ماهية التعمير المبادئ و الأسس
ماهية التعمير المبادئ و الأسس
fb.com/Elkanounia.Ma twitter.com/ElkanouniaMa
جامعة محمد الخامس بالرباط
كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية
أكدال
قانـون التعميـر
تأليف
األستـاذ عبـد اإلاله المكينسـي
2020-2019
مقدمـة
إذا كان مفهوم التعمير قد ارتبط بظهور المدينة الصناعية الحديثة ،وعرف تطورا ملحوظا مع
نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ،فإن مسألة تنظيم المدينة وتنميتها اقترنت بوجود المدن
العتيقة في العصور القديمة .ويدلنا التاريخ أن جل المجتمعات القديمة سهرت على إنشاء تجمعات سكنية
مركزة ومنظمة ومحاطة ،في غالب األحيان ،بأسوار عالية بهدف حمايتها ضد غارات األعداء .وعملت
على تنظيمها بشكل يخدم مختلف األنشطة المجتمعية ،وجعلها مجاال مناسبا لنمو المجتمع وربط العالقات
االجتماعية واالقتصادية والثقافية والسياسة .ولذلك تميزت المدن القديمة بتوفرها على مراكز السلطة
وأماكن السكنى والممرات واألزقة والساحات العمومية واألسواق والمعابد وغيرها.
و هناك مفكرون قدامى أمثال أرسطو وأفالطون وشيشرون وابن خلدون اهتموا بالمدينة وبدورها
في تنظيم العالقات داخل المجتمع ،خاصة على المستوى السياسي واالجتماعي .فالمدينة هي التي كانت
تسمح بالعيش الجماعي وتوفر مجموعة من المساكن أو األحياء التي تتوسطها أسواق ومعابد وساحات
عمومية ذات استعمال مشترك .بل كانت هي أساس الدولة لدى المفكرين اليونان :تجمع سكاني محصن
يتحول إلى مدينة ( .1)Urbsويعتبر المفكر اليوناني هيبودام ) (Hippodameمن أقدم المهندسين
المعماريين الذين تجاوزوا االهتمام بالمساكن ليفكروا في بناء المدينة بشكل منسجم ومتناسق .وكان من
األوائل الذين ابتكروا فكرة التخطيط لتصفيف المنازل وشق األزقة والطرقات بشكل متوازي ومستقيم،
فسماه غوستاف كلوتز ( )Gustave Glotzفي كتابه "المدينة اليونانية" المهندس عالم االجتماع
( .2)architecte sociologueوقد عرفت حضارات أخرى من بينها الحضارة البابلية والحضارة
الرومانية والحضارة اإلسالمية أنماطا مختلفة لتنظيم مدنها وتجمعاتها السكنية.
لذلك ارتبط مفهوم المدينة بمفهوم العمران أو التحضر الذي يعنى به استقرار الساكنة بمجال
ترابي محدد يسمح لها ببلورة نمط معيشي اجتماعي واقتصادي وثقافي مختلف عما هو متعارف عليه في
المجاالت أو المناطق الزراعية .ويرى ماكس فيبر ( )Max Weberأن المدينة التختزل في مسكن واحد
أو عدة مساكن مشيدة بشكل متفرق ،بل تعني على كل حال تكتال سكنيا ،أي مجاال محليا تشيد فيه المنازل
قريبة جدا بعضها بالبعض ،ولها وظائف متعددة تجارية واقتصادية وسياسية وإدارية واجتماعية .3ولذلك
فإن المدينة هي في نفس الوقت إقليم وسكان :هي إطار مادي ومجال للعيش المشترك ،تتشكل فيها مجموعة
من البنايات والتجهيزات ،وتربط فيها العديد من العالقات بين فئات المجتمع.4
ويمكن القول إن نشأة المدن وتطورها مع مرور الزمن كان من أهم أسباب ظهور فكرة التنظيم
ثم فكرة التخطيط لتنظيم مختلف جوانب حياة المجتمع ،من سكن ومرافق وتجهيزات وفرص الشغل
والتواصل ،في المدينة أو فيما أصبح يطلق عليه في علم التعمير "المجال الحضري" .غير أن التعمير
كسياسة وكتخطيط واعي لتنظيم المجاالت الحضرية ظهر كما سبقت اإلشارة مع ظهور المدينة الحديثة
ومع إصدار بعض الكتابات األولى في هذا المجال مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
وتعتبر كل من كتابات المهندس اإلسباني إلديفونصو سيردا ( )Ildefondo Cerdaحول تعمير مدينة
1
Marcel Prélot et Georges Lescuyer, «Histoire des idées politique», 7° édition, Dalloz, paris, p. 125.
2
Op. cit., pp. 26-27.
3
Max Weber, « La ville », éd. Aubier Montaigne, Paris, 1982, p. 17.
4
Yves Grafmeyer, « Sociologie urbaine », éd. Nathan, Paris, 1994, p. 8.
برشلونة سنة ،1876وكتابات المهندس الفرنسي هنري بروست ( )Henri Prostحول ظاهرة التعمير
بالمغرب وفرنسا في بداية القرن العشرين من األعمال المؤسسة لفلسفة التعمير وتنظيم المجاالت الحضرية
(التخطيط الحضري).
ويعد المغرب من بين أوائل الدول التي توفرت ،مع بداية عهد الحماية ،على نظام قانوني مدون
في ميدان التعمير .هذا النظام الذي أخذ كمنهاج من طرف دول عديدة أخرى نظرا للدور الذي استطاع أن
يلعبه في إعداد وتهيئة مجموعة من المدن المغربية خالل حقبة من الزمن .وقد عمدت سلطات الحماية
آنذاك إلى اعتماد هذا القانون بالمغرب وبمستعمرات أخرى بهدف التجربة قبل نقله إلى فرنسا ابتداء من
نهاية الحرب العالمية األولى .وهناك أحياء عديدة من مدن مراكش أو الرباط أو فاس الزالت شاهدة على
عظمة العمران والمعمار المغربيين وعلى االنسجام المطلق بين التخطيطات واألشكال العمرانية والهندسية
التي انبثقت عنها .إال أن االرتباط بين القانون والواقع أخذ ينفصم تدريجيا لعدم احترام األبعاد المتعددة
لقانون التعمير من اجتماعية واقتصادية وعقارية وتقنية وتنموية ...إلخ.
إن العالقة بين قانون التعمير وتحسين واقع المدن المغربية ترتبط ارتباطا وثيقا بمدى تحكم
السلطات العمومية في النمو العمراني للمجاالت الحضرية ،ومدى نجاعة التخطيط العمراني وإعداد التراب
الوطني ،وقدرة المؤسسات المتدخلة في القطاع على تنزيل مقتضيات القانون وتوجهات وثائق التعمير
بكيفية سليمة.
ولعل دراسة قانون التعمير بأبعاده المتعددة يتطلب منا كمدخل للموضوع تحديد مجموعة من
المفاهيم والمصطلحات المرتبطة ارتباطا وثيقا بهذا الفرع من القانون ،كمفاهيم التعمير والتخطيط والتمدن
والتوسع الحضري ،ثم معالجة األسس والمباديء التي يقوم عليها هذا القانون ،والمراحل التاريخية التي
مر منها ،وأخيرا إلقاء نظرة على اإلدارة المكلفة بالتعمير في المغرب سواء على المستوى المركزي أو
المحلي.
-1تحديد المفاهيم والمصطلحات
هناك تعريفات مختلفة للتعمير ،وهناك مصطلحات ومفاهيم حديثة نشأت وتطورت مع نشوء
وتطور فلسفة التعمير .فمن المعلوم أن انشغال الدولة بقضايا المجتمع تزايد بشكل كبير بعد الحربين
العالميتين األولى والثانية .ومن بين المشاكل التي واجهتها الدول آنذاك إعادة البناء والتجهيز والتخطيط
إلعادة اإلعمار (سياسة التعمير) ،وتوافد سكان القرى على المدن بحثا عن فرص الشغل وعن حياة أفضل
(ارتفاع نسبة التمدن) ،وتوسع المجاالت الحضرية على حساب المجال القروي.
- 1.1التمـدن
يعرف الكاتب األمريكي جان كاليد ميتشال ( )Jean Clyde Mitchelالتمدن بأنه "عملية
االستقرار بالمدينة" .5فالتمدن انطالقا من هذا التعريف يعني عملية التركيز المستمر للسكان في الكتل
العمرانية الحضرية.
وهذا التعريف ،بالرغم من صحته ،يظل غير تام ألنه ال يأخذ بعين االعتبار إال عنصرا وحيدا
من الظاهرة الحضرية وهو السكان .فمصطلح التمدن يحتوي على معنى أوسع ،ويعني في نفس الوقت
تنظيم وتجهيز مجال جغرافي معين من أجل تنمية أو خلق كتلة عمرانية ،كما قد يعني النمو العمراني
لجماعة معينة من السكان.
فالتمدن إذن له معنيان :المعنى األول مادي يتجلى في عملية نمو المدن وتوسعها وخلق مدن
جديدة وتهيئتها وتجهيزها .والمعنى الثاني ديمغرافي يتمثل في تزايد تركيز السكان في المدن ونمو عددهم
باستمرار وتنوع حاجياتهم االجتماعية واالقتصادية والثقافية.
ويعتبر عنصر السكان من العناصر األساسية المكونة للظاهرة الحضرية ألن الحركة السكانية
تعد من بين الموجهات الرئيسة للنمو الحضري أي التمدن .فالهجرة من البادية إلى المدينة مثال تعتبر من
العوامل األساسية التي تتحكم في توسع المجال الحضري وتطوره .ولعل تتبع الحركة السكانية مثال كمحور
للظاهرة الحضرية يساعدنا على استقصاء العوامل التي دفعت بمجموعة من السكان إلى اختيار المدينة
كمقر دائم لهم ،وما هو سبب التركيز البشري في الكتل العمرانية الحضرية.
إن ظاهرة التمدن لم تطرح كمشكلة إال في بداية القرن العشرين .وخالل القرن التاسع عشر لم
يكن سكان الحواضر يتجاوزون % 3من مجموع سكان العالم؛ وفي سنة 1950انتقل هذا العدد إلى 30
، %ثم إلى % 47في بداية القرن الحالي أي سنة .2000وقد أصبح عدد المدن التي يفوق عدد سكانها
مليون نسمة أكثر من 213مدينة بينما فاق عدد المدة التي يتعدى سكانها عشرة ماليين نسمة 23مدينة
عبر العالم.
فالثورة الصناعية كانت مصحوبة في غالب األحيان بتمدن سريع ناتج عن نمو ديمغرافي سريع
ومغادرة سكان البوادي لألعمال الفالحية قصد البحث عن عمل في الميدان الصناعي وتحسين مستوى
العيش العائلي .غير أن هذا ال يعني بأن التمدن والتصنيع متالزمان في جميع األحوال ،أو أن التمدن ناتج
فقط عن التصنيع أو يعتبر من نتائجه الحتمية .فقد نجد في بعض الدول أن ظاهرة التمدن صاحبت عملية
التصنيع (الدول المصنعة) ،بينما عرفت دول أخرى تمدنا وصل إلى درجة كبرى ال توازي ما وصل إليه
التصنيع ،ودول أخرى شهدت نموا صناعيا ضخما دون ان تعرف حركة التمدن فيها نشاطا يوازي هذا
التقدم الصناعي المتقدم .فمثال نالحظ أن سويسرا عرفت تقدما صناعيا كبيرا دون تمدن نشيط موازي،
5
Jean Clyde Mitchel, « Urbanisation, detribalisation and stabilisation in southerns : a problem of definition and
measurement”, Rapport de l’UNESCO, “Aspects sociaux de l’urbanisation et de l’industrialisation en Afrique au
Sud Sahara », UNESCO, Paris, 1956.
بينما شهدت الصين في المقابل ومنذ القدم تكتالت عمرانية ضخمة دون أن يلعب التصنيع أي دور في
ذلك.6
وإذا رجعنا إلى دول العالم الثالث فإننا سنالحظ أن التمدن قد اكتسى خطورة كبرى لكونه جاء
نتيجة االستعمار ،وبات من المشاكل األساسية التي وجب إيجاد حلول لها بموازاة مع مشاكل التنمية
األخرى.
إن عملية التمدن ظاهرة معروفة في الدول المتقدمة والدول النامية؛ فهي ظاهرة عالمية .والنمو
العمراني السريع له بالضرورة نتائج أكثر خطورة على الدول األقل نموا ،وذلك الرتكازه على مجموعة
كبرى من المتطلبات والمجهودات التي تستطيع الدول المتقدمة أن تتغلب عليها نسبيا بسبب استقرارها
السياسي واالقتصادي ومستوى العيش المالئم وتنظيم وليونة البنيات االجتماعية وغيرها .7 ...أما دول
العالم الثالث فتعاني من الظاهرة بسبب عدم التوازن االقتصادي واالجتماعي وتباين مستوى الدخل بين
البادية والمدينة.
ولقد اكتسى مشكل التمدن أهمية كبرى بمختلف دول العالم ،مما دفع البعض إلى اعتباره "أهم
ظاهرة عرفها النصف الثاني من القرن العشرين" .8ففي فرنسا عرف المجتمع الفرنسي هذه الظاهرة منذ
سنوات األربعينات من القرن الماضي ،حيث إن عدد السكان الحضريين كانوا يمثلون على التوالي نسبة
% 53من مجموع السكان سنة ،1946ونسبة % 61سنة ،1962ليصل إلى % 70في سنة ،1970ثم
إلى % 83في سنة ،1985و % 85سنة .2010ويبلغ حاليا حسب اإلحصائيات األخيرة .......
أما في المغرب فإن بوادر التمدن بمفهومه الحالي لم تظهر إال في بداية القرن الماضي مع مجيء
عهد الحماية .هذا الحدث الذي خلق تحوالت جذرية في البنية االقتصادية واالجتماعية والثقافية أثرت في
الحياة العادية للمواطن المغربي وفي التوازن بين المدينة التي اهتمت بها سلطات الحماية والبادية التي
بقيت على حالها .9فاختيارات التصنيع التي مارستها سلطات الحماية ،وخلق أنشطة جديدة وتبني نوع جديد
من اإلدارة والتسيير ،وتغيير العالقة بين اإلدارة والمنتفعين ،واألزمة االقتصادية العالمية لسنة ،1929
كلها عوامل أدت إلى اإلعالن عن ميالد وضعية جديدة في المغرب هي التمدن .غير أن هذه الظاهرة لم
تشكل أزمة في المغرب إال بعد األزمة االقتصادية الكبرى ،خاصة ابتداء من سنة ،1931حيث وصلت
آثار هذه األزمة إلى المغرب ،فمست القطاع الفالحي ،وترتب عن ذلك هجرة مجموعة كبرى من العاملين
في هذا القطاع إلى المدينة بحثا عن فرصة عمل يستطيعون بواسطتها مواصلة العيش .إال أن األزمة
بالمدينة لم تكن أخف منها في البادية ،مما جعل المجاالت الحضرية الناشئة آنذاك تعرف مشكلتين في آن
واحد :مشكلة مرتبطة باألزمة االقتصادية ،وأخرى ناتجة عن التمدن .وكان اجتماع هاتين المشكلتين سببا
في بروز ظواهر حضرية جديدة هي مدن الصفيح والدواوير العشوائية واكتظاظ المدن العتيقة بالسكان،
ثم البطالة والمشاكل االقتصادية المترتبة عن سياسة الحماية.10
ففي سنة 1914كان عدد سكان المدن بالمغرب ،حسب تقدير للوضعية قامت به سلطات الحماية،
حوالي 650.000نسمة؛ وفي سنة 1926بلغ حوالي مليون نسمة ،بينما تراوح مابين 1.300.000و
1.500.000نسمة في سنة .1936ومابين سنتي 1960و ،1971أي بعد الحصول على االستقالل،
انتقل عدد السكان الحضريين من .....إلى 5.400.000نسمة (إحصاء سنة .)1971والمالحظ أن عدد
سكان المناطق القروية لم يرتفع إال بنسبة % 1.8بينما ازداد عدد سكان المدن بنسبة ،% 4.8وقد مر
6
Gerald Brosso, « Urbanisation et tradition », les éditions internationales, 1969.
7
Abdel Ilah Mkinsi, « Le droit marocain de l’urbanisme », publications de l’I.N.A.U, Rabat, 1989, p. 3.
8
Edgard Pisani, débats de l’assemblée nationale française lors de la discussion de la loi française de 1967,
séance du 8 novembre 1966.
9
Saâd Benzakour, « Essai sur la politique urbaine au Maroc 1912-1975. Sur le rôle de l’Etat », Les éditions
Maghrébines, Casablanca, 1978, p. 59.
10
E. Escalier, La croissance urbaine au Maroc », Annuaire d’Afrique du Nord, 1972, p. 145.
معدل التمدن من % 29إلى % 35خالل هذه الفترة ،الشيء الذي جعل النمو الديمغرافي وحركة السكان
يسيران في اتجاه المزيد من التمدن.11
أما بين سنتي 1971و 1982فإن الوضعية بقيت على ما هي عليه مع نقصان طفيف في مستوى
التمدن .وهكذا فإن عدد سكان المدن أصبح ،حسب إحصاء ،1982يناهز 8.730.399نسمة؛ وعرف
خالل هذه الفترة نموا سنويا يقدر ب ،% 4.4فبات السكان الحضريون يمثلون نسبة % 42.75من مجموع
سكان المغرب.
وخالل إحصاء سنة 1994ارتفعت نسبة السكان الحضريين إلى ،% 51حيث بلغ عددهم
13.407.853نسمة مقابل 12.665.882نسمة في العالم القروي .12وتأكد هذا االتجاه التصاعدي في
إحصاء سنة ،2004فبلغت نسبة سكان المدن % 55بما مجموعه 16.463.634نسمة مقابل
13.428.074نسمة ) (% 45يقطنون بالمناطق القروية.
وحسب أخر إحصاء للسكان والسكنى لسنة 2014فإن عدد السكان القانونيين بالمغرب بلغ
33.848.242نسمة موزعين كالتالي :عدد سكان المدن 20.432.439وعدد سكان العالم القروي
.1313.415.803وقد باتت نسبة التمدن تمثل ،% 60.3أي أن غالبية سكان المغرب أصبحت تقطن حاليا
بالمناطق الحضرية ،ولم يعد باإلمكان اعتبار المغرب بلدا قرويا كما كان عليه األمر قبل سنوات الثمانينات
من القرن الماضي.
- 2.1التعمير
يقابل مصطلح "التعمير" في اللغة الفرنسية مصطلح " ،"Urbanismeوهو كلمة مشتقة من
الكلمة الالتينية " ،"Urbsوتعني المدينة .ولذلك فإن التعمير ،فلسفة وهندسة وقانونا ،ظل مرتبطا بالمدينة
وبتنميتها (التهيئة والتنمية الحضرية).
غير أن هذا المصطلح لم يتضح مفهومه إال بعد فترة طويلة من الممارسة .فنجده مثال في ظهير
16أبريل 1914كان يعني تصاميم التصفيف14؛ وفي القانون الفرنسي بتاريخ 14مارس 1919كان
يعني مشاريع تهيئة وتجميل وتوسع المدن15؛ أما لدى الكتاب والباحثين فتارة اعتبروه فنا وتارة أخرى
علما أو فلسفة أو سياسة عمومية.
فبالنسبة للباحث الفرنسي شارل هيبر ( )Charles Hubertفهو "علم تنمية المدينة" ،هدفه
األساسي تحقيق نمو منسجم للمدينة .16وفي نظر الكاتب لوي جاكينيون (" )Louis Jacquignonيمكن
القول إن التعمير هو فن تهيئة المدن أو علم المدينة أو علم الكتل العمرانية التي تشكل نوعا من التكامل
واالستمرارية ،وتخصص أساسا للسكنى والعمل والتبادل االجتماعي" .17وبالنسبة للباحثين جان ماري
أوبي وروبير دوكوس أدير ( )Jean Marie Auby – Robert Ducos Aderفإن التعمير هو مجموعة
11
M’hammed Dryef, « urbanisation et droit de l’urbanisme au Maroc », CNRS éditions, Paris, 1993, p. 32.
12نعني بالسكان الحضريين حسب المفهوم القانوني سكان التكتالت العمرانية المنظمة في إطار عماالت أو بلديات حسب التقسيم الترابي للمملكة
آنذاك.
13حسب توقعات المندوبية السامية للتخطيط ( )Horloge de la populationناهز عدد السكان القانونيين بالمغرب 35.463.093نسمة في
فاتح مارس .2019
راجع الموقع اإللكتروني للمندوبية السامية للتخطيطwww.hcp.ma :
14
Les plans d’alignement.
15
Les projets d’aménagement, d’embellissement et d’extension des villes.
16
Charles Hubert, "Les principes de l’urbanisme », éd. Dalloz, Collection connaissance du droit, Paris, 1993, p. 1.
17
Pour Louis Jacquignon « on peut dire que l’urbanisme, c’est l’art d’aménager les villes ou encore la science de
la ville ou la science des agglomérations présentant une certaine continuité et essentiellement destinées à
» l’habitation, au travail et aux échanges sociaux
Louis Jacquignon, « le droit de l’urbanisme, cités actuelles et villes nouvelles », 6ème plan 1971-1975, éd.
Eyrolles, Paris, p. 2.
التي من شأنها أن تعمل على تحقيق نمو متناسق 18
التدابير التقنية والقانونية واالقتصادية واالجتماعية
ومنسجم ومعقول وإنساني للكتل العمرانية.19
أما كاستون باردي ( )Gaston Bardetفإنه يعتبر أن التعمير علم وفن وفلسفة :20فهو علم ألنه
يستقصي المشاكل ويدرس الوقائع ويبحث عن األسباب األساسية بطريقة منهجية ،وبعد تحليلها تحليال دقيقا
يخرج بمباديء أو قواعد عامة؛ وهنا ينقلب إلى فن أساسه خلق نظريات وأطروحات جديدة تطبق على
األحجام التي يأوي إليها اإلنسان .لكن تطبيق هذا الفن بعد دراسته علميا يستدعي اختيارين أساسين :اختيار
المكونات الحضرية التي تستوجب العناية أو التغيير أو اإلنشاء ،واختيار التطبيق المتيسر .وهذان
االختياران يقودان إلى توضيح القيم اإلنسانية ،وهما بالضرورة فلسفة.21
فالتعمير إذن علم وفن وفلسفة يتجلى عن طريق مجموعة من التدابير التقنية واالقتصادية
والقانونية واالجتماعية الهادفة إلى خلق نمو متناسق معقول وإنساني للمجال المشيد والغير مشيد.
- 3.1قانون التعمير
كان مجال تدخل اإلدارة في السابق يقتصر على ميادين محددة ،ثم أخذ يتوسع تدريجيا بعد
الحربين العالميتين ليكتسح ميادين كانت في الماضي متروكة لمبادرة الخواص .وقد اتخذ هذا التدخل في
البداية صبغة توجيهية ،ثم تطور لكي يتخذ في عصرنا الحالي صيغة تدخل مباشر للقيام بمجموعة من
األنشطة والعمليات باسم المنفعة العامة.
وقد نتج عن توسع نشاط اإلدارة هذا تداخل بين مجاالت عملها ومجاالت نشاط الخاص ،الشيء
الذي جعل الدولة تجد نفسها مرة أخرى ملزمة بالتدخل لتنظيم العالقات بين اإلدارة والخواص حتى ال
يتعدى قطاع على حقوق وامتيازات القطاع اآلخر .ولهذا كان من الضروري سن مجموعة من النصوص
القانونية التي من شأنها توضيح حدود المجاالت التي تدخل في إطار المبادرة الخاصة (المنفعة الخاصة)
والمجاالت التي اكتسبت صفة العمومية (المنفعة العامة) .فبادرت بعض الدول ومن بينها المغرب (ظهير
)1914إلى وضع أولى قواعد التعمير مثل السويد (قانون )1874وهولندا (قانون )1901وبريطانيا
(قانون )1909وفرنسا (قانون .)loi Cornudet – 1919
فالتعمير إذن باعتباره مجموعة من المجاالت التي تتداخل فيها المبادرة الخاصة وحق الملكية مع
المبادرة العمومية التي تتم باسم المنفعة العامة ،قد استدعى تدخل الدولة لتنظيمه بعدد من النصوص القانونية
لضمان تحقيق نوع من التوازن بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة .وقد جاء في بداية األمر في شكل
شرطة إدارية تنظم استعمال الملكية الخاصة حتى التتعارض مع مصلحة المجتمع .ومع مرور الوقت،
خاصة بعد الحرب العالمية الثانية ،انخرطت قواعد التعمير في التوجه نحو التهيئة والتخطيط العقالني لنمو
المناطق الحضرية.22
18أي مامعناه مجموعة من التدخالت العمومية التي يجب أن تتم في إطار سياسة عمومية متكاملة تستحضر مختلف الجوانب التقنية والقانونية
واالقتصادية واالجتماعية.
19
Jean Marie Auby – Robert Ducos Ader, « Droit administratif- Fonctions, biens et travaux », précis Dalloz,
Paris, 1973, pp. 733 et 735.
20
Gaston Bardet, « Problèmes d’urbanisme », Bibliothèque QSB Dunord, Paris, 1941, P.6.
21
Pour Gaston Bardet, « … il n’est sidérant de discuter si l’urbanisme est une science ou un art… L’urbanisme
est un ensemble de disciplines. L’urbanisme est tout d’abord une science qui s’attaque à la connaissance des
choses, étudie méthodiquement les faits, recherche les causes premières, puis après un travail rigoureux
d’analyse, en synthèses successives, de déterminer sinon les lois, du moins les principes directeurs ; sur cette
base peut s’ériger un art appliqué qui passe à l’action, à la création de synthèses nouvelles, matérialisant par
un jeu de pleins et de vides les volumes où s’abritent les groupes sociaux ; l’analyse scientifique, nécessite un
double choix : choix des composants urbains à soigner, modifier, créer, et choix des applications possibles. Ce
double choix impliquant la détermination des valeurs humains, c’est par essence une philosophie ».
22
Jacqueline Morand-Deviller, Droit de l’urbanisme, 5° édition, Dalloz, 2001, p. 3.
هذه النصوص أو القواعد القانونية هي ما نطلق عليها قانون التعمير الذي يعرف بأنه "مجموعة
القواعد القانونية التي تلزم اإلدارة باسم المنفعة العامة والخواص باسم الدفاع عن المصلحة الخاصة على
تنسيق نشاطهم من أجل تهيئة الكتل العمرانية".23
ويكتسي الجانب القانوني لميدان التعمير أهمية خاصة لكونه يعد اإلطار الذي يدخل فيه النشاط
التقني واالقتصادي واالجتماعي ليخرج على هيئة ضوابط وقواعد قانونية ملزمة تعد بمثابة المحرك
والموجه لسياسة التعمير :فالمعطيات التقنية واالقتصادية واالجتماعية تخرج على هيئة قواعد قانونية
ومخططات تلزم اإلدارة بالتدخل للدفاع عن المنفعة العامة وتؤطر الخواص خالل ممارستهم ألنشطتهم
الخاصة ،مع العمل على خلق تنسيق بين المبادرة الخاصة والعمومية من أجل تهيئة وتنمية التكتالت
العمرانية.
من خالل هذا التعريف بقانون التعمير يتجلى لنا بأن هذا الفرع من فروع القانون قد نشأ وتبلور
بطريقة تدريجية جعلت من الالزم اعتباره مادة مستقلة بذاتها .وهنا يمكننا أن نتساءل عن درجة هذا
االستقالل ،وهل معناه استقالل هذا الفرع عن كل الفروع األخرى للقانون ،أم أنه ينتمي إلى أحد الفرعين
الرئيسين ،القانون العام أو القانون الخاص؟
إن استقالل قانون التعمير عن فروع القانون األخرى ال يعني بتاتا استقالله عن أحد الفرعين
الرئيسيين للقانون؛ فإدا نحن عرفنا القانون الخاص بأنه ذلك الفرع الذي يجمع القواعد القانونية المنظمة
للعالقات بين الخواص خالل ممارستهم لنشاط يهدفون من ورائه تحقيق مصلحتهم الخاصة؛ وإذا نحن
عرفنا القانون العام بأنه ذلك الفرع من القانون الذي يجمع كل القواعد القانونية التي تسير نشاط الدولة
والخواص في سلوكهما من أجل تحقيق أو مراعاة المصلحة العامة؛ أو بمعنى آخر مجموعة القواعد التي
تطبق على أنشطة الدولة ومؤسساتها وموظفيها في عالقتهم مع بعضهم ومع الخواص .وإذا نحن قلنا بأن
القانون اإلداري هو ذلك الفرع من القانون العام الذي ينظم اإلدارة بمعناها العضوي والوظيفي ،أي دراسة
األجهزة اإلدارية التي تؤمن تدخالت الدولة في حياة األفراد ،ودراسة كل أنشطة هذه األجهزة في عالفتها
بالخواص ،فإننا سنتوصل إلى نتيجة مفادها أن قانون التعمير جزء من القانون اإلداري ،ألنه يهتم بدراسة
األجهزة اإلدارية المكلفة بإدارة شؤون التعمير من جهة ،وبدراسة النشاط الذي تقوم به هذه األجهزة
للحرص على تطبيق القانون المعمول به في مجال التعمير واستعمال األراضي من جهة أخرى .وهو إذن
ي عتبر فرعا من فروع القانون العام ألنه يهتم بدراسة الهياكل اإلدارية واألنشطة المختلفة للقطاع العام
والقطاع الخاص في ميدان التعمير بوازع تحقيق التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة.
23
Louis Jacquignon, ouvrage précité.
-2أسس ومباديء قانون التعمير
عرفت بعض الدول المتقدمة البدايات األولى لقانون التعمير في نهاية القرن التاسع عشر وبداية
القرن العشرين .وكان الباعث األول لنشوء وتطور هذا القانون هو حرص السلطات العمومية على تصفيف
الطرق العمومية واألبنية والحفاظ على صحة وسالمة السكان .فتم وضع أولى القواعد القانونية التي تلزم
الخواص باحترام تصاميم التصفيف (ظهير 16أبريل 1914المتعلق بالتصفيف وتهيئة المدن وتوسيعها)24
ومراعاة السالمة والصحة العمومية (ظهير 25غشت 1914المتعلق بتنظيم المحالت المضرة بالصحة
والمحالت المزعجة والمحالت الخطرة . ) 25وتوالت النصوص القانونية بهدف تنظيم عمليات التعمير
وتزويد المناطق العمرانية بالتجهيزات األساسية والمرافق العمومية .واكتسبت ألجل ذلك قوة إلزامية تجاه
الخواص أصحاب األراضي باسم تحقيق المنفعة العامة (إلزامية الحصول على إذن مسبق من اإلدارة،
واحترام الحرمات واالرتفاقات المفروضة على األراضي لفائدة الملك العمومي والمرافق العمومية ،ونزع
الملكية لتحقيق المنفعة العامة).
وهناك على العموم مجموعة من المباديء واألسس التي قام عليها قانون التعمير .ذلك أن فلسفة
التعمير تطورت مع تزايد انشغال السلطات العمومية بتطور المدن وتوسعها العمراني السريع .فأضحت
مسألة النمو الحضري ترتبط أساسا بقضايا التنمية االقتصادية واالجتماعية والسياسية .كما أن جل التدخالت
العمومية اعتمدت على بعض المباديء األساسية مثل التأطير والتخطيط وتحقيق المنفعة العامة وضرورة
مساهمة الخواص في المجهودات التي تقوم بها الدولة لتهيئة وتجهيز المناطق العمرانية.
- 1.2مبدأ المنفعة العامة
كانت عمليات البناء وتقسيم األراضي ،قبل ظهور قانون التعمير ،تدخل في إطار المبادرة الخاصة
وحق الملكية .وكانت تتم من طرف الخواص دون مراعاة لحاجيات الجماعة من طرق وقنوات ومساحات
خضراء ومرافق إدارية واجتماعية .لكنه مع تزايد حاجيات المجتمع في هذا المجال ،ومع اهتمام الدولة
بقضايا التنظيم الحضري ،اكتست التجهيزات األساسية والمرافق العمومية طابعا اجتماعيا ،حيث اعتبرتها
السلطات العمومية خدمات ذات منفعة عامة للمجتمع ،واليمكن لألفراد تحقيقها بمحض إرادتهم ،كما اليمكن
أن يعول عليهم لتحقيق المصلحة العامة .وقد لعبت قواعد التعمير دورا كبيرا في إبراز سمة المنفعة العامة
في هذا اإلطار.
إن المنفعة العامة تتميز عن المنفعة الخاصة بعنصرين :عنصر المرفق العمومي القائم على فكرة
تحقيق المصلحة العامة للمجتمع بواسطة التنظيم أو التوجيه أو التدخل؛ ثم عنصر السلطة العمومية المتمثل
في تدخل الدولة وأجهزتها المختصة ،ولو بالحد من بعض الحقوق والحريات ،لتحقيق هذه المصلحة وفق
شروط ومعايير يحددها القانون .ويكتسي مفهوم المنفعة العامة في ميدان التعمير طابعا واسعا يتجاوز
مفهوم النفع العام المراد تحقيقه بواسطة إنشاء المرافق العمومية .فإضافة إلى إنتاج الوحدات السكنية إليواء
المواطنين ذوي الدخل المحدود بالمناطق الحضرية ،أصبح من الالزم تزويد هاته المناطق بما تحتاجه من
بنيات تحتية وتجهيزات ومرافق تسهل استفادة الجميع من كافة الخدمات التي توفرها المدينة ،وذلك في
إطار ما يسمى بسياسة المدينة؛ أي أنه باإلضافة إلى ضمان الحق في السكن لجميع أفراد المجتمع ،بات
من الالزم ضمان حقهم في الحي وحقهم في المدينة .وهذه خدمات تتجاوز قدرات الخواص نظرا لحجمها
وأهميتها ،ولكونها تدخل إطار السياسات العمومية التي تسنها الدولة في مجال التنمية الحضرية.
وكما يالحظ ،فإنه يشترط في المنفعة العامة أن تتعلق بمجاالت وتدخالت تقدر الدولة أنه اليمكن
أن يحققها األفراد على الوجه الذي يخدم مصالح الجماعة ،وأنه من الالزم أن يستفيد منها الجميع دون
24ظهير شريف في شأن نشر الظهير المتعلق بتصفيف األبنية وتوسيع المدن وفي الواجبات والضرائب المفروضة على األبنية وما يلحق بها،
الجريدة الرسمية عدد 51بتاريخ 24أبريل ،1914ص.173 .
25ظهير شريف صادر بتاريخ 25غشت 1914المتعلق بتنظيم المحالت المضرة بالصحة والمحالت المزعجة والمحالت الخطرة ،الجريدة
الرسمية عدد 70بتاريخ 4ستنبر ،1914ص.360 .
تمييز .وتتمتع السلطات العمومية بسلطة تقديرية واسعة في مجال تحديد المنفعة العامة .لكن القاضي
اإلداري يحتفظ ،في حال طعن المتضررين في قرار نزع الملكية من أجل ذلك ،بحق المراقبة المبني على
البحث في نجاعة تحقيق هذه المنفعة.
وتكرس جل الدساتير بما فيها الدستور المغربي مبدأ المنفعة العامة .فينص الفصل 35من دستور
2011في هذا اإلطار على إمكانية الحد من نطاق وممارسة حق الملكية "إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية
االقتصادية واالجتماعية للبالد" .ووضع المشرع قانونا خاصا يسمح لإلدارة بنزع ملكية الخواص من أجل
تحقيق المصلحة العامة ،وهو القانون رقم 7.81المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة .26كما أن
الفصل 28من القانون رقم 12.90المتعلق بالتعمير يعتبر المصادقة على تصميم التهيئة بمثابة إعالن عن
المنفعة العامة.27
– 2.2المراقبة والتدخل العمومي
اتسع مفهوم التعمير ليشمل كافة المجاالت واألنشطة التي باتت تعتبر ضرورية وأساسية لحياة
المجتمع .ويتفق الباحثون والممارسون على أن قانون التعمير وجد لينظم مختلف العمليات المرتبطة بأنشطة
أفراد المجتمع االقتصادية واالجتماعية والثقافية داخل المجاالت الحضرية .وتعمل اإلدارة على تنظيم الكتل
العمرانية بهدف االستجابة لهذه الحاجيات ومعالجة القضايا المرتبطة بالتنمية الحضرية .لذلك فإن أهم ما
جاءت به قواعد التعمير األولى في بداية القرن العشرين هو الحرص على تصفيف الطرق والبنايات
والحفاظ على صحة وسالمة المواطنين ومراقبة اإلدارة لعمليات البناء وتجزيء األراضي التي يقوم بها
الخواص .فكانت غالبية قواعد التعمير يغلب عليها الطابع التنظيمي والشرطة اإلدارية.
لكن اهتمام الدولة بقضايا النمو الحضري ،خاصة بعد الحرب العالمية الثانية ،سوف يتزايد من
خالل حرص السلطات العمومية على التحكم في تهيئة وتوسع المناطق الحضرية ،وتكثيف تدخالتها إما
لوضع تصاميم التهيئة والتنمية الحضرية ،أو للقيام بعمليات التعمير التي تكتسي طابع الصالح العام .وعلى
رأس هاته العمليات إنجاز التجهيزات األساسية والمرافق العمومية ،وتوفير اإلمكانيات الكفيلة بمواجهة
الطلب المتزايد في ميدان التعمير واإلسكان ،وإحداث البرامج السكنية لحل أزمة السكنى أو لمعالجة
ومحاربة السكن العشوائي والسكن غير الالئق.
لذلك كان من الالزم خلق مجموعة من اآلليات واألدوات القانونية والمؤسساتية من أجل تسهيل
وتأطير التدخل العمومي المتزايد في هذا المجال الحيوي .ويعتبر الفقيه الفرنسي أندري دولوبادير ( André
)de Laubadèreأن تدخالت الدولة في هذه المجال كانت تقوم في بداية األمر على وجود "قانون إداري
للبناء " هدفه األساسي تنظيم ومراقبة عمليات استعمال األراضي وبنائها بشكل ال يخل بتوازن النسيج
العمراني؛ لكن ذلك تطور مع تطور اهتمامات الدولة في مجال التهيئة والتخطيط الحضري ،فأصبحنا أمام
"قانون إداري للتعمير" يتجاوز طابع الشرطة اإلدارية ليكتسي طابع "القانون العملياتي" ( Un droit
.28)opérationnel
لقد أدى التطور الصناعي واالقتصادي إلى إحداث تغييرات عميقة على سيرورة تطور وتوسع
الكتل العمرانية؛ وكان البد من تنظيم النمو الحضري وفق فلسفة ونظريات جديدة تؤسس للمزيد من التدخل
العمومي من أجل التحكم في كافة المجاالت والميادين المرتبطة بالتعمير.
- 3.2التنطـيـق
26ظهير شريف رقم 1.81.254صادر في 6ماي 1982بتنفيذ القانون رقم 7.81المتعلق بنزع الملكية ألجل المنفعة العامة وباالحتالل المؤقت،
الجردة الرسمية عدد 3685بتاريخ 15يونيو ،1983ص.980 .
27ظهير شريف رقم 1.92.31صادر في 17يونيو 1992بتنفيذ القانون رقم 12.90المتعلق بالتعمير ،الجريدة الرسمية عدد 4159بتاريخ 15
يوليوز ،1992ص.887 .
28
André de Laubadère, « Traité de droit administratif », 6° édition, L.G.D.J, Paris, p. 408.
كما سبقت اإلشارة ،ساهمت فلسفة التعمير في بلورة مفاهيم جديدة لوظيفة األرض الحضرية لدى
األفراد ولدى الجماعة .وعرفت عملية استعمال سطح األرض في المجال الحضري تحوالت مهمة تزامنت
مع تطور أنشطة المجتمع المتنوعة .وبفعل تعدد حاجيات أفراد المجتمع وتعدد أنشطتهم عملت سياسة
التعمير على ربط هاته األنشطة بمناطق معينة ،فشرعت السلطات العمومية في التخطيط بهدف تخصيص
األراضي المتاحة الستعماالت معينة ولوظائف محددة مسبقا .وهكذا غدت فكرة خلق مناطق ،في إطار
سياسة التنطيق وتوزيع المجال ،من أولويات المخططين في ميدان التعمير .ويعتبر مؤتمر أثينا للهندسة
المعمارية المنعقد في سنة 1933أول من نادى بخلق مناطق الكفيلة بتحقيق وظائف المدينة األساسية،
وهي السكن والعمل والتنقل والترفيه .أما المهندس المعماري ميشال إيكوشار ( )Michel Ecochartفيعد
أول من أدخل تقنية التنطيق في التخطيط الحضري بالمغرب على عهد الحماية ،29حيث تضمن قانون
التعمير الجديد الذي أشرف على إعداده في سنة 1952على تصميم التنطيق كوثيقة جديدة من وثائق
التعمير.
وتعتبر مسألة التنطيق أو تحديد المناطق وتصنيفها من بين أولويات وثائق التعمير .وتدخل هذه
العملية في إطار تحديد األغراض العامة أو الوظائف التي يخصص لها سطح األرض ضمن مجال حضري
معين (مناطق سكنية ،مناطق صناعية ،مناطق خضراء ...إلخ) .وقد جاء المشرع المغربي بفكرة التنطيق
في ظهير 1952المتعلق بالتعمير من أجل تحقيق هدفين اثنين :أوال تحسين توزيع المجال الحضري من
خالل إحداث تصميم التهيئة لمختلف المناطق التي سوف تحتضن مختلف أنشطة المجتمع وتلبي حاجيات
األفراد في مجال السكن والتجارة والصناعة والترفيه وغيرها .وثانيا حل إشكالية الفراغ في مجال التخطيط
التي كانت تواجهها إدارة الحماية في غياب تصميم التهيئة أو أثناء إعداده ،حيث لوحظ تحايل بعض
المضاربين الذين كانوا يستغلون هذا الفراغ لإلسراع بإنجاز مشاريعهم قبل وضع مقتضيات التصميم وفي
غياب المراقبة اإلدارية .لذلك نص المشرع على ضرورة تحديد المناطق ووضع تصميم للتنطيق ،يجري
به العمل من طرف اإلدارة ،في انتظار المصادقة على تصميم التهيئة الجديد .وينص في هذا اإلطار الفصل
الثاني من ظهير 1952على إحداث مختلف المناطق بما فيها المناطق التي يحرم فيها البناء أو تفرض
بخصوصها بعض الضوابط أو الشروط الواجب توفرها في األرض أو في عملية البناء.
فمفهوم التنطيق بات يرتبط بعملية التخطيط لتنظيم وعقلنة استعمال سطح األرض وكذلك لتوجيه
التوسع العمراني والتحكم فيه .وقد أصبحت الدولة تبذل مجهودات كبيرة لتهيئة المجاالت الحضرية وخلق
مناطق ا لتعمير الجديدة .فهي التي تخطط وتسهر على إنجاز التجهيزات والمرافق العمومية ،وذلك بفضل
تصاميم التعمير التي تعتبر بمثابة مشاريع الحضرية تعتمدها الدولة لوضع مجموعة من االختيارات
والتوجهات ،والضوابط واإلجراءات القانونية ،وكذا القيود واالرتفاقات التي تحد من االمتيازات المرتبطة
بحق الملكية وحرية المبادرة.
- 4.2مجانية ارتفاقات التعمير
تعرف المواد 37إلى 40من مدونة الحقوق العينية االرتفاق باعتباره حق عيني في شكل تحمل
على عقار من أجل استعمال أو منفعة عقار آخر .وينشأ هذا التحمل االرتفاق إما عن الوضعية الطبيعية
للعقار (القرب أو الجوار) أو بحكم القانون أو اتفاق المالكين .كما يمكن أن يقرر لتحقيق المنفعة العامة أو
المنفعة الخاصة .30وقد سبق لظهير فاتح يوليوز 1914المتعلق بالملك العمومي أن نص في مادته الرابعة
على وجوب خضوع كل ملكية خاصة الرتفاقات المرور والمواصالت واستغالل وصيانة الخطوط
واألعمدة الكهربائية والتلغرافية المرصودة بالملك العمومي .كما سمح قانون 16أبريل 1914المتعلق
بالتعمير ،في المادة ،12لإلدارة بفرض االرتفاقات الالزمة في صالح المحافظة على النظافة والمرور
وجمالية البناء والتشييد .وهنا البد من التمييز بين االرتفاق ونزع المكية ،حيث يعتبر األول مجرد تحمل
إذا نحن تمعنا في تصميم مدينة من المدن العتيقة المغربية ،فإننا سنالحظ بأنها خضعت لقواعد
عرفية حكمت نموها وتطورها بشكل يخدم الساكنة ويسهل تنقلها وممارستها لمختلف األنشطة المجتمعية
الممكنة .وهذه القواعد تدور حول محاور أساسية هي:
دور السكنى واإلقامات، -
المؤسسات التجارية، -
المجمعات الصناعية التقليدية، -
المباني الدينية المعدة للعبادة، -
الساحات العمومية المعدة للتواصل والترفيه. -
ففيما يخص المباني المعدة للسكن ،كانت فتحاتها وعلوها وسمك جدرانها ومظهرها الداخلي
والخارجي يخضع لنظام دقيق قلما استثني في بناء معين .وفيما يخص المؤسسات التجارية فإنها تتجمع في
أحياء معينة وحسب تنظيم دقيق ،فنجد الخرازين والحدادين والحجامين مثال في نظام بديع يجعل من
السهولة التنقل بينهم من جهة ومباشرة عمليات التبادل التجاري على أحسن وجه من جهة أخرى .وفيما
يخص المجمعات الصناعية التقليدية (دبغ الجلود وصباغة الصوف وصنع األواني مثال) فإنها موجودة في
األماكن الالزمة الزدهارها ،وتتجمع كلها عادة قرب موارد المياه الالزمة لعملها.
أما الساحات العمومية والمباني الدينية من مساجد وزوايا فإنها كانت تشكل في غالب األحيان
المحور الذي تتجمع حوله المباني المعدة للسكنى.
هذه القواعد تركت بصماتها على كل المدن المغربية دون أن يصيبها أدنى تدوين .وهي قواعد
عرفية عبرت عن مستوى تطور المجتمع المغربي وحاجياته ،وتركت أثرها حيا شامخا إلى اآلن .وبمجرد
دخول الحماية إلى المغرب حاولت سلطات هذه األخيرة أن تقنن هذا الميدان الحيوي؛ إال أن تقنينها هذا
كان منصبا فقط على المدن واألحياء الجديدة ذات الطابع األوربي دون أن يمس ذلك المدن العتيقة في
شيء .وكان أول قانون نظم هذا المجال هو ظهير 16أبريل 1914المتعلق بتصفيف األبنية وتصاميم
التهيئة وتوسيع المدن واالرتفاقات والضرائب المفروضة على األبنية33؛ ثم بعده جاءت نصوص قانونية
أخرى سواء في فترة الحماية أو بعد حصول المغرب على االستقالل .وسنلقي عليها تباعا نظرة حسب
تطورها الزمني.
- 1.3فترة الحماية
عرفت فترة الحماية إصدار العديد من النصوص القانونية المتعلقة بالتحكم في المسألة العقارية
وفي النمو الحضري في المغرب .فقد كانت سلطات الحماية في حاجة ماسة إلى األراضي من إحداث
اإلدارات والمرافق العمومية وشق طرق المواصالت ،وتوسيع مجاالت المناطق الحضرية عن طريق
التجهيز والتهيئة ،وإحداث أحياء ومدن جديدة قادرة على استقطاب المعمرين الفرنسيين واألجانب وخدمة
المصالح االقتصادية االستعمارية.
33ظهير شريف في شأن نشر الظهير المتعلق بتصفيف األبنية وتوسيع المدن وفي الواجبات والضرائب المفروضة على األبنية وما يلحق بها،
الجريدة الرسمية عدد ،51السنة الثانية ،بتاريخ 24أبريل ،1914ص.173 .
Dahir relatif aux alignements, plans d’aménagement et d’extension des villes, servitudes et taxes de voirie, B.O
n° 78, du 24 avril 1914, p. 271.
وكان البد في ظل هذه الحركية من وضع أولى القوانين التي تسمح لإلدارة بمراقبة عمليات
استعمال األراضي في المجال الحضري عن طريق الشرطة اإلدارية (الترخيص اإلداري) وعن طريق
ماسمي آنذاك بتصفيف وتهيئة المدن واألحياء وفرض االرتفاقات اإلدارية وارتفاقات التعمير.
- 1.1.3ظهير 16أبريل 1914
يعد هذا الظهير أول نص قانوني يحمل القواعد المنظمة للتعمير بالمغرب في بدايات عهد الحماية.
وقد أتاح سن هذا الظهير للمغرب أن يكون من بين أوائل الدول التي عرفت تقنين هذا المجال .وقد استقت
فيه إدارة الحماية ،كما تمت اإلشارة إلى ذلك في تقديم الظهير ،بعض القواعد والمباديء والممارسات من
بعض التجارب والتشريعات األجنبية خاصة تجارب ألمانيا وسويسرا وهولندا وفرنسا .34هذا مع العلم أن
فرنسا لم تكن آنذاك تتوفر على قانون متكامل للتعمير ،ولم تسن قانونا مشابها للقانون المغربي إال في سنة
( 1919قانون 14مارس 1919الذي وقع تعديله وتتميمه بمقتضى قانون فاتح يوليوز .)1924
واستطاع ظهير 16أبريل 1916أن يشكل إطارا قانونيا ذا فعالية كبرى في مجال التعمير ،حيث
مكن إدارة الحماية في تلك الفترة من تكييف وخلق مجموعة من األحياء والمدن الجديدة .وكان هدفه
األساسي الحفاظ على جمال ورونق التكتالت العمرانية ،وذلك في إطار عام يهدف أساسا إلى فتح الطرقات
( )La voirieوفرض الحرمات ( )Les servitudesوالمحافظة على الصحة والنظافة العامة ( La
.)salubrité
والواقع أن هذا الظهير يؤرخ لمرحلة جديدة عرفها المغرب مع مجيء عهد الحماية؛ وهي مرحلة
تقنين ميدان التعمير ومنح اإلدارة العمومية الوسائل الالزمة لمواجهة التوسع العمراني ومحاربة الممارسات
العشوائية بالمدن وضواحيها ،وذلك بتنظيمه للعمليات األربع التالية:
فتح الطرق العمومية، -
إعداد مخططات تهيئة المدن واألحياء الجديدة، -
مشاركة الخواص في خلق جزء من المدينة، -
سن القواعد التي تخضع لها عمليات البناء واستعمال األراضي. -
غير أن هذا القانون أظهر بعد فترة زمنية وجيزة نقائصه ،ألن اهتمامه األساسي كان مركزا
حول إنشاء الطرق ومخططات التهيئة لفائدة الحماية الفرنسية ،دون تحديد دقيق لبعض المفاهيم والعمليات
مثل مفهوم التجزئة والطرق العملية لتطبيق مخطط التهيئة .لذلك تعرض ظهير 16أبريل 1914لمجموعة
من التعديالت واإلضافات نذكر من بينها:35
-التعديل الذي أحدثه ظهير 19أبريل 1916في الفصل التاسع المتعلق بطريقة احتساب
االشتراكات في الجمعيات النقابية للمالكين الحضريين.36
-التعديل الذي أحدثه ظهير 25يونيو 1916فيما يتعلق بالضرائب.37
-اإلضافات الذي سنها ظهير 23أكتوبر 1920فيما يتعلق بالعقوبات.38
34انظر عرض األسباب ( )Exposé des motifsالتي جاء بها المشرع لتقديم ظهير 16أبريل .1914
35
Abdel Ilah Mkinsi, op. cit., pp. 10-11.
36
Dahir du 19 février 1916 complétant l’article 9, paragraphe 3, du Dahir du 16 avril 1914 relatif aux
alignements, plan d’aménagement et d’extension des villes, servitudes et taxes de voirie, B.O. n° 175 du 28
février 1916, p. 220.
37
Dahir du 25 juin 1916 portant modification du Dahir du 16 avril 1914 sur les alignements et la voirie, B.O. n°
194 du 10 juillet 1916, p. 707.
38
Dahir du 23 octobre 1920 instituant des sanctions nouvelles au dahir du 16 avril 1914 sur les alignements, BO
n° 419-420 du 2 et 9 novembre 1920, p. 1860.
-ظهير فاتح أبريل 1924الذي أخضع رخص إنشاء البنايات العمومية أو البنايات المخصصة
الستعمال العموم لتأشيرة رئيس قسم الفنون الجميلة والمآثر التاريخية.39
-التغيير الذي جاء به ظهير 27يناير ،1931والذي وسع النطاق الترابي لمخططات التهيئة
إلى المراكز وإلى ضواحي المدن ،الشيء الذي مكن اإلدارة من مراقبة عمليات البناء
المنعزلة التي تتم خارج نطاق المدينة ،وإخضاع كل عملية بناء أو تجزئة في المناطق
المجاورة للمدن والمراكز لمراقبة اإلدارة (توسيع مجال الضواحي).40
-ظهير 23يناير 1935الذي نقل االختصاصات التي كانت ممنوحة إلى المدير العام لألشغال
العمومية في إطار ظهير 16أبريل 1914إلى الكاتب العام للحماية.41
- 2.1.3ظهير 12نونبر 1917
يتعلق هذا الظهير بجمعية نقابة المالكين الحضريين42؛ وقد أتى بفكرة إمكانية تنظيم المالكين
الحضريين في إطار جمعيات نقابية للمالكين .ومنح لرئيس المصالح البلدية (رئيس المجلس البلدي بعد
ذلك) صالحية إنشاء جمعية نقابية للمالكين وإعداد نظامها األساسي ورئاسة جمعها العام ثم عرض الملف
على الصدر األعظم (رئيس الحكومة) إلصدار قرار تأسيس الجمعية .وبمجرد تأسيس هذه األخيرة تصبح
لها صالحية السلطة العمومية ،بما فيها منع كل بناء داخل المنطقة التي تدخل في اختصاصها .أما أهدافها
األساسية فتتلخص في ضم أراضي المالكين من أجل إنجاز تصميم للتصفيف والتوسعة خاص بها وتهيئتها
ثم إعادتها لمالكيها أعضاء الجمعية النقابية.
- 3.1.3ظهير 14يونيو 1933
في بداية الثالثينات وقف المشرع على مجموعة من الثغرات القانونية التي اعترت مقتضيات
الفصل العاشر من ظهير 1914المخصص لتنظيم عمليات تجزيء األراضي ،مما جعله يبادر إلى إصدار
قانون خاص بالتجزئات بمقتضى ظهير 14يونيو 1933المتعلق بالتجزئات.43
ويعد ظهير 1933أول قانون مغربي مخصص لتنظيم عمليات تجزيء وتقسيم األراضي
الحضرية بشكل مفصل ،بعدما كانت هذه العمليات تنظم فقط في إطار الفصل العاشر من قانون 16أبريل
1914الذي نص وجوب الحصول على ترخيص من طرف اإلدارة .وقد جاء بجملة من المقتضيات التي
لم ينص عليها قانون ،1914وعلى رأسها التوسع في تنظيم أعمال تقسيم األمالك العقارية ،وتدخل إدارة
المحافظة العقارية لمساعدة اإلدارة على مراقبة تقسيم األراضي بالمنطق الحضرية ،واعتماد نظام العقوبات
عند مخالفة مقتضيات هذا القانون.44
- 4.1.3ظهير 30يوليوز 1952
مع بداية الخمسينات من القرن الماضي بادرت إدارة الحماية إلى إصالح قوانين المنظمة للتعمير،
فتم إلغاء قانون 16أبريل ،1914وحل محله قانون الشؤون المعمارية ،كما أطلق عليه آنذاك ،الصادر
بتاريخ 30يوليوز .451952ورغم أن المشرع لم يأت بتغييرات جذرية في الموضوع ،حيث احتفظ
39
Dahir du 1er avril 1924 relatif au contrôle du service des beaux arts et des monuments historiques sur
certaines demandes en autorisation de bâtir, B.O n° 603 du 13 mai 1924, p. 778.
40
Dahir du 27 janvier 1931 complétant la législation sur l’aménagement des centres et la banlieue des villes,
B.O n° 958 du 6 mars 1931, p. 250.
41
Dahir du 23 janvier 1935 modifiant le Dahir du 16 avril 1914 relatifs aux alignements, plans d’aménagement
et d’extension des villes, servitudes et taxes de voirie, B.O n° 1164 du 15 février 1935, p. 128.
42
Dahir du 12 novembre 1917 sur les associations syndicales de propriétaires urbains, B.O n° 265 du 19
novembre 1917, p. 1277.
43
Dahir du 14 juin 1933 relatif aux lotissements, B.O n° 1080 du 7 juillet 1933, p. 610.
44عبد الرحمن البكريوي" ،التعمير بين المركزية والالمركزية" ،الطبعة األولى ،الشركة المغربية للطباعة والنشر ،الرباط ،1993 ،ص.14 .
45ظهير شريف بشأن الشؤون المعمارية ،الجريدة الرسمية عدد 2083بتاريخ 26شتنبر ،1952ص.6146 .
بتصميم التهيئة وتصفيف الطرق والبنايات ورخصة البناء ،فإنه تجاوز فكرة التصفيف والحرمات ،حيث
كان يعتبر تصميم التهيئة تصميما عاما للتصفيف ( ،)Plan général d’alignementونص في فصله
الثامن على تهيئة جميع المناطق والساحات والحدائق وأماكن الرياضة وغيرها .وحرص كذلك على توسيع
المجال الترابي لتطبيق قانون التعمير ،فامتد نفاذه إلى المراكز الموجودة في طور التكوين ،والضواحي
(المناطق الحوزية) ،والمناطق المدارية للمدن أو المراكز المستقلة والمحددة.
ومن جهة أخرى ،تجلى أهم إصالح أتى به ظهير ،1952بالنسبة لظهير ،1914في خلق تصميم
جديد هو "تصميم التنطيق" كتصميم انتقالي ،وكذلك إحداث مساطر احترازية جديدة ،لتجنب البناء العشوائي
وتحايل المضاربين ،تعطي لإلدارة إمكانية إصدار قرارات لمنع كل عملية بناء أثناء فترة إعداد مخطط
التهيئة ،وهي قرار التنطيق وقرار دراسة تصميم التهيئة .ولكي اليحدث فراغ قانوني يستغله المتحايلون
على القانون ،نص القانون الجديد على تصميم التنطيق الذي يسري مفعوله في المرحلة االنتقالية مابين
غياب أي مخطط ومرحلة إعداد تصميم التهيئة .وكان المشرع قد حدد مدة سريان تصميم التنطيق في
سنتين باعتبارها كافية في نظره لوضع تصميم تهيئة جديد .غير أن الواقع بين أن هذه المدة غير كافية
نظرا لكون عملية إعداد تصميم التهيئة تستغرق عدة سنوات.46
– 5.1.3ظهير 30شتنبر 1953
يتعلق األمر بقانون تجزئة األراضي وتقسيمها الذي وضعه المشرع بتاريخ 30شتنبر 1953
في إطار إصالح قوانين التعمير ،47حيث تم بموجبه إلغاء القانون السابق الصادر في سنة .1933وقد أكد
المشرع في تقديمه لهذا القانون أن نص ظهير 14يونيو " 1933لم تعد اليوم مقتضياته كافية إلرضاء ما
تتطلبه تهيئة المدن العصرية".
فخالفا لهذا الظهير األخير الذي كان قد ترك لإلدارة سلطة تقديرية ،حسب كل حالة ،لتحديد
المساحة الدنيا لتقسيم قطعة أرضية حتى تعتبر تجزئة ،حدد ظهير 30شتنبر 1953الجديد التجزئة بكيفية
واضحة ،وذلك باعتبارها " ..تقسيم أحد األمالك العقارية إلى قسمين على األقل ثم بيع هذين القسمين أو
كراؤهما إما دفعة واحدة وإما الواحد بعد اآلخر لتبنى فيهما عمارات للسكنى أو للصناعة أو للتجارة.
ويشترط أن تكون مساحة أحد القسمين على األقل دون الهكتار الواحد.48".
فقد قام ظهير 1953بتمديد المقتضيات القانونية المتعلقة بالتجزئات المخصصة للسكنى إلى
التجزئات ذات الطبيعة الصناعية والتجارية .49وميز بين تجزيء األراضي إلى قطع أرضية مهدة للبناء
وبين "...مجموعة مساكن من العمارات الخاصة بالسكنى والمشيدة في قطعة واحدة أو في عدة قطع
متالصقة أو متجاورة ،50"...كما ميز كذلك بين التجزئة التي يطبق عليها هذا القانون وبين تصميم األراضي
ال ذي اليعتبر تجزئة لكنه يخضع هو اآلخر لمراقبة اإلدارة تحسبا لكل تحايل على القانون.51
أما فيما يتعلق بالمسطرة الواجب اتباعها للحصول على رخصة التجزئة فإن ظهير 1953لم
يحدث تغييرا جوهريا على المسطرة المنصوص عليها سابقا في ظهير 1933؛ لكنه عمل على تقليص
المدة المخصصة لدراسة طلب رخصة التجزئة أو التقسيم (خمسة أشهر فيما قبل) ،فقيد اإلدارة باحترام
مدة شهرين بالنسبة لتقسيم األراضي إلى أجزاء غير معدة للبناء ،واحترام مدة ثالثة أشهر فيما يخص
التجزئات السكنية والصناعية والتجارية .وسمح للمجزئ ،من أجل تخفيف العبء عليه ،بتهيئة التجزئة
52
Dahir chérifien relatif à la conservation des monuments et instructions historiques, B.O n° 5 du 29 novembre
1912, p. 25.
53
Dahir du 1er juillet 1914 sur le domaine public dans la zone du protectorat français de l’empire chérifien,
B.O n° 89 du 10 juillet 1914, p. 529.
54
Dahir du 13 août 1914 sur l’expropriation pour cause d’utilité publique et l’occupation temporaire, B.O n°
101 du 28 septembre 1914, p. 755.
55
Dahir du 2 juin 1915 fixant la législation applicable aux immeubles immatriculés, B.O n° 137 du 7 juin 1915, p.
319.
56الهادي مقداد" ،السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى" ،مطبعة النجاح الجديد ،.الدار البيضاء ،2010 ،ص..... .
57تم إعداد هذا المشروع في 30نونبر 1970من طرف مركز الدراسات واألبحاث والتكوين ( Centre d’Etudes, de Recherche et de
)Formation – C.E.R.Fالذي تم إحداثه من طرف وزارة الداخلية ،التي كانت تشرف على قطاع التعمير آنذاك (مديرية التعمير والسكنى)،
بهدف التفكير في وضع استراتيجية جديدة في مجال السكنى والتعمير .وتضمن المشروع 97مادة مبوبة إلى ثالثة أبواب :الباب األول يتعلق
بتوقعات وقواعد التهيئة على المستوى الجهوي وعلى مست وى الجماعات الحضرية والجماعات القروية ،والباب الثاني يتعلق بالسياسة العقارية،
والباب الثالث مخصص لقانون البناء .وتم التفكير في إحداث ثالثة مخططات :مخطط البنيات والتوجيه ( Schéma de Structure et
)d’Orientationعلى مستوى الجهات (سبع جهات) ،ومخطط مديري ( )Schéma Directeurعلى مستوى المدن ،ثم تصميم استعمال
األراضي بالنسبة لألحياء (.)Plan d’Utilisation des Sols
استراتيجية جديدة في مجال التنمية الحضرية ،وإدخال إصالحات جوهرية في ميدان التعمير وربطه بسياسة
إعداد التراب الوطني .58لكن هذا المشروع المتكامل لم ير النور ألسباب عديدة.
وسوف نتعرض هنا ألهم القوانين التي وضعها المشرع المغربي في ميدان التعمير ابتداء من
الحصول على االستقالل .وهي نصوص قانونية الزال العمل جاريا بها إلى يومنا هذا.
59
- 1.2.3ظهير 25يونيو 1960المتعلق بتنمية الكتل العمرانية القروية
كما سبقت اإلشارة ،لم تكن قوانين التعمير التي وضعها المشرع في عهد الحماية تطبق خارج
المدارات الحضرية ،فظلت المناطق القروية خارج نطاق قانون التعمير رغم التطور الذي عرفته بعض
القرى والمراكز القروية .مما دفع المشرع إلى سد هذا الفراغ بإصدار قانون جديد يهدف إلى تنظيم وتنمية
الكتل العمرانية ذات الطابع القروي ،هو قانون 25يونيو .1960ونص في الفصل األول من هذا القانون
على أن مقتضياته تسري على العمارات القروية الواقعة خارج المجاالت التي حددها الفصل األول من
ظهير 30يوليوز 1952المتعلق بالتعمير ،أي خارج المجال الحضري المشمول بمقتضيات قانون .1952
ومن بين المقتضيات المهمة التي جاء بها قانون 1960إمكانية تغطية الكتلة العمرانية القروية
بتصميم خاص لتوسيع نطاقها يسمى "تصميم التنمية" .ويهدف تصميم التنمية إلى تحديد المناطق المخصصة
ألنشطة معينة كمناطق السكنى والمناطق المخصصة للتجارة والصناعة التقليدية والساحات العمومية
واألمكنة المخصصة للمصالح العمومية أو التي تظل عارية او يمنع فيها البناء .كما يحدد التصميم كذاك
تصفيف الطرق والبنايات والحرمات والمرافق الخاصة باالستغالل الفالحي.
وبمجرد المصادقة على تصميم التنمية من طرف عامل اإلقليم أو العمالة تصبح رخصة البناء
ورخصة تهيئة التجزئات إلزامية داخل المنطقة التي شملها المخطط.
60
- 2.2.3قانون 17يونيو 1992المتعلق بالتعمير
عرف المغرب خالل سنوات الستينات والسبعينات تحوالت عميقة في ميدان التعمير واإلسكان،
فتوسعت مدارات المدن والمراكز ،وتزايدت نسبة الهجرة القروية ،وتدهورت أوضاع النسيج الحضري،
مما دعل السلطات العمومية تطلق عدة برامج تنموية في هدا المجال .وفي المقابل تطورت فسلفة التعمير
في اتجاه تجاوز التخطيط الحضري ذو الطابع التنظيمي الصرف واعتماد تعمير عصري ذو بعد تنظيمي
واستشرافي وتشاوري.
ورغم بعض المحاوالت ،وصدور العديد من الدراسات والتقارير واألبحاث ،المنادية بضرورة
إدخال إصالحات جوهرية وعميقة على قانون التعمير ،وانتهاج سياسات عمومية جديدة لتجاوز الوضع
المتأزم ،لم يستطع المشرع المغربي االستغناء على القوانين التي تركتها إدارة الحماية إال في بداية
التسعينات ،فبادر إلى نسخ هذه القوانين وتعويضها بقوانين جديدة ،وعلى رأسها قانون التعمير رقم 12.90
الصادر في 17يونيو .1992
ولعل من أهم المستجدات التي جاء بها قانون التعمير الجديد إدخال قواعد قانونية جديدة تتعلق
بمخطط توجيه التهيئة العمرانية باعتباره وثيقة حديثة للتخطيط الحضري أضيفت إلى باقي وثائق التعمير
األخرى التي احتفظ بها المشرع وراجع مساطر إعدادها والمصادقة عليها ،وهي تصميم التهيئة وتصميم
التنطيق.
وعمل المشرع على توسيع نطاق تطبيق قانون التعمير ليشمل المجموعات العمرانية والمناطق
العمرانية الجديدة ،واألراضي القروية المجاورة للجماعات الحضرية الممتدة إلى مسافة 15كلم ،وبعض
58
Saâd Benzakour, op. cit, p. 201.
59ظهير شريف رقم 1.60.063بشآن توسيع نطاق العمارات القروية ،الجريدة الرسمية عدد 2489بتاريخ 8يوليوز ،1960ص.2098 .
60ظهير شريف رقم 1.92.31صادر في 17يونيو 1992بتنفيذ القانون رقم 12.90المتعلق بالتعمير ،الجريدة الرسمية عدد 4159بتاريخ 15
يوليوز ،1992ص.887 .
المناطق القروية ذات الصبغة الخاصة بهدف تهيئتها ومواكبتها لمستلزمات النمو الحضري بمقتضى "نظام
قانوني خاص" .61وحرص كذلك على تحقيق الجودة المعمارية وجمالية المدن عن طريق إلزامية االستعانة
بمهندس معماري "حر" وبمهندسين مختصين.62
هذا قد أعطى هذا القانون لإلدارة المركزية المكلفة بالتعمير سلطات واسعة في إعداد وثائق
التعمير ،بينما منح للمجالس الجماعية سلطة استشارية فقط ،تتمثل في "المساهمة" في وضع المشاريع دون
أية سلطة تقريرية؛ والحال أن رؤساء المجالس الجماعية هم من يمارس الشرطة اإلدارية الخاصة بالتعمير
ويسهرون على تطبيق قوانين التعمير بعين المكان ،الشيء الذي يطرح عدة مشاكل أثناء التطبيق.63
64
- 3.2.3قانون 17يونيو 1992المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية
نظرا للدور الذي تلعبه التجزئات العقارية في تحديد معالم المدن واألحياء الجديدة ،ألنها تعتبر
في الواقع تصميم تهيئة مصغر يقوم به الخواص بدل الدولة ،بادر المشرع المغربي إلى وضع قانون جديد
مفصل يتعلق بتنظيم عمليات تجزئة وتقسيم األراضي وتشييد المجموعات السكنية ،هو القانون رقم 25.90
المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات .وقد تم إصداره بموازاة مع القانون
رقم 12.90المتعلق بالتعمير بنفس التاريخ وبنفس الجريدة الرسمية (العدد 4159بتاريخ 15يوليوز
،)1992ويضم 78مادة مفصلة بدل 24فصال تضمنه سابقا ظهير .1953
وحاول المشرع في هذا القانون الجديد سد الثغرات والنواقص التي عرفها القانون السابق ،فأعطى
لإلدارة بعض اإلمكانيات لمحاربة تملص المجزئين من المراقبة اإلدارية وإحداث التجزئات والتقسيمات
العشوائية .وتمثل ذلك في توسيع مفهوم التجزئة والتخلي عن شرط المساحة (أقل من هكتار سابقا)،65
وإلزامية التحفيظ العقاري لألراضي المراد تجزئتها ،وكذلك إلزامية اللجوء إلى مهندس معماري حر،
ومنح سلطة الترخيص اإلداري لرئيس الجماعة الحضرية أو القروية (اإلدارة الالمركزية) ،والسماح
للمجزئ بتجهيز مشروعه على مراحل حتى يتمكن من بيع القطع األرضية المجهزة وإتمام ماتبقى في
المشروع ،وإحداث لجنة التسلم المؤقت للتجزئة وتعيين أعضائها ،وإعادة هيكلة التجزئات غير القانونية
من طرف اإلدارة على حساب المجزئ ومالكي القطع األرضية مناصفة.
ثم إن المشرع زاد في شدة العقوبات الجنائية والمدنية المفروضة على المخالفات ،فعاقب على
إحداث ال تجزئات ومجموعات السكن غير القانونية ،وعلى الشروع في بيع أو إيجار البقع األرضية غير
قبل تسليم التجزئة .وعاقب كذلك المهندسين المعماريين والمقاولين وأرباب العمل الذين يساهمون في
مخالفة القانون .ونص على البطالن المطلق لعقود البيع واإليجار والقسمة التي تبرم دون احترتم مقتضيات
القانون رقم .25.90
- 4.2.3بعض المحاوالت إلصالح قوانين التعمير
على الرغم من وضع قوانين مهمة في ميدان التعمير في بداية التسعينات ،فإن السلطات العمومية
قد عجزت عن معالجة المشاكل التي ظل يعاني منها القطاع ،خاصة فيما يتعلق بضعف التخطيط الحضري،
وضعف التنسيق بين المتدخلين والفاعلين ،وانتشار السكن العشوائي والتجزئات غير القانونية .وتوالت عدة
محاوالت ،إما في شكل مقاربة شمولية أو قطاعية ،من أجل تدارك هاته االختالالت والمشاكل العمرانية.
66ظهير شريف رقم 1.93.51صادر في 10شتنبر 1993يعتبر بمثابة قانون يتعلق بإحداث الوكالة الحضرية ،الجريدة الرسمية عدد 4220
بتاريخ 19شتنبر ،1993ص.1624 .
67ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.84.188صادر في 9أكتوبر 1984يتعلق بالوكالة الحضرية للدار البيضاء ،الجريدة الرسمية عدد 3754
بتاريخ 10أكتوبر ، 1980ص.959 .
68ظهير شريف رقم 1.16.48صادر في 27أبريل 2016بتنفيذ القانون رقم 94.12المتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد
الحضري ،الجريدة الرسمية عدد 6465بتاريخ 16ماي ،2016ص.3772 .
69ظهير شريف رقم 1.16.124صادر في 25غشت 2016بتنفيذ القانون رقم 66.12المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير
والبناء ،الجريدة الرسمية عدد 6501بتاريخ 19شتنبر ،2016ص.6630 .
70الدورية رقم 1500/2000المتعلقة بتبسيط مسالك ومساطر دراسة طلبات رخص البناء وإحداث التجزئات والمجموعات السكنية وتقسيم
العقارية الصادرة بتاريخ 6أكتوبر .2000
71الدورية المشتركة عدد 27/3020بين وزير الداخلية والوزير المنتدب لدى الوزير األول بخصوص استفادة المشاريع االستثمارية من
استثناءات في مجال التعمير الصادرة بتاريخ 4مارس .2003
– 3اإلدارة المكلفة بقطاع التعمير
إن اهتمام الدولة بقضايا التعمير واإلسكان يتجلى من خالل تدخالتها التي تنوعت بتنوع حاجيات
المجتمع في هذا المجال .وقد كان دور اإلدارة يقتصر في بداية األمر على تنظيم ومراقبة عمليات تقسيم
األراضي وبنائها ،ثم امتد بعد ذلك ليشمل التخطيط الحضري وإنجاز التجهيزات والمرافق األساسية والتحكم
في توسع الناطق العمرانية ،وذلك في إطار ما أصبح يعرف بسياسة التعمير ،وبواسطة مجموعة من
األجهزة والهيئات اإلدارية المتخصصة في مجال التهيئة والتعمير واإلسكان .72ولهذا نجد العديد من الهيئات
والمؤسسات سواء ،على المستوى المركزي أو الالمركزي ،التي تقوم بأدوار مختلفة في قطاع التعمير.
واحتلت الدولة منذ عهد الحماية دورا مركزيا في تنظيم المجال الحضري ،حيث سهرت اإلدارة
على مراقبة وتنظيم وتنمية الكتل العمرانية ،كما عملت على تقنين القطاع ووضع وثائق التعمير الالزمة
لتوجيه وتأطير عمليات التعمير .ففي عهد الحماية كانت هذه االختصاصات تعود إلى إدارة األشغال
العمومية ،وعلى رأسها المدير العام لألشغال العمومية (Le directeur général des travaux
) ،publicالتي يسهر على وضع تصاميم التهيئة وقرارات التصفيف ،بينما يمارس رئيس المصالح البلدية
( )Le chef des services municipauxسلطة المراقبة ومنح رخص البناء بعين المكان .فكانت بذلك
مسألة تدبير قضايا التعمير والتخطيط الحضري مركزة في يد إدارة الحماية .وكانت هذه األخيرة تنفرد من
الناحية العملية بممارسة السلطة التنظيمية بصفة مباشرة.
أما في عهد االستقالل ،فإن إدارة قطاع التعمير خضعت كسائر األنشطة اإلدارية إلى تطورات
موازية للتطور الذي عرفته الهياكل الحكومية ،حيث سيعرف مغرب ما بعد الحماية تنصيب حكومات
متعاقبة تشرف فيها كل وزارة على قطاع واحد أو قطاعات معينة مترابطة فيما بينها ،كوزارة العلوم
والمعارف والفنون الجميلة ،ووزارة التجارة والصناعة التقليدية والسياحة والمالحة الجوية ،وكذلك وزارة
التعمير والسكنى التي عين على رأسها الدكتور محمد بن بوشعيب في أول حكومة مغربية تم تأسيسها في
بداية عهد االستقالل بتاريخ 7دجنبر .731957
هكذا نالحظ أن قطاع التعمير حظي في أول حكومة مغربية بوزارة مستقلة نظرا للمشاكل
والقضايا التي كان على اإلدارة أن تواجهها كإرث ثقيل من عهد الحماية .لكن هذا االختيار لم يدم طويال،
وفقد القطاع استقالليته بعد أقل من سنة واحدة ،فألحق بمصالح وزارة األشغال العمومية في 28أكتوبر
،1956ودام ذلك لمدة عشر سنوات تقريبا .وفي سنة 1967أصبح القطاع تحت سلطة وزارة الداخلية،
فصدر مرسوم ملكي بإلحاق "دائرة التعمير والسكنى" بهذه الوزارة بعدما كانت تابعة لوزارة التجهيز
والمواصالت.74
وفي سنة 1972تم فصل قطاع التعمير من جديد ،وأحدثت وزارة التعمير والسكنى والمحافظة
على البيئة الطبيعية ،وعين على رأسها الحسن الزموري وزيرا .75ثم بعد مرور مدة قصيرة أحدث في
سنة 1974في إطار هذه الوزارة الجديدة منصب كاتب الدولة في التعمير والسكنى والسياحة والمحافظة
على البيئة الطبيعية .76واستمر العمل بهذا التنظيم اإلداري إلى غاية سنة ،1984فتمت إعادة اختصاصات
72
Robert Savy, « Droit économique », 2° éd., Dalloz, Paris, 1977, p. 82.
73أمينة المسعودي" ،الوزراء في النظام السياسي المغربي ( ،)1992-1955األصول-المنافذ-المآل" ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة،
الدار البيضاء ،2001 ،ص.47 .
74مرسوم ملكي رقم 587.67بتاريخ 14نونبر 1967بإلحاق دائرة التعمير والسكنى بوزارة الداخلية ،الجريدة الرسمية عدد 2877بتاريخ 20
دجنبر ،1967ص.2798 .
75ظهير شريف رقم 1.72.109بتاريخ 13أبريل 1972بتأليف الحكومة ،الجريدة الرسمية عدد 3103بتاريخ 19أبريل ،1972ص.966 .
76ظهير شريف رقم 1.74.240بتاريخ 25أبريل 1974بتنظيم وتأليف الحكومة ،الجريدة الرسمية عدد 3209بتاريخ فاتح ماي ،1974ص.
.1112
التعمير مرة أخرى إلى وزارة الداخلية ،وأحدثت بالمناسبة ثالث مديريات جديدة بالوزارة :مديرية إعداد
التراب الوطني ومديرية التعمير والهندسة المعمارية ومديرية حماية البيئة .لكن تشكيل حكومة التناوب في
سنة 1988سيعرف من جديد تجميع قطاعات إعداد التراب والتعمير واإلسكان في وزارة واحدة؛ تم بعد
ذلك في سنة 2002أقدمت السلطات العمومية على عزل السكنى والتعمير عن إعداد التراب ،فأحدثت
الوزارة المنتدبة لدى الوزير األول المكلفة بالتعمير واإلسكان من جهة ،ووزارة إعداد التراب الوطني
والماء والبيئة من جهة أخرى .وبمناسبة تشكيل حكومتي 2007و 2012تمت العودة إلى اعتماد الجمع
بين التعمير واإلسكان وإعداد التراب رغم تغير تسمية الوزارة .77غير أن هذا الجمع لم يدم طويال ،فتم
مرة أخرى تقسيم الوزارة بمناسبة التعديل الحكومي لسنة 2013إلى وزارتين :وزارة التعمير وإعداد
التراب الوطني ،ووزارة اإلسكان وسياسة المدينة.
أما في الحكومة الحالية (حكومة )2017فنالحظ أن السلطات العمومية سارت في اتجاه إعادة
تجميع كل القطاعات المعنية في وزارة واحدة هي وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير واإلسكان وسياسة
المدينة.78
وهكذا يالحظ أن الهياكل اإلدارية المكلفة بقطاع التعمير ،كقطاع حيوي وشائك ،لم يكتب لها أن
تعرف استقرارا على غرار بعض اإلدارات األخرى المكلفة بقطاعات حيوية كقطاع التجهيز أو قطاع
التعليم أو قطاع الصحة .وعدم االستقرار هذا يدل في نظر العديد من الباحثين على تراكم المشاكل ،وتفتيت
سلطة القرار ،وتردد السلطات العمومية في معالجة قضايا التخطيط الحضري والتهيئة العمرانية وفق
منظور شامل وموحد .79فانتقال اختصاصات التعمير من إدارة إلى إدارة ومن وزارة إلى وزارة لم يساعد
على تراكم التجربة ،وذلك رغم أن المشرع حاول ابتداء من أواسط السبعينات أن يتجاوز مركزية القرار،
فنقل بعض االختصاصات لرؤساء المجالس الجماعية في مجال الشرطة اإلدارية ،وأحدث الوكاالت
الحضرية لتخفيف العبء عن اإلدارة المركزية ،خاصة في مجال الدراسات والتخطيط الحضري،
ولمساعدة اإلدارة المحلية في المجال التقني والهندسي وفي مجال الشرطة اإلدارية.
وسوف نعالج اختصاصات كل هيئة إدارية من هاته الهيئات الثالث على حدة.
– 1.3اإلدارة المركزية
تعود إلى اإلدارة المركزية المتمثلة في الوزارة المكلفة بقطاع التعمير المسؤولية األولى فيما
يتعلق بوضع سياسة الدولة وتتبع تنفيذها في هذا المجال .وفي هذا السياق ينص قانون التعمير على أن
"اإلدارة" هي التي تشرف على وضع وثائق التعمير بمساهمة الجماعات ،بينما يوضح مرسوم 14أكتوبر
1993لتطبيق قانون التعمير معنى مصطلح اإلدارة ،فيوضح في مواده المختلفة أنه يعني السلطة الحكومية
المكلفة بالتعمير .80وهذا يتجلى كذلك بوضوح من خالل االختصاصات الواسعة التي تمارسها وزارة
التعمير ،وعلى رأسها ما يلي:
-وضع سياسة التعمير بتنسيق مع باقي القطاعات والجهات المعنية؛
-وضع القواعد المتعلقة بالتعمير ومختلف استعماالت المجال؛
77في حكومة 15أكتوبر 2007تم إحداث وزارة اإلسكان والتعمير والتنمية المجالية ،وفي حكومة 3يناير 2012تم تغيير تسميتها إلى وزارة
السكنى والتعمير وسياسة المدينة.
78ظهير شريف رقم 1.17.07صادر في 7أبريل 2017بتعيين أعضاء الحكومة ،الجريدة الرسمية عدد 6558مكرر بتاريخ 7أبريل ،2017
ص.2580 .
79
M’hammed Dryef, op. cit., p. 225.
80تنص مثال المادة 3من المرسوم على ما يلي" :يتم إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية بمسعى من السلطة المكلفة بالتعمير وبمساعدة من
الجماعات المعنية والمجموعة الحضرية في حال وجودها.
ويجب على اإلدارات والمؤسسات العامة ألجل إعداد مشروع مخطط توجيهي للتهيئة العمرانية أن تبلغ إلى السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير
الوثائق المتعلقة بمشاريع التجهيز ذات المنفعة الوطنية أو الجهوية المراد إنجازها في إطار المخطط التوجيهي المقترح.".
مرسوم رقم 2.92.832صادر في 14أكتوبر 1993لتطبيق القانون رقم 12.90المتعلق بالتعمير ،الجريدة الرسمية عدد 4225بتاريخ 20
أكتوبر ،1993ص.2061 .
-وضع وثائق التعمير وآليات التعمير العملياتي والسهر على تنفيذها؛
-إعداد الدراسات المتعلقة بالتهيئة والتخطيط الحضري ومتابعة مختلف الظواهر الحضرية.81
وهكذا تسهر الوزارة المكلفة بقطاع التعمير على وضع السياسات العمومية في هذا الميدان،
وصياغة مشاريع القوانين والوثائق المنظمة للقطاع؛ كما تعمل على توجيه وتأطير النمو العمراني بمختلف
مناطق البالد ،وإنجاز الدراسات والبرامج والمشاريع؛ وكذلك التنسيق بين مختلف الفاعلين والمتدخلين في
ميدان التعمير.
وتنظم هياكل الوزارة في شكل مديريات مركزية وأقسام ومصالح إدارية .فهناك ثالث مديريات
أساسية من بين سبعة لها عالقة مباشرة بقطاع التعمير ،وهي مديرية التعمير ومديرية الهندسة المعمارية
ومديرية الشؤون القانونية .وتضم كل مديرية مجموعة من األقسام والمصالح التي تحدث بقرار وزاري
كما ينص على ذلك المرسوم المنظم الختصاصات الوزارة.82
فمديرية التعمير تتألف من أربعة أقسام هي:
-قسم التخطيط الحضري؛
-قسم التنمية الحضرية؛
-قسم البحث واالستشراف الحضري؛
-قسم التقديرات والتهيئة العقارية.
وتتألف مديرية الهندسة المعمارية من األقسام التالية:
-قسم النهوض بالهندسة المعمارية؛
-قسم تقنيات البناء والجودة؛
-قسم مصاحبة المهنة وتتبع التكوين.
أما مديرية الشؤون القانونية فتضم ثالثة أقسام هي على التوالي:
-قسم إعداد وتتبع النصوص التسريعية والتنظيمية؛
-قسم التدوين والتوثيق والتعميم؛
-قسم اليقظة القانونية.
وتشتمل الوزارة باإلضافة إلى المديريات المركزية على مصالح الممركزة يحدد تنظيمها
واختصاصاتها ومجال نفوذها الترابي بقرار لوزير التعمير .83وتنظم هاته المصالح الخارجية في شكل
مفتشيات جهوية للتعمير والهندسة المعمارية وإعداد التراب الوطني ،فتمثل الوزارة على المستوى الجهوي
واإلقليمي ،وتساهم في وضع استراتيجيات التنمية العمرانية ،كما تسهر على انسجام الدراسات والمشاريع
الترابية مع السياسة التعميرية ومع وثاق التعمير ،وكذلك على متابعة تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية
الجاري بها العمل فيما يتعلق بالهندسة المعمارية والتعمير.
وفي المقابل يالحظ أن هناك أجهزة إدارية تابعة لقطاع اإلسكان تهتم هي األخرى بقضايا التهيئة
والتعمير .ويتعلق األمر أساسا بم ديرية سياسة المدينة ومديرية اإلنعاش العقاري .كما أن هناك قطاعات
81مرسوم رقم 2.14.478صادر في 8غشت 2014بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة التعمير وإعداد التراب الوطني ،الجريدة الرسمية عدد
6289بتاريخ 8شتنبر ،2014ص.6790 .
82قرار وزير التعمير وإعداد التراب الوطني رقم 4510.14صادر في 15أكتوبر 2014بتحديد وتنظيم األقسام والمصالح التابعة للمديريات
المركزية لوزارة التعمير وإعداد التراب الوطني ،الجريدة الرسمية عدد 6332بتاريخ 5فبراير ،2015ص.1025 .
83قرار وزير التعمير وإعداد التراب الوطني رقم 4274.15صادر في 12يونيو 2015بتحديد اختصاصات وتنظيم المصالح الالممركزة
لوزارة التعمير وإعداد التراب الوطني ،الجريدة الرسمية عدد 6450بتاريخ 16مارس ،2016ص.2791 .
وزارية تتدخل في مراحل إعداد وثائق التعمير أو تشارك في بعض اللجن كوزارة الداخلية ووزارة الفالحة
ووزارة األشغال العمومية.84
فعلى مستوى وزارة الداخلية ،تتوفر كل عمالة أو إقليم على قسم للتعمير يتتبع تدبير مشاريع
التعمير ورخص البناء والتجزئات خاصة داخل لجن دراسة طلبات الرخص واللجن األخرى كاللجنة التقنية
اإلقليمية للتعمير ولجنة الجمالية والمآثر التاريخية والمواقع المرتبة .أما العامل وباقي رجال السلطة المحلية
فيمثلون الدولة فوق تراب الجماعة ،ويسهرون على تطبيق القانون والمحافظة على النظام العام بواسطة
الشرطة اإلدارية التي تمتد إلى زجر المخالفات في ميدان التعمير .85ويمارس الوالي أو العامل اختصاصات
مهمة في مجال التعمير ،حيث يعتبر عضوا في اللجنة المركزية لمتابعة إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة
العمرانية ،ويرأس اللجنة المحلية لمتابعة إعداد وثائق التعمير وكذلك لجنة متابعة إنجاز توجهات المخطط
التوجيهي للتهيئة العمرانية على المستوى المحلي .86كما يصادق على تصميم تنمية العمارات القروية،
ويمنح رخص البناء المتعلقة باألماكن المخصصة للشعائر الدينية ورخص التجزئات الواقعة بين جماعتين
أو أكثر.
- 2.3الوكاالت الحضرية
في بداية الثمانينات من القرن الماضي ،وقبل صدور القانون 10ستنير 1993المتعلق بإحداث
الوكاالت الحضرية ،87بادرت السلطات العمومية على إثر األحداث التي شهدتها مدينة الدار البيضاء إلى
إحداث تقسيم إداري جديد نتج عنه خلق والية الدار البيضاء الكبرى التي باتت تضم خمس عماالت ،بدل
عمالة واحدة بالمدينة ،و 25جماعة حضرية وقروية بما فيها الجماعة الحضرية لمدينة المحمدية .وبموازاة
مع ذلك ،ومن أجل التحكم في النمو الحضري ومعالجة مشاكل التعمير التي عانت منها المنطقة ،تم العمل
على تبني آليات جديدة للتعمير والتهيئة الحضرية .فجاء إحداث المخطط التوجيهي للتهيئة الحضرية للدار
البيضاء الكبرى سنة ،881984تم تاله مباشرة بعد ذلك وفي نفس السنة إحداث أول وكالة حضرية للتعمير،
هي الوكالة الحضرية للدار البيضاء .89وما يمكن مالحظته هنا أن هاته اآلليات أحدثت آنذاك من طرف
وزارة الداخلية ،فأسندها القانون لهذه األخيرة .ولذلك نص المشرع على إعداد المخطط التوجيهي الخاص
بالدار البيضاء الكبرى من طرف وزير الداخلية؛ ووضع على رأس الوكالة الحضرية للدار البيضاء عامال
يتولى تسييرها تحت الوصاية اإلدارية لنفس الوزارة .وتنص المادة الثانية من ظهير 9أكتوبر 1984
المحدث للوكالة أن هذه األخيرة تمارس اختصاصاتها في مجموع الجماعات الحضرية والقروية للوالية
وكذا في المناطق التي يغطيها المخطط التوجيهي للتهيئة الحضرية للدار البيضاء الكبرى.
وابتداء من سنوات التسعينات بدأ دور الوكالة الحضرية يأخذ مكانته في ميدان التهيئة الحضرية
ومتابعة تنفيذ وثائق التعمير المختلفة .وبعد أن عمم المشرع آلية المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية على
كافة التراب الوطني ،بمقتضى القانون رقم 12.90المتعلق بالتعمير ،90بادر إلى إحداث وكاالت حضرية
أخرى بكل من فاس وأكادير خالل سنة .1992ثم أصدر بعد ذلك قانون 10شتنبر 1993المتعلق بإحداث
الوكاالت الحضرية ،فسمح بذلك بتعميم التجربة على مختلف العماالت واألقاليم .وعملت وزارة التعمير
84في المجال القروي مثال ،يعود اختصاص المصادقة على تصميم التنمية إلى العامل ،ويوافق عليه وزير الداخلية قبل نشره بالجريدة الرسمية.
85انظر مثال القانون رقم 66.12المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء.
86انظر مرسوم 14أكتوبر 1993لتطبيق القانون رقم 12.90المتعلق بالتعمير.
87ظهير شريف رقم 1.93.51صادر في 10شتنبر 1993بمثابة قانون يتعلق بإحداث الوكاالت الحضرية ،الجريدة الرسمية عدد 4220بتاريخ
15شتنبر ،1993ص.1624 .
88ظهير شريف رقم 1.84.17صادر في 25يناير 1984بمثابة قانون يتعلق بالمخطط التوجيهي الخاص بالتهيئة الحضرية للدار البيضاء
الكبرى ،الجريدة الرسمية عدد 3718بتاريخ فاتح فبراير ،1984ص.154 .
89ظهير شريف رقم 1.84.188صادر في 9أكتوبر 1984بمثابة قانون يتعلق بالوكالة الحضرية للدار البيضاء ،الجريدة الرسمية عدد 3754
بتاريخ 10أكتوبر ،1984ص.959 .
90يالحظ أن المشرع قد استعمل مصطلح "التهيئة العمرانية" في قانون 17يونيو 1992بدل مصطلح "التهيئة الحضرية" الذي استعمله في
قانون 25يناير .1984
على إحداث مجموعة من الوكاالت بهدف تغطية غالبية المجاالت العمرانية الكبرى ،حيث بلغ عددها إلى
غاية سنة 2019ما مجموعه 29وكالة حضرية.
و تحدث الوكاالت الحضرية بمرسوم لرئيس الحكومة يحدد مجال نفوذها الذي يمكن أن يشمل
عمالة أو إقليما أو عدة عماالت أو أقاليم .91وتعتبر الوكاالت مؤسسات عمومية تتمتع باالستقالل المالي
واإلداري ،وتخضع لوصاية الدولة على غرار األشخاص المعنوية األخرى .ويديرها مجلس إداري يتمتع
بجميع السلط واالختصاصات الالزمة ،بينما يدبر شؤونها مدير يعين بمقتضى مرسوم.
وتحدد المادة الثالثة من القانون االختصاصات التي تمارسها الوكالة الحضرية في مجال التعمير،
ومن أهمها :
-القيام بالدراسات الالزمة إلعداد المخطط التوجيهي للتهيئة الحضرية؛
-إعداد وثائق التعمير األخرى ،خاصة تصاميم التنطيق والتهيئة والتنمية؛
-متابعة تنفيذ المخططات ومراقبة إنجار المشاريع المرخصة من أجل احترامها لمقتضيات
القانون.
-إبداء رأيها الملزم في طلبات الترخيص المتعلقة بمشاريع البناء وتقسيم وتجزيء األراضي؛
-تقديم المساعدة التقنية للجماعات والهيئات العامة والخاصة في مجال دراسات وإعداد عمليات
التعمير والتهيئة.
وقد أصبحت هاته الوكاالت تلعب دورا أساسيا في مجال الدراسات والتخطيط الحضري وفي
مجال المتابعة والمراقبة ،بحيث باتت تنوب عن اإلدارة المركزية في القيام بهذه األعمال من جهة ،ومن
جهة أخرى تساعد بالخصوص رؤساء المجالس الجماعية في مجال الدراسات التقنية وفي مجال ممارستهم
للشرطة اإلدارية التي يخولها لهم القانون في ميدان التعمير .ويحدد مرسوم 27ماي 2013المتعلق
بضوابط البناء العامة كيفية مساهمة الوكالة الحضرية في دراسة ومنح الرخص اإلدارية في مجال التعمير.
وتنص المادة 35من المرسوم المذكور على ما يلي" :يقرر رئيس المجلس الجماعي بشأن مآل الرخصة،
وذلك في ضوء اآلراء واالستشارات المعبر عنها من طرف أعضاء لجنة الدراسة المشار إليها في المادة
20أعاله .واليمكن ،في أي حال من األحوال ،تسليم الرخصة دون الحصول على الرأي المطابق الذي
يبديه ممثل الوكالة الحضرية في حظيرة لجنة الدراسة.92".
- 3.3الجماعات
تعتبر الجماعات هي المجال الجغرافي الرئيسي لتطبيق قواعد التعمير .93وتشمل المجال
الحضري وكذلك المجال القروي على اعتبار أن أحكام قانون التعمير رقم 12.90وضعت لتسري
الجماعات الحضرية والمراكز المحددة التي هي أجزاء من المجال القروي باإلضافة إلى المناطق القروية
المحيطة بالمدن والمراكز المحددة (الضواحي) ،بينما تسري أحكام ظهير 25يونيو 1960على الكتل
العمرانية القروية .وتكتسي وثائق التعمير أهمية كبرى في تحديد المعالم العمرانية للجماعات وفي التخطيط
ل توزيع السكان واألنشطة بشكل يضمن نوعا من التوازن والتكامل فوق تراب كل جماعة .ثم إن دور
91تجدر اإلشارة إلى أن الوكاالت الحضرية التي أحدثت قبل صدور قانون 10ستنبر 1993تم إحداثها بمقتضى قوانين ،وهي وكاالت الدار
البيضاء (ظهير 9أكتوبر )1984وإقليم فاس (القانون رقم )19.88وأكادير (القانون رقم .)20.88وهناك نصوص تشريعية أخرى تنظم بعض
الوكاالت الخاصة بتهيئة مجاالت معينة مثل وكالة تهيئة وتنمية ضفتي أبي رقراق (قانون 23نونبر )2005ووكالة تهيئة واستثمار موقع بحيرة
مارشيكا (قانون 16يوليوز .)2010
92مرسوم رقم 2.13.424صادر في 24ماي 2013بالموافقة على ضابط البناء العام المحدد لشكل وشروط تسليم الرخص والوثائق المقررة
بموجب النصوص التشريعية المتعلقة بالتعمير والتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات والنصوص الصادرة لتطبيقها ،الجريدة
الرسمية عدد 6155بتاريخ 27ماي ،2013ص.4306 .
93لم يعد المشرع يميز بين الجماعات الحضرية والجماعات القروية منذ صدور القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق بالجماعات في سنة
.2015كما أن "المراكز المستقلة" التي نص عليها المشرع كمجال ترابي لتطبيق قواعد التعمير لم يعد لها وجود في التقسيم الترابي منذ أواسط
التسعينات .نفس الشيء بالنسبة لمصطلح "البلديات".
الجماعات عرف تطورا ملحوظا ومتناميا في ميدان التعمير انطالقا من إصالح الميثاق الجماعي سنة
، 1976حيث عملت السلطات العمومية ألول مرة على نقل اختصاصات شرطة التعمير لفائدة رؤساء
المجالس الجماعية.
إن الجماعات كفاعل محلي تساهم بشكل كبير في التنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية وفي
توفير شروط التنمية المجالية والتدبير الحضري الفعال من خالل التخطيط والبرمجة واإلنجاز والتدبير
كما جاء ذلك في المادة 77من القانون رقم 113.14المتعلق بالجماعات .94ويتجلى ذلك من خالل
االختصاصات التي تمارسها هذه األخيرة في مجال التخطيط الحضري وبرمجة األعمال التنموية المقرر
إنجازها في إطار برنامج عمل الجماعة السداسي (لمدة ست سنوات) الذي يتعلق أساسا بإحداث المرافق
والتجهيزات األساسية .ففي مجال إعداد وثائق التعمير ينص القانون رقم 12.90على مساهمة الجماعات
في وضعها ،وذلك بواسطة مشاركة رؤساء مجالسها المنتخبة في عضوية لجنتي التعمير المركزية والمحلية
لمتابعة وضع وثائق التعمير من جهة ،وعن طريق دراسة إبداء رأي مجلس الجماعة في كل مخطط أو
تصميم للتعمير من جهة أخرى .كما ينص نفس القانون على جواز إصدار قرارات إحداث وتخطيط حدود
الطرق العامة والساحات ومواقف السيارات ،وهي وثائق تعميرية ،من طرف رئيس المجلس الجماعي.
هذا باإلضافة إلى أنه هو الذي يمارس اختصاص إصدار قرار القيام بدراسة تصميم التهيئة بهدف تأجيل
البث في طلبات الترخيص ،وهو الذي يعلن للعموم عن إجراء البحث العلني حول مشروع التصميم.
وإذا كان الميثاق الجماعي السابق (القانون رقم 95)78.00قد منح للجماعات اختصاصات مهمة
في مجال التعمير ،خاصة في المادتين 38و 50منه ،فإن القانون التنظيمي الجديد للجماعات (القانون
التنظيمي رقم )113.14سار في نفس االتجاه ،فأكد في المادة 92على ممارسة الجماعات لصالحية إبداء
الرأي حول جميع وثائق التعمير وإعداد التراب؛ ونص في المادة 85على مجموعة من االختصاصات
الذاتية التي تمارسها الجماعة في ميدان التعمير ،وهي:
-السهر على احترام االختيارات والضوابط المقررة في مخطط توجيه التهيئة العمرانية وتصميم
التهيئة أو التنمية وكل الوثائق المتعلقة بإعداد التراب والتعمير؛
-الدراسة والمصادقة على ضوابط البناء الجماعية؛
-تنفيذ مقتضيات وتوجهات تصميم التهيئة أو التنمية بخصوص فتح مناطق جديدة للتعمير.
أما المادة 101من نفس القانون التنظيمي فتحدد اختصاصات رئيس المجلس الجماعي في مجال
الشرطة اإلدارية المتعلقة بميدان التعمير ،وهي كالتالي:
-السهر على تطبيق قانون التعمير واألنظمة المتعلقة به خاصة ضوابط تصاميم التعمير وإعداد
التراب،
-منح رخص البناء والتجزئات وتقسيم األراضي بعد أخذ رأي الوكالة الحضرية في الموضوع.
-منح رخص البناء وشهادات المطابقة لمشاريع البناء والتجزئات.
هذا وينظم ضابط البناء العام شكل وشروط إيداع ودراسة طلبات تسليم الرخص المتعلقة بإحداث
التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات ورخص البناء ورخص السكن وشواهد
المطابقة .96أما القانون رقم 66.12المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء فقد عمل
94ظهير شريف رقم 1.15.85صادر بتاريخ 7يوليوز 2015بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق بالجماعات ،الجريدة الرسمية عدد
6380بتاريخ 23يوليوز ،2015ص.6660 .
95ظهير شريف رقم 1.02.297صادر بتاريخ 3أكتوبر 2002بتنفيذ القانون رقم 78.00المتعلق بالميثاق الجماعي ،الجريدة الرسمية عدد
5058بتاريخ 21نونبر ،2002ص.3468 .
96مرسوم رقم 2.13.424صادر في 24ماي 2013بالموافقة على ضابط البناء العام المحدد لشكل وشروط تسليم الرخص والوثائق المقررة
بموجب النصوص التشريعية المتعلقة بالتعمير والتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات والنصوص الصادرة لتطبيقها ،الجريدة
الرسمية عدد 6155بتاريخ 27ماي ،2013ص.4306 .
على بسط يد السلطات المحلية في ميدان شرطة التعمير على حساب رئيس مجلس الجماعة والوكالة
الحضرية بدعوى عدم فعالية أو تقاعس هؤالء في ضبط وزجر المخالفات في مجال اإلسكان والتعمير.
وقد أصبح رئيس المجلس ملزما بتوجيه نسخ من رخص البناء والمطابقة إلى السلطة المحلية ،فخول لها
القانون رقم 12.66في مادته 68إمكانية إصدار أمر بهدم كل بناء غير مرخص به أو مخالف لوثائق
التعمير في حال عدم امتثال صاحبة ألوامر مراقبي التعمير .ويقصد بالمراقبين ،كما جاء في المادة 65
من نفس القانون ،ضباط الشرطة القضائية ومراقبو التعمير التابعون للوالي أو العامل ،المخولة لهم صفة
الشرطة القضائية ،الذين يمارسون صالحية معاينة مخالفات التعمير.