier 1931 complétant la législation sur l’aménagement des centres et la banlieue des villes,‬‬
‫‪B.O n° 958 du 6 mars 1931, p. 250.‬‬
‫‪41‬‬
‫‪Dahir du 23 janvier 1935 modifiant le Dahir du 16 avril 1914 relatifs aux alignements, plans d’aménagement‬‬
‫‪et d’extension des villes, servitudes et taxes de voirie, B.O n° 1164 du 15 février 1935, p. 128.‬‬
‫‪42‬‬
‫‪Dahir du 12 novembre 1917 sur les associations syndicales de propriétaires urbains, B.O n° 265 du 19‬‬
‫‪novembre 1917, p. 1277.‬‬
‫‪43‬‬
‫‪Dahir du 14 juin 1933 relatif aux lotissements, B.O n° 1080 du 7 juillet 1933, p. 610.‬‬
‫‪ 44‬عبد الرحمن البكريوي‪" ،‬التعمير بين المركزية والالمركزية"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الشركة المغربية للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،1993 ،‬ص‪.14 .‬‬
‫‪ 45‬ظهير شريف بشأن الشؤون المعمارية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 2083‬بتاريخ ‪ 26‬شتنبر ‪ ،1952‬ص‪.6146 .‬‬
‫بتصميم التهيئة وتصفيف الطرق والبنايات ورخصة البناء‪ ،‬فإنه تجاوز فكرة التصفيف والحرمات‪ ،‬حيث‬
‫كان يعتبر تصميم التهيئة تصميما عاما للتصفيف (‪ ،)Plan général d’alignement‬ونص في فصله‬
‫الثامن على تهيئة جميع المناطق والساحات والحدائق وأماكن الرياضة وغيرها‪ .‬وحرص كذلك على توسيع‬
‫المجال الترابي لتطبيق قانون التعمير‪ ،‬فامتد نفاذه إلى المراكز الموجودة في طور التكوين‪ ،‬والضواحي‬
‫(المناطق الحوزية)‪ ،‬والمناطق المدارية للمدن أو المراكز المستقلة والمحددة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تجلى أهم إصالح أتى به ظهير ‪ ،1952‬بالنسبة لظهير ‪ ،1914‬في خلق تصميم‬
‫جديد هو "تصميم التنطيق" كتصميم انتقالي‪ ،‬وكذلك إحداث مساطر احترازية جديدة‪ ،‬لتجنب البناء العشوائي‬
‫وتحايل المضاربين‪ ،‬تعطي لإلدارة إمكانية إصدار قرارات لمنع كل عملية بناء أثناء فترة إعداد مخطط‬
‫التهيئة‪ ،‬وهي قرار التنطيق وقرار دراسة تصميم التهيئة‪ .‬ولكي اليحدث فراغ قانوني يستغله المتحايلون‬
‫على القانون‪ ،‬نص القانون الجديد على تصميم التنطيق الذي يسري مفعوله في المرحلة االنتقالية مابين‬
‫غياب أي مخطط ومرحلة إعداد تصميم التهيئة‪ .‬وكان المشرع قد حدد مدة سريان تصميم التنطيق في‬
‫سنتين باعتبارها كافية في نظره لوضع تصميم تهيئة جديد‪ .‬غير أن الواقع بين أن هذه المدة غير كافية‬
‫نظرا لكون عملية إعداد تصميم التهيئة تستغرق عدة سنوات‪.46‬‬
‫‪ – 5.1.3‬ظهير ‪ 30‬شتنبر ‪1953‬‬
‫يتعلق األمر بقانون تجزئة األراضي وتقسيمها الذي وضعه المشرع بتاريخ ‪ 30‬شتنبر ‪1953‬‬
‫في إطار إصالح قوانين التعمير‪ ،47‬حيث تم بموجبه إلغاء القانون السابق الصادر في سنة ‪ .1933‬وقد أكد‬
‫المشرع في تقديمه لهذا القانون أن نص ظهير ‪ 14‬يونيو ‪" 1933‬لم تعد اليوم مقتضياته كافية إلرضاء ما‬
‫تتطلبه تهيئة المدن العصرية"‪.‬‬
‫فخالفا لهذا الظهير األخير الذي كان قد ترك لإلدارة سلطة تقديرية‪ ،‬حسب كل حالة‪ ،‬لتحديد‬
‫المساحة الدنيا لتقسيم قطعة أرضية حتى تعتبر تجزئة‪ ،‬حدد ظهير ‪ 30‬شتنبر ‪ 1953‬الجديد التجزئة بكيفية‬
‫واضحة‪ ،‬وذلك باعتبارها "‪ ..‬تقسيم أحد األمالك العقارية إلى قسمين على األقل ثم بيع هذين القسمين أو‬
‫كراؤهما إما دفعة واحدة وإما الواحد بعد اآلخر لتبنى فيهما عمارات للسكنى أو للصناعة أو للتجارة‪.‬‬
‫ويشترط أن تكون مساحة أحد القسمين على األقل دون الهكتار الواحد‪.48".‬‬
‫فقد قام ظهير ‪ 1953‬بتمديد المقتضيات القانونية المتعلقة بالتجزئات المخصصة للسكنى إلى‬
‫التجزئات ذات الطبيعة الصناعية والتجارية‪ .49‬وميز بين تجزيء األراضي إلى قطع أرضية مهدة للبناء‬
‫وبين "‪...‬مجموعة مساكن من العمارات الخاصة بالسكنى والمشيدة في قطعة واحدة أو في عدة قطع‬
‫متالصقة أو متجاورة‪ ،50"...‬كما ميز كذلك بين التجزئة التي يطبق عليها هذا القانون وبين تصميم األراضي‬
‫ال ذي اليعتبر تجزئة لكنه يخضع هو اآلخر لمراقبة اإلدارة تحسبا لكل تحايل على القانون‪.51‬‬
‫أما فيما يتعلق بالمسطرة الواجب اتباعها للحصول على رخصة التجزئة فإن ظهير ‪ 1953‬لم‬
‫يحدث تغييرا جوهريا على المسطرة المنصوص عليها سابقا في ظهير ‪1933‬؛ لكنه عمل على تقليص‬
‫المدة المخصصة لدراسة طلب رخصة التجزئة أو التقسيم (خمسة أشهر فيما قبل)‪ ،‬فقيد اإلدارة باحترام‬
‫مدة شهرين بالنسبة لتقسيم األراضي إلى أجزاء غير معدة للبناء‪ ،‬واحترام مدة ثالثة أشهر فيما يخص‬
‫التجزئات السكنية والصناعية والتجارية‪ .‬وسمح للمجزئ‪ ،‬من أجل تخفيف العبء عليه‪ ،‬بتهيئة التجزئة‬

‫‪ 46‬عبد الرحمن البكريوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.13 .‬‬


‫‪ 47‬ظهير شريف بشأن تجزئة األراضي وتقسيمها إلى قطع صغيرة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 2142‬بتاريخ ‪ 13‬نونبر ‪ ،1953‬ص‪.3682 .‬‬
‫‪ 48‬الفصل الثاني من قانون تجزئة األراضي وتقسيمها إلى قطع صغيرة‪.‬‬
‫‪ 49‬الهادي مقداد‪" ،‬التجزئات ودورها في تخفيف أزمة السكنى"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا‪ ،‬القانون العام والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة محمد‬
‫الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،1988 ،‬ص‪...... .‬‬
‫‪ 50‬الفصل الثالث من نفس القانون‪.‬‬
‫‪ 51‬ينص الفصل الرابع من القانون على أنه يتعين الحصول على إذن إداري مسبق من طرف كل صاحب أو أصحاب عقار يقسم إلى أجزاء غير‬
‫معدة للبناء وتكون مساحة جزء منه على األقل دون الهكتار الواحد‪.‬‬
‫وتجهيزها قسما فقسما‪ ،‬أي على مراحل‪ ،‬فيبين لإلدارة أثناء تقديم المشروع كيف سيقوم بتهيئة كل قسم‬
‫على حدة‪.‬‬
‫هذا وقد صدرت نصوص قانونية أخرى طوال عهد الحماية تمس ميدان التعمير بطريقة مباشرة‬
‫أو غير مباشرة مثل ظهير ‪ 26‬نونبر ‪ 1912‬بشأن ارتفاقات المآثر التاريخية والفنية‪ ،52‬وظهير فاتح يوليوز‬
‫‪ 1914‬المتعلق بالملك العمومي للدولة‪ ،53‬وظهير ‪ 13‬غشت ‪ 1914‬المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة‬
‫العامة واالحتالل المؤقت ‪ ،54‬وظهير ‪ 2‬يونيو ‪ 1915‬المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة‪،55‬‬
‫ونصوص قانونية عديدة وضعتها اإلدارة خالل هاته الفترة الحاسمة بهدف المراقبة والتحكم في استعمال‬
‫األراضي في المناطق الحضرية باسم المنفعة العامة أو االرتفاق العمومي كلما تطلب األمر ذلك‪ .56‬وقد‬
‫تميزت جل النصوص القانونية التي وضعتها سلطات الحماية لتنظيم المجال الحضري بطابعها التنظيمي‬
‫والتقني في غياب أي بعد استشرافي‪.‬‬
‫‪ – 2.3‬فترة ما بعد الحصول على االستقالل‬
‫يكاد يتفق جل الباحثين والممارسين أن حقبة الحماية التي عرفها تاريخ المغرب تميزت بنظرة‬
‫محدودة وضيقة في مجال معالجة قضايا التعمير‪ .‬فرغم اإلصالحات التي جاء بها المهندس إيكوشار بعد‬
‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وذلك بهدف تدارك النقص والمشاكل التي عرفتها المدن المغربية على عهد‬
‫المارشال ليوطي‪ ،‬خاصة بظهور أحياء الصفيح واألحياء العشوائية‪ ،‬فإن قانون التعمير كرس تجاهل‬
‫حاجيات المغاربة في مجال اإلسكان والتجهيزات والمرافق الحيوية‪ ،‬وركز في المقابل على حاجيات الجالية‬
‫األوربية المقيمة بامتياز (السكن المحلي المغربي ‪ /‬السكن األوربي)‪ .‬كما أن إدارة الحماية تجاهلت تماما‬
‫قضايا التعمير بالعالم القروي‪ ،‬مما دفع بالسلطات المغربية بالمبادرة مباشرة بعد الحصول على االستقالل‬
‫إلى وضع قانون جديد ينظم المجاالت القروية‪.‬‬
‫وورث المغرب وضعية سكنية وعمرانية متأزمة في المجاالت الحضرية؛ فاستمرت نسبة النمو‬
‫الحضري تتجاوز نسبة ‪ % 4‬خالل سنوات الستينات والسبعينات‪ ،‬وتزايد معدل الهجرة القروية في اتجاه‬
‫المدن بسبب ضعف معدالت التنمية وتدهور مستوى المعيشة بالعالم القروي‪ .‬وباستثناء قانون ‪ 25‬يونيو‬
‫‪ 1960‬الذي تم وضعه لتغطية المناطق القروية التي لم يكن يشملها قانون ‪ 1952‬على عهد الحماية‪ ،‬حاول‬
‫المشرع المغربي إصالح قانون التعمير بهدف تجاوز اإلكراهات القانونية التي بات يعاني منها المجال‬
‫الحضري من حيث الكثافة السكانية المرتفعة والمضاربة العقارية وانتشار مدن القصدير واألحياء‬
‫العشوائية‪ .‬غير أنه لم ينجح في ذلك إال ابتداء من سنوات التسعينات‪ .‬وقد تم قبل ذلك‪ ،‬أي في سنة ‪،1970‬‬
‫تقديم مشروع قانون إطار طموح ‪"-‬مشروع قانون إطار للتهيئة الحضرية والقروية"‪ -57‬يهدف إلى اعتماد‬

‫‪52‬‬
‫‪Dahir chérifien relatif à la conservation des monuments et instructions historiques, B.O n° 5 du 29 novembre‬‬
‫‪1912, p. 25.‬‬
‫‪53‬‬
‫‪Dahir du 1er juillet 1914 sur le domaine public dans la zone du protectorat français de l’empire chérifien,‬‬
‫‪B.O n° 89 du 10 juillet 1914, p. 529.‬‬
‫‪54‬‬
‫‪Dahir du 13 août 1914 sur l’expropriation pour cause d’utilité publique et l’occupation temporaire, B.O n°‬‬
‫‪101 du 28 septembre 1914, p. 755.‬‬
‫‪55‬‬
‫‪Dahir du 2 juin 1915 fixant la législation applicable aux immeubles immatriculés, B.O n° 137 du 7 juin 1915, p.‬‬
‫‪319.‬‬
‫‪ 56‬الهادي مقداد‪" ،‬السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى"‪ ،‬مطبعة النجاح الجديد‪ ،.‬الدار البيضاء‪ ،2010 ،‬ص‪..... .‬‬
‫‪ 57‬تم إعداد هذا المشروع في ‪ 30‬نونبر ‪ 1970‬من طرف مركز الدراسات واألبحاث والتكوين ( ‪Centre d’Etudes, de Recherche et de‬‬
‫‪ )Formation – C.E.R.F‬الذي تم إحداثه من طرف وزارة الداخلية‪ ،‬التي كانت تشرف على قطاع التعمير آنذاك (مديرية التعمير والسكنى)‪،‬‬
‫بهدف التفكير في وضع استراتيجية جديدة في مجال السكنى والتعمير‪ .‬وتضمن المشروع ‪ 97‬مادة مبوبة إلى ثالثة أبواب‪ :‬الباب األول يتعلق‬
‫بتوقعات وقواعد التهيئة على المستوى الجهوي وعلى مست وى الجماعات الحضرية والجماعات القروية‪ ،‬والباب الثاني يتعلق بالسياسة العقارية‪،‬‬
‫والباب الثالث مخصص لقانون البناء‪ .‬وتم التفكير في إحداث ثالثة مخططات‪ :‬مخطط البنيات والتوجيه ( ‪Schéma de Structure et‬‬
‫‪ )d’Orientation‬على مستوى الجهات (سبع جهات)‪ ،‬ومخطط مديري (‪ )Schéma Directeur‬على مستوى المدن‪ ،‬ثم تصميم استعمال‬
‫األراضي بالنسبة لألحياء (‪.)Plan d’Utilisation des Sols‬‬
‫استراتيجية جديدة في مجال التنمية الحضرية‪ ،‬وإدخال إصالحات جوهرية في ميدان التعمير وربطه بسياسة‬
‫إعداد التراب الوطني‪ .58‬لكن هذا المشروع المتكامل لم ير النور ألسباب عديدة‪.‬‬
‫وسوف نتعرض هنا ألهم القوانين التي وضعها المشرع المغربي في ميدان التعمير ابتداء من‬
‫الحصول على االستقالل‪ .‬وهي نصوص قانونية الزال العمل جاريا بها إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫‪ - 1.2.3‬ظهير ‪ 25‬يونيو ‪ 1960‬المتعلق بتنمية الكتل العمرانية القروية‬
‫كما سبقت اإلشارة‪ ،‬لم تكن قوانين التعمير التي وضعها المشرع في عهد الحماية تطبق خارج‬
‫المدارات الحضرية‪ ،‬فظلت المناطق القروية خارج نطاق قانون التعمير رغم التطور الذي عرفته بعض‬
‫القرى والمراكز القروية‪ .‬مما دفع المشرع إلى سد هذا الفراغ بإصدار قانون جديد يهدف إلى تنظيم وتنمية‬
‫الكتل العمرانية ذات الطابع القروي‪ ،‬هو قانون ‪ 25‬يونيو ‪ .1960‬ونص في الفصل األول من هذا القانون‬
‫على أن مقتضياته تسري على العمارات القروية الواقعة خارج المجاالت التي حددها الفصل األول من‬
‫ظهير ‪ 30‬يوليوز ‪ 1952‬المتعلق بالتعمير‪ ،‬أي خارج المجال الحضري المشمول بمقتضيات قانون ‪.1952‬‬
‫ومن بين المقتضيات المهمة التي جاء بها قانون ‪ 1960‬إمكانية تغطية الكتلة العمرانية القروية‬
‫بتصميم خاص لتوسيع نطاقها يسمى "تصميم التنمية"‪ .‬ويهدف تصميم التنمية إلى تحديد المناطق المخصصة‬
‫ألنشطة معينة كمناطق السكنى والمناطق المخصصة للتجارة والصناعة التقليدية والساحات العمومية‬
‫واألمكنة المخصصة للمصالح العمومية أو التي تظل عارية او يمنع فيها البناء‪ .‬كما يحدد التصميم كذاك‬
‫تصفيف الطرق والبنايات والحرمات والمرافق الخاصة باالستغالل الفالحي‪.‬‬
‫وبمجرد المصادقة على تصميم التنمية من طرف عامل اإلقليم أو العمالة تصبح رخصة البناء‬
‫ورخصة تهيئة التجزئات إلزامية داخل المنطقة التي شملها المخطط‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫‪ - 2.2.3‬قانون ‪ 17‬يونيو ‪ 1992‬المتعلق بالتعمير‬
‫عرف المغرب خالل سنوات الستينات والسبعينات تحوالت عميقة في ميدان التعمير واإلسكان‪،‬‬
‫فتوسعت مدارات المدن والمراكز‪ ،‬وتزايدت نسبة الهجرة القروية‪ ،‬وتدهورت أوضاع النسيج الحضري‪،‬‬
‫مما دعل السلطات العمومية تطلق عدة برامج تنموية في هدا المجال‪ .‬وفي المقابل تطورت فسلفة التعمير‬
‫في اتجاه تجاوز التخطيط الحضري ذو الطابع التنظيمي الصرف واعتماد تعمير عصري ذو بعد تنظيمي‬
‫واستشرافي وتشاوري‪.‬‬
‫ورغم بعض المحاوالت‪ ،‬وصدور العديد من الدراسات والتقارير واألبحاث‪ ،‬المنادية بضرورة‬
‫إدخال إصالحات جوهرية وعميقة على قانون التعمير‪ ،‬وانتهاج سياسات عمومية جديدة لتجاوز الوضع‬
‫المتأزم‪ ،‬لم يستطع المشرع المغربي االستغناء على القوانين التي تركتها إدارة الحماية إال في بداية‬
‫التسعينات‪ ،‬فبادر إلى نسخ هذه القوانين وتعويضها بقوانين جديدة‪ ،‬وعلى رأسها قانون التعمير رقم ‪12.90‬‬
‫الصادر في ‪ 17‬يونيو ‪.1992‬‬
‫ولعل من أهم المستجدات التي جاء بها قانون التعمير الجديد إدخال قواعد قانونية جديدة تتعلق‬
‫بمخطط توجيه التهيئة العمرانية باعتباره وثيقة حديثة للتخطيط الحضري أضيفت إلى باقي وثائق التعمير‬
‫األخرى التي احتفظ بها المشرع وراجع مساطر إعدادها والمصادقة عليها‪ ،‬وهي تصميم التهيئة وتصميم‬
‫التنطيق‪.‬‬
‫وعمل المشرع على توسيع نطاق تطبيق قانون التعمير ليشمل المجموعات العمرانية والمناطق‬
‫العمرانية الجديدة‪ ،‬واألراضي القروية المجاورة للجماعات الحضرية الممتدة إلى مسافة ‪ 15‬كلم‪ ،‬وبعض‬

‫‪58‬‬
‫‪Saâd Benzakour, op. cit, p. 201.‬‬
‫‪ 59‬ظهير شريف رقم ‪ 1.60.063‬بشآن توسيع نطاق العمارات القروية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 2489‬بتاريخ ‪ 8‬يوليوز ‪ ،1960‬ص‪.2098 .‬‬
‫‪ 60‬ظهير شريف رقم ‪ 1.92.31‬صادر في ‪ 17‬يونيو ‪ 1992‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 12.90‬المتعلق بالتعمير‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4159‬بتاريخ ‪15‬‬
‫يوليوز ‪ ،1992‬ص‪.887 .‬‬
‫المناطق القروية ذات الصبغة الخاصة بهدف تهيئتها ومواكبتها لمستلزمات النمو الحضري بمقتضى "نظام‬
‫قانوني خاص"‪ .61‬وحرص كذلك على تحقيق الجودة المعمارية وجمالية المدن عن طريق إلزامية االستعانة‬
‫بمهندس معماري "حر" وبمهندسين مختصين‪.62‬‬
‫هذا قد أعطى هذا القانون لإلدارة المركزية المكلفة بالتعمير سلطات واسعة في إعداد وثائق‬
‫التعمير‪ ،‬بينما منح للمجالس الجماعية سلطة استشارية فقط‪ ،‬تتمثل في "المساهمة" في وضع المشاريع دون‬
‫أية سلطة تقريرية؛ والحال أن رؤساء المجالس الجماعية هم من يمارس الشرطة اإلدارية الخاصة بالتعمير‬
‫ويسهرون على تطبيق قوانين التعمير بعين المكان‪ ،‬الشيء الذي يطرح عدة مشاكل أثناء التطبيق‪.63‬‬
‫‪64‬‬
‫‪ - 3.2.3‬قانون ‪ 17‬يونيو ‪ 1992‬المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية‬
‫نظرا للدور الذي تلعبه التجزئات العقارية في تحديد معالم المدن واألحياء الجديدة‪ ،‬ألنها تعتبر‬
‫في الواقع تصميم تهيئة مصغر يقوم به الخواص بدل الدولة‪ ،‬بادر المشرع المغربي إلى وضع قانون جديد‬
‫مفصل يتعلق بتنظيم عمليات تجزئة وتقسيم األراضي وتشييد المجموعات السكنية‪ ،‬هو القانون رقم ‪25.90‬‬
‫المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات‪ .‬وقد تم إصداره بموازاة مع القانون‬
‫رقم ‪ 12.90‬المتعلق بالتعمير بنفس التاريخ وبنفس الجريدة الرسمية (العدد ‪ 4159‬بتاريخ ‪ 15‬يوليوز‬
‫‪ ،)1992‬ويضم ‪ 78‬مادة مفصلة بدل ‪ 24‬فصال تضمنه سابقا ظهير ‪.1953‬‬
‫وحاول المشرع في هذا القانون الجديد سد الثغرات والنواقص التي عرفها القانون السابق‪ ،‬فأعطى‬
‫لإلدارة بعض اإلمكانيات لمحاربة تملص المجزئين من المراقبة اإلدارية وإحداث التجزئات والتقسيمات‬
‫العشوائية‪ .‬وتمثل ذلك في توسيع مفهوم التجزئة والتخلي عن شرط المساحة (أقل من هكتار سابقا)‪،65‬‬
‫وإلزامية التحفيظ العقاري لألراضي المراد تجزئتها‪ ،‬وكذلك إلزامية اللجوء إلى مهندس معماري حر‪،‬‬
‫ومنح سلطة الترخيص اإلداري لرئيس الجماعة الحضرية أو القروية (اإلدارة الالمركزية)‪ ،‬والسماح‬
‫للمجزئ بتجهيز مشروعه على مراحل حتى يتمكن من بيع القطع األرضية المجهزة وإتمام ماتبقى في‬
‫المشروع‪ ،‬وإحداث لجنة التسلم المؤقت للتجزئة وتعيين أعضائها‪ ،‬وإعادة هيكلة التجزئات غير القانونية‬
‫من طرف اإلدارة على حساب المجزئ ومالكي القطع األرضية مناصفة‪.‬‬
‫ثم إن المشرع زاد في شدة العقوبات الجنائية والمدنية المفروضة على المخالفات‪ ،‬فعاقب على‬
‫إحداث ال تجزئات ومجموعات السكن غير القانونية‪ ،‬وعلى الشروع في بيع أو إيجار البقع األرضية غير‬
‫قبل تسليم التجزئة‪ .‬وعاقب كذلك المهندسين المعماريين والمقاولين وأرباب العمل الذين يساهمون في‬
‫مخالفة القانون‪ .‬ونص على البطالن المطلق لعقود البيع واإليجار والقسمة التي تبرم دون احترتم مقتضيات‬
‫القانون رقم ‪.25.90‬‬
‫‪ - 4.2.3‬بعض المحاوالت إلصالح قوانين التعمير‬
‫على الرغم من وضع قوانين مهمة في ميدان التعمير في بداية التسعينات‪ ،‬فإن السلطات العمومية‬
‫قد عجزت عن معالجة المشاكل التي ظل يعاني منها القطاع‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بضعف التخطيط الحضري‪،‬‬
‫وضعف التنسيق بين المتدخلين والفاعلين‪ ،‬وانتشار السكن العشوائي والتجزئات غير القانونية‪ .‬وتوالت عدة‬
‫محاوالت‪ ،‬إما في شكل مقاربة شمولية أو قطاعية‪ ،‬من أجل تدارك هاته االختالالت والمشاكل العمرانية‪.‬‬

‫‪ 61‬الفقرة ‪ 4‬من المادة الرابعة من القانون رقم ‪.12.90‬‬


‫‪ 62‬المواد ‪ 50‬إلى ‪ 54‬من نفس القانون‪.‬‬
‫‪ 63‬محمد محجوبي‪" ،‬قراءة علمية في قوانين التعمير المغربية"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النشر المغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2006 ،‬ص‪.9 .‬‬
‫‪ 64‬ظهير شريف رقم ‪ 1.92.7‬صادر في ‪ 7‬يونيو ‪ 1992‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 25.90‬المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم‬
‫العقارات‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4159‬بتاريخ ‪ 15‬يوليوز ‪ ،1992‬ص‪.880 .‬‬
‫‪ 65‬تعرف المادة األولى من القانون رقم ‪ 25.90‬التجزئة العقارية كما يلي‪ " :‬يعتبر تجزئة عقارية تقسيم عقار من العقارات عن طريق البيع أو‬
‫اإليجار أو القسمة إلى قطعتين أو أكثر لتشييد مبان للسكنى أو لغرض صناعي أو سياحي أو تجاري أو حرفي‪ ،‬مهما كانت مساحة البقع التي يتكون‬
‫منها العقار المراد تجزئته"‪.‬‬
‫فصدرت بعض النصوص التشريعية الفريدة أو بعض النصوص التنظيمية التي اعتمدت عليها اإلدارة‬
‫للتحكم في النمو الحضري‪.‬‬
‫ففي سنة ‪ 1993‬تم تعميم تجربة الوكاالت الحضرية على كافة المدن الكبرى مثل الرباط وسال‬
‫وفاس ومراكش وأكادير وطنجة‪ ،66‬وذلك بعدما سبق أن أحدثت أول وكالة حضرية بمدينة الدار البيضاء‬
‫بعد أحداث سنة ‪ .671981‬وتتمثل المهام األساسية لهاته الوكاالت في إعداد مشاريع المخططات التوجيهية‬
‫ومتابعة تنفيذها‪ ،‬وإبداء الرأي في جميع عمليات البناء والتجزئات‪ ،‬ومساعدة رؤساء المجالس الجماعية في‬
‫مجال شرطة التعمير‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 2005‬تم إعداد مشروع مدونة التعمير بهدف جمع شتات النصوص القانونية المنظمة‬
‫للتعمير‪ ،‬وخلق منظومة قانونية متكاملة‪ .‬وتضمن المشروع وثائق جديدة للتخطيط الحضري مثل المخطط‬
‫التوجيهي للتجمعات العمرانية والمخطط التوجيهي للتهيئة وتصميم استعمال األراضي وتصميم المدن‬
‫الجديدة‪ .‬غير أن هذا المشروع‪ ،‬رغم سعيه إلى اعتماد مقاربة شمولية لمعالجة قضايا التعمير‪ ،‬لم ير النور‬
‫بسبب تضارب المصالح بين مختلف المتدخلين في القطاع‪ .‬وسبق أن تم إعداد مشروع آخر لتأهيل العمران‬
‫في سنة ‪ ،2000‬لكنه كان قد عرف نفس المصير لنفس األسباب‪.‬‬
‫وفي ظل تعذر إخراج مشروع مدونة التعمير إلى الوجود‪ ،‬عمد المشرع إلى وضع نصوص‬
‫قانونية جزئية‪ ،‬فعمل على تنظيم عمليات حماية المدن العتيقة والقصبات والقصور من عوامل التدهور‬
‫وتآكل البنايات بواسطة القانون رقم ‪ 94.12‬المتعلق بحماية المباني اآليلة للسقوط والتجديد الحضري‪68‬؛‬
‫وبادر إلى تعديل المقتضيات المتعلقة بردع مخالفات التعمير بهدف إصالح منظومة الرقابة التي لم تعد‬
‫تساير واقع النمو العمراني‪ ،‬فأصدر في ‪ 26‬غشت ‪ 2016‬القانون رقم ‪ 66.12‬في شأن مراقبة وزجر‬
‫المخالفات في مجال البناء والتعمير‪ .69‬وشمل هذا القانون الجديد عدة تعديالت تهم قوانين التعمير الثالثة‪،‬‬
‫أي القانون رقم ‪ 12.90‬المتعلق بالتعمير والقانون رقم ‪ 25.90‬المتعلق بالتجزئات وظهير ‪ 25‬يونيو ‪1960‬‬
‫المتعلق بتنمية الكتل القروية‪.‬‬
‫هذا وتجدر اإلشارة كذلك إلى أن فترة ما بعد صدور قوانين ‪ 1992‬سوف تتميز بهيمنة "التعمير‬
‫االستثنائي"‪ ،‬أي اعتماد مساطر استثنائية لجأت إليها اإلدارة المركزية باستمرار من أجل تبسيط المساطر‬
‫اإلدارية‪ ،‬وسد الثغرات القانونية‪ ،‬وإضفاء نوع من المرونة على ضوابط التعمير‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بدراسة‬
‫وترخيص المشاريع الكبرى التي لها عالقة باإلنعاش العقاري واالستثمار‪ .‬وقد صدرت في هذا السياق عدة‬
‫منشورات ودوريات وزارية تحث المصالح اإلدارية على تجنب رفض المشاريع الكبرى‪ ،‬وعدم التشدد في‬
‫تطبيق وثائق التعمير‪ ،‬واالجتهاد في دراستها لما لها من آثار إيجابية على االستثمار وخلق فرض الشغل‬
‫وحل أزمة السكنى‪ .‬ومن أهم هذه المنشورات والدوريات‪ :‬الدورية رقم ‪ 1500/2000‬الصادرة عن وزير‬
‫إعداد التراب الوطني والتعمير واإلسكان والبيئة في عهد حكومة التناوب‪ ،70‬والدورية المشتركة بين وزير‬
‫الداخلية ووزير اإلسكان رقم ‪.7127/3020‬‬

‫‪ 66‬ظهير شريف رقم ‪ 1.93.51‬صادر في ‪ 10‬شتنبر ‪ 1993‬يعتبر بمثابة قانون يتعلق بإحداث الوكالة الحضرية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪4220‬‬
‫بتاريخ ‪ 19‬شتنبر ‪ ،1993‬ص‪.1624 .‬‬
‫‪ 67‬ظهير شريف بمثابة قانون رقم ‪ 1.84.188‬صادر في ‪ 9‬أكتوبر ‪ 1984‬يتعلق بالوكالة الحضرية للدار البيضاء‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪3754‬‬
‫بتاريخ ‪ 10‬أكتوبر ‪ ، 1980‬ص‪.959 .‬‬
‫‪ 68‬ظهير شريف رقم ‪ 1.16.48‬صادر في ‪ 27‬أبريل ‪ 2016‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 94.12‬المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد‬
‫الحضري‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6465‬بتاريخ ‪ 16‬ماي ‪ ،2016‬ص‪.3772 .‬‬
‫‪ 69‬ظهير شريف رقم ‪ 1.16.124‬صادر في ‪ 25‬غشت ‪ 2016‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 66.12‬المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير‬
‫والبناء‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6501‬بتاريخ ‪ 19‬شتنبر ‪ ،2016‬ص‪.6630 .‬‬
‫‪ 70‬الدورية رقم ‪ 1500/2000‬المتعلقة بتبسيط مسالك ومساطر دراسة طلبات رخص البناء وإحداث التجزئات والمجموعات السكنية وتقسيم‬
‫العقارية الصادرة بتاريخ ‪ 6‬أكتوبر ‪.2000‬‬
‫‪ 71‬الدورية المشتركة عدد ‪ 27/3020‬بين وزير الداخلية والوزير المنتدب لدى الوزير األول بخصوص استفادة المشاريع االستثمارية من‬
‫استثناءات في مجال التعمير الصادرة بتاريخ ‪ 4‬مارس ‪.2003‬‬
‫‪ – 3‬اإلدارة المكلفة بقطاع التعمير‬

‫إن اهتمام الدولة بقضايا التعمير واإلسكان يتجلى من خالل تدخالتها التي تنوعت بتنوع حاجيات‬
‫المجتمع في هذا المجال‪ .‬وقد كان دور اإلدارة يقتصر في بداية األمر على تنظيم ومراقبة عمليات تقسيم‬
‫األراضي وبنائها‪ ،‬ثم امتد بعد ذلك ليشمل التخطيط الحضري وإنجاز التجهيزات والمرافق األساسية والتحكم‬
‫في توسع الناطق العمرانية‪ ،‬وذلك في إطار ما أصبح يعرف بسياسة التعمير‪ ،‬وبواسطة مجموعة من‬
‫األجهزة والهيئات اإلدارية المتخصصة في مجال التهيئة والتعمير واإلسكان‪ .72‬ولهذا نجد العديد من الهيئات‬
‫والمؤسسات سواء‪ ،‬على المستوى المركزي أو الالمركزي‪ ،‬التي تقوم بأدوار مختلفة في قطاع التعمير‪.‬‬
‫واحتلت الدولة منذ عهد الحماية دورا مركزيا في تنظيم المجال الحضري‪ ،‬حيث سهرت اإلدارة‬
‫على مراقبة وتنظيم وتنمية الكتل العمرانية‪ ،‬كما عملت على تقنين القطاع ووضع وثائق التعمير الالزمة‬
‫لتوجيه وتأطير عمليات التعمير‪ .‬ففي عهد الحماية كانت هذه االختصاصات تعود إلى إدارة األشغال‬
‫العمومية‪ ،‬وعلى رأسها المدير العام لألشغال العمومية ‪(Le directeur général des travaux‬‬
‫)‪ ،public‬التي يسهر على وضع تصاميم التهيئة وقرارات التصفيف‪ ،‬بينما يمارس رئيس المصالح البلدية‬
‫(‪ )Le chef des services municipaux‬سلطة المراقبة ومنح رخص البناء بعين المكان‪ .‬فكانت بذلك‬
‫مسألة تدبير قضايا التعمير والتخطيط الحضري مركزة في يد إدارة الحماية‪ .‬وكانت هذه األخيرة تنفرد من‬
‫الناحية العملية بممارسة السلطة التنظيمية بصفة مباشرة‪.‬‬
‫أما في عهد االستقالل‪ ،‬فإن إدارة قطاع التعمير خضعت كسائر األنشطة اإلدارية إلى تطورات‬
‫موازية للتطور الذي عرفته الهياكل الحكومية‪ ،‬حيث سيعرف مغرب ما بعد الحماية تنصيب حكومات‬
‫متعاقبة تشرف فيها كل وزارة على قطاع واحد أو قطاعات معينة مترابطة فيما بينها‪ ،‬كوزارة العلوم‬
‫والمعارف والفنون الجميلة‪ ،‬ووزارة التجارة والصناعة التقليدية والسياحة والمالحة الجوية‪ ،‬وكذلك وزارة‬
‫التعمير والسكنى التي عين على رأسها الدكتور محمد بن بوشعيب في أول حكومة مغربية تم تأسيسها في‬
‫بداية عهد االستقالل بتاريخ ‪ 7‬دجنبر ‪.731957‬‬
‫هكذا نالحظ أن قطاع التعمير حظي في أول حكومة مغربية بوزارة مستقلة نظرا للمشاكل‬
‫والقضايا التي كان على اإلدارة أن تواجهها كإرث ثقيل من عهد الحماية‪ .‬لكن هذا االختيار لم يدم طويال‪،‬‬
‫وفقد القطاع استقالليته بعد أقل من سنة واحدة‪ ،‬فألحق بمصالح وزارة األشغال العمومية في ‪ 28‬أكتوبر‬
‫‪ ،1956‬ودام ذلك لمدة عشر سنوات تقريبا‪ .‬وفي سنة ‪ 1967‬أصبح القطاع تحت سلطة وزارة الداخلية‪،‬‬
‫فصدر مرسوم ملكي بإلحاق "دائرة التعمير والسكنى" بهذه الوزارة بعدما كانت تابعة لوزارة التجهيز‬
‫والمواصالت‪.74‬‬
‫وفي سنة ‪ 1972‬تم فصل قطاع التعمير من جديد‪ ،‬وأحدثت وزارة التعمير والسكنى والمحافظة‬
‫على البيئة الطبيعية‪ ،‬وعين على رأسها الحسن الزموري وزيرا‪ .75‬ثم بعد مرور مدة قصيرة أحدث في‬
‫سنة ‪ 1974‬في إطار هذه الوزارة الجديدة منصب كاتب الدولة في التعمير والسكنى والسياحة والمحافظة‬
‫على البيئة الطبيعية‪ .76‬واستمر العمل بهذا التنظيم اإلداري إلى غاية سنة ‪ ،1984‬فتمت إعادة اختصاصات‬

‫‪72‬‬
‫‪Robert Savy, « Droit économique », 2° éd., Dalloz, Paris, 1977, p. 82.‬‬
‫‪ 73‬أمينة المسعودي‪" ،‬الوزراء في النظام السياسي المغربي (‪ ،)1992-1955‬األصول‪-‬المنافذ‪-‬المآل"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،2001 ،‬ص‪.47 .‬‬
‫‪ 74‬مرسوم ملكي رقم ‪ 587.67‬بتاريخ ‪ 14‬نونبر ‪ 1967‬بإلحاق دائرة التعمير والسكنى بوزارة الداخلية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 2877‬بتاريخ ‪20‬‬
‫دجنبر ‪ ،1967‬ص‪.2798 .‬‬
‫‪ 75‬ظهير شريف رقم ‪ 1.72.109‬بتاريخ ‪ 13‬أبريل ‪ 1972‬بتأليف الحكومة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 3103‬بتاريخ ‪ 19‬أبريل ‪ ،1972‬ص‪.966 .‬‬
‫‪ 76‬ظهير شريف رقم ‪ 1.74.240‬بتاريخ ‪ 25‬أبريل ‪ 1974‬بتنظيم وتأليف الحكومة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 3209‬بتاريخ فاتح ماي ‪ ،1974‬ص‪.‬‬
‫‪.1112‬‬
‫التعمير مرة أخرى إلى وزارة الداخلية‪ ،‬وأحدثت بالمناسبة ثالث مديريات جديدة بالوزارة‪ :‬مديرية إعداد‬
‫التراب الوطني ومديرية التعمير والهندسة المعمارية ومديرية حماية البيئة‪ .‬لكن تشكيل حكومة التناوب في‬
‫سنة ‪ 1988‬سيعرف من جديد تجميع قطاعات إعداد التراب والتعمير واإلسكان في وزارة واحدة؛ تم بعد‬
‫ذلك في سنة ‪ 2002‬أقدمت السلطات العمومية على عزل السكنى والتعمير عن إعداد التراب‪ ،‬فأحدثت‬
‫الوزارة المنتدبة لدى الوزير األول المكلفة بالتعمير واإلسكان من جهة‪ ،‬ووزارة إعداد التراب الوطني‬
‫والماء والبيئة من جهة أخرى‪ .‬وبمناسبة تشكيل حكومتي ‪ 2007‬و ‪ 2012‬تمت العودة إلى اعتماد الجمع‬
‫بين التعمير واإلسكان وإعداد التراب رغم تغير تسمية الوزارة‪ .77‬غير أن هذا الجمع لم يدم طويال‪ ،‬فتم‬
‫مرة أخرى تقسيم الوزارة بمناسبة التعديل الحكومي لسنة ‪ 2013‬إلى وزارتين‪ :‬وزارة التعمير وإعداد‬
‫التراب الوطني‪ ،‬ووزارة اإلسكان وسياسة المدينة‪.‬‬
‫أما في الحكومة الحالية (حكومة ‪ )2017‬فنالحظ أن السلطات العمومية سارت في اتجاه إعادة‬
‫تجميع كل القطاعات المعنية في وزارة واحدة هي وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير واإلسكان وسياسة‬
‫المدينة‪.78‬‬
‫وهكذا يالحظ أن الهياكل اإلدارية المكلفة بقطاع التعمير‪ ،‬كقطاع حيوي وشائك‪ ،‬لم يكتب لها أن‬
‫تعرف استقرارا على غرار بعض اإلدارات األخرى المكلفة بقطاعات حيوية كقطاع التجهيز أو قطاع‬
‫التعليم أو قطاع الصحة‪ .‬وعدم االستقرار هذا يدل في نظر العديد من الباحثين على تراكم المشاكل‪ ،‬وتفتيت‬
‫سلطة القرار‪ ،‬وتردد السلطات العمومية في معالجة قضايا التخطيط الحضري والتهيئة العمرانية وفق‬
‫منظور شامل وموحد‪ .79‬فانتقال اختصاصات التعمير من إدارة إلى إدارة ومن وزارة إلى وزارة لم يساعد‬
‫على تراكم التجربة‪ ،‬وذلك رغم أن المشرع حاول ابتداء من أواسط السبعينات أن يتجاوز مركزية القرار‪،‬‬
‫فنقل بعض االختصاصات لرؤساء المجالس الجماعية في مجال الشرطة اإلدارية‪ ،‬وأحدث الوكاالت‬
‫الحضرية لتخفيف العبء عن اإلدارة المركزية‪ ،‬خاصة في مجال الدراسات والتخطيط الحضري‪،‬‬
‫ولمساعدة اإلدارة المحلية في المجال التقني والهندسي وفي مجال الشرطة اإلدارية‪.‬‬
‫وسوف نعالج اختصاصات كل هيئة إدارية من هاته الهيئات الثالث على حدة‪.‬‬
‫‪ – 1.3‬اإلدارة المركزية‬
‫تعود إلى اإلدارة المركزية المتمثلة في الوزارة المكلفة بقطاع التعمير المسؤولية األولى فيما‬
‫يتعلق بوضع سياسة الدولة وتتبع تنفيذها في هذا المجال‪ .‬وفي هذا السياق ينص قانون التعمير على أن‬
‫"اإلدارة" هي التي تشرف على وضع وثائق التعمير بمساهمة الجماعات‪ ،‬بينما يوضح مرسوم ‪ 14‬أكتوبر‬
‫‪ 1993‬لتطبيق قانون التعمير معنى مصطلح اإلدارة‪ ،‬فيوضح في مواده المختلفة أنه يعني السلطة الحكومية‬
‫المكلفة بالتعمير‪ .80‬وهذا يتجلى كذلك بوضوح من خالل االختصاصات الواسعة التي تمارسها وزارة‬
‫التعمير‪ ،‬وعلى رأسها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬وضع سياسة التعمير بتنسيق مع باقي القطاعات والجهات المعنية؛‬
‫‪ -‬وضع القواعد المتعلقة بالتعمير ومختلف استعماالت المجال؛‬

‫‪ 77‬في حكومة ‪ 15‬أكتوبر ‪ 2007‬تم إحداث وزارة اإلسكان والتعمير والتنمية المجالية‪ ،‬وفي حكومة ‪ 3‬يناير ‪ 2012‬تم تغيير تسميتها إلى وزارة‬
‫السكنى والتعمير وسياسة المدينة‪.‬‬
‫‪ 78‬ظهير شريف رقم ‪ 1.17.07‬صادر في ‪ 7‬أبريل ‪ 2017‬بتعيين أعضاء الحكومة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6558‬مكرر بتاريخ ‪ 7‬أبريل ‪،2017‬‬
‫ص‪.2580 .‬‬
‫‪79‬‬
‫‪M’hammed Dryef, op. cit., p. 225.‬‬
‫‪ 80‬تنص مثال المادة ‪ 3‬من المرسوم على ما يلي‪" :‬يتم إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية بمسعى من السلطة المكلفة بالتعمير وبمساعدة من‬
‫الجماعات المعنية والمجموعة الحضرية في حال وجودها‪.‬‬
‫ويجب على اإلدارات والمؤسسات العامة ألجل إعداد مشروع مخطط توجيهي للتهيئة العمرانية أن تبلغ إلى السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير‬
‫الوثائق المتعلقة بمشاريع التجهيز ذات المنفعة الوطنية أو الجهوية المراد إنجازها في إطار المخطط التوجيهي المقترح‪.".‬‬
‫مرسوم رقم ‪ 2.92.832‬صادر في ‪ 14‬أكتوبر ‪ 1993‬لتطبيق القانون رقم ‪ 12.90‬المتعلق بالتعمير‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4225‬بتاريخ ‪20‬‬
‫أكتوبر ‪ ،1993‬ص‪.2061 .‬‬
‫‪ -‬وضع وثائق التعمير وآليات التعمير العملياتي والسهر على تنفيذها؛‬
‫‪ -‬إعداد الدراسات المتعلقة بالتهيئة والتخطيط الحضري ومتابعة مختلف الظواهر الحضرية‪.81‬‬
‫وهكذا تسهر الوزارة المكلفة بقطاع التعمير على وضع السياسات العمومية في هذا الميدان‪،‬‬
‫وصياغة مشاريع القوانين والوثائق المنظمة للقطاع؛ كما تعمل على توجيه وتأطير النمو العمراني بمختلف‬
‫مناطق البالد‪ ،‬وإنجاز الدراسات والبرامج والمشاريع؛ وكذلك التنسيق بين مختلف الفاعلين والمتدخلين في‬
‫ميدان التعمير‪.‬‬
‫وتنظم هياكل الوزارة في شكل مديريات مركزية وأقسام ومصالح إدارية‪ .‬فهناك ثالث مديريات‬
‫أساسية من بين سبعة لها عالقة مباشرة بقطاع التعمير‪ ،‬وهي مديرية التعمير ومديرية الهندسة المعمارية‬
‫ومديرية الشؤون القانونية‪ .‬وتضم كل مديرية مجموعة من األقسام والمصالح التي تحدث بقرار وزاري‬
‫كما ينص على ذلك المرسوم المنظم الختصاصات الوزارة‪.82‬‬
‫فمديرية التعمير تتألف من أربعة أقسام هي‪:‬‬
‫‪ -‬قسم التخطيط الحضري؛‬
‫‪ -‬قسم التنمية الحضرية؛‬
‫‪ -‬قسم البحث واالستشراف الحضري؛‬
‫‪ -‬قسم التقديرات والتهيئة العقارية‪.‬‬
‫وتتألف مديرية الهندسة المعمارية من األقسام التالية‪:‬‬
‫‪ -‬قسم النهوض بالهندسة المعمارية؛‬
‫‪ -‬قسم تقنيات البناء والجودة؛‬
‫‪ -‬قسم مصاحبة المهنة وتتبع التكوين‪.‬‬
‫أما مديرية الشؤون القانونية فتضم ثالثة أقسام هي على التوالي‪:‬‬
‫‪ -‬قسم إعداد وتتبع النصوص التسريعية والتنظيمية؛‬
‫‪ -‬قسم التدوين والتوثيق والتعميم؛‬
‫‪ -‬قسم اليقظة القانونية‪.‬‬
‫وتشتمل الوزارة باإلضافة إلى المديريات المركزية على مصالح الممركزة يحدد تنظيمها‬
‫واختصاصاتها ومجال نفوذها الترابي بقرار لوزير التعمير‪ .83‬وتنظم هاته المصالح الخارجية في شكل‬
‫مفتشيات جهوية للتعمير والهندسة المعمارية وإعداد التراب الوطني‪ ،‬فتمثل الوزارة على المستوى الجهوي‬
‫واإلقليمي‪ ،‬وتساهم في وضع استراتيجيات التنمية العمرانية‪ ،‬كما تسهر على انسجام الدراسات والمشاريع‬
‫الترابية مع السياسة التعميرية ومع وثاق التعمير‪ ،‬وكذلك على متابعة تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية‬
‫الجاري بها العمل فيما يتعلق بالهندسة المعمارية والتعمير‪.‬‬
‫وفي المقابل يالحظ أن هناك أجهزة إدارية تابعة لقطاع اإلسكان تهتم هي األخرى بقضايا التهيئة‬
‫والتعمير‪ .‬ويتعلق األمر أساسا بم ديرية سياسة المدينة ومديرية اإلنعاش العقاري‪ .‬كما أن هناك قطاعات‬

‫‪ 81‬مرسوم رقم ‪ 2.14.478‬صادر في ‪ 8‬غشت ‪ 2014‬بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة التعمير وإعداد التراب الوطني‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 6289‬بتاريخ ‪ 8‬شتنبر ‪ ،2014‬ص‪.6790 .‬‬
‫‪ 82‬قرار وزير التعمير وإعداد التراب الوطني رقم ‪ 4510.14‬صادر في ‪ 15‬أكتوبر ‪ 2014‬بتحديد وتنظيم األقسام والمصالح التابعة للمديريات‬
‫المركزية لوزارة التعمير وإعداد التراب الوطني‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6332‬بتاريخ ‪ 5‬فبراير ‪ ،2015‬ص‪.1025 .‬‬
‫‪ 83‬قرار وزير التعمير وإعداد التراب الوطني رقم ‪ 4274.15‬صادر في ‪ 12‬يونيو ‪ 2015‬بتحديد اختصاصات وتنظيم المصالح الالممركزة‬
‫لوزارة التعمير وإعداد التراب الوطني‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6450‬بتاريخ ‪ 16‬مارس ‪ ،2016‬ص‪.2791 .‬‬
‫وزارية تتدخل في مراحل إعداد وثائق التعمير أو تشارك في بعض اللجن كوزارة الداخلية ووزارة الفالحة‬
‫ووزارة األشغال العمومية‪.84‬‬
‫فعلى مستوى وزارة الداخلية‪ ،‬تتوفر كل عمالة أو إقليم على قسم للتعمير يتتبع تدبير مشاريع‬
‫التعمير ورخص البناء والتجزئات خاصة داخل لجن دراسة طلبات الرخص واللجن األخرى كاللجنة التقنية‬
‫اإلقليمية للتعمير ولجنة الجمالية والمآثر التاريخية والمواقع المرتبة‪ .‬أما العامل وباقي رجال السلطة المحلية‬
‫فيمثلون الدولة فوق تراب الجماعة‪ ،‬ويسهرون على تطبيق القانون والمحافظة على النظام العام بواسطة‬
‫الشرطة اإلدارية التي تمتد إلى زجر المخالفات في ميدان التعمير‪ .85‬ويمارس الوالي أو العامل اختصاصات‬
‫مهمة في مجال التعمير‪ ،‬حيث يعتبر عضوا في اللجنة المركزية لمتابعة إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة‬
‫العمرانية‪ ،‬ويرأس اللجنة المحلية لمتابعة إعداد وثائق التعمير وكذلك لجنة متابعة إنجاز توجهات المخطط‬
‫التوجيهي للتهيئة العمرانية على المستوى المحلي‪ .86‬كما يصادق على تصميم تنمية العمارات القروية‪،‬‬
‫ويمنح رخص البناء المتعلقة باألماكن المخصصة للشعائر الدينية ورخص التجزئات الواقعة بين جماعتين‬
‫أو أكثر‪.‬‬
‫‪ - 2.3‬الوكاالت الحضرية‬
‫في بداية الثمانينات من القرن الماضي‪ ،‬وقبل صدور القانون ‪ 10‬ستنير ‪ 1993‬المتعلق بإحداث‬
‫الوكاالت الحضرية‪ ،87‬بادرت السلطات العمومية على إثر األحداث التي شهدتها مدينة الدار البيضاء إلى‬
‫إحداث تقسيم إداري جديد نتج عنه خلق والية الدار البيضاء الكبرى التي باتت تضم خمس عماالت‪ ،‬بدل‬
‫عمالة واحدة بالمدينة‪ ،‬و ‪ 25‬جماعة حضرية وقروية بما فيها الجماعة الحضرية لمدينة المحمدية‪ .‬وبموازاة‬
‫مع ذلك‪ ،‬ومن أجل التحكم في النمو الحضري ومعالجة مشاكل التعمير التي عانت منها المنطقة‪ ،‬تم العمل‬
‫على تبني آليات جديدة للتعمير والتهيئة الحضرية‪ .‬فجاء إحداث المخطط التوجيهي للتهيئة الحضرية للدار‬
‫البيضاء الكبرى سنة ‪ ،881984‬تم تاله مباشرة بعد ذلك وفي نفس السنة إحداث أول وكالة حضرية للتعمير‪،‬‬
‫هي الوكالة الحضرية للدار البيضاء‪ .89‬وما يمكن مالحظته هنا أن هاته اآلليات أحدثت آنذاك من طرف‬
‫وزارة الداخلية‪ ،‬فأسندها القانون لهذه األخيرة‪ .‬ولذلك نص المشرع على إعداد المخطط التوجيهي الخاص‬
‫بالدار البيضاء الكبرى من طرف وزير الداخلية؛ ووضع على رأس الوكالة الحضرية للدار البيضاء عامال‬
‫يتولى تسييرها تحت الوصاية اإلدارية لنفس الوزارة‪ .‬وتنص المادة الثانية من ظهير ‪ 9‬أكتوبر ‪1984‬‬
‫المحدث للوكالة أن هذه األخيرة تمارس اختصاصاتها في مجموع الجماعات الحضرية والقروية للوالية‬
‫وكذا في المناطق التي يغطيها المخطط التوجيهي للتهيئة الحضرية للدار البيضاء الكبرى‪.‬‬
‫وابتداء من سنوات التسعينات بدأ دور الوكالة الحضرية يأخذ مكانته في ميدان التهيئة الحضرية‬
‫ومتابعة تنفيذ وثائق التعمير المختلفة‪ .‬وبعد أن عمم المشرع آلية المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية على‬
‫كافة التراب الوطني‪ ،‬بمقتضى القانون رقم ‪ 12.90‬المتعلق بالتعمير‪ ،90‬بادر إلى إحداث وكاالت حضرية‬
‫أخرى بكل من فاس وأكادير خالل سنة ‪ .1992‬ثم أصدر بعد ذلك قانون ‪ 10‬شتنبر ‪ 1993‬المتعلق بإحداث‬
‫الوكاالت الحضرية‪ ،‬فسمح بذلك بتعميم التجربة على مختلف العماالت واألقاليم‪ .‬وعملت وزارة التعمير‬

‫‪ 84‬في المجال القروي مثال‪ ،‬يعود اختصاص المصادقة على تصميم التنمية إلى العامل‪ ،‬ويوافق عليه وزير الداخلية قبل نشره بالجريدة الرسمية‪.‬‬
‫‪ 85‬انظر مثال القانون رقم ‪ 66.12‬المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء‪.‬‬
‫‪ 86‬انظر مرسوم ‪ 14‬أكتوبر ‪ 1993‬لتطبيق القانون رقم ‪ 12.90‬المتعلق بالتعمير‪.‬‬
‫‪ 87‬ظهير شريف رقم ‪ 1.93.51‬صادر في ‪ 10‬شتنبر ‪ 1993‬بمثابة قانون يتعلق بإحداث الوكاالت الحضرية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4220‬بتاريخ‬
‫‪ 15‬شتنبر ‪ ،1993‬ص‪.1624 .‬‬
‫‪ 88‬ظهير شريف رقم ‪ 1.84.17‬صادر في ‪ 25‬يناير ‪ 1984‬بمثابة قانون يتعلق بالمخطط التوجيهي الخاص بالتهيئة الحضرية للدار البيضاء‬
‫الكبرى‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 3718‬بتاريخ فاتح فبراير ‪ ،1984‬ص‪.154 .‬‬
‫‪ 89‬ظهير شريف رقم ‪ 1.84.188‬صادر في ‪ 9‬أكتوبر ‪ 1984‬بمثابة قانون يتعلق بالوكالة الحضرية للدار البيضاء‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪3754‬‬
‫بتاريخ ‪ 10‬أكتوبر ‪ ،1984‬ص‪.959 .‬‬
‫‪ 90‬يالحظ أن المشرع قد استعمل مصطلح "التهيئة العمرانية" في قانون ‪ 17‬يونيو ‪ 1992‬بدل مصطلح "التهيئة الحضرية" الذي استعمله في‬
‫قانون ‪ 25‬يناير ‪.1984‬‬
‫على إحداث مجموعة من الوكاالت بهدف تغطية غالبية المجاالت العمرانية الكبرى‪ ،‬حيث بلغ عددها إلى‬
‫غاية سنة ‪ 2019‬ما مجموعه ‪ 29‬وكالة حضرية‪.‬‬
‫و تحدث الوكاالت الحضرية بمرسوم لرئيس الحكومة يحدد مجال نفوذها الذي يمكن أن يشمل‬
‫عمالة أو إقليما أو عدة عماالت أو أقاليم‪ .91‬وتعتبر الوكاالت مؤسسات عمومية تتمتع باالستقالل المالي‬
‫واإلداري‪ ،‬وتخضع لوصاية الدولة على غرار األشخاص المعنوية األخرى‪ .‬ويديرها مجلس إداري يتمتع‬
‫بجميع السلط واالختصاصات الالزمة‪ ،‬بينما يدبر شؤونها مدير يعين بمقتضى مرسوم‪.‬‬
‫وتحدد المادة الثالثة من القانون االختصاصات التي تمارسها الوكالة الحضرية في مجال التعمير‪،‬‬
‫ومن أهمها ‪:‬‬
‫‪ -‬القيام بالدراسات الالزمة إلعداد المخطط التوجيهي للتهيئة الحضرية؛‬
‫‪ -‬إعداد وثائق التعمير األخرى‪ ،‬خاصة تصاميم التنطيق والتهيئة والتنمية؛‬
‫‪ -‬متابعة تنفيذ المخططات ومراقبة إنجار المشاريع المرخصة من أجل احترامها لمقتضيات‬
‫القانون‪.‬‬
‫‪ -‬إبداء رأيها الملزم في طلبات الترخيص المتعلقة بمشاريع البناء وتقسيم وتجزيء األراضي؛‬
‫‪ -‬تقديم المساعدة التقنية للجماعات والهيئات العامة والخاصة في مجال دراسات وإعداد عمليات‬
‫التعمير والتهيئة‪.‬‬
‫وقد أصبحت هاته الوكاالت تلعب دورا أساسيا في مجال الدراسات والتخطيط الحضري وفي‬
‫مجال المتابعة والمراقبة‪ ،‬بحيث باتت تنوب عن اإلدارة المركزية في القيام بهذه األعمال من جهة‪ ،‬ومن‬
‫جهة أخرى تساعد بالخصوص رؤساء المجالس الجماعية في مجال الدراسات التقنية وفي مجال ممارستهم‬
‫للشرطة اإلدارية التي يخولها لهم القانون في ميدان التعمير‪ .‬ويحدد مرسوم ‪ 27‬ماي ‪ 2013‬المتعلق‬
‫بضوابط البناء العامة كيفية مساهمة الوكالة الحضرية في دراسة ومنح الرخص اإلدارية في مجال التعمير‪.‬‬
‫وتنص المادة ‪ 35‬من المرسوم المذكور على ما يلي‪" :‬يقرر رئيس المجلس الجماعي بشأن مآل الرخصة‪،‬‬
‫وذلك في ضوء اآلراء واالستشارات المعبر عنها من طرف أعضاء لجنة الدراسة المشار إليها في المادة‬
‫‪ 20‬أعاله‪ .‬واليمكن‪ ،‬في أي حال من األحوال‪ ،‬تسليم الرخصة دون الحصول على الرأي المطابق الذي‬
‫يبديه ممثل الوكالة الحضرية في حظيرة لجنة الدراسة‪.92".‬‬
‫‪ - 3.3‬الجماعات‬
‫تعتبر الجماعات هي المجال الجغرافي الرئيسي لتطبيق قواعد التعمير‪ .93‬وتشمل المجال‬
‫الحضري وكذلك المجال القروي على اعتبار أن أحكام قانون التعمير رقم ‪ 12.90‬وضعت لتسري‬
‫الجماعات الحضرية والمراكز المحددة التي هي أجزاء من المجال القروي باإلضافة إلى المناطق القروية‬
‫المحيطة بالمدن والمراكز المحددة (الضواحي)‪ ،‬بينما تسري أحكام ظهير ‪ 25‬يونيو ‪ 1960‬على الكتل‬
‫العمرانية القروية‪ .‬وتكتسي وثائق التعمير أهمية كبرى في تحديد المعالم العمرانية للجماعات وفي التخطيط‬
‫ل توزيع السكان واألنشطة بشكل يضمن نوعا من التوازن والتكامل فوق تراب كل جماعة‪ .‬ثم إن دور‬
‫‪ 91‬تجدر اإلشارة إلى أن الوكاالت الحضرية التي أحدثت قبل صدور قانون ‪ 10‬ستنبر ‪ 1993‬تم إحداثها بمقتضى قوانين‪ ،‬وهي وكاالت الدار‬
‫البيضاء (ظهير ‪ 9‬أكتوبر ‪ )1984‬وإقليم فاس (القانون رقم ‪ )19.88‬وأكادير (القانون رقم ‪ .)20.88‬وهناك نصوص تشريعية أخرى تنظم بعض‬
‫الوكاالت الخاصة بتهيئة مجاالت معينة مثل وكالة تهيئة وتنمية ضفتي أبي رقراق (قانون ‪ 23‬نونبر ‪ )2005‬ووكالة تهيئة واستثمار موقع بحيرة‬
‫مارشيكا (قانون ‪ 16‬يوليوز ‪.)2010‬‬
‫‪ 92‬مرسوم رقم ‪ 2.13.424‬صادر في ‪ 24‬ماي ‪ 2013‬بالموافقة على ضابط البناء العام المحدد لشكل وشروط تسليم الرخص والوثائق المقررة‬
‫بموجب النصوص التشريعية المتعلقة بالتعمير والتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات والنصوص الصادرة لتطبيقها‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 6155‬بتاريخ ‪ 27‬ماي ‪ ،2013‬ص‪.4306 .‬‬
‫‪ 93‬لم يعد المشرع يميز بين الجماعات الحضرية والجماعات القروية منذ صدور القانون التنظيمي رقم ‪ 113.14‬المتعلق بالجماعات في سنة‬
‫‪ .2015‬كما أن "المراكز المستقلة" التي نص عليها المشرع كمجال ترابي لتطبيق قواعد التعمير لم يعد لها وجود في التقسيم الترابي منذ أواسط‬
‫التسعينات‪ .‬نفس الشيء بالنسبة لمصطلح "البلديات"‪.‬‬
‫الجماعات عرف تطورا ملحوظا ومتناميا في ميدان التعمير انطالقا من إصالح الميثاق الجماعي سنة‬
‫‪ ، 1976‬حيث عملت السلطات العمومية ألول مرة على نقل اختصاصات شرطة التعمير لفائدة رؤساء‬
‫المجالس الجماعية‪.‬‬
‫إن الجماعات كفاعل محلي تساهم بشكل كبير في التنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية وفي‬
‫توفير شروط التنمية المجالية والتدبير الحضري الفعال من خالل التخطيط والبرمجة واإلنجاز والتدبير‬
‫كما جاء ذلك في المادة ‪ 77‬من القانون رقم ‪ 113.14‬المتعلق بالجماعات‪ .94‬ويتجلى ذلك من خالل‬
‫االختصاصات التي تمارسها هذه األخيرة في مجال التخطيط الحضري وبرمجة األعمال التنموية المقرر‬
‫إنجازها في إطار برنامج عمل الجماعة السداسي (لمدة ست سنوات) الذي يتعلق أساسا بإحداث المرافق‬
‫والتجهيزات األساسية‪ .‬ففي مجال إعداد وثائق التعمير ينص القانون رقم ‪ 12.90‬على مساهمة الجماعات‬
‫في وضعها‪ ،‬وذلك بواسطة مشاركة رؤساء مجالسها المنتخبة في عضوية لجنتي التعمير المركزية والمحلية‬
‫لمتابعة وضع وثائق التعمير من جهة‪ ،‬وعن طريق دراسة إبداء رأي مجلس الجماعة في كل مخطط أو‬
‫تصميم للتعمير من جهة أخرى‪ .‬كما ينص نفس القانون على جواز إصدار قرارات إحداث وتخطيط حدود‬
‫الطرق العامة والساحات ومواقف السيارات‪ ،‬وهي وثائق تعميرية‪ ،‬من طرف رئيس المجلس الجماعي‪.‬‬
‫هذا باإلضافة إلى أنه هو الذي يمارس اختصاص إصدار قرار القيام بدراسة تصميم التهيئة بهدف تأجيل‬
‫البث في طلبات الترخيص‪ ،‬وهو الذي يعلن للعموم عن إجراء البحث العلني حول مشروع التصميم‪.‬‬
‫وإذا كان الميثاق الجماعي السابق (القانون رقم ‪ 95)78.00‬قد منح للجماعات اختصاصات مهمة‬
‫في مجال التعمير‪ ،‬خاصة في المادتين ‪ 38‬و ‪ 50‬منه‪ ،‬فإن القانون التنظيمي الجديد للجماعات (القانون‬
‫التنظيمي رقم ‪ )113.14‬سار في نفس االتجاه‪ ،‬فأكد في المادة ‪ 92‬على ممارسة الجماعات لصالحية إبداء‬
‫الرأي حول جميع وثائق التعمير وإعداد التراب؛ ونص في المادة ‪ 85‬على مجموعة من االختصاصات‬
‫الذاتية التي تمارسها الجماعة في ميدان التعمير‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬السهر على احترام االختيارات والضوابط المقررة في مخطط توجيه التهيئة العمرانية وتصميم‬
‫التهيئة أو التنمية وكل الوثائق المتعلقة بإعداد التراب والتعمير؛‬
‫‪ -‬الدراسة والمصادقة على ضوابط البناء الجماعية؛‬
‫‪ -‬تنفيذ مقتضيات وتوجهات تصميم التهيئة أو التنمية بخصوص فتح مناطق جديدة للتعمير‪.‬‬
‫أما المادة ‪ 101‬من نفس القانون التنظيمي فتحدد اختصاصات رئيس المجلس الجماعي في مجال‬
‫الشرطة اإلدارية المتعلقة بميدان التعمير‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬
‫‪ -‬السهر على تطبيق قانون التعمير واألنظمة المتعلقة به خاصة ضوابط تصاميم التعمير وإعداد‬
‫التراب‪،‬‬
‫‪ -‬منح رخص البناء والتجزئات وتقسيم األراضي بعد أخذ رأي الوكالة الحضرية في الموضوع‪.‬‬
‫‪ -‬منح رخص البناء وشهادات المطابقة لمشاريع البناء والتجزئات‪.‬‬
‫هذا وينظم ضابط البناء العام شكل وشروط إيداع ودراسة طلبات تسليم الرخص المتعلقة بإحداث‬
‫التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات ورخص البناء ورخص السكن وشواهد‬
‫المطابقة‪ .96‬أما القانون رقم ‪ 66.12‬المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء فقد عمل‬

‫‪ 94‬ظهير شريف رقم ‪ 1.15.85‬صادر بتاريخ ‪ 7‬يوليوز ‪ 2015‬بتنفيذ القانون التنظيمي رقم ‪ 113.14‬المتعلق بالجماعات‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 6380‬بتاريخ ‪ 23‬يوليوز ‪ ،2015‬ص‪.6660 .‬‬
‫‪ 95‬ظهير شريف رقم ‪ 1.02.297‬صادر بتاريخ ‪ 3‬أكتوبر ‪ 2002‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 78.00‬المتعلق بالميثاق الجماعي‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 5058‬بتاريخ ‪ 21‬نونبر ‪ ،2002‬ص‪.3468 .‬‬
‫‪ 96‬مرسوم رقم ‪ 2.13.424‬صادر في ‪ 24‬ماي ‪ 2013‬بالموافقة على ضابط البناء العام المحدد لشكل وشروط تسليم الرخص والوثائق المقررة‬
‫بموجب النصوص التشريعية المتعلقة بالتعمير والتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات والنصوص الصادرة لتطبيقها‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 6155‬بتاريخ ‪ 27‬ماي ‪ ،2013‬ص‪.4306 .‬‬
‫على بسط يد السلطات المحلية في ميدان شرطة التعمير على حساب رئيس مجلس الجماعة والوكالة‬
‫الحضرية بدعوى عدم فعالية أو تقاعس هؤالء في ضبط وزجر المخالفات في مجال اإلسكان والتعمير‪.‬‬
‫وقد أصبح رئيس المجلس ملزما بتوجيه نسخ من رخص البناء والمطابقة إلى السلطة المحلية‪ ،‬فخول لها‬
‫القانون رقم ‪ 12.66‬في مادته ‪ 68‬إمكانية إصدار أمر بهدم كل بناء غير مرخص به أو مخالف لوثائق‬
‫التعمير في حال عدم امتثال صاحبة ألوامر مراقبي التعمير‪ .‬ويقصد بالمراقبين‪ ،‬كما جاء في المادة ‪65‬‬
‫من نفس القانون‪ ،‬ضباط الشرطة القضائية ومراقبو التعمير التابعون للوالي أو العامل‪ ،‬المخولة لهم صفة‬
‫الشرطة القضائية‪ ،‬الذين يمارسون صالحية معاينة مخالفات التعمير‪.‬‬

You might also like