0% found this document useful (0 votes)
280 views480 pages

مدخل الى المذهب الشافعي - 231123 - 134545

Uploaded by

ibnu jabir
Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
0% found this document useful (0 votes)
280 views480 pages

مدخل الى المذهب الشافعي - 231123 - 134545

Uploaded by

ibnu jabir
Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
You are on page 1/ 480

‫بيانات اإليداع في دائرة المكتبة الوطنية بالمملكة األردنية الهاشمية‬

‫دائرة اإلفتاء العام في المملكة األردنية الهاشمية‪.‬‬


‫املدخل إىل املذهب الشافعي ‪ /‬دائرة اإلفتاء العام يف اململكة األردنية اهلاشمية‪ ،‬ع ّمان‪ ،‬دار الفتح للدراسات‬
‫والنشر‪2023 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 488‬ص‪ ،‬قياس القطع ‪ 24×17 :‬سم‪.‬‬
‫الواصفات‪ :‬الفقه الشافعي‪ /‬فقه السنة‪ /‬الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫التصنيف العرشي (ديوي) ‪267.3 :‬‬
‫رقم اإليداع لدى دائرة المكتبة الوطنية ‪)2023/7/3465( :‬‬
‫الرقم املعياري الدويل (‪978-9923-766-01-9 : )ISBN‬‬

‫أسسها سنة ‪1420‬هـ = ‪2000‬م‬

‫رقم الهاتف ‪(00962) 6 516 35 64 :‬‬


‫رقم الجوال ‪(00962) 777 925 467 :‬‬
‫ص‪.‬ب ‪ 19163 :‬ع ّمـان ‪ 11196‬األردن‬
‫البريـد اإللكتروني ‪[email protected] :‬‬
‫الموقع اإللكتروني ‪www.daralfath.com :‬‬

‫بالضرورة عن وجهة نظر الناشر‬


‫ُ‬ ‫تعبر‬
‫الدراسات المنشورة ال ّ‬
‫ّ‬
‫أي جزء منه أو ختزينه يف نطاق استعادة‬
‫سمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو ّ‬ ‫مجيع احلقوق حمفوظة للنارش‪ .‬ال ُي َ‬
‫بأي شكل من األشكال أو رفعه عىل شبكة اإلنرتنت دون إذن خطي سابق من النارش‪ .‬حقوق‬ ‫املعلومات أو نقله ّ‬
‫خاصة رشعًا وقانونًا‪ ،‬وطب ًقا لقرار َممع الفقه اإلسالمي يف دورته اخلامسة فإنّ‬ ‫امللكية الفكرية هي حقوق ّ‬
‫الترصف فيها‪ ،‬فال جيوز االعتداء عليها‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫حق‬
‫ّ‬ ‫وألصحاهبا‬ ‫ًا‪،‬‬
‫ع‬ ‫رش‬ ‫ونة‬ ‫ص‬
‫َ ُ‬‫م‬ ‫االبتكار‬ ‫حقوق التأليف واالخرتاع أو‬

‫‪All rights reserved. No part of this publication may be reproduced or transmitted‬‬


‫‪in any from or by any means without written permission from the publisher.‬‬
‫افتتاحية الكتاب‬
‫سماحة المفتي العام الشيخ عبد ا�لكريم الخصاونة‬

‫رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد النبي وعلى آله‬
‫الحمد هلل ّ‬
‫وأصحابه والتابعين‪.‬‬
‫وبعد‪،‬‬
‫ُ ۡ َ َّ َ ُ ُ ْ ۡ ۡ‬ ‫َ ۡ َ َّ ُ َّ َ َ ْ‬
‫‌ء َام ُنوا ‌مِنكم ‌وٱلذ‬
‫ِين ‌أوتوا ‌ٱلعِل َم‬ ‫قول اهلل تعالى‪﴿ :‬يرفعِ ‌ٱلل ‌ٱلذِين‬
‫انطالقًا من ِ‬
‫ََ َ‬
‫وقول النبي ﷺ‪« :‬مَن يُ ِر ِد اهلل ب ِه َخ ً‬
‫يرا يفق ْهه في الدِّين» متفق‬ ‫ِ‬ ‫ت﴾ [المجادلة‪،]11 :‬‬‫‌درج ٰ ٖ ۚ‬
‫حرصت دائرة اإلفتاء العام في المملكة األردنية الهاشمية على خدمة العلوم‬ ‫عليه‪ ،‬فقد َ‬
‫ً‬
‫واستكمال‬ ‫الشرعية‪ ،‬وتقديم المعلومة النافعة‪ ،‬ورفع مستوى الثقافة بين طلبة العلم‪،‬‬
‫لهذه المسيرة الطيبة فإن دائرة اإلفتاء العام بعد توفيق اهلل تعالى وفضله‪ ،‬تضع بين يدي‬
‫يسر اهلل تعالى إخراجه‬ ‫طلبة العلم كتاب «المدخل إلى المذهب الشافعي» بعد أن َّ‬
‫ميس ًرا لطلبة العلم‪ ،‬أخرجته أي ٍد مباركة من أصحاب‬ ‫بهذه ال ُحلّة البهية‪ ،‬ليكون مرجعًا َّ‬
‫الفضيلة العلماء الكرام في دائرة اإلفتاء‪.‬‬
‫ول ّما كان المذهب الشافعي هو أحد المذاهب األربعة المعتمدة عند أهل السنة‬
‫والجماعة‪ ،‬وهي (المذهب الحنفي‪ ،‬والمالكي‪ ،‬والشافعي‪ ،‬والحنبلي)‪ ،‬وباعتباره‬
‫المذهب المعتمد في الفتوى في المملكة األردنية الهاشمية واألكثر انتشا ًرا في بالدنا‬
‫عبر التاريخ؛ لما احتواه من منهج علمي راسخ كان وما زال سببًا في تحقيق مصالح‬
‫األمة وجمع كلمتها والمحافظة على عدالتها ووسطيتها‪ ،‬فقد رغبنا في تعريف طلبة‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪6‬‬
‫العلم والمهتمين بالثقافة الشرعية بهذا المذهب‪ ،‬من خالل هذا الكتاب الذي يسلّط‬
‫الضوء على إمام المذهب محمد بن إدريس الشافعي رضي اهلل عنه الذي كان صاحب‬
‫شخصية اجتهادية فذة‪ ،‬وكان له قصب السبق في وضع علم أصول الفقه واستنباط‬
‫القواعد األصولية‪ ،‬باإلضافة إلى بيان أدوار المذهب التاريخية ومراحل تطوره‪،‬‬
‫وأبرز شيوخه والتعريف بهم‪ ،‬وأهم الكتب المعتمدة فيه‪ ،‬وشرح أبرز مصطلحات‬
‫علماء الشافعية‪ ،‬وهو ما يُعد مفتا ًحا مه ًّما لدراسة مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬وييسر‬
‫دراسة علم الفقه الذي يُع ّد من أج ّل العلوم وأعظمها؛ ألنه يحقق عناصر االستخالف‬
‫في األرض ويتعلق بالعمل الذي يوصل إلى مراد اهلل سبحانه وتعالى في هذه الحياة‪،‬‬
‫ََ َ َۡ ُ ۡ‬
‫ت‌ٱل ِج َّن‬ ‫وهو عبادة اهلل تعالى وصدق التوجه إليه‪ ،‬مصداقاً لقوله عز وجل‪﴿‌:‬وما‌خلق‬
‫ون﴾ [الذاريات‪ ،]56 :‬وهو العلم الذي يجتمع فيه المعرفة والعلوم‬ ‫د‬‫نس ‌إلَّا ‌ل َِي ۡع ُب ُ‬‫‌وٱلۡإ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النظرية مع التطبيق العملي‪ ،‬يقول اإلمام الغزالي رضي اهلل عنه‪« :‬وأشرفُ العلوم ما‬
‫الرأي والشرع‪ ،‬وعلم الفقه وأصولُه من‬ ‫ُ‬ ‫ازدوج فيه العق ُل والسمع‪ ،‬واصطحب فيه‬ ‫َ‬
‫دواعي الخلق على طلبه‪ ،‬وكان‬ ‫َ‬ ‫وسبَبِه‪ ،‬وفَّر اهلل‬
‫هذا القبيل‪ ...‬وألجل شرف علم الفقه َ‬
‫وأكثرهم أتباعًا وأعوانًا»(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫العلماءُ به أرف َع العلماء مكانًا‪ ،‬وأجلَّهم شأنًا‪،‬‬
‫خالصا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن يكتب له القبول‬
‫ً‬ ‫فنسأل اهلل تعالى أن يتقبّل هذا العمل‬
‫بين الناس‪ ،‬وأن يبارك في جهود العاملين عليه‪ ،‬والقائمين على تدقيقه والعناية به‪،‬‬
‫وأن ينفع به اإلسالم والمسلمين‪.‬‬

‫رب العالمين‬
‫والحمد هلل ّ‬

‫((( المستصفى (ص‪.)3‬‬


‫‪7‬‬ ‫ةمدقم‬

‫مقدمة‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة على سيدنا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫أما بعد‪،‬‬
‫فقد أصبحت مداخل العلوم في عصرنا الحاضر ظاهرة معتادة في منهج التعليم‬
‫والمعرفة؛ ألن كل علم له تاريخه وفلسفته الخاصة واصطالحاته وقواعده التي ال‬
‫حسن بدارس ذلك العلم أن يجهلها‪ ،‬ويحتاج كل باحث أن يطلع عليها ليستفيد‬
‫يَ ُ‬
‫من ذلك العلم بصورة صحيحة‪.‬‬
‫ولذلك سلك المصنفون في العلوم الشرعية هذه المنهجية في كل علم شرعي‬
‫وسلّ ًما تعليميًّا لكل طالب علم شرعي‪ ،‬وقُررت مواد متخصصة‬
‫ليكون مم ِّهدًا معرفيًّا ُ‬
‫في الجامعات والمعاهد األكاديمية لتدريس هذه المداخل في التخصصات الشرعية‪.‬‬
‫وقد ظهرت الحاجة لتصنيف مدخل إلى المذهب الشافعي يراعي طريقة كتابة‬
‫الدراسات األكاديمية‪ ،‬ويبني المنهجية العلمية في ذهن طالب العلم الملتزم بالمذهب‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫وجاءت فكرة كتاب «المدخل إلى المذهب الشافعي» الذي بين أيدينا ليكون‬
‫مرجعًا علميًّا أكاديميًّا للجامعات والباحثين وطلبة العلم‪ ،‬يضاهي المراجع األكاديمية‬
‫المعاصرة التي تهتم بمنهج البحث العلمي‪ ،‬وطريقة التوثيق والترتيب والتبويب‪،‬‬
‫واألمثلة التطبيقية‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪8‬‬
‫وتتمثل أهمية الكتاب في أنها تقدم مادة منهجية للباحثين وطلبة العلم في‬
‫التعريف بالمذهب الشافعي‪ ،‬بحيث يسهل على الباحث وطالب العلم البحث أو‬
‫الدراسة في كتب المذهب‪.‬‬
‫وقد كثُر في يومنا هذا التصنيف في مداخل المذهب الشافعي‪ ،‬ويُع ّد أول مدخل‬
‫صنّف في المذهب الشافعي بصورة مستقلة «الفوائد المدنية فيمن يُفتى بقوله من‬
‫ُ‬
‫أئمة الشافعية» للعالمة محمد بن سليمان الكردي (ت‪1194‬هـ) والذي عرض فيه‬
‫طبقات علماء المذهب وكتبه وأبرز مصطلحاته‪ ،‬واستفاض في بحث دور اإلمام‬
‫النووي واإلمام الرافعي في تنقيح المذهب‪ ،‬وجهود المتأخرين في تحرير أقوالهما‪،‬‬
‫ومنهجية الفتوى المعتبرة في المذهب‪ ،‬ثم قام العالمة علوي بن أحمد السقاف‬
‫(ت‪1335‬هـ) بتهذيب الكتاب السابق في «الفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة‬
‫الشافعية» فعرض طبقات علماء المذهب‪ ،‬وتحدث عن أبرز مصطلحاته وكتبه‪،‬‬
‫وعرض دور اإلمامين النووي والرافعي في «تنقيحه»‪.‬‬
‫ثم توالت مداخل المذهب الشافعي في العصر الحديث بين رسالة جامعية‬
‫وبحث علمي مُح َّكم وكتاب مستقل‪ ،‬وكان من أبرز هذه الدراسات‪:‬‬
‫‪1‬ـ المذهب عند الشافعية للدكتور محمد إبراهيم علي‪ ،‬وهو بحث مح َّكم نشر‬
‫في جامعة الملك عبد العزيز سنة ‪1978‬م‪ ،‬وع ََرض فيه أطوار المذهب التاريخية‪،‬‬
‫وجهود المتأخرين في تحرير المذهب‪.‬‬
‫‪2‬ـ المدخل إلى مذهب اإلمام الشافعي للدكتور أكرم القواسمي‪ ،‬وهي رسالة‬
‫دكتوراه نُوقشت في الجامعة األردنية سنة ‪2002‬م‪ ،‬وتعرض فيه مؤلفه لحياة إمام‬
‫المذهب وتاريخ المذهب وبيان أبرز مصطلحاته وكتبه‪.‬‬
‫‪3‬ـ مقدمة تحقيق كتاب «نهاية المطلب إلمام الحرمين» لمح ِّققه الدكتور‬
‫عبد العظيم الديب‪ ،‬وهي مقدمة عظيمة في التعريف بالمذهب الشافعي وتاريخه‬
‫‪9‬‬ ‫ةمدقم‬

‫ومصطلحاته‪ ،‬وجهود علماء المذهب في تحريره وتنقيحه‪ ،‬وقد ُطبع الكتاب مع‬
‫مقدمته في سنة ‪2007‬م‪.‬‬

‫‪4‬ـ المعتمد عند الشافعية للدكتور محمد عمر الكاف‪ ،‬وهي رسالة ماجستير‬
‫نوقشت في جامعة بيروت اإلسالمية سنة ‪2008‬م‪ ،‬وعرض فيه مؤلفه تطور مصطلح‬
‫المذهب عبر العصور‪ ،‬وجهود علماء المذهب في تحريره وتنقيحه‪.‬‬

‫ور َّكزت أغلب هذه الكتب والدراسات على العرض التاريخي لحياة إمام‬
‫المذهب‪ ،‬وأطوار المذهب التاريخية‪ ،‬وجهود علماء المذهب في تحريره وتنقيحه‪،‬‬
‫مع بيان مصطلحات المذهب وكتبه‪.‬‬

‫ويُع ّد الكتاب الذي بين أيدينا حلقة مك ِّملة لسلسلة الكتب السابقة‪ ،‬وتمثلت‬
‫اإلضافة التي خرج بها كتابنا في‪:‬‬

‫‪1‬ـ االهتمام بمنهج البحث العلمي في المذهب الشافعي من خالل عرض كتب‬
‫المذهب في الفروع واألصول والقواعد الفقهية والكتب األخرى المتصلة بالمذهب‬
‫الشافعي‪ ،‬مع تعريف مختصر بكل كتاب‪ ،‬باإلضافة إلى عرض أبرز المصطلحات‬
‫المتعلقة بالمذهب بطريقة مرتبة مجدولة يستفيد منها الباحث وطالب العلم‪.‬‬

‫‪2‬ـ عرض منهج الفتوى وقواعد الترجيح في المذهب بطريقة علمية مع األمثلة‬
‫التوضيحية‪ ،‬بعيدًا عن الحشو والتطويل‪.‬‬

‫تفرد بها المذهب الشافعي عن المذاهب األخرى مع‬


‫‪3‬ـ بيان األصول التي َّ‬
‫األمثلة التطبيقية‪ ،‬بطريقة تتناسب مع الكتب األكاديمية المعاصرة‪.‬‬

‫‪4‬ـ ركز الكتاب فيما يتعلق بتاريخ المذهب على عرض الحالة العلمية للمذهب‬
‫وجهود علماء المذهب في كل عصر من عصر النشأة إلى عصرنا الحالي‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪10‬‬
‫‪5‬ـ إضافة فصل يتعلق بتراجم علماء المذهب عبر العصور التاريخية بحيث‬
‫يشتمل على ترجمة إمام أو أكثر في كل قرن‪ ،‬مع االهتمام بتراجم أبرز علماء المذهب‬
‫في العصر الحديث‪.‬‬
‫‪6‬ـ االهتمام بالتوثيق العلمي من المصادر والمراجع‪ ،‬وترجمة األعالم في‬
‫الكتاب‪ ،‬وترتيب الكتاب َوف ًقا للمنهجية العلمية‪.‬‬
‫وقد تتبّعنا واستقرأنا مصادر المذهب الشافعي ومراجعه للوصول إلى المعلومات‬
‫والحقائق وتنقيحها ونقدها‪ ،‬فيما يُعرف اليوم بالمنهج التاريخي‪ ،‬باإلضافة إلى عرض‬
‫شامل لما يتعلق بالتعريف بالمذهب الشافعي ومنهجه وأصوله وتاريخه‪ ،‬فيما يعُرف‬
‫اليوم بالمنهج الوصفي‪.‬‬
‫وختامًا‪ ،‬نسأل اهلل تعالى أن يتقبل هذا العمل لوجهه الكريم‪ ،‬وأن يكون في صحيفة‬
‫كل من اشتغل بالكتاب أو عمل على إنجاحه‪ ،‬وأن ينفع به طلبة العلم والباحثين بجاه‬
‫سيد المرسلين ﷺ‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫اًمومع ةيهقفلا بهاذملا خيرات نع ةذ بن‬

‫تمهيد‬
‫نبذة عن تاريخ المذاهب الفقهية عمومًا‬

‫كان الصحابةُ رضي اهلل عنهم في عصر النبي ﷺ إذا أشكل عليهم أمر ما‬
‫من أمور دينهم‪ ،‬أو اختلفوا في مسألة رجعوا إلى النبي ﷺ‪ ،‬فيسألونه مباشرة‬
‫عن حكم تلك المسألة؛ فيبيِّ ُن لهم رسول اهلل حك َمها‪ ،‬وقد نزلت عدة آيات‬
‫ُ َ َ َ ۡ َ َّ ُ ۡ‬
‫من القرآن الكريم تد ُّل على ذلك؛ منها‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ي َ ۡس َـ‍ٔلونك ع ِن ٱلأهِلةِۖ قل‬
‫َّ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ۡ‬
‫اس َوٱلحَ ِ ّج﴾ [البقرة‪ ،]189 :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ي َ ۡس َـ‍ٔلونك َع ِن ٱلش ۡه ِر‬ ‫ِيت ل َِّلن ِ‬
‫ِه َي َم َوٰق ُ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫‪ٞ‬‬ ‫ُۡ‬ ‫ۡ‬
‫ٱلحَ َر ِام ق َِتا ٖل فِيهِۖ قل ق َِتال فِيهِ كبِير‪[ ﴾ٞ‬البقرة‪ ،]217 :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ي َ ۡس َـ‍ٔلونك َع ِن‬
‫َّ ۡ‬ ‫ۡ ٓ َ ۡ‬ ‫ٓ ۡ َ‬ ‫ُۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َۡ‬
‫ٱلخ ۡم ِر َوٱل َم ۡي ِس ِرۖ قل فِي ِه َما إِث ‪ٞ‬م كبِير‪َ ٞ‬و َم َنٰفِ ُع ل َِّلن ِ‬
‫اس َوِإث ُم ُه َما أكبَ ُر مِن نفعِ ِه َما﴾‬
‫[البقرة‪.]219 :‬‬

‫وقد علَّم ُّ‬


‫النبي ﷺ الصحابةَ طر َ‬
‫ق االجتهاد للوصول إلى الحكم الشرعي‪،‬‬
‫منها قص ُة ُمعا ِذ بن جبل رضي اهلل عنه حين بعثه ﷺ لليمن فقال له‪« :‬كيف‬
‫عرضَ لك قضاء؟» قال‪ :‬أقضي بكتاب اهلل‪ ،‬قال‪« :‬فإن لم تَجِ د في‬ ‫تقضي إذا َ‬
‫كتاب اهلل؟» قال‪ :‬فبِ ُسنّة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قال‪« :‬فإن لم تَجِ د في ُسنّة رسول اهلل‬
‫ﷺ‪ ،‬وال في كتاب اهلل؟» قال‪ :‬أجتهد رأيي وال آلو‪ ،‬فضرب رسول اهلل ﷺ‬
‫رضي رسو َل اهلل»(‪.)1‬‬
‫رسول اهلل لما يُ ِ‬
‫ِ‬ ‫صدره‪ ،‬وقال‪« :‬الحم ُد هلل الذي وف َّ َق رسو َل‬

‫((( أخرجه أبو داود‪ ،‬باب اجتهاد الرأي في القضاء‪ )303 : 3( ،‬رقم الحديث (‪.)3592‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪12‬‬

‫ومنها‪ :‬عندما خرج صحابيّان في سفر‪ ،‬فحضرت الصالة وليس معهما‬


‫ماء‪ ،‬فتي َّمما صعيدًا طيبًا فصلَّيا‪ ،‬ثم وجدا الماء في الوقت‪ ،‬فأعاد أحدُهما‬
‫الصالةَ والوضوء ولم يُ ِعد اآلخر‪ ،‬ثم أتيا رسول اهلل ﷺ فذكرا ذلك له فقال‬
‫وأجزأتك صالتُك»‪ .‬وقال للذي َّ‬
‫توضأ وأعاد‪:‬‬ ‫َ‬ ‫السنّة‪،‬‬
‫«أصبت ُّ‬
‫َ‬ ‫للذي لم يُ ِعد‪:‬‬
‫مرتين»(‪.)1‬‬
‫األجر ّ‬
‫ُ‬ ‫«لك‬
‫وبعد وفاة النبي ﷺ انتشر الصحابةُ في البالد‪ ،‬وظهر الخالف فيما بينهم‬
‫في األمور االجتهادية‪ ،‬ولم يكونوا ُكلُّهم على درجة واحدة من العلم‪ ،‬فمنهم‬
‫من بلغ ُرتبة األخذ من الكتاب والسنة مباشرة‪ ،‬ومنهم من لم يبلغ تلك الدرجة؛‬
‫فكان الواحد منهم يتَّبِ ُع قول الصحابي الذي بلغ درجةَ االجتهاد أو مذهبه‪،‬‬
‫فمنهم من كان يالزم إمامًا ويلتزم فتواه‪ ،‬ومنهم من كان ينت ِق ُل إلى ٍ‬
‫إمام آخر‪.‬‬
‫ونجد أن شواهد التاريخ في طرائق الفقه والفتوى وتلقي العلم عن الصحابة‬
‫ً‬
‫طويل وهم‬ ‫رضي اهلل عنهم ترشد إلى ما ذكرناه‪ ،‬فقد عاش أه ُل العراق أمدًا‬
‫يلتزمون مذهب عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنهما دون أن يُ ِ‬
‫نك َر عليهم أحد من‬
‫طويل وهم يلتزمون مذهب عبد اهلل بن‬ ‫ً‬ ‫العلماء‪ ،‬وكما عاش أه ُل الحجاز أمدًا‬
‫نكر عليهم أحد من العلماء‪.‬‬ ‫عمر وابن عباس رضي اهلل عنهما دون أن يُ ِ‬

‫وانفرد العالِمان الجليالن عطاء بن أبي رباح ومجاهد من أئمة التابعين‬


‫ِ‬
‫هذان اإلمامان‪ ،‬ولم‬ ‫الناس أح ٌد إال‬
‫َ‬ ‫بالفتوى بمكة‪ ،‬وكان ينادي الخليفة ّأل َ‬
‫يفتي‬
‫ي ُقم أح ٌد من العلماء ِ‬
‫ينك ُر على الخليفة أو على أح ٍد من الناس هذا اإللزام(‪.)2‬‬

‫((( أخرجه أبو داود‪ ،‬باب في المتيمم يجد الماء بعدما يصلي في الوقت (‪ ،)93 :1‬رقم الحديث‬
‫(‪.)338‬‬
‫((( الالمذهبية أخطر بدعة تهدِّد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬لمحمد سعيد رمضان البوطي (ص‪.)15‬‬
‫‪13‬‬ ‫اًمومع ةيهقفلا بهاذملا خيرات نع ةذ بن‬

‫ثم لما ع ُظمت أمصا ُر اإلسالم‪ ،‬وذهبت األمّيّة من العرب بممارسة الكتابة‪،‬‬
‫وتم َّكن االستنباط‪ ،‬وك ُمل الفقه وأصبح صناعة وعل ًما نشأت مدرسة أهل الحديث‬
‫في الحجاز‪ ،‬وهي امتداد لفقه عبد اهلل بن عمر وابن عباس رضي اهلل عنهما‪ ،‬ومدرسة‬
‫أهل الرأي في العراق وهي امتداد لفقه عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه‪ ،‬فكانت‬
‫مدرس ُة أهل الحديث تعتمد على النص وال تتجاوزه إلى الرأي إال عند الضرورة‪،‬‬
‫أما مدرسة أهل الرأي فكانت تعتمد على الرأي والبحث في ِعلَل األحكام وال‬
‫تجنح إلى النص إال بعد الوثوق التام بصحة نسبته إلى رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫ومن أشهر تالمذة عبد اهلل بن مسعود في العراق‪ :‬عَل َقمةُ بن قَيس الن َ‬
‫خ ِع ّي(‪،)1‬‬
‫وش َريح القاضي(‪ ،)3‬ثم تزعَّم مدرسة الرأي بعدهم‬ ‫ق بن األجدع(‪ُ ،)2‬‬ ‫ومَسرو ُ‬
‫(‪)5‬‬ ‫إبراهـيم الن َ‬
‫خعي(‪ )4‬فقيه العـراق‪ ،‬وعلى يديه تتلمـذ ح ّماد بن أبي ُسليمان‬
‫وكانت له بالكوفة َحلقة عظيمة‪ ،‬وكان من بينهم أبو َحنيفة النُّعمان وانتهت إليه‬

‫الهمداني‪ ،‬تابعي‪ ،‬كان فقيه العراق‪ ،‬ت ُ ُوفِّي سنة‬


‫ّ‬ ‫((( علقمة بن قيس بن عبد اهلل بن مالك النخعي‬
‫‪62‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)248 :4‬‬
‫وش َريح‬ ‫((( َمسروق بن األجدع بن مالك ال َهمداني الوادعي‪ ،‬تابعي‪ ،‬كان أعلم بالفتيا من شريح‪ُ ،‬‬
‫أبصر منه بالقضاء‪ .‬تُوفِّي ‪63‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)215 :7‬‬
‫الكندي‪ ،‬من أشهر القضاة الفقهاء في صدر اإلسالم‪،‬‬ ‫جهم ِ‬‫((( ُش َريح بن الحارث بن قَيس بن ال َ‬
‫ولي قضاء الكوفة في زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية‪ ،‬ول ّما أصبح الحجاج بن يوسف‬
‫والي الكوفة استقال ُش َريح‪ .‬توفي ‪78‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)161 :3‬‬
‫((( إبراهيم بن يزيد بن قيس بن األسود‪ ،‬أبو عمران النخعي‪ ،‬من أكابر التابعين‪ ،‬فقيه العراق كان‬
‫إمامًا مجت ِهدًا له مذهب‪ .‬ت ُوفِّي ‪96‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)80 :1‬‬
‫((( حماد بن أبي سليمان أبو إسماعيل بن مسلم الكوفي‪ ،‬تف َّقه بإبراهيم النخعَي‪ ،‬وهو أنبَ ُل‬
‫أصحابه وأفقههم وأقيسهم وأبصرهم بالمناظرة والرأي‪ .‬ت ُ ُوفِّي ‪120‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬سير أعالم‬
‫النبالء (‪.)231 :5‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪14‬‬

‫وبرز منهم القاضي أبو يوسف ومحمد بن‬ ‫فالتف حوله الطالب َ‬
‫َّ‬ ‫رئاسة الفقه‪،‬‬
‫واستقر منهجـها‪ ،‬فكان «المذهب‬
‫َّ‬ ‫الحسـن و ُزفَـر‪ ،‬وعلى أيديـهم استمر فِق ُهها‬
‫الحنفي»‪.‬‬
‫ومن أشـهر تالمـذة عبد اهلل بن عـمر وابن عباس في الحـجاز‪ :‬سعيد بن‬
‫المسيب(‪ )1‬سيد التابعين‪ ،‬وعروة بن الزبير(‪ ،)2‬والقاسم بن محمد(‪ ،)3‬وعلى‬
‫أيديهم تتلمذ اب ُن ِشهاب الزهري(‪ ،)4‬وزيد بن أسلم(‪ ،)5‬ونافع مولى ابن عمر(‪،)6‬‬
‫ُ‬
‫والليث‬ ‫وعبد اهلل بن ذَكوان(‪ ،)7‬وعلى أيديهم برز عَطاء بن َرباح‪ ،‬واب ُن ُج َريج‪،‬‬
‫وسفيان بن ُعيَينة‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬ومالك بن أنس إمام أهل المدينة‪،‬‬ ‫ابن سعد‪ُ ،‬‬

‫((( سعيد بن المسيَّب بن حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬سيِّد التابعين‪،‬‬
‫وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة‪ .‬توفي ‪94‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)102 :3‬‬
‫((( عروة بن الزبير بن العوام األسدي القرشي أبو عبد اهلل‪ ،‬أحد الفقهاء السبعة بالمدينة‪ ،‬توفي‬
‫‪93‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)226 :4‬‬
‫((( القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬أحد الفقهاء السبعة في المدينة‪ ،‬توفي‬
‫‪107‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)181 :5‬‬
‫((( محمد بن مسلم بن عبد اهلل بن ِشهاب الزهري‪ ،‬من بني ُزهرة بن كالب‪ ،‬من قريش‪ ،‬أبو بكر‪،‬‬
‫تابعي من أهل المدينة‪ ،‬توفي ‪124‬هـ‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫ح ّفاظ والفقهاء‪،‬‬
‫أول من د َّون الحديث‪ ،‬وأحد أكابر ال ُ‬
‫انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)97 :7‬‬
‫فسر من أهل المدينة‪ ،‬توفي ‪136‬هـ‪.‬‬
‫((( زيد بن أسلم العدوي العمري‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬فقيه مُ ِّ‬
‫انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)56 :3‬‬
‫((( نافع أبو عبد اهلل القرشي‪ ،‬ثم العدوي‪ ،‬اإلمام المفتي‪ ،‬الثبت‪ ،‬عالم المدينة‪ ،‬توفي ‪117‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬سير أعالم النبالء (‪.)95 :5‬‬
‫((( عبد اهلل بن َذكوان القرشي المدني‪ ،‬أبو الزناد‪ :‬من كبار المحدثين‪ ،‬توفي ‪131‬هـ‪ .‬انظر‪:‬‬
‫األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)85 :4‬‬
‫‪15‬‬ ‫اًمومع ةيهقفلا بهاذملا خيرات نع ةذ بن‬

‫وعلى ي ِده برز عبد الرحمن بن القاسم(‪ ،)1‬وعبد اهلل بن َوهب(‪ ،)2‬ويحيى بن‬
‫استمر فقهها ومنهجها‪ ،‬فكان «المذهب‬
‫َّ‬ ‫يحيى الليثي(‪ ،)3‬وأشهب(‪ ،)4‬وعليه‬
‫المالكي»‪.‬‬
‫افعي عن اإلمام مالك بن أنس‬ ‫الش ُّ‬ ‫ثم أخذ مح ّمد بن إدريس الم َّط ّ‬
‫لبي ّ‬
‫في المدينة و َر َحل إلى العراق‪ ،‬ولقي أصحاب اإلمام أبي َحنيفةَ‪ ،‬وأ َخ َذ عنهم‬
‫واختص‬
‫َّ‬ ‫ومز ََج طريقةَ أهل الحجاز بطريقة أهل العراق‪ ،‬ثم رحل إلى مصر‬
‫بمذهب‪ ،‬وكان من أشهر تالمذته أبو إبراهيم ال ُمزَني‪ ،‬وأبو يعقوب البُ َويطي‪،‬‬
‫ٍ‬
‫جها‪ ،‬فكان‬ ‫استمر فق ُهها ومنه ُ‬
‫َّ‬ ‫وحرمَلة بن يحيى‪ ،‬والربي ُع ال ُمرادي‪ ،‬وعليه‬
‫«المذهب الشافعي»‪.‬‬
‫وجاء من بعدهم أبو عبد اهلل أحمد بن حنبل فاختار في صدر حياته رجال‬
‫الحديث ومسلَ َكهم‪ ،‬فاتجه إليهم أول اتجاهه‪ ،‬ثم قصد فقهَ الشافعي وأصوله‪،‬‬
‫وكان الشافعي يع ِّول عليه في معرفة صحة األحاديث أحيانًا‪ ،‬ويقول له‪ :‬إذا‬
‫صح عندكم الحديث فأعلمني به‪.‬‬ ‫َّ‬
‫عرف بابن القاسم‪،‬‬
‫العتقي المصري‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬ويُ َ‬
‫ّ‬ ‫((( عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن ُجنادة‬
‫فقيه‪ ،‬وهو صاحب المدونة الكبرى في المذهب المالكي‪ ،‬توفي ‪191‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي‬
‫(‪.)323 :3‬‬
‫((( عبد اهلل بن َوهب بن مسلم ال ِفهري المصري‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬فقيه من األئمة من أصحاب اإلمام‬
‫مالك‪ ،‬تُوفِّي ‪197‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)144 :4‬‬
‫((( يحيى بن يحيى بن أبي عيسى كثير الليثي‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬عالم األندلس في عصره‪ ،‬سمع‬
‫المو َّطأ من اإلمام مالك‪ ،‬وعاد إلى األندلس‪ ،‬فنشر فيها مذهب مالك‪ ،‬توفي ‪234‬هـ‪ .‬انظر‪:‬‬
‫األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)176 :8‬‬
‫الجعدي‪ ،‬أبو عمرو‪ ،‬فقيه الديار المصرية في‬
‫ّ‬ ‫((( أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي العامري‬
‫عصره‪ ،‬كان صاحب اإلمام مالك‪ ،‬تُوفِّي ‪204‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)333 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪16‬‬
‫المروذي(‪ ،)1‬وإبراهيم بن‬
‫وكان من أشهر تالمذة اإلمام أحمد‪ :‬أبو بكر ُّ‬
‫وبقي بن مَخلَد(‪ ،)3‬وصالح وعبد اهلل ابنا اإلمام أحمد‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫إسحاق الحربي(‪،)2‬‬
‫استمر فق ُهها ومنهجها‪ ،‬فكان «المذهب‬
‫َّ‬ ‫وعمه إسحاق‪ ،‬وابن عمه حنبل‪ ،‬وعليه‬
‫الحنبلي»‪.‬‬
‫ووقف االجتهاد الفقهي المطلق وتأسيـس المدارس الكبرى ذات األصول‬
‫الفقهية العظمى عند هؤالء األئمة األربعة‪ ،‬وصار األمر بين الناس إلى اتباع‬
‫مذاهب هؤالء األئمة األربعة وااللتزام بفقههم؛ ألن هذه المذاهب ُح ِفظت‬
‫و ُخ ِدمت ون ُ ِّقحت و ُح ِّررت ودُقِّقت‪ ،‬وإنما وقع هذا االلتزام بالمذاهب األربعة‬
‫دون غيرها خشية من إسناد األمر إلى غير أهله و َمن ال يُوثَق برأيه ودينه َّ‬
‫فصرحوا‬
‫بالعجز واإلعواز‪ ،‬و َع ِم َل ك ُّل مقلِّد بمذهب َمن قلّده‪ ،‬فجرى عم ُل جماهي ِر األمة‬
‫بعد استقرار تدوين الفقه على االلتزام بالمذاهب الفقهية األربعة‪ :‬مذهب اإلمام‬
‫أبي حنيفة‪ ،‬ومذهب اإلمام مالك‪ ،‬ومذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬ومذهب اإلمام‬
‫أحمد رضي اهلل عنهم أجمعين‪.‬‬
‫وبذلك نعلم أ ّن اتباع المذاهب األربعة هو عَي ُن اتباع الكتاب والسنة‪،‬‬
‫تخرج عن الكتاب والسنة؛ فأقوالهم مأخوذة ومستنبطة‬
‫وأن أقوال األئمة لم ُ‬
‫((( أحمد بن محمد بن الحجاج‪ ،‬أبو بكر المروذي‪ ،‬عالم بالفقه والحديث‪ .‬كان أج َّل أصحاب‬
‫اإلمام أحمد‪ ،‬توفي ‪275‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)205 :1‬‬
‫((( إبراهيم بن إسحاق بن بَشير بن عبد اهلل البَغدادي الحربي‪ ،‬أبو إسحاق‪ ،‬من أعالم ال ُمحدِّثين‪،‬‬
‫تُوفِّي ‪285‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)32 :1‬‬
‫((( ب َ ِق ّي بن مَخلَد بن يزيد‪ ،‬أبو عبد الرحمن‪ ،‬األندلسي ال ُقر ُطبي‪ :‬حافظ ِّ‬
‫مفسر مُح ِّقق‪ ،‬من أهل‬
‫األندلس‪ ،‬له تفسير قال عنه ابن بشكوال‪« :‬لم يُؤلَّف مثله في اإلسالم»‪ ،‬توفِّي ‪276‬هـ‪ .‬انظر‪:‬‬
‫األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)60 :2‬‬
‫‪17‬‬ ‫اًمومع ةيهقفلا بهاذملا خيرات نع ةذ بن‬

‫من الكتاب والسنة‪ ،‬إما عن طريق القياس‪ ،‬أو عن طريق الدالالت؛ كالعامِّ‬
‫والخاص‪ ،‬وال ُمج َمل وال ُمبيَّن‪ ،‬وفحوى الخطاب ودليل الخطاب‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫ضبط الدين‬ ‫قال الحافظ ابن رجب الحنبلي‪ :‬فاقتضت حكمة اهلل سبحانه أن‬
‫ب للناس أئمةً مجت َمعًا على ِعل ِمهم ودرايتهم‪ ،‬وبلوغهم الغايةَ‬
‫نص َ‬
‫وحفظه بأن َ‬
‫المقصودةَ في مرتبة العلم باألحكام والفتوى من أهل الرأي والحديث‪.‬‬
‫فصار الناس كلُّهم يُع ِّولون في الفتاوى عليهم‪ ،‬ويرجعون في معرفة األحكام‬
‫مذهب كل‬
‫ُ‬ ‫ضبِط‬‫ويحر ُر قواعدَهم حتى ُ‬
‫ِّ‬ ‫إليهم‪ ،‬وأقام اهلل من يضبِ ُط مذاهبَهم‬
‫إمام منهم وأصوله وقواعده وفصوله‪ ،‬وكان ذلك من لطف اهلل بعباده المؤمنين‪،‬‬
‫ومن جملة عوائده الحسنة في حفظ هذا الدين‪ ،‬ولوال ذلك لرأى الناس العجب‬
‫العجاب‪ .‬انتهى(‪.)1‬‬

‫((( الرد على من اتبع غير المذاهب األربعة‪ ،‬البن رجب الحنبلي (ص‪.)3‬‬
‫الباب الأول‬
‫تاريخ المذهب الشافعي ورجاله‬

‫يتكون هذا الباب من ثالثة فصول هي‪:‬‬


‫ـ الفصل األول ‪ :‬حياة اإلمام الشافعي وشخصيته االجتهادية‪.‬‬
‫ـ الفصل الثاني‪ :‬تطور المذهب الشافعي‪.‬‬
‫ـ الفصل الثالث‪ :‬أبرز فقهاء المذهب الشافعي‪.‬‬
‫مقدمة‬
‫تعر يف المذهب وحقيقته‬

‫أول ًا ‪ :‬تعر يف المذهب لغة ً‬

‫هب يَذهَب ذَهابًا وذُهوبًا ومَذهبًا أي‪َّ :‬‬


‫مر(‪.)1‬‬ ‫المذهب لغةً‪ :‬مأخوذ من ذَ َ‬
‫ويُستع َمل لعدة ٍ‬
‫معان(‪:)2‬‬
‫‪1‬ـ يُستع َمل‪ :‬بمعنى الذهاب‪ ،‬أي‪ :‬السير والمرور‪.‬‬
‫‪2‬ـ ويُستع َمل‪ :‬للمعتقد الذي يُذهَب إليه‪ ،‬يقال‪ :‬ذهب فالن لمذهبه أي‪:‬‬
‫ل ُمعتَق ِده الذي يذهب فيه‪.‬‬
‫َّ‬
‫للمتوضأ؛ ألنه يذهب إليه‪.‬‬ ‫‪3‬ـ ويُستع َمل‪:‬‬
‫‪4‬ـ ويستعمل‪ :‬لموضع قضاء الحاجة‪ .‬وفي الحديث‪« :‬أ ّن َّ‬
‫النبي ﷺ كان‬
‫إذا ذهَب المذهَب أب َعدَ»(‪.)3‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬تعر يف المذهب اصطلاح ًا‬


‫المذهب في االصطالح‪ :‬هو ما يصل إليه المجت ِه ُد من األحكام والمسائل‬
‫بطريق االجتهاد(‪.)4‬‬

‫((( لسان العرب (‪.)393 :1‬‬ ‫((( مختار الصحاح (ص‪.)113‬‬


‫((( أخرجه أبو داود‪ ،‬باب التخلي عند قضاء الحاجة (‪ )1 :1‬حديث رقم (‪.)1‬‬
‫((( حاشية البجيرمي على الخطيب (‪.)50 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪22‬‬

‫السمعاني الشافعي‪« :‬اعلم أن مذهب اإلنسان‪ :‬هو اعتقاده‪،‬‬


‫ُّ‬ ‫قال أبو مُظ َّفر‬
‫فصل‬‫بدليل مُج َمل أو مُ َّ‬
‫ٍ‬ ‫فمتى ظنَّنا أن(‪ )1‬اعتقاد اإلنسان أو عرفناه ضرورة أو‬
‫قلنا‪ :‬إنه مذهبه‪ ،‬ومتى لم نظن ذلك ولم نعلمه‪ ،‬لم نقل‪ :‬إنه مذهبه‪.‬‬
‫وي ُد ُّل اإلنسان على مذهبِه في المسألة بوجوه‪:‬‬
‫ـ منها‪ :‬أن يح ُكم في المسألة بعينها بحكم مُعيَّن‪.‬‬
‫ـ ومنها‪ :‬أن تأتي بلفظ عامٍّ يشمل تلك المسألةَ وغيرها‪ ،‬فيقول الشافعي‬
‫رحمه اهلل‪ :‬الكل جائز‪ ،‬أو غير جائز‪.‬‬
‫وينص على حكم أحدهما‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ـ ومنها‪ :‬أن يُع ِلم أنّه ال يُ ِّ‬
‫فرق بين المسألتين‬
‫فيُع ِلم أ ّن حك َم اآلخ ِر عي ُن ذلك الحكم‪ ،‬مثل أن يقول‪ :‬الشفعة لجار الدار‪ ،‬فنعل ُم‬
‫أن جار الدكان مثل جار الدار‪.‬‬
‫ـ ومنها‪ :‬أن يُعلِّل الحك َم بعل ٍة تو َجد في عدة مسائل فنعلم أن مذهبَه شمول‬
‫ذلك الحكم في تلك المسائل»(‪.)2‬‬

‫((( كذا في المطبوعة‪ ،‬وحذفها هو األنسب بقراءة النص‪ ،‬واهلل تعالى أعلم‪.‬‬
‫((( قواطع األدلة في األصول‪ ،‬للسمعاني (‪.)337 :2‬‬
‫‪23‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫الفصل الأول‬
‫حياة الإمام الشافعي وشخصيته الاجتهادية‬

‫المبحث الأول‬
‫حياة الإمام الشافعي‬

‫إمام علَ ٍم من أعالم األمة اإلسالمية‪ ،‬يُ َع ُّد َ‬


‫ثالث‬ ‫سنتكلم في هذا الفصل عن ٍ‬
‫س المدرسة الفقهية «المذهب‬
‫ومؤس َ‬
‫ِّ‬ ‫األئمة األربعة عن َد أهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫ومؤسس علم أصول الفقه في كتابه «الرسالة»‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الشافعي» في الفقه اإلسالمي‪،‬‬
‫القرشي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الشافعي الم َّط ِل ّ‬
‫بي‬ ‫ّ‬ ‫هو اإلمام أبو عبد اهلل محمد بن إدريس‬
‫وت ُ َع ّد شخصية اإلمام الشافعي رحمه اهلل تعالى من أبرز الشخصيات‬
‫تأثيرا في تاريخ التشريع اإلسالمي؛ لجمعه بين مدرستَي أهل الحديث‬ ‫العلمية ً‬
‫وحس َم الجد َل القائم بينهما‪ ،‬واستق َّل في تدوين‬
‫َ‬ ‫جا وس ًطا‬
‫والرأي‪ ،‬فاتخذ منه ً‬
‫جية السنة النبوية في األذهان‪ ،‬فوضع قانونًا‬
‫قواعد علم أصول الفقه‪ ،‬وترسيخ ُح ّ‬
‫خلق ِ‬
‫يعصم الناس عن الخطأ في المعرفة‪.‬‬ ‫لل َ‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪24‬‬

‫المطلب الأول‬
‫(‪)1‬‬‫حياته الشخصية‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫هو إمام األئمة وعالم ق ُ َريش أبو عب ِد اهلل محم ُد بن إدريس بن العباس بن‬
‫السائب بن ُعبَي ِد بن عبد يزيد بن هاشم بن ال ُم َّط ِلب بن‬
‫ِ‬ ‫عثما َن بن شافع بن‬
‫ب مع‬
‫بالنس ِ‬
‫َ‬ ‫الحجازي ال َم ّك ُّي‪ ،‬يلتقي‬
‫ُّ‬ ‫الشافعي‬
‫ُّ‬ ‫يشي ال ُم َّط ُّ‬
‫لبي‬ ‫عبد مناف ال ُق َر ُّ‬
‫النبي ﷺ في عب ِد مناف َج ِّد رسول اهلل ﷺ الثالث‪.‬‬
‫ِّ‬
‫نسب‬
‫أما َجدُّه السائب بن ُعبَيد فهو صحابي؛ فشاف ُع اب ُن صحابي‪ ،‬وإليه يُ َ‬
‫محمد بن إدريس‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي‪« :‬وقد تظاهرت األحاديث الصحيحة في فضل قريش‪،‬‬
‫وانعقد اإلجماع على تفضيلهم على جميع قبائل العرب وغيرهم‪ ،‬وفي‬
‫الصحيحين عن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬األئم ُة من قريش»(‪ ،)2‬وأن رسول اهلل ﷺ‬

‫((( انظر ترجمته في‪ :‬مناقب الشافعي للبيهقي‪ ،‬ومناقب اإلمام الشافعي لفخر الدين الرازي‪.‬‬
‫وطبقات الشافعية الكبرى لعبد الوهاب السبكي (‪ ،)71 :2‬وسير أعالم النبالء للذهبي‬
‫(‪ ،)5 :10‬وتهذيب األسماء واللغات للنووي (‪ ،)44 :1‬ووفيات األعيان البن خلكان‬
‫(‪.)163 :4‬‬
‫((( لم يرد بهذا اللفظ في الصحيحين‪ ،‬وإنما ورد بلفظ‪« :‬الناس تبع لقريش في هذا الشأن‪ ،‬مسلمهم‬
‫تبع لمسلمهم‪ ،‬وكافرهم تبع لكافرهم»‪ .‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب المناقب‪= ،)3495( ،‬‬
‫‪25‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫اإلسالم‪ ،‬إذا ف ُق ُهوا»(‪.)2(»)1‬‬


‫ِ‬ ‫اس مَعا ِد ُن‪ِ ،‬خيا ُرهُم فِي الجا ِهلِيّ ِة ِخيا ُرهُم فِي‬
‫قال‪« :‬الن ّ ُ‬
‫فالشافعي من‬
‫ُّ‬ ‫فأما ال ُم ّطلبي‪ :‬فهو نسبةٌ إلى َجدِّه المطلب بن عبد مناف‪،‬‬
‫أوالد عمومة رسول اهلل؛ أل ّن ال ُم َّطلب عم رسول اهلل‪ ،‬فالمطلب هو أخو هاشم‪،‬‬
‫وكالهما ابنا عبد مناف؛ وعلى هذا فاإلمام الشافعي يُ َع ُّد من آل بيت رسول اهلل‬
‫ﷺ‪ ،‬قال رسول اهلل ﷺ فيهم‪« :‬إنّما بَنُو ال ُم َّطلِ ِب‪ ،‬وبَنُو ِ‬
‫هاش ٍم َشيءٌ ِ‬
‫واحدٌ»(‪.)3‬‬
‫وما أحس َن قو َل بعضهم في نسب الشافعي (‪:)4‬‬
‫الشــافع‬
‫ِ‬ ‫النبي‬
‫ِّ‬ ‫ُمجتَ ِمعًا مــ َع‬ ‫فظ أ ُ ِ‬
‫صول الشافِ ِعي‬ ‫يا طالِبًا ِح َ‬
‫وشــافع‬
‫ِ‬ ‫فوقهم عُثمــا َن قُل‬ ‫عباس ومن‬
‫ٍ‬ ‫إدريــس‬
‫َ‬ ‫محم ٌد‬
‫للجائع‬
‫ِ‬ ‫عبــ ِد يزيــ ٍد هاشــ ٍم‬ ‫ســادس‬
‫ٌ‬ ‫وســائب ثــم عُبي ٍد‬
‫ٍ‬
‫أك ِرم بها من نســب ٍة للشافعي‬ ‫عاشــر‬
‫ٌ‬ ‫مُ َّط ٍ‬
‫لــب عبــ ِد مناف‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ُولِد اإلمام الشافعي رضي اهلل عنه سنة ‪150‬هـ‪ ،‬وهي السنة التي تُوفِّي فيها‬
‫اإلمام أبو حنيفة رحمهما اهلل تعالى‪ ،‬والذي عليه الجمهور أ ّن الشافعي ُولِد‬
‫ب َغزّة‪ ،‬وهي من أرض فلسطين‪.‬‬

‫= ومسلم‪ ،‬كتاب اإلمارة‪ ،‬باب الناس تبع لقريش‪ ،‬والخالفة في قريش (‪ .)1818‬وأخرجه‬
‫باللفظ المذكور أحمد في مسنده (‪ ،)12900‬والنسائي في الكبرى (‪.)5909‬‬
‫((( أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء (‪ )149 :4‬رقم الحديث (‪.)3383‬‬
‫((( تهذيب األسماء واللغات‪ ،‬للنووي (‪.)44 :1‬‬
‫((( أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب فرض الخمس (‪ )91 :4‬رقم الحديث (‪.)3140‬‬
‫((( ذكر هذه األبيات الشيخ الباجوري في مقدمته على شرح ابن قاسم ال َغزِّي على متن أبي شجاع‬
‫(ص‪.)20‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪26‬‬

‫نشأ الشافعي رضي اهلل عنه يتي ًما في ِحجر أمه في قلة عيش وضيق حال‪،‬‬
‫فخافت عليه أمه من ضياع النسب الشريف فح َملَته إلى م ّكةَ وهو ابن عامين‪،‬‬
‫فنشأ بها وأقبل على الرمي حتى فاق فيه األقران‪ ،‬وصار يصيب من عشرة أس ُه ٍم‬
‫عشرةً‪ ،‬ثم دفعته أمه إلى ال ُكتّاب ليتعلَّ َم القراءةَ والكتابة‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬وفاته‬
‫مات الشافعي رحمه اهلل في آخر ليلة من رجب سنة ‪204‬هـ‪ ،‬وقد بلغ من‬
‫العمر أربعة وخمسين عا ًما‪ ،‬قال محمد بن عبد اهلل بن عبد الحكم المصري‪:‬‬
‫« ُولِد الشافعي سنة خمسين ومئة‪ ،‬ومات في آخر يوم من رجب‪ ،‬سنة أربع‬
‫ومئتين‪ ،‬عاش أربعًا وخمسين سنة»(‪.)1‬‬

‫((( آداب الشافعي ومناقبه‪ ،‬البن أبي حاتم الرازي (ص‪.)21‬‬


‫‪27‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫المطلب الثاني‬
‫حياته العلمية‬

‫أول ًا ‪ :‬مراحل طلبه للعلم‬


‫مرت رحلة الشافعي في طلبه للعلم الذي أسهم في بناء شخصيته العلمية‬
‫بمراحل أهمها‪:‬‬
‫الشافعي بحفظ كتاب اهلل بعدما أرسلته‬
‫ُّ‬ ‫‪1‬ـ مرحلة ِحف ِظه لكتاب اهلل‪ :‬ابتدأ‬
‫أُمُّه إلى ال ُكتّاب‪ ،‬ولم يكن عندها ما تعطي المعلِّم‪ ،‬وكان ال ُمعلِّ ُم ِّ‬
‫يقص ُر في‬
‫الشافعي يتل َّقف ذلك الكالم‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫التعليم إال أ ّن المعلِّ َم ُكلَّما علَّم صبيانَه شيئًا كان‬
‫ثم إذا قام المعلم من مكانه أخذ الشافعي يعلِّم الصبيان ذلك الكالم‪ ،‬فن َظر‬
‫فترك طلب األجرة منه‪ ،‬و ُكلّما‬
‫الشافعي يكفيه من أمر الصبيان َ‬
‫ُّ‬ ‫المعلم فرأى‬
‫يفرغ ال ُمعلِّم من اإلمالء‬
‫كان المعلِّ ُم يُل ِّقن الصبيان اآليةَ ليكتبوها فإلى أن ُ‬
‫واستمر على هذا الحال إلى أن‬
‫َّ‬ ‫ظ جميع ما أُملي‪،‬‬
‫عليهم‪ ،‬كان الشافعي قد ح ِف َ‬
‫َح ِذق وحفظ القرآن في كمال سبع سنين(‪.)1‬‬
‫ختمت القرآن دخلت المسجد وكنت‬
‫ُ‬ ‫قال الشافعي رضي اهلل عنه‪ :‬ولما‬
‫أجالس العلماء وأحفظ الحديث وكان منزلنا بمكة في شعب الخيف‪ ،‬وكنت‬
‫فقيرا بحيث ما كنت أجد ما أشتري به القراطيس‪ ،‬فكنت آخذ العظم وأكتب فيه‬
‫ً‬
‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (ص‪.)92‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪28‬‬

‫وأستوهب ال ُّظهو َر من أهل الديوان ـ أي‪ :‬األوراق المكتوبة المستغنى عنها ـ‬


‫وأكتب في ظهرها(‪.)1‬‬
‫‪2‬ـ مرحـلة بروعـه في اللغة والشـعر واألدب‪ :‬اتَّجه الشـافعي بعد حفظه‬
‫وبرع فيهما‪ ،‬ولم‬
‫لكتاب اهلل عز وجل وسماعه للسنة النبوية إلى الشعر واألدب َ‬
‫ً‬
‫مشتغل بالفقه بعد‪.‬‬ ‫يكن‬
‫أفصح العرب‪،‬‬
‫َ‬ ‫فخرج من مكةَ متو ِّج ًها إلى قبيلة «هُذيل» في البادية‪ ،‬وكانت‬
‫فالزمها يتعلم كال َمها ولغاتِها‪ ،‬ويبتعد كل البُعد عن العجمة التي أخذت تغزو‬
‫اللسان العربي الفصيح بسبب االختالط باألعاجم‪ ،‬فأقام معهم مدة يرحل‬
‫برحيلهم وينزل بنزولهم‪ ،‬فل ّما رجع إلى مكة جعل ينشد األشعار‪ ،‬ويذكر أيام‬
‫الناس وغيرها من األمور(‪.)2‬‬
‫برع اإلمام الشافعي رضي اهلل عنه في العلوم الشرعية‬ ‫‪3‬ـ مرحلة تعلُّ ِمه الفقه‪َ :‬‬
‫حتى صار يل َّقب بـ«ناصر السنة»‪ ،‬وما ل ُ ِّقب بذلك إال لعلو منزلته و ُرتبته‪.‬‬
‫برع الشـافعي في علوم اللـغة النحو واألدب ل َ ِقيه مسلم بن خالد‬
‫بعـدما َ‬
‫الزِّنجي(‪ ،)3‬فقال له‪ :‬يا فتى‪ ،‬من أين أنت؟ قال‪ :‬من أهل مكة‪ ،‬قال له‪ :‬أين‬
‫خيف‪ ،‬قال له‪ :‬من أي قَبيلة أنت؟ قال‪ :‬من عبد مناف‪،‬‬ ‫بشعب ال َ‬‫من ِزلُك؟ قال‪ِ :‬‬
‫جعلت فَه َمك هذا في الفقه‬
‫َ‬ ‫شرفك اهلل في الدنيا واآلخرة‪ ،‬أال‬ ‫بخ‪ ،‬لقد َّ‬
‫بخ ٍ‬
‫فقال‪ٍ :‬‬
‫فكان أحس َن لك؟!(‪.)4‬‬

‫((( مناقب اإلمام الشافعي‪ ،‬للرازي (ص‪ ((( .)37‬مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)102 :1‬‬
‫((( مسلم بن خالد بن سعيد القرشي‪ ،‬المعروف بالزنجي ـ ول ُ ِّقب بالزنجي؛ لبياضه ـ كان إمام‬
‫أهل مكة‪ .‬ت ُ ُوفي ‪179‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)222 :7‬‬
‫((( تهذيب األسماء واللغات‪ ،‬للنووي (‪.)46 :1‬‬
‫‪29‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫وهنالك روايات أخرى تذ ُك ُر سبب انصرافه عن الشعر واألدب إلى تلقي‬


‫الفقه‪ ،‬منها‪ :‬أنه كان يسير يو ًما على دابة له و َخل َفه كاتب‪ ،‬فتمثَّل الشافعي ببيت‬
‫شعر‪ ،‬ف َق َرعه الكاتب بسوطه‪ ،‬ثم قال له‪ِ :‬مثلُك يُذ ِهب بمروءته في مثل هذا‪،‬‬
‫أين أنت من الفقه؟! ف َهزَّه ذلك(‪.)1‬‬
‫فابتدأ الشافعي باألخذ عن مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة‪ ،‬وعن اإلمام‬
‫حافظ العصر ُسفيان بن عُيينة(‪ ،)2‬فأدرك شيو ُخه نباغتَه في العربية وتفسير‬
‫ِ‬
‫«أفت يا أبا‬ ‫النصوص وهو غالم يافع‪ ،‬فقال له شيخه مسلم بن خالد الزنجي‪:‬‬
‫عبد اهلل فقد آن لك أن تفتي»‪ ،‬وكان الربيع المرادي أحد تالمذته يقول‪« :‬كان‬
‫الشافعي رضي اهلل عنه يفتي وله خمس عشرة سنة»(‪.)3‬‬
‫وكان سفيان بن عيينة رحمه اهلل إذا جاءه شيءٌ من التفسير أو الفتيا التفت‬
‫إلى الشافعي فقال‪« :‬سلوا هذا الغالم»(‪.)4‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬رحلاته العلمية‬


‫حصل اإلمام الشافعي ِعل َم أهل مكة‬
‫‪1‬ـ رحلته إلى المدينة المنورة‪ :‬بعد أن َّ‬
‫ِ‬
‫بمالك بن أنس(‪ )5‬إمام المسلمين‬ ‫تطلَّع لعلم أهل المدينة فسمع الشافعي وقتئ ٍذ‬

‫((( تهذيب األسماء واللغات‪ ،‬للنووي (‪.)46 :1‬‬


‫المكي (ت‪198‬هـ)‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫الحرم‬
‫َ‬ ‫((( سفيان بن عُيينة بن ميمون ال ِهاللي الكوفي‪ُ ،‬محدِّث‬
‫األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)105 : 3‬‬
‫((( مناقب اإلمام الشافعي‪ ،‬للرازي (ص‪.)37‬‬
‫((( وفيات األعيان‪ ،‬البن خلكان (‪.)164 :4‬‬
‫((( مالك بن أنس بن مالك األصبحي الحميري‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ :‬إمام دار الهجرة‪ ،‬وأحد األئمة األربعة‬
‫نسب المالكية‪ ،‬ت ُ ُوفِّي ‪179‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)257 :5‬‬‫عند أهل السنة‪ ،‬وإليه ت ُ َ‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪30‬‬

‫وسيِّدهم‪ ،‬فوقع في قلبه أن يذهب إليه فاستعار كتاب «الموطأ» و َح ِفظه قبل‬
‫أن يدخل على اإلمام مالك‪ ،‬فارتحل إلى المدينة قاصدًا األخذ عنه فأكر َمه‬
‫مالك وعا َمله لنسبه وعل ِمه وفَه ِمه وعق ِله وأدبِه‪ ،‬فقرأ الموطأ على مالك حف ًظا‪،‬‬
‫فأعجبته قراءته‪ ،‬فكان مالك يستزيده من القراءة إلعجابه من قراءته‪ ،‬والزم‬
‫مال ًكا مالزمةَ التلميذ لشيخه‪ ،‬فكان يقول له‪« :‬ات َّ ِق اهلل‪ ،‬فإنه سيكون لك شأن»‪،‬‬
‫وفي رواية قال له‪« :‬إن اهلل تعالى قد ألقى على قلبك نو ًرا فال تُط ِفئه بالمعصية»‪،‬‬
‫وبقي مُ ّدةً في المدينة إلى أن ت ُ ُوفِّي اإلمام مالك رحمه اهلل تعالى(‪.)1‬‬
‫وكان الشافعي رضي اهلل عنه يقول في شيخه مالك بن أنس‪« :‬إذا ذُ ِكر‬
‫ٌ‬
‫فمالك النجم»(‪.)2‬‬ ‫األستاذُ في الحديث‬
‫وكان يقول‪« :‬لوال مالك وسفيان لذهب علم الحجاز»‪ ،‬وكان يقول‪« :‬ما‬
‫أصح من ُمو َّطأ مالك»(‪.)3‬‬
‫َّ‬ ‫أعل ُم بعد كتاب اهلل تعالى‬
‫زائرا الحجاز‪،‬‬
‫ً‬
‫‪2‬ـ رحلته إلى اليمن‪ :‬جاء والي اليمن حماد البربري(‪)4‬‬

‫الشافعي معه إلى اليمن ف َقبِل ذلك‪ ،‬فل ّما‬


‫َّ‬ ‫فكلَّمه بعض القرشيين أن يصحب‬
‫دخال اليمن استعمله على عمل ليرى قُدرةَ الشافعي فيه‪ ،‬فبَذل الشافعي جهدًا‬
‫ُح ِمد عليه وأُثني عليه ثناء حسنًا فانتشر بذلك ذكره‪ ،‬ثم ُول ِّ َي بعد ذلك قضاء‬
‫«نجران» وفيها بنو الحارث وموالي ثقيف‪ ،‬وحاول ذوو النفوذ وأصحاب‬
‫المصالح مُصانَعة الشافعي في التحيُّز بالقضاء كما اعتادوا أن يفعلوا ذلك مع‬

‫((( تهذيب األسماء واللغات‪ ،‬للنووي (‪.)47 :1‬‬


‫((( مناقب اإلمام الشافعي‪ ،‬للرازي (ص‪.)45‬‬
‫((( مناقب اإلمام الشافعي‪ ،‬للرازي (ص‪.)45‬‬
‫((( هو حماد البَربري والي اليمن بتعيي ٍن من الخليفة العباسي هارون الرشيد‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫ً‬
‫سبيل‪ ،‬فاتجه الشافعي إلى‬ ‫مَن يتولَّى أمورهم‪ ،‬ولكنهم لم يجدوا من ذلك‬
‫أمرهم إلى‬
‫ناس ورفعوا َ‬‫ٌ‬ ‫إقامة العدل ورفع الظلم‪ ،‬وفي تلك األثناء تظلَّم‬
‫الشافعي فج َمعَهم وقال لهم‪« :‬اجتمعوا على سبع ٍة منكم رجال عدول‪َ ،‬من‬
‫َعدَّلوه كان ً‬
‫عدل‪ ،‬ومَن َج َّرحوه كان مجرو ًحا» فاجتمعوا على سبعة منهم‪،‬‬
‫فجلس الشافعي وأجلس السبعةَ ِمن حوله وقال للخصوم‪ :‬تقدموا‪ ،‬فإذا ش ِهد‬
‫شاهد التفت إلى السبعة‪ ،‬وقال‪ :‬ما تقولون في شهادته؟ فإن عدَّلوه كان ً‬
‫عدل‬
‫جرحوه قال‪ :‬زدني شهودًا‪ ،‬فلم يزل يفعل ذلك حتى أتى جمي ُع َمن ت َّظلَم‬
‫وإن َّ‬
‫أردت اليم َن‬
‫َ‬ ‫لمطرف بن مازن فكتب إلى هارون الرشيد‪ :‬إن‬
‫ِّ‬ ‫عنده(‪ ،)1‬فلم يَ ُرق‬
‫ال يفسد عليك وال يخرج من يديك‪ ،‬فأخ ِرج عنه محمد بن إدريس‪ ،‬وذكر‬
‫أقوامًا من الطالبيين‪ ،‬فبعث هارو ُن الرشي ُد إلى ح ّما ٍد البَ ِّ‬
‫ربري إلى أن يأتي به‪،‬‬
‫فأمر هارون الرشيد إرسالَهم إلى بغداد (‪.)2‬‬
‫الشافعي العل َم عن قاضي صنعاء هشام بن‬
‫ُّ‬ ‫ومُدةَ رحلته إلى اليمن تل َّقى‬
‫يوسف(‪.)3‬‬
‫‪3‬ـ رحلته إلى العراق‪ :‬ق َ ِدم الشافعي العراق سنة ‪184‬هـ مُوث َ ًقا بالحديد‬
‫بتُهمة الخروج على الدولة مع العلويين‪ ،‬وقالوا لهارون الرشيد‪ :‬إ ّن ولدًا من‬
‫شافع ال ُم َّطلبي يعمل بلسانه ما ال يقدر عليه ال ُمقاتِل بسيفه‪ ،‬فلما وصل وأُدخل‬
‫على هارون الرشيد دافع الشافعي عن موقفه بحجة دامغة‪ ،‬فأُعجب به هارون‬

‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)106 :1‬‬


‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)122 :2‬‬
‫((( هشام بن يوسف األبناوي الصنعاني اليماني‪ ،‬أبو عبد الرحمن‪ ،‬قاضي صنعاء‪ ،‬تُوفِّي‬
‫‪197‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)89 :8‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪32‬‬

‫الرشيد؛ لعلمه وفضله وفصاحته‪ ،‬فظهر لهارون الرشيد براءته مما ن ُ ِسب إليه‬
‫فرج عنه(‪.)1‬‬
‫حتى ّ‬
‫لع َّل هذه المحنة التي نزلت بالشافعي أراد اهلل بها توجي َههُ إلى العلم‪ ،‬ال‬
‫إلى الوالية والسلطة وتدبير شؤونها‪ ،‬فهيَّأ اهلل له في هذه المدة أن اطلع على‬
‫الحسن الشيباني(‪ ،)2‬فكتب ُكتُبه ونا َظره‬
‫َ‬ ‫مذهب أهل الرأي عن طريق محمد بن‬
‫«أنفقت على كتب محمد بن‬ ‫ُ‬ ‫وعرف قولَهم‪ ،‬يقول الشافعي‪:‬‬
‫وناظر أصحابه َ‬
‫فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثًا»(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫الحسن ستين دينا ًرا‪ ،‬ثم تدبرتها‪،‬‬
‫فانتشر ذكر الشافعي على األلسن في العراق حتى صار يتداول اسمه بين‬
‫العلماء لفصاحته وقوة قريحته وسعة علمه‪ ،‬فجاء رجل إلى أبي ثَور(‪ )4‬وقال‬
‫أهل المدينة‪ ،‬فقال‬
‫مذهب ِ‬
‫َ‬ ‫قرشي من ولد عبد مناف ينصر‬
‫ٌّ‬ ‫له‪ :‬قد ق َ ِدم رج ٌل‬
‫مذهب يُنصر؟ قوموا بنا اذهبوا بنا نسمع إليه ما يقول‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أبو ثور‪ :‬وألهل المدينة‬
‫فقام مع أصحابه‪ ،‬فنظر إليه فإذا هو شاب‪ ،‬وإذا له لسان ل ّذاع‪ ،‬فسمعه يقول‪:‬‬
‫خاصا‪،‬‬
‫خاص يريد به عا ًّما‪ ،‬وقال في خب ٍر عا ٍّم يريد به ًّ‬
‫ٍّ‬ ‫قال اهلل ع َّز وج َّل في خب ٍر‬
‫فقال للشافعي‪ :‬رحمك اهلل‪ ،‬وما الخاص الذي يريد به العام؟ وما العام الذي‬
‫يريد به الخاص؟ يقول أبو ثور‪ :‬وكنا ال نعرف العام من الخاص وال الخاص‬

‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للرازي (ص‪.)71‬‬


‫((( محمد بن الحسن الشيباني‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬إمام بالفقه واألصول‪ ،‬وهو الّذي نشر علم أبي‬
‫حنيفة‪ ،‬ت ُ ُوفِّي ‪189‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)80 :6‬‬
‫((( مناقب الشافعي للبيهقي (‪.)117 :1‬‬
‫الشافعي‪ .‬قال‬
‫ِّ‬ ‫((( إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي البغدادي‪ ،‬أبو ثور‪ ،‬الفقيه صاحب اإلمام‬
‫وفضل‪ .‬تُوفِّي ‪240‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي‬
‫ً‬ ‫ابن حبان‪ :‬كان أحد أئمة الدنيا فق ًها وعل ًما و َو َرعًا‬
‫(‪.)37 :1‬‬
‫‪33‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫َّ َّ َ َ ۡ َ َ ُ ْ َ ُ ۡ‬
‫ل وعال‪﴿ :‬إِن ٱلناس قد جمعوا لكم﴾ [آل عمران‪:‬‬
‫من العام‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬قال ج َّ‬
‫َ َ َّ ۡ ُ ّ َ ٓ َ‬ ‫َ‬
‫‪ ]173‬إنما أراد به أبا سفيان‪ .‬وقوله‪َّ َ ُّ ٰٓ َ :‬‬
‫﴿يأيها ٱلن ِب ُّي إِذا طلقت ُم ٱلنِساء﴾ [الطالق‪]1 :‬‬

‫خاص يريد به العام(‪.)1‬‬


‫ٌّ‬ ‫فهذا‬
‫ف ِل َع َظم ما رآه أهل العراق من الشافعي بادر إلى االنتساب إليه جماعات من‬
‫مجلسا‬
‫ً‬ ‫رأيت‬
‫ُ‬ ‫أهل الحديث والفقه وتركوا ما كانوا عليه‪ ،‬قال الكرابيسي‪« :‬ما‬
‫يحضره أهل الحديث‪ ،‬وأهل الفقه‪ ،‬وأهل‬ ‫ُ‬ ‫قط أنب َل من مجلس الشافعي‪ ،‬كان‬
‫الشعر‪ ،‬وكان يأتيه كبار أهل اللغة والشعر‪ ،‬ف ُك ٌّل يتكلم منه»(‪.)2‬‬
‫‪4‬ـ عودة الشافعي إلى مكة‪ :‬عاد اإلمام الشافعي إلى مكة المكرمة‪ ،‬وقد‬
‫حمل معه حمل بعير من علم مدرسة أهل الرأي‪ ،‬وسماعه عن شيخهم‬
‫محمد بن الحسن‪ ،‬فاجتمع له فقه أهل الرأي‪ ،‬مع فقه أهل الحديث‪ ،‬فشرع‬
‫يؤصل األصول وي َقعِّد القواعد واشتهر‬
‫يعيد النظر في األصول والفروع‪ ،‬فأخذ ِّ‬
‫صيته‪ ،‬واتخذ الشافعي له َحلقةً في المسجد الحرام‪ ،‬وأصبح له‬ ‫أمره وذاع ِ‬ ‫ُ‬
‫تالميذ ُكثُر يستمعون إليه وين َهلون من فقهه وقواعده التي َّ‬
‫أصلها(‪.)3‬‬
‫‪5‬ـ رحلة الشافعي إلى مصر‪ :‬سنة ‪199‬هـ ق ِدم الشافعي مصر‪ ،‬ونزل عند‬
‫الشافعي ُ‬
‫ينشر مذهبَه وفقهه حتى اجتمع الناس‬ ‫ُّ‬ ‫أخواله من األزد‪ ،‬ثم ما زال‬
‫عليه وأخذوا بقوله‪ ،‬قال اإلمام النووي‪« :‬وصنَّف كتبه الجديدة كلها بمصر‪،‬‬
‫ذكره في البلدان‪ ،‬وقصدَه الناس من الشام واليمن والعراق وسائر‬ ‫وسار ُ‬
‫النواحي واألقطار للتف ُّقه عليه والرواية عنه‪ ،‬وسماع كتبه منه‪ ،‬وأخذها عنه‪،‬‬

‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)222 :1‬‬


‫((( تهذيب األسماء واللغات‪ ،‬للنووي (‪.)61 :1‬‬
‫((( توالي التأسيس‪ ،‬البن حجر (ص‪.)56‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪34‬‬

‫وساد أهل مصر وغيرهم‪ ،‬وابتكر كتبًا لم يُسبَق إليها‪ ،‬منها‪« :‬أصول الفقه»‪،‬‬
‫وكتاب «القسامة»‪ ،‬وكتاب «الجزية»‪ ،‬وكتاب «قتال أهل البغي»‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫رأيت مثل الشافعي‪ ،‬قدم علينا مصر‪ ،‬فقالوا‪:‬‬ ‫قال هارون بن سعيد األيلي‪ :‬ما ُ‬
‫رأيت أحس َن صالةً منه وال أحسن‬ ‫ُ‬ ‫ق ِدم رجل من قريش فجئناه وهو يصلي‪ ،‬فما‬
‫وج ًها منه‪ ،‬فلما قضى صالتَه تكلَّم فما رأينا أحسن كالمًا منه فافتتنّا به(‪.)1‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة والعلماء عليه‬


‫مصر في عصره‬
‫َ‬ ‫أهل‬
‫قال عبد الملك بن هشام صاحب «المغازي»‪« :‬إمامُ ِ‬
‫شككت في شيء من‬
‫ُ‬ ‫وكنت إذا‬
‫ُ‬ ‫ج ٌة في اللغة‪،‬‬
‫في اللغة والنحو الشافعي‪ُ ،‬ح ّ‬
‫بعثت به إلى الشافعي»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫اللغة‬
‫«الشافعي عندنا حجةٌ في النحو»(‪.)3‬‬
‫ُّ‬ ‫وقال إمام النحو أبو عثمان المازني‪:‬‬
‫شاب من قريش ب َم ّكةَ‬
‫ٍّ‬ ‫«صححت أشعا َر ال ُه َذلِيِّين على‬
‫ُ‬ ‫وقال األصمعي‪:‬‬
‫يُقا ُل له‪ :‬محمد بن إدريس»(‪.)4‬‬
‫أصحاب الحديث ُرقودًا فأي َق َظهم‬
‫ُ‬ ‫وقال الحسن بن محمد الزعفراني‪« :‬كان‬
‫الشافعي فتيقظوا»(‪.)5‬‬
‫مس بيده ِمحبَرة وال قَل ًما ّإل وللشافعي‬
‫وقال اإلمام أحمد بن حنبل‪« :‬ما أح ٌد َّ‬
‫في رقبته ِمنّة»(‪.)6‬‬

‫((( تهذيب األسماء واللغات (‪.)49 :1‬‬ ‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)240 :1‬‬
‫((( تهذيب األسماء واللغات (‪.)49 :1‬‬ ‫((( تهذيب األسماء واللغات (‪.)49 :1‬‬
‫((( تهذيب األسماء واللغات (‪.)50 :1‬‬ ‫((( تهذيب األسماء واللغات (‪.)50 :1‬‬
‫‪35‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫وروي عن اإلمام أبي محمد بن إسحاق بن خزيمة ـ وكان من َح َفظة‬


‫الشافعي كتُبَه؟‬
‫ُّ‬ ‫الحديث ومعرفة السنة ـ أنه ُسئل‪« :‬هل سنة صحيحة لم يو ِدعها‬
‫قال‪ :‬ال»(‪.)1‬‬
‫ساحرا‪ ،‬ما كنا ندري ما‬
‫ً‬ ‫الشافعي إال‬
‫ُّ‬ ‫وقال يونُس ب ُن عبد األعلى‪« :‬ما كان‬
‫يقول إذا قعدنا حوله‪ ،‬كأ ّن ألفا َظه ُس َّكر‪ ،‬وكان قد أوتي عُذوبةَ مَن ِطق‪ ،‬وحس َن‬
‫بالغة‪ ،‬وفرط ذكاء‪ ،‬وسيَالن ِذهن‪ ،‬وكما َل فصاحة‪ ،‬وحضو َر ُح ّ‬
‫جة»(‪.)2‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬مؤلفات الإمام الشافعي‬


‫ف وأربعين كتابًا للشافعي‪ ،‬وذلك‬ ‫البيهقي(‪ُ )3‬زهاء مئة ونيِّ ٍ‬
‫ُّ‬ ‫ذكر اإلمام‬
‫باعتبار األبواب؛ كباب الطهارة‪ ،‬وباب الصالة والزكاة‪ ،‬وكتاب البيوع وكتاب‬
‫السلَم‪...‬إلخ‪ ،‬وذكر الشيخ محمد بن عبد اهلل باسودان‪ ،‬عن الشيخ ابن حجر‬
‫الهيتمي قال‪ :‬إ ّن جميع مؤلفات الشافعي مئة وثالثة عشر‪ ،‬ون ُ ِقل عن «الفوائد»‬
‫للسلَمي قال‪« :‬صنَّف الشافعي في الفقه دون األصول مئة وعشرين كتابًا‪ّ ،‬‬
‫وفرع‬ ‫ُّ‬
‫مسائله أضعاف أضعافها»(‪.)4‬‬
‫نسب إلى اإلمام الشافعي من المؤلَّفات قسمان‪ :‬قس ٌم‬
‫وفي الحقيقة أن ما يُ َ‬
‫أمالها بنفسه‪ ،‬وقس ٌم أمالها أصحابه على أنها تلخيص ألقواله‪ ،‬وهذا مما نبَّه‬
‫عليه الشيخ أبو زهرة(‪.)5‬‬

‫((( تهذيب األسماء واللغات (‪.)50 :1‬‬


‫((( سير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي (‪.)48 : 10‬‬
‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)246 :1‬‬
‫((( المقاصد السنية إلى الموارد الهنية‪ ،‬لمحمد بن عبد اهلل باسودان (ص‪.)152‬‬
‫((( الشافعي حياته وعصره آراؤه الفقهية (ص‪.)158‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪36‬‬
‫فمن القسم األول‪ :‬ال ُمؤلَّفات التي أمالها بنفسه‬
‫‪1‬ـ كتاب «الرسالة» وهي في أصول الفقه‪.‬‬
‫‪2‬ـ كتاب «األم» وهذا في الفقه‪ ،‬ويُ َع ُّد من أشهر كتبه‪.‬‬
‫جة» صنَّفه في العراق‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫‪3‬ـ كتاب «ال ُ‬
‫‪4‬ـ كتاب «األمالي»‪.‬‬
‫‪5‬ـ كتاب «اإلمالء»‪.‬‬
‫‪6‬ـ كتاب «اختالف األحاديث»‪.‬‬
‫‪7‬ـ كتاب «جماع العلم»‪.‬‬
‫‪8‬ـ كتاب «فضائل قريش»‪.‬‬
‫‪9‬ـ كتاب «إبطال االستحسان»‪.‬‬
‫تلخيص ألقواله‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ومن القسم الثاني‪ :‬المؤلَّفات التي أمالها أصحابُه على أنها‬
‫َني»‪.‬‬
‫‪10‬ـ كتاب «مختصر ال ُمز ّ‬
‫«مختصر البُ َويطي»‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪11‬ـ كتاب‬
‫‪12‬ـ كتاب «مختصر َحرملة»‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫المبحث الثاني‬
‫عقيدة الإمام الشافعي‬

‫تتصف عقائد سلفنا الصالح رضي اهلل عنهم من القرون الثالثة األولى‬
‫بالنقاء والصفاء والبُعد عن الجدل المذموم؛ فكانوا هم خير القرون األولى‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫«خير أ ُ ّمتي القر ُ‬
‫ن الذين يلُوني‪ ،‬ثم الذين يلُونهم‪ ،‬ثم الذين يلُونهم»(‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫قال ﷺ‪:‬‬
‫وقد د ّون بعض العلماء في القرون األولى متنًا عقائديًّا يجمع القول في‪ :‬مفهوم‬
‫اإليمان‪ ،‬والصفات الثابتة هلل عز وجل‪ ،‬ونفي كل نقص‪ ،‬وإثبات رؤية اهلل عز‬
‫وجل يوم القيامة‪ ،‬ثم الكالم في النبُ ّوات‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬وكان من بين هؤالء‬
‫العلماء إمامُنا الشافعي رضي اهلل عنه‪ ،‬فقد جمع اإلمام البيهقي عقيدةَ الشافعي‬
‫في كتابه «مناقب الشافعي»‪ ،‬ونحن نعرضها هنا ملخصة مع بعض الزيادات‪.‬‬

‫أول ًا ‪ :‬الإيمان‬
‫شترك عند أهل السنة‪ ،‬يُطلَق ويراد به أمران‪ :‬األول‪ :‬أصل‬
‫اإليمان لفظ مُ َ‬
‫اإليمان‪ ،‬وهو التصديق الجازم بكل ما جاء به النبي ﷺ مع اإلذعان والقبول‪.‬‬
‫جنان (القلب)‪ ،‬والنطق باللسان‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬كمال اإليمان وهو التصديق بال َ‬
‫والعمل باألركان(‪.)2‬‬
‫((( أخرجه مسلم‪ ،‬باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (‪ )177 :1‬حديث رقم‬
‫(‪.)191‬‬
‫((( االقتصاد في االعتقاد‪ ،‬ألبي حامد الغزالي (‪.)122 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪38‬‬

‫وقد ورد كالمُ اإلمام الشافعي في هذين المعنيين‪ ،‬فقال في المعنى األول‪:‬‬
‫«اإلقرار باإليمان وجهان؛ فمن كان من أهل األوثان‪ ،‬ومن ال دين له يدعي‬
‫أقر‬
‫أنه دين نبوة‪ ،‬فإذا شهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن محمدًّا عبده ورسوله‪ ،‬فقد َّ‬
‫باإليمان‪ ،‬ومتى َر َجع عنه قُتِل‪ ،‬ومن كان على دين اليهودية‪ ،‬والنصرانية فهؤالء‬
‫يدَّعون دين موسى وعيسى عليهما الصالة والسالم‪ ،‬وقد بدَّلوا منه‪ ،‬وقد أ ُ ِخذ‬
‫عليهم فيه اإليمان بمح َّمد رسول اهلل ﷺ فكفروا بترك اإليمان به‪ ،‬واتباع دينه‬
‫مع ما كفروا به من الكذب على اهلل قبله‪ ،‬فقد قيل لي‪ :‬إن فيهم مَن هو مقيم‬
‫على دينه يشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬ويشهد أن محمدًا رسول اهلل‪ ،‬ويقول‪ :‬لم‬
‫يُبعَث إلينا‪ ،‬فإن كان فيهم أحد هكذا‪ ،‬فقال أحد منهم‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل‪،‬‬
‫وأن محمدًا رسول اهلل؛ لم يكن هذا مستكم َل اإلقرار باإليمان حتى يقول‪ :‬وأ ّن‬
‫وأبرأ ُ مما خالف دين محمد‬‫دين محمد حق‪ ،‬أو فرض‪ ،‬وأن محمدًا رسول اهلل‪َ ،‬‬
‫وبسط‬‫ﷺ‪ ،‬أو دين اإلسالم‪ ،‬فإذا قال هذا‪ ،‬فقد استكمل اإلقرا َر باإليمان‪َ ،‬‬
‫الكالمَ فيه‪ ،‬وعلى قياس هذا ك ُّل مَن تل َّفظ بكالم محتمل‪ ،‬لم يكن ذلك منه‬
‫صريح إقرار باإليمان حتى يأتي بما يخرجه عن ح ِّد االحتمال»(‪.)1‬‬
‫الشافعي أن اإليمان هو اإلقرار التام بكل ما جاء به النبي ﷺ‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫فقد بيَّن اإلمام‬
‫والبراءةُ مما خالف دينه‪ ،‬وعلى هذا فيكون اإليمان للوثني اإلقرار بالشهادتين‪،‬‬
‫ويكون اإليمان للكتابي باإلقرار بالشهادتين مع البراءة مما خالف دين النبي ﷺ‪.‬‬
‫أقر بنبوة النبي ﷺ ولم يك ِّذبه‪ ،‬ولكنه لم يقبل‬
‫فعلى هذا ال يُقبَل إيما ُن مَن َّ‬
‫به دينًا ولم يرضَ به‪.‬‬

‫((( شعب اإليمان‪ ،‬للبيهقي (‪.)173 :1‬‬


‫‪39‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫«وضع اهلل‬‫َ‬ ‫وفي سياق التفريق بين أصل اإليمان وكماله قال رحمه اهلل‪:‬‬
‫وفرضه وكتابه الموض َع الذي أبان ‪-‬جل ثناؤه‪ -‬أنه جعله عَلَ ًما‬
‫ِ‬ ‫رسوله من ِدينِه‬
‫وحرم من معصيته‪ ،‬وأبان من فضيلته‪ ،‬بما ق َ َرن‬
‫َّ‬ ‫لدينه‪ ،‬بما افترض من طاعته‪،‬‬
‫ْ َّ‬ ‫َ‬
‫من اإليمان برسوله مع اإليمان به‪ ،‬فقال تبارك وتعالى‪﴿ :‬ف َـٔام ُِنوا بِٱللِ َو ُر ُسلِهِۖۦ‬
‫َ َ َ ُ ُ ْ َ َ ٰ َ ٌ َ ُ ْ َ ۡ ٗ َّ ُ ۡ َّ َ َّ ُ َ ٰ ‪َ َ َ ُ َ َ ٓ ُ َ َ ۡ ُ ٞ َ ٞ‬‬
‫ون ل ُهۥ َول ‪ٞ‬د ۘ‬ ‫ولا تقولوا ثلثة ۚ ٱنتهوا خيرا لك ۚم إِنما ٱلل إِله وٰحِدۖ سبحٰنهۥ أن يك‬
‫ٱللِ َوك ِيلٗا﴾ [النساء‪ ،]171 :‬وقال‪﴿ :‬إ َّنماَ‬ ‫َ َ َ ٰ َّ‬ ‫َۡ‬ ‫ل َّ ُهۥ َما في َّ‬
‫ٱلس َم ٰ َو ٰ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ۡرض وكفى ب ِ‬‫ت وما فِي ٱلأ ِ ۗ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِإذا َكانُوا ْ َم َع ُهۥ عَل َ ٰٓى أَ ۡمر َجامِع ل َّ ۡم يَ ۡذ َه ُبوا ْ َحت ٰىَّ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ ُ ۡ ُ َ َّ َ َ َ ُ ْ َّ‬
‫ٱلمؤمِنون ٱلذِين ءامنوا بِٱللِ ورسولِهِۦ و‬
‫ٖ‬ ‫ٖ‬
‫ُ‬
‫ي َ ۡس َت ۡـ‍ٔذِنوهُ﴾ [النور‪ ]62 :‬فجعل كمال ابتداء اإليمان ـ الذي ما سواه تَبَع له ـ اإليما َن‬
‫باهلل ورسوله»(‪ .)1‬انتهى‪.‬‬
‫فقد جعل لإليمان مرتبتين‪ :‬األولى‪ :‬أصل اإليمان وهو اإليمان باهلل ورسوله‬
‫والتصديق بذلك‪ ،‬وبه عبَّر بقوله‪« :‬ابتداء كمال اإليمان»‪ ،‬والثانية‪ :‬وهو الذي عبَّر‬
‫عنه بأنه تبَ ٌع ألصل اإليمان‪ ،‬وهو القيام بالفرائض‪ ،‬وأداء الواجبات‪.‬‬
‫واإليمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي‪ ،‬قال اإلمام الشافعي‪« :‬اإليمان‬
‫قول وعمل يزيد وينقص»(‪ ،)2‬وقال ً‬
‫أيضا‪« :‬ولو كان هذا اإليمان واحدًا ال نقصان‬
‫فيه وال زيادة لم يكن ألحد فيه فضل‪ ،‬واستوى الناس وبطل التفضيل‪ ،‬ولكن‬
‫َ‬
‫تفاضل المؤمنون‬ ‫بتمام اإليمان دخل المؤمنون الجنة‪ ،‬وبالزيادة في اإليمان‬
‫فرطون النار»(‪.)3‬‬
‫بالدرجات عند اهلل في الجنة‪ ،‬وبالنقصان من اإليمان دخل ال ُم ِّ‬
‫ومراد اإلمام الشافعي باإليمان هنا كمال اإليمان‪.‬‬

‫((( «الرسالة»‪ ،‬للشافعي (ص‪.)73‬‬


‫((( شعب اإليمان‪ ،‬للبيهقي (‪.)162 :1‬‬
‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)393 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪40‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬تنز يه اللـه عن مشابهة مخلوقاته‬


‫اتفق أهل السنة والجماعة من السلف والخلف أن األصل في النصوص‬
‫ظاهرها تجسي ًما وتشبي ًها في حق اهلل‬
‫ُ‬ ‫المتشابهة في حق اهلل ـ وهي ما أوهَم‬
‫ونفي المعنى الظاهر‬
‫ُ‬ ‫تعالى ـ اعتقادُ تنزيه اهلل تعالى عن مشابهة مخلوقاته‪،‬‬
‫الحقيقي من هذه النصوص المتشابهة‪.‬‬
‫ثم اختلفوا بعد ذلك في منهجية التعامل مع النصوص المتشابهات على‬
‫قولين‪ :‬التفويض‪ ،‬والتأويل؛ فالتفويض‪ :‬هو ردُّ المعنى إلى اهلل تعالى مع اعتقاد‬
‫صرفُ اللفظ عن معناه الظاهر المتبادَر منه إلى معنًى آخر‬‫التنزيه‪ .‬والتأويل‪ :‬هو َ‬
‫مرجوح يحتمله اللفظ لدليل صحيح‪ ،‬وهذا مذهب بعض السلف وجمهور‬
‫الخلف‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي‪« :‬هذا الحديث من أحاديث الصفات‪ ،‬وفيه مذهبان‬
‫مشهوران للعلماء‪ ...‬ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف‬
‫وبعض المتكلمين‪ :‬أنه يؤ ِمن بأنّها حق على ما يليق باهلل تعالى‪ ،‬وأن ظاهرها‬
‫المتعا َرف في َح ِّقنا غير مراد‪ ،‬وال يتكلَّم في تأويلها مع اعتقاد تنزي ِه اهلل تعالى‬
‫عن صفات المخلوق‪ ،‬وعن االنتقال والحركات‪ ،‬وسائر سمات الخلق‪.‬‬
‫محكي هنا عن‬
‫ٌّ‬ ‫والثاني‪ :‬مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو‬
‫مالك واألوزاعي أنها تُتأ َّول على ما يليق بها»(‪.)1‬‬
‫وروي عن اإلمام الشافعي عدة مرويات في تنزيه اهلل تعالى عن مشابهة‬
‫همت‬ ‫«آمنت بال تشبي ٍه‪ ،‬وصد ُ‬
‫َّقت بال تمثيل‪ ،‬وات َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫خلقه؛ قال اإلمام الشافعي‪:‬‬

‫((( شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)36 :6‬‬


‫‪41‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫نفسي في اإلدراك‪ ،‬وأمسكت عن الخوض فيه ك َّل اإلمساك»(‪ ،)1‬وروي عنه‬


‫أيضا‪« :‬حرام على العقول أن تمثِّ َل اهلل تعالى‪ ،‬وعلى األوهام أن تحد‪،‬‬
‫أنه قال ً‬
‫وعلى الظنون أن تق َطع‪ ،‬وعلى النفوس أن تف ِّكر‪ ،‬وعلى الضمائر أن تع ِّمق‪،‬‬
‫نفسه على لسان نبيِّه ﷺ»(‪.)2‬‬
‫صف به َ‬ ‫وعلى الخواط ِر أن ت ُ َ‬
‫حيط إال ما َو َ‬
‫فقد أثبت الشافعي ما وصف اهلل تعالى به نفسه‪ ،‬وترك الخوض في معانيها‬
‫ونفى التشـبيهَ والتمثي َل وال َ‬
‫ح َّد في حـق اهلل تعالى‪ ،‬وعلى هـذا فيـكون اإلمـام‬
‫الشـافعي مواف ًقا لجمهور السـلف الصالح في القول بالتفويض في النصـوص‬
‫المتشابهة‪.‬‬
‫َّ ٓ‬ ‫أيضا أنه قال‪« :‬ثم معنى قولِه في الكتاب‪َّ :‬‬
‫ٱلس َماءِ﴾‬ ‫﴿من فِي‬ ‫وروي عن اإلمام ً‬
‫﴿ٱلر ۡح َم ٰ ُن عَلَى ٱلۡ َع ۡر ِش ۡ‬
‫ٱس َت َو ٰى﴾ [طه‪ ،]5 :‬و ُك ُّل ما‬ ‫[الملك‪ ]16 :‬على العرش‪ ،‬كما قال‪َّ :‬‬
‫عال فهو سماء‪ ،‬والعرش أعلى السماوات‪ ،‬فهو على العرش كما أخبر بال ٍ‬
‫كيف‪،‬‬
‫يع ٱل ۡ َب ِص ُ‬
‫ير﴾‬ ‫بائن من َخل ِقه غير مماس من خلقه ﴿لَ ۡي َس َكم ۡثلِهِۦ َش ۡيء‪َ ٞ‬و ُه َو َّ‬
‫ٱلس ِم ُ‬ ‫ۖ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫[الشورى‪.»]11 :‬‬
‫فمعنى قوله‪ُ « :‬ك ُّل ما عال فهو سماء» إثبات العُلو ال ُمطلَق هلل تعالى دون‬
‫نفي‬
‫ُ‬
‫العلو الحسي‪ ،‬والمراد بقوله‪« :‬بائن من خلقه غير مماس من خلقه»(‪)3‬‬

‫الجسمية والمماسة عن اهلل تعالى‪ ،‬فقد أثبت اإلمام الشافعي العُلُ َّو واالستواءَ‬
‫والمماسةَ والتجسي َم عن اهلل‬
‫ّ‬ ‫الكيف‬
‫َ‬ ‫كما و َردَ دون الخوض في المعنى‪ ،‬ون َفى‬
‫تعالى‪ ،‬وهذا مقتضى القول بالتفويض‪.‬‬

‫وتمرد ونسب ذلك إلى اإلمام أحمد‪ ،‬ألبي بكر الحصني (ص‪.)31‬‬
‫َّ‬ ‫((( دفع ُشبَه من شبَّه‬
‫للسبكي (‪.)40 :9‬‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ُّ ،‬‬
‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (ص‪.)398 -397‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪42‬‬

‫ومما ُر ِوي عن اإلمام الشافعي في تأويل النصوص المتشابهة أنه قال‬


‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ۡ َ َ ُ َ ُّ ْ َ‬
‫في تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬فأينما تولوا فثم وجه ٱللِ﴾ [البقرة‪ ]115 :‬أنه قال‪« :‬فثَ َّم‬
‫أيضا مجموعة من المرويات في‬ ‫الوجه الذي و َّجهكم اهلل إليه»(‪ ،)1‬وقد ُر ِوي ً‬
‫تأويل النصوص المتشابهة عن اإلمام مالك‪ ،‬واإلمام أحمد‪ ،‬واإلمام البخاري‪،‬‬
‫واإلمام الطبري‪ ،‬وعلى هذا فيكون القول بالتأويل مشروعًا‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬القرآن كلام اللـه‬


‫شترك يُطلَق على‬
‫ذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن الكريم لفظ مُ َ‬
‫عدة معان‪ ،‬فقد يُراد به صفةُ الكالم من صفات اهلل تعالى‪ ،‬وهو قدي ٌم ليس‬
‫بحادث؛ ألنها صفةُ اهلل ع َّز وجل وصفته قديمة‪ ،‬وقد يُراد به األوراق التي‬
‫واألصوات التي يُنطق بها القرآن الكريم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُكتب فيها القرآ ُن الكري ُم والحروفُ‬
‫وهي بهذا المعنى حادثة؛ ألنها ُكتِبت ونُطقت من المخلوقين‪ ،‬فهي أفعال من‬
‫المخلوقات‪ ،‬وأفعال المخلوقات حادثة ليست قديمة(‪.)2‬‬
‫رجل‬‫ً‬ ‫غير مخلوق»(‪ ،)3‬وروي أن‬ ‫قال اإلمام الشافعي‪« :‬القرآن كالم اهلل ُ‬
‫قال للشافعي‪ :‬أخبرني عن القرآن خال ٌق هو؟ قال الشافعي‪ :‬اللهم ال‪ .‬أقو ُل‪:‬‬
‫فمخلوق؟ قال الشافعي‪ :‬اللهم ال‪ .‬قال‪ :‬فغير مخلوق؟ قال الشافعي‪ :‬الل ُه ّم‬
‫فرفَع الشافعي رأسه وقال‪ :‬ت ُ ِق ُّر بأ ّن‬ ‫نعم‪ ،‬قال‪ :‬فما الدليل على أنه غير مخلوق؟ َ‬
‫القرآ َن كالم اهلل؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال الشافعي‪ :‬سبقت في هذه الكلمة‪ ،‬قال اهلل تعالى‬
‫َ ۡ َ َ َ َ َ َ ۡ ُ َ َّ َ ۡ َ َ َ َ َ َّ‬ ‫َ ۡ َ َ ‪ۡ ُۡ َ ّ ٞ‬‬
‫جره حت ٰى يسمع كلٰم ٱلل ِ﴾ [التوبة‪]6 :‬‬ ‫ِ‬ ‫أ‬‫ف‬ ‫ك‬‫ار‬‫ج‬ ‫ت‬ ‫ٱس‬ ‫ِين‬ ‫ك‬‫ر‬‫ذكره‪﴿ :‬وِإن أحد مِن ٱلم ِ‬
‫ش‬

‫((( األسماء والصفات‪ ،‬للبيهقي (‪.)106 :2‬‬


‫((( المختصر المفيد شرح جوهرة التوحيد‪ ،‬لنوح علي سلمان القضاة (ص‪.)69‬‬
‫((( األسماء والصفات‪ ،‬للبيهقي (‪.)612 :1‬‬
‫‪43‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬
‫ۡ‬ ‫َ َّ‬
‫وس ٰى تَكل ِٗيما﴾ [النساء‪ .]164 :‬وقال‪ :‬قال الشافعي‪ :‬فتُ ِق ُّر‬ ‫﴿وكل َم َّ ُ‬
‫ٱلل ُم َ‬ ‫اآلية‪ .‬وقال‪َ :‬‬

‫بأ ّن اهلل كان وكان كالمُه؟ أو كان اهلل ولم ي ُكن كالمُه؟ فقال الرجل‪ :‬بل كان اهلل‬
‫فتبسم الشافعي‪ ،‬وقال‪ :‬يا كوفيون‪ ،‬إنكم لتأتوني بعظيم من القول‪،‬‬ ‫وكان كالمُه‪َّ ،‬‬
‫إذا كنتم ت ُ ِق ُّرون بأن اهلل كان قَب َل ال َقبل‪ ،‬وكان كالمُه‪ ،‬ف ِمن أين لكم الكالم؟! إن‬
‫الكالم اهلل‪ ،‬أو سوى اهلل‪ ،‬أو غير اهلل‪ ،‬أو دون اهلل؟ قال‪ :‬فسكت الرجل وخرج‪.‬‬
‫انتهى(‪.)1‬‬
‫نفس المتلُ ّو‪ ،‬وأما تالوة‬
‫ُ‬ ‫اإلمام الشافعي بكال ِمه عن القرآن الكريم‬
‫ِ‬ ‫فمرادُ‬
‫القرآن وكتابته فهو فِع ٌل من أفعال العبد‪ ،‬فال يُقال عن التالوة والكتابة قديمة؛‬
‫قال اإلمام البيهقي‪« :‬فالقرآن الذي نتلوه كالم اهلل تعالى‪ ،‬وهو َمتلُ ٌّو بألسنتنا على‬
‫الحقيقة‪ ،‬مكتوب في مصاحفنا‪ ،‬محفوظ في صدورنا‪ ،‬مسمو ٌع بأسماعنا غير‬
‫حا ٍّل في شيء منها؛ إذ هو من صفات ذاته غير بائن منه‪ ،‬وهو كما أن الباري عز‬
‫وجل معلوم بقلوبنا‪ ،‬مذكور بألسنتنا‪ ،‬مكتوب في كتبنا‪ ،‬معبودٌ في مساجدنا‪،‬‬
‫مسموع بأسماعنا‪ ،‬غير حا ٍّل في شيء منها‪ ،‬وأما قراءتنا وكتابتنا وحفظنا فهي‬
‫َ ۡ ُ ْ َۡ‬
‫﴿وٱف َعلوا ٱلخ ۡي َر‬ ‫من اكتسابنا‪ ،‬واكتسابنا مخلوق ال شك فيه‪ ،‬قال اهلل عز وجل‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ ُ ُ ۡ‬
‫ك ۡم تفل ُِحون﴾ [الحج‪ .]77 :‬وس َّمى رسول اهلل ﷺ تالوةَ القرآن فعال»‪.‬‬ ‫لعل‬
‫ثم نقل بعد ذلك عن اإلمام البخاري أنه قال‪« :‬حركاتُهم‪ ،‬وأصواتُهم‪،‬‬
‫وأكسابُهم‪ ،‬وكتابتُهم‪ ،‬مخلوقة‪ ،‬فأما القرآن المتلُ ُّو ال ُمبيَّن ال ُمثبَت في المصاحف‬
‫المسطور المكتوب‪ ،‬الموعى في القلوب‪ ،‬فهو كالم اهلل تعالى ليس بخلق‪ ،‬قال اهلل‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َّ َ ُ ُ ْ ۡ ۡ‬ ‫عز وجل‪﴿ :‬بَ ۡل ُه َو َء َاي ٰ ُ ۢ‬
‫ت َب ّي َنٰ ‪ٞ‬‬
‫ت فِي صدورِ ٱلذِين أوتوا ٱلعِلم﴾ [العنكبوت‪ ،]49 :‬قال‬ ‫ِ‬
‫البخاري‪ :‬وقال إسحاق بن إبراهيم‪ :‬فأما األوعية فمن يَ ُش ُّ‬
‫ك في َخلقها؟ قال اهلل‬

‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)407 :1‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪44‬‬
‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬
‫ب َّم ۡس ُطورٖ * فِي َر ٖق َّمنشورٖ﴾ [الطور‪ ،]3 ،2 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬بَل‬‫عز وجل‪﴿ :‬وك ِتٰ ٖ‬
‫َ َّ ۡ ُ‬ ‫ُ ُ ‪ٞ َّ ٞ‬‬
‫ه َو ق ۡر َءان م ِجيد * فِي ل ۡو ٖح محف ۢ ِ‬
‫وظ﴾ [البروج‪ ،]22 ،21 :‬فذكر أنه يُح َفظ ويُس َطر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َ‬
‫﴿و َما ي َ ۡس ُط ُرون﴾ [القلم‪.)1(»]1 :‬‬
‫َ‬

‫وقد ُر ِوي عن اإلمام الشافعي أنه ك ّفر القائلين بخلق القرآن‪ ،‬وقد و َّجه‬
‫الخروج من الملة؛‬
‫َ‬ ‫علماء المذهب ذلك أن مرادَه بالتكفير كفرا ُن النعمة‪ ،‬وليس‬
‫قال اإلمام النووي‪« :‬نقل العراقيون عنه ـ أي‪ :‬عن الشافعي ـ تكفير النافين‬
‫للرؤية والقائلين بخلق القرآن‪ ،‬وتأ َّوله اإلمام ـ أي‪ :‬إمام الحرمين ـ فقال‪ :‬ظنِّي‬
‫الحجاج‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه كفرهم‪.‬‬‫الكفر في ِ‬ ‫َ‬ ‫أنّه نا َظر بعضهم‪ ،‬فأل َزمَه‬
‫نكري العلم بالمعدوم أو بالجزئيات‪ ،‬فال‬ ‫قلت ـ أي‪ :‬النووي ـ‪ :‬أما تكفير ُم ِ‬
‫شك فيه‪ ،‬وأما من نفى الرؤية‪ ،‬أو قال بخلق القرآن‪ ،‬فالمختار تأويلُه‪ ،‬وسننقل‬
‫ـ إن شاء اهلل تعالى ـ عن نصه في «األُمِّ» ما يؤيده‪ ،‬وهذا التأويل الذي ذكره اإلمام‬
‫البيهقي رضي اهلل عنه‬
‫ُّ‬ ‫حس ٌن‪ ،‬وقد تأولَّه اإلمام الحافظ الفقيه األصولي أبو بكر‬
‫اإلخراج من الملة‪،‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫تأويالت متعارضة‪ ،‬على أنه ليس المرادُ بالكفر‬ ‫وآخرون‬
‫وتحتُّ َم الخلود في النار‪ ،‬وهكذا تأولوا ما جاء عن جماعة من السلف من إطالق‬
‫هذا اللفظ‪ ،‬واستدلوا بأنهم لم يلحقوهم بالكفار في اإلرث واألنكحة»(‪.)2‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬إثبات رؤ ية اللـه تعالى يوم القيامة‬


‫ذهب أهل السنة إلى أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة؛ قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫اض َرةٌ * إِل ٰى َر ّب ِ َها ناظ َِرة ‪[ ﴾ٞ‬القيامة‪.]23 ،22 :‬‬ ‫ُ ُ َ َ‬
‫﴿وجوه ‪ ٞ‬ي ۡومئ ِ ٖذ ن ِ‬

‫((( األسماء والصفات‪ ،‬للبيهقي (‪.)8 :2‬‬


‫((( روضة الطالبين‪ ،‬للنووي (‪.)239 :11‬‬
‫‪45‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬
‫َ َّ ٓ َّ‬
‫قال اإلمام الشافعي في تفسير قول اهلل عز وجل‪﴿ :‬كلا إِن ُه ۡم َعن َّر ّب ِ ِه ۡم يَ ۡو َمئ ِ ٖذ‬
‫َّ َ ۡ ُ ُ َ‬
‫يرونه‬ ‫جب قومًا بالسخط د َّل على أن قومًا َ‬ ‫وبون﴾ [المطففين‪« :]15 :‬ل ّما ح َ‬‫لمحج‬
‫بالرضا»‪ ،‬ثم قال‪« :‬واهلل لو لم يوقِن محمد بن إدريس أنه يرى ربه في المعاد‬
‫لما عبَدَه في الدنيا»(‪.)1‬‬

‫خامسًا ‪ :‬القضاء والقدر‬


‫المقصود بالقدر‪ :‬إيجاد اهلل تعالى األشياء على قد ٍر مخصوص وتقدير‬
‫َّ ُ َّ‬
‫مُعيَّن في ذواتها وأحوالها َوف َق ما سبق في علمه تعالى؛ قال اهلل تعالى‪﴿ :‬إِنا كل‬
‫َ‬ ‫َۡ‬ ‫َ‬
‫ش ۡي ٍء َخلق َنٰ ُه بِق َدرٖ﴾ [القمر‪ ،]49 :‬فك ُّل ما ُوجِ د أو يوجد َع ِل َم اهلل وجودَه قبل أن‬
‫يو َجد‪ ،‬ثم أوجده وفق ما سبق في علمه‪.‬‬
‫وأما القضاء فالمراد به‪ :‬أ ّن اهلل تعالى أراد األشياء في األزل على النحو‬
‫الذي خلقها عليه في الواقع(‪.)2‬‬
‫وعقيدة أهل السنة أن اهلل سبحانه وتعالى خلَق الناس جميعَهم من طائع‬
‫ق‬ ‫ق الطاعة وخلَق ُ‬
‫طر َ‬ ‫وعاص وكافر‪ ،‬و َع ِلم ما سيكون منهم‪ ،‬وخلَق ُ‬
‫طر َ‬ ‫ٍ‬
‫أيضا‪ ،‬وأرشد الناس ـ عن طريق األنبياء عليهم الصالة‬ ‫المعصية والكفر ً‬
‫والسالم ـ إلى اإلقبال على الطاعة واإليمان‪ ،‬واإلدبار عن المعاصي والكفر‪،‬‬
‫وأعطى اهلل تعالى االختيار للعبد‪ ،‬فالعبد ال يخلق الطاعة وال المعصية‪ ،‬بل‬
‫حاسب على اختياره‪ ،‬وهذا‬ ‫يختار طريق الطاعة أو طريق المعصية‪ ،‬وهو مُ َ‬
‫ون إل َّ ٓا أَن ي َ َشا ٓ َء َّ ُ‬
‫ٱلل﴾ [التكوير‪ ،]29 :‬فاهلل تعالى هو‬
‫ََ ََ ُٓ َ‬
‫معنى قوله تعالى‪﴿ :‬وما تشاء ِ‬
‫الذي أعطى العبد حرية االختيار‪ ،‬واإلنسان ال يخلق أفعاله كما قالت المعتزلة‪،‬‬

‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)419 :1‬‬


‫((( المختصر المفيد شرح جوهرة التوحيد‪ ،‬لنوح علي سلمان القضاة (ص‪.)109‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪46‬‬

‫وليس مجبو ًرا ال يملك حق االختيار كما قالت الجبرية(‪.)1‬‬


‫قال اإلمام الشافعي رضي اهلل عنه‪« :‬المشيئة إرادة اهلل عز وجل؛ قال اهلل عز‬
‫ون إل َّ ٓا أَن ي َ َشا ٓ َء َّ ُ‬
‫ٱلل﴾ [اإلنسان‪ ]30 :‬فأعلَ َم اهلل خل َقه أ ّن المشيئة‬
‫ََ ََ ُٓ َ‬
‫وجل‪﴿ :‬وما تشاء ِ‬
‫له دو َن َخل ِقه‪ ،‬وأن مشيئتَهم ال تكون إال أن يشاء»(‪.)2‬‬
‫وروى الربيع بن سليمان قال‪ :‬سئل الشافعي رضي اهلل عنه عن القدر فأنشأ‬
‫يقول‪:‬‬
‫شــئت إن لم ت َ َشــأ لــم يَ ُكن‬
‫ُ‬ ‫وما‬ ‫ـــئت كان وإن لـــم َ‬
‫أشـــأ‬ ‫مـــا ِش َ‬
‫ففي العل ِم يجري ال َفتى وال ُم ِســ ّن‬ ‫علمـــت‬
‫َ‬ ‫خلقــت العبادَ على ما‬
‫َ‬
‫أعنـــت وذا لـــم ت ُ ِعـــن‬
‫َ‬ ‫وهـــذا‬ ‫مننــت وهــذا َخ َذ َ‬
‫لــت‬ ‫َ‬ ‫علــى ذا‬
‫ومنهــم قَبيــح و ِمنهم حســن(‪)3‬‬ ‫فمنهم َشـــ ِق ٌّي ومنهم َسعيــــ ٌد‬
‫َ َ‬ ‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫محيط بكل شيء‪ ،‬فهو‬ ‫ومعنى كالم اإلمام الشافعي أ ّن ِعل َم اهلل تعالى قدي ٌم‬
‫تعالى يعلم األشياء قبل ُوقو ِعها‪ ،‬وأن اهلل تعالى هو الذي خلق أفعال العباد‪،‬‬
‫والعبد ال يخلق أفعاله‪ ،‬بل يختارها‪ ،‬والحساب يكون على اختياره لألفعال‪،‬‬
‫وهذا ردٌّ على القدرية الذين زعموا أن العبد يخلق أفعاله بمشيئته‪ ،‬وليس‬
‫بمشيئة اهلل تعالى وأن اهلل ال يعلم شيئًا إال بعد وقوعه‪.‬‬

‫سادسًا ‪ :‬موقف الإمام الشافعي من الاشتغال بعلم الكلام‬


‫جج‬‫ح َ‬‫ِعل ُم الكالم هو علم يقتد ُر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد ال ُ‬
‫عليها ودفع الشب ِه عنها‪ ،‬وهو من العلوم الضرورية التي تدعم العقائد الدينية‪،‬‬

‫((( المختصر المفيد شرح جوهرة التوحيد‪ ،‬لنوح علي سلمان القضاة (ص‪.)102‬‬
‫((( االعتقاد‪ ،‬للبيهقي (ص‪.)162‬‬ ‫((( االعتقاد‪ ،‬للبيهقي (ص‪.)157‬‬
‫‪47‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫ث في أدلَّتِها اليقينية وتناقش الشبهات المطروحة‪ ،‬ولكن هذا العلم قد‬ ‫ح ُ‬


‫وتب َ‬
‫يشتغل به أصحاب النفوس الصافية فيكونون سببًا في إعالء راية الدين‪ ،‬وقد‬
‫يشتغل به أهل األهواء وال ِف َرق المبتدعة وأصحاب النفوس المريضة‪ ،‬فيكون‬
‫سببًا للوقوع في الضالل؛ ولذلك أنكر كثير من علماء السلف ـ ومنهم اإلمام‬
‫الشافعي ـ االشتغال بعلم الكالم‪.‬‬
‫وقد كان اإلمام الشافعي ينهى عن الخوض في علم الكالم‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫كفرت‪ ،‬والعلم فيه إنما يقال‪ :‬أخطأت»(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫«أح ُدهُم إذا خالفه صاحبه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فعلم الكالم لم يشت ِغل الصحابة والتابعون به؛ بسبب صفاء العقائد ونقائها‬
‫رب عهد التابعين من عهده األنور عليه الصالة والسالم‪،‬‬‫النبي ﷺ‪ ،‬وق ُ ِ‬
‫ببركة صحبة ّ‬
‫ولقلة االختالفات في تلك األزمنة المباركة‪ ،‬فلم تكن أصحاب األهواء والبدع‬
‫موقف أئ َّمتِنا من السلف‬
‫ُ‬ ‫واألفكار الدخيلة قد انتشرت بين األمة اإلسالمية‪ ،‬وكان‬
‫حث الناس على العمل واالبتعاد عن الجدل وال ِمراء مع أهل األهواء‪.‬‬ ‫الصالح َّ‬

‫وقد بيَّن الحافظ ابن عساكر أ ّن َ‬


‫نهي اإلمام الشافعي عن علم الكالم إنما‬
‫دعي المخالف للكتاب والسنة بدليل أن الشافعي نا َظر أحد‬
‫عنَى به الكالمَ البِ َّ‬
‫رؤوس المبتدعة في عصره ـ وهو حفص الفرد ـ في اإليمان وخلق القرآن‪.‬‬
‫وقد أجاب الحافظ البيهقي عن كالم السلف في النهي عن تعلُّم علم الكالم‬
‫فقال‪« :‬وإنما يريد ـ واهلل أعلم ـ بالكالم كال َم أهل البدع‪ ،‬فإن في عصرهما إنما‬
‫كان يعرف بالكالم أهل البدع‪ ،‬فأما أهل السنة فقلَّما كانوا يخوضون في الكالم‬
‫حتى اضطروا إليه بعد»(‪.)2‬‬

‫((( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة‪ ،‬للاللكائي (ص‪.)165‬‬


‫((( تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى اإلمام أبي الحسن األشعري‪ ،‬ألبي القاسم بن عساكر‬
‫(ص‪.)337 -334‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪48‬‬

‫وعندما ظهرت الفتن واألزمات الفكرية التي عصفت باألمة اإلسالمية‬


‫برزت الحاجة إلى ظهور علم مستقل يُعنَى بإثبات العقائد الدينية بالحجج‬
‫اليقينية ودفع ُّ‬
‫الشبَه التي تصدّى لها عدد من األئمة األعالم‪ ،‬وكان من أوائل‬
‫المحاسبي واإلمام‬
‫َ‬ ‫من اشتغل بذلك اإلمام أبو حنيفة‪ ،‬واإلمام الحارث‬
‫الكرابيسي وهما من تالميذ اإلمام الشافعي‪ ،‬واإلمام الشافعي تُروى عنه‬
‫مناظرات مع بعض المبتدعة في عصره‪ ،‬وقد ن َ َسب إليه البغدادي كتابَين في‬
‫أصول الدين؛ أحدهما «تصحيح النبوة والرد على البراهمة»‪ ،‬والثاني في‬
‫«الرد على أهل األهواء»(‪.)1‬‬
‫وقد اعتمد علماء المذهب الشافعي ومح ِّققوه كالحافظ البيهقي‪ ،‬وإمام‬
‫الحرمين‪ ،‬واإلمام العز بن عبد السالم‪ ،‬واإلمام النووي‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬أن االشتغال‬
‫بعلم الكالم الذي يَعتني بتقرير عقيدة أهل السنة بال ُح َجج العقلية ودفع شبه‬
‫المبتدعة والزنادقة وأهل اإللحاد يع ُّد من فروض الكفايات؛ قال اإلمام‬
‫النووي‪« :‬وأما العلم ال ُم َس َّمى علم الكالم‪ ،‬فليس ب َف ِ‬
‫رض عَين‪ ،‬ولم يكن‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم يشتغلون به‪ ،‬قال اإلمام ـ يعني إمام الحرمين ـ ‪ :‬ولو‬
‫بقي الناس على ما كانوا عليه في صفوة اإلسالم لما أوجبنا التشاغل به‪ ،‬و ُربّما‬
‫ن َهينا عنه‪ ،‬فأما اليوم وقد ثارت البدع‪ ،‬فال سبيل إلى تركها تلتطم‪ ،‬وال بد من‬
‫الشبَه‪ ،‬فصار االشتغال بأدلة‬‫إعداد ما يدعى به إلى المسلك ال َحقّ‪ ،‬وتُزا ُل به ُّ‬
‫أصل ِمن أصول االعتقاد‪ ،‬فيل َزمُه‬
‫ٍ‬ ‫العقول فرض كفاية‪ ،‬فأما مَن استراب في‬
‫السعي في إزاحته حتى تستقيم عقيدته»(‪.)2‬‬
‫ُ‬
‫((( أصول الدين‪ ،‬للبغدادي (ص‪.)308‬‬
‫((( روضة الطالبين وعمدة المفتين‪ ،‬للنووي (‪.)223 :10‬‬
‫‪49‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫سابع ًا ‪ :‬إثبات عذاب القبر ونعيمه‬


‫قال اإلمام الشافعي‪« :‬إن مشيئة العباد هي إلى اهلل تعالى‪ ،‬وال يشاؤون إال‬
‫أن يشاء اهلل رب العالمين‪ ،‬وإن أعمال الناس َخل ٌق من اهلل‪ ،‬فع ٌل للعباد‪ ،‬وإن‬
‫عذاب القبر حقٌّ‪ ،‬ومساءلة أهل القبور‬
‫َ‬ ‫وشره من اهلل عز وجل‪ ،‬وإن‬
‫الق َد َر خيره ّ‬
‫حقٌّ‪ ،‬والبعث والحساب‪ ،‬والجنة والنار‪ ،‬وغير ذلك مما جاءت به السنن‪،‬‬
‫وظهرت على ألسنة العلماء وأتباعهم من بالد المسلمين حق»(‪.)1‬‬

‫ثامنًا ‪ :‬الصحابة‬
‫‪1‬ـ فضل الصحابة‪ :‬قال اإلمام الشافعي‪« :‬أثنى اهلل تبارك وتعالى على‬
‫أصحاب رسول اهلل ﷺ في القرآن والتوراة واإلنجيل‪ ،‬وسبق لهم على لسان‬
‫رسول اهلل ﷺ من الفضل ما ليس ألحد بعدهم‪ ،‬فرحمهم اهلل وهنَّأهم بما آتاهم‬
‫من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصدِّيقين والشهداء والصالحين‪ ،‬هم أدَّوا إلينا‬
‫ُسن َ َن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وشاهدوه والوحي ينزل عليه‪ ،‬فعلموا ما أراد رسول اهلل‬
‫عرفنا وج ِهلنا‪ ،‬وهم‬‫وعرفوا من ُسنّتِه ما َ‬
‫وخاصا‪ ،‬وعَزمًا وإرشادًا‪َ ،‬‬
‫ًّ‬ ‫ﷺ‪ ،‬عامًّا‬
‫فوقنا في كل علم واجتهاد‪ ،‬وورع وعقل‪ ،‬وأم ٍر استُد ِرك به عل ٌم‪ ،‬واستُنبط به‪،‬‬
‫وآراؤهم لنا أح َم ُد وأولى بنا من آرائنا عندنا ألنفسنا»(‪.)2‬‬
‫‪2‬ـ ترتيب الخلفاء الراشدين وأفضليتهم‪ :‬قال اإلمام الشافعي‪« :‬وما أجم َع‬
‫المسلمون عليه من أن يكون الخليفة واحدًا‪ ،‬فاستخلفوا أبا بكر‪ ،‬ثم استخلف‬
‫أبو بكر عمر‪ ،‬ثم عمر أه َل الشورى ليختاروا واحدًا‪ ،‬فاختار عبد الرحمن‬

‫((( االعتقاد‪ ،‬للبيهقي (ص‪.)225‬‬


‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)442 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪50‬‬

‫عثمان بن عفان»‪ .‬وروي عنه أنه قال‪« :‬أفضل الناس بعد رسول اهلل ﷺ أبو بكر‪،‬‬
‫ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ ،‬ثم علي»(‪.)1‬‬
‫‪3‬ـ أفضلية الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما‪ :‬قال اإلمام الشافعي‪:‬‬
‫«ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر‪ ،‬وتقديمهما‬
‫على جميع الصحابة‪ ،‬وإنما اختَلف مَن اختلف منهم في َع ِل ٍّي وعثما َن‪ ،‬ونحن‬
‫ال نخ ِّط ُ‬
‫ئ واحدًا من أصحاب رسول اهلل ﷺ فيما فعلوا»(‪.)2‬‬
‫‪4‬ـ أحقية علي رضي اهلل عنه في الفتنة التي جرت في عهده‪ :‬قال اإلمام‬
‫ابن خزيمة‪« :‬خير الناس بعد رسول اهلل ﷺ وأوالهم بالخالفة أبو بكر الصديق‪،‬‬
‫ثم عمر الفاروق‪ ،‬ثم عثمان ذو النورين‪ ،‬ثم علي بن أبي طالب‪ ،‬رحمة اهلل‬
‫ورضوانه عليهم أجمعين»‪ .‬قال‪« :‬و ُك ُّل من نازع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‬
‫عهدت مشاي َ‬
‫خنا‪ ،‬وبه قال اب ُن إدريس‪ ،‬يعني‬ ‫ُ‬ ‫باغ‪ ،‬على هذا‬
‫في إمارته فهو ٍ‬
‫الشافعي رحمه اهلل»(‪.)3‬‬

‫«سئِل ُ‬
‫عمر بن‬ ‫الشافعي يقول‪ُ :‬‬
‫َّ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫وروى يونس بن عبد األعلى قال‪:‬‬
‫ب أن‬ ‫يدي‪ ،‬فال ِ‬
‫أح ُّ‬ ‫ص ِّفين؟ فقال‪ :‬تلك دماء ط َّهر اهلل منها َّ‬
‫عبد العزيز عن أهل ِ‬
‫رأي حس ٌن جمي ٌل من عمر بن‬ ‫ِ‬
‫أخضب لساني بها‪ .‬قلت ـ أي الشافعي ـ‪ :‬وهذا ٌ‬
‫عبد العزيز رضي اهلل عنه في السكوت عما ال يعنيه‪ ،‬إذا لم يحتج إلى القول‬
‫فيه‪ ،‬فأما إذا احتاج إلى تعلُّم السيرة في قتال الفئة الباغية‪ ،‬فال ب َّد له من متابعة‬
‫علي بن أبي طالب في ِسيرتِه في قتالهم‪ ،‬ثم وال ب َّد من أن يعتقد كونَه ُم ِح ًّقا في‬

‫((( االعتقاد‪ ،‬للبيهقي (ص‪.)369‬‬ ‫((( االعتقاد‪ ،‬للبيهقي (ص‪.)368‬‬


‫((( االعتقاد‪ ،‬للبيهقي (ص‪.)375‬‬
‫‪51‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫قتالهم‪ ،‬وإذا كان هو ُم ِح ًّقا في قتالهم كان َخص ُمه ُمخ ِطئًا في قتاله والخروج‬
‫يخرج ببغيِه عن اإلسالم»(‪.)1‬‬
‫عليه‪ ،‬غير أنه لم ُ‬
‫‪5‬ـ معنى حديث‪َ « :‬من ُك ُ‬
‫نت َمواله ف َعلِ ٌّي َمواله»؛ قال اإلمام الربي ُع بن‬
‫النبي ﷺ ل َع ِل ِّي بن‬
‫قول ِّ‬‫الشافعي رحمه اهلل يقو ُل في معنى ِ‬
‫َّ‬ ‫«سمعت‬
‫ُ‬ ‫سليمان‪:‬‬
‫كنت مَواله ف َعلِ ٌّي مَواله»‪ ،‬يعني بذلك والء‬
‫ُ‬ ‫أبي طالب رضي اهلل عنه‪« :‬مَن‬
‫ْ َ َّ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وذلك قول اهلل عز وجل‪َ ﴿ :‬ذٰل َِك بأَ َّن َّ َ‬
‫ٱلل َم ۡولَى ٱلَّذ َ‬
‫ِين َء َام ُنوا َوأن‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ۡ َ‬
‫ين لا َم ۡول ٰى ل ُه ۡم﴾ [محمد‪.)2(»]11 :‬‬‫ٱلكٰفِ ِر‬

‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)449 :1‬‬


‫((( االعتقاد‪ ،‬للبيهقي (ص‪.)355‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪52‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫شخصية الإمام الشافعي العلمية والاجتهادية‬

‫ت ُ َع ُّد شخصية اإلمام الشافعي رحمه اهلل تعالى من أبرز الشخصيات العلمية‬
‫تأثيرا في تاريخ التشريع اإلسالمي؛ لجمعه بين مدرستي أهل الحديث والرأي‪،‬‬ ‫ً‬
‫وحس َم الجد َل القائم بينهما‪ ،‬واستق َّل اإلمام الشافعي في‬
‫َ‬ ‫جا وس ًطا‪،‬‬
‫فاتخذ منه ً‬
‫تدوين قواعد علم أصول الفقه‪ ،‬وترسيخ حجية السنة النبوية في األذهان‪،‬‬
‫فوضع قانونًا للخلق يعصم الناس عن الخطأ في المعرفة‪.‬‬
‫وقد أوتي اإلمام الشافعي ملكة راسخة في فَهم النصوص و ُحس ِن المدرك‬
‫وق ُ ّوة القريحة َ‬
‫وسع ِة االطالع‪َ ،‬‬
‫فر َحل إلى مكة‪ ،‬وإلى المدينة‪ ،‬وإلى قبائل العرب‪،‬‬
‫ورحل إلى اليمن‪ ،‬وإلى العراق‪ ،‬وإلى مصر‪ ،‬فتل َّقى عن العلماء باختالف المناهج‬
‫والمدارس؛ فتك َّون لديه ملكة واسعة مما ساهم في بناء شخصيته االجتهادية‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫المطلب الأول‬
‫الم�لكة الفقهية عند الإمام الشافعي في علم أصول الفقه‬

‫كانت قواعد هذا العلم منثورةً في أذهان الصحابة والتابعين رضي اهلل‬
‫عنهم في الصدر األول؛ حيث لم يكونوا بحاجة لعلم قواعد االستدالل التي‬
‫أ ُ ِخ َذت معظمها عنهم؛ ألنهم أصحاب ملكة لسانية‪.‬‬
‫وقد استعمل كثير من الصحابة بعض قواعد هذا العلم‪ ،‬منها قول علي‬
‫ب َس ِكر‪ ،‬وإذا َس ِكر ه َذى‪،‬‬
‫رضي اهلل عنه في عقوبة شارب الخمر‪« :‬إذا ش ِر َ‬
‫حدُّه ح ُّد المفترين»(‪ .)1‬والمفت ِري هو القاذف الذي و َردَ في‬
‫وإذا هذى افترى‪ ،‬ف َ‬
‫َ َّ َ َ ۡ ُ َ ۡ ُ ۡ َ َ ٰ ُ َّ َ ۡ َ ۡ ُ ْ َ ۡ َ َ ُ َ َ ٓ َ َ ۡ ُ ُ‬
‫وهمۡ‬‫ت ثم لم يأتوا بِأربعةِ شهداء فٱجل ِد‬ ‫قول اهلل تعالى‪﴿ :‬وٱلذِين يرمون ٱلمحصن ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َٰ َ ۡ َ َ ۡ ُ ْ َ َ‬
‫ِين َجل َد ٗة َولا تق َبلوا ل ُه ۡم ش َه ٰ َدةً أبَ ٗداۚ َوأ ْو ٰٓلئ ِ َك ُه ُم ٱلفٰسِقون﴾ [النور‪ ،]4 :‬فيكون‬ ‫ثمن‬
‫قرر أ ّن علة االفتراء هي السكر‪ ،‬فيحكم على السكران بحكم‬
‫علي قد َّ‬
‫اإلمام ٌّ‬
‫المفتري أو القاذف‪ ،‬وبذلك يكون قد قرر قاعدة أصولية‪.‬‬
‫كثيرا من األمثلة تد ُّل على استعمال قواعد‬ ‫تتبعت كتُب السنّة ستجد ً‬
‫َ‬ ‫وإذا‬
‫تفسير النصوص (علم أصول الفقه) عند كثير من الصحابة‪ ،‬لكنها لم ت ُكن مد َّون ًة‬
‫فرسم‬
‫في العصر األول والثاني وبداية العصر الثالث‪ ،‬حتى جاء اإلمام الشافعي َ‬
‫تعارض‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫متكامل في تفسير النصوص‪ ،‬وقام بتوفيق العقل مع النقل بدون‬ ‫جا‬
‫منه ً‬

‫((( أخرجه مالك في الموطأ‪ ،‬باب‪ :‬الحد في الخمر (‪ )1234 :5‬حديث رقم‪.)3117( :‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪54‬‬

‫جية السنة النبوية في األذهان‪ ،‬وذلك في كتابه «الرسالة» حين‬


‫ورسخ ُح ّ‬
‫بينهما‪َّ ،‬‬
‫طلب أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي(‪ )1‬من الشافعي أن يصنِّف كتابًا فيه معاني‬
‫القرآن‪ ،‬ويجمع قبول األخبار فيه‪ ،‬وحجة اإلجماع‪ ،‬وبيان الناسخ والمنسوخ‬
‫من القرآن والسنة‪ ،‬فأجاب طلَبَه‪ ،‬وصنَّف كتاب «الرسالة»‪ ،‬قال عبد الرحمن بن‬
‫مهدي حين جاءه الكتاب‪« :‬ما أصلِّي صالة إال أدعو للشافعي»(‪.)2‬‬
‫الناس قبل الشافعي يتكلمون في مسائل أصول‬ ‫ُ‬ ‫قال اإلمام الرازي‪« :‬كان‬
‫الفقه ويستدلون ويعترضون‪ ،‬ولكن ما كان لهم قانو ٌن ُكلِّ ٌّي مرجوع إليه في معرفة‬
‫دالئل الشريعة‪ ،‬وفي كيفية معارضتها وترجيحها‪ ،‬فاستنبط الشافعي عل َم أصول‬
‫الفقه‪ ،‬ووضع للخلق قانونًا كليًّا‪ ،‬يُر َجع في معرفة مراتب األدلة الشرعية إليه»(‪.)3‬‬

‫((( عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري البصري اللؤلئي‪ ،‬أبو سعيد‪ :‬من كبار حفاظ‬
‫نظيرا في الدنيا‪ .‬توفِّي ‪198‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي‬
‫الشافعي‪ :‬ال أعرف له ً‬
‫ّ‬ ‫الحديث‪ ،‬قال‬
‫(‪.)339 :3‬‬
‫((( تهذيب األسماء واللغات (‪.)59 :1‬‬
‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للرازي (‪.)57 :1‬‬
‫‪55‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫المطلب الثاني‬
‫الم�لكة الفقهية عند الإمام الشافعي‬
‫في استنباط الأحكام من الكتاب والسنة‬

‫ال َملَكة الفقهية هي القدرة على استنباط األحكام الشرعية من األدلة‬


‫الشرعية‪ ،‬ق َّل من أوتيها من العلماء من عصر الصحابة إلى مَن بعدهم‪ ،‬وكان‬
‫ممن أوتي هذه الملكة اإلمام الشافعي‪ ،‬فما أن بلغ من العمر دون العشرين سنة‬
‫أهل للنظر والقدرة على استنباط األحكام‪.‬‬ ‫ّإل وكان ً‬
‫روى ابن عساكر في «تاريخه» أن ً‬
‫رجل جاء اإلمام مالك يستفتيه‪ ،‬قال له‪:‬‬
‫صياح‪ .‬فنظر اإلمام مالك فأدّاهُ‬
‫ٍ‬ ‫حلفت بالطالق أ ّن هذا ال ُقم ِر َّ‬
‫ي(‪ )1‬ال يهدَأ من‬ ‫ُ‬ ‫إني‬
‫نظره واجتهاده إلى أ ّن هذا اإلنسان حنِث في ح ِلفه‪ ،‬فطلقت امرأت ُ ُه؛ أل ّن ال ُق َّ‬
‫مري‬
‫يصيح فيها‪ ،‬فأفتاهُ بطالقِ امرأته‪.‬‬
‫ُ‬ ‫صياح‪ ،‬ليس ك َّل ساع ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ال ب ُ َّد أن يهدأ من‬
‫ُ‬
‫فعلم الشافعي بهذه الفتوى‪ ،‬وقال‪ :‬مراد الشخص «ال يهدَأ من ِص ٍ‬
‫ياح» أي‪:‬‬
‫يسكت فيها من الصياح‪ ،‬فقال‬ ‫ُ‬ ‫إنه كثير الصياح‪ ،‬وليس معناه أنه ليست له فترةٌ‬
‫للرجل‪ :‬لم تُطلِّق امرأتك؛ ألنه في أكثر أحواله يصيح‪ ،‬وفي بعض منها ال يصيح‪،‬‬
‫يحصل الطالق‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فلم‬
‫فرجع الرجل إلى اإلمام مالك فقال له‪ :‬في مجلسك مَن أفتاني بأن امرأتي‬

‫((( طائر يشبه الحمام‪.‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪56‬‬

‫هي لي حالل‪ ،‬قال‪ :‬أفي مجلسي؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ومن هو؟ فأومأ إلى الشافعي‪،‬‬
‫أنت أفتيتَه بذلك؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ولماذا أفتيته بذلك؟ قال له‪:‬‬‫فقال للشافعي‪َ :‬‬
‫ُك تروي عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬أن رسول اهلل ﷺ قال لفاطمةَ بنت قَيس‪:‬‬ ‫سمعت َ‬
‫لت فآ ِذنِينِي»‪ .‬فلما حلَّت قالت له‪ :‬قد خ َطبني معاوية وأبو َجهم‪ .‬فقال‪:‬‬
‫«إذا حلَ ِ‬
‫يض ُع عصاه عن عاتقه»‪.‬‬ ‫«أما معاوية فصعلو ٌك ال ما َل له‪ ،‬وأما أبو َجهم فال َ‬
‫ويتصرف في أموره؛‬
‫َّ‬ ‫يضع عصاه عن عات ِقه‬‫وع ِلم رسول اهلل ﷺ أن أبا َجهم َ‬
‫فإنما نسب إلى ضرب النساء‪ ،‬فذ َكر أنّه ال يضع عصاه عن عاتِ ِقه‪ ،‬وح َمله على‬
‫أكثر أم صياحه؟ فقال‪ :‬صياحه‪،‬‬ ‫وقلت له‪ :‬سكوتُه ُ‬
‫ُ‬ ‫األغلب من أمره‪ ،‬وإني سألتُه‬
‫فتبسم مالك‪ .‬وقال‪ :‬القول قولك(‪.)1‬‬
‫فأفتيتُه بذلك‪َّ ،‬‬
‫صاحب أبي َحنيفةَ ممت ِد ًحا الشافعي‪« :‬ليس فال ٌن‬
‫ُ‬ ‫قال محمد بن الحسن‬
‫عندنا بفقيه؛ ألنه يجمع أقوال الناس ويختا ُر َ‬
‫بعضها‪ .‬قيل‪ :‬ف َمن الفقيه؟ قال‪:‬‬
‫أصل من كتاب أو سنة لم يُسبَق إليه‪ ،‬ثم يشعب في ذلك األصل‬‫الذي يستنبط ً‬
‫مئة شعب‪ .‬قيل‪ :‬فمن يَقوى على هذا؟ قال‪ :‬محمد بن إدريس»(‪.)2‬‬
‫وقال اإلمام أحمد بن حنبل(‪« :)3‬ما كان أصحاب الحديث يعرفون معاني‬
‫الشافعي فبيَّنها(‪.)4‬‬
‫ُّ‬ ‫حديث رسول اهلل ﷺ حتى ق ِدمَ‬

‫((( تاريخ دمشق‪ ،‬البن عساكر (‪ ((( .)304 :51‬تهذيب األسماء واللغات (‪.)62 :1‬‬
‫الحنبلي‪ ،‬وأحد األئمة‬
‫ّ‬ ‫الشيباني الوائلي‪ :‬إمام المذهب‬
‫ّ‬ ‫((( أحمد محمد بن حنبل‪ ،‬أبو عبد اهلل‪،‬‬
‫األربعة‪ .‬توفِّي ‪241‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي(‪.)203 :1‬‬
‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)301 :1‬‬
‫‪57‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫المطلب الثالث‬
‫علم الشافعي بالقرآن والقراءات‬

‫تن َّوعت علوم الشافعي رحمه اهلل فكان مشار ًكا في علوم كثيرة‪ ،‬وخاصة‬
‫علمه بالقرآن الكريم والقراءات القرآنية‪ ،‬فكان أعلم الناس في زمانه بمعاني‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وإذا تكلَّم في التفسير كأنّه ش ِه َد التنزيل‪ ،‬وقد ت َّم جم ُع ما أُثِر‬
‫عن اإلمام الشافعي من تفسير في كتاب «تفسير اإلمام الشافعي» وهو مطبوع‪.‬‬
‫قال محمد بن عبد الحكم‪ :‬أخبرنا الشافعي قال‪ :‬قرأت على ِشبل‪ ،‬وأخبر‬
‫ِشبل أنه قرأ على عبد اهلل بن كثير‪ ،‬وأخبر عبد اهلل بن كثير أنه قرأ على مُجاهد‪،‬‬
‫وأخبر ُمجاهد أنه قرأ على ابن عبّاس‪ ،‬وأخبر ابن عبّاس أنه قرأ على أُب َ ّي‪ ،‬وقال‬
‫النبي ﷺ(‪.)1‬‬ ‫ُ‬
‫ابن عباس‪ :‬وقرأ أب َ ّي على ّ‬
‫الشافعي؛ فإنه كان من أشعَر الناس‪ ،‬وآدَب الناس‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وقال ال ُمبَ ِّرد‪ :‬رحم اهلل‬
‫وأعرفهم بالقراءات(‪.)2‬‬

‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)276 :1‬‬


‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)279 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪58‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫علم الشافعي بالحديث والجرح والتعديل‬

‫الشافعي عال ًما بالحديث النبوي ورجاله؛ فقد تلقى ذلك عن اإلمام‬
‫ّ‬ ‫كان‬
‫كنت أجالس محمد بن‬
‫مالك وسفيان بن ُعيَينة‪ ،‬قال اإلمام أحمد بن حنبل‪« :‬إني ُ‬
‫فكنت أذاكره أسماء الرجال‪ ،‬فقال‪ :‬روينا عن عمر بن‬
‫ُ‬ ‫إدريس الشافعي بمكة‪،‬‬
‫الخطاب عن أهل المدينة عن فالن بن فالن‪ ،‬وفالن بن فالن‪ ،‬فال يزال يس ِّمي‬
‫رجل‪ ،‬وأسمي له جماعة‪ ،‬ثم يذكر هو عددًا من أهل مكة‪ ،‬فأذكر له أنا‬‫رجل ً‬
‫ً‬
‫ب‬‫ف الشافعي فيُطنِ ُ‬‫يص ُ‬ ‫جماعة منهم‪ .‬فقال عبد اهلل ابن اإلمام أحمد‪ :‬وكان أبي ِ‬
‫خ ِّطه بعد موته‬
‫وكتبت من ُكتُبه ب َ‬
‫ُ‬ ‫حا‪،‬‬‫في َوصفه‪ .‬وقد كتب عنه أبي حديثًا صال ً‬
‫أحاديث ِعدّة مما س ِمعه من الشافعي رحمة اهلل عليهما»(‪.)1‬‬
‫أما ِعلمه بالجرح والتعديل‪ :‬فقد ذكر اإلمام البيهقي في كتابه جملة من‬
‫اآلثار‪ ،‬ونذكر ً‬
‫بعضا منها‪:‬‬
‫«الشعبي في كثرة‬
‫ّ‬ ‫سمعت الشافعي يقول‪:‬‬
‫ُ‬ ‫قال محمد بن عبد الحكم‪:‬‬
‫الرواية مثل عروة بن الزبير»(‪ .)2‬وكان الشافعي يقول في شيخه اإلمام مالك‪:‬‬
‫«إذا ذُ ِكر العلماء فمالك النجم»(‪.)3‬‬

‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)500 :1‬‬ ‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)488 :1‬‬
‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)500 :1‬‬
‫‪59‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫وقال محمد بن عبد الحكم‪ :‬حدّثني محمد بن إدريس‪ ،‬قال‪ :‬حدّثنا ُسفيان‪،‬‬
‫لعلمت أنّه ال‬
‫َ‬ ‫طاوسا‬
‫ً‬ ‫عن مع َمر عن الزهري‪ ،‬قال‪ :‬حدّثنا طاوس‪ ،‬ولو رأيت‬
‫يك ِذب(‪.)1‬‬
‫وقال الربي ُع بن سليمان‪ :‬سمعت الشافعي يقول‪ :‬كان إبراهيم بن أبي يحيى‬
‫الشافعي على أن يروي عنه؟ قال‪ :‬كان يقول‪ :‬ألن‬
‫َّ‬ ‫قدريًّا‪ .‬فقيل للربيع‪ :‬ما حمل‬
‫أحب إليه ِمن أن يك ِذب‪ ،‬وكان ثقة في الحديث(‪.)2‬‬
‫ّ‬ ‫يخر إبراهيم من بُعد‬
‫َّ‬

‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)500 :1‬‬


‫((( مناقب الشافعي‪ ،‬للبيهقي (‪.)533 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪60‬‬

‫المطلب الخامس‬
‫معرفة الشافعي بالطب‬

‫كان اإلمام الشافعي عال ًما بالطب‪ ،‬وكان يتل َّهف على إعراض المسلمين‬
‫عن علم الطب‪ ،‬ويقول‪ :‬ضيَّعوا ثلث العلم‪ ،‬وو َكلوه إلى اليهود والنصارى(‪.)1‬‬
‫كان يقول‪ :‬العلم علمان‪ :‬علم األبدان‪ ،‬وعلم األديان‪ .‬فيقول‪ :‬علم األبدان‬
‫علم الطب‪ ،‬وعلم األديان علم الفقه(‪.)2‬‬
‫وكان يقول‪ :‬ال تس ُكن بلدةً ال يكون فيها عالم يخبِ ُرك عن دينك‪ ،‬وال‬
‫طبيب يخبِ ُرك عن أمر بدنك(‪.)3‬‬
‫ٌ‬

‫((( مناقب اإلمام الشافعي‪ ،‬للرازي (‪.)325 :1‬‬


‫((( مناقب اإلمام الشافعي‪ ،‬للرازي (‪.)325 :1‬‬
‫((( مناقب اإلمام الشافعي‪ ،‬للرازي (‪.)325 :1‬‬
‫‪61‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫الفصل الثاني‬
‫تطور المذهب الشافعي‬

‫مر بها‬
‫يتناول هذا الفصل أبرز المحطات والمراحل التاريخية التي َّ‬
‫المذهب الشافعي‪ ،‬وتم تقسيم هذه المراحل إلى(‪:)1‬‬
‫المبحث األول‪ :‬عصر التأسيس‪ :‬ويمتد من زمن ظهور شخصية اإلمام‬
‫الشافعي االجتهادية وحتى وفاته (‪186‬هـ ‪204 -‬هـ)‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬عصر النقل واالنتشار‪ :‬ويمتد من زمن وفاة اإلمام الشافعي‬
‫حتى بداية ظهور مدرستي العراقيين والخراسانيين (‪204‬هـ ‪404 -‬هـ)‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬عصر االستقرار والثبات‪ :‬ويمتد من بداية ظهور مدرستي‬
‫العراقيين والخراسانيين وحتى بداية عصر الرافعي والنووي (‪404‬هـ ‪505 -‬هـ)‪.‬‬

‫((( بنينا هذا التقسيم على مراعاة أبرز المحطات الفاصلة في تط ُّور المذهب‪ ،‬سواء من الناحية‬
‫العلمية أو العملية‪ ،‬ابتداء من عصر اإلمام الشافعي‪ ،‬ثم عصر طالبه‪ ،‬ثم طالبهم الذين‬
‫نقلوا المذهب بشكل فردي‪ ،‬ثم العصر الذي ظهرت فيه المدرسة الخراسانية والعراقية‪،‬‬
‫وتم تبنِّي المذهب بشكل رسمي‪ ،‬ثم عصر النووي والرافعي‪ ،‬وإعادة إحياء المنهج السني‬
‫وعودة المذهب إلى مصر والشام على يد السلطان صالح الدين األيوبي‪ ،‬ثم عصر أصحاب‬
‫الشروح الذين اشتغلوا بكتُب النووي والرافعي‪ ،‬وازدهار المذهب في عهد المماليك‪ ،‬ثم‬
‫عصر أصحاب الحواشي الذين اشتغلوا بكتب ابن حجر والرملي‪ ،‬وانحسار المذهب في‬
‫بعض األوقات‪ ،‬ثم العصر الحديث الذي نعيشه في يومنا هذا‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪62‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬عصر التحرير والتنقيح‪ :‬ويشمل عصر اإلمامين الرافعي‬


‫والنووي (‪505‬هـ ‪676 -‬هـ)‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬عصر االزدهار‪ :‬ويمتد من وفاة النووي‪ ،‬وحتى وفاة‬
‫اإلمام شمس الدين الرملي (‪676‬هـ ‪1004 -‬هـ)‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬عصر االنحسار‪ :‬ويمتد من وفاة الشمس الرملي‪ ،‬وحتى‬
‫سقوط الخالفة العثمانية (‪1004‬هـ ‪1335 -‬هـ)‪.‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬العصر الحديث‪ :‬ويمتد من سقوط الخالفة العثمانية‪،‬‬
‫وحتى يومنا هذا‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫المبحث الأول‬
‫عصر التأسيس (‪204 -186‬هـ)‬

‫تأسس المذهب الشافعي كغيره من المذاهب الفقهية األربعة‬


‫المعتمدة في القرن الثاني الهجري‪ ،‬وقد مثَّل مذهب اإلمام الشافعي حلقةَ‬
‫مؤسس المذهب‬‫ِّ‬ ‫صل بين المذاهب‪ ،‬فقد تتلمذ على يد اإلمام مالك‬ ‫َو ٍ‬
‫المالكي (ت‪179‬هـ)‪ ،‬واستفاد من اإلمام محمد بن الحسن صاحب أبي‬
‫مؤسس المذهب الحنبلي‬‫حنيفة (ت‪189‬هـ)‪ ،‬وتتلمذ على ي ِده اإلمام أحمد ِّ‬
‫(ت‪241‬هـ)‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪64‬‬

‫(الفقه في العراق)‬ ‫(الفقه في اليمن)‬ ‫(الفقه في مكة)‬ ‫(الفقه في المدينة)‬

‫عبد اهلل بن مسعود علي بن أبي طالب أنس بن مالك أبو موسى األشعري‬ ‫معاذ بن جبل علي بن أبي طالب‬ ‫معاذ بن جبل عبداهلل بن عباس‬ ‫عمر عثمان عبداهلل بن عمر عائشة عبداهلل بن عباس زيد بن ثابت‬
‫(‪ 42‬أو ‪)44‬‬ ‫(‪)93‬‬ ‫(‪)40‬‬ ‫(‪)32‬‬ ‫(‪)40‬‬ ‫(‪)18‬‬ ‫(‪)68‬‬ ‫(‪)18‬‬ ‫(‪)45‬‬ ‫(‪)68‬‬ ‫(‪)58‬‬ ‫(‪)33‬‬ ‫(‪)36( )23‬‬

‫عبيدة‬ ‫شريح‬ ‫األسود‬ ‫مسروق‬ ‫علقمة‬


‫السلماني‬ ‫القاضي‬
‫(‪)1‬‬ ‫النخعي‬ ‫الهمداني‬ ‫النخعي‬ ‫عكرمة‬ ‫مجاهد بن‬ ‫عبيد‬ ‫سليمان خارجة سالم‬ ‫سعيد‬ ‫عبيد اهلل عروة القاسم‬
‫(‪)72‬‬ ‫(‪)78‬‬ ‫(‪)95‬‬ ‫(‪)63‬‬ ‫(‪)62‬‬ ‫مولى‬ ‫جبر‬ ‫ابن عبداهلل ابن ابن محمد ابن المسيب ابن يسار ابن زيد ابن عبداهلل ابن عمير‬
‫ابن عباس‬ ‫ابن عتبة الزبير‬

‫(‪)105‬‬ ‫(‪)102‬‬ ‫(‪)74‬‬ ‫(‪)106( )100( )100‬‬ ‫(‪)93‬‬ ‫(‪ 94‬أو ‪)106( )94( )99‬‬
‫الحسن البصري‬ ‫إبراهيم النخعي سعيد بن جبير الشعبي‬ ‫طاوس بن كيسان وهب بن منبه‬
‫الصنعاني‬ ‫عمرو بن‬ ‫عطاء بن عبداهلل بن‬
‫(‪)110‬‬ ‫(‪)104‬‬ ‫(‪)95‬‬ ‫(‪)95‬‬
‫(‪)114‬‬ ‫(‪)106‬‬ ‫دينار‬ ‫أبي رباح أبي مليكة‬
‫نافع مولى ربيعة ابن شهاب يحيى بن أبو الزناد عبداهلل‬
‫(‪)126‬‬ ‫(‪)117‬‬ ‫(‪)115‬‬ ‫ابن ذكوان‬ ‫سعيد‬ ‫الزهري‬ ‫الرأي‬ ‫ابن عمر‬
‫األعمش‬ ‫حمادة بن أبي سليمان‬ ‫قتادة‬ ‫ابن سيرين‬
‫ابن جريج‬ ‫أبو الزبير‬ ‫(‪)131‬‬ ‫(‪)143‬‬ ‫(‪)124‬‬ ‫(‪)136( )117‬‬
‫(‪)148‬‬ ‫(‪)120‬‬ ‫(‪)118‬‬ ‫(‪)110‬‬
‫محمد بن مسلم‬
‫(‪)150‬‬ ‫(‪)127‬‬
‫أبو حنيفة سفيان الثوري شريح القاضي‬ ‫ابن أبي ليلى‬
‫(‪)177‬‬ ‫(‪)161‬‬ ‫(‪)150‬‬ ‫(‪)148‬‬

‫أبو أيوب مطرف هشام بن عمرو بن أبي سلمة يحيي بن سليمان‬ ‫ابن‬ ‫داود بن‬ ‫مسلم بن‬ ‫سعيد بن سفيان‬
‫صاحب الليث‬ ‫يوسف صاحب األوزاعي‬ ‫ابن مازن‬ ‫سالم الفتاح بن عيينة خالد الزنجي عبدالرحمن العطار أبي رواء‬
‫(‪)208‬‬ ‫(‪)214‬‬ ‫(‪)197‬‬ ‫(‪)191‬‬ ‫(‪)206‬‬ ‫(‪)121‬‬ ‫(‪)1880‬‬ ‫(‪)198‬‬

‫عبدالوهاب بن‬ ‫إسماعيل بن‬ ‫وكيع بن أبو أسامة محمد بن‬ ‫جمع الشافعي‬ ‫ابن أبي‬ ‫مالك بن إبراهيم بن إبراهيم بن‬ ‫عبداهلل‬ ‫عبدالعزيز‬

‫]‬
‫عبدالمجيد الثقفي‬ ‫علية البصري‬ ‫الحسن‬ ‫الكوفي‬ ‫الجراح‬ ‫فديك‬ ‫سعد‬ ‫محمد‬ ‫أنس‬ ‫الصانع‬ ‫الدراوردي‬
‫(‪)194‬‬ ‫(‪)193‬‬ ‫(‪)189‬‬ ‫(‪)201‬‬ ‫(‪)197‬‬ ‫(‪)200‬‬ ‫(‪)183‬‬ ‫(‪)184‬‬ ‫(‪)179‬‬ ‫(‪)206‬‬ ‫(‪)187‬‬

‫تالميذ الشافعي] بالعراق‬ ‫فقه األمصار كلها‬ ‫تالميذ الشافعي ] بمصر‬

‫الزعفراني الكرايسي أبو ثور أحمد بن أبو عبيدة القاسم بن‬ ‫الربيع‬ ‫محمد بن‬ ‫يونس بن‬ ‫حرملة‬ ‫المزني‬ ‫الربيع‬ ‫البويطي‬
‫سالم اللغوي‬ ‫حنبل‬ ‫الجيزي‬ ‫عبداألعلى عبدالحكم‬ ‫المرادي‬
‫(‪)224‬‬ ‫(‪)241‬‬ ‫(‪)240‬‬ ‫(‪)245‬‬ ‫(‪)260‬‬ ‫(‪)256‬‬ ‫(‪)168‬‬ ‫(‪)264‬‬ ‫(‪)243( )264‬‬ ‫(‪)270‬‬ ‫(‪)231‬‬

‫الشكل المرفق مأخوذ من مقدمة‬


‫الدكتور عبد العظيم الديب على كتاب نهاية المطلب(‪)1‬‬

‫((( ورد في الشجرة ذكر شريح القاضي مرتين‪ ،‬آخرهما أنه متوفى ‪ ١٧٧‬هـ ‪ ،‬وهذا خطأ ينبغي‬
‫التنبه له‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫مر مذهب اإلمام الشافعي بمرحلتَين ُع ِرفا فيما بع ُد باسم‪ :‬المذهب‬


‫وقد َّ‬
‫القديم والمذهب الجديد كاآلتي‪:‬‬

‫أول ًا ‪ :‬مرحلة المذهب القديم للشافعي‬


‫بدأت الشخصية االجتهادية لإلمام الشافعي بالظهور بعد مغادرته بغدادَ‬
‫أغلب اجتهاداته في ذلك الوقت موافقةً‬‫ُ‬ ‫المكرمة سنة ‪186‬هـ‪ ،‬وكانت‬
‫َّ‬ ‫إلى مكة‬
‫الشافعي بين مكةَ وبغداد ع ّدةَ ّ‬
‫مرات‬ ‫ُّ‬ ‫َب ِ‬
‫شيخه اإلمام مالك(‪ ،)1‬وقد تن َّقل‬ ‫لمذه ِ‬
‫يش َّد الرحلة إلى مصر‪ ،‬ويعي َد الن َظر في اجتهاداته وآرائه‪.‬‬
‫قبل أن ُ‬
‫ُ‬
‫صرح بها قبل دخول مصر المذهب‬‫وقد أط ِل َق على اجتهاداته وآرائه التي ّ‬
‫جة» في‬
‫ح ّ‬
‫كتاب «ال ُ‬
‫َ‬ ‫القديم (‪199-186‬هـ)‪ ،‬وصنَّف خالل هذه المرحلة‬
‫الفقه‪ ،‬و«الرسالة القديمة» في أصول الفقه(‪.)2‬‬
‫المذهب القديم عددٌ من األئمة األعالم‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫َ‬ ‫وقد ن َقل‬
‫ب اإلمام الشافعي‪،‬‬ ‫لبي (ت‪ )240‬إمام وحافظ وحجة‪ِ ،‬‬
‫صح َ‬ ‫‪1‬ـ أبو ثَو ٍر ال َك ُّ‬
‫ثم بلغ درجة االجتهاد‪ ،‬واستق َّل بمذهب جديد ُع ِرفَ باسمه‪.‬‬
‫‪2‬ـ اإلمام أحمد بن حنبل (ت‪241‬هـ) إمام المذهب الحنبلي‪ ،‬وأحد أبرز‬
‫أئمة الحديث الشريف‪ ،‬من أشهر كتبه «المسند»‪.‬‬
‫‪3‬ـ أبو الحسين الكرابيسي (ت‪248‬هـ) وهو من أشهر أصحاب الشافعي‬
‫في العراق‪ُ ،‬ع ِرف بإمامته في الفقه واألصول وعلم الكالم‪.‬‬

‫((( المعتمد عند الشافعية‪ ،‬لمحمد عمر الكاف (ص‪ ،)36‬والمدخل إلى مذهب اإلمام الشافعي‪،‬‬
‫ألكرم القواسمي (ص‪.)299‬‬
‫((( المذهب عند الشافعية‪ ،‬لمحمد إبراهيم علي (ص‪.)4-2‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪66‬‬

‫‪4‬ـ الحسن الزعفراني (ت‪259‬هـ) إمام وفقيه ومحدِّث‪ ،‬وهو آخر رواة‬
‫المذهب القديم‪.‬‬
‫وقد تميَّز المذهب القديم بكونه أكثر مراعاة للحاجة ورفع المش ّقة من‬
‫أكثر احتيا ًطا من المذه ِ‬
‫َب‬ ‫َب الجديد ُ‬‫المذهب الجديد‪ ،‬بينما نجد أن المذه َ‬
‫القديم؛ ومن األمثلة على ذلك‪ :‬جواز عقد المساقاة على سائر األشجار المث ِمرة‬
‫ح ِّل الذي و َردَ به‬
‫على المذهب القديم‪ ،‬بينما اقتصر المذهب الجديد على الم َ‬
‫العنب والتم ِر في أحكام‬
‫ِ‬ ‫النص‪ ،‬وهو النخ ُل وقاس عليه أشجا َر العنب؛ الشتراك‬
‫كثيرة‪ ،‬مثل‪ :‬الزكاة والخرص؛ جاء في «مغني المحتاج بحل ألفاظ المنهاج»(‪:)1‬‬
‫خبر الصحيحين‪ :‬أنه ﷺ عا َمل‬ ‫«(كتاب المساقاة)‪ ..‬واألصل فيها قبل اإلجماع‪ُ :‬‬
‫يخرج منها‬‫بشطر ما ُ‬ ‫وأرضها ـ َ‬
‫َ‬ ‫أهل خيبر ـ وفي رواية‪ :‬دفع إلى يهود خيبر نخلَها‬
‫من ثمر أو زرع»‪ ...‬و( َمو ِردها النخل) للخبر السابق‪( ،‬و)مثله (العنب)؛ ألنه‬
‫في معنى النخل بجامع وجوب الزكاة وتأتي الخرص‪ ،‬و(وج َّوزها القديم في‬
‫سائر األشجار المث ِمرة) كالتين والتفاح للحاجة‪ ،‬والجديد المنع؛ ألنها رخصة‬
‫فتختص بموردها»‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مرحلة المذهب الجديد للشافعي‬


‫انتقل الشافعي سنة ‪199‬هـ إلى مصر‪ ،‬وتغيَّرت أكثر اجتهاداته وآرائه‪،‬‬
‫وكتَب فيها كتبًا كثيرة؛ أشهرها كتاب «األم» في الفقه و«الرسالة الجديدة» في‬
‫أصول الفقه‪ ،‬واشتهرت مدرسته الجديدة في مصر بالمذهب الجديد (‪-199‬‬
‫‪204‬هـ)(‪.)2‬‬

‫((( (‪ )422 :3‬بتصرف يسير‪.‬‬


‫((( المذهب عند الشافعية‪ ،‬لمحمد عمر الكاف (ص‪.)4‬‬
‫‪67‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫كبير من األئمة األعالم‪ ،‬منهم‪:‬‬


‫المذهب الجديد عددٌ ٌ‬
‫َ‬ ‫وقد نقل‬
‫‪1‬ـ أبو يعقوب البويطي (ت‪232‬هـ) خلف اإلمام الشافعي بعد وفاته في‬
‫مقامه في اإلفتاء والتدريس‪.‬‬
‫‪2‬ـ َحرمَلة التُّجيبي (ت‪243‬هـ) إمام في الفقه‪ ،‬وحافظ في الحديث‪،‬‬
‫وأحد رواة المذهب الجديد‪.‬‬
‫‪3‬ـ أبو إبراهيم ال ُمزَني (ت‪264‬هـ) خلَف البُ َويطي في مجلسه في التدريس‬
‫واإلفتاء‪ ،‬وألف كتاب «مختصر المزني» الذي صار عمدة الشافعية في مؤلَّفاتهم‪،‬‬
‫قال عنه الشافعي‪« :‬المزني ناصر مذهبي»‪ ،‬وقال في قوة حجته‪« :‬لو نا َظر الشيطان‬
‫لغلبه»(‪.)1‬‬
‫‪4‬ـ الربيع المرادي (ت‪270‬هـ) صاحب الشافعي وخادمه وراوية كتبه‬
‫الجديدة‪.‬‬
‫أبرز الخصائص والمالمح العلمية لعصر التأسيس‪:‬‬
‫مذهب اإلمام الشافعي بعد قُدومه إلى مصر‪ ،‬ويمكن عزو ذلك‬
‫ُ‬ ‫‪1‬ـ تغيَّر‬
‫لألسباب اآلتية(‪:)2‬‬
‫‪1‬ـ مراجعة أصوله في االستنباط‪ ،‬وذلك من خالل إعادة تصنيف كتاب‬
‫«الرسالة»‪ ،‬وترتَّب على ذلك تغيُّر كثير من االجتهادات والفروع التي كان‬
‫اإلمام الشافعي قد بناها على أصوله القديمة‪ ،‬وهذا هو المشهور عند العلماء‪،‬‬
‫بينما يرى بعض الباحثين أن أصول الشافعي في المذهبين واحدة‪ ،‬وأن الذين‬

‫((( األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)329 :1‬‬


‫((( المعتمد عند الشافعية‪ ،‬لمحمد عمر الكاف (ص‪.)118‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪68‬‬
‫نسبوا للشافعي تغيُّ َر أصولِه لم يذكروا أدلة مقبولة تؤ ِّكد ذلك‪ ،‬وأن العامل‬
‫المتح ِّكم في االنتقال هو إعادة النظر في المسائل الفقهية التي اجتهد فيها(‪.)1‬‬
‫‪2‬ـ إعادة النظر في فروع اجتهاداته السابقة بناءً على دليل أقوى أو قياس‬
‫ً‬
‫محتمل للخطأ‪.‬‬ ‫يتحرى الح َّق ويرى رأيه صوابًا‬
‫َّ‬ ‫أرجح‪ ،‬وهو شأن َمن‬

‫سبب تغيُّر مذهب‬


‫ُ‬ ‫نسب‬
‫ومن األخطاء المشهورة في هذا الموضوع أن يُ َ‬
‫اإلمام الشافعي إلى تغيُّر البيئ ِة واألعراف بين العراق ومصر؛ ألن هذا السبب‬
‫حا لذكره الشافعي‪ ،‬ولما أنكر على من يروي مذهبه القديم‪ ،‬وألن‬
‫لو كان صحي ً‬
‫علماء المذهب ـ وهم أدرى بمذهب إمامهم ـ لم يذكروا هذا السبب‪ ،‬وعندما‬
‫اختار بعضهم بعض أقواله القديمة ذكروا أنهم اختاروها؛ لقوة أدلتها من وجهة‬
‫نظرهم(‪.)2‬‬

‫وقد قام أحد الباحثين باستقراء مسائل القديم والجديد‪ ،‬ليخلص إلى أن أكثر‬
‫المسائل الخالفية بين األقوال القديمة والجديدة ُوجِ دت في أبواب العبادات‪،‬‬
‫ومن المعلوم أن مسائل العبادات ال تتغير بتغير األعراف والعادات(‪.)3‬‬

‫ومن األخطاء المشهورة كذلك نسبة سبب تغير المذهب إلى اطالع اإلمام‬
‫على أحاديث لم يكن قد اطلع عليها من قبل‪ ،‬وقد قام أحد الباحثين باستقراء‬
‫لمسائل المذهب القديم‪ ،‬ولم يجد ما يؤيد صحة هذه الدعوى‪ ،‬وتوصل إلى‬

‫((( تطور الفكر األصولي عند المتكلمين‪ ،‬ألحمد الحسنات (ص‪ ،)114 -112‬والقديم والجديد‬
‫في فقه الشافعي (‪.)346 :1‬‬
‫((( انظر‪ :‬المعتمد عند الشافعية‪ ،‬لمحمد عمر الكاف (ص‪.)119‬‬
‫((( انظر‪ :‬القديم والجديد في فقه الشافعي‪ ،‬للناجي (‪.)351 :1‬‬
‫‪69‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫أن أغلب األحاديث التي بنى عليها الشافعي مذهبه كان قد أخذها قبل قدومه‬
‫لمصر‪ ،‬وأن مصادر مصر لم يكن لها تأثير ذو أهمية على مذهبه الجديد(‪.)1‬‬
‫‪2‬ـ اعتماد المذهب الجديد‪ُ :‬ر ِوي عن اإلمام الشافعي أنه قال‪ :‬ال ِ‬
‫يح ُّل‬
‫َع ُّد القديم من المذهب‪ ،‬فعلى ذلك يُ َع ُّد قوله بعد وصوله إلى مصر ـ المسمى‬
‫بالجديد ـ هو مذهبه‪ ،‬واستثنى علماء المذهب بعض المسائل التي ر َّجحوا‬
‫فيها القول بالمذهب القديم؛ قال اإلمام الرملي‪« :‬وإذا كان في المسألة قوالن‬
‫قديم وجديد‪ ،‬فالجديد هو المعمول به‪ ،‬إال في نحو سبع عشرة مسألة أُفتي‬
‫فيها بالقديم»(‪.)2‬‬
‫وبذلك يتبين أن الفتوى بالمذهب ال تستلزم أن يكون المفتى به أقوال‬
‫اإلمام الشافعي فقط‪ ،‬بل الصحيح أن المسائل المعتمدة في المذهب هي‬
‫حه علماءُ ال َمذهب من أقوال الشافعي في‬
‫أقوال الشافعي في الجديد‪ ،‬وما ر َّج َ‬
‫القديم‪ ،‬وما أضافوه من مسائل جديدة تتفق مع قواعد اإلمام الشافعي؛ قال‬
‫اإلمام النووي‪« :‬ثم إن أصحابنا أفتَوا بهذه المسائل من القديم‪ ،‬مع أن الشافعي‬
‫رجع عنه‪ ،‬فلم يبق مذهبًا له‪ ،‬هذا هو الصواب الذي قاله ال ُمح ِّققون‪ ...‬فإذا‬
‫علمت حا َل القديم‪ ،‬ووجدنا أصحابنا أفتوا بهذه المسائل على القديم ح َملنا‬
‫َ‬
‫ذلك على أنه أدّاهم اجتهادهم إلى القديم؛ لظهور دلي ِله وهم مجتهدون فأفتوا‬
‫به‪ ،‬وال يلزم من ذلك نسبته إلى الشافعي‪ ،‬ولم يقل أح ٌد من المتقدِّمين في هذه‬
‫المسائل أنها مذهب الشافعي‪ ،‬أو أنه استثناها»(‪.)3‬‬

‫((( الجديد والقديم في فقه الشافعي (‪ ،)351 :1‬و(‪.)290 :2‬‬


‫((( نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج‪ ،‬للرملي (‪.)50 :5‬‬
‫((( المجموع شرح المهذب‪ ،‬للنووي (‪.)76 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪70‬‬

‫وقد ع َّد اإلمام النووي مسائل القديم المفتى بها فوجدها (‪ )19‬مسألة‪،‬‬
‫وأوصلها العالمة محمد سليمان الكردي إلى (‪ )28‬مسألة(‪.)1‬‬
‫وقد ذهب بعض العلماء كاإلسنوي وابن ال ِفركاح إلى أن أكثر مسائل القديم‬
‫المفتى بها في المذهب هي مسائل منصوصة في المذهب الجديد ً‬
‫أيضا‪ ،‬وقد‬
‫منصوصا عليها‬
‫ً‬ ‫العلمةُ الكردي مسائل القديم المفتى بها فوجد أكثرها‬ ‫تتبَّع ّ‬
‫حه عدد من الباحثين المعاصرين(‪.)2‬‬ ‫في كتب الشافعي الجديدة‪ ،‬وهذا ما ر َّج َ‬

‫((( المجموع‪ ،‬للنووي (‪ ،)76 :1‬الفوائد المدنية فيمن يُفتَى بقوله من أئمة الشافعية‪ ،‬لمحمد بن‬
‫سليمان الكردي (ص‪.)362‬‬
‫((( نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج‪ ،‬للرملي (‪ ،)50 :5‬والفوائد المدنية‪ ،‬للكردي (ص‪،)362‬‬
‫والمعتمد عند الشافعية‪ ،‬للكاف (ص‪.)133‬‬
‫‪71‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫المبحث الثاني‬
‫عصر النقل والانتشار (‪404 -204‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬نقل المذهب الشافعي‬


‫بعد وفاة اإلمام الشافعي سنة ‪204‬هـ تولَّى طالبُه في مصر خدمة المذهب‬
‫الشافعي خلَ ًفا له لمدة عشرين‬
‫ِّ‬ ‫ونَقله‪ ،‬فتولى البويطي التدريس في حلقة اإلمام‬
‫سنة‪ ،‬ومن ث َ ّم تولى بعده ال ُمزَني التدريس‪ ،‬وتميز اإلمام ال ُمزَني بالتصنيف في‬
‫المذهب‪ ،‬وكان مما ألَّفه ال ُم َ‬
‫ختص ُر المشهو ُر باسمه‪ ،‬وقد كان أو َل مُ َ‬
‫ختصر في‬
‫المذهب‪ ،‬وعلى منواله سار الشافعية في مصنفاتهم‪.‬‬
‫وأما الربيع ال ُمرادي فقد عاش بعد اإلمام بستة وستين عا ًما‪ ،‬وكان له الدور‬
‫األكبر في ضبط مصنفات اإلمام الشافعي وروايتها ونقلها إلى أكبر عدد من‬
‫الطالب‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬انتشار المذهب الشافعي‬


‫انتشر المذهب الشافعي بداية من خالل التدريس والبحث والمناظرة‪،‬‬
‫خالفًا للمذهب الحنفي والمالكي اللذين انتشرا بجهود العلماء المحققين مع‬
‫والربيع‬
‫ِ‬ ‫رعاية الخلفاء لعلومهم وفتاواهم‪ ،‬وقد ظهر عدد من طالب ال ُمزَني‬
‫ممن كان لهم دو ٌر كبير في انتشار المذهب من أمثال(‪:)1‬‬

‫((( المعتمد عند الشافعية‪ ،‬للكاف (ص‪ ،)45-41‬والمذهب عند الشافعية (ص‪ ،)8‬والمدخل‬
‫إلى مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬للقواسمي (ص‪.)329-327‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪72‬‬
‫‪1‬ـ أبي القاسم األنماطي (ت‪288‬هـ)‪ ،‬وكان له الفضل في نشر المذهب‬
‫الجديد ببغداد‪.‬‬
‫‪2‬ـ أبي العباس بن سريج (ت‪306‬هـ)‪ ،‬ول ُ ِّقب بالباز األشهب‪ ،‬وكان من‬
‫أوائل الشافعية الذين تولَّوا القضاء في شيراز‪ ،‬وكان له الدور األكبر في نشر‬
‫مذهب الشافعية في هذه المرحلة‪.‬‬
‫شافعي في مصر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫قاض‬
‫ٍ‬ ‫‪3‬ـ أبي ُزرعةَ الدمشقي (ت‪302‬هـ) وهو أول‬
‫الشافعي إلى دمشق بعد أن تولى قضاءها‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫َب‬ ‫ِ‬
‫إدخال ال َمذه ِ‬ ‫وكان له الفضل في‬
‫األص ِّم (ت‪346‬هـ) سمع مُصنَّفات اإلمام الشافعي من‬ ‫َ‬ ‫اس‬
‫‪4‬ـ أبي العبّ ِ‬
‫الربيع ال ُمرادي‪ ،‬وبقي يروي مُصنَّفات اإلمام بعد وفاة الربيع بست وسبعين سنة‪.‬‬
‫‪5‬ـ ال َق ّفال الشاشي الكبير (ت‪365‬هـ) أخذ عن ابن ُس َريج‪ ،‬ونشر المذهب‬
‫في بالد ما وراء النهر(‪.)1‬‬
‫وهكذا انتشر مذهب الشافعية من بالد النيل إلى بالد ما وراء النهر‪،‬‬
‫باإلضافة إلى توا ُج ِده في بالد الحجاز‪ ،‬وأما شمال إفريقيا واألندلس فكانت‬
‫السطوةُ فيها لطالب اإلمام َسحنون إمام المالكية؛ حيث عملوا على تثبيت‬
‫المذهب المالكي في تلك المناطق‪ ،‬وقد انحسر وجود المذهب الشافعي في‬
‫نهاية هذه المرحلة في مصر بدخول الفاطميين إليها سنة ‪358‬هـ‪ ،‬وأصبح‬
‫وجودهم يتمركز في العراق وبالد ما وراء النهر(‪.)2‬‬

‫((( هي منطقة تاريخية وتمثل جزءًا من آسيا الوسطى‪ ،‬وتشمل أراضيها‪ :‬أوزباكستان‪ ،‬والجزء‬
‫الجنوب الغربي من كازاخستان والجزء الجنوبي من قيرغيزستان‪.‬‬
‫((( المعتمد عند الشافعية‪ ،‬للكاف (ص‪ ،)40‬والمدخل إلى مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬للقواسمي‬
‫(ص‪.)331‬‬
‫‪73‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫أبرز الخصائص والمالمح العلمية لعصر النقل واالنتشار‬


‫‪1‬ـ انتشار المذهب الجديد وانحسار المذهب القديم‪ :‬فلم يُكتُب للمذهب‬
‫القديم في العراق االستمرار بعد وفاة الزعفراني سنة ‪260‬هـ(‪.)1‬‬
‫مكنه الرجو ُع إلى مذهب‬‫ولذلك فمن أراد الرجوع إلى المذهب القديم‪ ،‬فيُ ِ‬
‫أغلب اجتهادات الشافعي‬
‫ُ‬ ‫اإلمام أحمد‪ ،‬ومذهب اإلمام مالك؛ حيث كانت‬
‫في المذهب القديم موافقةً لمذهب مالك‪ ،‬وأغلب اجتهادات أحمد موافقة‬
‫للمذهب القديم للشافعي‪.‬‬
‫رادي‬
‫‪2‬ـ االعتناء برواية مصنفات اإلمام الشافعي‪ :‬حيث يُعتَبر الربي ُع ال ُم ُّ‬
‫من أكثر أصحاب اإلمام الشافعي مصاحبةً له‪ ،‬وقد روى عنه مصنّفاته وعاش‬
‫الرحال إليه‪ ،‬وكان‬‫بست وستين سنة‪ ،‬يروي كتب الشافعي‪ ،‬وت ُ َش ُّد ِّ‬
‫بعد الشافعي ٍّ‬
‫ً‬
‫عامل مه ًّما في انتشار كتب الشافعي‪.‬‬ ‫هذا‬
‫وكان ممن سمع من المرادي اإلما ُم أبو العبّاس األصم (ت‪346‬هـ)؛‬
‫حيث سمع منه‪ ،‬ثم أصبح يروي كتب الشافعي ستًّا وسبعين سنة بعد وفاة‬
‫األثر الكبير في نشر‬
‫ال ُمرادي‪ ،‬فكان لجهد الربيع المرادي وأبي العباس األصم ُ‬
‫مذهب اإلمام الشافعي وكتبه(‪.)2‬‬
‫‪3‬ـ ظهور أصحاب الوجوه‪ :‬وهم الذين بلَغوا أهليةَ االجتهاد في المذهب‪،‬‬
‫خرجوا الوقائع والنوازل على نصوص اإلمام وأصوله‪ ،‬وكان‬ ‫فاستطاعوا أن يُ ِّ‬
‫لهم دور كبير في تنمية المذهب وإثرائه‪ ،‬واعتُبِرت أقوالُهم وجوهًا في المذهب‪،‬‬

‫((( المعتمد عند الشافعية‪ ،‬للكاف (ص‪ ،)40‬والمذهب عند الشافعية (ص‪ ،)7‬والمدخل إلى‬
‫مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬للقواسمي (ص‪.)315-312‬‬
‫((( المدخل إلى مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬للقواسمي (ص‪.)330‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪74‬‬

‫األنماطي‪ ،‬وأبو ُزرعة الدِّمشقي‪ ،‬واب ِن ُس َريج‪ ،‬وال َق ّفال الشاشي‪،‬‬


‫ّ‬ ‫ومن أبرزهم‪:‬‬
‫أصحاب الوجوه في كتابه‬
‫ِ‬ ‫كبيرا من‬
‫النووي عددًا ً‬
‫ُّ‬ ‫وغيرهم‪ ،‬وقد جمع اإلما ُم‬
‫«تهذيب األسماء واللغات»‪.‬‬
‫أبرز الكتب والمؤلفات التي ظهرت في ذلك العصر‪:‬‬
‫ناصرا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫فبعضها كان‬ ‫النقل واالنتشار؛‬
‫ِ‬ ‫تن ّوعت الكتب التي ظهرت في عصر‬
‫لمذهب الشافعي‪ ،‬ومن أبرز هذه المؤلّفات «مُ َ‬
‫ختصر ال ُمزَني» والذي أصبح‬
‫عُمدةَ الكتُب ال ُمصنّفة في المذهب‪ ،‬و«مُ َ‬
‫ختصر البُويطي»‪ ،‬والكتب التي كتبها‬
‫اإلمامُ ابن ُس َريج «الردُّ على محمد بن الحسن»‪ ،‬و«الرد على عيسى بن أبان»‪،‬‬
‫و«التقريب بين ال ُمزَني والشافعي»‪ ،‬وغير ذلك(‪.)1‬‬
‫وبعض الكتب التي أُلِّفت في هذا العصر لم تختص بمذهب اإلمام‬
‫الشافعي‪ ،‬بل ن َقلت مذاهب األئمة المجتهدين‪ ،‬وغلَب عليها الطابع االجتهادي‪،‬‬
‫ومن هذه الكتب‪« :‬اختالف الفقهاء» لإلمام محمد بن نصر المروزي‪ ،‬وكتُب‬
‫اإلمام ابن المنذر‪ :‬كتاب «األوسط في السنن واإلجماع واالختالف»‪ ،‬وكتاب‬
‫«اإلشراف على مذاهب أهل العلم» وهو ُمختَصر لكتاب األوسط‪ ،‬وكتاب‬
‫«اإلجماع» وهو أول كتاب جمع فيه المسائل الفقهية التي أجمع عليها العلماء‪.‬‬
‫وقد ظهر في هذا العصر بعض الكتب التي اعتَنَت بمر ِويّات اإلمام الشافعي‪،‬‬
‫وهي « ُمسنَد اإلمام الشافعي» ألبي العبّاس األص ِّم؛ حيث ج َمع فيها مرويات‬
‫اإلمام‪ ،‬عن تلمي ِذه الربيع المرادي‪ ،‬وقد رتَّبه ال ُمحدِّث محمد عابد السندي‬
‫«سنَن اإلمام‬ ‫(ت‪1257‬هـ)‪ ،‬ومن الكتب التي اعتنت بمرويات الشافعي ً‬
‫أيضا ُ‬
‫((( الفهرست‪ ،‬البن النديم (‪ ،)262 :1‬وجميع كتب ابن سريج غير مطبوعة‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫ِ‬
‫مرويات‬ ‫الطحاوي (ت‪321‬هـ) حيث جمع فيها‬‫ِّ‬ ‫الشافعي» لإلمام أبي جعف ٍر‬
‫اإلمام الشافعي عن خالِه ال ُمزَني‪ ،‬وقد عمل ال ُمحدِّث أحمد بن عبد الرحمن‬
‫البنّا الساعاتي (المتوفى بعد سنة ‪1371‬هـ) على جمع ه َذين الكتابَين في كتاب‬
‫والسنَن»(‪.)1‬‬
‫وترتيب ُمسنَد الشافعي ُّ‬
‫ِ‬ ‫واحد سماه «بدائع المنن في َجمع‬
‫كتاب «محاسن‬
‫ُ‬ ‫أبرز الكت ُِب المتميِّزة التي ظهرت في هذا العصر‬ ‫ومن َ‬
‫الشريعة»(‪ )2‬لل َق ّفال الكبير(‪ ،)3‬ويُعتبَر أول كتاب في مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫أبرز العلماء الذين ظهروا في عصر االنتشار‪:‬‬
‫تميّزت هذه المرحلة بوجود عدد من علماء الشافعية ممن بلغ درجةَ‬
‫االجتهاد ال ُمطلَق‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫وحافظ ول ُ ٌّ‬
‫غوي‪ ،‬درس‬ ‫ٌ‬ ‫‪1‬ـ أبو عبيد القاسم بن َس ّلم (ت‪256‬هـ) إمام‬
‫على اإلمام الشافعي واستق َّل باالجتهاد‪ِ ،‬من أبر ِز ُكتُبه «األموال» و«غريب‬
‫الحديث»‪.‬‬
‫‪2‬ـ داود الظاهري (ت‪270‬هـ) إمام وفقيه‪ ،‬تف َّقه على مذهب اإلمام‬
‫خر َج بمذهب الظاهرية‪.‬‬
‫الشافعي‪ ،‬ثم َ‬
‫‪3‬ـ محمد بن نصر ال َمروزي (ت‪294‬هـ) إمام وحافظ وفقيه‪ ،‬من أشهر‬
‫ُكتُبه «اختالف الفقهاء»‪.‬‬
‫‪4‬ـ محمد بن إسحاق بن ُخزَيمة (ت‪311‬هـ) إمام حافظ فقيه‪ ،‬صنَّف‬
‫كتاب «صحيح ابن ُخزَيمة»‪.‬‬
‫َ‬
‫((( الكتاب مطبوع‪.‬‬ ‫((( الكتاب مطبوع‪.‬‬
‫((( محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي‪ ،‬القفال‪ ،‬أبو بكر‪ :‬من أكابر علماء عصره بالفقه والحديث‬
‫واللغة واألدب‪ .‬من أهل ما وراء النهر‪ .‬توفِّي ‪365‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)274 :6‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪76‬‬
‫‪5‬ـ محمد بن إبراهيم بن المنذر (ت‪318‬هـ) ُع ِرف بإمامته في الفقه والحديث‪،‬‬
‫وبل َغ درجةَ االجتهاد‪ ،‬من أشهر كتبه‪« :‬اإلجماع»‪.‬‬
‫مفسر ومؤ ِّرخ وفقيه‪ ،‬ل ُ ِّقب بإمام‬
‫‪6‬ـ ابن جرير الطبَري (ت‪310‬هـ) ِّ‬
‫فسرين‪ ،‬من أشهر كتُبه‪« :‬جامع البيان في تأويل القرآن» و«تهذيب اآلثار»‪.‬‬
‫ال ُم ِّ‬
‫كما ظهر عدد من كبار العلماء من الذين تف َّقهوا على المذهب الشافعي‪،‬‬
‫ومنهم‪:‬‬
‫‪1‬ـ محمد بن عيسى التِّرمذي (ت‪279‬هـ) إمام في الحديث‪ِ ،‬من أش َهر‬
‫ُكتُبه «الجامع» المعروف ُ‬
‫بسنَن التِّرم ِذي‪.‬‬
‫‪2‬ـ عبد الرحمن بن أبي حاتم (ت‪327‬هـ) إمام حافظ حجة‪ ،‬صنَّف كتاب‬
‫«الجرح والتعديل» و«التفسير ال ُمسنَد»‪.‬‬
‫‪3‬ـ أبو حاتم بن حبان (ت‪354‬هـ) إمام حافظ‪ ،‬من أشهر كتبه‪« :‬صحيح‬
‫ابن ِحبّان» و«الثقات» و«التفسير»‪.‬‬
‫فس ٌر ولُغ ِو ٌّ‬
‫ي‪ ،‬صنَّف كتاب‬ ‫‪4‬ـ أبو منصور األزهري (ت‪370‬هـ) إمامٌ ومُ ِّ‬
‫«التهذيب في اللغة» و«التفسير»‪.‬‬
‫الحسن الدارقطني (ت‪385‬هـ) أمير المؤمنين في الحديث‪ ،‬من‬
‫َ‬ ‫‪5‬ـ أبو‬
‫أشهر ُكتُبه‪« :‬ال ِعلَل»‪.‬‬
‫خ ّطابي (ت‪388‬هـ) حافظ وفقيه‪ ،‬من أشهر كتُبه‪« :‬معالم‬
‫‪6‬ـ أبو سليمان ال َ‬
‫السنن»‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫المبحث الثالث‬
‫عصر الاستقرار والثبات (‪505 – 404‬هـ)‬

‫يستقر ويثبُت في هذه المرحلة بسبب كثرة‬


‫َّ‬ ‫استطاع المذهب الشافعي أن‬
‫العلماء الذين حملوا لِواء المذهب وأكثروا من التصنيف فيه‪ ،‬وبسبب تبنِّي‬
‫السلطات الحاكمة للمذهب وفرضه رسميًّا في القضاء واإلفتاء ومناصب‬
‫التدريس‪ ،‬ومن أهم الحكام الذين آزروا انتشار المذهب الشافعي(‪:)1‬‬

‫‪1‬ـ السلطا ُن ال َغزنوي محمود بن ُسبكتِكين(‪( )2‬ت‪421‬هـ)‪ ،‬وهو إمام‬


‫ب الحديث‪ ،‬ثم تح َّول‬ ‫الحرمين أنه كان حنفيًّا ِ‬
‫يح ُّ‬ ‫َ‬ ‫عادل‪ ،‬فاتح الهند‪ ،‬ذ َك َر إما ُم‬
‫شافعيًّا بعد أن قابَل ال َق ّفال الصغير‪.‬‬

‫‪2‬ـ الخليفة العباسي القادر باهلل (ت‪422‬هـ) وهو أول خليفة عباسي‬
‫َب بالمذهب الشافعي‪ ،‬وبقي خليف ًة أكثر من أربعين عا ًما مما ساعَد في‬
‫تمذه َ‬
‫دع ِم الحركة الفقهي ِة الشافعية خالل فتر ِة ُحك ِمه‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬المعتمد عند الشافعية‪ ،‬للكاف (ص‪ ،)47-46‬والمدخل إلى مذهب اإلمام الشافعي‪،‬‬
‫للقواسمي (ص‪.)347-345‬‬
‫((( محمد بن سبكتكين الغزنوي (‪421-361‬هـ= ‪1030-971‬م) السلطان يمين الدولة أبو القاسم‬
‫ابن األمير ناصر الدولة أبي منصور‪ :‬فاتح الهند‪ ،‬وأحد كبار القادة‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي‬
‫(‪.)171 :7‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪78‬‬

‫‪3‬ـ الوزير السلجوقي نِظام ال ُملك(‪485( )1‬هـ) تولى الوزارة لثالثين عامًا‪،‬‬
‫مدارسه في‬
‫ُ‬ ‫العصر الذهبي للمذهب الشافعي‪ ،‬حيث اتسعَت‬
‫َ‬ ‫عصره‬
‫ُ‬ ‫ويُعتَبر‬
‫وس ِّميَت بالمدارس النظامية‪ ،‬منها المدرسة النظامية‬
‫كبرى ال ُمدُن اإلسالمية‪ُ ،‬‬
‫ببغدادَ‪ ،‬والتي درس فيها اإلمام أبو إسحاق الشيرازي (ت‪467‬هـ)‪ ،‬والمدرسة‬
‫ج َويني (ت‪478‬هـ)‪.‬‬
‫النظامية بنيسابور(‪ ،)2‬والتي درس بها إمام الحرمين ال ُ‬
‫‪4‬ـ السلطان شمس الملك(‪( )3‬ت‪492‬هـ) وكان مل ًكا لبال ِد ما وراء نهر‬
‫أثر في تمكين علما ِء الشافعية من نَش ِر مَذ َهبِهم في‬
‫َجيحون ‪ ،‬وكان لتمذ ُهبِه ٌ‬
‫(‪)4‬‬

‫تلك المناطق‪.‬‬
‫أبرز الخصائص والمالمح العلمية لعصر االستقرار والثبات‪:‬‬
‫‪1‬ـ ظهور المدرسة العراقية والمدرسة الخراسانية داخل المذهب‪:‬‬
‫نشأت في هذه المرحلة مدرستان عظيمتان داخل المذهب الشافعي‪،‬‬
‫ُس ِّميَت األولى بمدرسة العراقيين‪ ،‬والثانية بمدرسة الخراسانيين‪.‬‬
‫(‪)5‬‬‫تأسـست عـلى يد اإلمـام أبي حـامد اإلسفراييني‬
‫فمدرسـة العراقيِّـين َّ‬
‫((( الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي (‪485 - 408‬هـ = ‪1092 - 1018‬م)‪ ،‬أبو علي‪ ،‬ال ُمل َّقب‬
‫بقوام الدين‪ ،‬نظام الملك‪ ،‬وزير حازم عالي الهمة‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)202 :2‬‬
‫((( مدينة شمال شرق إيران تابعة لمقاطعة خراسان‪.‬‬
‫((( نصر بن إبراهيم بن نصر‪ ،‬السلطان شمس الملك (ت‪492‬هـ = ‪1099‬م)‪ ،‬صاحب ما وراء‬
‫النهر‪ ،‬وكان من أفاضل الملوك عل ًما ورأيًا وسياسة‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)22 :8‬‬
‫((( ينبع هذا النهر من جبال بامير في آسيا الوسطى‪ ،‬وقد ُع ِرف النهر بالحد الفاصل بين كل من‬
‫أفغانستان وطاجكستان وأوزبكستان‪.‬‬
‫((( أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد اإلسفراييني‪ ،‬من أعالم الشافعية‪ .‬ولد في إسفرايين =‬
‫‪79‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫(ت‪406‬هـ)‪ ،‬واشتهر فيها القاضي أبو الطيب الطبَري(‪( )1‬ت‪450‬هـ) واإلمام‬


‫أبو الحسن الما َوردي(‪( )2‬ت‪450‬هـ) (‪.)3‬‬
‫ومدرسة الخراسانيين تأسست على يد اإلمام أبي بكر ال َمروزي(‪ )4‬ال َمشهور‬
‫بال َق ّفال الصغير (ت‪417‬هـ)‪ ،‬واشتهر فيها اإلمام أبو محمد ال ُج َويني(‪( )5‬ت‪438‬هـ)‪،‬‬
‫والقاضي ُح َسين(‪( )6‬ت‪462‬هـ) (‪.)7‬‬

‫= (بالقرب من نيسابور) ورحل إلى بغداد‪ ،‬فتفقه فيها‪ ،‬وعظمت مكانته‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي‬
‫(‪.)211 :1‬‬
‫((( أبو الطيّب طاهر بن عبد اهلل بن طاهر الطبري‪ ،‬قاض‪ ،‬من أعيان الشافعية‪ .‬ولد في آمل‬
‫طبرستان‪ ،‬واستوطن بغداد‪ ،‬وولي القضاء بربع الكرخ‪ ،‬وتوفي ببغداد‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪،‬‬
‫للزركلي (‪.)222 :3‬‬
‫((( علي بن محمد حبيب‪ ،‬أبو الحسن الماوردي‪ ،‬أقضى قضاة عصره‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي‬
‫(‪.)327 :4‬‬
‫((( انظر‪ :‬المدخل إلى مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬للقواسمي (ص‪ ،)346-345‬والمذهب عند‬
‫الشافعية (ص‪.)9‬‬
‫شافعي‪ ،‬كان وحيد زمانه فق ًها وحف ًظا‬‫ّ‬ ‫((( عبد اهلل بن أحمد المروزي‪ ،‬أبو بكر القفال‪ ،‬فقيه‬
‫وزهدًا‪ .‬وكانت صناعته عمل األقفال قبل أن يشتغل في الفقه‪ ،‬و ُربّما قيل له‪« :‬ال َق ّفال‬
‫الصغير» للتمييز بينه وبين ال َق ّفال ّ‬
‫الشاشي‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)66 :44‬‬
‫((( أبو محمد عبد اهلل بن يوسف بن محمد بن حيّويه الجويني‪ ،‬من علماء التفسير واللغة والفقه‪.‬‬
‫وهو والد إمام الحرمين الجويني‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)146 :4‬‬
‫((( الحسين بن محمد بن أحمد القاضي‪ ،‬أبو علي المروذي‪ ،‬صاحب التعليقة المشهورة في‬
‫اصا في الدقائق‪ ،‬من الصحاب الغر الميامين‪ ،‬وكان يُل َّقب ب َ‬
‫حبر‬ ‫كبيرا غ ّو ً‬
‫المذهب‪ ،‬كان ً‬
‫األمة‪ .‬انظر‪ :‬طبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة (‪.)244 :1‬‬
‫((( انظر‪ :‬المدخل إلى مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬للقواسمي (ص‪ ،)347-346‬والمذهب عند‬
‫الشافعية (ص‪.)9‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪80‬‬

‫وقد اختلف الباحثون في تحديد طبيعة االختالف بين المدرستين‪ ،‬والراجح‬


‫أن منشأ االختالف بينهما يرجع إلى اختالف الرواية عن اإلمام الشافعي‪،‬‬
‫وحكاية األقوال والوجوه في المذهب‪ ،‬وطريقة التصنيف والترتيب للمذهب‪،‬‬
‫وبيان ذلك أن المذهب الشافعي انتشر في العراق وخراسان‪ ،‬وصار لكل مدرسة‬
‫شيوخ وتالميذ‪ ،‬وامتد العمر الزمني لكل مدرسة فصار للتالميذ تالميذ آخرون‬
‫وهكذا‪ ،‬ومع تباعد المسافات المكانية بين المدرستين‪ ،‬ومرور األزمان‪ ،‬وكثرة‬
‫التدوين والمراجعة‪ ،‬ظهر أن ما يحكيه الخراسانيون ـ في نقل المذهب وحكاية‬
‫أقواله ووجوهه ـ في مجالسهم العلمية ومؤلَّفاتهم يختلف عما يحكيه العراقيون‬
‫في بعض المسائل‪ ،‬فصار الفقهاء بعد ذلك يقولون‪ :‬طريقة أصحابنا العراقيين‬
‫وطريقة أصحابنا الخراسانيين‪ ،‬وظل لهاتين المدرستَين وجود في كتب المذهب‬
‫حتى بدأ باالنحسار والتالشي مع بداية عصر التنقيح والتحرير(‪.)1‬‬

‫((( انظر‪ :‬مقدمة الدكتور عبد العظيم الديب على كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب‬
‫إلمام الحرمين‪ ،‬المقدمة (ص‪ ،)149-147‬والشكل ال ُمرفَق مأخوذ من مقدمة الدكتور‬
‫عبد العظيم على كتاب النهاية‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫أعالم طريقتي الفقه الشافعي ثم الجمع بين الطريقتين‬

‫العراقيون‬ ‫الخراسانيون‬

‫الشيخ أبو حامد اإلسفراييني ت‪406‬هـ رأس طريقة العراقيين‬ ‫القفال الصغير المروزي‪ ،‬أبو بكر عبداهلل بن أحمد ت‪417‬هـ‬
‫تبعه جماعة ال يحصــون عدًّا أشهرهم‪:‬‬ ‫شيخ طريقة الخراسانيين ومن أشهرهم‪:‬‬
‫‪1‬ـ الماوردي ‪ :‬القاضي أبو الحسن علي بن حبيب ت‪450‬هـ‬ ‫‪1‬ـ أبو محمد الجويني ت‪ 438‬هـ‬
‫‪2‬ـ القاضي أبو الطيب الطبري‪ :‬طاهر بن عبد اهلل بن طاهر‬ ‫‪2‬ـ الفوراني‪ :‬أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد ين فوران‬
‫ت ‪ 450‬هـ‬ ‫ت‪461‬هـ‬
‫‪3‬ـ القاضي أبو علي البندنيجي‪ :‬الحسن بن عبد اهلل ت‪425‬هـ‬ ‫‪3‬ـ القاضي حسين‪ :‬الحسين بن محمد بن أحمد أبو علي‬
‫‪4‬ـ المحاملي‪ :‬أبو الحسن‪ :‬أحمد بن محمد بن أحمد بن‬ ‫المروزي ت‪462‬هـ‬
‫القاسم المحاملي‪ ،‬ت‪415‬هـ‬ ‫‪4‬ـ الشيخ أبو علي السنجي‪ :‬الحسين بن شعيب المروزي‬
‫‪5‬ـ سليم الرازي‪ :‬أبو الفتح‪ :‬سليم بن أيوب الرازي ت‪447‬هـ‬ ‫السنجي ت ‪427‬هـ وقيل ‪430‬هـ‬
‫‪6‬ـ أبو إسحاق الشيرازي ت‪476‬هـ‬ ‫‪5‬ـ المسعودي‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن عبد الملك بن المسعود‬
‫‪7‬ـ القاضي أبو علي الفارقي‪ :‬الحسن بن إبراهيم ت‪528‬هـ‬ ‫ابن أحمد المروزي توفي سنة نيف وعشرين وأربع مئة هـ‬
‫‪8‬ـ ابن أبي عصرون‪ :‬أبو سعد عبد اهلل بن محمد بن هبة اهلل‬ ‫‪6‬ـ إمام الحرمين ‪ :‬عبد الملك عبد اهلل بن يوسف الجويني‬
‫ابن علي الموصلي ت‪585‬هـ‬ ‫ت‪478‬هـ‬

‫من جمع بين الطريقتين‬


‫هؤالء عراقيون جمعوا بين الطريقتين‬

‫هؤالء خراسانيون جمعوا بين الطريقتين‬

‫‪1‬ـ أبو إسحاق الشيرازي (ت‪)476‬‬ ‫‪1‬ـ الشيخ أبو علي السنجي (ت‪ 427‬هـ)‬
‫‪2‬ـ ابن الصباغ صاحب الشامل (ت‪)477‬‬ ‫‪2‬ـ أبو عبد اهلل الحليمي (ت ‪ 403‬هـ)‬
‫‪3‬ـ الروياني صاحب البحر (ت‪)502‬‬ ‫‪3‬ـ المتولي صاحب التتمة (ت ‪ 448‬هـ)‬
‫‪4‬ـ القفال الشاشي صحاب الحلية (ت‪)505‬‬ ‫‪4‬ـ إمام الحرمين (ت ‪ 478‬هـ)‬
‫‪5‬ـ الكيا الهراسي (ت ‪)504‬‬
‫‪6‬ـ أبو حامد الغزالي (ت ‪)505‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪82‬‬

‫‪2‬ـ بداية ظهور جهود التحرير والتنقيح للمذهب‪:‬‬


‫ظهر في أواخر هذه المرحلة عدد من العلماء الذين اهتموا بالجمع بين‬
‫المدرستين‪ ،‬وش ّكلت جهودُهم في ذلك مرحلةً مم ِّهدة لتحرير المذهب‬
‫وتنقيحه‪ ،‬ويُعنى بتحرير المذهب ونَخل مصنَّفات أئمته وشيوخه‪ ،‬وبيان ما هو‬
‫نسب إليه‪ ،‬ويتميز عن غيره من‬ ‫يصح أن يُ َ‬
‫َّ‬ ‫موافق لقول الشافعي وأصولِه‪ ،‬حتى‬
‫نسب إلى الشافعي‪ ،‬وتُعتبر مذهبًا له(‪.)1‬‬ ‫يصح أن ت ُ َ‬
‫ُّ‬ ‫الوجوه واالجتهادات التي ال‬
‫ومن أبرز هؤالء العلماء الذين م َّهدوا لمرحلة تحرير المذهب‪ :‬اإلمام‬
‫ج َويني (ت‪478‬هـ)‪،‬‬ ‫الحر َمين ال ُ‬
‫َ‬ ‫الشيرازي(‪( )2‬ت‪467‬هـ)‪ ،‬وإمام‬‫أبو إسحاق ِّ‬
‫جة اإلسالم أبو حامد الغزالي (‪505‬هـ)‪ ،‬وكان لهؤالء األعالم الي ُد الطولَى‬ ‫و ُح ّ‬
‫في تنقيح المذهب وإعادة ترتيبه في هذا العصر‪.‬‬
‫‪3‬ـ اعتماد فقهاء الشافعية على «مختصر ال ُمزَني»‪ :‬وهو أول مختصر في‬
‫أساسا لجميع‬
‫ً‬ ‫المذهب الشافعي‪ ،‬وقد اعتنى به علماء المذهب حتى صار‬
‫الكتب التي أُلِّفت بعدَه؛ قال اإلمام أبو شامة المقدسي‪« :‬كان العلماء من قُدَماء‬
‫أصحابنا يعتنون بـ«مختصر المزني» وبسببه َس ُهل تصحيح مذهب الشافعي على‬
‫ُط ّلبه في ذلك الزمان‪ ،‬وس ِمعه عند ال ُمزَني خلق عظيم من الغرباء‪ ،‬ورحل إليه‬
‫ُب ال ُم َط َّولة في مذهب‬
‫بسببه وامتألت بن ُ َس ِخه البُلدان‪ ،‬وعلى ترتيبِه ُو ِضعت الكت ُ‬
‫الشافعي»(‪.)3‬‬

‫((( انظر‪ :‬مقدمة الدكتور عبد العظيم الديب على كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب إلمام‬
‫الحرمين‪ ،‬المقدمة (ص‪.)153‬‬
‫((( أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي‪ ،‬العالمة المناظر‪ .‬انظر‪:‬‬
‫األعالم‪ ،‬للزركلي(‪.)51 :1‬‬
‫((( انظر‪ :‬مختصر المؤمل في الرد إلى األمر األول‪ ،‬ألبي شامة المقدسي‪( ،‬ص‪.)67‬‬
‫‪83‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪4‬ـ قلّة أصحاب الوجوه في هذا العصر‪ :‬يُال َحظ أ ّن العلماء الذين بلغوا درجة‬
‫أصحاب الوجوه قد قَلوا في هذه المرحلة مقارنة بالمرحلة السابقة؛ فقد نقل‬
‫الرفعة عن ال َق ّفال الصغير أنه ذكر أن صفة أصحاب الوجوه في زمنه أع ُّز‬
‫اإلمامُ ابن ِّ‬
‫الكبريت األحمر‪ ،‬بمعنى أنها توجد في أصحاب ال َمذهَب إال أنّها قليلة(‪.)1‬‬
‫من ِ‬
‫ومن الذين بلغوا هذه الدرجة في هذا العصر اإلمام أبو حامد اإلسفراييني‪،‬‬
‫واإلمام ال َق ّفال الصغير‪ ،‬وطالبُهما‪ :‬كالقاضي ُح َسين‪ ،‬والقاضي أبو الطيِّب‬
‫جة اإلسالم‬ ‫الحر َمين‪ ،‬و ُح ّ‬
‫َ‬ ‫ج َويني‪ ،‬وابنُه إما ُم‬
‫الطبَري‪ ،‬واإلمام أبو محمد ال ُ‬
‫الغزالي‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫أبرز الكتب والمؤلفات التي ظهرت في ذلك العصر‪:‬‬
‫تميَّزت هذه المرحلة بظهور الموسوعات الفقهية التي ُعنِيت باالستدالل‬
‫للمذهب والرد على أدلة المذاهب األخرى ومناقشتها‪ ،‬ككتاب «الخالفيات‬
‫بين اإلمامين الشافعي وأبي حنيفة» للحافظ أبي بكر البَيهقي (ت‪458‬هـ)‪،‬‬
‫وكتاب «نهاية ال َمطلَب في دراية ال َمذهَب» إلمام الحرمين (ت‪478‬هـ)‪،‬‬
‫وكتاب «الحاوي الكبير» لإلمام الما َوردي (ت‪450‬هـ)‪ ،‬وكتاب «تحصين‬
‫اإلسالم الغزالي (ت‪505‬هـ)‪ ،‬وكتاب «التهذيب في فقه اإلمام‬
‫ِ‬ ‫المآخذ» لحج ِة‬
‫الشافعي» لإلمام البغوي (ت‪ 516‬هـ)‪.‬‬
‫أيضا هذه المرحلة بظهور طريقة المتكلِّمين في أصول الفقه‪،‬‬‫وتميَّزت ً‬
‫جردة عن الفروع الفقهية‪،‬‬
‫والتي اعتنت بتقرير القواعد والمسائل األصولية ُم َّ‬
‫((( اتجاهات فقهاء الشافعية في تحديد أصحاب الوجوه دراسة أصولية تحليلية‪ ،‬لرائد أبو مؤنس‬
‫وعبد الرحمن المطاوعة‪ ،‬مجلة الميزان‪ ،‬جامعة العلوم اإلسالمية العالمية‪2018 ،‬م‪،‬‬
‫(ص‪.)24‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪84‬‬
‫قهي بعَينِه‪ ،‬وظهر‬
‫لمذهب فِ ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫مع اإلكثار من االستدالالت العقلية من غير اعتبار‬
‫في هذه المرحلة العديد من الكتُب األصولِيّة أه ُّمها‪ :‬كتابا «اللُّ َمع» و«التبصرة»‬
‫لإلمام أبي إسحاق الشيرازي (ت‪467‬هـ)‪ ،‬و«البرهان» إلمام الحرمين‬
‫الجويني(ت ‪478‬هـ)‪ ،‬و«المستصفى» لحجة اإلسالم الغزالي(ت ‪505‬هـ)‪.‬‬
‫ومن الكتب المتميزة التي ظهرت في هذا العصر كتاب «معرفة السنن‬
‫واآلثار» للحافظ البَيهقي؛ حيث يُعتبَر الكتاب موسوعة حديثيةً‪ ،‬ج َمع فيها‬
‫مؤل ِّ ُفها جمي َع األحاديث واآلثار التي استدل بها اإلمام الشافعي مرتَّبة على‬
‫ختصر ال ُمزني»‪ ،‬ثم أتبعها بالمتابَعات والشواهد‪ ،‬وح َكم على هذه‬
‫أبواب « ُم َ‬
‫ِ‬
‫يهقي ً‬
‫أيضا‬ ‫ُ‬
‫الحافظ البَ ُّ‬ ‫بيان لل ِعلَل‪ ،‬وقد ع ِمل‬
‫ح ِة أو الضعف مع ٍ‬
‫الروايات بالص ّ‬
‫على جمع أقوال اإلمام الشافعي في التفسير من كتبه وأخرجها بأساني َد يرويها‬
‫عنه ُمرتَّبة على األبواب الفقهية في كتاب «أحكام القرآن»‪.‬‬
‫ومن الكتب المتميِّزة ً‬
‫أيضا كتاب «إحياء علوم الدين» لحجة اإلسالم الغزالي‪،‬‬
‫وهو موسوعة عظيمةٌ مزج فيها مؤل ِّ ُفها معاني التصوف ودقائقه باألحكام‬
‫والضوابط الفقهية‪ ،‬وقد مثَّل هذا الكتاب ثورةً في إحياء العلوم اإلسالمية‪.‬‬
‫أبرز العلماء الذين ظهروا في عصر االنتشار‪:‬‬
‫تميزت هذه المرحلة بظهور عدد من كبار العلماء الذين تمذهبوا ب َمذهَب‬
‫فسرين وال ُمحدِّثين واألصوليين‪ ،‬و ِمن أبرزهم‪:‬‬
‫الشافعي من ال ُم ِّ‬
‫ِّ‬
‫يهقي (ت‪458‬هـ) إمام وحافظ وفقيه‪ ،‬من أبرز ُكتُبه «السنن‬‫‪1‬ـ أبو بكر البَ ُّ‬
‫الكبرى» و«معرفة السنن واآلثار»‪.‬‬
‫‪2‬ـ الخطيب البغدادي (ت‪463‬هـ) إمام‪ ،‬وحافظ‪ ،‬وفقيه‪ ،‬من أبرز كتبه‬
‫«تاريخ بغداد»‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪3‬ـ أبو القاسم ال ُق َشيري (ت‪465‬هـ) إمام‪ ،‬وفقيه‪ ،‬ومُ ِّ‬


‫فسر‪ ،‬من أبرز كتُبه‬
‫«تفسير لطائف اإلشارات» و«الرسالة ال ُق َشيرية في التص ُّوف»‪.‬‬
‫‪4‬ـ أبو نُعَيم األصفهاني (ت‪430‬هـ) إمام‪ ،‬وحافظ‪ ،‬من أبرز ُكتُبه «حلية‬
‫األولياء»‪.‬‬
‫فسر ومُتكلِّم‪ ،‬من أبرز ُكتُبه‬
‫‪5‬ـ عبد القاهر البغدادي (ت‪429‬هـ»‪.‬إمام ومُ ِّ‬
‫«التفسير» و«ال َفرق بين ال ِف َرق»‪.‬‬
‫فسر‪ ،‬من أبرز ُكتُبه «التفسير‬
‫‪6‬ـ أبو الحسن الواحدي (ت‪468‬هـ) إمام ومُ ِّ‬
‫البسيط» و«التفسير الوسيط» و«التفسير الوجيز»‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪86‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫عصر التحرير والتنقيح (‪676 -505‬هـ)‬

‫صر وبالد الشام‪،‬‬ ‫الشافعي إلى ِم َ‬


‫ِّ‬ ‫المذهب‬
‫ِ‬ ‫تميَّزت هذه المرحلة بعودة‬
‫ورعاية الدولة األيوبية له؛ حيث كان السلطان صالح الدين األيوبي (ت‪589‬هـ)‬
‫شافعي المذهب‪ ،‬وكانت سيرتُه مشابهةً لسيرة سلَ ِفه الوزي ِر نِظام ال ُملك‪ ،‬فأعاد‬
‫َّ‬
‫منصب قاضي القضاة ل ُف َقهاء‬‫َ‬ ‫السنّي‪ ،‬وجعل‬‫إحياء مصر والشام بالمنهج ُّ‬
‫الشافعية‪ ،‬وبنى مدارس كثيرة لتدريس الفقه الشافعي‪ ،‬وخاصة بعد انحسار‬
‫وجوده في بالد ما وراء النهر وفارس؛ بسبب ضعف دولة السالجقة التي‬
‫كانت تتبنَّى المذهب الشافعي‪ ،‬وبسبب الغز ِو ال َمغولي الغاشم الذي قضى‬
‫على المراك ِز ال ِعل ِميّة والحضارية(‪.)1‬‬
‫أبرز الخصائص والمالمح العلمية لعصر التحرير والتنقيح‪:‬‬
‫األصحاب‬
‫ِ‬ ‫‪1‬ـ تركزت جهود العلماء في تحرير أقوال الشافعي ووجوه‬
‫والترجيح بينها‪:‬‬
‫ظهرت الحاجة إلى تنقيح المذهب من األقوال الضعيفة والمرجوحة‪،‬‬
‫وتحرير القول المعتمد؛ بسبب كثرة ال ُمصنَّفات التي كتبها علماء الشافعية خالل‬
‫العصور المتقدمة‪ ،‬واتساع الرقعة الجغرافية‪ ،‬مما سبَّب صعوبة االتصال بين‬

‫((( المدخل إلى مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬للقواسمي (ص‪.)368‬‬


‫‪87‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫مؤلِّفيها‪ ،‬واحتواء هذه ال ُمصنَّفات على عدد من األقوال المرجوحة المخالفة‬


‫الشافعي‪ ،‬وبروز الحاجة‬
‫ّ‬ ‫ألصول المذهب‪ ،‬وبسبب تبني الدولة األيوبية للمذهب‬
‫إلى تنظيم اإلفتاء والقضاء؛ لتضييق دائرة الخالف في ال َمذهَب الواحد(‪.)1‬‬

‫األعالم بتحري ِر ال َمذهَب والترجيح بين األقوال‬


‫ِ‬ ‫فقام عددٌ من األئ ّمة‬
‫واألوجه‪ ،‬وهذه المهمة تحتاج لمراجعة ُمصنَّفات ال َمذهَب خالل أربعة قرون‪،‬‬
‫والنووي‪ ،‬فأصبحا عُمدةَ مَن‬
‫ّ‬ ‫الرافعي‬
‫ُّ‬ ‫وأحسن من قام بهذه المهمة اإلمامان‪:‬‬
‫مر بها ال َمذهب‪،‬‬
‫جاء بعدهما من علماء الشافعية‪ ،‬ويعتبر هذا العصر أهم مرحلة َّ‬
‫والنووي في اإلفتاء‪ ،‬والتدريس‪ ،‬والتأليف‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الرافعي‬
‫ِّ‬ ‫حيث تم االعتماد على كتب‬
‫واالختصار‪ ،‬والتهذيب‪ ،‬مما أدى إلى العزوف عن الكتب ال ُمصنَّفة قبلَهما‪،‬‬
‫التوسع والمراجعة والبَحث فقط‪ ،‬ولم يعُد‬
‫ُّ‬ ‫واقتصر دور تلك الكتب السابقة في‬
‫االعتمادُ ال ُكلِّ ُّي عليها في بيان ال ُمعت َمد في المذهب‪.‬‬

‫‪2‬ـ تميُّز اإلمامين الرافعي والنووي في تحرير المذهب وتنقيحه‪ :‬تميز‬


‫الرافعي بشدة احترا ِزه في النقل؛ فكان ال يَ ِ‬
‫نسب كالمًا إلى أحد إال إذا‬ ‫ُّ‬ ‫اإلمام‬
‫رآه في كالمه‪ ،‬كما تميَّز بشدة احترا ِزه في الترجيح‪ ،‬فكان يقول تارة‪« :‬ظاهر‬
‫«األصح عند األكثرين كذا»‪ ،‬وتارةً يقول‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫يص ُّح»‪ ،‬ويقو ُل تارة‪:‬‬
‫المذهب أنه ال ِ‬
‫األحب كذا‪ ،‬أو األشبه‪ ،‬أو األمثل‪ ،‬ونحو ذلك من العبارات التي تد ُّل على‬
‫الترجيح من عنده‪ ،‬وتارة يُستع َمل ينبغي وال ينبغي ونحوها من العبارات‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫يضع مصطلحات مُحدَّدة للترجيح‪.‬‬‫الرافعي لم َ‬
‫َّ‬ ‫الواسعة في الترجيح‪ ،‬ولكن‬

‫((( المعتمد عند الشافعية‪ ،‬للكاف (ص‪ ،)52‬والمدخل إلى مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬للقواسمي‬
‫(ص‪.)373‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪88‬‬

‫وأما اإلمام النووي فقد تركزت جهودُه في التنقيح والتحرير لكتُب الفقه‬
‫«محرر المذهب»؛‬
‫ِّ‬ ‫المعت َمدة في التدريس والفتوى في زمنه‪ ،‬حتى استح َّق لقب‬
‫ِ‬
‫وتنقيحه بشكل كلي‬ ‫بسبب الجهود العظيمة التي قام بها في تحري ِر ال َمذهب‬
‫واستقرائي‪ ،‬وهو الذي وضع اصطالحات دقيقة للترجيح بين األقوال واألوجه‬
‫مراتب الخالف ق ّوةً وضع ًفا(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫وميَّز بين‬
‫قال اإلمام تاج الدين السبكي‪« :‬اعلم أن المتقدِّمين لم يكن شوقُهم إلى‬
‫الترجيح في الخالف‪ ،‬وال اعتنوا ببيان الصحيح‪ ،‬وسبب ذلك أن العلم كان‬
‫كثيرا‪ ،‬وكان ُك ٌّل عند ال ُفتيا يفتي بما يؤدِّي إليه ن َظ ُره‪ ،‬وقد يؤدِّي ُ‬
‫نظره اليوم‬ ‫ً‬
‫مستقرا على شيء لتضلُّ ِعهم‬
‫ًّ‬ ‫األمر عنده‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫خالف ما أدى إليه أمس‪ ،‬فما كان‬ ‫إلى‬
‫بالعلم‪ ،‬فمن ثم ما كان المصنِّفون يلتفتون إلى تصحيحاتهم‪ ،‬بل يشتغلون عن‬
‫الترجيح بذكر المآخذ وفتح أبواب االستنباط والمباحث من غير اعتناء بما هو‬
‫األرجح‪ ،‬إنما كل ينظر لنفسه‪ ،‬فلَ ّما ق َّل العلم وأشرف على التبدُّد واحتيج إلى‬
‫ضرب من التقليد‪ ،‬وأن الفقيه يتَّبِع َمن هو أفقه منه وإن تشاركا في أصل النظر‬
‫اعتُنِي بالراجح‪ ...‬ولم يزالوا كذلك حتى ظهر كتاب الرافعي‪ ،‬ثم زاد عليه‬
‫النووي زيادة جيدة‪ ،‬وكان قصدُهما رحمهما اهلل إرشاد الخلق‪ ،‬واإلتيان بما‬
‫يناسب الزمان‪.‬‬
‫إن قصور الناس عن العلم أوجب أن يقيم اهلل تعالى َمن يُبيِّن لهم الراجح‬
‫ليقفوا عنده فأقام الرافعي والنووي‪ ،‬وما في المتأخرين ـ إن شاء اهلل ـ أفقه منهم‪،‬‬
‫أكثر من شوقه إلى التف ُّقه والتخريج‪ ،‬وشوق‬ ‫وكان شوق النووي إلى الترجيح َ‬
‫((( انظر‪ :‬المعتمد عند الشافعية‪ ،‬للكاف (ص‪.)205‬‬
‫‪89‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫الغالب عليه شوقُه إلى الترجيح»(‪ .)1‬وبناء على‬


‫َ‬ ‫الرافعي إليهما جميعًا‪ ،‬لك ّن‬
‫ذلك فيمكن استنتاج أسباب اعتماد جهود الشيخين في اآلتي‪:‬‬
‫‪1‬ـ انتشار المذهب الشافعي‪ ،‬وكثرة األقوال والتخريجات فيه‪.‬‬
‫‪2‬ـ وجود الحاجة في هذه المرحلة التي عاشا فيها إلى تنقيح المذهب‬
‫وتحريره؛ بسبب قصور أكثر الناس عن العلم وانتشار التقليد‪.‬‬
‫‪3‬ـ اهتمام الرافعي والنووي بالترجيح بين أقوال اإلمام الشافعي‪ ،‬ووجوه‬
‫أصحابه أكثر من اهتمامهما بالتخريج واالجتهاد‪.‬‬
‫قال اإلمام شهاب الدين الرملي‪« :‬من المعلوم أ ّن الشي َ‬
‫خين رحمهما اهلل‬
‫قد اجتهدا في تحرير المذهب غاية االجتهاد؛ ولهذا كانت عنايات العلماء‬
‫العاملين‪ ،‬وإشارات َمن سبَقنا من األئمة ال ُمح ِّققين متو ِّجهة إلى تحقيق ما عليه‬
‫الشيخان واألخذ بما صححاه»(‪.)2‬‬
‫‪4‬ـ براعة الرافعي والنووي في تحقيق المذهب‪ ،‬واإلحاطة بنصوص‬
‫اإلمام الشافعي‪ ،‬ووجوه أصحابه‪.‬‬
‫‪3‬ـ اعتماد علماء المذهب على كتُب ِّ‬
‫الشيرازي والغزالي‪ :‬قال اإلمام النووي‪:‬‬
‫«إن أصحابنا ال ُمصنِّفين ـ رضي اهلل عنهم أجمعين وعن سائر علماء المسلمين ـ‬
‫أكثروا التصانيف كما قدَّمنا وتنوعوا فيها كما ذكرنا‪ ،‬واشتهر منها لتدريس‬
‫المدرسين وبحث المشتغلين‪« :‬ال ُمه َّذب» و«الوسيط»‪ ،‬وهما كتابان عظيمان‬
‫((( ترشيح التوشيح وترشيح التصحيح‪ ،‬للسبكي‪ً ،‬‬
‫نقل عن مقدمة الدكتور محمد عقلة اإلبراهيم‬
‫على كتاب تصحيح التنبيه (ص‪.)46‬‬
‫((( فتاوى الرملي (‪.)263 :4‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪90‬‬

‫صنَّفهما إمامان جليالن‪ :‬أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي‪،‬‬


‫وأبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي رضي اهلل عنهما‪ ،‬وتقبل ذلك وسائر‬
‫أعمالهما منهما‪ ،‬وقد وفَّر اهلل الكريم دواعي العلماء من أصحابنا رحمهم اهلل‬
‫على االشتغال بهذين الكتابين‪ ،‬وما ذاك إال لجاللتهما و ِع َظم فائدتهما و ُحسن‬
‫حصلين‬ ‫ُ‬
‫وبحث ال ُم ِّ‬ ‫نِيّة ذَينك اإلمامين‪ ،‬وفي ه َذين الكتابين دروس المد ِّرسين‬
‫وحفظ الطالب المعتنين فيما مضى‪ ،‬وفي هذه األعصار في جميع‬ ‫ال ُمح ِّققين‪ِ ،‬‬
‫النواحي واألمصار»(‪.)1‬‬
‫‪4‬ـ انقطاع أصحاب الوجوه في هذا العصر؛ غلَب على علماء هذا العصر‬
‫ِ‬
‫وتنقيحه على حساب االجتهاد في المذهب وتخريج‬ ‫االشتغال بتحرير المذهب‬
‫الوجوه‪ ،‬وال يعني هذا أن تخريج النوازل المستجدة على قواعد المذهب قد‬
‫انتهى‪ ،‬ولكنه لم يكن بالحجم والزخم الذي كان عليه في العصور السابقة‪.‬‬
‫وقد ذهب كثير من محققي المذهب إلى انقطاع رتبة أصحاب الوجوه في‬
‫حر في الفقه هو الذي أحاط‬ ‫هذا العصر؛ قال اإلمام ابن حجر الهيتمي‪« :‬والمتب ِّ‬
‫قيس ما لم ين ُ ّ‬
‫ص‬ ‫بأصول إمامه في كل باب من أبواب الفقه بحيث ِ‬
‫يمكنُه أن يَ َ‬
‫نص عليه‪ ،‬وهذه مرتبةٌ جليلةٌ ال توجد اآلن؛ ألنّها مرتبة‬
‫إمامُه عليه على ما َّ‬
‫أصحاب الوجوه‪ ،‬وقد انقطعت من أربع مئة سنة»(‪.)2‬‬
‫وذهب بعض العلماء؛ كاإلمام الزركشي‪ ،‬واإلمام السيوطي‪ ،‬والعالمة‬
‫ال ُكردي‪ ،‬إلى وجود عدد من األئمة م َّمن بلغ هذه المرتبةَ في العصور المتأ ِّخرة‬
‫اإلسالم‬
‫ِ‬ ‫ج ِة‬
‫الحر َمين‪ ،‬و ُح ّ‬
‫َ‬ ‫وتوافرت فيهم أهلية االجتهاد في المذهب كإمام‬

‫((( المجموع شرح المهذب (‪.)3 :1‬‬


‫((( الفتاوى الفقهية الكبرى‪ ،‬البن حجر الهيتمي (‪.)296 :4‬‬
‫‪91‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫ِ‬
‫وسلطان العُلماء الع ِّز بن عبد السالم‪ ،‬واإلمام النووي‪ ،‬واإلمام تقي الدين‬ ‫الغزالي‪،‬‬
‫ّ‬
‫السبكي‪ ،‬وغيرهم ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫أبرز الكتب والمؤلَّفات التي ظهرت في ذلك العصر‪:‬‬


‫برز في هذا العصر عدد من المصنَّفات الموسوعية التي ح َّققت المذهب‬
‫وجمعت بين األقوال واألوجه‪ ،‬مع االستدالل والتعليل للمسائل الفقهية‪ ،‬ومن‬
‫أبرز هذه الكتب‪« :‬الشرح الكبير» لإلمام الرافعي‪ ،‬و«روضة الطالبين» و«منهاج‬
‫الطالبين» كالهما لإلمام النووي‪ ،‬و«المجموع شرح المهذب» للنووي ً‬
‫أيضا‪،‬‬
‫السبكي حتى كتاب‬ ‫وصل فيه حتى كتاب الربا‪ ،‬ثم أك َملَه اإلمام ُّ‬
‫تقي الدين ُّ‬ ‫َ‬
‫التفليس(‪.)2‬‬
‫مختصرات على كتاب «نهاية ال َمطلب»‬ ‫َ‬ ‫وظهرت في هذا العَصر عدةُ‬
‫إلمام الحرمين منها‪« :‬الغاية في اختصار النهاية» لإلمام العز بن عبد السالم(‪)3‬‬

‫(ت‪660‬هـ) و«صفوة المذهَب على نهاية المطلَب» لإلمام ابن عصرون(‪)4‬‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫(ت‪585‬هـ)‪.‬‬

‫((( اتجاهات فقهاء الشافعية في تحديد أصحاب الوجوه‪ ،‬دراسة أصولية تحليلية (ص‪.)26‬‬
‫((( من األخطاء الشائعة اليوم نسبة كتاب المجموع شرح المهذب بكامله إلى اإلمام النووي‪،‬‬
‫والصحيح أن المجموع المطبوع بين أيدينا هو لثالثة مؤلفين‪ :‬أولهم النووي وصل فيه‬
‫إلى كتاب الربا‪ ،‬والسبكي وصل فيه إلى كتاب التفليس‪ ،‬وآخرهم العالمة محمد نجيب‬
‫المطيعي (ت‪1406‬هـ) أت َّمه إلى آخره‪.‬‬
‫الدمشقي‪ ،‬عز الدين ال ُمل َّقب ُ‬
‫بسلطان‬ ‫ّ‬ ‫((( عبد العزيز بن عبد السالم بن أبي القاسم بن الحسن السلمي‬
‫شافعي بلغ رتبة االجتهاد‪ .‬ت ُ ُوفِّي ‪660‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)21 :4‬‬
‫ّ‬ ‫العلماء‪ :‬فقيه‬
‫شافعي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫((( عبد اهلل بن محمد بن هبة اهلل التميمي‪ ،‬شرف الدين أبو سعد‪ ،‬ابن أبي عصرون‪ :‬فقيه‬
‫من أعيانهم‪ُ .‬ولِد بالموصل‪ .‬وانتقل إلى بغداد‪ .‬واستقر في دمشق‪ ،‬فتولَّى بها القضاء سنة‬
‫نسب المدرسة «العصرونية» في دمشق‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)124 :4‬‬ ‫‪573‬هـ‪ ،‬وإليه ت ُ َ‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪92‬‬
‫ومن الكتب التي تميَّزت في هذا العصر‪ :‬كتاب «قواعد األحكام في مصالح‬
‫صنِّفت في مقاصد‬ ‫األنام» لإلمام ال ِع ّز بن عبد السالم‪ ،‬وهو من أ ّول الكتُب التي ُ‬
‫ذهب اإلمام‬ ‫الشريعة والقواعد الفقهية في ال َمذهَب‪ ،‬ولكن مؤلِّفها لم يلتزم ب َم ِ‬
‫كثيرا من اجتهاداته الخاصة‪ ،‬ورتَّب كتابَه على نح ٍو ُمبت َكر‬
‫الشافعي‪ ،‬بل أودع فيه ً‬
‫لم يُسبق إليه‪.‬‬
‫أيضا كتاب «الغاية القصوى‬ ‫ومن الكتب التي تميَّزت في هذا العصر ً‬
‫في دراية الفتوى» للقاضي ناصر الدين البيضاوي(‪( )1‬ت‪685‬هـ)‪ ،‬وهو في‬
‫برع في مناقشة أدلة األقوال‬‫ص َغر َحجمه ّإل أنه َ‬ ‫فقه الخالف‪ ،‬والكتاب على ِ‬
‫جج والبراهين‪.‬‬ ‫ح َ‬
‫واألو ُجه داخل المذهب وخار َجه واإللزام بال ُ‬
‫أبرز العلماء الذين ظهروا في ذلك العصر‪:‬‬
‫ظهر في هذا العصر عددٌ من علماء الشافعية م ّمن بلغوا درجة االجتهاد‪،‬‬
‫ومن أبرزهم‪ُ :‬سلطا ُن العلماء الع ُّز بن عبد السالم‪ ،‬واإلمام أبو زكريا النووي‪،‬‬
‫واإلمام أبو القاسم الرافعي‪.‬‬
‫وظهر عددٌ من كبار العلماء الذين تف َّقهوا على ال َمذهَب‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫‪1‬ـ أبو القاسم بن عساكر (ت‪571‬هـ) إمام وحافظ‪ ،‬له مُصنَّفات كثيرة في‬
‫الحديث أشهرها «تاريخ دمشق»‪.‬‬
‫فسر ومتكلِّم‪ ،‬من أبرز كتبه‬
‫‪2‬ـ فخر الدين الرازي (ت‪606‬هـ) إمام ومُ ِّ‬
‫«التفسير الكبير» و«األربعين في أصول الدين»‪.‬‬

‫قاض‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫((( عبد اهلل بن عمر بن محمد بن علي الشيرازي‪ ،‬أبو سعيد‪ ،‬ناصر الدين البيضاوي‪،‬‬
‫فسر‪ ،‬ع َّلمة‪ .‬ولي قضاء شيراز مدة‪ُ .‬‬
‫وص ِرف عن القضاء‪ ،‬فرحل إلى تبريز فتوفي فيها‪ ،‬من‬ ‫ُم ِّ‬
‫تصانيفه «أنوار التنزيل وأسرار التأويل»‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)110 :4‬‬
‫‪93‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪3‬ـ ابن الصالح (ت‪634‬هـ) إمام ومحدِّث وفقيه‪ ،‬له مؤلَّفات في الحديث‬
‫أشهرها كتاب «معرفة أنواع علوم الحديث» المعروف ب ُمقدِّمة ابن الصالح‪.‬‬
‫جزَري (ت‪606‬هـ) إمام ومحدِّث ومؤ ِّرخ‪ ،‬له مؤلَّفات‬ ‫‪4‬ـ ابن األثير ال َ‬
‫في الحديث والتاريخ أشهرها «الكامل في التاريخ» و«أُسد الغابة في معرفة‬
‫الصحابة»‪.‬‬
‫‪5‬ـ زكي الدين ال ُمن ِذري (ت‪656‬هـ) إمام ومحدِّث‪ ،‬من أشهر مؤلفاته‬
‫«الترغيب والترهيب في الحديث الشريف»‪.‬‬
‫فسر ومتكلِّم‪ ،‬من أشهر مؤلَّفاته‬
‫‪6‬ـ ناصر الدين البيضاوي (ت‪685‬هـ) إمام ومُ ِّ‬
‫«تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل» و«منهاج الوصول إلى علم األصول»‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪94‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫عصر الازدهار (‪1004 – 676‬هـ)‬

‫ازدهرت الحركة العلمية في هذا العصر بمصر والشام؛ بسبب تمر ُكز‬
‫العلماء فيهما من الذين هاجروا من بالد فارس بسبب الغزو المغولي‪ ،‬ومن‬
‫مقر ِ‬
‫الخالفة إلى القاهرة‪ ،‬وقد‬ ‫األندلس بسبب الغزو الصليبي‪ ،‬وبسبب انتقال ِّ‬
‫حظيت الحركة العلمية بدعم دولة المماليك (‪923-648‬هـ)‪ ،‬وكان لجهودهم‬
‫كبير في نشر تعاليم المذهب وتعيين القضاة الشافعية‪ ،‬باإلضافة إلى اهتمام‬
‫أثر ٌ‬‫ٌ‬
‫الدولة ببناء المؤسسات العلمية‪ ،‬وإنشاء دور الكتُب‪ ،‬ووقف األوقاف على‬
‫صاحب كتاب «الدارس في تاريخ المدارس»‬
‫ُ‬ ‫العلماء والمدارس‪ ،‬وقد أحصى‬
‫أكثر من ‪ 63‬مدرسةً للشافعية‪ ،‬وهي النسبةُ الكبرى بالنسبة ألتباع المذاهب‬
‫َ‬
‫الحرمين في الصالة للشافعية ً‬
‫أيضا(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫األربعة‪ ،‬وكانت إمامة‬
‫أبرز الخصائص والمالمح العلمية لعصر االزدهار‪:‬‬
‫‪1‬ـ جهود علماء الشافعية في تحرير المذهب‪ :‬تركزت جهودُ علما ِء‬
‫والنووي شر ًحا‬
‫ِّ‬ ‫الرافعي‬
‫ِّ‬ ‫الشافعية في هذا العصر في خدمة مُصنَّفات الشي َ‬
‫خين‬
‫وتعلي ًقا واستدرا ًكا‪ ،‬وصار مدا ُر الفتوى في ال َم ِ‬
‫ذهب على قولِهما‪.‬‬

‫((( المدخل إلى مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬للقواسمي (ص‪ ،)403‬والدارس في تاريخ المدارس‪،‬‬
‫للنعيمي (‪.)358-96 :1‬‬
‫‪95‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫وبرز مصطلح «المعتمد» بشكل كبير في مُصنَّفات شيخ اإلسالم زكريا‬


‫األنصاري (ت‪926‬هـ) وطالبِه وهم‪ :‬الشهاب الرملي (ت‪957‬هـ)‪ ،‬والخطيب‬
‫الشربيني (ت‪977‬هـ)‪ ،‬وابن حجر الهيتمي (ت‪974‬هـ)‪ ،‬والشمس الرملي‬
‫(ت‪1004‬هـ)‪ ،‬وكان لهؤالء األعالم الخمسة األثر األكبر في ازدهار المذهب‬
‫صنِّفت فيما بعد (‪.)1‬‬
‫واستقرار الفتوى‪ ،‬وتحديد اتجاه المصنَّفات الفقهية التي ُ‬
‫‪2‬ـ اعتراضات اإلمام جمال الدين اإلسنوي على الشيخين (ت‪772‬هـ)‪:‬‬
‫تميزت جهود اإلمام اإلسنوي بالتدقيق والتعقيب على ترجيحات الشيخين‪،‬‬
‫وقد ألَّف عدة مؤلَّفات في المذهب‪ ،‬ومن أشهرها «ال ُم ِه ّمات في شرح الروضة‬
‫واألسباب الموضوعية‬
‫َ‬ ‫والرافعي» والذي أوضح في مقدِّمتِه منهجه العلمي‬
‫التي جعلته يتع َّقب ترجيحات الشيخين(‪.)2‬‬
‫وقد شغلت اعتراضات اإلسنوي على الشيخين علماءَ الشافعية فترة من‬
‫الزمن‪ ،‬وحظي كتاب «المهمات» بحركة علمية كبيرة حتى وصل عدد الكتب‬
‫التي ُكتبت على المهمات (‪ )22‬مُؤل َّ ًفا‪ ،‬ومن أشهر هذه المؤلفات‪« :‬مختصر‬
‫المهمات» للحافظ أبي ُزرعة العراقي (ت‪806‬هـ)‪ ،‬والكتاب مطبوع‪ ،‬و«التعقبات‬
‫على ال ُم ِه ّمات» لإلمام ابن العماد األقفهسي (ت‪808‬هـ)‪ ،‬والكتاب مخطوط‪.‬‬
‫كبير في تطور المذهب وتصحيح الراجح في‬ ‫أثر ٌ‬
‫وكان لهذه الحركة العلمية ٌ‬
‫خين‪ ،‬ويرجع‬ ‫واستقر المذهب بعد ذلك على اعتماد ترجيحات الشي َ‬
‫َّ‬ ‫الفتوى‪،‬‬
‫الفضل األكبر في ذلك إلى جهود شيخ اإلسالم زكريا األنصاري و ُط ّلبه‪.‬‬

‫((( المعتمد عند الشافعية‪ ،‬للكاف (ص‪.)275-245‬‬


‫((( المهمات شرح الروضة والرافعي‪ ،‬لإلسنوي (‪.)113 -99 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪96‬‬

‫‪3‬ـ استقرار نظرية ال ُمعت َمد في المذهب الشافعي‪ :‬يمكن تلخيص أهم ما‬
‫توصل إليه علماء المذهب في تحري ِر القول المعت َمد للفتوى فيما يأتي‪:‬‬
‫َّ‬
‫‪1‬ـ االعتماد الكامل على ترجيحات الشيخين وعدم الخروج عنها‪.‬‬
‫‪2‬ـ تقديم أقوال النووي عند االختالف بينهما‪.‬‬
‫‪3‬ـ تحرير قول النووي في المسائل التي اختلفت أقوالُه فيها‪.‬‬
‫‪4‬ـ التفريع على ما ر َّجحه النووي من مسائل في األبواب المختلفة‪.‬‬
‫‪5‬ـ تحرير المسائل التي تكلَّم فيها المتقدِّمون‪ ،‬ولم ير ِّجح فيها الشيخان ً‬
‫قول‪.‬‬
‫‪6‬ـ بحث المسائل الجديدة التي ظهرت بعد الشيخين وتخريج القول ال ُمعت َمد‬
‫فيها‪.‬‬
‫واحتلَّت مُصنَّفات ابن حجر الهيتمي والشمس الرملي المكانةَ الكبرى‬
‫لدى المتأ ِّخرين؛ ألنهما كانا آخر فقهاء تلك المرحلة وأكثرهم تصني ًفا‪ ،‬فمثَّلَت‬
‫جهودُهما خالصة جهود فقهاء عصرهما(‪.)1‬‬
‫«المنهاج»‬
‫ُ‬ ‫‪4‬ـ اعتماد علماء المذهب على «المنهاج» لإلمام النووي؛ فقد نال‬
‫َّ‬
‫الحظ األكبر من جهود العلماء‪ ،‬وتُس َّمى هذه المرحلة بعصر الشروح؛ ً‬
‫نظرا إلى‬
‫أن السمةَ الغالبة في ُمصنَّفات الفقهاء كانت شر ًحا للمتون المختصرة‪.‬‬
‫أبرز الكتب والمؤلفات التي ظهرت في ذلك العصر‪:‬‬
‫اعتَمدت الكتب الفقهية التي ظهرت في هذا العصر على التحقيق في كتب‬
‫الشيخين‪ ،‬ومن أبرز الكتب الفقهية التي ظهرت في هذا العصر‪َ « :‬كنز الراغبين‬

‫ث نظرية المعتمد عند علماء الشافعية وح َّققها الدكتور محمد عمر الكاف‬
‫ح َ‬
‫((( من أفضل َمن ب َ‬
‫في رسالته «المعتمد عند الشافعية»‪ .‬انظر‪ :‬المعتمد عند الشافعية‪ ،‬للكاف (ص‪.)275-271‬‬
‫‪97‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫بشرح منهاج الطالبين» لإلمام جالل الدين ال َم َحلِّي‪ ،‬و«فتح ال َوهّاب بشرح‬
‫منهج ال ُط ّلب» و«أسنَى المطالب بشرح روض الطالب» كالهما لشيخ اإلسالم‬
‫زكريا األنصاري‪ ،‬و«تحفة المحتاج بشرح المنهاج» لإلمام ابن حجر‪ ،‬و«نهاية‬
‫المحتاج بشرح المنهاج» لإلمام الرملي‪ ،‬و«مغني المحتاج لحل ألفاظ المنهاج»‬
‫لإلمام الشربيني‪.‬‬
‫وتميَّز هذا العصر بكثرة التصنيف في القواعد الفقهية وبروز ف َ ّن األشباه‬
‫صنِّفت في هذا العصر‪« :‬األشباه والنظائر»‬ ‫والنظائر‪ ،‬ومن هذه الكتب التي ُ‬
‫(ت‪716‬هـ)‪ ،‬و«األشباه والنظائر» لإلمام تاج الدين‬ ‫(‪)1‬‬‫للعالمة ابن الوكيل‬
‫السبكي (ت‪771‬هـ)‪ ،‬و«المنثور في القواعد الفقهية» لإلمام بدر الدين‬
‫الزركشي(‪( )2‬ت‪794‬هـ) وهو كتاب موسوعي في القواعد الفقهية‪ ،‬و«األشباه‬
‫والنظائر» لإلمام ِسراج الدين ابن ال ُملَ ِّقن (ت‪804‬هـ) وهو مرتَّب على األبواب‬
‫الفقهية‪ ،‬و«األشباه والنظائر» لإلمام جالل الدين السيوطي(‪( )3‬ت‪911‬هـ)‪.‬‬
‫وظهر في هذا العصر ً‬
‫أيضا كتب التخريج الحديثي التي اهتمت بتخريج‬
‫األحاديث التي يستد ُّل بها فقهاء الشافعية‪ ،‬ومن أبرز هذه الكتب‪« :‬البدر‬

‫الدمشقي ابن الوكيل‪،‬‬


‫ّ‬ ‫((( محمد بن عبد اهلل بن عمر بن مكي‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬زين الدين العثماني‬
‫شافعي‪ .‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)234 :6‬‬‫ّ‬ ‫ويقال له‪ :‬ابن المرحل‪ ،‬فقيه‬
‫((( محمد بن بهادر بن عبد اهلل الزركشي‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬بدر الدين‪ ،‬عالم بفقه الشافعية واألصول‪.‬‬
‫من تصانيفه‪« :‬البحر المحيط» ثالث مجلدات في أصول الفقه‪ ،‬وإعالم الساجد بأحكام‬
‫المساجد‪ ،‬والديباج في توضيح المنهاج‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)60 :6‬‬
‫((( عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري السيوطي‪ ،‬جالل الدين‪ :‬إمام‬
‫حافظ مؤ ِّرخ أديب‪ .‬له نحو ‪ 600‬مصنف‪ ،‬منها الكتاب الكبير‪ ،‬والرسالة الصغيرة‪ .‬األعالم‪،‬‬
‫للزركلي (‪.)301 :3‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪98‬‬
‫(‪)1‬‬‫ال ُمنِير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» للحافظ ِسراج الدين ابن ال ُملَ ِّقن‬
‫(ت‪804‬هـ)‪ ،‬و«التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» للحافظ‬
‫ابن حجر العسقالني(‪( )2‬ت‪852‬هـ)‪ ،‬و«بُلوغ ال َمرام من أدلة األحكام»‬
‫أيضا‪ ،‬و«إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه» للحافظ ابن كثير(‪)3‬‬‫جر ً‬ ‫البن َح َ‬
‫(ت‪774‬هـ)‪ ،‬ومن أفضل الكتب الحديثية التي ظهرت في هذا العصر واهت َّمت‬
‫بشرح أحاديث األحكام وفِق ِهها‪َ « :‬طرح التثريب في شرح التقريب» للحافظ‬
‫َزين الدين ال ِعراقي(‪( )4‬ت‪806‬هـ) و«فتح الباري بشرح صحيح البخاري»‬
‫للحافظ ابن حجر العسقالني‪.‬‬
‫أبرز العلماء الذين ظهروا في هذا العصر‪:‬‬
‫ظهر في هذا العصر عددٌ من علماء الشافعية ممن بلَغوا درجة االجتهاد في‬
‫المذهب‪ ،‬ومن أبر ِزهم‪ :‬ابن دَقيق العيد (ت‪702‬هـ)‪ ،‬ونَج ُم الدين ابن ِّ‬
‫الرفعة‬
‫وسراج الدين البُلقيني‬‫بكي (ت‪756‬هـ)‪ِ ،‬‬ ‫الس ّ‬
‫وتقي الدين ُّ‬
‫ُّ‬ ‫(ت‪710‬هـ)‪،‬‬
‫(ت‪805‬هـ)‪.‬‬

‫النحوي‪ ،‬المعروف‬
‫ّ‬ ‫الشافعي‪ ،‬سراج الدين‪ ،‬أبو حفص ابن‬
‫ّ‬ ‫((( عمر بن علي بن أحمد األنصا ِري‬
‫بابن الملقن‪ ،‬من أكابر العلماء بالحديث والفقه وتاريخ الرجال‪ .‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)57 :5‬‬
‫جر‪ ،‬من‬‫((( أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقالني‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬شهاب الدين‪ ،‬ابن َح َ‬
‫السخاوي‪( :‬انتشرت مصنفاته في حياته وتهادتها الملوك وكتبها‬
‫ّ‬ ‫أئمة العلم والتاريخ‪ ،‬قال‬
‫األكابر)‪ ،‬وكان فصيح اللسان‪ ،‬راوية للشعر‪ ،‬عارفًا بأيام المتقدمين وأخبار المتأخرين‪،‬‬
‫صبيح الوجه‪ .‬وولي قضاء مصر مرات‪ ،‬ثم اعتزل‪ .‬األعالم‪ ،‬للزركلي(‪.)178 :1‬‬
‫الدمشقي‪ ،‬أبو الفداء‪ ،‬عماد الدين‪ ،‬حافظ‬
‫ّ‬ ‫((( إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصروي ثم‬
‫مؤرخ فقيه‪ .‬األعالم‪ ،‬للزركلي(‪.)320 :1‬‬
‫((( عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬زين الدين‪ ،‬المعروف بالحافظ‬
‫حاثة‪ ،‬من كبار حفاظ الحديث‪ .‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)344 :3‬‬ ‫العراقي‪ :‬ب ّ‬
‫‪99‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫برز عدد من كبار العلماء م َّمن تمذهَبوا بال َمذهَب الشافعي في هذا العصر‪،‬‬
‫ومن أبرزهم‪:‬‬
‫‪1‬ـ ابن دقيق العيد (ت‪702‬هـ) إمام وحافظ وفقيه‪ ،‬من أشهر مؤلفاته‪« :‬اإللمام‬
‫الجامع ألحاديث األحكام» و«إحكام األحكام في شرح عمدة األحكام»‪.‬‬
‫‪2‬ـ َزين الدين ال ِعراقي (ت‪725‬هـ) إمام وحافظ وفقيه‪ ،‬كان حافظ وقته‪،‬‬
‫من أشهر مؤلَّفاته‪« :‬ألفية الحديث» و«النُّكت على مُقدِّمة ابن الصالح»‪.‬‬
‫‪3‬ـ جمال الدين ال ِمزّي (ت‪742‬هـ) إمام وحافظ‪ُ ،‬ع ِرف ب ُمحدِّث الديار‬
‫الشامية‪ ،‬من أشهر مؤلَّفاته‪« :‬تهذيب الكمال في أسماء الرجال»‪.‬‬
‫ومفسر‪ ،‬من أشهر‬
‫ِّ‬ ‫‪4‬ـ ابن كثير الدمشقي (ت‪774‬هـ) إمامٌ ومحدِّث‬
‫مؤلَّفاته‪« :‬تفسير القرآن العظيم» و«البداية والنهاية» و«جامع السنن والمسانيد»‪.‬‬
‫أهل القراءات‪ ،‬من أشهر‬‫‪5‬ـ أبو الخير ابن ال َجزَري (ت‪833‬هـ) إمام ِ‬
‫مُصنَّفاته‪« :‬طيبة النشر في القراءات العشر» و«تقريب النشر في القراءات العشر»‪.‬‬
‫جر العَس َقالني (ت‪852‬هـ) أمير المؤمنين في الحديث الشريف‪،‬‬
‫‪6‬ـ ابن َح َ‬
‫من أشهر كتُبه‪« :‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري» و«بلوغ المرام من أدلة‬
‫األحكام» و«تهذيب التهذيب» و«تقريب التهذيب»‪.‬‬
‫فسر ومُحدِّث‪ ،‬من أشهر‬
‫‪7‬ـ جالل الدين السيوطي (‪911‬هـ) إمام ومُ ِّ‬
‫ُمصنَّفاته «الجامع الصغير» و«الد ُّر ال َمنثُور في التفسير بالمأثور»‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪100‬‬

‫المبحث السادس‬
‫عصر الانحسار (‪1335 -1004‬هـ)‬

‫تبنت الدولة العثمانية المذهب الحنفي مذهبًا رسميًّا في اإلفتاء والقضاء‪،‬‬


‫مما سبَّب انحسا ًرا للحركة العلمية للمذاهب األخرى‪ ،‬ومنها ال َمذهب الشافعي‪،‬‬
‫ومع ذلك استمرت الحركة العلمية للمذهب الشافعي بسبب تسلُّم عدد من‬
‫فقهاء الشافعية لمشيخة األزهر‪ ،‬وتبني تدريس المذهب فيه‪ ،‬ووجود عدد كبير‬
‫ومنصب‬
‫َ‬ ‫منصب اإلفتاء‬
‫َ‬ ‫الحرمين الشريفين وتولِّي بعضهم‬
‫من ف ُ َقهاء الشافعية في َ‬
‫لطالب الشافعي ِة في بالد‬
‫ِ‬ ‫خصصة‬ ‫ِ‬
‫األوقاف ال ُم َّ‬ ‫شيخ العلماء في ال َح َرمين‪ ،‬وتوافر‬
‫ِ‬
‫والحر َمين مما ساهم في مواصلة المسيرة التعليمية للمذهَب(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫الشام‬
‫المذهب تالشى في بالد فارس بسبب قيام‬
‫َ‬ ‫ويُال َحظ في هذا العصر أ ّن‬
‫الحروب واالضطرابات‬
‫ِ‬ ‫وضعُف في بالد ما وراء النهر بسبب‬ ‫الدولة الصفوية‪َ ،‬‬
‫السياسية‪.‬‬
‫أبرز الخصائص والمالمح العلمية لعصر االنحسار‪:‬‬
‫‪1‬ـ ظهور طريقة الحواشي‪ :‬ظهرت في هذا العصر طريقةٌ جديدةٌ في‬
‫التصنيف تُس َّمى بالتحشية‪ ،‬وهي تج َمع بين إمالءات المد ِّرس على الطالب‬
‫وبين تعليقاته على ألفاظ الشرح ومشكالته‪ ،‬وما يدور من أسئلة الطلبة‪ ،‬فكانت‬

‫((( المدخل إلى مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬للقواسمي (ص‪.)443-440‬‬


‫‪101‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫هذه الحواشي ِّ‬


‫مؤش ًرا على نشاط حلقات التدريس في تلك المرحلة(‪.)1‬‬
‫جمود‬ ‫وصف طريقة التحشية بال ُ‬
‫ُ‬ ‫ومن األخطاء الشائعة بين الباحثين‬
‫والضعف‪ ،‬بل كان ذلك األسلوب هو األنسب لطلبة ذلك العصر؛ حيث كانت‬
‫الكثير من الشروح الفقهية التي تحتاج‬‫ُ‬ ‫صنِّفت‪ ،‬و ُكتبت‬
‫الموسوعات الفقهية قد ُ‬
‫وسلَّ ًما‬
‫إليضاح وإكمال‪ ،‬فكانت تلك الحواشي وسيل ًة ل َفهم ُمغلَقات الشروح ُ‬
‫للوصول إلى ال ُم َط َّوالت‪.‬‬
‫ولم تتوقَّف الحركة الفقهية في هذه المرحلة‪ ،‬بل استمرت حركة التصحيح‬
‫بعض المسائل على خالف‬ ‫َ‬ ‫والترجيح‪ ،‬وكان أصحاب الحواشي ير ِّجحون‬
‫القول المعتمد إلى قول مرجوح في المذهب‪ ،‬وأحيانًا إلى قول عند المذاهب‬
‫نظرا للحاجة أو المصلحة أو التع ُّذر‪ ،‬وقد ذكر الع َّلمة‬
‫الفقهية األخرى؛ ً‬
‫محمد بن سليمان ال ُك ُّ‬
‫ردي في «الفوائد المدنية»‪ ،‬واألستاذ فيصل الخطيب‬
‫كبيرا من اجتهادات‬
‫في «التبيين لما يُعت َمد من كالم الشافعية المتأخرين» عددًا ً‬
‫المتأخرين التي خالفت القو َل ال ُمعت َمد‪ ،‬فلتراجع(‪.)2‬‬
‫‪2‬ـ التركيز على فقه العبادات‪ :‬يُال َحظ أن أصحاب الحواشي ت َمركزوا‬
‫في مصر والحجاز خاصة‪ ،‬مما يد ُّل على نشاط الحركة التدريسية في األزهر‬
‫والحر َمين‪ ،‬وبدأ التركيز في التصنيف على أبواب العبادات أكثر من المعامالت؛‬
‫َ‬
‫التطبيق؛ لكون القضا ِء أصبح حنفيًّا في العهد‬
‫ِ‬ ‫بسبب بُعد المذهب الشافعي عن‬
‫بتفريع كثي ٍر من المسائل‬
‫ِ‬ ‫العثماني‪ ،‬ويالحظ ً‬
‫أيضا اعتناء أصحاب الحواشي‬

‫((( المعتمد عند الشافعية‪ ،‬للكاف (ص‪.)57‬‬


‫((( الفوائد المدنية فيمن يفتى بقوله من أئمة الشافعية‪ ،‬للكردي (ص‪ ،)267 -259‬والتبيين لما‬
‫يعتمد من كالم الشافعية المتأخرين‪ ،‬لفيصل الخطيب (ص‪.)96 -93‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪102‬‬
‫جدّة التي ظهرت في زمانهم وتخريجها على نصوص المذهب(‪.)1‬‬
‫المست َ‬
‫‪3‬ـ اعتماد علماء المذهب لكتابي «تحفة المحتاج بشرح المنهاج» لإلمام‬
‫ابن حجر و«نهاية المحتاج بشرح المنهاج» لإلمام الرملي في ضبط القول‬
‫ال ُمعت َمد للفتوى‪:‬‬
‫كان المنهج الفقهي لعلماء ذلك العصر على العمل بمعتمد المذهب‬
‫استقر في كتُب المتأ ِّخرين ِمن ُط ّلب شيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الذي‬
‫وخاصة كتابي «تحفة المحتاج» البن حجر و«نهاية المحتاج» للرملي‪ ،‬وكان‬
‫العلماء المصريون يقدِّمون «نهايةَ ال ُمحتاج» في الفتوى‪ ،‬وأما علماء الشام‬
‫واليمن وداغستان فقدَّموا «تحفة ال ُمحتاج»‪ ،‬وكان أهل الحجاز يُقدِّمون قو َل‬
‫قررون قولَهما‬ ‫ابن حجر في بداية األمر حتى اختلطوا بالمصريين‪ ،‬وصاروا يُ ِّ‬
‫عبارات تمنَع الفتوى بغير هذين الكتابين(‪.)2‬‬
‫ٌ‬ ‫من غير ترجيح‪ ،‬حتى صار لهم‬
‫المذهب قد اتفقوا على أن‬‫ِ‬ ‫قال العالمة محمد سعيد سنبل‪« :‬اعلم أن أئمة‬
‫والرملي في «التحف ِة» و«النهاي ِة»‬
‫ِّ‬ ‫الشيخ اب ِن حج ٍر‬
‫ِ‬ ‫المع َّو َل عليه والمأخوذَ به كال ُم‬
‫إذا اتفقا‪ ،‬فإن اختلفا فيجوز للمفتي األخذ بأحدهما على سبيل التخيير»(‪.)3‬‬
‫وقد ر َّجح العالمة محمد بن سليمان الكردي (‪1067‬هـ)‪ ،‬والع َّلمة‬
‫علوي السقاف (ت‪1335‬هـ)‪ ،‬وعدد من المحققين اعتمادَ كتب المتأ ِّخرين‬
‫من شيخ اإلسالم و ُط ّلبه وأصحاب الحواشي دون تقدي ٍم ألح ِدهم بعَينه(‪.)4‬‬

‫((( انظر‪ :‬المعتمد عند الشافعية (ص‪.)305‬‬


‫((( انظر‪ :‬المعتمد عند الشافعية (ص‪.)319-305‬‬
‫((( الفوائد المدنية للكردي (ص‪.)68‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفوائد المدنية (ص‪ ،)65‬والفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة الشافعية‪ ،‬لعلوي السقاف‬
‫(ص‪.)132‬‬
‫‪103‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫أبرز الكتب والمؤلفات التي ظهرت في ذلك العصر‪:‬‬


‫تميَّز التصنيف في هذا العصر بطريقة التحشية‪ ،‬ومن أبرز الحواشي التي‬
‫حلّي‪ ،‬و«حاشية الجمل‬ ‫ظهرت‪« :‬حاشية القليوبي على شرح المنهاج» لل َم َ‬
‫على شرح المنهج»‪ ،‬و«حاشية الشرقاوي على تحفة الطالب» لشيخ اإلسالم‬
‫زكريا األنصاري‪ ،‬و«حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم الغزي»‪.‬‬
‫وظهر عدد كبير من الحواشي في أصول الفقه على طريقة المتكلِّمين في‬
‫هذا العصر‪ ،‬ومن أهمها «حاشية البُناني على شرح جمع الجوامع» للمحلي‪،‬‬
‫و«حاشية العطار على شرح جمع الجوامع»‪ ،‬و«حاشية النفحات على شرح‬
‫الورقات» للخطيب الجاوي‪.‬‬
‫ومن الكتب المميَّزة التي ظهرت في هذا العصر كتاب «الفوائد المدنية فيمن‬
‫يُفتَى بقوله من أئمة الشافعية» للعالمة محمد بن سليمان الكردي (ت‪1194‬هـ)‪،‬‬
‫وكتاب «الفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة الشافعية» للعالمة علوي الس ّقاف‬
‫أصلت‬
‫المكي (ت‪1335‬هـ)‪ ،‬حيث يُعَد هذان الكتابان من أفضل الكتب التي َّ‬
‫لقواعد الفتوى في المذهب وطرق الترجيح واالختيار بين أقوال علمائه‪ ،‬وبيَّنت‬
‫كثيرا من مصطلحاته‪.‬‬‫طبقات علماء المذهب ودور كل طبقة فيه‪ ،‬وشرحت ً‬
‫أبرز العلماء الذين ظهروا في هذا العصر‪:‬‬
‫ظهر في هذا العصر عدد من علماء المذهب ممن تولَّى مشيخة األزهر‪،‬‬
‫وكان عددهم ‪ 18‬إما ًما من أصل ‪ 32‬إما ًما‪ ،‬ومن أبرزهم‪:‬‬
‫‪1‬ـ أحمد الدمنهوري (ت‪1191‬هـ) أجازه علماء المذاهب األربعة حتى‬
‫طبيب يتولَّى مشيخة األزهر‪ ،‬من مؤلَّفاته‪« :‬إيضاح‬
‫ٍ‬ ‫صار يفتي بها‪ ،‬وكان أول‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪104‬‬

‫السلّم» في علم المنطق‪ ،‬و«نهاية التعريف بأقسام الحديث‬


‫ال ُمب َهم من معاني ُّ‬
‫الضعيف» و«القول الصريح في علم التشريح»‪.‬‬
‫‪2‬ـ عبد اهلل الشرقاوي «ت‪1227‬هـ» فقيه الشافعية في عصره‪ ،‬من أبرز كتبه‬
‫«حاشية على شرح التحرير» في الفقه الشافعي‪ ،‬و«فتح المبدي شرح مختصر‬
‫الزبيدي) في الحديث‪ ،‬و«مختصر مغني اللبيب البن هشام» في النحو واإلعراب‪.‬‬
‫‪3‬ـ حسن العطار (ت‪1250‬هـ) إمام ومح ِّقق في العلوم الشرعية والعقلية‪،‬‬
‫وله مشاركات في علوم الهندسة والفلك‪ ،‬وكان أحد المو ِّجهين األساسيين‬
‫لنهضة مصر الحديثة‪ ،‬من أبرز ُكتُبه «حاشية على شرح ال َم َحلِّي على جمع‬
‫الجوامع» في أصول الفقه‪ ،‬و«حاشية على شرح التهذيب للخبيصي» في المنطق‪.‬‬
‫‪4‬ـ إبراهيم الباجوري «‪1276‬هـ» أحد أبرز مُح ِّققي المذهب الشافعي من‬
‫المتأ ِّخرين‪ ،‬من كتبه «حاشية على شرح ابن قاسم ال َغزّي» في الفقه الشافعي‪،‬‬
‫و«تعليق على تفسير الكشاف» و«حاشية تحفة المريد على جوهرة التوحيد»‪.‬‬
‫وبرز ً‬
‫أيضا عدد من كبار العلماء م َّمن تمذهبوا بالمذهب الشافعي في هذا‬
‫العصر‪ ،‬ومن أبرزهم‪:‬‬
‫‪1‬ـ عبد الرؤوف المناوي (ت‪1031‬هـ) إمام ومُحدِّث‪ ،‬من أشهر ُكتُبه‬
‫«فيض القدير بشرح الجامع الصغير»‪.‬‬
‫‪2‬ـ عمر بن محمد البَيقوني (ت‪1080‬هـ) مُحدِّث‪ ،‬صنَّف «المنظومة‬
‫البيقونية» في مصطلح الحديث‪.‬‬
‫‪3‬ـ إسماعيل بن محمد العَجلوني (ت‪1162‬هـ) ُمحدِّث ولُغوي‪ ،‬من أشهر‬
‫ُكتُبه « َكشف الخفاء ومزيل االلتباس عما اشتهر من األحاديث على ألسنة الناس»‪.‬‬
‫‪105‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫فسر‪،‬‬
‫جمل» (ت‪1204‬هـ) إمام ومُ ِّ‬‫‪4‬ـ سليمان العجيلي المشهور بـ«ال َ‬
‫من أشهر مُصنَّفاته «حاشية الجمل على تفسير الجاللين» و«حاشية على شرح‬
‫المنهج» في الفقه الشافعي‪.‬‬
‫‪5‬ـ محمد سعيد بن محمد ُسنبل المحالتي (ت‪1175‬هـ) فقيه ومُحدِّث‪،‬‬
‫من ُكتُبه «األوائل السنبلية»‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪106‬‬

‫المبحث السابع‬
‫العصر الحديث (‪1337‬هـ حتى يومنا هذا)‬

‫عص َفت بالعالم‬ ‫شهد العصر الحديث تقلبات سياسية واجتماعية كبيرة َ‬
‫العربي واإلسالمي إلى د َو ٍل مُست ِقلّة‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫العربي واإلسالمي‪ ،‬فقد تف َّكك العالم‬
‫وظهر مصطلح الدولة الحديثة‪ ،‬وصار لكل بل ٍد أو إقليم دولةٌ مستقلة‪ ،‬وأصبح‬
‫االهتمام بالعلوم التجريبية أكثر من العلوم اإلنسانية وخاصة علوم الشريعة‬
‫والفقه‪ ،‬ف َق َّل االهتمام بالعلم الشرعي‪ ،‬ولم تَعُد مكانةُ العلماء كما كانت في‬
‫السابق مما أدى إلى تراجع في حركة العلوم الشرعية والفقهية‪ ،‬ومع ذلك فقد‬
‫بقيت الحركة الفقهية الشافعية في حضرموت باليَمن في أوجها على مستوى‬
‫تدريس ال َمذهَب عندهم‬ ‫ُ‬ ‫الفتوى والقضاء والتدريس والتصنيف‪ ،‬وتميَّز‬
‫ألفاظ المتون والشروح‪ ،‬وهذا يرجع‬ ‫ِ‬ ‫ح ِّل‬
‫بالتخصص والتع ُّمق وعدم االكتفاء ب َ‬
‫ُّ‬
‫للطريقة القديمة التي كان يد ّرس فيها ال َمذهب الشافعي(‪.)1‬‬
‫وينتشر المذهب الشافعي حاليًّا في البالد اآلتية‪:‬‬
‫‪1‬ـ بالد الشام (في جنوب سورية واألردن وفلسطين ولبنان)‪ ،‬ومصر‪،‬‬
‫والعراق (وسط العراق وإقليم كردستان)‪ ،‬ومناطق األكراد في تركيا‪.‬‬

‫((( فقهاء حضرموت كان لهم باع كبير في خدمة المذهب الشافعي على مر التاريخ اإلسالمي‪،‬‬
‫وقد كتب األستاذ محمد بن أبي بكر باذيب رسالة ماجستير في عرض جهود الحضارمة عبر‬
‫التاريخ اإلسالمي بعنوان «جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي»‪ ،‬وطبعته‬
‫دار الفتح باألردن عام ‪2009‬م‪.‬‬
‫‪107‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪2‬ـ اليمن (في حضرموت و َزبيد)‪ ،‬ومناطق كبيرة من المملكة العربية السعودية‬
‫(الحجاز وتِهامة جنوب السعودية واإلحساء)‪ ،‬وجنوب سلطنة عمان‪.‬‬
‫‪3‬ـ جنوب الهند (كيرال)(‪ ،)1‬وسيريالنكا‪ ،‬وأجزاء من إيران‪ ،‬وفي شرق‬
‫بالد القوقاز (الداغستان والشيشان)‪.‬‬
‫‪4‬ـ جنوب شرق آسيا‪ :‬أندونيسيا(‪ ،)2‬وماليزيا‪ ،‬وسلطنة بروناي‪ ،‬وتايالند‪،‬‬
‫والفلبِّين‪ ،‬وسنغافورة‪.‬‬
‫‪5‬ـ بالد القرن اإلفريقي‪ :‬الصومال‪ ،‬وجيبوتي‪ ،‬وإثيوبيا‪ ،‬وإرتيريا(‪.)3‬‬
‫‪6‬ـ السواحل اإلفريقية الشرقية‪ :‬كينيا‪ ،‬وتانزانيا‪ ،‬ومدغشقر‪ ،‬و ُجزُر القمر‪.‬‬
‫ذهب رسمي بوساطة الدولة في‬
‫وقد تم اعتماد المذهب الشافعي ك َم ٍ‬
‫سلطنة بروناي‪ ،‬ماليزيا‪ ،‬ومنطقة دار السالم في تنزانيا(‪.)4‬‬
‫وفي المملكة األردنية الهاشمية قامت دائرة اإلفتاء العام بجهود المفتي‬
‫العام األسبق الدكتور نوح القضاة رحمه اهلل (ت‪2010‬م) باعتماد المذهب‬
‫أساسا ومنطل ًقا للفتوى‪ ،‬مع االستفادة من اجتهادات المذاهب األربعة‬
‫ً‬ ‫الشافعي‬

‫((( كتب األستاذ محمد عبد الرحمن بحثًا بعنوان «طفرات األدب الفقهي في والية كيرال» وهو‬
‫منشور على موقع نداء الهند على اإلنترنت‪.‬‬
‫((( كتب األستاذ محمد إحسان بحثًا بعنوان‪« :‬المذهب الشافعي في أندونيسيا‪ :‬تاريخه وآثاره»‪.‬‬
‫وهو منشور على اإلنترنت‪.‬‬
‫((( كتب الدكتور عبد الرحمن محمد علي شمس الدين ـ رئيس الهيئة العليا لإلفتاء في جيبوتي ـ‬
‫بحثًا بعنوان «جهود علماء شرق إفريقيا في خدمة مذهب اإلمام الشافعي» وهو موجود على‬
‫موقع مجلة العلماء األفارقة على اإلنترنت‪.‬‬
‫((( المذهب السني‪ :‬فروعه وأماكن انتشاره‪ .‬موقع الجمل‪.https://www.aljaml.com/ :‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪108‬‬

‫يتعسر فيها الفتوى بالمذهب الشافعي‪ ،‬ويتم نشر الفتاوى على‬


‫في المسائل التي َّ‬
‫موقع الدائرة على اإلنترنت باللغة العربية واإلنجليزية‪ ،‬ويتم في الدائرة تدريس‬
‫كتب المذهب الشافعي للمفتين والباحثين في الدروس الصباحية اليومية‬
‫والدورات المتخصصة‪ ،‬وقد تم تدريس كثير من كتب المذهب فيها كـ«عمدة‬
‫السالك» البن النقيب‪ ،‬و«منظومة الزبد» البن رسالن‪ ،‬و«شرح ابن قاسم الغزي‬
‫على متن أبي شجاع»‪ ،‬و«الياقوت النفيس» للشاطري‪ ،‬و«مغني المحتاج في‬
‫حل ألفاظ المنهاج» للشربيني‪ ،‬باإلضافة إلى تدريس كتب العلوم الشرعية‬
‫األخرى كـ «ال ُمختَصر المفيد بشرح جوهرة التوحيد» للدكتور نوح القضاة‪،‬‬
‫و«األربعين في أصول الدين» لإلمام الغزالي‪ ،‬و«صحيح اإلمام البخاري»‪،‬‬
‫حلّي‪ ،‬وغير ذلك(‪.)1‬‬ ‫َ‬
‫و«شرح ال َو َرقات» لإلمام ال َم َ‬

‫أبرز الخصائص والملامح العلمية للعصر الحديث ‪:‬‬


‫‪1‬ـ ُركود المنهج الفقهي المذهبي‪ :‬ظهرت بعد سقوط الخالفة العثمانية‬
‫عدة مناهج مُستحدَثة في البنية الفكرية اإلسالمية غيَّرت من البناء الفقهي الذي‬
‫عرفه علماء المسلمين منذ عصر الصحابة‪ ،‬ودَعت إلى االعتماد على الكتاب‬ ‫َ‬
‫والسنّة مباشرة واالستغناء عن جهود المذاهب الفقهية ال ُمعت َمدة‪ ،‬واعتمدت‬
‫هذه المناهج المستحدَثة في كثير من الجامعات في تدريس الفقه وأصوله‪،‬‬
‫وبذلك انحسر تدريس المذاهب األربعة عمو ًما‪ ،‬ومنها المذهب الشافعي في‬
‫إطار حلقات المساجد وبعض المعاهد العلمية‪.‬‬

‫أحب التوسع في االطالع على منهج الدائرة وفتاويها فليراجع موقع دائرة اإلفتاء العام‬
‫َّ‬ ‫((( مَن‬
‫على شبكة اإلنترنت‪ ،‬مع التنبُّه إلى أن الدائرة ـ وإن التزمت بالمذهب الشافعي كمنهج في‬
‫الفتوى ـ قد تخرج أحيانًا إلى قول معتبر آخر داخل المذهب‪ ،‬أو في المذاهب الثالثة‪.‬‬
‫‪109‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪2‬ـ جهود علماء المذهب في إحياء المنهج المذهبي‪ :‬ظهرت بعض الجهود‬
‫التي حاولت إحياء المذهب الشافعي في العصر الحديث ومنها‪:‬‬
‫‪1‬ـ حركة التدريس‪ :‬فظهرت بعض المعاهد العلمية التي تُعنَى بتدريس‬
‫المذهب الشافعي‪ ،‬ومن أبرزها‪ :‬رباط تريم‪ ،‬ومعهد دار المصطفى للدراسات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وكلية الشريعة بجامعة األحقاف في حضرموت باليمن‪ ،‬والمعاهد‬
‫األزهرية بمصر‪ ،‬وجامعة اإلمام أبي الحسن األشعري في داغستان‪ ،‬ومعهد‬
‫مدارك‪ ،‬ومعهد المعارج باألردن‪ ،‬وقد أنشأت جامعة العلوم اإلسالمية العالمية‬
‫متخصصة بتدريس المذهب الحنفي والمالكي‬ ‫ِّ‬ ‫ثالث ُكلّيات‬
‫َ‬ ‫باألردن مؤ َّخ ًرا‬
‫الشافعي حاليًّا الدكتور أمجد‬
‫ِّ‬ ‫منصب عميد كلية الفقه‬
‫َ‬ ‫والشافعي‪ ،‬ويشغل‬
‫رشيد(‪.)1‬‬
‫‪2‬ـ حركة تحقيق المخطوطات‪ :‬ش ِهدت مخطوطات المذهب الشافعي‬
‫حركةً من طالب العلم والمتخصصين بتحقيقها وإخراجها‪ ،‬وتفاوتت دور‬
‫النشر في جهودها‪ ،‬فكان من أبرز دور النشر التي اهتمت بتحقيق مخطوطات‬
‫المذهب الشافعي‪ :‬دار المنهاج بجدة‪ ،‬ودار الضياء بالكويت‪ ،‬ودار النور‬
‫المبين‪ ،‬ودار الفتح باألردن‪ ،‬ودار الفيحاء بسورية‪.‬‬
‫وظهرت من الكتب المتميِّزة في تحقيقها كتاب «نهاية ال َمطلَب بدراية‬
‫الحرمين بتحقيق الدكتور عبد العظيم الديب‪ ،‬وكتاب «ال ُم َه َّذب»‬
‫المذهب» إلمام َ‬
‫لإلمام الشيرازي بتحقيق الدكتور محمد ال ُّز َحيلي‪ ،‬وكتاب «التنبيه» لإلمام الشيرازي‬
‫بتحقيق الدكتور محمد عقلة إبراهيم‪ ،‬وكتاب «الخالصة» لإلمام الغزالي بتحقيق‬

‫((( وقد قام األستاذ جهاد الطوالبة بكتابة أطروحة ماجستير بعنوان «المذهب الشافعي في‬
‫األردن ومظاهر التأثر به في العصر الحديث»‪ ،‬وهو غير مطبوع‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪110‬‬

‫الدكتور أمجد رشيد‪ ،‬وكتاب «تحفة المحتاج بشرح المنهاج» لإلمام ابن حجر‬
‫بتحقيق الشيخ أنور الشيخي الداغستاني‪.‬‬
‫‪3‬ـ حركة التأليف‪ :‬تميَّزت حركة التصنيف المعاصرة بالتجديد في األسلوب‬
‫وطريقة العرض‪ ،‬وبرز من أهم كتب هذه المرحلة «الياقوت النفيس» للعالمة‬
‫أحمد بن عمر الشاطري‪ ،‬و«الفقه المنهجي» لثالثة من علماء الشام‪ ،‬وهم‪ :‬الدكتور‬
‫مصطفى البغا‪ ،‬والدكتور مصطفى الخن‪ ،‬والشيخ علي الشربجي‪ ،‬و«المعتمد في‬
‫الفقه الشافعي» للدكتور محمد الزحيلي‪ ،‬و«التقريرات السديدة في المسائل‬
‫المفيدة» للسيد حسن الكاف‪ ،‬و«المسائل المشهورة في فقه العبادات» أصدرتها‬
‫دائرة اإلفتاء األردنية‪.‬‬
‫وأما فيما يتعلق بالدراسات األكاديمية فقد ُكتب عشرات األبحاث المحكمة‬
‫والرسائل الجامعية في أصول المذهب الشافعي وفروعه وتاريخه‪ ،‬ومن أشهر‬
‫هذه الدراسات األكاديمية‪« :‬المذهب عند الشافعية» للدكتور محمد إبراهيم‬
‫علي‪ ،‬و«المعتمد عند الشافعية» للدكتور محمد عمر الكاف‪ ،‬و«المدخل إلى‬
‫مذهب اإلمام الشافعي» للدكتور أكرم القواسمي‪ ،‬وهو مطبوع‪ ،‬و«تطور الفكر‬
‫األصولي عند المتكلمين» للدكتور أحمد الحسنات‪ ،‬وهو مطبوع‪ ،‬و«القواعد‬
‫األصولية في كتاب تحفة المحتاج بشرح المنهاج» للدكتور مرتضى علي‬
‫الداغستاني‪ ،‬وقد ُطبِع األخير بعنوان «المدخل إلى أصول المذهب الشافعي»‪.‬‬

‫أبرز علماء المذهب في العصر الحديث‪:‬‬


‫‪1‬ـ العالمة أحمد بن عمر الشاطري (ت‪1360‬هـ)‪.‬‬
‫‪2‬ـ العالمة عبد الكريم المدرس (ت‪1426‬هـ) مفتي العراق‪.‬‬
‫‪111‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪3‬ـ العالمة الدكتور نوح القضاة (ت‪1431‬هـ) مفتي األردن‪.‬‬


‫‪4‬ـ العالمة أحمد الدوغان (ت‪1434‬هـ) شيخ مدرسة الشافعية باإلحساء‪.‬‬
‫‪5‬ـ العالمة سالم الشاطري (ت‪1439‬هـ)‪.‬‬
‫‪6‬ـ العالمة محمد بن علي الخطيب أم َّد اهلل في عمره‪.‬‬
‫‪7‬ـ العالمة عبد العزيز الشهاوي أمد اهلل في عمره‪ ،‬شيخ الشافعية في مصر‪.‬‬
‫‪8‬ـ العالمة زين بن سميط أمد اهلل في عمره‪ ،‬يُل َّقب بالشافعي الصغير‪.‬‬
‫‪9‬ـ العالمة قاسم البحر القديمي أمد اهلل في عمره‪ ،‬من كبار فُقهاء الشافعية‬
‫في اليمن‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪112‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫أبرز أعلام المذهب‬

‫يتناول هذا الفصل نُب ًذا شهيرةً ونُزهًا نضيرةً في مناقب بعض أعالم السادة‬
‫مر القرون‪ ،‬بحيث ال يخلو قر ٌن من ترجمة علَ ٍم أو علَ َمين‬ ‫الشافعية ال ِعظام على ِّ‬
‫تحتوي على التعريف بحياته الشخصية (االسم‪ ،‬والمولد‪ ،‬والنشأة‪ ،‬وتاريخ‬
‫الوفاة) ومُصنَّفاته‪ ،‬ومكانته في المذهب‪ ،‬وقد انتُخبَت من كتب الكرام من‬
‫التراجم والسير‪ ،‬مستعينًا باهلل وقوته أن يُعطى ك ُّل عالم ح َّقه‪ ،‬وإلى اهلل المآل‪.‬‬

‫‪1‬ـ أبو يعقوب البو يطي(‪( )1‬ت‪231‬هـ)‬


‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬
‫صاحب الشافعي رضي اهلل‬ ‫ُ‬ ‫أبو يعقوب يوسف بن يحيى المصري البُ َويطي‪،‬‬
‫جبال العل ِم والدي ِن‪.‬‬ ‫مناظرا ً‬
‫جبل من ِ‬ ‫ً‬ ‫عنه كان إمامًا ً‬
‫جليل عابدًا زاهدًا فقي ًها عظي ًما‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫مصر‬
‫َ‬ ‫ُول ِ َد أبو يعقوب في «ب ُ َويط» من صعيد مصر‪ ،‬ثم انتقل إلى محد ِ‬
‫ِّث‬

‫((( انظر ترجمته في‪ :‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪ ،‬البن خلكان (‪ ،)61 :7‬والوافي‬
‫بالوفيات للصفدي (‪ ،)164 :29‬وطبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬لتاج الدين السبكي (‪:2‬‬
‫‪ ،)162‬وطبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة (‪ ،)70 :1‬وسير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي (‪:12‬‬
‫‪ ،)72‬واألعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)257 :8‬‬
‫‪113‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫األحاديث النبويةَ منه‪ ،‬وتف َّقه عليه‪،‬‬


‫َ‬ ‫عب ِد اهلل بن وهب(‪ )1‬الفقيه المالكي‪َ ،‬‬
‫فس ِم َع‬
‫ثم ل ّما ق َ ِدم اإلما ُم الشافعي إلى مصر سنة ‪199‬هـ في آخر رحالته العلمية‪،‬‬
‫فانبهر بعلمه ولم يفارق مج ِل َسهُ مدة حياة الشافعي‪ ،‬فتف َّقهَ‬
‫َ‬ ‫جلس إليه البويطي‬
‫جبل من جبال العلم والدين‪.‬‬ ‫بصحبَته حتى صار ً‬ ‫واختص ُ‬
‫َّ‬ ‫عليه‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬


‫جبًا‬
‫الشافعي ُمع َ‬
‫ُّ‬ ‫لقد كان البويطي عند اإلمام الشافعي ذا منزلة عظيمة‪ ،‬وكان‬
‫بنجابته حتى قال الشافعي في حقه‪« :‬ليس في أصحابي أعل ُم من البويطي»(‪.)2‬‬
‫«سل أبا‬
‫وكان الشافعي إذا سأله رجل مسألة يوليه إلى البويطي‪ ،‬ويقول له‪َ :‬‬
‫يعقوب»‪ ،‬فإذا أجابه أخبره‪ ،‬فيقول‪ :‬هو كما قال(‪.)3‬‬
‫الشافعي بمكان َمكين‪ .‬وقال أبو عاصم‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫وقال الربيع‪ :‬كان أبو يعقوب من‬
‫كان الشافعي رضي اهلل عنه يعتمد البويطي في الفتيا ويُحيل عليه إذا جاءته‬
‫فتخرجت على يديه أئ ّم ٌة‬
‫َّ‬ ‫مسألة‪ ،‬قال‪ :‬واستخلفه على أصحابه بعد َموتِه‪،‬‬
‫ت َف َّرقوا في البالد‪ ،‬ونشروا عل َم الشافعي في اآلفاق(‪.)4‬‬
‫وقال القاضي ابن شهبة ن َ ً‬
‫قل عن اإلمام النووي‪« :‬إ ّن أبا يعقوب البُ َويطي‬
‫أ َج ُّل من ال ُمزَني والربيع المرادي»(‪ ،)5‬ولكي تعرف المدى الذي وصل إليه‬

‫((( عبد اهلل بن وهب بن مسلم الفهري بالوالء‪ ،‬المصري‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬فقيه من األئمة من‬
‫أصحاب اإلمام مالك‪ ،‬جمع بين الفقه والحديث والعبادة‪ ،‬توفِّي ‪197‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪،‬‬
‫للزركلي (‪.)144 :4‬‬
‫((( وفيات األعيان (‪.)63 :7‬‬ ‫((( تاريخ اإلسالم‪ ،‬للذهبي (‪.)977 :5‬‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)163 :2‬‬
‫((( طبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة (‪.)71 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪114‬‬

‫قامتان‬ ‫(‪)2‬‬‫والربيع المرادي‬ ‫البويطي في العلم ال ب َّد أن تعرفَ أ ّن المزني‬


‫(‪)1‬‬

‫شامختان في العلم والدين‪ ،‬وكان لهما مكانهما عند اإلمام الشافعي‪.‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬ذكر شيء من محنته‬


‫ِ‬
‫القول بخلق القرآن‬ ‫الفترة التي عاش فيها البويطي انتشرت فيها بدعةُ‬
‫خاصةً في بغداد على يد بعض‬‫ّ‬ ‫الكريم‪ ،‬وبدأت تَروج في العالم اإلسالمي‬
‫الناس على القول بخلق القرآن علماءهم وعوامَّهم‪ ،‬وكان‬
‫َ‬ ‫المعتزلة‪ ،‬وحملوا‬
‫من بينهم العالم الجليل البويطي شأنه شأن الكثير من علماء عصره الذي وقع‬
‫عليه االمتحان‪ ،‬فقد ذكر الربيع المرادي‪ :‬أنه َسعى بالبويطي أبو بكر األصم‬
‫عند قاضي المحنة ابن أبي دؤاد حتى كتب فيه ابن أبي دؤاد إلى والي مصر أن‬
‫يمتحنَه على القول بخلق القرآن‪ ،‬وكان الوالي حسن الرأي في البويطي مُحبًّا‬
‫له مُع ّظ ًما لعلمه وورعه‪ ،‬فقال له‪ :‬قل فيما بيني وبينك‪ ،‬قال‪ :‬إنه يقتدي بي مئة‬
‫ألف‪ ،‬وال يدرون المعنى‪ ،‬فامتنع من اإلجابة على ذلك (‪.)3‬‬
‫بسجنه و َحم ِله إلى بغداد بالحديد‪ ،‬وقد ص َّو َر لنا‬ ‫فأمر اب ُن أبي داؤد َ‬
‫َ‬
‫متمس ًكا وثابتًا في رأيه قال‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫الربيع بن سليمان المشه َد بقدر ما كان رحمه اهلل‬
‫رأيت البويطي على بَغل وفي ُعنُقه ُغ ٌّل‪ ،‬وفي رجليه قَيد‪ ،‬وبين ال ُغ ِّل والقيد‬
‫ُ‬
‫سلسلة حديد‪ ،‬وهو يقول‪ :‬إنما خل َق اهللُ الخل َق بـ« ُكن»‪ ،‬فإذا كانت مخلوقةً‬

‫((( ستأتي ترجمته‪.‬‬


‫((( الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي بالوالء‪ ،‬المصري‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬صاحب‬
‫الشافعي وراوي ُكتُبه‪ ،‬وأول من أملى الحديث بجامع ابن طولون‪ ،‬توفِّي ‪270‬هـ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإلمام‬
‫انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)14 :3‬‬
‫((( سير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي (‪.)460 :9‬‬
‫‪115‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫فكأ ّن مخلوقًا ُخ ِلق بمخلوق‪ ،‬ولئِن أُدخلت عليه ألصدُقنَّه ‪-‬أي‪ :‬أقنعه‪ -‬يعني‬
‫الواثق‪ ،‬وألمُوت َّن في حديدي هذا حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا‬
‫الشأن قوم في حديدهم(‪.)1‬‬
‫يقول التاج السبكي‪ :‬وما كان أبو يعقوب ليموت إال في الحديد‪ ،‬كيف‬
‫وقد قال الربي ُع‪« :‬كنت عند الشافعي أنا‪ ،‬وال ُمزَني‪ ،‬وأبو يعقوب‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫أنت تموت في الحديث‪ ،‬وقال ألبي يعقوب‪ :‬أنت تموت في الحديد‪ ،‬وقال‬
‫لل ُمزَني‪ :‬هذا لو ناظره الشيطان لقطعه»(‪.)2‬‬

‫خامسًا ‪ :‬تصانيفه‪:‬‬
‫ختصر البُ َويطي»(‪ )3‬الذي اختصره من كالم الشافعي‬
‫له ال ُمختَصر المشهور «مُ َ‬
‫رضي اهلل عنه‪.‬‬

‫سادسًا ‪ :‬وفاته‬
‫مات البُ َويطي في شهر رجب سنة إحدى وثالثين ومئتين ‪231‬هـ في سجن‬
‫بغداد في ال َقيد وال ُغ ِّل رحمه اهلل تعالى(‪.)4‬‬

‫((( طبقات الشافعية الكبرى (‪.)165 :2‬‬ ‫((( وفيات األعيان (‪.)62 :7‬‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)165 :2‬‬ ‫((( مطبوع في دار المنهاج‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪116‬‬

‫‪2‬ـ أبو إبراهيم المزني(‪( )1‬ت‪264‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫هو إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق ال ُمزَني المصري‪،‬‬
‫صاحب اإلمام الشافعي رضي اهلل عنه‪ ،‬ناصر المذهب وبدر سمائه‪.‬‬
‫ُ‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ُولِد في مصر سنة خمس وسبعين ومئة ‪175‬هـ‪ ،‬أخذ عن اإلمامين‬
‫الشافعي ونُعَيم بن حماد(‪ )2‬وغيرهما‪ ،‬حدَّث عنه‪ :‬إمام األئمة أبو بكر بن‬
‫النيسابوري(‪ ،)4‬وأبو جعفر الطحاوي(‪ ،)5‬وأبو نُعَيم‬
‫ُّ‬ ‫ُخزَيمة(‪ ،)3‬وأبو بكر بن زياد‬

‫((( انظر ترجمته في‪ :‬طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪ ،)93 :2‬وطبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي‬
‫شهبة (‪ ،)58 :1‬وسير أعالم النبالء (‪ ،)492 :12‬واألعالم‪ ،‬للذهبي (‪.)329 :1‬‬
‫((( نُعَيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬أول من جمع «المسند»‬
‫في الحديث‪ ،‬كان من أعلم الناس بالفرائض‪ .‬توفِّي ‪228‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)40 :8‬‬
‫السلمي‪ ،‬أبو بكر‪ ،‬إمام نيسابور في عصره‪ .‬كان فقي ًها مجتهدًا‬
‫((( محمد بن إسحاق بن خزيمة ُّ‬
‫عال ًما بالحديث‪ .‬توفِّي ‪311‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)29 :6‬‬
‫النيسابورى‪ ،‬أبو بكر‪ :‬حافظ للحديث‪ ،‬كان إمام الشافعية في‬
‫ّ‬ ‫((( عبد اهلل بن محمد بن زياد‬
‫عصره بالعراق‪ .‬توفي ‪324‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)119 :4‬‬
‫األزدي الطحاوي‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬فقيه انتهت إليه رياسة‬
‫ّ‬ ‫((( أحمد بن محمد بن سالمة بن سلمة‬
‫الشافعي‪ ،‬ثم‬
‫ّ‬ ‫الحنفية بمصر‪ .‬ولد ونشأ في (طحا) من صعيد مصر‪ ،‬وتفقه على مذهب‬
‫تحول حنفيًّا‪ .‬توفي ‪321‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي(‪.)206 :1‬‬
‫‪117‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫ابن عدي(‪ ،)1‬وخل ٌق كثير من ال َمشا ِرقة وال َمغاربة‪.‬‬

‫كان رضي اهلل عنه زاهدًا عال ًما مجتهدًا‪ ،‬وكان إذا فرغ من تبييض مسألة‬
‫ختصره صلى هلل تعالى ركعتين‪ ،‬وكان إذا فاتَته صالة الجماعة‬ ‫وأودعها ُم َ‬
‫غسل الموتى تعبُّدًا واحتسابًا‪،‬‬
‫خمسا وعشرين مرة‪ ،‬وكان يُ ِّ‬
‫ً‬ ‫صلَّى تلك الصالة‬
‫غسل‬ ‫تعانيت غس َل الموتى لير َّ‬
‫ق قلبي فصا َر لي عادة‪ ،‬وهو الذي َّ‬ ‫ُ‬ ‫وكان يقول‪:‬‬
‫الشافعي ـ رحمهما اهلل ـ(‪.)2‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬

‫حظي ال ُمزَني من الشافعي وال َزمه‪ ،‬قال الشافعي رضي اهلل عنه في‬
‫َ‬ ‫بعد أن‬
‫وصفه‪« :‬لو ناظره الشيطان لغلبه»‪ .‬وقال‪« :‬ال ُمزَني ناصر مذهبي»(‪.)3‬‬

‫وقال القاضي ابن ُشهبة‪« :‬وكان زاهدًا عال ًما مجتهدًا محجا ًجا غ ّو ً‬
‫اصا‬
‫وأعرفُهم ب ُط ُرقه وفتاويه وما‬
‫َ‬ ‫على المعاني الدقيقة‪ ،‬وهو َ ُ‬
‫غمام الشافعيين(‪)4‬‬

‫ينقله عنه»(‪.)5‬‬

‫جرجاني األستراباذي‪ ،‬نزيل جرجان‪ ،‬فقيه‪:‬‬ ‫عدي‪ ،‬أبو نعيم ال ُ‬


‫ّ‬ ‫((( عبد الملك بن محمد بن‬
‫حافظ للحديث‪ ،‬له تصانيف‪ ،‬منها كتاب الضعفاء في رجال الحديث‪ ،‬ت ُ ُوفِّي ‪323‬هـ‪ .‬انظر‪:‬‬
‫األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)162 :4‬‬
‫((( سير أعالم النبالء (‪.)495 :12‬‬
‫((( سير أعالم النبالء (‪.)495 :12‬‬
‫((( َغمامة يجمع على َغمام و َغمائم وهي‪ :‬السحاب‪ .‬انظر‪ :‬تاج العروس (‪.)181 :33‬‬
‫((( وفيات األعيان (‪.)217 :2‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪118‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬تصانيفه ‪:‬‬

‫«الجامع الكبير»(‪ ،)1‬و«شرح السنة»(‪ ،)2‬و«مختصر المزني في فروع‬


‫الشافعية»(‪.)3‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬

‫ت ُ ُوفي في رمضان سنة أربع وستين ومئتين ‪264‬هـ‪ ،‬عن عمر يناهز تسعًا‬
‫وثمانين سنة رحمه اهلل تعالى‪.‬‬

‫((( غير مطبوع‪.‬‬


‫((( مطبوع‪ ،‬بيَّ َن ال ُمؤلِّف في كتابه بيان طريقة أهل السنة والجماعة في األسماء والصفات‪،‬‬
‫وعبادة اهلل عز وجل‪ ،‬وحق الرسول ﷺ‪ ،‬وحق الصحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬وحق األولياء‬
‫واألئمة‪ ،‬والبعث والنشور‪ ،‬وطاعة ولي األمر‪ ،‬واإلمساك عن تكفير أهل القبلة‪.‬‬
‫((( مطبوع‪.‬‬
‫‪119‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪3‬ـ ابن سُريج(‪( )1‬ت‪306‬هـ)‬


‫َ‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫أبو العباس أحمد بن عمر بن ُس َريج البغدادي القاضي‪ ،‬شيخ الشافعية في‬
‫عصره‪ ،‬صاحب ال ُمصنَّفات‪ ،‬ال ُملَ َّقب بـ«الباز األشهب»(‪.)2‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫أصحاب ُسفيان بن‬
‫َ‬ ‫ُولِد في بغداد سنة تسع وأربعين ومئتين ‪249‬هـ‪ ،‬ل َ ِح َق‬
‫عيينة‪ ،‬ووكيع‪.‬‬
‫وعلي بن‬
‫ِّ‬ ‫وسمع من الحسن بن محمد الزعفراني تلمي ِذ الشافعي‪،‬‬
‫السجِ ستاني(‪ ،)4‬وغي ِرهم‪ )5(،‬وتف َّقه على العالمة أبي القاسم‬
‫إشكاب(‪ ،)3‬وأبي داود ِّ‬
‫((( انظر ترجمته في‪ :‬وفيات األعيان (‪ ،)66 :1‬والوافي بالوفيات‪ ،‬للصفدي (‪ ،)170 :7‬وطبقات‬
‫الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪ ،)21 :3‬وطبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة (‪،)89 :1‬‬
‫واألعالم‪ ،‬للزركلي (‪ ،)185 :1‬وطبقات الفقهاء‪ ،‬للشيرازي (‪ ،)109 :1‬والفهرست‪،‬‬
‫البن النديم (‪ ،)263 :1‬وسير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي (‪.)201 :14‬‬
‫((( باز‪ :‬ضرب من الصقور‪ ،‬يستخدم في الصيد‪ ،‬والمعنى أن الشيخ عالي المكانة بين العلماء‪.‬‬
‫((( علي بن إشكاب‪ ،‬أبو الحسن البغدادي محدِّث‪ ،‬فاضل‪ ،‬متقن‪ .‬تُوفِّي‪261‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬سير‬
‫أعالم النبالء (‪.)352 :12‬‬
‫((( سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشير األزدي السجستاني‪ ،‬أبو داود‪ ،‬إمام أهل الحديث‬
‫في زمانه‪ .‬تُوفِّي ‪275‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)122 :3‬‬
‫((( سير أعالم النبالء (‪.)201 :14‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪120‬‬

‫األنماطي(‪ )1‬صاحب ال ُمزَني‪ ،‬وبه انتشر مذهب الشافعي ببغداد‪ ،‬ولِي اب ُن سريج‬
‫وتخر َج عليه عددٌ‬
‫َّ‬ ‫مذهب الشافعي ببغداد‪،‬‬
‫ُ‬ ‫انتشر‬
‫َ‬ ‫القضاءَ ِ‬
‫بشيراز وبسبب ذلك‬
‫كبير من الطلبة حتى صار اب ُن سريج يفضل على جميع أصحاب الشافعي‪،‬‬
‫حتى على ال ُمزَني‪ ،‬وقام بنُصرة مذهب الشافعي‪ ،‬وردَّ على المخالفين(‪.)2‬‬
‫ح ِكي أنه قال له أبو العباس‬
‫وقد ناظر أبو العباس اإلما َم داود الظاهري(‪ ،)3‬ف ُ‬
‫ۡ َۡ َ‬ ‫ۡ َۡ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫يومًا‪ :‬أنت تقول بالظاهر‪﴿ ،‬ف َمن َي ۡع َمل مِثقال ذ َّر ٍة خ ۡي ٗرا يَ َرهُۥ * َو َمن َي ۡع َمل مِثقال‬
‫َ َٗ‬
‫ً‬
‫طويل‪،‬‬ ‫ذ َّرة ٖ ش ّرا يَ َرهُۥ ﴾ [الزلزلة‪ ،]8 ،7 :‬فمن يعمل نِصف مثقال؟! فسكت مُحمد‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫فقال له أبو العباس‪ :‬ل ِ َم ال تجيب؟! فقال‪ :‬أبلعني ريقي‪ ،‬فقال له أبو العباس‪:‬‬
‫ُك دجلة‪ ،‬وقال له يومًا‪ :‬أم ِهلني ساعة‪ ،‬فقال‪ :‬أمهلت َ‬
‫ُك من الساعة إلى أن‬ ‫أبلعت َ‬
‫تقو َم الساعة(‪.)4‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬


‫يُ َع ُّد اب ُن سريج عل ًما من أعالم الشافعية في الفقه والدين‪ ،‬قال عنه الشيخ أبو‬
‫حامد اإلسفراييني‪« :‬نحن نجري مع أبي العباس في ظواه ِر الفقه دون دقائِ ِقه»(‪.)5‬‬

‫((( عثمان بن سعيد بن بشار‪ ،‬أبو القاسم األنماطي البغدادي األحول‪ ،‬أحد أئمة الشافعية في‬
‫عصره‪ .‬تُوفِّي ‪288‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬طبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة (‪.)81 :1‬‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)22 :3‬‬
‫((( داود بن علي بن خلف األصبهاني‪ ،‬أبو سليمان‪ ،‬ال ُمل َّقب بالظاهري‪ ،‬أحد األئمة المجتهدين‬
‫وس ِّميت بذلك ألخذها بظاهر الكتاب والسنة‬
‫نسب إليه مذهب الظاهرية‪ُ ،‬‬ ‫في اإلسالم‪ .‬يُ َ‬
‫وإعراضها عن التأويل والرأي والقياس‪ .‬تُوفِّي ‪270‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)333 :2‬‬
‫((( وفيات األعيان (‪ ،)66 :1‬وطبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)24 :3‬‬
‫((( سير أعالم النبالء (‪.)202 :14‬‬
‫‪121‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫األشهب‪ ،‬واألس ُد الضاري على‬ ‫ُ‬ ‫السبكي في وصفه‪« :‬البا ُز‬


‫وقال التاج ُّ‬
‫ق في سمائِه‪،‬‬‫شيخ ال َمذهَب‪ ،‬وحام ُل لوائِه‪ ،‬والبد ُر ال ُمش ِر ُ‬
‫المذهب‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫خصوم‬
‫ِ‬
‫ق بروائه‪ ،‬ليس من األصحاب إال مَن هو حائم على معينه‪ ،‬هائم‬ ‫والغيث ال ُمغ ِد ُ‬
‫ُ‬
‫من جوه ِر بحره بثمينه(‪.)1‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬تصانيفه‬
‫مُصنَّفات الشيخ كثيرة حتى قيل‪ :‬إنها بلغت أربع مئة مُصنَّف(‪ )2‬إال أن‬
‫المشهور من هذه المصنفات‪« :‬الرد على ابن داود في إبطال القياس»‪ ،‬و«ال ُغنية‬
‫في فروع الشافعية»‪ ،‬و«البيان عن أصول األحكام»‪.‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫ت ُ ُوفِّي في ُجمادى األولى سنة ست وثالث مئة ‪306‬هـ عن سبع وخمسين‬
‫سنة ببغداد رحمه اهلل تعالى‪.‬‬

‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)21 :3‬‬


‫((( لم نجد أي كتاب مطبوع للمؤلف‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪122‬‬

‫‪4‬ـ إمام الحرمين أبو المعالي الجويني(‪( )1‬ت‪478‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫عبد الملك بن عبد اهلل بن يوسف بن عبد اهلل بن يوسف بن محمد‪ ،‬العالمة‬
‫إمام الحرمين ضياء الدين أبو المعالي ابن الشيخ أبي محمد الجويني‪ ،‬رئيس‬
‫الشافعية بنيسابور‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ولد في مدينة نَيسابُور(‪ )2‬سنةَ ‪419‬هـ اعتنى به والدُه ‪-‬أبو محمد الجويني‪-‬‬
‫ب به ويُ َس ُّر لما يرى فيه من مخايل‬
‫ج ُ‬ ‫ص َغره وتفقه عليه‪ ،‬وكان والده يُع َ‬‫منذ ِ‬
‫النجابة وأمارات الفالح‪ ،‬وج َّد واجته َد في المذهب والخالف واألصلين‬
‫(أصول الفقه والدين) وغي ِرها‪ ،‬وشاع اس ُمه واشتهر حتى بلغ العراق‪ ،‬والشام‪،‬‬
‫وض ِربت باسمه األمثا ُل حتى صار إلى ما صار إليه‪،‬‬ ‫والحجاز‪ ،‬وتِهامة‪ ،‬ومصر‪ُ ،‬‬
‫التدريس فكان يُد ِّرس‪ ،‬ثم يذهب‬
‫ِ‬ ‫تُوفِّي والدُه وله عشرون سنة‪ ،‬فأُق ِعد مكانَه في‬
‫حصل األصول عند أستاذه أبي القاسم‬ ‫بعد ذلك إلى مدرسة البيهقي حتى َّ‬

‫((( انظر ترجمته في‪ :‬وفيات األعيان (‪ ،)167 :3‬والوافي بالوفيات‪ ،‬للصفدي (‪،)116 :9‬‬
‫وطبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪ ،)165 :5‬وطبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة‬
‫(‪ ،)255 :1‬واألعالم‪ ،‬للزركلي (‪ ،)160 :4‬وفقه إمام الحرمين‪ ،‬خصائصه‪ ،‬أثره‪ ،‬منزلته‪،‬‬
‫لعبد العظيم الديب‪.‬‬
‫((( مدينة في مقاطعة خراسان‪ ،‬شمالي شرق إيران‪ ،‬قرب العاصمة اإلقليمية مشهد‪.‬‬
‫‪123‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫اإلسكاف اإلسفراييني(‪ ،)1‬وكان يواظب على مجلسه(‪.)2‬‬


‫دروسا‪ ،‬يقع‬
‫ً‬ ‫التوسع في العبارة ما لم يُع َهد من غيره‪ ،‬وكان يذكر‬
‫ُّ‬ ‫ُر ِزق من‬
‫س‬ ‫كل واحد منها في عدة أوراق‪ ،‬وال يتلعثم في كلمة منها‪ ،‬وكان إذا وع َ‬
‫َظ ألبَ َ‬
‫خشية‪ ،‬وإذا نا َظر قام الح ُّق معه‪ ،‬وإذا قصد ربا َع المبتدع ِة هدَم‬‫األنفس من ال َ‬
‫ُشبَ َهها ببراهين قائمة على َع َم ٍد‪.‬‬
‫الطلب والدارسون‪ ،‬وما‬ ‫ّ‬ ‫توجه إلى بغداد فأقام فيها فترة وتوافد عليه‬
‫لبث أن رحل إلى مكة وظ َّل بها أربع سنوات يد ِّرس ويفتي وينا ِظر‪ ،‬ويج َم ُع‬
‫ق المذهب حتى ل َّقبَه الناس بـ«إمام الحرمين» ل ِعلمه واجتهاده وإمامته‪ ،‬ثم‬‫طر َ‬ ‫ُ‬
‫ر َج َع إلى نيسابور وتولَّى التدريس بـ«المدرسة النظامية» وب َ ِقي على ذلك قريبًا‬
‫والتدريس‬
‫ُ‬ ‫المحراب وال ِم ُ‬
‫نبر‬ ‫ُ‬ ‫من ثالثين سنة غير مزا َحم وال ُمدافَع‪ُ ،‬مسلَّ ٌم له‬
‫جم ُع العَظيم من‬‫األكابر وال َ‬
‫ُ‬ ‫ومجلس الوعظ‪ ،‬ظهرت تصاني ُفه وحضر درس َه‬ ‫ُ‬
‫اإلسالم اإلمام الغزالي‪ ،‬وقد أثَّر فيه ً‬
‫كثيرا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫جة‬‫الطلبة‪ ،‬وكان ِمن أبر ِز تالمي ِذه‪ُ :‬ح ّ‬
‫وافي(‪.)3‬‬
‫خ ّ‬ ‫وإلكيا الهراسي‪ ،‬وال َ‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬


‫حبر‪ ،‬المدق ِّ ُق‬
‫حر‪ ،‬ال َ‬
‫اإلسالم البَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫شيخ‬ ‫يقول التاج السبكي‪« :‬هو اإلما ُم‪،‬‬

‫((( عبد الجبار بن علي بن محمد‪ ،‬األستاذ أبو القاسم اإلسفراييني‪ ،‬المعروف باإلسكاف‪ ،‬تلميذ‬
‫األستاذ الشيخ أبي إسحاق اإلسفراييني‪ ،‬وشيخ إمام الحرمين في الكالم له المصنفات في‬
‫األصلين وفي الجدل‪ ،‬عديم النظير في وقته‪ ،‬ما ُرئِي مثلُه‪ .‬تُوفِّي ‪452‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬طبقات‬
‫الشافعية البن قاضي شهبة (‪.)229 :1‬‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)168 :5‬‬
‫((( وفيات األعيان (‪ ،)168 :3‬وطبقات الشافعية‪ ،‬للسبكي (‪.)255 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪124‬‬

‫األديب العلَ ُم الفرد‪،‬‬


‫ُ‬ ‫الفصيح‪،‬‬
‫ُ‬ ‫األصولي‪ ،‬المتكلِّ ُم‪ ،‬البلي ُغ‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫المح ِّققُ‪ ،‬الن ّظا ُر‪،‬‬
‫وصاحب الشهرة التي‬
‫ُ‬ ‫زين ُة المح ِّققين‪ ،‬إما ُم األئمة على اإلطالق عج ًما وعربًا‪،‬‬
‫حداة بها شرقًا وغربًا»(‪.)1‬‬
‫سارت السراةُ وال ُ‬
‫الشيرازي‪« :‬تمتَّعوا بهذا اإلمام؛ فإنه نزهة هذا‬
‫ُّ‬ ‫وقال الشيخ أبو إسحاق‬
‫الزمان»‪.‬‬
‫وقال له مرة‪« :‬يا مفيد أهل المشرق والمغرب‪ ،‬لقد استفاد من علمك‬
‫األولون واآلخرون»(‪.)2‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬تصانيفه‬
‫صنَّف في الفقه‪ ،‬واألصول‪ ،‬و ِعلم الكالم‪ ،‬والسياسة الشرعية والجدَل‪.‬‬
‫في الفقه‪،‬‬ ‫ومن هذه المصنفات‪« :‬نهاية ال َمطلب في دراية المذهب»‬
‫(‪)3‬‬

‫و«الشامل في أصول الدين»(‪ ،)4‬و«اإلرشاد إلى قواطع األدلة في أصول االعتقاد»(‪،)5‬‬

‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)165 :5‬‬


‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)172 :5‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬وهو شرح لكتاب مختصر المزني‪ ،‬وهو من أمَّهات كتب الشافعيَّة الكبار؛ يحوي‬
‫تقرير القواعد‪ ،‬وتحرير الضوابط والمقاصد‪ ،‬وتبيين مآخذ الفروع؛ لذا قال ابن عساكر‪« :‬ما‬
‫صنِّف في اإلسالم مثله»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وحرر فيه المباحث‪ ،‬ودقَّق النظر‪ ،‬وذ َكر الحق المحض‪،‬‬
‫َّ‬ ‫((( مطبوع‪ ،‬ج َمع فيه معظ َم القواعد‪،‬‬
‫يحاب أحدًا‪ ،‬ونبَّه على مواض َع مُشكلة‪ ،‬وأوضح معانيها وح َّقق مبانيها‪ .‬وأوضح األدلة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ولم‬
‫واستقصى األمثلة‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬أورد فيه األدلة العقلية والنقلية ألصول االعتقاد الصحيح‪ ،‬وردَّ فيه على كثير من‬
‫أهل األهواء والبدع والفرق اإلسالمية والمالحدة‪ ،‬مستندًا إلى النظر العقلي الصحيح الذي‬
‫يعتمد على القرآن والسنة‪.‬‬
‫‪125‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫ِ‬
‫التياث‬ ‫في أصول الفقه‪ ،‬و« ِغ ُ‬
‫ياث األمم في‬ ‫(‪)2‬‬‫و«البرهان»(‪ ،)1‬و«الورقات»‬
‫ال ُّظلَم»(‪.)3‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫ج َويني‪ ،‬وأُصيب ب ِعلّة شديدة‪ ،‬فطلب االنتقال إلى مدينة‬
‫مرض اإلمام ال ُ‬
‫تُس َّمى «بشتنقان» موصوفة باعتدال الهواء‪ ،‬فمات بها ليلة األربعاء سنة ثمان‬
‫وسبعين وأربع مئة ‪478‬هـ‪ ،‬عن عمر بلغ ‪ 59‬عا ًما رحمه اهلل تعالى(‪.)4‬‬
‫مما قيل في ِرثائه(‪:)5‬‬
‫َوأيّــا ُم الــ َو َرى ِشــب ُه الليالِي‬ ‫ــوب العال َ ِمي َن على ال َمقالِي‬
‫قُلُ ُ‬
‫َوق َ َد َ‬
‫مات اإلما ُم أبو ال َمعالِي؟!‬ ‫ضل يَو ًما‬ ‫ــر ُغص ُن ِ‬
‫أهل ال َف ِ‬ ‫أيُث ِم ُ‬

‫((( مطبوع‪ ،‬وهو يع ُّد من أهم كتب أصول الفقه ومرجعها‪ ،‬قال السبكي في وصفه‪« :‬لُغ ُز األمة»‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬وهو يع ُّد أول كتاب يدرسه طالب العلم في أصول الفقه‪ ،‬ثم يهتدي بعد ذلك إلى‬
‫الكتب األخرى‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬يع ُّد من أبرز الكتب الجامعة في أحكام اإلمامة والسياسة الشرعية‪.‬‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)181 :5‬‬
‫((( وفيات األعيان (‪.)170 :3‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪126‬‬

‫‪5‬ـ أبو حامد الغزالي(‪( )1‬ت‪505‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫الطوسي الفقي ُه‬
‫ُّ‬ ‫الغزالي‬
‫ُّ‬ ‫أبو حامد محم ُد ب ُن محم ِد بن محمد بن أحم َد‬
‫الشافعي‪ ،‬ال ُمل َّقب بـ«حجة اإلسالم» و«زين الدين»‪ ،‬لم يكن للطائفة الشافعية‬
‫ُّ‬
‫في آخر عصره مثلُه‪.‬‬
‫والغزّالي(‪ :)2‬نسبة إلى صناعة الغزل‪ ،‬حيث كان أبوه يعمل في تلك الصناعة‪.‬‬
‫والطوسي‪ :‬نسبة إلى طوس‪ ،‬من أكبر مدن ُخراسان‪ ،‬مدينة تاريخية أثرية‬
‫تقع في إيران تُس َّمى اليوم ب َمش َهد الرضا‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ولد بطوس سنة خمسين وأربع مئة ‪450‬هـ‪ ،‬اشتغل في مبدأ أمره بالعلم‬

‫((( انظر ترجمته في‪ :‬وفيات األعيان (‪ ،)216 :4‬والوافي بالوفيات‪ ،‬للصفدي (‪،)211 :1‬‬
‫وطبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪ ،)191 :6‬وطبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة (‪:1‬‬
‫‪ ،)293‬واألعالم‪ ،‬للزركلي (‪ ،)22 :7‬وطبقات الفقهاء الشافعية‪ ،‬البن الصالح (‪،)249 :1‬‬
‫وشذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬البن العماد الحنبلي (‪.)18 :6‬‬
‫((( وقيل‪ :‬بالتخفيف نسبة إلى بلدة غزالة من قرى طوس‪ ،‬قال ابن ِخلّكان‪ :‬والمشهور خالفه‪،‬‬
‫جم البلدان لم يسمع ببلدة اسمها غزالة‪ .‬انظر‪ :‬وفيات األعيان‬
‫ويؤيد ذلك أن صاحب مُع َ‬
‫(‪.)98 :1‬‬
‫‪127‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫فتف َّقه على أحمد الراذكاني(‪ ،)1‬ثم رحل إلى نَيسابُور‪ ،‬وجلس إلى دروس إمام‬
‫تخرج في‬
‫يني فالزمه‪ ،‬وج َّد في االشتغال حتى َّ‬
‫ج َو ِّ‬
‫الحرمين أبي المعالي ال ُ‬
‫مد ٍة قريب ٍة‪ ،‬وصا َر من األعيان المشار إليهم في زمن أستاذه‪ ،‬وصنَّف في ذلك‬
‫الوقت كتابَه «المنخول في علم األصول»‪.‬‬
‫«بحر ُمغ ِدق»‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ويص ُفه بأنه‬
‫ج َويني يتبجح به ِ‬ ‫وكان أستاذُه أبو المعالي ال ُ‬
‫ج َويني إلى أن ت ُ ُوفِّي رحمه اهلل تعالى‪َ ،‬‬
‫فخر َج من نيسابو َر إلى‬ ‫ولم يزل مالزمًا لل ُ‬
‫فأكرمَه وع َّظ َمه وبالغ في اإلقبال عليه‪،‬‬
‫عسكر نيسابور قاصدًا الوزير نِظام الملك َ‬
‫وكان بحضرة الوزير جماعة من األفاضل فجرى بينهم الجدا ُل والمناظرةُ في‬
‫فظهر عليهم واشتهر اس ُمه وسارت ب ِذكره الركبان‪ ،‬ثم ف َّوضَ إليه‬
‫َ‬ ‫ِعدّة مجالس‪،‬‬
‫تدريس مدرستِه النِّظامية بمدينة بغداد‪ ،‬وكان الوزير نِظام الملك ً‬
‫زميل‬ ‫َ‬ ‫الوزير‬
‫ُ‬
‫للغزالي في دراسته‪ ،‬وكان له األثر الكبير في نشر المذهب الشافعي والعقيدة‬
‫األشعرية السنّية‪ ،‬وذلك عن طريق تأسيس المدارس النظامية المشهورة‪ ،‬قَبِل‬
‫الغزالي عرض نِظام الملك بالتدريس في المدرسة النظامية في بغداد‪ ،‬وكان‬
‫ذلك في جمادى األولى عام ‪484‬هـ‪ ،‬ولم يتجاوز الرابعة والثالثين من عمره‪،‬‬
‫وأعجب به أه ُل العراق وارتفعت عندهم منزلتُه‪ ،‬ثم ترك جميع ما كان عليه‬
‫َ‬
‫في ذي القعدة سنة ‪488‬هـ‪ ،‬وسلك طريق الزهد واالنقطاع وقصد الحج وناب‬
‫عنه أخوه أحمد في التدريس‪ ،‬فلما رجع توجه إلى الشام فأقام بمدينة دمشق‬
‫مدة يذكر الدروس في زاوية الجامع في الجانب الغربي منه‪ ،‬وانتقل منها إلى‬

‫((( راذكان براء مهملة‪ ،‬ثم ألف ساكنة‪ ،‬ثم ذال معجمة مفتوحة‪ ،‬ثم كاف ثم ألف ثم نون‪ ،‬من‬
‫قرى طوس‪ ،‬وهذا الراذكاني أحد أشياخ الغزالي في الفقه‪ ،‬تفقه عليه قبل رحلته إلى إمام‬
‫الحرمين‪ .‬انظر‪ :‬طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)91 :4‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪128‬‬

‫البيت المقدس‪ ،‬واجتهد في العبادة وزيارة المشاهد والمواضع المعظمة (‪.)1‬‬


‫عجيب الفطرة‪ ،‬مُف ِر َ‬
‫ط‬ ‫َ‬ ‫وكان رضي اهلل عنه شدي َد الذكاء‪ ،‬سدي َد النظر‪،‬‬
‫اصا عن المعاني الدقيقة‪ ،‬جب َل عل ٍم‪،‬‬ ‫قوي الحافظة‪ ،‬بعي َد الغور‪ ،‬غ ّو ً‬
‫اإلدراك‪َّ ،‬‬
‫مناظرا‪ِ ،‬محجا ًجا‪.‬‬
‫ً‬
‫ذكر الشيخ عالء الدّين علي بن الصيرفي في كتابه «زاد السالكين» أن‬
‫البريّة وبي ِده عُكازه‪،‬‬
‫القاضي أبا بكر بن العربي قال‪ :‬رأيت اإلمام الغزالي في ّ‬
‫مجلس ِ‬
‫درسه‬ ‫َ‬ ‫يحضر‬
‫ُ‬ ‫وعليه ِمرقعة‪ ،‬وعلى عاتقه َركوة‪ ،‬وقد ُ‬
‫كنت رأيتُه ببغداد‬
‫نحو أربع مئة عمامة من أكابر الناس وأفاضلهم‪ ،‬يأخذون عنه العلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫خيرا‬
‫تدريس العل ِم ببغداد ً‬
‫ُ‬ ‫فدنوت منه وسلّ ُ‬
‫مت عليه‪ ،‬وقلت له‪ :‬يا إمام! أليس‬ ‫ُ‬
‫إلي شز ًرا وقال‪:‬‬
‫من هذا؟ قال‪ :‬فنظر َّ‬
‫شمس الوصول في‬
‫ُ‬ ‫ل ّما طلع بد ُر السعادة في فلك اإلرادة‪ ،‬وجن َ َ‬
‫حت‬
‫مغارب األصول‪:‬‬
‫ِ‬
‫تصحيح أ َّو ِل مَن ِز ِل‬
‫ِ‬ ‫ُــدت إلى‬
‫وع ُ‬ ‫وسعدى ب َمع ِزل‬ ‫كت هَوى لَيلَى ُ‬
‫ت َ َر ُ‬
‫مناز ُل مَن تَهــوى ُر َوي َد َك فان ِز ِل‬ ‫ق مَ ً‬
‫هل ف َه ِذه‬ ‫بي األشــوا ُ‬
‫ونادَت َ‬
‫غزلِي نَساجا فكسرت ِمغزلي(‪)2‬‬
‫ّ ُ‬ ‫لَ َ ّ ً‬ ‫زلت لهم َغ ً‬
‫ــزل دَقي ًقا فلم أجِ د‬ ‫َغ ُ‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬


‫قال ابن النجار الحنبلي‪« :‬أبو حام ٍد إما ُم الفقهاء على اإلطالق‪ ،‬ورب ّ ُّ‬
‫اني األمة‬
‫المذهب واألصول والخالف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫برع في‬ ‫باالتفاق‪ ،‬ومجته ُد زمانِه وعي ُن أوانِه‪َ ،‬‬
‫((( وفيات األعيان (‪ ،)217 :4‬وطبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)191 :6‬‬
‫((( شذرات الذهب في أخبار من ذهب (‪.)22 :6‬‬
‫‪129‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫والجدَل وال َمنطق»(‪.)1‬‬


‫جةُ اإلسالم‪ ،‬أعجوبةُ‬
‫حر‪ُ ،‬ح ّ‬
‫الذهبي‪« :‬الشيخ اإلمامُ البَ ُ‬
‫ُّ‬ ‫وقال الحافظ‬
‫ِ‬
‫التصانيف والذكاء ال ُمف ِرط» (‪.)2‬‬ ‫الزمان‪َ ،‬زين الدين‪ ،‬صاحب‬
‫توص ُل بها‬
‫جة الدين التي يُ َّ‬
‫جة اإلسالم‪ ،‬ومح ّ‬ ‫بكي‪ُ « :‬ح ّ‬
‫الس ّ‬
‫وقال تاج الدين ُّ‬
‫برز في المنقول منها والمفهوم» (‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫أشتات العلوم وال ُم ّ‬ ‫إلى دار السالم‪ ،‬جام ُع‬

‫رابع ًا ‪ :‬تصانيفه‬
‫الغزالي في العقيدة‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والفقه وأصوله‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫صنَّف اإلمام‬
‫والتص ُّوف‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ـ «البسيط»(‪ ،)4‬و«الوسيط»(‪ ،)5‬و«الوجيز»(‪ ،)6‬و«الخالصة»(‪ )7‬جميعها في‬
‫الفقه‪.‬‬
‫ـ «إحياء علوم الدين»(‪ ،)8‬و«ميزان العمل»(‪ )9‬في التص ُّوف‪.‬‬

‫((( سير أعالم النبالء (‪.)326 :9‬‬ ‫((( سير أعالم النبالء (‪.)326 :9‬‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)192 :6‬‬
‫كامل‪ ،‬يوجد بعض الرسائل الجامعية في تحقيق بعض األبواب‪ .‬وهو مختصر‬ ‫ً‬ ‫((( غير مطبوع‬
‫لكتاب «نهاية الطلب» للجويني‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬وهو اختصار لكتابه «البسيط»‪.‬‬
‫مختصرا في الفقه الشافعي وعلم‬‫ً‬ ‫((( مطبوع‪ ،‬وهو اختصار لكتابه «الوسيط»‪ .‬يع ُّد الكتاب‬
‫الخالف‪ ،‬يتضمن آراء الشافعي إلى جانب أبي حنيفة ومالك والمزني‪ .‬وعليه شروحات‬
‫كثيرة أشهرها‪ :‬العزيز في شرح الوجيز للرافعي‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬وهو اختصار لكتاب مختصر المزني‪ ،‬بتحقيق الدكتور أمجد رشيد‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬هو كتاب جامع في األخالق والسلوك والمواعظ اإلسالمية مما جعله متميِّزًا على‬
‫ما سواه‪.‬‬
‫ويقرر أن هذه السعادة لن تنال إال بالعلم والعمل‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬هو كتاب يبيّن فيه طريق السعادة‪ِّ ،‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪130‬‬

‫ـ «المستصفى»(‪ ،)1‬و«شفاء الغليل في بيان الشبه ومسالك التعليل»(‪ )2‬في‬


‫أصول الفقه‪.‬‬
‫ـ «إلجام العوام عن علم الكالم»(‪ ،)3‬و«االقتصاد في االعتقاد»(‪،)4‬‬
‫و«معيار العلم في فن المنطق»(‪.)5‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫توفي يوم االثنين ‪14‬جمادى اآلخرة ‪505‬هـ‪ ،‬قال أحمد أخو اإلمام‬
‫توضأ أخي أبو حامد‪ ،‬وصلَّى‪ ،‬وقال‪ :‬عَلَ َّي بالكفن‬
‫الغزالي‪ :‬لما كان وقت الصبح َّ‬
‫ووضعَه على عينيه‪ ،‬وقال‪ :‬سمعًا وطاعة للدخول على ال َم ِلك‪ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫فأ َخ َذه وقبَّله‬
‫مَ َّد ِرجلَيه‪ ،‬واستقبل القبلة ومات‪ ،‬رحمه اهلل تعالى(‪.)6‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬يُ َع ُّد من أمهات علم أصول الفقه ومرجعًا هامًّا لدى العلماء والباحثين‪.‬‬
‫خصصا في الحديث عن القياس والعلة ومسالكها‪.‬‬
‫ً‬ ‫((( مطبوع‪ ،‬يع ُّد كتابًا مُ‬
‫((( مطبوع‪ ،‬هو عبارة عن رسالة في مذهب السلف‪ ،‬وقد كتبه الغزالي قبل وفاته بقليل‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مهم في عقيدة أهل السنة والجماعة ويع ُّد من الكتب الدراسية الهامة‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مهم في علم المنطق‪ ،‬وتفهيم طرق الفكر والنظر‪.‬‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)201 :6‬‬
‫‪131‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪6‬ـ أبو القاسم الرافعي(‪( )1‬ت‪623‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسين بن‬
‫زويني الرافعي(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫الحسن‪ ،‬إمام الدين أبو القاسم ال َق‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ولد في قَز ِوين سنة ‪555‬هـ ونشأ بين أسرة ُع ِرفت بال ِعلم في َكنَف وال ِده‬
‫محم ِد ب ِن عبد الكريم ال ُمل َّقب بـ«مفتي الشافعية» وكان مالزمًا لحضور الدروس‬
‫عنده‪ ،‬فسمع الحديث من جماعة منهم‪ :‬أبو حام ٍد عبد اهلل بن أبي الفتوح(‪،)3‬‬
‫والحافظ أبو العالء الحسن بن أحمد ال َع ّطار ال َه َمذاني(‪ ،)4‬ومحم ُد بن عبد الباقي‬
‫ُ‬

‫((( انظر ترجمته في‪ :‬طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪ ،)281 :8‬وطبقات الشافعية‪،‬‬
‫البن قاضي شهبة (‪ ،)75 :2‬واألعالم‪ ،‬للزركلي (‪ ،)55 :4‬وطبقات الشافعيين‪ ،‬البن كثير‬
‫(‪ ،)814 :1‬وشذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬البن العماد (‪ ،)189 :7‬وتهذيب‬
‫األسماء واللغات (‪.)264 :2‬‬
‫((( الرافعي نسبة إلى رافعان بلدة من أعمال قزوين‪ ،‬قاله النووي‪ ،‬وقيل‪ :‬نسبة إلى رافع بن‬
‫خديج‪ ،‬وقيل‪ :‬إلى أبي رافع مولى النبي ﷺ‪ .‬انظر‪ :‬طبقات الشافعيين (‪.)814 :1‬‬
‫((( عبد اهلل بن أبي الفتوح بن عمران اإلمام أبو حامد القزويني‪ ،‬تُوفِّي ‪585‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬طبقات‬
‫الشافعية الكبرى (‪.)142 :7‬‬
‫((( اإلمام الحافظ المقرئ شيخ اإلسالم‪ ،‬أبو العالء الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن‬
‫إسحاق بن حنبل الهمذاني‪ ،‬العطار‪ ،‬شيخ همذان بال مدافعة‪ .‬انظر‪ :‬سير أعالم النبالء (‪.)21:40‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪132‬‬
‫ابن البطي(‪ ،)1‬واإلمامُ أبو سليما ُن أحمد بن َحسنويه(‪ ،)2‬وحدَّث باإلجازة عن‬
‫قدسي(‪ )3‬وغيره(‪.)4‬‬
‫ِّ‬ ‫أبي ُزرعةَ ال َم‬
‫حرري مذهب الشافعية و ُمح ِّققيه في القرن السابع‬ ‫يُع ُّد اإلمام الرافعي من ُم ِّ‬
‫خين» عند الشافعية أُريد‬ ‫بشيخ الشافعية؛ فإذا أُط ِلق لفظ «الشي َ‬
‫ِ‬ ‫الهجري‪ ،‬ويُل َّقب‬
‫بهما‪« :‬أبو القاسم الرافعي» و«يحيى بن شرف النووي»‪ ،‬انتهت إليه معرفة‬
‫حا‪ ،‬زاهدًا‪ ،‬متواضعًا‪ ،‬ذا أحوال‬ ‫المذهب ودقائقه‪ ،‬كان بارعًا في العلم تقيًّا‪ ،‬صال ً‬
‫وكرامات ون ُ ُسك وتواضع‪ ،‬وكان متصد ًرا لإلفتاء والتدريس ورواية الحديث‪،‬‬
‫وكان له مجلس بقزوين للفقه‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والحديث(‪.)5‬‬
‫وكان له كرامات كثيرة ظاهرة‪ ،‬منها‪ :‬ما رواه القاضي ابن شهبة أنه أراد أن‬
‫يطالع في ُظلَم الليل فلم يجد زيتًا للمطالعة في قريته‪ ،‬فبات بها وتألم‪ ،‬فأضاءَ‬
‫ق؛ كرامةً‪ ،‬فجلس يطالع ويكتب(‪.)6‬‬ ‫له عر ٌ‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬


‫العلمة‪ ،‬ال ُمجتَ ِهد‪ ،‬إمامُ الملّة والدِّين‪،‬‬
‫وصفه ابن ال ُمل ِّقن‪« :‬اإلمام العالم ّ‬

‫((( الشيخ الجليل‪ ،‬العالم‪ ،‬الصدوق‪ ،‬مسند العراق‪ ،‬أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن‬
‫سلمان البغدادي‪ ،‬الحاجب‪ ،‬ابن البطي‪ .‬انظر‪ :‬سير أعالم النبالء (‪.)481 :20‬‬
‫((( الشيخ‪ ،‬المعمر الشهير‪ ،‬أبو حامد أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان النيسابوري‪ ،‬التاجر‪،‬‬
‫السفار‪ ،‬ابن حسنويه‪ .‬انظر‪ :‬سير أعالم النبالء (‪.)548 :15‬‬
‫((( الشيخ‪ ،‬العالم‪ ،‬المسند‪ ،‬الصدوق‪ ،‬الخير‪ ،‬أبو زرعة طاهر ابن الحافظ محمد بن طاهر بن‬
‫علي الشيباني‪ ،‬المقدسي‪ ،‬ثم الرازي‪ ،‬ثم الهمذاني‪ .‬انظر‪ :‬سير أعالم النبالء (‪.)503 :20‬‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى (‪.282 :8‬‬
‫((( شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬البن العماد (‪.)189 :7‬‬
‫((( طبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة (‪.)76 :2‬‬
‫‪133‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫المرجوع إلَى قَولهم»(‪.)1‬‬


‫ِ‬ ‫جةُ اإلسالم وال ُمس ِلمين‪ ،‬خاتِمةُ األئِ ّمة من أصحابه‬
‫ح ّ‬
‫وقال ابن قاضي ُشهبةَ‪« :‬إمام الدين‪ ،‬صاحب الشرح المشهور‪ ،‬كالعلَم‬
‫المنشور‪ ،‬وإليه يرجِ ُع عامّة الفقهاء من أصحابنا في هذه األعصار‪ ،‬في غالب‬
‫السبق‪،‬‬
‫ِ‬ ‫قصب‬
‫برز فيه على كثير م ّمن تقدَّمه‪ ،‬وحاز َ‬
‫األقاليم واألمصار‪ ،‬ولقد َ‬
‫فال يُد ِر ُك شأ َوه إال من وضع يدَيه حيث وضع قدمه»(‪.)2‬‬
‫حر في ال َمذهَب‪ ،‬وعلوم كثيرة‪...‬‬
‫وقال اإلمام النووي‪« :‬اإلمامُ البار ُع المتب ِّ‬
‫كرامات ظاهرة»(‪.)3‬‬
‫ٌ‬ ‫إنه كان من الصالحين المتم ِّكنين‪ ،‬وكانت له‬

‫رابع ًا ‪ :‬تصانيفه‬
‫لقد بلغت تصانيف هذا اإلمام الغاية في الدقة والتحرير‪ ،‬فقد ألَّف في‬
‫الفقه‪ ،‬والحديث‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والتراجم‪ ،‬والرقائق وغيرها‪.‬‬
‫فمن أهم مؤلَّفاته‪« :‬العزيز في شرح الوجيز» ويُس َّمى بـ«الشرح الكبير»‬
‫(‪)4‬‬

‫حرر»(‪ )6‬و«التذنيب»(‪ )7‬جميعها في الفقه‪ ،‬و«شرح‬


‫و«الشرح الصغير» و«ال ُم َّ‬
‫(‪)5‬‬

‫مُسنَد الشافعي»(‪.)8‬‬

‫((( البدر المنير‪ ،‬البن الملقن (‪ ((( .)317 :1‬طبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة (‪.)75 :2‬‬
‫((( تهذيب األسماء واللغات (‪.)264 :2‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬يع ُّد من أهم الكتب المطولة في فقه الشافعية‪ ،‬حاويًا للمذهب بطريقة لم يسبقه إليها‬
‫من قبله‪ ،‬فقد كان له اختيارات‪ ،‬وترجيحات‪ ،‬وتنقيح األقوال بألفاظ موجزة في إفادة المقصود‪.‬‬
‫((( قيد التحقيق‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬يع ُّد من أهم الكتب المعتمدة في المذهب‪ ،‬حوى فقه المذهب بطريقة مختصرة‪،‬‬
‫وقد اختصره النووي في متن منهاج الطالبين‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬يتعلق بالوجيز كالدقائق للمنهاج‪ ((( .‬مطبوع‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪134‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫ت ُوفِّي في أواخ ِر سنة ثالث وعشرين وست مئة ب َقزوين رحمه اهلل تعالى(‪.)1‬‬

‫((( طبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة (‪.)76 :2‬‬


‫‪135‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪7‬ـ أبو زكر يا النووي(‪( )1‬ت‪676‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫هو يحيى ابن الشيخ أبي يحيى شرف بن مُ ِّري بن حسن بن حسين بن‬
‫محمد بن جمعة بن ِحزام ِ‬
‫الحزامي النووي‪ ،‬أوح ُد دَه ِره وفري ُد عَص ِره‪ ،‬الص ّوام‬
‫الق ّوام الزاهد في الدنيا‪ ،‬الراغب في اآلخرة‪ .‬ال ُملَ َّقب بـ«محيي الدين»‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫حرم سنةَ ‪631‬هـ‪،‬‬ ‫ولد في «نوى» من أرض حوران من سورية في ال ُم َّ‬
‫َ‬
‫الشيخ كان نائ ًما إلى‬ ‫قرأ القرآ َن ببل ِده وختَ َمه‪ ،‬وقد ناه َز االحتالم‪ ،‬ذ َكر أبوه أ ّن‬
‫جنبه‪ ،‬وقد بلغ من العمر سب َع سنين ليلةَ السابع والعشرين من شهر رمضان‪،‬‬
‫فانتبَه نحو نصف الليل‪ ،‬وقال‪ :‬يا أبت ما هذا الضوء الذي َ‬
‫مل الدا َر؟ فاستيقظ‬
‫فت أنها ليلةُ ال َقدر(‪.)2‬‬
‫األه ُل جميعًا‪ ،‬قال والده‪ :‬فلم ن َ َر شيئًا‪ .‬قال‪ :‬فع ََر ُ‬
‫الشيخ‪ :‬فل ّما كان لي تس َع عشرةَ سنة‪ ،‬ق ِدم بي‬
‫ُ‬ ‫قال ابن ال َع ّطار‪ :‬قال لي‬
‫وبقيت نحو‬
‫ُ‬ ‫فسكنت المدرسةَ الرواحيةَ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تسع وأربعين‬
‫والدي إلى دمشق سنة ٍ‬
‫((( انظر ترجمته في‪ :‬طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪ ،)395 :8‬وطبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي‬
‫شهبة (‪ ،)153 :2‬واألعالم‪ ،‬للزركلي (‪ ،)149 :8‬وشذرات الذهب في أخبار من ذهب‪،‬‬
‫البن العماد (‪ ،)55 :1‬وتحفة الطالبين في ترجمة اإلمام النووي‪ ،‬البن العطار (ص‪.)1‬‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)396 :8‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪136‬‬

‫سنتين لم أضع جنبي إلى األرض‪ ،‬وكان قُوتِي بها جرايةَ المدرس ِة ال غير‪،‬‬
‫وقرأت حف ًظا ربع‬
‫ُ‬ ‫وحفظت «التنبيه»(‪ )1‬في نحو أربعة أشهر ونصف‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ُ‬
‫حح على ِ‬
‫شيخنا كمال الدين‬ ‫أشرح وأص ِّ‬
‫وجعلت َ‬
‫ُ‬ ‫«المهذب»(‪ )2‬في باقي السنة‪،‬‬
‫إسحاق المغربي‪ ،‬والزمتُه فأُعجِ ب بي وأحبَّني وجعلني أُعي ُد ألكثر جماعته‪،‬‬
‫حججت مع والدي‪ ،‬وكانت وقفة الجمعة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فل ّما كانت سنة إحدى وخمسين‬
‫وكان رحيلُنا من أول رجب فأقمنا بالمدين ِة نح ًوا من َشه ٍر ونصف(‪.)3‬‬
‫كنت أقرأ ُك َّل يوم‬
‫النووي متح ِّدثًا عن نفسه في مرحل ِة طلبِه لل ِعلم‪ُ :‬‬
‫ُّ‬ ‫وقال اإلمام‬
‫ودرسا‬
‫ً‬ ‫درسين في «الوسيط»‪،‬‬ ‫درسا على المشايخ شر ًحا وتصحي ًحا؛ َ‬ ‫اثنَي َ‬
‫عش َر ً‬
‫ودرسا في «صحيح مُس ِلم»‪،‬‬
‫ً‬ ‫ودرسا في «الجمع بين الصحيحين»‪،‬‬
‫ً‬ ‫في «ال ُمه َّذب»‪،‬‬
‫ودرسا في «اصطالح ال َمن ِطق» البن السكيت‪،‬‬
‫ً‬ ‫ودرسا في «اللمع» البن جِ نّي‪،‬‬
‫ً‬
‫ودرسا في أصول الفقه تارة في «اللُّمع» ألبي إسحاق‪،‬‬
‫ً‬ ‫ودرسا في التصريف‪،‬‬ ‫ً‬
‫ودرسا في‬
‫ً‬ ‫ودرسا في أسماء الرجال‪،‬‬
‫ً‬ ‫وتارة في «ال ُمنتَخب» لفخر الدين الرازي‪،‬‬
‫شك ٍل ووضوح عبار ٍة‬
‫شرح ُم ِ‬
‫ِ‬ ‫وكنت أُعلِّ ُق جمي َع ما يتعلَّق بها من‬
‫ُ‬ ‫أصول الدين‪،‬‬
‫فاشتريت‬
‫ُ‬ ‫وضبط لغة وبارك اهلل لي في وقتي‪ ،‬وخ َطر لي االشتغا ُل بعلم الطب‬
‫وبقيت أيامًا ال أقدر‬
‫ُ‬ ‫وعزمت على االشتغال فيه فأظلَم َّ‬
‫علي قلبي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كتاب القانون‬
‫ففكرت في أمري‪ ،‬ومن أين د َخل َّ‬
‫علي الداخل فأل َهمني اهلل‬ ‫ُ‬ ‫على االشتغال بشيء‬
‫ِ‬
‫الحال فاستنار قلبي(‪.)4‬‬ ‫فبعت القانو َن في‬
‫ُ‬ ‫بالطب‬
‫ِّ‬ ‫أن سبَبَه اشتغالي‬

‫((( لإلمام الشيرازي‪ ،‬وهو اختصار كتاب التعليقة لإلمام أبي حامد اإلسفراييني‪.‬‬
‫((( لإلمام الشيرازي‪ ،‬وهو اختصار لكتاب التعليقة للقاضي أبي الطيب‪.‬‬
‫((( تحفة الطالبين في ترجمة النووي‪ ،‬البن العطار (‪.)1 :1‬‬
‫((( طبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة (‪.)154 :2‬‬
‫‪137‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫ح ّفاظ‪ ،‬فقرأ كتاب «الكمال»‬


‫وقد سمع الحديث فأخذه عن جماعة من ال ُ‬
‫لعبد الغني على أبي البقاء خالد النابلسي‪ ،‬و«شرح مسلم»‪ ،‬ومعظم البخاري‬
‫على أبي إسحاق ال ُمرادي‪ ،‬وأخذ أصو َل الفقه عن القاضي أبي الفتح التفليسي‪.‬‬
‫وتف َّقه على الكمال إسحاق ال َمغ ِربي‪ ،‬وشمس الدين عبد الرحمن بن نوح‬
‫قدسي‪ ،‬و ِع ِّز الدين عمر بن أسعد اإلربلي‪ ،‬وقرأ على ابن مالك ـ صاحب‬
‫ّ‬ ‫ال َم‬
‫األلفية ـ كتابًا من تصانيفه‪ ،‬وعلَّق عنه أشياء(‪.)1‬‬
‫كان رحمه اهلل ال يضيِّ ُع له وقتًا في ليل وال في نهار إال في وظيفة من االشتغال‬
‫بالعلم حتى في ذهابه في الطريق ومجيئه يشتغل في تكرار أو مطالعة‪ ،‬وأنه بقي‬
‫على التحصيل على هذا الوجه نحو ست سنين‪ ،‬ثم اشتغل بالتصنيف واالشتغال‬
‫واإلفادة والمناصحة للمسلمين ووالتهم(‪.)2‬‬
‫ذكر تاج الدين السبكي عن والده تقي الدين السبكي‪« :‬أ ّن الوال َد رحمه اهلل‬
‫ل ّما سكن في قاعة دار الحديث األشرفية في سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة كان‬
‫ويمرغ وج َهه على‬‫ِّ‬ ‫يخرج في الليل إلى إيوانها؛ ليتهجد تجاه األثر الشريف‬
‫النووي‬
‫ُّ‬ ‫ساط‪ ،‬وهذا البساط من زمان األشرف الواقف‪ ،‬وعليه اسمه‪ ،‬وكان‬ ‫البِ ِ‬
‫يجلس عليه وقت الدرس فأنشدني الوال ُد لنفسه‪:‬‬
‫إلــى ب ُ ُس ٍ‬
‫ــط لها أصبــو وآوي‬ ‫لطيف معنى‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الحديث‬ ‫وفي دا ِر‬
‫مكانًا مســه قدم النــواوي(‪)3‬‬
‫َّ ُ ُ‬ ‫ــر وجهي‬ ‫لعلِّــي أن أنــال ب ُ‬
‫ح ِّ‬
‫وكان ال يأكل في اليوم والليلة إال أكلة بعد عشاء اآلخرة‪ ،‬وال يشرب إال‬

‫((( طبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة (‪.)155 :2‬‬


‫((( تحفة الطالبين في ترجمة النووي‪ ،‬البن العطار (ص‪.)5‬‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)296 :8‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪138‬‬
‫شربة واحدة عند السحر ولم يتزوج‪ ،‬وقد ولي دار الحديث األشرفية بعد موت‬
‫أبي شامة سنة خمس وستين إلى أن توفي(‪.)1‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬


‫التصانيف ال ُمفيدة‪ ،‬والمؤلفات‬‫ِ‬ ‫قال ابن ال َع ّطار‪« :‬شيخي وقدوتي‪ ،‬اإلمام ذو‬
‫الراغب‬
‫ُ‬ ‫الحميدة‪ ،‬أوح ُد دَه ِره‪ ،‬وفري ُد عص ِره‪ ،‬الص ّوامُ الق ّوام‪ ،‬الزاه ُد في الدنيا‪،‬‬
‫اني المت َف ُق‬
‫الرضيّة والمحاسن السنِيّة‪ ،‬العال ُم الرب ّ ُّ‬ ‫في اآلخرة‪ ،‬صاحب األخالق ِ‬
‫على علمه وإمامته‪ ،‬وجاللتِه و ُزه ِده‪ ،‬وور ِعه وعبادته‪ ،‬وصيانته في أقواله وأفعاله‬
‫بنفسه ومالِه‬ ‫كرمات الواضحة‪ ،‬والمؤثِ ُر ِ‬ ‫الكرامات الطافِحة‪ ،‬وال َم ُ‬
‫ُ‬ ‫وحاالته‪ ،‬له‬
‫للمسلمين‪.)2(»..‬‬
‫جة اهلل على‬
‫وقال تاج الدين السبكي‪« :‬شيخ اإلسالم أستاذ المتأخرين و ُح ّ‬
‫الالحقين والداعي إلى سبيل السالفين»(‪.)3‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬تصانيفه‬
‫ترك من ال ُمؤلّفات ما لو‬
‫ت وأربعين سنة‪ ،‬فقد َ‬ ‫عاش اإلمام النووي نحو ِس ٍّ‬
‫كراستَين‪.‬‬ ‫نصيب ك ِّل ٍ‬
‫يوم ّ‬ ‫ُ‬ ‫قُسم على ِسنِي حياتِه لكان‬
‫فمن مؤلفاته‪« :‬روض ُة الطالبين وعمدة المفتين»(‪ ،)4‬و«منهاج الطالبين»(‪،)5‬‬

‫((( طبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة (‪.)156 :2‬‬


‫((( تحفة الطالبين‪ ،‬البن العطار (ص‪.)1‬‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)395 :8‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مطول في الفقه الشافعي ذكر فيه األدلة والخالف والتعليل‪ ،‬وهو اختصار‬
‫لكتاب الشرح الكبير للرافعي‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬يع ُّد من أ َج ِّل كتب الفقه الشافعي فهو عمدة المفتين ووجهة المستفتين‪ ،‬وهو‬
‫حرر للرافعي‪.‬‬
‫اختصار لكتاب ال ُم َّ‬
‫‪139‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫و«المجموع شرح المهذب»(‪ ،)1‬و«التحقيق»(‪ )2‬وجميعها في الفقه‪ .‬و«شرح‬


‫صحيح مسلم»(‪ ،)3‬و«األذكار»(‪ ،)4‬و«رياض الصالحين»(‪ ،)5‬و«التبيان في آداب‬
‫حملة القرآن»(‪.)6‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬وفاته‬
‫زار القدس والخليل قبل وفاته‪ ،‬ثم رجع إلى بلده نوى‪ ،‬ودُفِن بها في‬
‫رجب سنة ‪676‬هـ رحمه اهلل تعالى(‪.)7‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬يع ُّد من كتب الفقه المقارن لذكر األدلة والمذاهب والترجيح بينها‪ ،‬وهو شرح‬
‫لكتاب ال ُمه َّذب للشيرازي‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مختصر وصل فيه إلى صالة المسافر‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب في الحديث النبوي‪ ،‬جمع فيه مؤلفه بين أحكام الفقه ومعاني الحديث النبوي‬
‫بطريق التحليل اللغوي لتفسير الحديث‪ ،‬واألحكام الفقهية‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب في األدعية واألوراد انتخبه مؤلِّفه من كالم سيد األبرار ﷺ‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب في األحاديث الصحيحة المروية عن رسول اهلل ﷺ في جميع شؤون العقيدة‬
‫والحياة‪ ،‬ويعرضها مرتبة في أبواب وفصول‪ ،‬لتكون موضوعات يسهل على القارئ العودة‬
‫إليها واالستفادة منها‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب صغير الحجم كبير الفائدة تكلم فيه المؤلف عن آداب حملة القرآن‪ ،‬وذكر فيه‬
‫أحكامًا فقهية‪.‬‬
‫((( طبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة (‪ ،)157 :2‬وتحفة الطالبين في ترجمة النووي‪،‬‬
‫البن العطار (ص‪.)6‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪140‬‬

‫‪8‬ـ تقي الدين السبكي(‪( )1‬ت‪756‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫قاضي القضاة تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن‬
‫موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن مسوار بن سوار بن‬
‫سليم السبكي الشافعي‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ُولد سنةَ ثالث وثمانين وست مئة (‪683‬هـ) وقرأ القرآن العظيم بالسبع‪،‬‬
‫واشتغل بالتفسير‪ ،‬والحديث‪ ،‬والفقه‪ ،‬واألصلين‪ ،‬والنحو‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والخالف‪،‬‬
‫والفرائض‪ ،‬وشيء من الجبر‪ ،‬والمقابلة‪ ،‬ونظر في الحكمة‪ ،‬وشيء من الهندسة‪،‬‬
‫والهيئة‪ ،‬وشيء يسير من الطب‪.‬‬
‫وتلقى ك َّل ما أخذه من ذلك عن أكثر أهله ممن أدركه من العلماء األفاضل‪،‬‬
‫فمن مشاهير شيوخه في القراءات تقي الدين الصائغ(‪ ،)2‬وفي التفسير عَل ُم الدين‬

‫((( انظر ترجمته‪ :‬الوافي بالوفيات‪ ،‬للصفدي (‪ ،)165 :21‬وطبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي‬
‫(‪ ،)139 :10‬واألعالم‪ ،‬للزركلي (‪ ،)302 :4‬وشذرات الذهب في أخبار من ذهب‪،‬‬
‫البن العماد (‪ ،)308 :8‬والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع‪ ،‬للشوكاني (‪.)467 :1‬‬
‫((( محمد بن أحمد بن عبد الخالق العالمة‪ ،‬تقي الدين المعروف بابن الصائغ‪ ،‬شيخ القراء‬
‫بالديار المصرية‪ .‬انظر‪ :‬طبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة (‪.)282 :2‬‬
‫‪141‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫تخرج في‬
‫العراقي ‪ ،‬وفي الحديث الحـافظ شرف الدين الدمياطي وبه َّ‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫الحديث‪ ،‬وأخذ باقي العلوم عن جماعة غيرهم؛ فالفقه أخذه عن اإلمام‬


‫نجم الدين ابن الرفعة‪ ،‬واألصول أخذها عن عالء الدين الباجي‪ ،‬والنحو عن‬
‫العالمة أثير الدين أبي حيان وغير ذلك عن غيرهم(‪.)3‬‬
‫ثم إنه دخل القاهرة مع والده فالتقوا بقاضي القضاة ابن بنت األعز(‪،)4‬‬
‫وكان تقي الدين يحفظ «التنبيه» لإلمام الشيرازي‪ ،‬فسأله القاضي ماذا تحفظ؟‬
‫فقال له‪« :‬التنبيه» فأعجب به‪ ،‬ويروى أ ّن تقي الدين ُّ‬
‫السبكي التقى مع والده‬
‫بشيخ اإلسالم ابن دقيق العيد(‪ ،)5‬فعرض عليه «التنبيه»‪ ،‬فقال ابن دقيق العيد‬
‫السبكي إال بعد وفاة الشيخ‬
‫ُّ‬ ‫ً‬
‫فاضل‪ ،‬فلم يَعُد‬ ‫يصير‬
‫َ‬ ‫لوالده ُردَّ به إلى البَ ِّر إلى أن‬
‫السبكي‪ :‬ففاتتني مجالستُه في العلم(‪.)6‬‬
‫ابن دقيق العيد‪ ،‬فقال ُّ‬
‫((( عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬زين الدين‪ ،‬المعروف بالحافظ‬
‫حاثة‪ ،‬من كبار حفاظ الحديث‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)344 :3‬‬
‫العراقي‪ ،‬ب ّ‬
‫الدمياطي‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬شرف الدين‪ ،‬حافظ للحديث‪ ،‬من أكابر‬
‫ّ‬ ‫((( عبد المؤمن بن خلف‬
‫الشافعية‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)169 :4‬‬
‫((( الوافي بالوفيات‪ ،‬البن خلكان (‪ ،)166 :21‬وطبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)145 :10‬‬
‫((( عبد الرحمن بن عبد الوهاب المصري الشافعي‪ ،‬وزير‪ ،‬فقيه‪ ،‬ولي الوزارة مع القضاء بمصر‪،‬‬
‫الشافعي‪ .‬عُرف باسم ابن بنت‬
‫ّ‬ ‫ثم استعفى وتولى التدريس بالمدرسة المجاورة لضريح‬
‫األعز؛ ألن جدّه ألمه هو األعز بن شكر وزير الملك الكامل‪( .‬ت‪695‬هـ)‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪،‬‬
‫للزركلي (‪.)315 :3‬‬
‫تقي الدين القشيري‪ ،‬المعروف كأبيه وجده‬ ‫((( محمد بن علي بن وهب بن مطيع‪ ،‬أبو الفتح‪ّ ،‬‬
‫بابن دقيق العيد‪ ،‬قاض‪ ،‬من أكابر العلماء باألصول‪ ،‬مجتهد‪ .‬تُوفِّي ‪702‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم‪،‬‬
‫للزركلي (‪.)283 :6‬‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)145 :10‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪142‬‬
‫رحل رحمه اهلل إلى الشام في طلب الحديث سنةَ ست وسبع مئة ‪706‬هـ‪،‬‬
‫وأقر له علماؤها‪ ،‬وعاد إلى القاهرة في سنة سبع مستوطنًا‪ً ،‬‬
‫مقبل‬ ‫وناظر بها‪َّ ،‬‬
‫حج في‬‫وتخرج به فضالء العصر‪ ،‬ثم َّ‬
‫َّ‬ ‫على التصنيف والفتيا‪ ،‬وشغل الطلبة‪،‬‬
‫قبر المصطفى ﷺ‪ ،‬ثم عاد وألقى عصا السفر‪،‬‬‫سنة ست عشرة ‪716‬هـ‪ ،‬وزار َ‬
‫واستقر والفتاوى ت َ ِردُ عليه من أقطار األرض‪ ،‬وتَردُ إليه ً‬
‫بعضا على بعض(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫وانتهت إليه رياسة المذهب بمصر‪ ،‬وفي هذه المدة انتشر بعض األقوال‬
‫فردَّ عليه تقي الدين السبكي في مسائل‪،‬‬
‫الشاذة من الشيخ ابن تيمية رحمه اهلل‪َ ،‬‬
‫منها‪ :‬مسألتا الطالق والزيارة التي ش َّذ فيهما عن علماء السلف والخلف(‪.)2‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬


‫فسر الحافظ األصولي اللّغوي النّحوي ال ُمق ِرئ‬‫قال ابن العماد‪« :‬ال ُم ِّ‬
‫البياني الجدلي الخالفي‪ ،‬الن ّظار البارع‪ ،‬شيخ اإلسالم‪ ،‬أوحد المجتهدين»(‪.)3‬‬
‫«قلت‪ :‬أ ّما أنا فأقول ‪-‬واهللُ على لسان ك ِّل قائل‪:-‬‬
‫ُ‬ ‫وقال تاج الدين السبكي‪:‬‬
‫األذهان وأسرعَها نفاذًا وأوث َقها فه ًما‪ ،‬وكان آيةً في استحضار‬
‫ِ‬ ‫أصح‬
‫َّ‬ ‫كان ذهنُه‬
‫التفسير ومتون األحاديث وعزوها‪ ،‬ومعرف ِة العلل وأسما ِء الرجال وتراج ِمهم‬
‫عجيب االستحضار‬ ‫َ‬ ‫والصحيح والسقيم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ووفياتِهم‪ ،‬ومعرف ِة العالي والنازل‪،‬‬
‫مذاهب‬
‫ِ‬ ‫والجرح والتعديل آيةً في استحضار‬ ‫ِ‬ ‫واألنساب‬
‫ِ‬ ‫للمغازي والسيَ ِر‬
‫بهت الحنفيةُ والمالكيةُ والحنابلةُ‬
‫بحيث كان ت ُ ُ‬
‫ُ‬ ‫الصحاب ِة والتابعي َن وفِ َرقِ العلما ِء‬
‫إذا حضروه؛ لكثرة ما ينقلُه عن كتبهم التي بين أيديهم‪ ،‬آيةً في استحضار مذهب‬

‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)167 :10‬‬


‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)167 :10‬‬
‫((( شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬البن العماد (‪.)309 :8‬‬
‫‪143‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫تغيب عنه شاردةٌ‪،‬‬


‫ُ‬ ‫البحر الذي ال‬
‫ُ‬ ‫الشافعي وشوارد فروعه بحيث يظ ُّن سامعُه أنه‬
‫إذا ُذ ِكر فر ٌع وقال‪ :‬ال يحضرني النق ُل فيه‪ ،‬في ِع ُّز على أبناء الزمان ُوجدانُه بعد‬
‫ح ّفاظ معرفتُه‪.‬‬ ‫فش َّذ عنه ُ‬
‫عسر على ال ُ‬ ‫والتنقيب‪ ،‬وإذا ُسئل عن حديث َ‬
‫ِ‬ ‫الفحص‬
‫ِ‬
‫غير ما يستحضره من غيرها من‬ ‫الكتب الستةَ َ‬
‫َ‬ ‫وكان يقال‪ :‬إنه يستحضر‬
‫المساني ِد والمعاجم واألجزاء‪ ،‬وأما استحضا ُره في علم الكالم «ال ِملَل والن ِّ َ‬
‫حل»‬
‫و«عقائد ال ِف َرق» من بني آدم فكان عجبًا عجابًا‪ ،‬وأما استحضاره لـ«كتاب‬
‫قرب» البن عصفور فكان عجيبًا‪ ،‬ولعله د َرس عليهما‪،‬‬
‫سيبويه»‪ ،‬وكتاب «ال ُم َّ‬
‫وكنت أقرأ عليه «المحصول» لإلمام فخر الدين‪ ،‬و«األربعين في الكالم» له‪،‬‬
‫حصل» فكنت أرى أنه يحفظ الثالث عن ظهر قلب‪ ،‬وأما «شرح الرافعي»‬
‫و«ال ُم َّ‬
‫الذي هو كتابنا ونحن ندأب فيه ً‬
‫ليل ونها ًرا‪ ،‬فلو قلت كيف كان يستحضره‬
‫التهمني من يسمعني»(‪ .)1‬انتهى‪.‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬مصنفاته‬
‫كبيرا من المؤلفات‪ ،‬بلغت‬
‫بكي عددًا ً‬
‫الس ُّ‬
‫ترك شيخ اإلسالم تقي الدين ُّ‬
‫نحو (‪ )200‬مؤلف‪ ،‬فألف في الفقه والنحو وعلم الكالم وأصول الفقه وغير‬
‫ذلك‪ ،‬منه المطبوع‪ ،‬ومنه ما زال مخطو ًطا‪ ،‬ومن أهم مؤلفاته‪« :‬تكملة المجموع‬
‫السبكي»(‪،)4‬‬
‫في شرح المهذب»(‪ ،)2‬و«التحقيق في مسألة التعليق»(‪ ،)3‬و«فتاوى ُّ‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)199-197/10‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬بنى على ما كتبه اإلمام النووي رحمه اهلل من باب الربا‪ ،‬ووصل إلى أثناء التفليس‬
‫في خمس مجلدات‪.‬‬
‫((( غير مطبوع‪ ،‬وهو َردٌّ على ابن تيمية في مسألة الطالق‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬وهي نافعة جدًّا فيها مسائل متنوعة في العلوم الشرعية‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪144‬‬

‫و«اإلبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول»(‪ ،)1‬و«شفاء السقام في زيارة‬


‫خير األنام»(‪.)2‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫ت ُ ُوفِّي ليلة االثنين الثالث من جمادى اآلخرة سنة ست وخمسين وسبع مئة‬
‫‪756‬هـ في القاهرة‪ ،‬تغ َّمده اهلل برحمتِه و ِرضوانِه وأس َكنه ف َ َ‬
‫سيح جنانه‪.‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب في علم أصول الفقه‪ ،‬شرح فيه المؤلف كتاب منهاج الوصول للبيضاوي‪ ،‬لم‬
‫يكمله‪ ،‬أكمله ولده تاج الدين‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬يبين هذا الكتاب أهمية زيارة قبر النبي ﷺ والثواب العظيم الذي يناله الزائر‬
‫المؤمن‪ ،‬وكذلك تناول موضوع التش ُّفع بالنبي ﷺ والتوسل به‪.‬‬
‫‪145‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪9‬ـ جلال الدين المحلي(‪( )1‬ت‪ 864‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫حلِّ ُّي‬
‫هو أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم جال ُل الدين ال َم َ‬
‫األزهري الشافعي‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫كالشمس البِرماوي‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ُولِد بمصر سنة ‪ 791‬هـ‪ ،‬أ َخ َذ العلم عن أئم ِة عَص ِره؛‬
‫والولي‬
‫ِّ‬ ‫ج ِ‬
‫الل البُلقيني‪،‬‬ ‫جر العَس َقالني‪ ،‬وانتفع بهما ً‬
‫كثيرا‪ ،‬وال َ‬ ‫ِ‬
‫والحافظ اب ِن َح َ‬
‫ال ِعراقي‪ ،‬والع ِّز بن جماعة‪ ،‬والعال ِء البخاري‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وأصول‪ ،‬ونح ًوا‪ ،‬ومَن ِط ًقا‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وصار‬ ‫ً‬ ‫ب َ َرع في العلوم فق ًها‪ ،‬وكالمًا‪،‬‬
‫شخصا ِع َوضه فيه‪،‬‬
‫ً‬ ‫من أكابر أئمة عصره‪ ،‬وكان أ ّو ًل يتولى بي َع البَ ِّز ثم أقام‬
‫وتصدَّى هو للتصنيف والتدريس واإلقراء‪ ،‬فقرأ عليه َمن ال يُحصى كثرةً‪،‬‬
‫وتخرج به جماعة د َّرسوا في حياته‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وارتحل الفضالءُ لألخذ عنه‬
‫كان رحمه اهلل ذَ ِكيًّا جدًّا‪ ،‬فكان ِذهنُه يث ُقب الماس‪ ،‬وكان يقو ُل عن نفسه‪:‬‬
‫الحفظ حتى إنّه حفظ يومًا ُك ّر ً‬
‫اسا‬ ‫ِ‬ ‫خطأ‪ ،‬لكنه ال يقد ُر على‬ ‫إ ّن فَهمي ال يقبَ ُل ال َ‬
‫منص ًفا إذا ظهر له‬ ‫من بعض الكتب فامتأل بدنُه حرارةً َ‬
‫فترك الحفظ‪ ،‬وكان ِ‬

‫((( انظر ترجمته في‪ :‬الضوء الالمع للسخاوي (‪ ،)39 :7‬وشذرات الذهب البن العماد (‪.)447 :9‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪146‬‬
‫ِ‬
‫لسان مَن كان رجع إليه(‪.)1‬‬ ‫الصواب على‬
‫ُ‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬


‫قال الحافظ السخاوي‪« :‬وكان إما ًما عالمةً مح ِّق ًقا ن ّظا ًرا ُمف ِر َ‬
‫ط الذكا ِء‬
‫صحيح الذهن‪ ،‬بحيث كان يقول بعض المعتبَرين‪ :‬إن ِذهنَه يث ُقب الماس‪ ،‬وكان‬
‫هو يقول عن نفسه‪ :‬إ ّن فَهمي ال يقبل الخطأ‪ ،‬حادَّ القريحة‪َّ ،‬‬
‫قوي ال ُمباحثة‪ ،‬حتى‬
‫حكى لي إمام الكاملية أنه رأى الونائي معه في البحث‪ ،‬كالطفل مع المعلم‪،‬‬
‫مُع َّظ ًما بين الخاصة والعامة‪ ،‬مُهابًا وقو ًرا‪ ،‬عليه ِسيما الخير‪ ،‬اشتهر ِذ ُ‬
‫كره‪ ،‬وبعُد‬
‫صيتُه‪ ،‬وق ُ ِصد بالفتاوى من األماكن النائية»(‪.)2‬‬
‫ِ‬

‫«تفتازاني العرب اإلمام العالمة»(‪.)3‬‬


‫ُّ‬ ‫الحنبلي في وصفه‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫وقال اب ُن ال ِعماد‬

‫رابع ًا ‪ :‬تصانيفه‬
‫بلغت كتُب جالل الدين المحلي غاية الدقة‪ ،‬وكانت مح َّل تدريس لدى‬
‫العلماء وطلبة العلم‪.‬‬
‫من مؤلَّفاته‪« :‬كنز الراغبين في شرح منهاج الطالبين»(‪ ،)4‬و«شرح الورقات»(‪،)5‬‬

‫((( شذرات الذهب‪ ،‬البن العماد (‪.)447 :9‬‬


‫((( الضوء الالمع‪ ،‬للسخاوي (‪.)41 :7‬‬
‫((( شذرات الذهب‪ ،‬البن العماد (‪.)447 :9‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مطول في الفقه الشافعي ومن الكتب المعتمدة في التدريس‪ ،‬وعليه حاشية‬
‫للقليوبي نافعة‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب في أصول الفقه سهل و ُمبَ َّسط وتدريسي‪ ،‬يشرح فيه المؤلف الورقات لإلمام‬
‫الجويني‪.‬‬
‫‪147‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫و«شرح جمع الجوامع»(‪ ،)1‬و«تفسير القرآن الكريم»(‪ ،)2‬و«شرح بُردة المديح»(‪.)3‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫ت ُ ُوفِّي في واحد محرم سنة ‪ 864‬هـ رحمه اهلل تعالى ونفعنا بعلومه‪.‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مطول في أصول الفقه شرح فيه المؤلف جمع الجوامع لتاج الدين السبكي‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬لم يكمله كتب منه من أول الكهف إلى آخر القرآن‪ ،‬فأتمه اإلمام جالل الدين‬
‫السيوطي؛ فلذا ُس ِّمي «تفسير الجاللين»‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب متقن ومختصر‪ ،‬شرح البردة للبوصيري‪ .‬وهي في مدح خير البرية ﷺ‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪148‬‬

‫‪10‬ـ شيخ الإسلام زكر يا الأنصاري(‪( )1‬ت‪926‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬

‫السنَيكي(‪،)2‬‬
‫اإلمام الحافظ زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا األنصاري ُّ‬
‫ثم القاهري‪ ،‬األزهري‪ ،‬الشافعي‪ ،‬ال ُملَ ّقب بـ«شيخ اإلسالم»‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬

‫ُولِد سنة ثالث وعشرين وثمان مئة ‪823‬هـ ُ‬


‫بسنَيكة‪ ،‬نشأ بها فحفظ القرآن‪،‬‬
‫و«عمدة األحكام»‪ ،‬وبعض «مختصر التبريزي»(‪ ،)3‬ثم تح َّول إلى القاهرة سنة‬
‫إحدى وأربعين فدرس في جامع األزهر‪ ،‬وحفظ «المختصر»‪ ،‬ثم حفظ «المنهاج»‬
‫ّ‬
‫و«الشاطبية»‪ ،‬و«الرائية»‪ ،‬وبعض «المنهاج» في‬ ‫الفقهي‪ ،‬و«األلفية النحوية»‪،‬‬
‫األصول‪ ،‬ونحو النصف من «ألفية الحديث»‪ ،‬ومن «التسهيل» إلى باب «كاد»‪.‬‬

‫((( انظر ترجمته‪ :‬الضوء الالمع ألهل القرن التاسع‪ ،‬للسخاوي (‪ ،)234 :3‬والبدر الطالع بمحاسن‬
‫من بعد القرن السابع‪ ،‬للشوكاني (‪ ،)252 :1‬والكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة‪،‬‬
‫لنجم الدين الغزي (‪ ،)198 :1‬وشذرات الذهب‪ ،‬البن العماد (‪ ،)186 :10‬والنور السافر‬
‫عن أخبار القرن العاشر‪ ،‬لعبد القادر العيدروس (‪ ،)112 :1‬واألعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)46 :3‬‬
‫وسنَيكة المنسوب إليها ‪-‬بضم السين وفتح النون وإسكان الياء المثناة ‪-‬بليدة من شرقية مصر‪.‬‬
‫((( ُ‬
‫انظر‪ :‬الغزي‪ ،‬الكواكب السائرة (‪.)198 :1‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب في الفقه الشافعي‪ ،‬وهو اختصار لكتاب الوجيز لإلمام الغزالي‪.‬‬
‫‪149‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫يسيرا‪ ،‬ثم رجع إلى بلده‪ ،‬وداوم االشتغال‪ ،‬وج َّد فيه‪ ،‬وكان‬
‫وأقام بالقاهرة ً‬
‫السبكي‪ ،‬والحافظ ابن حجر‪،‬‬ ‫والشرف ّ‬‫ممن أخذ عنهم‪ :‬القاياتي‪ ،‬والبُلقيني‪ّ ،‬‬
‫وحضر دروس الشرف المناوي‪ ،‬وأخذ عن الكافيجي‪ ،‬وابن الهمام‪ ،‬والعز بن‬
‫عبد السالم‪ ،‬ودرس شرح العقائد بكماله ما بين سماع وقراءة‪ ،‬وشرح المواقف‪،‬‬
‫ودرس علم الهيئة‪ ،‬والهندسة‪ ،‬والميقات‪ ،‬والفرائض‪ ،‬والحساب‪ ،‬والجبر‪،‬‬
‫والمقابلة(‪.)1‬‬
‫ورجع إلى القاهرة فلم َّ‬
‫ينفك عن االشتغال واإلشغال مع الطريقة الجميلة‪،‬‬
‫والتواضع‪ ،‬وحسن العشرة‪ ،‬واألدب والع ّفة‪ ،‬وأ ِذن له غير واحد من شيوخه في‬
‫اإلفتاء واإلقراء‪ ،‬منهم شيخ اإلسالم ابن حجر العسقالني‪.‬‬
‫وتصدى للتدريس في حياة شيوخه‪ ،‬وانتفع به الفضالءُ طبقةً بعد طبقة‪ ،‬وولي‬
‫تدريس عدة مدارس إلى أن رقي إلى منصب قاضي القضاة بعد امتناع كثير‪ ،‬وذلك‬
‫واستمر قاضيًا مدة والية األشرف قايتباي‪ ،‬ثم بعد‬
‫َّ‬ ‫في رجب سنة ست وثمانين‪،‬‬
‫ِ‬
‫والتصنيف‪،‬‬ ‫التدريس واإلفتا ِء‬
‫ِ‬ ‫بصره ف ُع ِز َل بالعمى‪ ،‬ولم يزل مالز َم‬
‫ف ُ‬ ‫ذلك إلى أن ُك َّ‬
‫حصون‪ ،‬منهم شيخ اإلسالم ابن حجر الهيتمي(‪.)2‬‬
‫وانتفع به خالئق ال يُ َ‬
‫وصبر وتر ٌك للقيل والقال‪ ،‬وأورادٌ واعتقاد‪ ،‬وتواض ٌع وعدمُ‬
‫ٌ‬ ‫ج ٌد‬
‫وكان له ته ُّ‬
‫حدّ‪ ،‬ورويته أحسن من بديهته‪ ،‬وكتابتُه‬ ‫تنازع‪ ،‬بل عمله في التودُّد يزيد عن ال َ‬
‫أمت ُن من عبارته‪ ،‬وعدم مسارعته إلى الفتاوى(‪.)3‬‬

‫((( الضوء الالمع‪ ،‬للسخاوي (‪.)234 :3‬‬


‫((( شذرات الذهب في أخبار من ذهب (‪ ،)188 :10‬والضوء الالمع ألهل القرن التاسع‪،‬‬
‫للسخاوي (‪.)234 :3‬‬
‫((( الضوء الالمع ألهل القرن التاسع‪ ،‬للسخاوي (‪.)237 :3‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪150‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬


‫قال ابن حجر الهيتمي في وصفه‪« :‬وقَد ُ‬
‫َّمت شي َ‬
‫خنا زكريا؛ ألنه أج ُّل َمن‬
‫رويت‬
‫ُ‬ ‫وق َع عليه بصري من العلماء العاملين‪ ،‬واألئمة الوارثين‪ ،‬وأعلى مَن عنه‬
‫ح َكماء المهندسين‪ ،‬فهو عمدةُ العلماء األعالم و ُح ّ‬
‫جة اهلل‬ ‫ودريت من ال ُف َقهاء ال ُ‬
‫ُ‬
‫شكالته‪،‬‬ ‫ومحرر ُم ِ‬
‫ِّ‬ ‫على األنام‪ ،‬حامل لواء المذهب الشافعي على كا ِه ِله‪،‬‬
‫المتفرد في‬
‫ِّ‬ ‫وكاشف عويصاته‪ ،‬في بكره وأصائله‪ِ ،‬‬
‫ملح ُق األحفا ِد باألجداد‪،‬‬
‫زمنه بعُل ِّو اإلسناد كيف ولم يوجد في عصره ّإل مَن أخذ عنه مشافهة أو‬
‫بواسطة أو بوسائط متعددة»(‪.)1‬‬
‫«ويقرب عندي أنه المج ِّددُ على رأس‬
‫ُ‬ ‫وقال محيي الدين العيدروس‪:‬‬
‫القرن التاسع؛ لشهرة االنتفاع به وبتصانيفه‪ ،‬واحتياج غالب الناس إليها فيما‬
‫يتعلَّق بالفقه‪ ،‬وتحرير المذهب بخالف غيره‪ ،‬فإن مُصنّفاتِه ـ وإن كانت كثيرة ـ‬
‫مجرد جمع‪ ،‬بال تحرير‪ ،‬حتى كأنه كان‬
‫كثيرا منها َّ‬
‫فليست بهذه المثابة على أن ً‬
‫حاطب ليل»(‪.)2‬‬
‫َ‬

‫رابع ًا ‪ :‬تصانيفه‬
‫امتازت كتب شيخ اإلسالم بالدقة والتحقيق‪ ،‬فال يخلو كتاب له إال وفيه‬
‫النفع واالنتفاع‪ ،‬فقد كان من ال ُمكثِرين في التأليف‪ ،‬فلم يدَع ِعل ًما إال وله قلم فيه‪.‬‬
‫من مؤلفاته‪« :‬أسنى ال َمطالب في شرح روض الطالب»(‪ ،)3‬و«الغرر البَهية‬

‫((( النور السافر (‪.)115 :1‬‬ ‫((( شذرات الذهب (‪.)187 :10‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬هو كتاب موسوعي في الفقه على المذهب الشافعي‪ ،‬وهو شرح لكتاب روض‬
‫الطالب البن المقرئ الذي هو مختصر عن كتاب روضة الطالبين لإلمام النووي‪.‬‬
‫‪151‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫في شرح منظومة البهجة الوردية»(‪ ،)1‬و«منهج الطالب»(‪ ،)2‬و«تحفة الطالب‬


‫بشرح تحرير تنقيح اللباب»(‪ ،)3‬جميعها في الفقه‪ ،‬و«عماد الرضا ببيان أدب‬
‫القضا»(‪ ،)4‬و«اإلعالم بأحاديث األحكام»(‪ ،)5‬وغير ذلك من الكتب النافعة‪.‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫كانت وفاته سنة ست وعشرين وتسع مئة ‪926‬هـ‪ ،‬فعاش من العمر‬
‫صلِّي عليه بجامع األزهر في مَح َفل من قضاة اإلسالم‬‫مئة وثالث سنوات‪ُ ،‬‬
‫والعلماء والفضالء رحمه اهلل تعالى‪.‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب موسوعي في الفقه الشافعي‪ ،‬وهو عبارة عن شرح لمنظومة البهجة الوردية‬
‫البن الوردي والتي نظم فيها كتاب الحاوي الصغير للقزويني‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬هو أحد أهم كتب الفقه الشافعي‪ ،‬وهو مختصر عن كتاب منهاج الطالبين لإلمام النووي‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب تدرسي في الفقه الشافعي‪ ،‬شرح فيه المؤلِّف كتابه تحرير تنقيح اللباب الذي‬
‫هو عبارة عن مختصر لكتاب تنقيح اللباب لولي الدين العراقي‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب صغير الحجم كبير الفائدة في بيان أحكام القضاء‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب في أحاديث األحكام‪ ،‬قام بجمع أحاديث األحكام وشرحها‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪152‬‬

‫‪11‬ـ شهاب الدين أحمد الرملي(‪( )1‬ت‪957‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫المنوفي‪ ،‬األنصاري‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫شهاب الدين أحمد بن أحمد بن حمزة الرملي‬
‫الشافعي‪ ،‬اإلمام‪ ،‬العالمة‪ ،‬ال ُملقب بـ«شيخ اإلسالم»‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ولد في َرملة المنوفية بمصر‪ ،‬نشأ على عبادة اهلل وطاعته‪ ،‬وسار على طريق‬
‫العلم والفقه‪ ،‬فأخذه عن أهله حتى بر َع فيه وتف َّوق على سائر أقرانه‪ ،‬أخذ الفقه‬
‫عن القاضي زكريا األنصاري والزمه وانتفع به وكان يجلُّه حتى أذن له باإلفتاء‬
‫خه شيخ‬ ‫والتدريس‪ ،‬ونال من ثقة أشياخه ما لم ينَله أح ٌد من أقرانه‪ ،‬حتى إ ّن شي َ‬
‫اإلسالم زكريا األنصاري أ ِذن له أن يُص ِلح في مؤلَّفاته في حياته وبعد مماته‪،‬‬
‫ولم يأذن ألحد سواه في ذلك‪ ،‬وهذه الخصوصية من شيخ اإلسالم تد ُّل على‬
‫قَدر و ِرفعة شهاب الدين الرملي في العلوم وتحقيقه ودقته المتناهية(‪.)2‬‬
‫انتهت إليه الرئاسة في العلوم الشرعية بمصر حتى صار علماءُ الشافعي ِة‬
‫كلُّهم تالمذتَه ّإل النّادر‪ ،‬وجاءت إليه األسئلة من سائر األقطار‪ ،‬ووقف الناس‬

‫((( انظر ترجمته‪ :‬شذرات الذهب (‪ ،)454 :10‬والكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة‪ ،‬للغزي‬
‫(‪ ،)101 :3‬واألعالم‪ ،‬للزركلي (‪ ،)120 :1‬وفتح الرحمن شرح زبد ابن رسالن‪ ،‬للشهاب‬
‫الرملي (ص‪.)14‬‬
‫((( شذرات الذهب (‪.)454 :10‬‬
‫‪153‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫عند قوله‪ ،‬وكان جميع علماء مصر وصالحيهم حتّى المجاذيب يع ِّظمونه‪،‬‬
‫نفسه‪ ،‬وال يم ِّكن أحدًا أن يشتري له حاجة‬ ‫ُ‬
‫تواض ِعه يخدم َ‬ ‫وكان رحمه اهلل من‬
‫من السوق إلى أن كبر وعجز(‪.)1‬‬
‫من تالميذه‪ :‬ولدُه شمس الدين محمد الرملي‪ ،‬والخطيب الشربيني‪،‬‬
‫ّ‬
‫والشهاب الغزّي‪ ،‬وعبد الوهاب الشعراني‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬


‫قال اإلمام الشعراني‪« :‬اإلمام العالم الصالح خاتمة المح ِّققين بمصر‬
‫والحجاز والشام»(‪.)2‬‬
‫وقال اإلمام ابن حجر ال َهيتَمي‪« :‬مُح ِّقق أهل عصره باتفاق أهل مصره»(‪.)3‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬تصانيفه‬
‫لقد حازت تصانيف هذا اإلمام القبول لدى العلماء‪ ،‬فامتازت بالدقة‬
‫واالختصار والتحرير‪ ،‬وجلُّها في الفقه‪.‬‬
‫فمن مؤلّفاته‪« :‬فتح الرحمن شرح زبد ابن رسالن»(‪ ،)4‬و«حاشية على‬
‫أسنى المطالب شرح روض الطالب»(‪ ،)5‬و«شرح شروط الوضوء»(‪ ،)6‬و«فتاوى‬

‫((( الطبقات الصغرى‪ ،‬للشعراني (ص‪.)45‬‬ ‫((( شذرات الذهب (‪.)454 :10‬‬
‫((( الفتاوى الفقهية الكبرى‪ ،‬البن حجر الهيتمي (‪.)79 :2‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬شرح فيه منظومة الزبد البن رسالن الرملي‪ ،‬وذكر فيه الدليل والتعليل‪ ،‬وذ َكر فيه‬
‫الخالف في مسائل الفقه والعقيدة‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مطول‪ ،‬عمل حاشية على كتاب شيخه زكريا األنصاري أسنى المطالب‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬معها رسالة أخرى وهي رسالة في شروط اإلمامة‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪154‬‬

‫الرملي»(‪ ،)1‬و«شرح منظومة البيضاوي في النكاح»(‪ ،)2‬و«رسالة في شروط‬


‫اإلمامة»‪.‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫ت ُوفِّي في سنة ‪957‬هـ‪ ،‬ودُفِن قريبًا من جامع الميدان‪ ،‬وأظلمت مصر‬
‫رأيت في عمري جنازة‬
‫ُ‬ ‫وقراها بعد موته رحمه اهلل تعالى‪ ،‬قال الشعراني‪ :‬ما‬
‫أعظم من جنازته(‪.)3‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب فتاوى مُرتَّب على ن َ َسق أبواب الفقه‪ ،‬وفيه مسائل متنوعة ً‬
‫أيضا غير الفقه‪.‬‬
‫((( غير مطبوع‪.‬‬
‫((( الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة‪ ،‬للغزي (‪.)101 :3‬‬
‫‪155‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪12‬ـ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي(‪( )1‬ت‪974‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫هو اإلمام العالمة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علي‬
‫المعروف بابن حجر(‪ )2‬السلمنتي‪ ،‬الهيتمي‪ ،‬السعدي‪ ،‬األنصاري‪ ،‬المصري‪،‬‬
‫ثم ال َم ّكي‪ ،‬الشافعي‪ ،‬فقيه عصره ومفتي زمانه‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ُولِد في رجب سنة تسع وتسع مئة ‪909‬هـ في محلّة أبي الهيتم من إقليم‬
‫الغربية بمصر المنسوب إليها‪ ،‬مات أبوه وهو صغير‪ ،‬فك َفلَه جدُّه‪ ،‬فحفظ‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وحفظ «المنهاج» لإلمام النووي‪ ،‬ثم لما مات َجدُّه ك َفله‬
‫الشناوي‪،‬‬‫اإلمامان الكامالن شمس الدّين بن أبي الحمائل‪ ،‬وشمس الدّين ّ‬
‫الشناوي ن َقلَه من محلّة أبي ال َهيتم إلى مقام أحمد البدوي‪،‬‬
‫ثم إ ّن الشمس ّ‬
‫فقرأ هناك في مبادئ العلوم‪ ،‬ثم ن َقله في سنة أربع وعشرين إلى جامع األزهر‪،‬‬
‫فأخذ عن علماء مصر‪ ،‬فقرأ «المنهاج» لإلمام النووي‪ ،‬وقرأ «متن أبي شجاع»‬
‫ً‬
‫وتحصيل‪ ،‬فاجتمع بشيخ اإلسالم زكريا‬ ‫وغيره‪ ،‬فج َّد واجتهد في العلم قراءة‬
‫((( انظر ترجمته في‪ :‬النور السافر عن أخبار القرن العاشر (‪ ،)258 :1‬وشذرات الذهب (‪،)542 :10‬‬
‫واألعالم‪ ،‬للزركلي (‪ ،)234 :1‬واإلمام ابن حجر الهيتمي وأثره في الفقه الشافعي‪ ،‬ألمجد رشيد‪.‬‬
‫ب بحجر؛ لمالزمته الصمت فال يتكلم إال للضرورة‪.‬‬ ‫((( نسبةً إلى أقرب أجداده‪ ،‬ل ُ ِّق َ‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪156‬‬

‫جب به‪ ،‬ويدعو له كلما لقيه(‪.)1‬‬


‫األنصاري وأكثر األخذ عنه وكان الشيخ يُع َ‬
‫ومن مشايخه الذين أخذ عنهم الشيخ عبد الحق السنباطي‪ ،‬والشمس‬
‫الرملي‪ ،‬والطبالوي‪ ،‬والشمس‬ ‫السمهودي‪ّ ،‬‬
‫والشهاب ّ‬ ‫المشهدي‪ ،‬والشمس ّ‬
‫والشهاب بن النّجار الحنبلي‪ّ ،‬‬
‫والشهاب بن الصائغ‪.‬‬ ‫اللقاني‪ّ ،‬‬

‫وأُذن له باإلفتاء والتدريس وعمره دون العشرين‪ ،‬وبرع في علوم كثيرة من‬
‫ً‬
‫أصول وفروعًا‪ ،‬والفرائض‪ ،‬والحساب‪،‬‬ ‫التفسير‪ ،‬والحديث‪ ،‬والكالم‪ ،‬والفقه‬
‫والنحو‪ ،‬والصرف‪ ،‬والمعاني‪ ،‬والبيان‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والتصوف(‪.)2‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬


‫قال العالمة عبد القادر العيدروس‪« :‬الشيخ اإلمام‪ ،‬شيخ اإلسالم‪ ،‬خاتمة‬
‫أهل ال ُفتيا والتدريس‪ ،‬ناشر علوم اإلمام محمد بن إدريس»(‪.)3‬‬
‫بحرا‬
‫وقال ابن العماد الحنبلي‪« :‬شيخ اإلسالم‪ ،‬خاتمة العلماء األعالم‪ً ،‬‬
‫ال تُك ِّد ُره الدِّالء‪ ،‬إمام الحرمَين كما أجمع عليه المأل‪ ،‬كوكبًا سيّا ًرا في منهاج‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٱلن ۡج ِم ه ۡم َي ۡه َت ُدون﴾‬
‫﴿وب َّ‬
‫َ‬
‫سماء الساري‪ ،‬يهتدي به المهتدون تحقي ًقا لقوله تعالى‪ِ :‬‬
‫[النحل‪ ]16 :‬واحد العصر‪ ،‬وثاني القطر‪ ،‬وثالث الشمس والبدر‪ ،‬أقسمت المشكالت‬
‫عضالت ألِيَّتَها ّأل تنجلي إال عليه‪ ،‬ال سيما وفي‬
‫ّأل تتضح ّإل لديه وأكدت ال ُم َ‬
‫الحجاز عليها قد حجر‪ ،‬وال عجب فإنه المسمى بابن حجر»(‪.)4‬‬
‫((( اإلمام ابن حجر الهيتمي وأثره في الفقه الشافعي‪ ،‬ألمجد رشيد (ص‪.)34‬‬
‫((( شذرات الذهب (‪.)542 :10‬‬
‫((( النور السافر عن أخبار القرن العاشر (‪.)258 :1‬‬
‫((( شذرات الذهب (‪.)543 :10‬‬
‫‪157‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫رابع ًا ‪ :‬مصنفاته‬
‫صنّف شيخ اإلسالم ابن حجر في علوم كثيرة‪ ،‬فصنّف في الفقه‬
‫لقد َ‬
‫في غاية التحقيق واالعتماد‪ ،‬وصنّف في أصول الفقه‪ ،‬وعلم الكالم‪ ،‬وشرح‬
‫الحديث‪ ،‬والسيرة النبوية‪ ،‬والتصوف والرقائق‪ ،‬والنحو‪ ،‬والهيئة والفلك‪ ،‬فمن‬
‫مؤلفاته‪« :‬تحفة المحتاج في شرح المنهاج»(‪ ،)1‬و«المنهج القويم شرح المقدمة‬
‫الحضرمية»(‪ ،)2‬و«الفتاوى الفقهية الكبرى»(‪ ،)3‬و«شرح األربعين النووية»(‪،)4‬‬
‫و«أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل»(‪ ،)5‬و«الزواجر عن اقتراف الكبائر»(‪،)6‬‬
‫و«الصواعق ال ُمح ِرقة في الرد على أهل البدع والزندقة»(‪ ،)7‬و«اإلعالم في‬
‫قواطع اإلسالم»(‪.)8‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مُط َّول في الفقه الشافعي وهو من أحسن كتبه وأكثرها اعتمادًا لدى علماء‬
‫الشافعية وغيرهم‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مُ ِه ّم في شرح المقدمة الحضرمية‪ ،‬لبافضل الحضرمي‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مطول في الفتاوى الفقهية مرتبة على أبواب الفقه‪ ،‬وفيه مسائل متنوعة في‬
‫غاية التحقيق واإلفادة‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬شرح فيه األربعين النووية لإلمام النووي‪ ،‬وتناول فيه المسائل الفقهية‪.‬‬
‫عرف برجال السند ويضبط أسماءهم‪ ،‬ويُع ِرب‬ ‫((( مطبوع‪َ ،‬ش َرح شمائل اإلمام الترمذي‪ ،‬فهو يُ ِّ‬
‫الكلمات عند الحاجة لتعيين المعنى‪ ،‬ويشرح الكلمات الغريبة‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب واسع في بيان كبائر الذنوب وجريمة اقترافها‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضالل والزندقة هو كتاب في نقد‬
‫معتقد الشيعة اإلثني عشرية‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب فقهي جمع فيه مؤلفه األلفاظ واألفعال التي تُوقِع بصاحبها في الكفر والردة‬
‫عند أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪158‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫تُوفِّي بم ّكة في رجب سنة ‪974‬هـ عن عمر بلغ (‪ )65‬عامًا‪ ،‬دُفِن بالمعالة‬
‫التأسف عليه‪ ،‬رحمه اهلل وأعلى‬‫ُّ‬ ‫في تربة ال ّطبريين‪ ،‬وحزَن عليه الناس وكثُر‬
‫مقامه وحشرنا وإيّاه تحت لواء سيّد المرسلين ﷺ‪.‬‬
‫‪159‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪13‬ـ شمس الدين الرملي(‪( )1‬ت‪1004‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫هو شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة ابن شهاب الدين الرملي‬
‫(‪)2‬‬

‫صري األنصاري الشهير بـ«الشافعي الصغير»‪.‬‬


‫ّ‬ ‫المنوفي ال ِم‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ُولِد في مصر سنة تسع عشر وتسع مئة ‪919‬هـ‪ ،‬ح ِفظ القرآن الكريم وحفظ‬
‫«البهجة الوردية» وغيرهما في ِص َغر عمره‪ ،‬اشتغل على أبيه العالمة شهاب الدين‬
‫الرملي في الفقه والتفسير والنحو والصرف والمعاني والبيان والتاريخ‪ ،‬وبه استغنى‬
‫تركت محمدًا بحمد اهلل تعالى‬
‫ُ‬ ‫عن التردُّد إلى غيره‪ ،‬و ُح ِكي عن والِده أنه قال‪:‬‬
‫ال يحتاج إلى أحد من علماء عصره إال في النادر‪ ،‬لك ّن الشيخ محمد الرملي لم‬
‫ِ‬
‫يكتف بالتفقه على والده‪ ،‬بل رحل إلى شيخ اإلسالم القاضي زكريا األنصاري‪،‬‬
‫والشيخ اإلمام برهان الدين بن أبي شريف رحمه اهلل تعالى(‪.)3‬‬

‫((( انظر ترجمته‪ :‬خالصة األثر في أعيان القرن الحادي عشر‪ ،‬للحموي (‪ ،)342 :3‬واألعالم‪،‬‬
‫للزركلي (‪ ،)7 :6‬والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع‪ ،‬للشوكاني (‪.)102 :2‬‬
‫((( والرملي نسبة إلى رملة‪ ،‬قرية صغيرة قريبًا من البحر بالقرب من منية العطار تجاه مسجد‬
‫الخضر عليه السالم بالمنوفية‪.‬‬
‫((( خالصة األثر في أعيان القرن الحادي عشر‪ ،‬للحموي (‪.)342 :3‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪160‬‬

‫عجيب الفهم‪ ،‬جمع اهلل تعالى له بين الحفظ والفهم‬


‫َ‬ ‫وكان رحمه اهلل‬
‫والعلم والعمل وكان موصوفًا بمحاسن األوصاف‪ ،‬ذكر الشيخ عبد الوهاب‬
‫صحبتُه من حين كنت أحمله على كتفي‬‫الشعراني في «طبقاته الوسطى» فقال‪ِ :‬‬
‫ص َغر مع‬
‫إلى وقتنا هذا‪ ،‬فما رأيت عليه ما يَشينُه في دينه‪ ،‬وال كان يلعب في ِ‬
‫األطفال‪ ،‬بل نشأ على الدين والتقوى والصيانة ِ‬
‫وحفظ الجوارح ونقاء العرض‪،‬‬
‫فأحس َن تربيته‪...‬فإنه اآلن مرج ُع أهل مصر في تحري ِر الفتاوى‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ربّاه والدُه‬
‫نفسه‪ ،‬ولم يزل بحم ِد اهلل في‬
‫وأجمعوا على دينِه‪ ،‬و َور ِعه و ُحس ِن ُخل ِقه‪ ،‬وكرم ِ‬
‫زياد ٍة من ذلك(‪.)1‬‬
‫وجلس بعد وفاة والده للتدريس فأقرأ التفسير‪ ،‬والحديث‪ ،‬واألصول‪،‬‬
‫وبرع في العلوم النقلية والعقلية‪ ،‬وحضر‬
‫والفروع‪ ،‬والنحو‪ ،‬والمعاني‪ ،‬والبيان‪َ ،‬‬
‫أكثر تالمذة والده‪ ،‬وممن حضره‪ :‬الشيخ ناصر الدين الطبالوي الذي كان‬ ‫درسه ُ‬ ‫َ‬
‫وسئِل عن الداعي إلى مالزمته فقال‪ :‬ال‬
‫من مفردات العالم مع أنه في مقام أبنائه‪ُ ،‬‬
‫مدارس‪ ،‬و َولِي منصب إفتاء الشافعية‪.‬‬
‫َ‬ ‫داعي لها إال أنّى أستفيد منه‪ ،‬و َولِي عدةَ‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬


‫قال ال ُمحبِّي الحموي‪ُ :‬ه َو أستاذ األستاذين‪ ،‬وأحد أساطين العلماء‪،‬‬
‫السنة‪ ،‬وعمدة ال ُف َقهاء في اآلفاق(‪.)2‬‬
‫وأعالم نحاريرهم‪ ،‬محيي ّ‬
‫وشيخ المصريين‪ ،‬من كانَت‬ ‫قا َل العصامي فِي وصفه‪« :‬إمام ال َ‬
‫ح َرمَي ِن َ‬
‫شكالت العُلُوم‪ ،‬ومحيي ما اند َرس‬
‫أقفال ُم ِ‬
‫ِ‬ ‫العلماء تكتُب عَنهُ ما يُم ِلي‪ُ ،‬‬
‫فاتح‬

‫((( خالصة األثر في أعيان القرن الحادي عشر (‪ 3‬ص‪.)343‬‬


‫((( خالصة األثر في أعيان القرن الحادي عشر (‪.)343 :3‬‬
‫‪161‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫ِمنها من اآلثار والرسوم‪ ،‬أستاذ األستاذين‪ ،‬وأحد عُلَماء الدين‪ ،‬ع َّلمة ال ُم َ‬
‫ح ِّققين‬
‫على اإلطالق‪ ،‬وف ّهامة ال ُمدقِّقين ِ‬
‫بالتِّفاق»(‪.)1‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬مصنفاته‬
‫لقد حازت تصانيف هذا اإلمام ال َقبو َل واالهتمام لدى العلماء والباحثين‪،‬‬
‫فمن مؤلَّفاته‪:‬‬
‫«نهاية المحتاج شرح المنهاج»(‪ ،)2‬و«غاية البيان شرح زبد ابن رسالن»(‪،)3‬‬
‫«ال ُغ َرر البهية في شرح المناسك النووية»(‪.)4‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫تُوفِّي نهار األحد ثالث عشر جمادى األولى سنة أربع بعد األلف ‪1004‬هـ‬
‫ـ رحمه اهلل تعالى ـ عن عمر بلغ (‪ )85‬عا ًما‪.‬‬

‫((( البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع‪ ،‬للشوكاني (‪.)103 :2‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مطول في الفقه الشافعي‪ ،‬ذكر في معتمد المذهب الشافعي بذكر الدليل‬
‫والتعليل‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب شرح فيه صفوة الزبد البن رسالن‪ ،‬وح َّل ألفا َظه َّ‬
‫وفك صعابه‪.‬‬
‫((( غير مطبوع‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪162‬‬

‫‪14‬ـ محمد بن سليمان ا�لك ُردي المَدني(‪( )1‬ت‪1194‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬

‫المدني‬
‫ُّ‬ ‫أبو عبد اهلل شمس الدين محمد أفندي ابن سليمان الكردي‬
‫المشهور ً‬
‫أيضا بابن سليمان‪ ،‬شيخ الشافعية بالمدينة المنورة‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬

‫ولد ب ِدمشق سنة ‪1125‬هـ‪ ،‬و ُح ِمل إلى المدينة‪ ،‬ونشأ فيها‪ ،‬و َح ِفظ القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وبدأ يتعلَّم من علماء المدينة‪ ،‬فد َرس على كبا ِرهم من فقهاء الشافعية‬
‫كالشيخ سعيد سنبل‪ ،‬ووالده الشيخ سليمان‪ ،‬والشيخ يوسف الكردي‪ ،‬والشيخ‬
‫أحمد الجوهري المصري‪ ،‬وال ُقطب مُصطفى البَكري وغيرهم(‪.)2‬‬

‫تولى إفتاءَ الساد ِة الشافعي ِة بالمدين ِة إلى وفاتِه‪ ،‬وكان فردًا من أفراد العالم؛‬
‫وتواضعًا‪ ،‬و ُزهدًا متخلِّ ًقا بأخالق السلف الصالح‪َ ،‬ج ً‬
‫بل‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫وفضل‪ ،‬و ِدينًا‪،‬‬ ‫ِعل ًما‪،‬‬
‫من جبال العلم‪.‬‬

‫((( انظر ترجمته‪ :‬سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر‪ ،‬لمحمد خليل المرادي (‪،)111 :4‬‬
‫واألعالم‪ ،‬للزركلي (‪ ،)152 :6‬والفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬لمحمد بن‬
‫الحسن الحجوي (‪ ،)423 :2‬وفهرس الفهارس‪ ،‬لعبد الحي الكتاني (‪.)448 :1‬‬
‫((( سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر‪ ،‬للمرادي (‪.)112 :4‬‬
‫‪163‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬


‫قال محمد ال ِمرادي في وصفه‪« :‬الشيخ‪ ،‬اإلمام‪ ،‬العالمة‪ ،‬الفقيه‪ ،‬خاتمةُ‬
‫الفقهاء بالديار الحجازية‪ ،‬ال ُمتضلِّع من سائر العلوم النقلية والعقلية»(‪.)1‬‬

‫وقال ال ِّز ِركلي فيه‪« :‬فقيهُ الشافعية بالديار الحجازية في عصره»(‪.)2‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬تصانيفه‬

‫حازت تصانيف هذا اإلمام القبول واالستفادة لدى طالب العلم‪ ،‬فصنَّف‬
‫في الفقه‪ ،‬والحديث‪ ،‬وأصول الدين‪ ،‬وأصول الفقه‪.‬‬

‫فمن مؤلَّفاته‪« :‬الحواشي المدنية على شرح ابن حجر للمقدمة الحضرمية»(‪،)3‬‬
‫و«تحفة المحتاج بشرح المنهاج» ‪ ،‬و« َزهر ُّ‬
‫الربى في بيان أحكام الربا»(‪،)5‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫و«الفوائد المدنية فيمن يُفتَى بقوله من أئمة الشافعية»(‪ ،)6‬و«كاشف اللثام عن‬
‫حكم التجرد قبل الميقات بال إحرام»(‪ ،)7‬و«شرح جمع الجوامع»(‪.)8‬‬

‫((( سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر‪ ،‬للمرادي (‪.)112 :4‬‬
‫((( األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)152 :6‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬حاشية مهمة في الفقه الشافعي فيها فوائد وتقريرات وفرائد غزيرة‪.‬‬
‫((( غير مطبوع‪.‬‬
‫((( غير مطبوع‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬مرجع مهم لدى طالب الفقه الشافعي في بيان مصطلحات المذهب واألقوال‬
‫واألوجه والطرق وغيرها من الفوائد‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مخصص في مسألة حكم التجرد قبل الميقات بال إحرام‪.‬‬
‫((( غير مطبوع‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪164‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫ت ُوفِّي في شهر ربيع األول سنة أربع وتسعين ومئة وألف ‪1194‬هـ‪،‬‬
‫تغ ّمده اهلل تعالى برحمته‪.‬‬
‫‪165‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪15‬ـ إبراهيم الباجوري(‪( )1‬ت‪1276‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫الشيخ العالم إبراهيم ابن الشيخ محمد الجيزاوي بن أحمد الباجوري‬
‫الشافعي‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ولد في بلدة باجور بمحافظة المنوفية في مصر سنة ‪1198‬هـ‪ ،‬نشأ في‬
‫ِحجر وال ِده محمد الجيزاوي‪ ،‬فكان اهتما ُم وال ِده أن يحفظ القرآن الكريم منذ‬
‫ح ِفظ القرآن وج َّوده‪ ،‬ثم أرسل به إلى الجامع األزهر سنة ‪1212‬هـ‬
‫الصغر‪ ،‬ف َ‬
‫ـ ِ‬
‫وسنُّه إذ ذاك ‪14‬سنة ـ ليدرس علوم األزهر ال ُم َّ‬
‫قررة حينئذ مثل‪ :‬التفسير‪،‬‬
‫والفقه‪ ،‬والعربية‪ ،‬والمنطق‪ ،‬وعلم الكالم‪ ،‬وغيرها من العلوم(‪.)2‬‬
‫فج َّد واجته َد في تحصيل العلم حتى ق ِدم االحتال ُل الفرنسي إلى مصر‬
‫سنة ‪1213‬هـ‪ ،‬فخرج منها وتو َّجه إلى الجيزة‪ ،‬وأقام بها ُمدّة وجيزة‪ ،‬ثم عاد‬
‫أعالم‬
‫ِ‬ ‫إلى األزهر الشريف ليُك ِم َل رحلته في الدراسة والتعلُّم فتتلمذ فيه على‬

‫((( انظر ترجمته في‪ :‬معجم المطبوعات العربية‪ ،‬ليوسف سركيس (‪ ،)507 :2‬واألعالم‪ ،‬للزركلي‬
‫(‪ ،)71 :1‬وحلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر‪ ،‬لعبد الرزاق البيطار (‪ ،)7 :1‬وحاشية‬
‫الباجوري على جوهرة التوحيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬علي جمعة‪.‬‬
‫((( معجم المطبوعات‪ ،‬ليوسف سركيس (‪.)507 :2‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪166‬‬

‫عُلَماء األزهر الشريف مثل‪ :‬الشيخ الع َّلمة مُح َّمد األمير الكبير المالكي الذي‬
‫أجازه بجميع ما ورد في ثبته‪ ،‬والشيخ اإلمام عبد اهلل الشرقاوي الشافعي شيخ‬
‫حسن ال ُق َويسني شيخ الجامع‬
‫جهابذة َ‬‫الجامع األزهر‪ ،‬والشيخ اإلمام عُمدة ال َ‬
‫األزهر‪ ،‬وفي فترة وجيز ٍة ظ َهرت عليه آيات النجابة‪ ،‬وصار ذا شأن عظيم‪ ،‬تميَّز‬
‫وسع ٍة باالطالع‪ ،‬قعَد في األزهر‬
‫بالدقة في العبارة وفصاحة اللسان والبيان‪َ ،‬‬
‫للتدريس وأصبحت له حلقة يؤمُّها الطالب من كل مدينة وقرية‪ ،‬ويتوافد عليها‬
‫ِ‬
‫العلماء‪ ،‬وكان مست ِم ًّرا مع القرآن الكريم بترتيله وقراءته‪ ،‬وكان يقضي وقتَه من‬
‫أول النهار حتى العشاء مع الطالب يد ِّرس لهم‪ ،‬ويؤلِّف الكتب‪ ،‬وإذا فرغ من‬
‫جميل شجِ ٍّي يسعى لسماعه مئات الناس(‪.)1‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بصوت‬ ‫هذا جلس يرتِّل القرآن‬
‫والحرص على إعالء كرامة علماء‬
‫ِ‬ ‫كان يمتاز رضي اهلل عنه بالهيبة والوقار‬
‫األزهر في مواجهة السلطة‪ ،‬وكان عباس باشا األول والي مصر في عصر‬
‫دروسه ويأتي لزيارته‪.‬‬
‫َ‬ ‫الشيخ يحضر‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء العلماء عليه‬


‫قال مؤ ِّرخ عص ِره عبد الرزاق البَيطار‪« :‬شيخ الوقت واألوان‪ ،‬المستوي‬
‫في فضائله على عرش َكيران(‪ ،)2‬وظهر على ذوي الكمال بسعة اطالعه‪ ...‬فهو‬
‫شرفَي العلم والتقوى‪ ...‬وله ول َ ٌه‬
‫جهبذ الكامل‪ ،‬الجامع بين َ‬
‫العالم العامل‪ ،‬وال َ‬
‫وحب َجسي ٌم آلل بيت النبي الكريم ﷺ»(‪.)3‬‬
‫ٌّ‬ ‫عظيم‬

‫((( معجم المطبوعات‪ ،‬ليوسف سركيس (‪.)507 :2‬‬


‫((( اسم لكوكب معروف باسم زحل‪.‬‬
‫((( حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر‪ ،‬للبيطار (‪.)7 :1‬‬
‫‪167‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫رابع ًا ‪ :‬تصانيفه‬
‫ألَّف الشيخ الباجوري في علوم عديدة من علوم الشريعة‪ ،‬فألَّف في الفقه‪،‬‬
‫وأصول الفقه‪ ،‬وعلم الكالم والمنطق‪ ،‬والشمائل‪ ،‬وغير ذلك من المؤلَّفات‬
‫النافعة التي تد ُّل على َسع ِة أُف ِقه وغزارة علمه‪.‬‬
‫من مُؤلَّفاته‪« :‬حاشية الباجوري على ابن قاسم»(‪ ،)1‬و«مَنح ال َفتّاح شرح‬
‫ضوء المصباح»(‪ ،)2‬و«تحفة المريد شرح جوهر التوحيد»(‪ ،)3‬و«حاشية على‬
‫السلَّم»(‪ ،)5‬و«المواهب الل ُدنّية»(‪.)6‬‬
‫متن السنوسية»(‪ ،)4‬و«حاشية على متن ُّ‬
‫وغير ذلك من المؤلَّفات النافعة‪.‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫تُوفِّي سنة ‪1276‬هـ‪ ،‬ودُفِن بتربة ال ُمجا ِورين‪ ،‬رحمه اهلل وأس َكنه فسيح جناته‪.‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬من أنفع الحواشي في الفقه الشافعي‪ ،‬وهي حاشية على شرح ابن قاسم على متن‬
‫أبي شجاع‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مختصر وسهل في أحكام النكاح‪ ،‬شرح منظومة ضوء المصباح للعالمة‬
‫عبد اهلل باسودان‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب تدريسي اعتنى به العلماء وطالب العلم‪ ،‬شرح متن الجوهرة في العقائد‬
‫للعالمة اللقاني‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬يع ُّد من أهم الشروح النافعة على متن السنوسية في العقائد للعالمة السنوسي‪.‬‬
‫السلَّم للعالمة‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب واسع ومرجع جيد للمطالعة في علم المنطق‪ ،‬شرح منظومة ُّ‬
‫األخضري‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬من أهم المراجع في الشمائل المحمدية‪ ،‬وهو حاشية على كتاب الشمائل المحمدية‬
‫لإلمام الترمذي‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪168‬‬

‫‪16‬ـ أحمد زيني دحلان(‪( )1‬ت‪1304‬هـ) ‪:‬‬

‫أول ًا ‪ :‬اسم ُه ونسبه‬


‫هو اإلمامُ األ َج ّل السيد أحمد ابن السيد زيني بن أحمد بن عثمان بن نعمة اهلل‬
‫ابن عبد الرحمن دَحالن‪ ،‬سلطان األولياء‪ ،‬السيد الشريف ال َح َسني ال ُح َسيني‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ق أقرانَه‬
‫ُولِد في مكة سنة‪1232‬هـ‪َ ،‬ح ِفظ القرآن العظيم في أ ّو ِل نشأته‪ ،‬وفا َ‬
‫في عَز ِمه و ِه ّمته‪ ،‬ثم أقبل على االشتغال بالعلوم واستفادة المنطوقِ والمفهوم‪،‬‬
‫و َح ِفظ جملةً من المتون في سائر الفنون‪ ،‬كما هي عادة العلماء الفحول؛ منها‪:‬‬
‫متن «البهجة» البن الوردي وهي خمس ُة آالف بيت وزيادة‪ ،‬و«الزبد» البن رسالن‬
‫وهو ألف بيت وزيادة‪ ،‬و«أبي شجاع» وثالثتها في الفقه الشافعي‪ ،‬و«عُقود ال ُجمان‬
‫في المعاني والبيان»‪ ،‬ومتن «ألفية ابن مالك» في النحو‪ ،‬ومتن «األخضري» في‬
‫المنطق‪ ،‬ومتن «الشاطبية» في القراءات‪ ،‬ومتن «الجوهرة» و«السنوسية» في علم‬
‫حررة‪ ،‬واستمر على تلك الحال إلى أن ظهرت‬ ‫الكالم‪ ،‬وغير ذلك من المتون ال ُم َّ‬
‫كره في جميع البال ِد (‪.)2‬‬
‫أمارات الذكاء والنباهة حتى طار ِذ ُ‬
‫ُ‬ ‫عليه‬

‫((( انظر ترجمته في‪ :‬نفحة الرحمن في بعض مناقب الشيخ السيد أحمد بن زيني دحالن‪ ،‬لشطا‬
‫الدمياطي‪ ،‬واألعالم‪ ،‬للزركلي (‪ ،)129 :1‬ومعجم المطبوعات العربية (‪.)990 :2‬‬
‫((( نفحة الرحمن في بعض مناقب السيد أحمد بن زيني دحالن‪ ،‬لشطا الدمياطي‪.‬‬
‫‪169‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫ضالء‬ ‫وقد أخذ العلومَ عن كثير من العلماء الناصحين والجهابذ ِة ال ُف َ‬


‫األزهري ال َم ّكي‬
‫ُّ‬ ‫الدمياطي‬
‫ُّ‬ ‫حسن‬
‫الشيخ عثمان بن َ‬‫ُ‬ ‫ال ُمح ِّققين منهم العالم العالمة‬
‫األمير‬
‫ُ‬ ‫الشرقاوي الشافعي األزهري‪ ،‬والعالمةُ مح َّم ٌد‬
‫ُّ‬ ‫الشافعي‪ ،‬والعالمة عب ُد اهلل‬
‫الشافعي رضي اهلل عنهم‪.‬‬‫ُّ‬ ‫الشنواني‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫والشيخ العال ُم ُمح َّمد‬ ‫المالكي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الكبير‬
‫ُ‬
‫تر َك التدريس‬ ‫ٍ‬
‫بثالث من األعوام َ‬ ‫حتى إ ّن شيخه عثمان الدمياطي قبل وفاتِه‬
‫ِ‬
‫موضعَه في تعليم الطلبة الكرام‪ ،‬وأمَ َره بقراءة «صحيح‬ ‫وجعل السيد أحمد‬
‫شرح‬
‫البخاري» ذي الشأن العظيم‪ ،‬وتتميم ما وقف عليه من «حاشية الصبّان على ِ‬
‫درسه جم ٌع من األفاضل واألعيان‪.‬‬
‫األشموني شرح ألفية ابن مالك»‪ ،‬وحضر َ‬
‫وكان رضي اهلل عنه يشتغل بالعلم والتأليف ً‬
‫ليل ونها ًرا‪ ،‬وفي سائر األوقات‪،‬‬
‫والعقل‪ ،‬ال ينسى شيئًا ذُ ِكر له‪ ،‬وال ُ‬
‫يغيب عن فِكره‬ ‫ِ‬ ‫زكي ال َفهم‪َ ،‬‬
‫ثابت ال ِفكر‬ ‫وكان َّ‬
‫شيء وقع منه أو حصل له‪.‬‬
‫وكان رضي اهلل عنه له الي ُد ال ُّطولى في التواريخ‪ ،‬وأنساب العرب الكرام‪،‬‬
‫صيتُه‪ ،‬وشاع ِذ ُ‬
‫كره بذلك في األقطار واآلفاق‪،‬‬ ‫وكان آية في حفظها‪ ،‬وطار ِ‬
‫وأذعَن بذلك أهل الفضل والوفاق‪.‬‬
‫النبي ﷺ‪،‬‬‫ّ‬ ‫فكان وقتُه ُكلُّه مُو َّزعًا ما بين تأليف وتدريس‪ ،‬والصالة على‬
‫حر‪ ،‬ومع هذا كله كان في‬ ‫وتالو ِة القرآن وأذكار الصباح والمساء و ِورد الس َ‬
‫جاب الدعوة‪ ،‬شدي َد‬ ‫الوفاء مع الناس ال يوجد له نظير‪ .‬كان سري َع الدّمع ِة‪ُ ،‬م َ‬
‫كثير الهيبة‪ ،‬ال يردُّ سائلَه‪ ،‬وكان بالطلبة وغيرهم رؤوفًا رحي ًما‪ ،‬يوقِّر‬ ‫الخشية‪َ ،‬‬
‫صابرا على نفسه‪،‬‬‫ً‬ ‫ينتص ُر ِ‬
‫لنفسه‪ ،‬بل كان حلي ًما‪،‬‬ ‫صغيرهم‪ ،‬وال ِ‬‫َ‬ ‫كبيرهم‪ ،‬وير َح ُم‬
‫َ‬
‫ويعفو ع َّمن أساء إليه(‪.)1‬‬

‫((( نفحة الرحمن في بعض مناقب السيد أحمد بن زيني دحالن‪.‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪170‬‬
‫بعض من الفنون‬
‫ٍ‬ ‫ومن ُحس ِن سياسته أنه إذا رأى نَجابةً ِمن بعض الطلبة في‬
‫ال ُم َد ّونة أمَره بتعليم ما يعرفه ل َمن هو دونه‪ ،‬فما مضت بُرهةٌ من الزمان إال‬
‫والمسج ُد الحرامُ مآلن بالطلبة‪ ،‬ومن العلماء األعيان‪ ،‬وانتهت إليه رئاسةُ‬
‫ح َرمين‪ ،‬وفتوى الساد ِة الشافعية الكرام‪.‬‬
‫مشيخة العُلماء ببالد ال َ‬
‫الطعام جدًّا يأ ُكل أكلةً بين اليوم والليلة‪ ،‬وكانت ت ُ َع ُّد ل ُ َقيمات‬
‫ِ‬ ‫وكان قلي َل‬
‫عضها ال يأكل ّإل خب َز الشعير مع َزيت الزيتون‪ ،‬ال‬ ‫في غالب األوقات‪ ،‬وفي ب َ ِ‬
‫قليل جدًّا ينا ُم من الليل نحو ساعتين‪ ،‬ثم يقو ُم‬ ‫سيما في رمضان‪ ،‬وكان نو ُمه ً‬
‫تعودت قيا َم الليل من الصغر‪ ،‬وكان أو َل أخذه للعلوم‬
‫ُ‬ ‫لطاعة ربه‪ ،‬وكان يقول‪:‬‬
‫قليل‪ ،‬ويقوم لعبادة ربه‪ ،‬يُصلِّي‬
‫يستغرق معظم الليل في ال ُمطالَعة‪ ،‬ثم ينام ً‬
‫سطرا واحدًا مع‬
‫ً‬ ‫الوتر إحدى عشرة ركعة‪ ،‬وكان يقول لبعض طلبته‪ :‬ألن أقرأ‬
‫َ‬
‫خير من قراءة الكتاب من أوله إلى آخره بدون تحقيق(‪.)1‬‬
‫التحقيق ٌ‬
‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬
‫والبحر األكمل‪ ،‬فري ُد‬
‫ُ‬ ‫قال أبو بكر شطا الدِّمياطي‪« :‬هو اإلمام األ َج ّل‪،‬‬
‫ُ‬
‫وحافظ‬ ‫شيخ العلم وحامُل لوائِه‪،‬‬‫عص ِره وأوانه‪ ،‬وال ُمقدَّم على أقرانه في زمانه‪ُ ،‬‬
‫حديث النبي ﷺ‪ ،‬وبد ُر سمائه»(‪.)2‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬تصانيفه‬
‫ألّف كتبًا كثيرة في شتى العلوم‪ ،‬فألَّف في العلوم الشرعية‪ ،‬والبيانية‪،‬‬
‫والنحوية‪ ،‬والتاريخية‪ ،‬والرياضية‪.‬‬

‫((( نفحة الرحمن في بعض مناقب السيد أحمد بن زيني دحالن‪.‬‬


‫((( تحفة الرحمن في بعض مناقب السيد أحمد زيني دحالن (ص‪.)13‬‬
‫‪171‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫فمن مؤلفاته‪« :‬السيرة النبوية»(‪ ،)1‬و«الفتح المبين في سيرة الخلفاء‬


‫الراشدين»(‪ ،)2‬و«حاشية على الزّبد البن َرسالن»(‪ ،)3‬و«الدرر السنية في الرد‬
‫على ال َوهّابية»(‪ ،)4‬و«شرح على اآلجرومية»(‪.)5‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫توفي سنة ‪1304‬هـ‪ ،‬اشتَ ّد به المرض حتى توفّاه اهلل‪ ،‬وهو مشتغل بكلمة‬
‫الجاللة‪ ،‬و ُح ِمل ودُفِن في البَقيع‪.‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب واسع في سيرة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬لخصها من السيرة الحلبية وسيرة ابن هشام‬
‫والمواهب اللدنية‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب بيَّن فيه سيرة الخلفاء الراشدين باختصار‪ ،‬وآل البيت الطاهرين‪.‬‬
‫((( غير مطبوع‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مختصر‪ ،‬يشرح فيه كيفية ظهور الحركة الوهّابية في المملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫كما أنه يثبت ذلك باألمثلة ويح ِّذر من مخاطر نشرها بين المسلمين‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب سهل ومختصر‪ ،‬شرح فيه متن اآلجرومية في علم النحو‪ ،‬البن آجروم‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪172‬‬

‫‪17‬ـ أحمد بن عمر الشاطري(‪( )1‬ت‪1360‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫هو السيد العالمة أحمد بن عمر بن عوض بن عمر بن أحمد بن عمر بن‬
‫حضرمي‪،‬‬
‫أحمد بن علي بن ُح َسين بن علوي‪ ،‬الشاطري‪ ،‬العَلوي‪ ،‬الت ِريمي‪ ،‬ال َ‬
‫الشافعي‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولد ُه ونشأته‬


‫ِ‬
‫مسقط‬ ‫ولد بتَ ِريم سنة ‪1312‬هـ من أبوين كري َمين‪ ،‬نشأ في ربوع ت َ ِريم‬
‫رأسه نشأةً مستقيم ًة على أحسن األساليب وأقوامها‪ ،‬وتربَّى تربية دينية أخالقية‬
‫ِ‬
‫على أيدي أساطين الفضيلة والمعرفة من رجالها‪.‬‬
‫كان رحمه اهلل عذب الروح‪ ،‬لطيف ال َمعشر‪َ ،‬طل َق ال ُم َحيّا‪ ،‬جمي َل الصورة‪،‬‬
‫وكان غيو ًرا على الشرع‪ ،‬غضوباً عند التالعب بأحكامه‪ ،‬والزج بها في َجحيم‬
‫األهواء‪.‬‬
‫انتقل إلى الرباط ـ المعهد العلمي الوحيد في ذلك الزمان ـ وألقى نفسه‬
‫الندي اإلمام العالمة عبد اهلل بن‬
‫ّ‬ ‫في أحضان ذلك المعهد‪ ،‬فانتهل من المورد‬
‫الشاطري رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عمر‬

‫((( انظر ترجمته في‪ :‬الياقوت النفيس في مذهب ابن إدريس‪ ،‬ألحمد بن عمر الشاطري‪.‬‬
‫‪173‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫فج َّد واجتهد في كثير من العلوم والفنون دينيةً وعربيةً ورياضية‪ ،‬ففاق أقرانَه‬
‫وزمالءه في التلمذة والطلب والتحصيل؛ مما جعلهم يتطلعون له إلى مستقبل‬
‫باهر وحياة عظيمة‪ ،‬ف َح ِفظ «البهجة» البن الوردي‪ ،‬و«الزبد» البن َرسالن‪،‬‬
‫و«السلّم» في المنطق‪ ،‬وغير ذلك من المحفوظات‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫و«األلفية» في النحو‪،‬‬
‫ثم بعد ذلك أقعد منصةَ التدريس‪ ،‬فكان يتولى تدريس الحلقات بالرباط‪،‬‬
‫وكثيرا ما ينوب عن شيخه اإلمام عبد اهلل بن عمر الشاطري‪ ،‬ثم استعفى من‬
‫ً‬
‫دروسا لإلفادة ُجلُّها في الفقه‪ ،‬فقد ختَم ً‬
‫كثيرا من‬ ‫ً‬ ‫المدرسة بعد ذلك وع َقد‬
‫الكتب منها‪« :‬شرح المنهج» مع حواشيه‪ ،‬و«بغية المسترشدين» مع أصولها‪،‬‬
‫و«تجريد البخاري»‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء الأئمة عليه‬


‫قال األستاذ محمد بن هاشم بن طاهر‪ِ « :‬من أظهر الشخصيات البارزة‬
‫بل‪ ،‬وعَفافًا‪ ،‬و َرزانة‪ِ ،‬‬
‫وسيادة»‪.‬‬ ‫بتَريم ِعل ًما‪ ،‬وذكاءً‪ ،‬ون ُ ً‬

‫رابع ًا ‪ :‬مصنفاته‬
‫اهتمام لدى‬
‫ٍ‬ ‫تصانيف نافعةً ومُح َّققةً‪ ،‬وكانت تصاني ُفه مبل َغ‬
‫َ‬ ‫لقد صنَّف‬
‫العلما ِء والباحثين في التدريس والحفظ واإلتقان‪.‬‬
‫من ُمؤلَّفاته‪« :‬نيل الرجا شرح سفينة النجا»(‪ ،)1‬و«الياقوت النفيس في‬
‫مذهب ابن إدريس»(‪.)2‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب تدريسي في الفقه الشافعي‪ ،‬شرح كتاب سفينة النجا‪ ،‬للعالمة سالم الحضرمي‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب تدريسي من أهم كتب الفقه الشافعي‪ ،‬اعتنى مؤلفه بذكر الضوابط والشروط‬
‫وتصوير المسائل في جميع أبواب الفقه‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪174‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫تُوفِّي يوم الجمعة ‪1360‬هـ‪ ،‬لَبَّى دعوةَ ربِّه وأجاب مناديه وهو يتوضأ‪،‬‬
‫رحمه اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪175‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪18‬ـ عبد ا�لكريم المدرس(‪( )1‬ت‪ 1426‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫العلمة الشيخ عبد الكريم بن محمد بن فتاح بن ُسلَيمان بن مصطفى بن‬
‫هو ّ‬
‫بالشيخ عبد الكريم بيّارة‪ ،‬مفتي العراق‪.‬‬
‫ِ‬ ‫محمد المدرس المشهور‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ُولِد في شهر ربيع األول سنة ‪1323‬هـ‪ ،‬في قرية «تكية» في شمال ال ِعراق‪،‬‬
‫بدأ دراستَه عندما بلغ س ّن التمييز‪ ،‬فختَم القرآن الكريم‪ ،‬وبعض الكتب الدينية‬
‫الصغيرة‪ ،‬تج َّول في المدارس وترقَّى‪ ،‬ووقع تحت رعاية أحد العلماء من‬
‫أصدقاء والده فقرأ عنده المقدمات في النحو والصرف‪َ ،‬‬
‫فنشبت الحرب‬
‫العالمية األولى‪ ،‬فسافر إلى السلَمانية‪ ،‬وبقي مدة وقرأ فيها شرح السيوطي‬
‫على ألفية ابن مالك‪ ،‬ثم ر َحل من السلمانية‪ ،‬ودخل مدرسةَ (خانقاه دورود)‬
‫في إدارة حضرة الشيخ عالء الدين ابن الشيخ عمر ضياء الدين ابن الشيخ‬
‫عثمان سراج الدين‪ ،‬فرعاه رعايةً أبويةً مادية ومعنوية‪ ،‬فدرس النحو والمنطق‪،‬‬
‫وآداب البحث والفقه والفلك‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك أقام في مدرسة أبي ُعبَيدة عند األستاذ العالم الجليل ال ُم ّل‬

‫((( انظر ترجمته‪ :‬علماؤنا في خدمة العلم والدين‪ ،‬لعبد الكريم المدرس‪ُ ،‬عنِي بنشره محمد بن‬
‫علي القره داغي (ص‪.)324‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪176‬‬

‫محمد سعيد العبيدي‪ ،‬فبدأ «ببرهان الكلنبوي في المنطق»‪ ،‬ثم انتقل إلى خانقاه‬
‫حضرة األستاذ خالد‪ ،‬والمد ِّرس حينئذ الع َّلمة الشيخ عمر ال ُق ّره داغي‪ ،‬فد َرس‬
‫عليه علوم البرهان‪ ،‬والتشريح‪ ،‬والحساب‪ ،‬والحكمة‪ ،‬والبالغة‪ ،‬والفقه‪،‬‬
‫فحصل على اإلجازة العلمية من شيخه ّ‬
‫العلمة ُع َمر ال ُق ّره داغي‪ ،‬وذلك في‬
‫التدريس‬
‫َ‬ ‫حضره كبار العلماء سنة ‪1344‬هـ‪ ،‬ثم بعد فتر ٍة استلَم‬
‫مَح َف ٍل كبي ٍر َ‬
‫في بَيّارة لألعوام ‪1347‬هـ ‪1371 -‬هـ‪ ،‬حيث َخ َّرج في هذه الفترة ما يقارب‬
‫خمس ًة وأربعين طالبًا‪.‬‬
‫وفي سنة ‪1373‬هـ تعيَّن مد ِّر ًسا في مسجد حاجي حان في محلة ملكندي‪،‬‬
‫وبعدها انتقل إلى كركوك؛ حيث بقي في تكية جميل الطالبان‪ ،‬ثم انتقل إلى‬
‫بغداد في سنة ‪1379‬هـ حيث بقي إما ًما في الجامع األحمدي‪ ،‬ثم تعيَّن مد ِّر ًسا‬
‫في جامع حضر ِة الشيخ علي‪.‬‬
‫الطلب من بالد كثيرة من جاوة‪ ،‬وتركيا‪ ،‬والمغرب‪،‬‬ ‫اجتمع عليه كثير من ّ‬
‫والجزائر‪ ،‬ومن العراق ع ََربها وأكرادها‪ ،‬تك ُفلُه السادة الن ُّ َقباء ُّ‬
‫الش َرفاء‪ ،‬أوالد‬
‫السيد الشيخ عبد القادر الكيالني بالبقاء في الحضرة القادرية؛ إلفتاء ال ُمس ِلمين‬
‫الطل ِب إلى أن توفّاه‬‫واستمر في إلقاء الدروس على ّ‬‫َّ‬ ‫في األحكام الشرعية‪،‬‬
‫اهلل تعالى‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء العلماء عليه‬


‫قال األستاذ الدكتور عبد الملك السعدي العراقي‪« :‬الشيخ المد ِّرس كان‬
‫ِ‬
‫تفتخ ُر األمة‬ ‫علَ ًما من أعالم التدريس‪ً ،‬‬
‫بحرا واسعًا في الفتوى‪ ،‬فقي ًها ممن‬
‫وتخرج على يده الكثير من العلماء»‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بأمثاله‪،‬‬
‫‪177‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫العلمة ال ُمف ِّكر الدكتور مصطفى الزلمي‪« :‬الع َّلمة الشيخ عبد الكريم‬
‫وقال ّ‬
‫المدرس‪ ،‬عال ٌم جلي ٌل ال مثيل له في عصره بالنسبة لعلوم اآللة‪ ،‬كان كري ًما‬
‫ِ‬
‫وسخيًّا تجاه من يعرفه ومن ال يعرفه‪ ،‬وكان ملتز ًما باإلسالم التزا ًما موضو ِعيًّا‬
‫ِعلميًّا‪ ،‬بعيدًا عن الخرافات والجدل»‪.‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬مصنفاته‬
‫وقت ال َفراغ في كتاباتِه ومُؤلَّفاتِه‬
‫الشيخ حياتَه لل ِعلم‪ ،‬وكان يستغ ُّل َ‬
‫ُ‬ ‫كرس‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫والدراسات يتجاو ُز‬ ‫كبيرا من الكتُب‬
‫المدرس عددًا ً‬
‫ُ‬ ‫ترك ّ‬
‫العلمةُ‬ ‫الديني ِة واألدبية‪َ ،‬‬
‫عددُها ‪ 50‬مؤل َّ ًفا‪ ،‬باللغتين العربية وال ُكردية‪.‬‬
‫من مؤلفاته‪« :‬علماؤنا في خدمة العلم والدين»(‪ ،)1‬و«إرشاد الناسك إلى‬
‫المناسك»(‪ ،)2‬و«إعالم بالغيب وإلهام بال ريب»(‪ ،)3‬و«جواهر الفتاوى»(‪،)4‬‬
‫و«األنوار القدسية في األحوال الشخصية»(‪ ،)5‬و«القصيدة الوردية في سيرة خير‬
‫البرية»(‪ ،)6‬و«مواهب الرحمن في تفسير القرآن»(‪.)7‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب ذ َكر فيه المؤل ِّ ُ‬


‫ف من ذاكرته ذكرياته مع العلماء والمشايخ من معاصريه‪.‬‬
‫((( غير مطبوع‪ ،‬كتاب في أحكام الحج والعمرة على المذهب الشافعي‪ ،‬وفيه بعض المسائل‬
‫الهامة التي يحتاج اليها‪.‬‬
‫((( غير مطبوع‪ ،‬كتاب في علم أصول الفقه وفيه مسائل في علم الكالم‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬من أهم كتب الفتاوى في الوقت المعاصر‪ ،‬فيه بحوث ومسائل وتحقيقات في جميع‬
‫أبواب الفقه‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب مهم ومختصر في األحوال الشخصية‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬قصيدة في سيرة رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬يُعتبَر من الكتب القيِّمة لباحثي العلوم القرآنية بصورة خاصة وغيرهم من المتخصصين‬
‫في العلوم اإلسالمية بشكل عام‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪178‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬وفاته‬
‫تُوفِّي في يوم االثنين السابع والعشرين من شهر رجب سنة ‪1426‬هـ‪،‬‬
‫الموافق شهر آب ‪2005‬م‪ ،‬رحمه اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪179‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫(‪)1‬‬‫‪19‬ـ مصطفى سعيد الخن (ت‪1429‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫الميداني‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الشافعي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫هو العالم ال ُم َربِّي مصطفى بن سعيد بن محمود الخ ُّن‪،‬‬
‫الدمشقي‪ ،‬شيخ علم أصول الفقه في بالد الشام‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫حي ال َميدان من أسرة ِدمشقية عريقة‪ ،‬كان‬
‫ولد سنة ‪1342‬هـ بدمشق في ِّ‬
‫لها منذ عهو ٍد العمادةُ وال َمرجعي ُة في الميدان كله‪.‬‬
‫سري يسودُه الصفاءُ‬ ‫نشأ الشيخ مصطفى الخن في كنَف والدَيه في َج ٍّو أ ُ ٍّ‬
‫ح َقه والدُه بال ُكتّاب‪ ،‬ثم أل َ‬
‫ح َقه‬ ‫وال َهيبةُ واالحترام‪ ،‬ولما بلغ الثامنةَ من العمر؛ أل َ‬
‫الغراء االبتدائية‪ ،‬فالزمها سن ًة كاملة‪ ،‬انتقل بعدها‬ ‫بعد ذلك بمدرسة الجمعية ّ‬
‫أنموذج الميدان‪.‬‬
‫َ‬ ‫الرسمية التي كانت تُدعى‬
‫إلى المدرسة َّ‬
‫خ ّطاط محمد زرزور‬ ‫الشيخ ال َ‬
‫في صيف ‪1350‬هـ الموافق ‪1931‬م اكتشف َّ‬
‫عالئ َم النَّجابة واألهليَّة عند مصطفى الخن‪ ،‬الذي كان أح َد التَّالميذ المنتسبين‬
‫ِ‬
‫يصطحبَه معه إلى‬ ‫إلى مكتبه لتعلُّم القرآن والخط والحساب؛ فاستأذن والده أن‬
‫دروس َّ‬
‫الشيخ حسن حبَنّكة الميداني في جامع منجك‪ ،‬فسمح الوالد ولم يمانع‪.‬‬

‫((( انظر ترجمته في‪ :‬مصطفى عيد الخن‪ ،‬العالم المربي وشيخ علم أصول الفقه في بالد الشام‪،‬‬
‫لمحيي الدين ديب مستو‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪180‬‬

‫أسس في المسجد مدرسةً متكاملةً‪،‬‬ ‫حسن َحبَنّكة قد َّ‬ ‫وكان َّ‬


‫الشيخ الداعية َ‬
‫الشباب المنقطعين لطلَب العلم صبا ًحا‪ ،‬من بعد صالة الفجر‬
‫تشتمل على تعليم َّ‬
‫حتى صالة الظهر‪ ،‬وتعليم الكبار ـ من التُّجار وأصحاب الحرف ـ بعد صالة‬
‫العشاء‪.‬‬
‫التحق التِّلمي ُذ مصطفى الخن أ َّول األمر بالقسم المسائي‪ ،‬وأُعجِ ب به‬
‫مخايل الحفظ والذكاء‪ ،‬ونقل‬
‫ِ‬ ‫س عنده من‬ ‫خه حسين َخ ّطاب؛ لما ل ِم َ‬ ‫شي ُ‬
‫خيرا‪.‬‬ ‫إعجابَه إلى َّ‬
‫الشيخ حسن حبنكة‪ ،‬فأوصى به ً‬
‫فقرر االنتقا َل‬ ‫ولم تمض مدَّة حتى ُحبِّب إلى التِّلمي ِذ النَّجيب ُ‬
‫طلب العلم‪َّ ،‬‬
‫إلى القسم النَّهاري‪ ،‬وكانت تلك خطوةً جريئ ًة موفَّقة‪ ،‬أُقيمت على إث ِرها حفلةٌ‬
‫طالب عل ٍم ينبُغ في (آل الخن)‪ ،‬وأُلبِس الطالب‬ ‫ِ‬ ‫في بيت األسرة احتفاءً بأ َّول‬
‫األب رعايتَه التامَّة له‪.‬‬ ‫مصطفى العمامة ً‬
‫بدل من (الطربوش)‪ ،‬وأعلن ُ‬
‫وفي مطلع عام (‪1369‬هـ‪1949-‬م) وصل الشيخ مصطفى إلى القاهرة‪،‬‬
‫وانتسب إلى جامعة األزهر وأُجري َّ‬
‫للشيخ اختبار ال َقبول‪ ،‬وقُبل في َّ‬
‫السنة الثالثة‬
‫من كلِّية َّ‬
‫الشريعة‪ ،‬ومن ث َ َّم حصل على شهادة اإلجازة التي تؤهِّله للتَّدريس في‬
‫المقررة ‪-‬سنتان‪ -‬قبل أن‬
‫َّ‬ ‫السورية‪ ،‬فأمضى م َّدة ال ِّدراسة‬
‫المدارس الحكومية ُّ‬
‫يستحق شهادة اإلجازة بتقدي ٍر ممتاز‪.‬‬
‫الشيخ أثناءَ دراستِه تلك على علماء أفذاذ في األصول واللُّغة‪،‬‬
‫تعرف َّ‬
‫قد َّ‬
‫وعلى رأسهم العمي ُد الدكتور عيسى منون‪ ،‬والدكتور عبد اهلل موسى‪ ،‬والدكتور‬
‫كثيرا‬
‫مصطفى عبد الخالق‪ ،‬وأخوه الدكتور عبد الغني عبد الخالق‪ ،‬وأفاد منهم ً‬
‫تخصصه‪ ،‬كما تزَّود بثقافة إسالميَّة عالميَّة‪ ،‬ومنهجيَّة واضحة ال َّطريق‬
‫ُّ‬ ‫في‬
‫‪181‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫تربوي رصين الفكرة والتَّطبيق‪.‬‬


‫ٍّ‬ ‫والهدف‪ ،‬ومسلك‬
‫عاد الشيخ بعدها إلى ِدمش َق وعمل مد ِّر ًسا حتى حصوله على شهادة‬
‫الدكتوراه بموضوع «أثر االختالف في القواعد األصولية في اختالف الفقهاء»‪.‬‬
‫ِ‬
‫محاض ًرا‪،‬‬ ‫وفي أثناء ذلك اشتغل بالتدريس في كلية الشريعة بجامعة دمشق‬
‫بين عامي (‪1375‬هـ‪1382 -‬هـ)‪ ،‬وأ ُ ِعير لكلية الشريعة واللغة العربية‪ ،‬بجامعة‬
‫اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪.‬‬
‫طالب العلم‬
‫ِ‬ ‫قص َد‬ ‫وعاد الحنين َّ‬
‫بالشيخ إلى دمشق مج َّددًا؛ ليصبح بيتُه مَ ِ‬
‫والمحبِّين‪ ،‬ومنذ بداية العام الدِّراسي (‪1414‬هـ‪1993 ،‬م)؛ وافق َّ‬
‫الشيخ على‬
‫التَّدريس في قسم الدِّراسات العليا‪ ،‬التابع لجامعة أم ِدرمان‪ ،‬ومركزه مج َّمع‬
‫َّخصص‪،‬‬ ‫أبي النُّور التَّعليمي في دمشق‪ ،‬وعلى رئاسة كلِّية َّ‬
‫الشريعة بقسم الت ُّ‬
‫التابع لمعهد الفتح اإلسالمي بدمشق‪ ،‬وتدريس مادَّة أصول الفقه لطالب‬
‫السنوات الثالث في الكلِّية‪.‬‬
‫َّ‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء العلماء عليه‬


‫قال عنه الشيخ كريم راجح‪« :‬عالم البلد عالم األمة مات في المسجد»‪.‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬مصنفاته‬
‫وقت مب ِّك ٍر من مسيرته العلمية‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫الشيخ مصطفى الخن الكتابة في‬‫بدأ َّ‬
‫وكان يكتب لنفسه ً‬
‫أول‪ ،‬ث َّم ساهم في تأليف الكتب المدرسية‪ ،‬ثم اتَّجه إلى‬
‫التَّأليف العام والتَّحقيق‪ ،‬وكان صدره يتَّسع للمشاركة مع غيره من األقالم‪،‬‬
‫تألي ًفا وتحقي ًقا‪ ،‬من مؤلَّفاته‪« :‬أثر االختالف في القواعد األصولية في اختالف‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪182‬‬

‫الفقهاء»(‪ ،)1‬و«الفقه المنهجي على مذهب اإلمام الشافعي»(‪ )2‬الذي شارك فيه‬
‫بالتأليف مع د‪ .‬مصطفى البغا‪ ،‬واألستاذ علي الشربجي‪.‬‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫تُوفِّي يوم الجمعة ‪ 23‬محرم ‪1429‬هـ الموافق ‪ 1‬شباط‪ /‬فبراير ‪،2008‬‬
‫وهو في صالة الجمعة‪ ،‬في مسجد الحسن بمنطقة الميدان في دمشق‪.‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬عرض فيه المؤلف القواعد األصولية وتطبيقاتها في فروع الفقه وما نشأ من ذلك‬
‫خالف بين الفقهاء‪ ،‬وهي رسالته في الدكتوراه‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب تدرسي في الفقه الشافعي‪ ،‬شارك فيه مع د‪ .‬مصطفى البغا‪ ،‬واألستاذ علي‬
‫الشربجي‪.‬‬
‫‪183‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪20‬ـ نوح القضاة (ت‪1432‬هـ)‬


‫(‪)1‬‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫نوح بن علي بن َسلمان القضاة العالم الزاهد المفتي الشافعي مذهبًا‪ ،‬من‬
‫أبرز علماء أهل السنة والجماعة في المملكة األردنية الهاشمية‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ُولِد سماحة الشيخ نوح في بلدة عين جنّا في محافظة عجلون عام‬
‫حا محبًّا‬
‫‪1358‬هـ = ‪1939‬م‪ ،‬كان والده علي سلمان القضاة فقي ًها شافعيًّا صال ً‬
‫للعلم‪ ،‬وقد ل ّقى أبناءه األربعة وهم‪« :‬محمد‪ ،‬ونوح‪ ،‬وهود‪ ،‬وزكريا» العلوم‬
‫الشرعية والعربية‪ ،‬قبل أن يبعث بهم إلى الشام لتلقي العلوم الشرعية على‬
‫أيدي علمائها‪.‬‬
‫سافر الشيخ نوح إلى دمشق؛ حيث أكمل فيها الدراسة اإلسالمية من‬
‫المرحلة االبتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية‪ ،‬ومن مشايخه في هذه المرحلة‬
‫في الفقه الشافعي والعقيدة اإلسالمية‪ :‬الشيخ عبد الكريم الرفاعي‪ ،‬والشيخ‬
‫عبد الرزاق الحمصي‪ ،‬والشيخ نايف العباس‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وفي نفس الوقت كان‬
‫يحضر مجالس الشيخ المربِّي محمد الهاشمي التل ِمساني‪ ،‬رحمهم اهلل جميعًا‪.‬‬

‫((( انظر ترجمته‪ :‬سلسلة تراجم علماء األردن‪ :‬الدكتور الشيخ نوح القضاة‪ ،‬لشحادة العمري‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪184‬‬

‫حق بكلية الشريعة في جامعة دمشق‪ ،‬وم َكث فيها أربع سنوات‪،‬‬
‫ثم الت َ‬
‫وحرصه على طلب العلم من جهة‬ ‫مؤشر كبير على ذكائه من جهة‪ِ ،‬‬
‫وهذا ِّ‬
‫أخرى‪ ،‬وكان يمضي ُج َّل وقته في تلقي الفقه الحنفي على أيدي كبار العلماء‬
‫منهم‪ :‬الشيخ مصطفى الزرقا‪ ،‬والدكتور وهبة الزحيلي‪ ،‬والشيخ عبد الرحمن‬
‫الصابوني‪ ،‬والشيخ عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬والشيخ فوزي فيض اهلل‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫تخرج الشيخ نوح عام ‪1384‬هـ الموافق ‪1965‬م‪ ،‬ثم عاد إلى األردن‬
‫َّ‬
‫يحمل درجة البكالوريوس في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فانضم إلى سلك القوات‬
‫المسلحة‪ ،‬وعمل بجانب الشيخ عبد اهلل العزب الذي خلفه في منصب اإلفتاء‬
‫في عام ‪1392‬هـ الموافق ‪1972‬م‪.‬‬

‫في عام ‪1397‬هـ الموافق ‪1977‬م سافر إلى القاهرة برغبة سمو األمير‬
‫زيد بن شاكر رحمه اهلل‪ ،‬حيث درس أصول الدين وأصول الفقه على يد الشيخ‬
‫العالم األصولي عبد الغني عبد الخالق‪ ،‬والفقه المقارن على يد الشيخ المفتي‬
‫حسن الشاذلي‪ ،‬وتتلمذ على يد شيخ األزهر عبد الحليم محمود‪.‬‬

‫في هذه الفترة قدَّم رسالة في جامعة األزهر بعنوان «قضاء العبادات‬
‫والنيابة فيها» بإشراف الشيخ محمد األنبابي‪ ،‬ونال بها شهادة الماجستير في‬
‫عام ‪1400‬هـ الموافق ‪1980‬م‪.‬‬

‫في عام ‪1406‬هـ الموافق ‪1986‬م نال درجة الدكتوراه من جامعة‬


‫محمد بن سعود اإلسالمية بالرياض‪ ،‬وقدَّم رسالته بعنوان «إبراء الذمة من‬
‫حقوق العباد»‪.‬‬
‫‪185‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫في عهده تميز الجيش األردني بوجود إمام راتب في كل وحدة لي ُؤمَّ أفراد‬
‫دروسا دينية‪ ،‬وكان يرتِّب لهذا اإلمام برامج ودورات إسالمية‬
‫ً‬ ‫ويلقي‬
‫َ‬ ‫وحدته‬
‫إضافية في الفقه الشافعي وتفسير القرآن والحديث والعقيدة‪.‬‬
‫الحسن للعلوم اإلسالمية حيث يصبح ُك ُّل‬
‫َ‬ ‫أسس في الجيش كلية األمير‬
‫تخرج إمامًا في الوحدات العسكرية‪ ،‬وفي عام ‪1992‬م تولى منصب قاضي‬
‫من َّ‬
‫القضاة وباشر عمله بإعادة النظر في كثير من األمور التي وجدها تحتاج إلى‬
‫إصالح‪ ،‬ثم قدَّم استقالته بعد عام واحد‪.‬‬
‫سفيرا للمملكة األردنية الهاشمية‬
‫ً‬ ‫وفي عام ‪1416‬هـ الموافق ‪1996‬م ُعيِّن‬
‫لدى إيران حتى عام ‪1421‬هـ الموافق ‪2001‬م‪ ،‬وفي عام ‪1424‬هـ الموافق‬
‫‪2004‬م عمل في اإلفتاء في دولة اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬ومستشا ًرا لوزير‬
‫العدل واألوقاف والشؤون اإلسالمية حتى عام ‪1428‬هـ الموافق ‪2007‬م‪.‬‬
‫وفي هذا العام أصدرت اإلرادة الملكية السامية بتعيين سماحة الدكتور نوح‬
‫علي سليمان القضاة مفتيًا للملكة األردنية الهاشمية بدرجة وزير؛ لتصبح دائرة‬
‫اإلفتاء العام دائرة علمية فقهية دعوية معتمدة على المذاهب الفقهية األربعة‬
‫أساسا ومُنطلَ ًقا للفتوى في‬
‫ً‬ ‫عمومًا‪ ،‬وعلى وجه الخصوص المذهب الشافعي‬
‫بالدنا المباركة‪ ،‬وذلك لسببين اثنين‪:‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬أنه المذهب األكثر انتشا ًرا في بالدنا عبر التاريخ‪ .‬ومراعاة الغالب‬
‫مقصد شرعي‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أنه مذهب وسطي جمع بين أصول مدرستي الحديث والرأي‪،‬‬
‫وخرج باجتهادات فقهية كانت ـ وما زالت ـ سببًا في تحقيق مصالح األمة‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪186‬‬

‫وجمع كلمتها‪ ،‬وهذا السبب ـ وإن كان متح ِّق ًقا في المذاهب الفقهية األخرى ـ‬
‫ب السبق فيه‪.‬‬
‫قص َ‬
‫إال أن مذهب اإلمام الشافعي حاز َ‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء العلماء عليه‬


‫شهد له الشيخ علي الفقير الربابعة بالخير والصالح والعلم‪ ،‬وهو ممن‬
‫رافقه أكثر من نصف قرن‪.‬‬
‫نوح ممن يُش َهد له بالخيرية والتقوى‪،‬‬
‫وقال الدكتور عمر األشقر‪« :‬الشيخ ٌ‬
‫عرفتُه‬
‫ب‪ ،‬حريص على الدعوة ونشرها‪َ ،‬‬ ‫فهو صاحب كلمة وأمانة‪ ،‬ودودٌ ِ‬
‫ومح ٌّ‬
‫ِمعطاءً في علمه‪ ،‬جادًّا فيه‪ ،‬وفي تعريف الناس به‪ ،‬ممن ال يقصد الناس‪ ،‬بل من‬
‫الذين يقصدون اهلل تعالى‪ ،‬يسعى في مصالح اإلسالم والمسلمين»(‪.)1‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬مصنفاته‬
‫كان الشيخ نوح القضاة داعيًا إلى اهلل تعالى‪ ،‬فكان مُهتَ ًّما بالدعوة إلى اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬والنصح‪ ،‬واألمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬وإلقاء الدروس‬
‫مؤلفات قَيِّمة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫كثيرا بالتأليف‪ ،‬ومع ذلك ترك لنا‬
‫والتعليم‪ ،‬فلم يكن مهت ًّما ً‬
‫و«المختصر ال ُمفيد في‬
‫َ‬ ‫ومن مُؤلَّفاته‪« :‬قضاء العبادات والنيابة فيها»(‪،)2‬‬
‫شرح جوهرة التوحيد»(‪ ،)3‬و«شرح ال ِمنهاج في الفقه الشافعي»(‪.)4‬‬

‫((( انظر‪ :‬موقع ويكبيديا على الشبكة العنكبوتية‪ ،‬ترجمة الشيخ نوح القضاة‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬وهي رسالته في الدكتوراه‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب تدريسي سهل ومختصر شرح فيه منظومة الجوهرة لإلمام اللقاني في عقيدة‬
‫أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬شرح فيه كتاب المنهاج لإلمام النووي‪ ،‬شرح فيه العبادات فقط‪.‬‬
‫‪187‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫خامسًا ‪ :‬وفاته‬
‫بعد استقالة سماحة الشيخ من اإلفتاء شعر باأللم الجسدي‪ ،‬وأُدخل‬
‫ح َسين‬‫مدينة الحسين الطبية للعالج‪ ،‬ثم أمر جاللة الملك عبد اهلل الثاني ابن ال ُ‬
‫أي مكان في العالم‪ ،‬وعلى يَ ِد َمن يختا ُر من‬ ‫ُ‬
‫الشيخ على نفقته في ِّ‬ ‫بأن يُعالَج‬
‫األطباء‪ ،‬فرحل الشيخ إلى النمسا‪ ،‬ورجع وهو يتو َّجه إلى ربِّه بالدعاء‪ ،‬وفي‬
‫صباح يوم األحد ‪ 13‬محرم لعام ‪1432‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 19‬كانون األول لعام‬
‫‪2010‬م فاضت روحه إلى المولى رحمه اهلل تعالى‪ ،‬وقد شارك في التشييع‬
‫عددٌ من األمراء‪ ،‬والوزراء‪ ،‬واألعيان‪ ،‬والن ُّ ّواب‪ ،‬وعلماء الدين اإلسالمي‪،‬‬
‫والمسؤولين المدنيين والعسكريين‪ ،‬وآالف المواطنين من أهالي محافظة‬
‫عجلون‪ ،‬والمملكة عامّة‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪188‬‬

‫(‪)1‬‬‫‪21‬ـ الحبيب سالم بن عبد اللـه الشاطري (ت‪1439‬هـ)‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫هو الحبيب الع َّلمة الفقيه ال ُمسنِد ال ُمربِّي الداعية إلى اهلل سالم بن عبد اهلل‬
‫ابن عمر بن أحمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن أحمد بن علي بن حسين بن‬
‫علوي الشاطري‪ ...‬بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن‬
‫الحسين السبط ابن اإلمام علي بن أبي طالب رضي اهلل عنهم‪.‬‬
‫شاطر أخاه أبا بكر‬
‫َ‬ ‫لقب َجدِّه علوي‪ ،‬ول ُ ِّقب بذلك؛ ألنه‬
‫والشاطري‪ :‬هو ُ‬
‫الحبشي جميع أموالِه مُواساةً له‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ولد بتَريم سنة ‪1359‬هـ‪ ،‬ونشأ بها في بيئة صالحة في عص ٍر مليء بالعلماء‬
‫والصلحاء في مختلف الفنون‪ ،‬أقبل على التحصيل وأ َخ َذ عن أخيه أبي بكر‬
‫كثيرا‪ ،‬والشيخ عبد اهلل بازغيفان‪ ،‬ومن ث َ َّم الت َ‬
‫ح َق ب ِرباط تَريم‪،‬‬ ‫وأخيه المهدي ً‬
‫وأخذ عن العالمة الشهيد الحبيب محمد بن سالم بن حفيظ النحو‪ ،‬والفقه‪،‬‬
‫والفرائض‪ ،‬والبالغة‪ ،‬والفلك‪ ،‬وأخذ عن الشيخ سالم بُكير الفقه‪ ،‬وعن‬
‫جماعة كثيرين‪.‬‬

‫((( انظر ترجمته في‪ :‬عقد الجوهر في علماء الربع األول من القرن الخامس عشر‪ ،‬ليوسف‬
‫المرعشلي (ص‪ ،)1824‬ومركز دوعن العلمي للدراسات والبحوث‪ ،‬على الفيسبوك‪.‬‬
‫‪189‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫ثم ارتحل إلى مكة المكرمة نحو سنة ‪1376‬هـ لالستزادة في طلب العلم‬
‫الشرعي‪ ،‬ومكث بها مدة‪ ،‬وأخذ عن كبار علماء مكة آنذاك‪ ،‬ومن أشهرهم‪:‬‬
‫العالمة السيد علوي بن عباس المالكي‪ ،‬فأخذ عنه ُج َّل العلوم الشرعية واآللية‪،‬‬
‫وعن الشيخ حسن بن محمد المشاط السيرةَ والنحو‪ ،‬وأخذ عن الشيخ ال ُمسنِد‬
‫حضرمي‪،‬‬ ‫محمد بن ياسين الفاداني‪ ،‬والشيخ عبد اهلل بن سعيد اللحجي ال َ‬
‫فكان رحمه اهلل يتل َّقى طلب العلم في مكة ال ُم َّ‬
‫كرمة بالمسجد الحرام في اليوم‬
‫درسا في فنون شتّى‪ ،‬وكلُّها يطالع لها ويلخصها‪.‬‬
‫والليلة اثني عشر ً‬
‫المكرمة إلى بلده لنَش ِر العلم الشريف‬
‫َّ‬ ‫عاد في سنة ‪1381‬هـ من مكة‬
‫والخاص‪ ،‬وازداد نشا ُطه في‬
‫ّ‬ ‫والدعوة إلى اهلل تعالى‪ ،‬فحصل به النفع العام‬
‫التدريس والدعوة إلى اهلل تعالى في مدرسة شمسان الحكومية‪ ،‬وفي مسجد‬
‫اإلمام العيدروس وكان متوليًّا ومأذونًا شرعيًّا في عقود األنكحة‪ ،‬وكان خطيبًا‪،‬‬
‫والدروس في المنطقة وخارجها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الحلقات‬ ‫وكان يع ِق ُد‬

‫تعرض من قِبَل الحزب االشتراكي الشيوعي في ذلك الوقت إلى ِم َ‬


‫حن‬ ‫َّ‬
‫كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬السجن والتعذيب سنة (‪1400‬هـ ‪1980-‬م) لمدة تسعة أشهر‬
‫جاه اهلل منها‪ ،‬وأصيب بكسور‬ ‫ِ‬
‫االغتيال التي ن ّ‬ ‫ونصف تقريبًا‪ ،‬وكانت محاول ُة‬
‫جاه اهلل من الموت‬
‫جلس على إثرها في المستشفى‪ ،‬والتف الناس حوله ون ّ‬
‫وتبصيره‬
‫ُ‬ ‫إسكات صوتِه وإيقافُ نشاطه الدعوي‬
‫ُ‬ ‫سبب ذلك‬
‫َ‬ ‫ال ُمحتَّم؛ وكان‬
‫للناس بما يستهدف عقيدتَهم ودينهم وأخالقهم وكش َفه لمؤامراتهم الخبيثة‬
‫تعرض للقتل والتعذيب شي ُ‬
‫خه العالمة علي بن‬ ‫ضد اإلسالم والمسلمين‪ ،‬كما َّ‬
‫محمد باحميش الذي استُش ِهد رحمه اهلل تعالى‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪190‬‬

‫ورحل للدعوة إلى اهلل تعالى ونشر العلم الشريف إلى عدد من البلدان‪،‬‬
‫منها‪ :‬إندونيسيا‪ ،‬وسنغافورة‪ ،‬وسيرالنكا‪ ،‬وماليزيا‪ ،‬وبروناي‪ ،‬وعُمان‪ ،‬والخليج‪،‬‬
‫وإفريقيا‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫ثناء العلماء عليه‬


‫قال عنه علماء تَريم‪ :‬الفقيه الشافعي‪ ،‬ال ُم َربِّي‪ ،‬الداعية إلى اهلل تعالى‪،‬‬
‫سلطان العلماء‪ ،‬المدير العام ل ِرباط تَريم العلمي‪ ،‬أحد أبرز دو ِر العلم الشرعي‬
‫تخرج على يده اآلالف من العلماء‪ ،‬والدعاة‪ ،‬والمصلحين‪ ،‬الذين‬
‫بالمدينة‪َّ ،‬‬
‫كان لهم دو ٌر في نشر الوعي والثقافة والعقيدة اإلسالمية حول العالم‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬مصنفاته‬
‫كان الشيخ داعيًا إلى اهلل تعالى صبا ًحا ومساءً مُهتَ ًّما بالدعوة إلى اهلل تعالى‪،‬‬
‫ممتثل في ذلك طريق َة والده عبد اهلل بن‬ ‫ً‬ ‫كثيرا بالتأليف‬
‫ومهت ًّما بالتعليم‪ ،‬ولم يهت ّم ً‬
‫فات قَيِّمة‪ ،‬منها‪« :‬الفوائد الشاطرية في‬ ‫عمر الشاطري‪ ،‬ومع ذلك ترك لنا مؤل َّ ٍ‬
‫النفحات الحرمية»(‪ ،)1‬و«نظم بعض المسائل والضوابط الفقيهة»(‪ ،)2‬و«نيل‬
‫المقصود في مشروعية زيارة نبي اهلل هود عليه السالم»(‪.)3‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬وفاته‬
‫توفي في ليلة السبت بجدة في ‪ ٣٠‬من شهر جمادى األولى عام ‪١٤٣٩‬هـ‬

‫((( مطبوع‪ ،‬وهي مجموعة كبيرة من الدروس في التفسير وعلوم القرآن وغيره مما تلقاه عن‬
‫شيخه علوي بن عباس المالكي بمكة المكرمة وغيره‪.‬‬
‫((( غير مطبوع‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب يتحدث عن مشروعية زيارة نبي اهلل هود عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫‪191‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫الموافق للسادس عشر من شهر فبراير لعام ‪2018‬م بعد أن تألم في ق َد ِمه‬
‫وعُملت له عملية جراحية‪ ،‬وبعدها بعدة أيام انتقل إلى رحمة اهلل‪ ،‬رحمه اهلل‬
‫ونفعنا اهلل به في الدارين آمين‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪192‬‬

‫‪22‬ـ الحبيب زين بن سميط‬


‫(‪)1‬‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫هو العالمةُ‪ ،‬المح ِّققُ‪ ،‬الفقي ُه‪ ،‬السيد‪ ،‬الحبيب‪ ،‬زين بن إبراهيم بن زين بن‬
‫محمد بن زين بن عبد الرحمن‪ ...‬بن عبيد اهلل بن أحمد المهاجر بن عيسى بن‬
‫محمد النقيب بن علي العريضي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي‬
‫زين العابدين بن الحسين السبط ابن اإلمام علي بن أبي طالب‪ ،‬واإلمام علي‬
‫زوج فاطمة بنت سيدنا محمد ﷺ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ولد سنة ‪1357‬هـ الموافق ‪1936‬م بمدينة جاكرتا بإندونيسيا في أسرة‬
‫متدينة‪ ،‬كان والده يأخذه في صغره إلى مجلس علوي بن محمد الحداد‪،‬‬
‫ويـحضر به أحيانًا إلى مَد َرس علي بن عبد الرحمن الحبشي الذي كان يقيمه‬
‫في بيته بكويتانج‪ ،‬تعلم في مدارس جاوة القراءة والكتابة‪ ،‬وتلقى القرآن‬
‫الكريم وعلم التجويد‪ ،‬ثم في عام ‪1371‬هـ الموافق ‪1950‬م رحل به والده‬
‫وبإخوته إلى حضرموت‪ ،‬وعمره نحو أربع عشرة سنة؛ خوفًا عليهم من الفتنة‬
‫يلتق الوالد بولده بعد أن هاجر إلى‬
‫والفساد‪ ،‬ثم عاد والده إلى إندونيسيا‪ ،‬ولم ِ‬
‫((( انظر ترجمته‪ :‬زين بن سميط‪ ،‬المنهج السوي شرح أصول طريقة السادة آل باعلوي‪ ،‬دار‬
‫الفتح للدراسات والنشر‪.‬‬
‫‪193‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫حضرموت إال بعد سنوات طويلة في الحرمين الشريفين عندما حج‪.‬‬


‫فش ّمر الحبيب عن ساعد الجد في الطلب والتحصيل‪ ،‬فأخذ على العالمة‬
‫الحبيب محمد بن سالم بن حفيظ‪ ..‬فحفظ عليه متن «الزبد» في الفقه‪ ،‬ومتن‬
‫«إرشاد الغاوي إلى مسالك الحاوي»‪ ،‬وأخذ عن الحبيب عمر بن علوي‬
‫الكاف النحو والصرف والبيان‪ ،‬وحفظ «ألفية ابن مالك»‪ ،‬وأخذ عن الفقيه‬
‫مفتي تريم سالم سعيد ب ُ ّكير باغيثان‪ ،‬وقرأ األصول على الشيخ فضل بن محمد‬
‫بافضل‪ ،‬وغيرهم من العلماء‪ ،‬فنال الحبيب إعجاب مشايخه؛ لتميِّزه وذكائه‬
‫وتف ُّوقه على أقرانِه‪ ،‬وحسن تأدبه وسلوكه وأخالقه‪.‬‬
‫بعد ُمضي تلك األعوام التي قضاها في مدينة تَريم أشار عليه شيخه محمد بن‬
‫سالم بن حفيظ باالنتقال إلى مدينة البيضاء في أقصى جنوب اليمن للتدريس‬
‫في رباطها‪ ،‬والمشاركة في واجبات الدعوة إلى اهلل هناك‪ ،‬وذلك بعد طلب من‬
‫مفتي البيضاء محمد بن عبد اهلل الهدار‪ ،‬فتو َّجه إلى هناك ما ًّرا في طريقه بمدينة‬
‫عدن؛ حيث التقى بسالم الشاطري‪ ،‬وكان سالم الشاطري آنذاك خطيبًا وإما ًما‪.‬‬
‫فاستقبله محمد الهدار وفرح به‪ ،‬وز ّوجه الهدار ابنته وأجازه بمروياته‪،‬‬
‫دروسه ومجالسه العامة‪ ،‬وي ُعدُّه من أكبر‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يحضر‬ ‫وكان الحبيب زين بن سميط‬
‫كثيرا كما قرأ على‬
‫شيوخه الذين انتفع بهم‪ ،‬وإن لم يقرأ عليه في الكتب العلمية ً‬
‫غيره‪ ،‬وكان الساعد األيمن للهدار‪ ،‬وكان الهدار يستعين به في إقامة الدروس‬
‫العلمية‪ ،‬وأنابه عنه ً‬
‫أيضا في اإلجابة على االستفتاءات الفقهية‪.‬‬
‫وبعد إحدى وعشرين سنة من بقائه في البيضاء والدعوة إلى اهلل هاجر‬
‫ُعي الفتتاح رباط عبد الرحمن بن حسن الجفري في المدينة‬
‫إلى الحجاز‪ ،‬ثم د َ‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪194‬‬

‫فاستقر به المقام فيها منذ رمضان عام ‪1406‬هـ‪ ،‬واشترك هو وسالم‬


‫َّ‬ ‫المنورة‪،‬‬
‫الشاطري في القيام بأعباء رباط الجفري مدة اثنتي عشرة سنة‪ ،‬وكان يفد إلى‬
‫الرباط الكثير من طالب العلم‪ ،‬من أنحاء متعددة من البالد اإلسالمية‪ ،‬وتخرج‬
‫ِّ‬
‫الكثير منهم‪ ،‬ورغم كثر ِة طلبتِه وتزايدهم وانشغالِه‬
‫ُ‬ ‫على يدي َزين بن سميط‬
‫أيضا عن عد ٍد من العلماء المقيمين بالمدينة‬
‫بتدريسهم‪ ،‬فقد أخذ هو العلم ً‬
‫ِ‬
‫قرأ عليه‬
‫الشنقيطي المالكي‪ ،‬وكان يُ َ‬
‫ِّ‬ ‫المنورة‪ ،‬فأخذ علم األصول عن زيدان‬
‫في المسجد النبوي في جلسة خاصة معه‪ ،‬كما الزمَ االشتغا َل على أحمد بن‬
‫محمد حامد الشنقيطي أحد أئمة الوقت في علوم اللغة وأصول الدين‪.‬‬
‫وما زال الحبيب زين بن سميط قائ ًما بالدروس العلمية والدعوة إلى اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬والعناية بطلبته وتوجيههم‪ ،‬وإرشاد السالكين وتربية المريدين‪ ،‬وتحرير‬
‫الفتاوى الفقهية التي ت َ ِرد عليه من سائر البلدان‪ ،‬نفع اهلل به اإلسالم والمسلمين‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬ثناء العلماء عليه‬


‫قال الحبيب السيد أبو بكر بن علي‪« :‬العالم الفقيه‪ ،‬حافظ المذهب‪ ،‬النحوي‬
‫المشارك في شتى العلوم‪ ،‬العارف باهلل والدال عليه بمواعظه ورقائقه الصوفية‪،‬‬
‫ذي الطلعة العلوية السلفية»(‪.)1‬‬
‫وقال العالمة ال ُمسنِد الشيخ محمد نمر الخطيب‪« :‬صاحب الفضيلة‪ ،‬العالمة‬
‫الذائق‪ ،‬الرباني الفائق»(‪.)2‬‬

‫((( انظر‪ :‬قبسات من نور في إيضاح حياة سيدي الوالد الداعي إلى اهلل الحبيب علي بن أبي‬
‫بكر بن علوي المشهور‪ ،‬ألبي بكر بن علي المشهور‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬صفحة الفيسبوك‪ :‬أعالم تَريم الحبيب زين بن إبراهيم بن سميط‪.‬‬
‫‪195‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫رابع ًا ‪ :‬مصنفاته‬
‫اعتنى الحبيب زين في تصانيفه بتوضيح طريقة آل باعلوي في الزهد‬
‫والتصوف وتدعيم ذلك بالكتاب والسنة‪ ،‬ومن مؤلفاته‪« :‬المنهج السوي شرح‬
‫أصول طريقة السادة آل باعلوي»(‪ ،)1‬و«الفيوضات الربانية من أنفاس السادة‬
‫العلوية»(‪ ،)2‬و«هداية الطالبين في بيان مُ ِه ّمات الدين»(‪ ،)3‬واألجوبة الغالية في‬
‫عقيدة الفرقة الناجية»(‪.)4‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬يشرح فيه مؤلفه أصول طريقة السادة آل باعلوي وآدابها‪ ،‬بأدلة من الكتاب العزيز‪،‬‬
‫ناثرا فيه من المسائل والفوائد العلمية ونوادر النقول‬
‫والسنة الثابتة وأقاويل السلف واألئمة‪ً ،‬‬
‫والح َكم‪ ،‬ما ُّ‬
‫تقر به األعين‪ ،‬وتبتهج به النفوس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب يتحدث عن التفسير اإلشاري في معاني كالمه تعالى وكالم نبيِّه ﷺ‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب يشرح فيه المؤلف حديث جبريل عليه السالم في بيان معنى اإلسالم واإليمان‬
‫واإلحسان‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب يبين فيه المؤلف عقيدة أهل السنة والجماعة مدعمة بالكتاب والسنة‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪196‬‬

‫(‪)1‬‬‫‪23‬ـ مصطفى البغا‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫الشيخ العالم الجليل أبو الحسن مصطفى ديب البغا الميداني الدمشقي‪،‬‬
‫من أبرز علماء الشافعية في الوقت المعاصر‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ولد الشيخ في دمشق في حي الميدان عام ‪1938‬م‪ ،‬ونشأ بها وترعرع فيها‪،‬‬
‫فتعلم القرآن الكريم على الشيخ خيرو ياسين عندما كان في المرحلة الثانوية‪،‬‬
‫القراء حسين خطاب‪ ،‬ومحمد كريم‬ ‫وحفظ القرآن فأجازه به‪ ،‬وتعلَّم عند شيخ ّ‬
‫راجح‪ ،‬والدكتور وهبي سليمان غاوجي األلباني‪ ،‬والشيخ عبد الفتاح أبو ُغدّة‪،‬‬
‫والدكتور مصطفى سعيد الخن‪.‬‬
‫درس في معهد التوجيه اإلسالمي الذي أسسه الشيخ حسن حبنكة الميداني‪،‬‬
‫ثم تخرج منه وذلك في عام ‪1959‬م‪ .‬ثم درس في كلية الشريعة في جامعة‬
‫دمشق لمدة أربع سنوات‪ ،‬وتخرج منها عام ‪1963‬م‪ ،‬ثم حصل على الماجستير‬
‫والدكتوراه في أصول الفقه من كلية الشريعة في جامعة األزهر في عام ‪1974‬م‪،‬‬
‫وكان موضوع رسالة الدكتوراه‪« :‬أثر األدلة المختلف فيها في الفقه اإلسالمي»‪.‬‬
‫مدرسا في كلية الشريعة في جامعة دمشق‪ ،‬وذلك من عام (‪1978‬م‬
‫ً‬ ‫ُعيِّن‬

‫((( انظر ترجمته‪ :‬على موقع الويكيبديا على الشبكة العنكبوتية‪.‬‬


‫‪197‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫‪2000-‬م)‪ ،‬تعاقد مع كلية الشريعة في جامعة قطر‪ ،‬لمدة خمس سنوات (‪2000‬م‬
‫‪2005 -‬م) د َّرس في كلية الشريعة في جامعة اليرموك في إربد في األردن لمدة سنة‬
‫عام ‪2006‬م‪ ،‬ود َّرس في جامعة العلوم اإلسالمية العالمية في األردن عام ‪2008‬م‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬مصنفاته‬
‫لقد تميَّز الشيخ مصطفى البغا بكثرة تصانيفه في العلوم الشرعية‪ ،‬وكان من‬
‫أكثرها اعتناءً الفقه الشافعي‪.‬‬
‫ومن مؤلفاته‪« :‬التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب»(‪ ،)1‬و«الفقه المنهجي‬
‫في الفقه الشافعي»(‪ ،)2‬و«تعليق على الرحبية في علم الفرائض»(‪ ،)3‬و«تنوير‬
‫المسالك بشرح وأدلة عمدة السالك البن النقيب»(‪ ،)4‬و«الواضح في علوم‬
‫القرآن»(‪ ،)5‬و«نزهة المتقين في شرح رياض الصالحين»(‪.)6‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬اعتنى المؤلف بذكر األدلة من الكتاب والسنة على كتاب التقريب ألبي شجاع في‬
‫الفقه الشافعي‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب تدريسي في الفقه الشافعي‪ ،‬شارك فيه مع د‪ .‬مصطفى الخن والشيخ علي‬
‫الشربجي‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬علق فيه المؤلف على شرح سبط المارديني في شرح الرحبية‪ ،‬وأضاف د‪ .‬مصطفى‬
‫في آخر الكتاب مسائل تدريبية في المواريث‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬اعتنى فيه المؤلف بذكر األدلة من الكتاب والسنة على كتاب عمدة السالك‬
‫البن النقيب‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب يتحدث عن علوم القرآن والسنة النبوية‪ ،‬شارك فيه المؤلف مع محيي الدين‬
‫مستو‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب في علم الحديث يشرح كتاب رياض الصالحين لإلمام النووي بأسلوب‬
‫واضح وسهل‪ ،‬شارك فيه مع مصطفى سعيد الخن‪ ،‬ومحيي الدين مستو‪ ،‬وعلي الشربجي‪،‬‬
‫ومحمد أمين لطفي‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪198‬‬

‫‪24‬ـ محمد بن علي الخطيب‬


‫(‪)1‬‬

‫أول ًا ‪ :‬اسمه ونسبه‬


‫هو الشيخ الفقيه محمد بن علي بن عبد الرحمن ابن الشيخ أبي بكر بن‬
‫أحمد بن عبد اهلل بن أبي بكر الخطيب‪ ،‬األنصاري التريمي الحضرمي‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ولد بتَريم سنة ‪1372‬هـ‪ ،‬ونشأ نشأة صالحة في حجر والده‪ ،‬تعلَّم القراءة‬
‫والكتابة عند السيد علي بن أحمد بلفقيه فأتقنهما أت َّم إتقان‪.‬‬
‫فطلب العلم عند السيد عبد اهلل بن علي بن ُسميط فأخذ عنه الفقه‪ ،‬فقرأ عليه‬
‫«سفينة النجا» نحو عشر مرات‪ ،‬وحفظ عليه «صفوة الزبد» في الفقه الشافعي‪،‬‬
‫ثم حضر عند الشيخ عبد القوي بافضل «صحيح البخاري»‪ ،‬و«تفسير الخازن»‪،‬‬
‫وبعض الدروس في النحو‪.‬‬
‫ثم ذهب إلى رباط تَريم رباط العلم‪ ،‬فحضر مجالس الحبيب علوي بن‬
‫عبد اهلل‪ ،‬وحضر مجالس الحبيب محمد المهدي بن عبد اهلل بن عمر الشاطري‪،‬‬
‫وقرأ على العالمة الحبيب حسن بن عبد اهلل بن عمر الشاطري «المختصر الكبير»‪،‬‬
‫و«الوجيز» للغزالي‪ ،‬وقرأ على الشيخ عمر بن عوض حداد «متن الرحبية»‬
‫وشرحها‪ ،‬وقرأ على الشيخ محفوظ بن عثمان النحو والفقه‪ ،‬وقرأ على العالمة‬

‫((( انظر ترجمته‪ :‬رسالة في أحكام الحيض والنفاس واالستحاضة‪ ،‬لمحمد بن علي الخطيب‪،‬‬
‫كتَب الترجمة‪ :‬محمد أبو بكر باذيب‪.‬‬
‫‪199‬‬ ‫هلاجرو يعفاشلا بهذملا خيرات‬

‫الحبيب محمد بن سالم بن حفيظ كتابه «تكملة زبدة الحديث» في المواريث‬


‫مرتين‪ ،‬و«العدة والسالح» في فقه النكاح‪.‬‬
‫ثم الزم العالمة الفقيه مفتي تريم الشيخ فضل بن عبد الرحمن بافضل‬
‫رحمه اهلل فقد كان تخرجه عليه‪ ،‬فقرأ عليه «متن أبي شجاع»‪ ،‬ثم «عمدة السالك»‪،‬‬
‫ٍ‬
‫مرات خالل عدة‬ ‫وكرره‬
‫ثم «فتح المعين» ثم «منهاج الطالبين» لإلمام النووي‪َّ ،‬‬
‫سنوات مع مطالعة «التحفة» البن حجر‪ ،‬ثم «شرح المنهج» لشيخ اإلسالم زكريا‬
‫األنصاري‪ ،‬وقرأ عليه في النكاح «المفتاح»‪ ،‬و«زيتونة اإللقاح» للشيخ عبد اهلل‬
‫باسودان‪ ،‬وفي النحو «متممة اآلجرومية»‪ ،‬و«شرح القطر» البن هشام‪ ،‬وفي‬
‫القضاء قرأ «عماد الرضا ببيان آداب القضا» لشيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪.‬‬
‫وهو اآلن أحد أعضاء مجلس اإلفتاء بتَريم‪ ،‬ومن أعيان الفقهاء بها‪ ،‬مع‬
‫مباشرته التدريس بين العشاءين في الرباط وفي األوقات األخرى‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬مصنفاته‬
‫امتازت مصنـفات الشـيخ محمد بالفقه الشافعي؛ لكـثرة اعتنائه ومطالعته‬
‫فتميزت بالتحقيق والتدقيق‪ ،‬ومن مُؤلَّفاته‪« :‬رسالة في أحكام الحيض والنفاس‬
‫واالستحاضة»(‪ ،)1‬و«رسالة في أحكام الصوم»(‪ ،)2‬و«تعليقات على مقدمة‬
‫المنهاج»(‪.)3‬‬

‫((( مطبوع‪ ،‬كتاب صغير الحجم كبير الفائدة مهم لطالب العلم في هذه المسألة‪ ،‬جمع فيه‬
‫المؤلف أحكام الحيض والنفاس واالستحاضة في الفقه الشافعي‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬رسالة صغيرة الحجم حاوية أحكام الصوم في الفقه الشافعي‪.‬‬
‫((( مطبوع‪ ،‬علَّق فيه المؤلف على مقدمة المنهاج لإلمام النووي‪ ،‬مأخوذة من تحفة المحتاج‬
‫بشرح المنهاج للشيخ ابن حجر الهيتمي‪.‬‬
‫الباب الثاني‬
‫منهج البحث والفتوى في المذهب الشافعي‬

‫يتكون هذا الباب من خمسة فصول هي‪:‬‬


‫ـ الفصل األول‪ :‬التعريف بكتب المذهب‬
‫ـ الفصل الثاني‪ :‬أبرز المصطلحات الواردة في كتب المذهب‬
‫ـ الفصل الثالث‪ :‬منهجية الفتوى في المذهب‬
‫ـ الفصل الرابع‪ :‬قواعد الترجيح في المذهب‬
‫ـ الفصل الخامس‪ :‬فوائد منهجية في المذهب‬
‫الفصل الأول‬
‫التعر يف بكتب المذهب‬

‫صنِّفت في المذهب الشافعي‪ ،‬وتم‬


‫يتناول هذا الفصل أبرز الكتب التي ُ‬
‫تقسيم هذه الكتب إلى اثني عشر مبحثًا كما يأتي‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أبرز كتب المذهب في عصر التكوين واالنتشار‪ :‬ويتناول‬
‫أبرز الكتب التي اشتهرت من زمن اإلمام الشافعي حتى بداية عصر الشيخين‬
‫(الرافعي والنووي)‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أبرز كتب المذهب في عصر التنقيح والتحرير‪ :‬ويتناول‬
‫أبرز الكتب ال ُمعتَمدة من بداية عصر الشيخين حتى نهاية عصر المتأخرين‬
‫حرروا المذهب‪.‬‬‫الذين َّ‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أبرز المتون الدراسية‪ :‬ويتناول أبرز المتون التي اعتمدها‬
‫الشافعية المتأ ِّخرون في تدريس المذهب‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬أبرز كتب القواعد الفقهية‪ :‬ويتناول أبرز كتب القواعد‬
‫والضوابط الفقهية في المذهب‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬أبرز كتب أصول الفقه‪ :‬ويتناول أبرز كتب األصول في‬
‫المذهب‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬أبرز كتب الفتاوى‪ :‬ويتناول أشهر كتب الفتاوى في‬
‫المذهب‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪204‬‬

‫المبحث السابع‪ :‬أبرز كتب أحاديث األحكام في المذهب‪.‬‬


‫المبحث الثامن‪ :‬أبرز كتب طبقات رجال المذهب‪.‬‬
‫المبحث التاسع‪ :‬أبرز كتب تخريج الفروع على األصول‪.‬‬
‫المبحث العاشر‪ :‬الكتب التي اعتنت بمنهجية الفتوى في المذهب‪.‬‬
‫المبحث الحادي عشر‪ :‬كتب ومؤلفات في مسائل خاصة‪.‬‬
‫المبحث الثاني عشر‪ :‬أبرز الكتب المعاصرة‪.‬‬
‫‪205‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫المبحث الأول‬
‫أبرز كتب المذهب في عصر التكوين والانتشار‬

‫‪1‬ـ كتاب «الأم» لإمام المذهب محمد بن إدريس الشافعي الم ُ َ ّ‬


‫طلبي (ت‪204‬هـ) ‪:‬‬
‫أصل الكتاب إمالءات أمالها اإلمام الشافعي على طالبه في مصر‪ ،‬ج َمعها‬
‫الربيع المرادي‪ ،‬ثم قام بعَرضها على اإلمام ودارسها معه وقام بمراجعتها‬
‫وتهذيبها‪.‬‬
‫قام الشيخ سراج الدين البلقيني (ت‪805‬هـ) بترتيب الكتاب وفق األبواب‬
‫والمسائل الفقهية(‪ ،)1‬كما يُعتَبر كتاب «األم» من أهم الكتب التي نقلت قول‬
‫اإلمام الشافعي الجديد‪.‬‬
‫ويعتبر كتاب «األم» من الكتب الموسوعية التي تبيِّن عمق فقه اإلمام‬
‫الشافعي في طرحه للمسائل الفقهية واالستدالل لها ومناقشة أقوال األئمة‬
‫اآلخرين‪ ،‬كما يُعتَبر كتاب «األم» مدونة عظيمة في فقه الخالف‪ ،‬ومن خالله‬
‫يمكن معرفة شخصية اإلمام الشافعي الفقهية واألصولية‪.‬‬
‫ومما ينبغي التنبيه إليه‪ :‬أن كتاب «األم» ال يلزم أن تكون كل األقوال التي‬
‫فيه معتمدة في المذهب؛ ألن كتب الشافعي كثيرة وأقواله متعددة‪ ،‬وبعضها‬
‫مفقود‪ ،‬فلزم أن يصار إلى ما حرره علماء المذهب الشافعي‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬المعتمد عند الشافعية‪ ،‬للكاف (ص‪.)112‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪206‬‬

‫أبرز طبعات الكتاب‪:‬‬


‫‪1‬ـ طبعة بوالق‪ ،‬عام ‪1321‬هـ‪.‬‬
‫‪2‬ـ طبعة دار الوفاء‪ ،‬بتحقيق الدكتور رفعت فوزي‪ ،‬وهي أجود طبعات‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫‪3‬ـ طبعة دار قتيبة سوريا‪1416 ،‬هـ = ‪1996‬م بتحقيق‪ :‬أحمد بدر الدين‬
‫حسون بعنوان «موسوعة اإلمام الشافعي ‪ -‬الكتاب األم»‪.‬‬
‫أبرز الكتب التي خدمت «األم»‪:‬‬
‫‪1‬ـ «تخريج أحاديث األم» لإلمام أبي بكر البيهقي (ت‪458‬هـ)‪ ،‬وهو‬
‫مخطوط‪.‬‬
‫بر أم اإلمام»‪ ،‬للعالمة أحمد بك الحسيني (ت‪1332‬هـ)‪،‬‬
‫‪2‬ـ «مرشد األنام إلى ّ‬
‫واقتصر فيه على قسم العبادات في أربع وعشرين مجلدًا‪ ،‬وهو مخطوط‪.‬‬

‫‪2‬ـ «مختصر المزني» للإمام أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني (ت‪264‬هـ) ‪:‬‬
‫جمع اإلمام المزني في كتابه ما ع ِل َمه من أقوال اإلمام الشافعي‪ ،‬فنقل‬
‫من كتب اإلمام ومن المسائل التي سمعها منه‪ ،‬ولم ينقلها في كتبه‪ ،‬وض َّمن‬
‫في «مختصره» اجتهاداته الشخصية‪ ،‬وما أضافه إلى أقوال اإلمام‪ ،‬فهو كتاب‬
‫مستقل بنفسه‪ ،‬وليس اختصا ًرا لكتاب «األم» كما زعم البعض(‪.)1‬‬
‫ويعتبر «مختصر المزني» أول مختصر في الفقه الشافعي‪ ،‬ضبط فيه أصول‬
‫مسائل المذهب وفروعه‪ ،‬وقد نال من اهتمام علماء الشافعية حتى صار أصل‬

‫((( مختصر المزني (ص‪.)7‬‬


‫‪207‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫كتب المذهب‪ ،‬و ُرتِّبَت كتب المذهب على منواله(‪.)1‬‬


‫قال عنه اإلمام البيهقي‪« :‬ال نعلم كتابًا صنف في اإلسالم أعظم نفعًا وأع َّم‬
‫بركة‪ ،‬وأكثر ثمرة من «مختصره»»(‪.)2‬‬
‫وقامت مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬ودار المعرفة بطباعة «مختصر المزني»‬
‫ًّ‬
‫مستقل‪.‬‬ ‫مع كتاب «األم»‪ ،‬ونشرته دار الكتب العلمية‬
‫أبرز الشروح والمختصرات‪:‬‬
‫‪1‬ـ تعليقة اإلمام أبي حامد اإلسفراييني (ت‪406‬هـ)‪ ،‬وهو شرح على‬
‫توسع فيه مؤل ِّ ُفه في نقل المذاهب واألقوال‪ ،‬وهو مدار‬
‫«مختصر المزني»‪َّ ،‬‬
‫كتب العراقيين‪ ،‬والكتاب مخطوط‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعليقة القاضي حسين المروذي (ت‪462‬هـ)‪ ،‬وهو شرح على «مختصر‬
‫المزني»‪ ،‬ولم يُطبع من الكتاب سوى مقدماته‪ ،‬وكتابي الطهارة والصالة‪.‬‬
‫‪3‬ـ تعليقة اإلمام أبي الطيب الطبري (ت‪450‬هـ)‪ ،‬وهو شرح على «مختصر‬
‫المزني»‪ ،‬وهو عبارة عن موسوعة فقهية ضخمة زاخرة بالخالفات الفقهية‬
‫ومناقشة األدلة واالنتصار للمذهب‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪4‬ـ «الحاوي الكبير» لإلمام علي بن محمد بن حبيب الماوردي (ت‪450‬هـ)‪.‬‬
‫‪5‬ـ «نهاية المطلب في دراية المذهب» إلمام الحرمين الجويني (ت‪478‬هـ)‪.‬‬
‫‪6‬ـ «الشامل» لإلمام أبي النصر ابن الصباغ (ت‪477‬هـ)‪ ،‬وهو شرح حافل‬

‫((( شذرات الذهب في أخبار من ذهب (‪.)278 :3‬‬


‫((( المجموع شرح المهذب للنووي (‪.)107 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪208‬‬

‫بنقل األقوال واألوجه داخل المذهب‪ ،‬ومناقشة المخالفين للمذهب الشافعي‬


‫باألدلة‪ ،‬وقد ُح ِّقق في رسائل جامعية‪ ،‬ولكنه لم يُطبَع‪.‬‬
‫‪7‬ـ «بحر المذهب» لإلمام أبي المحاسن الروياني (ت‪502‬هـ)‪ ،‬وهو‬
‫شرح مبسوط على «المختصر»‪ ،‬وقد اعتمد فيه على كتاب «الحاوي الكبير»‬
‫للماوردي مع زيادات في الفروع الفقهية‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪8‬ـ «الخالصة» لإلمام الغزالي‪ ،‬والكتاب عبارة عن اختصار وترتيب‬
‫وتقسيم لكتاب المزني و«مختصره» لإلمام أبي محمد الجويني (ت‪438‬هـ)‪.‬‬

‫‪3‬ـ «مختصر البو يطي» للإمام أبي يعقوب البو يطي (ت‪231‬هـ) ‪:‬‬
‫صاغ اإلمام البويطي األحكام الفقهية بطريقة مختصرة مرتَّبة على األبواب‬
‫الفقهية‪ ،‬ومقتصرة على أقوال اإلمام الشافعي‪ ،‬مع اإلشارة إلى اجتهاداته‪،‬‬
‫وقد يذكر أحيانًا أقوال اإلمام أبي حنيفة واإلمام مالك‪ ،‬وقد يذكر بعض أقوال‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم‪.‬‬

‫يتميز «مختصر البويطي» أنه قُرئ على اإلمام الشافعي مباشرة‪َّ ،‬‬
‫فأقره‬
‫ِ‬
‫اجتهادات اإلمام البويطي الشخصية‪،‬‬ ‫«المختصر»‬
‫ُ‬ ‫حح ً‬
‫بعضا منه‪ ،‬وقد نقل‬ ‫وص َّ‬
‫وما أضافه إلى أقوال اإلمام الشافعي‪.‬‬

‫‪« -4‬الحاوي ا�لكبير» للإمام علي بن محمد بن حبيب الماوردي (المتوفى ‪450‬هـ) ‪:‬‬
‫يعتبر الحاوي الكبير شر ًحا موسعًا على «مختصر المزني»‪ ،‬استوعب فيه‬
‫َّ‬
‫ووضح دقائقه وأدلته‪ ،‬ونقل الخالفات الفقهية داخل‬ ‫مؤل ِّ ُفه فرو َع المذهب‪،‬‬
‫المذهب وخارجه‪ ،‬وناقش أدلةَ المخالِفين للمذهب باستفاضة‪.‬‬
‫‪209‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫الشافعي‬
‫ّ‬ ‫وسعة في دقائق المذهب‬ ‫ويُ َع ّد «الحاوي» من أهم الكتب ال ُم َّ‬
‫وأدلته‪ ،‬وموسوعةً فقهيةً زاخرةً بمناقشات آراء المذاهب الفقهية وأدلتهم‪ ،‬وهو‬
‫من أعظم الكتب التي تن ِّمي ملَك َة االستدالل والتعامل مع األدلة الشرعية‪،‬‬
‫ويمكن لطالب العلم أن يستعين به في فهم أدلة المذهب وتوجيهها‪.‬‬
‫أبرز الشروح والمختصرات‪:‬‬
‫‪1‬ـ «اإلقناع» لإلمام الماوردي‪ ،‬وهو مختصر «للحاوي الكبير»‪ ،‬والكتاب‬
‫مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «بحر المذهب» لإلمام الروياني‪ ،‬اعتمد فيه على الحاوي الكبير‪ ،‬وزاد‬
‫عليه فروعًا فقهية‪.‬‬

‫‪5‬ـ «التنبيه» للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (ت‪476‬هـ) ‪:‬‬
‫أخذ الشيرازي مادة الكتاب من تعليقة اإلمام أبي حامد اإلسفراييني شيخ‬
‫طريقة العراقيين(ت‪406‬هـ)‪ ،‬واقتصر الشيرازي في كتابه على مسائل المذهب‬
‫مجردة عن الدليل والتعليل‪.‬‬
‫َّ‬
‫ويُعتبَر كتاب «التنبيه» أحد الكتب الخمسة المشهورة عند المتقدمين‪،‬‬
‫والكتب الخمسة المشهورة عند متقدمي الشافعية هي ـ كما بينها اإلمام النووي ـ‪:‬‬
‫«مختصر المزني»‪ ،‬و«المهذب»‪ ،‬و«التنبيه»‪ ،‬و«الوسيط»‪ ،‬و«الوجيز»(‪.)1‬‬
‫وقد قامت مطبعة مصطفى البابي الحلبي ودار عالم الكتب بطباعة هذا‬
‫الكتاب‪.‬‬

‫((( تهذيب األسماء واللغات (‪ )3 :1‬بتصرف يسير‪.‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪210‬‬

‫أبرز الشروح‪ :‬ذكر حاجي خليفة ثالثةً وأربعين شر ًحا على «التنبيه»(‪،)1‬‬
‫ومن أشهرها‪:‬‬
‫‪1‬ـ «ن ُ َكت التنبيه» لإلمام أبي زكريا النووي (ت‪676‬هـ)‪ ،‬وهي من أوائل‬
‫كتب اإلمام النووي‪ ،‬قال اإلمام اإلسنوي‪« :‬ال ينبغي االعتماد على ما فيها من‬
‫التصحيحات ال ُمخالِفة لكتبه المشهورة؛ ولعلَّه ج َمعها من كالم شيوخه»(‪.)2‬‬
‫والكتاب مخطوط‪.‬‬
‫‪2‬ـ «تحرير ألفاظ التنبيه» لإلمام النووي‪ ،‬وهو شرح لُغوي يهت ُّم بلُغة الفقه‪،‬‬
‫وهو مطبوع‪.‬‬
‫ب عمل الشارح على‬ ‫انص َّ‬
‫‪3‬ـ «تصحيح التنبيه» لإلمام النووي‪ ،‬وقد َ‬
‫الترجيح بين األقوال التي ذكرها الشيرازي دون ترجيح‪ ،‬والتنبيه على المسائل‬
‫التي رجح فيها خالف الراجح في المذهب‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪4‬ـ «كفاية النبيه بشرح التنبيه»‪ ،‬لإلمام أبي العباس ابن الرفعة (ت‪710‬هـ)‪،‬‬
‫توسع فيه مؤل ِّ ُفه في االستدالل‪ ،‬وذكر أقوال اإلمام الشافعي‪ ،‬ووجوه‬
‫وهو كتاب َّ‬
‫أصحابه‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪5‬ـ «التصحيح والتنقيح فيما يتعلق بالتنبيه» لإلمام جمال الدين اإلسنوي‬
‫(ت‪ ،)772‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪6‬ـ «إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه»‪ ،‬لإلمام الحافظ ابن كثير (ت‪774‬هـ)‪،‬‬
‫وهو مطبوع‪.‬‬

‫((( كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (‪.)489 :1‬‬


‫((( المنهاج السوي في ترجمة اإلمام النووي‪ ،‬للسيوطي (ص‪.)61‬‬
‫‪211‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫‪6‬ـ «المُهَذّب» للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (ت‪476‬هـ) ‪:‬‬
‫أخذ الشيرازي مادة الكتاب من «تعليقة اإلمام أبي الطيب الطبري» شيخ‬
‫طريقة العراقيين (ت‪450‬هـ)‪ ،‬وذكر فيه الشيرازي الخالفات والوجوه في‬
‫المذهب مع تعليل هذه األوجه واألقوال‪.‬‬
‫ارتكز متقدمو الشافعية على كتابين وهما‪« :‬الوسيط» للغزالي‪ ،‬و«المهذب»‬
‫ُ‬
‫وبحث‬ ‫دروس المد ِّرسين‬
‫ُ‬ ‫للشيرازي؛ قال اإلمام النووي‪« :‬وفي هذين الكتابين‬
‫حصلين المحققين‪ ،‬وحفظ الطالب المعتنين»(‪.)1‬‬
‫ال ُم ِّ‬
‫وقد قامت دار القلم بطباعة الكتاب بتحقيق الدكتور محمد الزحيلي‪.‬‬
‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬
‫شروح كثيرة‪ ،‬ومن أشهرها‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ُكتِ َ‬
‫ب على «المهذب»‬
‫‪1‬ـ «المجموع شرح المهذب»‪ ،‬لإلمام النووي صنَّفه حتى كتاب الربا إال‬
‫أنه لم يُتِ ّمه‪ ،‬ثم حاول اإلمام تقي الدين السبكي (ت‪756‬هـ) إتمامه فوصل إلى‬
‫باب المرابحة‪ ،‬ثم أكمله حديثًا الشيخ محمد نجيب المطيعي (ت‪1984‬م)‪،‬‬
‫وكتاب «المجموع» من أوسع كتب المذهب‪ ،‬ولكن ينبغي لطالب العلم التنبه‬
‫عند التوثيق من «المجموع» نسبة األجزاء التي صنّفها اإلمام النووي إليه‪،‬‬
‫ونسبة األجزاء التي صنّفها اإلمام السبكي إليه‪ ،‬فال يصح نسبة جميع ما ورد‬
‫في الكتاب إلى اإلمام النووي‪ ،‬ومن األخطاء الشائعة توثيق القول المعتمد في‬
‫المذهب منه‪.‬‬

‫((( المجموع بشرح المهذب (‪.)3 :1‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪212‬‬

‫وقد قام الدكتور محمد نجيب المطيعي بتحقيق الكتاب وتكملته‪ ،‬و ُطبع‬
‫في العديد من دور النشر‪.‬‬
‫‪2‬ـ «البيان في مذهب الشافعي»‪ ،‬لإلمام يحيى بن سالم العمراني (ت‪558‬هـ)‪،‬‬
‫توسع فيه مؤلفه في االستدالل ونقل‬
‫وهو شرح مبسوط على كتاب «المهذب» َّ‬
‫األقوال األخرى‪ ،‬وقد قامت دار المنهاج بطباعته بتحقيق قاسم النوري‪.‬‬
‫كبي‬
‫الر ّ‬
‫‪3‬ـ «النظم المستعذب في شرح غريب المذهب»‪ ،‬لإلمام ابن بطال ُّ‬
‫(ت‪633‬هـ)‪ ،‬وقد طبعته المكتبة التجارية بمكة المكرمة بتحقيق الدكتور‬
‫مصطفى عبد الحفيظ سالم‪.‬‬

‫‪4‬ـ «المحرر المذهب في تخريج أحاديث المهذب»‪ ،‬لإلمام سراج الدين‬


‫ابن الملقن (ت‪804‬هـ)‪ ،‬وهو مخطوط‪.‬‬

‫‪7‬ـ «نهاية المطلب في دراية المذهب»‪ ،‬لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك‬
‫الجويني (ت‪478‬هـ) ‪:‬‬

‫وسعًا على «مختصر المزني»‪ ،‬قام إمام‬


‫يُ َع ُّد «نهاية المطلب» شر ًحا ُم َّ‬
‫الحرمين فيه بتحرير المذهب‪ ،‬وذكر الخالف بين األصحاب‪ ،‬والتمييز بين‬
‫قوة هذه األقوال وضعفها في التخريج على أصول المذهب‪ ،‬مع االستطراد‬
‫حا أصول‬
‫في بيان المذاهب األخرى مع شدة التحري في النقل عنهم موض ً‬
‫هذه المذاهب(‪.)1‬‬

‫((( انظر‪ :‬مقدمة محقق كتاب نهاية المطلب الدكتور عبد العظيم الديب‪ ،‬المقدمة (ص‪-247‬‬
‫‪.)280‬‬
‫‪213‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ويتميز «نهاية المطلب» بكونه موسوعة فقهية ضخمة زاخرة بالقواعد‪،‬‬


‫والضوابط‪ ،‬والفروق‪ ،‬والتخريجات الفقهية‪ ،‬وهو من أعظم الموسوعات التي‬
‫تن ِّمي الملكة الفقهية داخل المذهب؛ ولذلك فقد قامت عليه كتُب القواعد‬
‫والفروع في المذهب‪ ،‬وهو من أفضل ما ُكتِب في المذاهب األربعة‪ ،‬وقد‬
‫قيل في مدحه‪« :‬منذ صنّف اإلمام كتابه «النهاية» لم يشتغل الناس إال بكالم‬
‫اإلمام»(‪.)1‬‬

‫وقد قامت دار المنهاج بطباعة الكتاب بتحقيق الدكتور عبد العظيم الديب‪.‬‬

‫أبرز مختصراته‪:‬‬
‫‪1‬ـ «البسيط»‪ ،‬لإلمام أبي حامد الغزالي‪ ،‬ولكنه لم يلتزم بترتيب إمام‬
‫الحرمين فيه‪ ،‬بل أتى بترتيب بديع لم يُسبَق إليه‪ ،‬وهو أول من ق َ َّسم الفقه‬
‫إلى أربعة أقسام‪ :‬ربع العبادات‪ ،‬وربع المعامالت‪ ،‬وربع المناكحات‪ ،‬وربع‬
‫كتاب بتمهيد يبين فيه أقسام الكتاب‪ ،‬وأبوابه‪ ،‬وموضوع‬
‫ٍ‬ ‫الجراح‪ ،‬ثم بدأ ك ّل‬
‫كل منها(‪ ،)2‬وقد طبع حديثًا‪.‬‬
‫‪2‬ـ «الوسيط»‪ ،‬لإلمام الغزالي ً‬
‫أيضا‪ ،‬وهو اختصار لكتاب البسيط‪ .‬وهو‬
‫مطبوع‪.‬‬

‫‪3‬ـ «الغاية في اختصار النهاية»‪ ،‬لإلمام العز بن عبد السالم (ت‪660‬هـ)‪،‬‬


‫وقد طبعته وزارة األوقاف القطرية سنة ‪2016‬م‪.‬‬

‫((( نهاية المطلب في دراية المذهب‪ ،‬ألبي المعالي الجويني‪ ،‬المقدمة (ص‪.)36‬‬
‫((( نهاية المطلب‪ ،‬المقدمة (ص‪.)270‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪214‬‬

‫‪8‬ـ «الوسيط» للإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت‪505‬هـ) ‪:‬‬
‫قام اإلمام الغزالي باختصار «نهاية المطلب» في كتاب «البسيط»‪ ،‬ثم قام‬
‫باختصار «البسيط» إلى «الوسيط»‪ ،‬وقد صاغ الغزالي المذهب واستوعبه مبيّنًا‬
‫قواعد وضوابط الفروع الفقهية‪.‬‬

‫يتميز «الوسيط» بأنه من أبرز الكتب التي ن َّقحت ال َمذهَب َّ‬


‫وحررته قبل عصر‬
‫الشيخين‪ ،‬وقد وصف اإلمام النووي «الوسيط» بأنه من أحسن كتب المذهب‬
‫ً‬
‫وتأصيل وتمهيدًا(‪ ،)1‬وقد‬ ‫وتلخيصا‪ ،‬وضب ًطا وتقعيدًا‪،‬‬
‫ً‬ ‫جمعًا وترتيبًا‪ ،‬وإيجا ًزا‬
‫قامت دار السالم بطباعة الكتاب مع أربعة شروح بتحقيق األستاذ‪ :‬أحمد‬
‫محمود إبراهيم‪.‬‬
‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬
‫الرفعة‬
‫‪1‬ـ «المطلب العالي بشرح وسيط الغزالي» لإلمام أبي العباس ابن ِّ‬
‫(ت ‪710‬هـ)‪ ،‬وقد ُح ِّقق في رسائل علمية والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫الصالح الشهرزوري (ت‪643‬هـ)‪،‬‬ ‫‪2‬ـ «شرح مُ ِ‬
‫شكل الوسيط» لإلمام ابن ّ‬
‫وقد قامت دار السالم بطباعته مع كتاب «الوسيط»‪.‬‬
‫‪3‬ـ «التنقيح في شرح الوسيط» لإلمام النووي‪ ،‬وقد اشتمل على تعليقات‬
‫على كتابَي الطهارة والصالة‪ ،‬ولكنه لم يكتمل‪ ،‬وقد قامت دار السالم بطباعته‬
‫مع كتاب «الوسيط»‪.‬‬
‫‪4‬ـ «الغاية القصوى في دراية الفتوى» لإلمام ناصر الدين البيضاوي‬

‫((( انظر‪ :‬الوسيط في المذهب‪ ،‬ألبي حامد الغزالي‪ ،‬مقدمة التحقيق (‪.)14 :1‬‬
‫‪215‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫(ت‪685‬هـ)‪ ،‬اختصر فيه مؤل ِّ ُفه «الوسيط»‪ ،‬وعمل على تحرير قواعده الفقهية وبيان‬
‫علل األصول‪ ،‬ومناقشة المذاهب األخرى واألقوال واألوجه داخل المذهب‪،‬‬
‫وقد طبعته دار البشائر اإلسالمية بتحقيق الدكتور علي محيي الدين القره داغي‪.‬‬

‫‪9‬ـ «الوجيز» للإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت‪505‬هـ) ‪:‬‬
‫حرر مقعّدة بالقواعد‬
‫يتضمن «الوجيز» مسائل المذهب بشكل موجز مُ َّ‬
‫والضوابط‪ ،‬مع اإلشارة إلى أقوال أبي حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬وال ُمزَني‪ ،‬في أهم المسائل‬
‫التي اختلفوا فيها مع الشافعي‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫ويمثل «الوجيز» حلقة وصل بين ُكتُب المتقدِّمين والمتأ ِّخرين في المذهَب‪،‬‬
‫مختص ٌر من كتابه «الوسيط»‪ ،‬وكتاب «الوسيط» اختصره‬
‫َ‬ ‫فأصل كتاب «الوجيز»‬
‫من كتابه «البسيط»‪ ،‬وكتاب «البسيط» اختصره من كتاب «نهاية ال َمطلَب» إلمام‬
‫الحرمَين‪ ،‬وكتاب «نهاية المطلب» يُعتبَر شر ًحا على «مختصر المزني»‪ ،‬وعلى‬
‫اختصره النووي في‬
‫َ‬ ‫«الوجيز» كتَب الرافعي «العزيز بشرح الوجيز»‪ ،‬والذي‬
‫«روضة الطالبين»(‪.)1‬‬
‫أكثر من‬
‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪ :‬ذكر العلماء أن للوجيز َ‬
‫سبعين شر ًحا(‪ ،)2‬ومن أهمها‪:‬‬
‫‪1‬ـ «العزيز في شرح الوجيز» لإلمام الرافعي‪ ،‬ويُس َّمى بالشرح الكبير‪.‬‬
‫‪2‬ـ «الشرح الصغير» لإلمام الرافعي‪ ،‬وهو اختصار لكتاب الشرح الكبير‪،‬‬
‫والكتاب قيد التحقيق‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬مختصر الفوائد المكية‪ ،‬للسقاف (ص‪.)66-64‬‬


‫((( كشف الظنون‪ ،‬لحاجي خليفة (‪.)2003 :2‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪216‬‬

‫تعليقات على «الوجيز»‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫‪3‬ـ «التذنيب في الفروع» لإلمام الرافعي‪ ،‬وهو‬
‫وهو مطبوع‪.‬‬

‫‪4‬ـ «التعجيز في اختصار الوجيز» لإلمام تاج الدين ابن يونس (‪671‬هـ)‪،‬‬
‫وهو مطبوع‪.‬‬

‫‪10‬ـ «الخلاصة» للإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت‪505‬هـ) ‪:‬‬

‫أصل الكتاب من «مختصر المعتصر» لإلمام أبي محمد الجويني (ت‪438‬هـ)‪،‬‬


‫والذي اختصر فيه كتاب المزني‪ ،‬فجاء الغزالي فاختصر كتاب المزني و«مختصره‬
‫المعتصر» وأعاد ترتيب المسائل وتقسيمها‪ ،‬وسماه بـ«خالصة المختصر‬
‫تصح نسبة كتاب «الخالصة» إلى كتاب «الوجيز» لإلمام‬
‫ُّ‬ ‫ونقاوة المعتصر»‪ ،‬وال‬
‫الغزالي(‪.)1‬‬

‫وترجع أهمية «الخالصة» إلى أهمية أصله «مختصر المزني» بين كتب‬
‫المذهب‪ ،‬ويمتاز كتاب «الخالصة» عن «مختصر المزني» بحسن التهذيب‬
‫والترتيب والتقسيم والتفريع‪.‬‬

‫وقد قامت دار المنهاج بطباعة الكتاب بتحقيق الدكتور أمجد رشيد علي‪.‬‬

‫‪11‬ـ «التهذيب» للإمام الحسين بن مسعود البغوي (ت‪516‬هـ) ‪:‬‬

‫أخذ اإلمام البغوي مادة الكتاب من تعليقة شيخه القاضي حسين (‪462‬هـ)‪،‬‬
‫وكان المؤلِّف يذكر المسألة الفقهية‪ ،‬ويُقدِّم لها ما يدل عليها من الكتاب‬

‫((( انظر‪ :‬مقدمة الدكتور أمجد رشيد على كتاب الخالصة‪ ،‬للغزالي (ص‪.)16 -13‬‬
‫‪217‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫والسنة‪ ،‬ثم يع ِرض اآلراء واالختالفات الفقهية داخل المذهب وخارجه‪ ،‬ثم‬
‫يذكر بعد ذلك الفروع التي تندرج تحت هذه المسألة‪ ،‬فهو موسوعة فقهية‬
‫شاملة غنية باألدلة ومناقشة االختالفات الفقهية‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪218‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫أبرز كتب المذهب في عصر التنقيح والتحرير‬

‫أثمرت الجهود التي قام بها اإلمامان أبو القاسم عبد الكريم الرافعي‬
‫(ت‪623‬هـ)‪ ،‬وأبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت‪676‬هـ) في بداية مرحلة‬
‫جديدة في التنظير للمذهب الشافعي‪ ،‬وكان ُج ُّل عمل المتأخرين االختيار بين‬
‫أقوالهما وتحريرها‪ ،‬وقد استقرت الفتوى وتحررت المسائل في هذا العصر‬
‫بشكل أفضل من عصر المتقدمين‪ ،‬ومن أبرز كتب عصر التنقيح والتحرير‪:‬‬

‫‪1‬ـ «العزيز بشرح الوجيز» للإمام أبي القاسم الرافعي ‪:‬‬


‫فحرر فيه المعت َم َد في المذهب‪،‬‬
‫قام الرافعي بشرح «الوجيز» للغزالي؛ َّ‬
‫واستوعب خالف أصحاب الوجوه‪ ،‬وج َم َع ما في الكتب المطولة‪ ،‬واستفاض‬
‫في االستدالل لمسائل المذهب‪ ،‬وسماه بعض العلماء بـ«فتح العزيز»‪ ،‬ويُس َّمى‬
‫ً‬
‫أيضا بـ«الشرح الكبير»‪.‬‬
‫ويعتبر «العزيز» أحد أعظم كتب المذهب التي اهتمت بضبط الفروع‬
‫وتحقيقها واالستدالل لها‪ ،‬قال عنه الحافظ ابن كثير‪« :‬هو خزانة علم أئمة‬
‫المبرزين للنظار‪ ،‬وإليه يرجع عامة الفقهاء من أصحابنا في‬
‫َّ‬ ‫مذهب الشافعي‬
‫هذه األعصار في غالب األقاليم واألمصار»(‪.)1‬‬

‫((( طبقات الشافعية‪ ،‬البن كثير (ص‪.)814‬‬


‫‪219‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫وقد ُطبِع هذا الكتاب على نفقة جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم بإشراف‬
‫وتدقيق األستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء‪.‬‬
‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬
‫‪1‬ـ «روضة الطالبين» لإلمام النووي‪ ،‬وهو اختصار لشرح الرافعي مع‬
‫زيادات‪.‬‬
‫‪2‬ـ «الحاوي الصغير» لإلمام نجم الدين القزويني (ت‪665‬هـ) وهو مختصر‬
‫لشرح الرافعي‪.‬‬
‫‪3‬ـ «المهمات في شرح الروضة والرافعي» لإلمام جمال الدين اإلسنوي‬
‫(ت‪772‬هـ)‪ ،‬والكتاب أشبه بحاشية على «الوجيز»‪ ،‬و«الشرح الكبير» للرافعي‬
‫قصد فيها اإلسنوي المناقشة والتعقب لترجيحات الشيخين الرافعي والنووي‪،‬‬
‫وقد قام مركز التراث المغربي بطباعته بتحقيق أبي الفضل الدمياطي‪.‬‬
‫‪4‬ـ «األنوار» لإلمام يوسف بن إبراهيم األردبيلي (ت‪779‬هـ) والكتاب‬
‫و«المحرر»‬
‫َّ‬ ‫ج َمعَه مؤلِّفه من «الحاوي الصغير» و«الشرح الكبير» و«الصغير»‬
‫و«الروضة»‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪5‬ـ «خادم الرافعي والروضة» لإلمام محمد بن عبد اهلل بن بهادر الزركشي‬
‫(ت‪794‬هـ) وهو شرح على كتابي «الشرح الكبير» و«الروضة»‪ ،‬والكتاب‬
‫ُح ِّقق في رسائل جامعية‪ ،‬ولكنه لم يُطبع‪.‬‬
‫‪6‬ـ «التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» لإلمام الحافظ‬
‫ابن حجر العسقالني (ت‪852‬هـ)‪ ،‬وهو من أشهر كتب تخريج أحاديث األحكام‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪220‬‬

‫‪7‬ـ «البدر المنير في تخريج األحاديث واآلثار الواقعة في الشرح الكبير»‬


‫لإلمام سراج الدين ابن ال ُملَ ِّقن (ت‪804‬هـ)‪ ،‬وهو مطبوع‪ ،‬وهو من الكتب‬
‫المشهورة في التخريج‪.‬‬

‫‪2‬ـ «الم ُ َحر ّر» للإمام أبي القاسم عبد ا�لكريم الرافعي ‪:‬‬

‫تضمن «المحرر» المسائل الفقهية على المذهب الشافعي بشكل مختصر‬


‫حا ما نص عليه معظم األصحاب‪ ،‬وقد‬ ‫مجرد عن الحشو والتطويل مر ِّج ً‬
‫َّ‬
‫اختلف المح ِّققون في أصل كتاب «ال ُم َّ‬
‫حرر»‪ ،‬فمنهم من نسبه إلى كتاب‬
‫«الوجيز»‪ ،‬ومنهم من نسبه إلى كتاب «الخالصة»‪ ،‬والراجح أنه كتاب مستق ّل‬
‫كما بيَّ َن اإلمام ابن حجر الهيتمي(‪.)1‬‬

‫حرر» إلى أنه كان عمدة المختصرات في المذهب‬


‫وترجع أهمية كتاب «ال ُم َّ‬
‫الشافعي‪ ،‬وعليه اعتمد اإلمام النووي في «المنهاج»‪ ،‬وهو أول من ابتكر طريقة‬
‫الترجيح في بيان قوة األقوال واألوجه‪ ،‬أو ضعفهما(‪.)2‬‬

‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬


‫‪1‬ـ «الوضوح شرح المحرر» لل ُم ّل ابن هداية اهلل أبي بكر المصنف‬
‫(ت‪ ،)1014‬وهو مطبوع‪.‬‬

‫((( تحفة المحتاج بشرح المنهاج‪ ،‬البن حجر الهيتمي (‪.)35 :1‬‬
‫((( انظر مقدمة الدكتورة هدى يوسف غيظان على تحقيق كتاب الحيض واالستحاضة والنفاس‬
‫من المحرر لإلمام الرافعي‪ ،‬مجلة دراسات‪ ،‬علوم الشريعة والقانون‪ ،‬المجلد (‪،)41‬‬
‫(العدد‪2014 ،)2‬م (ص‪.)1260‬‬
‫‪221‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫‪2‬ـ «كشف الدرر في شرح المحرر» للقاضي شهاب الدين الحصكفي‬


‫(ت‪895‬هـ)‪ ،‬وهو مخطوط‪.‬‬
‫حرر مع زيادات‬
‫‪3‬ـ «منهاج الطالبين» لإلمام النووي‪ ،‬وهو مختصر لل ُم َّ‬
‫عليه وتع ُّقبات‪.‬‬

‫‪3‬ـ «الحاوي الصغير» للإمام نجم الدين القزويني (ت‪665‬هـ) ‪:‬‬


‫ختصر على «فتح العزيز» لإلمام الرافعي‪ ،‬ذكر المسائل الفقهية‬
‫هو مُ َ‬
‫جردة عن الدليل والتعليل‪ ،‬واكتفى بما ر َّجحه مُع َظم‬
‫باختصار شديد مُ َّ‬
‫األصحاب دون التعرض للخالف معتمدًا ما ر َّجحه اإلمام الرافعي في‬
‫األغلب‪ ،‬والكتاب مطبوع في دار ابن الجوزي‪.‬‬
‫وامتاز الكتاب باالختصار الشديد مع الجزالة والدقة في األلفاظ‪ ،‬حتى‬
‫النظر وأدا َم‬
‫َ‬ ‫إ ّن الكلمات القليلة منه تحوي معاني كثيرة‪ ،‬ال تتبيَّن إال لمن دقَّق‬
‫التأمُّل‪.‬‬
‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬
‫‪1‬ـ «تحرير الفتاوى الواقعة في الحاوي» لإلمام سراج الدين ابن الملقن‬
‫(ت‪804‬هـ) وهو «شرح على الحاوي»‪ ،‬والكتاب مطبوع في دار الفتح‪.‬‬
‫‪2‬ـ «خالصة الفتاوى في تسهيل أسرار الحاوي» لإلمام سراج الدين‬
‫ابن ال ُمل ِّقن ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪3‬ـ «إرشاد الغاوي إلى مسالك الحاوي» لإلمام شرف الدين ابن المقري‬
‫الزبيدي اليمني (ت‪837‬هـ) وهو مختصر للحاوي‪ ،‬وشرحه اإلمام ابن حجر‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪222‬‬

‫الهيتمي (ت‪974‬هـ) في شرحين أحدهما «اإلمداد بشرح اإلرشاد» وهو‬


‫مخطوط‪ ،‬والثاني «فتح الجواد بشرح اإلرشاد» وهو مختصر للشرح األول‪،‬‬
‫والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪4‬ـ «البهجة ال َور ِديّة» لإلمام زين الدين الوردي(‪( )1‬ت‪749‬هـ)‪ ،‬وهو نظم‬
‫وشرحها شيخ اإلسالم زكريا األنصاري‬
‫على الحاوي تضمن خمسة آالف بيت‪َ ،‬‬
‫في «ال ُغ َرر البَ ِهيّة بشرح البهجة الوردية»‪ ،‬وعلى الشرح حاشيتان مطبوعتان لإلمام‬
‫ابن قاسم العبادي (ت‪944‬هـ)‪ ،‬والعالمة عبد الرحمن الشربيني (ت‪1326‬هـ)‪.‬‬

‫‪4‬ـ «روضة الطالبين» للإمام أبي زكر يا النووي ‪:‬‬


‫مختصرا من كتاب «العزيز» لإلمام الرافعي‪ ،‬حيث قام‬
‫ً‬ ‫تُعتبَر «الروضة»‬
‫اإلمام النووي باختصار الكتاب بطريقة متوسطة بين اإليجاز وبين اإليضاح‪،‬‬
‫وحذف األدلة‪ ،‬وزاد على الرافعي في الفروع الفقهية‪ ،‬واستدرك عليه بعض‬
‫المواطن في تحرير المعتمد في المذهب‪ ،‬وأشار إلى اختالفات المذهب‬
‫بمصطلحات خاصة دقيقة‪.‬‬
‫وكان منهج النووي في زياداته على «شرح الرافعي» أن يبين ذلك بعبارة‬

‫((( وكان سبب نظمه أنه رأى النبي ﷺ‪ ،‬قال في البهجة‪:‬‬


‫ال ِسيَّما الحا ِوي أقا َم عُذ ِري‬ ‫جرب نَظــ َم النث ِر‬‫وك ُّل مَــن َّ‬
‫ما كا َن ِعنــ ِدي أنَّنِي ُكفءٌ له‬ ‫ل َ ِكــن يَمينًــا بالَّــذي َســ َّهلَه‬
‫ــرام‬
‫ح ِ‬ ‫نَبِيَّنــا بِال َمســجِ ِد ال َ‬ ‫وإنّمــا َر ُ‬
‫أيــت فِــي مَنا ِمــي‬
‫خ ٍّ‬
‫ط ات ِّ َســق‬ ‫ن ُ ِظم َن في َخ ٍ‬
‫يط ب َ‬ ‫وق َ َد دَعا لِي ث ُ َّم أعطاني َو َرق‬
‫رسل‬
‫بســر ال ُم ِ‬
‫ِّ‬ ‫تَأ ِوي َل ُرؤياي‬ ‫فكان ذا النَّظــ ُم البَ ِدي ُع ال َع َم ِل‬
‫‪223‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫«قلت»‪ ،‬وحتى يقول‪« :‬واهلل أعلم» فكل ما بين ذين العبارتين‪ ،‬هو من زياداته‬
‫على الرافعي‪ ،‬والتي عُرفت فيما بعد بـ«زيادات الروضة»‪.‬‬
‫ويُ َع ُّد كتاب «الروضة» من الكتب الموسوعية التي ح َّققت المذهب‬
‫وحررته؛ فهذا الكتاب يُظ ِهر ُجهد النووي والرافعي قبله في تحقيق القول‬
‫َّ‬
‫المعتمد وتحرير الخالف في المذهب‪ ،‬وبيان قوة األقوال واألو ُجه أو ضعفها‪.‬‬
‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬
‫‪1‬ـ «التوسط والفتح بين الروضة والشرح» لإلمام أحمد بن حمدان األذرعي‬
‫(ت‪783‬هـ)‪ ،‬وقد قصد مؤل ِّ ُفه التعقب والمناقشة لنقل النووي عن الرافعي في‬
‫«فتح العزيز» واإلكثار من النقل عن أئمة المذهب الشافعي وكتبهم‪ ،‬والكتاب‬
‫ُحقق في رسائل جامعية‪ ،‬ولكنه لم يُطبَع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «روض الطالب» لإلمام شرف الدين ابن ال ُمق ِري (ت‪837‬هـ)‪ ،‬وهو‬
‫اختصار لكتاب «روضة الطالبين»‪ ،‬وشرحه اإلمام زكريا األنصاري (ت‪926‬هـ)‬
‫في «أسنى المطالب» وهو شرح مليء باألدلة النقلية والتعليالت ونصوص‬
‫أئمة المذهب‪ ،‬وعليه حاشية مطبوعة لإلمام الشهاب الرملي (ت‪957‬هـ)‪.‬‬
‫‪3‬ـ «العباب ال ُمحيط بنصوص الشافعي واألصحاب» لإلمام صفي الدين‬
‫ال ُمز َّجد الزَّبيدي (تت ‪930‬هـ)‪ ،‬وقد اختصر «الروضة» وأضاف لها فروعًا من‬
‫متفرقة‪ ،‬وهو مطبوع في دار المنهاج‪ ،‬وقد شرحه اإلمام ابن حجر الهيتمي‬
‫كتب ِّ‬
‫(ت‪976‬هـ) في «اإليعاب بشرح العباب»‪ ،‬وهو شرح عظيم جمع فيه المذهب‬
‫جمعًا لم يُسبق إليه مع مزيد من التحرير والتدقيق والجواب عن ال ُمشكل‪،‬‬
‫والكتاب مخطوط‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪224‬‬

‫‪5‬ـ «منهاج الطالبين وعمدة المفتين» للإمام أبي زكر يا النووي ‪:‬‬
‫حرر» للرافعي‪ ،‬وأضاف‬
‫اختصر اإلمام النووي «المنهاج» من كتاب «ال ُم َّ‬
‫عليه مسائل لم ينص عليها زادت على ثلث الكتاب‪ ،‬وحرر بعض المسائل‬
‫التي ذكرها الرافعي على خالف المعتمد في المذهب‪ ،‬وأبدع في اإلشارة‬
‫إلى االختالفات داخل المذهب بمصطلحات خاصة بحيث يستطيع الباحث‬
‫معرفة قوة األقوال من خاللها‪ ،‬وهي‪ :‬النص‪ ،‬والمذهب‪ ،‬والظاهر‪ ،‬واألظهر‪،‬‬
‫والمشهور‪ ،‬والصحيح‪ ،‬واألصح‪ ،‬وسيأتي شرح هذه المصطلحات في الفصل‬
‫الخاص بمصطلحات المذهب‪ ،‬وهذه المصطلحات رغم إيجازها تشير إلى‬
‫مدى عبقرية اإلمام النووي في تقسيم االختالفات في المذهب‪ ،‬وبيان قوتها‬
‫وضعفها ومراتبها‪.‬‬
‫وتدريسا‬
‫ً‬ ‫وقد عكف علماء الشافعية المتأ ِّخرون على كتاب «المنهاج» حف ًظا‬
‫وتألي ًفا وشر ًحا وتحشيةً حتى أصبح كتاب «المنهاج» عمدة المتأخرين؛ قال‬
‫عنه العالمة الغمراوي‪« :‬وهو الكتاب الذي ع َّولت عليه أئمة الشافعية‪ ،‬واتفقت‬
‫على الثناء عليه كلماتهم المرضية»(‪.)1‬‬
‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬
‫ُكتِب على «المنهاج» شروح ومختصرات كثيرة تزيد على مئة كتاب‪ ،‬ومن‬
‫أبرزها‪:‬‬
‫‪1‬ـ «تحفة المحتاج في شرح المنهاج» لإلمام أحمد بن علي بن حجر‬
‫الهيتمي (ت‪974‬هـ)‪.‬‬

‫((( السراج الوهاج على متن المنهاج‪ ،‬لمحمد زهري الغمراوي (ص‪.)2‬‬
‫‪225‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫‪2‬ـ «نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج» لإلمام شمس الدين محمد الرملي‬
‫(ت‪1004‬هـ)‪.‬‬
‫‪3‬ـ «مغني المحتاج إلى معرفة معاني المنهاج» لإلمام شمس الدين الخطيب‬
‫الشربيني (ت‪977‬هـ)‪.‬‬
‫‪4‬ـ «كنز الراغبين بشرح منهاج الطالبين»‪ ،‬لإلمام جالل الدين محمد‬
‫المحلي (ت‪864‬هـ)‪ ،‬وعليه حاشيتان مطبوعتان للعالمة أحمد سالمة القليوبي‬
‫(ت‪1069‬هـ)‪ ،‬والعالمة أحمد البرلسي عَميرة (ت‪957‬هـ)‪ ،‬ويعتبر «شرح‬
‫المحلي» من أدق الشروح وما زال معتمدًا في التدريس للطلبة المتقدمين‪.‬‬
‫وقد قامت لجنة دار اإلمام األشعري ودار الضياء بطباعة «شرح المحلي»‬
‫مع حواشي العالمة أبي الحسن البكري (ت‪952‬هـ) والعالمة شهاب الدين‬
‫السنباطي (ت‪997‬هـ) يتحقيق لجنة دار اإلمام األشعري واألستاذ محمد سيد‬
‫يحيى الداغستاني‪ ،‬وهي طبعة فريدة‪.‬‬
‫‪5‬ـ «دقائق المنهاج» لإلمام النووي‪ ،‬وهو شرح مختصر شرح فيه مؤلِّفه‬
‫ألفاظ «المنهاج»‪ ،‬محلِّ ًل دقائقه‪ ،‬ومبينًا الفرق بين ألفاظه وألفاظ كتاب «المحرر»‪،‬‬
‫والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪6‬ـ «السراج الوهاج بشرح المنهاج» للعالمة محمد زهري الغمراوي‬
‫(المتوفى بعد سنة ‪1337‬هـ)‪ ،‬وهو شرح مختصر على «المنهاج»‪.‬‬
‫‪7‬ـ «تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج» لإلمام سراج الدين ابن ال ُمل ِّقن‬
‫(ت‪808‬هـ)‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪226‬‬

‫‪8‬ـ «عجالة المحتاج إلى توضيح المنهاج» لإلمام سراج الدين ابن ال ُمل ِّقن‬
‫(ت‪804‬هـ)‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪9‬ـ «عمدة المحتاج في شرح المنهاج» لإلمام ابن ال ُمل ِّقن‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪10‬ـ «النجم الوهّاج بشرح المنهاج» لإلمام كمال الدين الدميري (ت‪808‬هـ)‪،‬‬
‫وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪11‬ـ «بداية المحتاج إلى شرح المنهاج» لإلمام أبي بكر ابن قاضي شهبة‬
‫(ت‪851‬هـ)‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪12‬ـ «تحرير الفتاوى على التنبيه والمنهاج والحاوي» للحافظ أبي زرعة‬
‫العراقي (ت‪826‬هـ)‪ ،‬اتخذ مصن ِّ ُفه كتاب «منهاج الطالبين» ً‬
‫أصل في ترتيب‬
‫الكتاب‪ ،‬أما المسائل التي ليست في «المنهاج» فجعلها في آخر كل باب‪،‬‬
‫والكتاب مطبوع في دار المنهاج‪.‬‬
‫‪13‬ـ «شرح منهاج الطالبين» للدكتور نوح القضاة (ت‪2010‬م) اقتصر فيه‬
‫مؤل ِّ ُفه على قسم العبادات‪ ،‬والكتاب مطبوع في دار الفقيه باإلمارات‪.‬‬
‫‪14‬ـ «منهج الطالب» لشيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪ ،‬وهو اختصار لكتاب‬
‫المنهاج‪.‬‬
‫‪6‬ـ «منهج الطلاب لشيخ الإسلام» أبي يحيى زكريا بن محمد الأنصاري (ت‪926‬هـ) ‪:‬‬
‫اختصر شيخ اإلسالم كتاب «المنهاج» في المنهج‪ ،‬وقام بحذف الخالفات‬
‫وحرر المسائل التي ر َّجح فيها اإلمام‬
‫الفقهية واالقتصار على القول المعتمد‪َّ ،‬‬
‫النووي ً‬
‫قول على خالف المعتمد‪.‬‬
‫وقد قامت جهود شيخ اإلسالم في المنهج على تحرير كالم الشيخين‬
‫‪227‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫الرافعي والنووي وتنقيحه‪ ،‬وقد اعتمد عليه ابن حجر والرملي في تحريرهما‬
‫ِ‬
‫وحذف الخالف‬ ‫لكالم الشيخين‪ ،‬وتُمثِّل طريقتُه في االقتصار على ال ُمعت َمد‬
‫تط ُّو ًرا في المذهب‪ ،‬حيث ساعد ذلك على االستقرار المذهبي في الترجيح(‪.)1‬‬
‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬
‫‪1‬ـ «فتح الوهاب بشرح منهج الطالب»‪ ،‬وهو شرح لنفس المؤلف اختصر‬
‫فيه مؤلِّفه شرح المحلي‪ ،‬وهو من الشروح ال ُمعت َمدة في تدريس المذهب‬
‫الشافعي للطلبة المتقدمين‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «حاشية العالمة سليمان العجيلي» المعروف بالجمل على «شرح المنهج»‬
‫(ت‪1204‬هـ)‪ ،‬واشتهرت حاشيته بـ«حاشية الجمل على شرح المنهج»‪ ،‬وهي‬
‫من أفضل كتب الحواشي في المذهب وأوسعها‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫جيرمي (ت‪1221‬هـ) وهي‬
‫‪3‬ـ «التجريد لنفع العبيد» للعالمة سليمان البُ َ‬
‫حاشية على «شرح المنهج»‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪4‬ـ «حاشية العالمة علي بن يحيى الزيادي» (ت‪1044‬هـ) على «شرح‬
‫منهج الطالب»‪ ،‬وما زال الكتاب مخطو ًطا‪.‬‬
‫‪5‬ـ حاشية العالمة نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي (ت‪1092‬هـ) على‬
‫«فتح الوهاب بشرح منهج الطالب»‪ ،‬وما زال الكتاب مخطو ًطا‪.‬‬
‫‪6‬ـ «نهج الطالب ألشرف المطالب» للعالمة محمد بن أحمد الجوهري‬
‫الصغير (ت‪1215‬هـ)‪ ،‬اختصر فيه منهج الطالب‪ ،‬واعتمد فيه قول الشمس‬
‫الرملي‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬المعتمد عند الشافعية‪ ،‬للكاف (ص‪.)253‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪228‬‬

‫وقد كتب المؤلف شر ًحا على «مختصره» سماه بـ«إتحاف الراغب» وما‬
‫زال مخطو ًطا‪.‬‬

‫‪7‬ـ «تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب» لشيخ الإسلام زكر يا الأنصاري ‪:‬‬
‫يُعتبَر كتاب «تحفة الطالب» شر ًحا ممزو ًجا على «تحرير تنقيح اللباب»‬
‫وتحرير «تنقيح اللباب» اختصار لـ«تنقيح اللباب» لإلمام أبي‬
‫ُ‬ ‫للمؤلِّف نفسه‪،‬‬
‫زرعة العراقي(‪( )1‬ت‪862‬هـ)‪ ،‬و«تنقيح اللباب» هو اختصار لكتاب «لُباب‬
‫الفقه» لإلمام أبي الحسن المحاملي(‪( )2‬ت‪415‬هـ)‪.‬‬
‫وتنبع أهمية الكتاب من اختصاره ودقة عبارته وتحريره لمعتمد المذهب‬
‫في كثير من عويص مسائله(‪.)3‬‬
‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬
‫‪1‬ـ «حاشية العالمة عبد اهلل حجازي الشرقاوي» (ت‪1226‬هـ) على‬
‫«تحفة الطالب»‪ ،‬وهي حاشية غنية بالفوائد ومطبوعة‪.‬‬
‫‪2‬ـ «فتح الكريم الوهاب على تحفة الطالب» للعالمة شمس الدين العناني‬
‫(ت‪1098‬هـ)‪ ،‬وما زال الكتاب مخطو ًطا‪.‬‬
‫‪3‬ـ «حاشية اإلمام شهاب الدين القليوبي» (ت‪1069‬هـ) على «تحفة‬
‫الطالب»‪ ،‬وما زال الكتاب مخطو ًطا‪.‬‬

‫((( ما زال الكتاب مخطو ًطا‪.‬‬


‫((( الكتاب مطبوع‪.‬‬
‫((( شيخ اإلسالم زكريا األنصاري وأثره في الفقه الشافعي‪ ،‬لطارق يوسف جابر‪ ،‬رسالة مقدمة‬
‫لنيل درجة الماجستير في الفقه وأصوله‪ ،‬الجامعة األردنية‪2004 ،‬م (ص‪.)73 -72‬‬
‫‪229‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫‪8‬ـ «مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج» للإمام شمس الدين الخطيب‬
‫الشربيني (ت‪977‬هـ) ‪:‬‬
‫اعتمد الشربيني في شرحه هذا على مؤلفات شيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪،‬‬
‫كثيرا من كالم شيخه الشهاب الرملي‪ ،‬ومن «شرح ابن قاضي شهبة» على‬ ‫واستمد ً‬
‫«المنهاج»‪ ،‬ويعتبر «ال ُمغني» شر ًحا متوس ًطا على كتاب «المنهاج»‪ ،‬فقد بيَّن معاني‬
‫وحرر المعت َمد في الفتوى‪ ،‬وقد تميَّز «المغني» بذكره العديد من الفوائد‬
‫ألفاظه‪َّ ،‬‬
‫والتنبيهات ال ُم ِه ّمة التي زادت من أهمية الكتاب‪ ،‬كما أجاب الشربيني عن بعض‬
‫االعتراضات على «المنهاج»‪ ،‬وقد اعتمده علماء المذهب في الفتوى والتدريس‪،‬‬
‫ويعتبر «المغني» أفضل شرح على «المنهاج» بعد «التحفة» و«النهاية»‪.‬‬
‫وكتاب «المغني» مطبوع في العديد من دور النشر منها‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬ودار‬
‫الفيحاء‪.‬‬

‫‪9‬ـ «تحفة المحتاج في شرح المنهاج» للإمام شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر‬
‫الهيتمي (ت‪974‬هـ) ‪:‬‬
‫يعتبر «تحفة المحتاج» من الشروح ال ُمط َّولة على «المنهاج»‪ ،‬حيث بيَّن‬
‫وحرر ال ُمعت َمد في الفتوى‪ ،‬ونبَّه على اآلراء المرجوحة‪ ،‬وأجاب‬
‫معاني ألفاظه‪َّ ،‬‬
‫كثيرا منها من «حاشية‬
‫عن االعتراضات‪ ،‬وأضاف مباحث فقهية دقيقة أخذ ً‬
‫شيخه ابن عبد الحق» على «شرح المحلي على المنهاج»(‪ ،)1‬وبالعموم فهو‬
‫شرحت «المنهاج»؛ ألن اب َن حجر بالغ باالختصار‬
‫يُ َع ُّد من أصعب الكتُب التي َ‬
‫في كتابه هذا‪.‬‬

‫((( الكتاب مخطوط‪.‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪230‬‬

‫وقد اعتمد المتأ ِّخرون على كتابه؛ إلحاطته بنصوص اإلمام‪ ،‬واعتماد‬
‫كثيرا من المح ِّققين درسوا «التحفة» عليه‪ ،‬وقد سار على‬
‫كالم الشيخين‪ ،‬وألن ً‬
‫إثر مدرسته من جاء بعده من علماء الشام واليمن والداغستان واألكراد‪.‬‬
‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬
‫‪1‬ـ «حاشية العالمة ابن قاسم العبادي» (ت‪992‬هـ)‪.‬‬
‫‪2‬ـ «حاشية العالمة عبد الحميد الشرواني الداغستاني» (ت‪1301‬هـ)‪،‬‬
‫وهي من أحسن حواشي المذهب؛ ألن مؤلِّفها نقل اختالفات المتأخرين في‬
‫المذهب‪.‬‬
‫وقد قامت المكتبة التجارية الكبرى بمصر بطباعة «تحفة المحتاج» مع‬
‫حواشيه‪ ،‬وقام الشيخ أنور الشيخي مؤ َّخ ًرا بتحقيق عظيم على كتاب «التُّحفة»‬
‫كثيرا من التعليقات والتوضيحات على الكتاب‪ ،‬وذكر الخالف بين‬
‫تض َّمن ً‬
‫ابن حجر والرملي والشربيني وغير ذلك‪ ،‬وقامت دار الضياء بطباعته‪.‬‬

‫‪10‬ـ «نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج» للإمام شمس الدين محمد الرملي (ت‪1004‬هـ) ‪:‬‬

‫يُعتبَر «نهاية المحتاج» من الشروح ال ُمط َّولة على «المنهاج»‪ ،‬واعتمد‬


‫وشر َحي ِّ‬
‫الشربيني وابن حجر‬ ‫الرملي َ‬
‫ِّ‬ ‫الرملي على كالم وال ِده الشهاب‬
‫ُّ‬ ‫الشمس‬
‫ُ‬
‫على «المنهاج»‪ ،‬اعتنى الشمس الرملي في توضيح معاني ألفاظ «المنهاج»‪،‬‬
‫فصلة‪ ،‬وذ َكر بعض القواعد والفوائد الفقهية‪ ،‬واقتصر‬
‫وأورد األحكام والفروع ُم َّ‬
‫على المعتمد في الفتوى‪ ،‬وأعرض عن تحرير األقوال الضعيفة‪ ،‬وتمتاز عبارة‬
‫الرملي برشاقتها مقارنة بعبارة ابن حجر في «التحفة»‪.‬‬
‫‪231‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫تحري مؤلِّفها في النقل‪ ،‬وألنها‬


‫وقد اعتمد المتأ ِّخرون على كتابه؛ بسبب ِّ‬
‫ق ُ ِرئت عليه إلى آخرها من مئات العلماء فنقدوها وص َّ‬
‫ححوها‪ ،‬وقد سار على‬
‫أثر مدرسة الرملي علماء مصر‪ ،‬وهم أكثر أصحاب الحواشي‪.‬‬
‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬
‫‪1‬ـ «حاشية العالمة أبي الضياء الشبراملسي» (ت‪1087‬هـ)‪.‬‬
‫‪2‬ـ «حاشية العالمة أحمد بن عبد الرزاق» المعروف بالمغربي الرشيدي‬
‫(ت‪1096‬هـ)‪.‬‬
‫وكتاب «النهاية» مطبوع مع حواشيه في مكتبة مصطفى الحلبي ودار الفكر‪.‬‬

‫‪11‬ـ «فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين» للإمام زين الدين أحمد المُليباري‬
‫الهندي (ت‪987‬هـ) ‪:‬‬
‫أصل الكتاب شرح على متن «قرة العين ب ُم ِه ّمات الدين» لنفس المؤلِّف‪،‬‬
‫اعتمد فيه مؤلِّفه على ما ر َّجحه المتأ ِّخرون كاإلمام ابن حجر الهيتمي وطبقته‪.‬‬
‫ويُعتَبر «فتح ال ُمعين» من الكتب ال ُمه ّمة عند متأ ِّخري الشافعية‪ ،‬فهو يمثِّل‬
‫مرحل ًة من مراحل تط ُّور المذهب الشافعي‪ ،‬فقد كتبه مؤلِّفه على إثر الشروح‬
‫الثالثة ال ُمعت َمدة على «المنهاج» ـ «التحفة» و«النهاية» و«المغني» ـ واعتمد‬
‫مؤلِّفه على ترجيح أقوال ابن حجر على الرملي‪ ،‬وهو بذلك يعاكس طريقة‬
‫أصحاب الحواشي المصريين الذين قدَّموا ترجيحات اإلمام الشمس الرملي(‪.)1‬‬

‫((( مكانة فتح المعين بشرح قرة العين بين الشافعية في العالم‪ ،‬لرفيق عبد البر الوافي األزهري‪،‬‬
‫موقع نداء الهند‪.https://goo.gl/CW8axu ،‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪232‬‬

‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬


‫‪1‬ـ «حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين» للع َّلمة أبي بكر بن‬
‫محمد شطا الدمياطي البكري (ت‪1310‬هـ)‪ ،‬وهي من الحواشي المشهورة‬
‫في المذهب‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «ترشيح المستفيدين حاشية فتح المعين» للع َّلمة علوي بن أحمد‬
‫اف المكي (ت‪1335‬هـ)‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬ ‫الس ّق ِ‬
‫‪3‬ـ «إعانة المستعين على فتح المعين» للع َّلمة علي بن أحمد باصبرين‬
‫الحضرمي (ت‪1304‬هـ)‪.‬‬
‫‪233‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ب‬
‫المبحث الثالث‬
‫أبرز المتون الدراسية‬

‫طق وجمال‬ ‫ختصرة تج َمع بين سهولة الن ُّ ِ‬


‫المتون الدراسية‪ :‬هي كتب مُ َ‬
‫نثرا أو نظ ًما‪ ،‬تخلو في‬ ‫العبارة‪ ،‬وبين إيجاز األلفاظ وكثرة المعاني‪ ،‬تُصاغ ً‬
‫الغالب من االستطراد أو التفصيل كالشواهد واألمثلة‪ ،‬وفي المذهب الشافعي‬
‫وحررت قواعدَه‪ ،‬وقد تقدَّم‬ ‫َّ‬ ‫العديد من المتون التي ضبطت فروع المذهب‬
‫ذكر بعض هذه المتون مثل‪« :‬المنهاج» و«المنهج» و«فتح المعين» و«تحفة‬ ‫ُ‬
‫الطالب»‪ ،‬ومن أهم المتون الدراسية التي لم تُذكر‪:‬‬
‫‪1‬ـ «مختصر الغاية والتقريب» للإمام أحمد بن الحسين الأصفهاني المل ُ َ ّقب بأبي شجاع‬
‫(ت‪593‬هـ)‪:‬‬
‫يُعتَبر «متن أبي شجاع» أشهر مختصر في الفقه الشافعي‪ ،‬وقد اقتصر فيه‬
‫مؤل ِّ ُفه على أصول مسائل المذهب(‪ ،)1‬ويُس َّمى كتابُه ً‬
‫أيضا بـ«غاية االختصار»‪.‬‬
‫ختصر» أنّه ِمن المتون المشهورة في تدريس الطالب المبتدئين‬
‫ويتميز «ال ُم َ‬
‫والعوام؛ لشموله جميع أبواب الفقه وسهولة عبارته وتقسيماته البديعة‪.‬‬
‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬
‫‪1‬ـ «فتح القريب المجيب» للعالمة محمد بن قاسم ال َغزِّي (المتوفي سنة‬
‫‪918‬هـ)‪ ،‬وهو أشهر شرح على مَتن أبي شجاع‪ ،‬وما زال الشافعية في مصر وبالد‬

‫((( فتح القريب المجيب بشرح كتاب التقريب‪ ،‬لمحمد بن قاسم الغزي (ص‪.)19‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪234‬‬

‫الشام والعراق يفتتحون دراسة المذهب الشافعي بكتاب «شرح ابن قاسم الغزي»‪،‬‬
‫وعليه حاشية مشهورة مطبوعة للعالمة إبراهيم البيجوري (ت‪1276‬هـ)‪ ،‬وهي‬
‫من أحسن الحواشي النافعة للطالب وأقربها عبارة‪.‬‬
‫وقد قام العالمة محمد نووي بن عمر الجاوي (ت‪1315‬هـ) بتهذيب‬
‫«حاشية البيجوري» واختصارها في كتابه «قوت الحبيب الغريب على فتح‬
‫القريب المجيب شرح متن الغاية والتقريب»‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «اإلقناع بحل ألفاظ أبي شجاع» لإلمام الخطيب الشربيني (ت‪977‬هـ)‪،‬‬
‫وهو شرح متميِّز‪ ،‬اختصر فيها مؤل ِّ ُفه ُكتُبَه الفقهية األخرى‪ ،‬كـ«مغني المحتاج»‬
‫وغيرها‪ ،‬وهو كتاب معتمد في التدريس للطلبة المتوسطين‪.‬‬

‫ومن الحواشي المشهورة على اإلقناع‪:‬‬


‫جيرمي» (ت‪1221‬هـ)‪ ،‬والكتاب‬
‫‪1‬ـ «حاشية مطبوعة للعالمة سليمان البُ َ‬
‫مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «حاشية الشيخ حسن المنطاوي» المشهور بال َمدابغي (ت‪1170‬هـ)‪،‬‬
‫و ُطبِعت في المطبعة ال َوهبية المصرية‪.‬‬
‫‪3‬ـ «حاشية الشيخ عبد اهلل النبَراوي» (ت‪1257‬هـ)‪ ،‬و ُطبِعت في المطبعة‬
‫األميرية في مصر‪.‬‬
‫‪4‬ـ «نهاية التدريب في نظم الغاية والتقريب» لإلمام شرف الدين ال ِعمريطي‬
‫(ال ُمتوفَّى بعد سنة ‪988‬هـ)‪ ،‬وهو نظ ٌم مشهور ل َمتن أبي شجاع احتوى على‬
‫‪ 1220‬بيتًا‪ ،‬وقد شرح العالمة شهاب الدين الفشني (ت‪978‬هـ) المنظومة في‬
‫«تحفة الحبيب بشرح غاية التقريب»‪.‬‬
‫‪235‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫‪5‬ـ «كفاية األخيار في حل غاية االختصار» لإلمام تقي الدين الحصني‬


‫(ت‪829‬هـ)‪ ،‬وهو من الشروح الغنية بالدليل والتعليل‪ ،‬ولكن مؤلِّفه اختار‬
‫فيه بعض األقوال غير المعت َمدة في المذهب؛ ولذلك لم يعتمده العلماء في‬
‫الفتوى والتدريس‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪6‬ـ «التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب» للدكتور مصطفى البغا‪ ،‬وقد‬
‫التزم فيه مؤلِّفه َ‬
‫ذكر األدل َة النقلية على مسائل المتن‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫‪2‬ـ «عمدة السالك وعدة الناسك» للإمام شهاب الدين أحمد ابن النقيب المصري‬
‫(ت‪769‬هـ)‪:‬‬
‫مقتصرا على الصحيح من‬
‫ً‬ ‫جمع مؤلِّف الكتاب مُع َظم مسائل المذهب‬
‫حا ما صححه النووي على الرافعي عند وجود االختالف‬
‫المذهب‪ ،‬ومر ِّج ً‬
‫بينهما(‪.)1‬‬
‫ويمتاز كتاب «عمدة السالك» بسهولة عبارته وشموله لمعظم مسائل المذهب‬
‫وتحريره للقول المعتمد‪ ،‬ولذلك فهو يعتبر من أشهر المتون التي تد َّرس للطلبة‪.‬‬

‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬


‫‪1‬ـ «تسهيل المسالك بشرح عمدة السالك»‪ ،‬للعالمة شمس الدين الجوجري‬
‫(ت‪889‬هـ)‪ ،‬وقد ُطبِع بالهند قدي ًما‪.‬‬
‫‪2‬ـ «فيض اإلله المالك في حل ألفاظ عمدة السالك»‪ ،‬للعالمة عمر بركات‬
‫البِقاعي (ت‪1310‬هـ )‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬

‫((( عمدة السالك وعدة الناسك‪ ،‬البن النقيب (ص‪.)7‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪236‬‬
‫‪3‬ـ «أنوار المسالك بشرح عمدة السالك» للعالمة محمد زهري الغمراوي‬
‫(المتوفى بعد سنة ‪1337‬هـ)‪ ،‬وهو من الشروح المشهورة على المتن‪،‬‬
‫والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪4‬ـ «تنوير المسالك بشرح وأدلة عمدة السالك»‪ ،‬للدكتور مصطفى ديب‬
‫غني بالدليل والتعليل‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫البغا‪ ،‬وهو شرح ٌّ‬
‫«الفر ُج بعد ِّ‬
‫الشدّة في المسائل غير المعتمدة في العمدة»‪ ،‬للشيخ طه‬ ‫َ‬ ‫‪5‬ـ‬
‫الحمادي‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬

‫«صفوة الز ّبَد» للإمام أحمد بن حسين بن رسلان (ت ‪844‬هـ) ‪:‬‬


‫ُ‬ ‫‪3‬ـ‬
‫الكتاب عبارة عن منظومة تجمع أبواب الفقه على المذهب الشافعي‬
‫في (‪ )1081‬بيت وزيادة‪ ،‬ن َظم فيها كتاب «الزُّبد في الفقه» لإلمام هبة اهلل بن‬
‫عبد الرحيم البارزي (ت‪738‬هـ )‪ ،‬وقد م َّهد ابن رسالن لمنظومته بأبيات في‬
‫اقتبسها من‬
‫َ‬ ‫العقيدة وأصول الفقه‪ ،‬وختمها بأبيات في التصوف والسلوك‪،‬‬
‫كتاب «جمع الجوامع» لإلمام تاج الدين السبكي (ت‪771‬هـ)‪.‬‬
‫وتمتاز أبيات المنظومة بلطافتها وسهولتها واتصال أبياتها‪ ،‬وتض ُّمنها‬
‫حررة على القول المعت َمد مما‬ ‫للشروط واألحكام والتقسيمات والضوابط ال ُم َّ‬
‫تحريرا؛ ولذلك ف َقد تل ّقاها الشافعية بال َقبول‬
‫ً‬ ‫جعلها أشمل المنظومات وأكثرها‬
‫كثير من طالب العلم‪.‬‬ ‫واعتمدوها في تدريس المذهب ويحفظها اليو َم ٌ‬
‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬
‫‪1‬ـ «فتح الرحمن بشرح ُزبَد ابن رسالن» لإلمام شهاب الدين أحمد‬
‫الرملي (ت‪957‬هـ)‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪237‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫‪2‬ـ «مواهب الصمد في حل ألفاظ الزبد» للعالمة أحمد بن حجازي‬


‫شرح مُيَ َّسر على المنظومة‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ال َفشني (ت‪978‬هـ)‪ ،‬وهو‬
‫‪3‬ـ «غاية البيان في شرح ُزبَد ابن َرسالن» لإلمام شمس الدين محمد‬
‫الرملي (ت‪1004‬هـ)‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪4‬ـ «إفادة السادة ال ُع َمد بتقرير معاني نظم ال ُّزبَد» للعالمة محمد بن‬
‫أحمد بن عبد الباري األهدل (ت‪1298‬هـ)‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬

‫‪4‬ـ «المقدمة الحَضرمية» للإمام عبد اللـه بن عبد الرحمن بافضل الحضرمي ‬
‫(ت‪918‬هـ) ‪:‬‬
‫اقتصر الكتاب على ربع العبادات معتمدًا على القول المعتمد في المذهب‬
‫بضوابطه وشروطه‪ ،‬ويُس َّمى ً‬
‫أيضا بـ«مسائل التعليم» و«المختصر الكبير»‪.‬‬
‫وتميَّز كتاب «ال ُمقدِّمة الحضرمية» بوضوح عباراته و ِدقّة مسائله‪ ،‬واحتوائه‬
‫حررة على القول ال ُمعت َمد؛ ولذلك فقد اعتمده‬‫على الضوابط والشروط ال ُم َّ‬
‫العلماء في تدريس المذهب‪.‬‬
‫أبرز الكتب التي خدمت هذا الكتاب‪:‬‬
‫‪1‬ـ «المنهاج القويم بشرح مسائل التعليم» لإلمام ابن حجر الهيتمي‪ ،‬وهو‬
‫مطبوع‪ ،‬وعليه عدد من الحواشي أشهرها‪:‬‬
‫حضرمية» للعالمة محمد بن‬
‫ـ «الحواشي المدنية على شرح ال ُمقدِّمة ال َ‬
‫سليمان ال ُكردي (ت‪1127‬هـ)‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫ـ «ال َموا ِهب المدنية على شرح المقدمة الحضرمية» للعالمة محمد بن‬
‫سليمان الكردي (ت‪1127‬هـ)‪ ،‬وت ُ َس ّمى بـ«الحواشي الكبرى»‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪238‬‬
‫ـ «موهبة ذي الفضل على شرح مقدمة بافضل» للعالمة محمد محفوظ‬
‫التِّرمسي (ت‪1338‬هـ)‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫ـ «حاشية الجِ رهَزي على المنهاج القويم» للعالمة عبد اهلل بن سليمان‬
‫الجِ رهَزي (ت‪1201‬هـ)‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫حضرمي‬ ‫‪2‬ـ «بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم» للعالمة سعيد باعشن ال َ‬
‫(ت‪1270‬هـ)‪ ،‬وهو شرح متميز اعتنى فيه مؤلِّفه بذكر الخالفات بين المتأخرين‪،‬‬
‫وخاصة بين ابن حجر والرملي‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪3‬ـ «المختصر الصغير» لنفس المؤلف‪ ،‬وهو اختصار لكتاب «المقدمة‬
‫الحضرمية»‪ ،‬وهو من الكتب ال ُمعت َمدة في تدريس المذهب للطلبة المبتدئين‪،‬‬
‫وقد كتب اإلمام شمس الدين الرملي شر ًحا عليه سماه «الفوائد المرضية على‬
‫مختصر المقدمة الحضرمية»‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬

‫‪5‬ـ «الرسالة الجامعة والتذكرة النافعة» للعلامة أحمد بن زين الحَبشي (ت‪1144‬هـ) ‪:‬‬

‫ج َمع مؤلِّف الكتاب مبادئ لثالثة علوم مُ ِه ّمة تجب على كل مسلم معرفتُها‬
‫والعمل بها‪ ،‬وهي‪ :‬علم العقيدة‪ ،‬وعلم الفقه‪ ،‬وعلم التزكية‪ ،‬فبدأ بالحديث عن‬
‫أصل اإليمان وما يجب معرفته عن اهلل تعالى‪ ،‬وما يجب اإليمان به من أمور‬
‫والصالة والزكاة‬
‫َّ‬ ‫اآلخرة‪ ،‬ثم ذكر ما يجب على كل مسلم من أحكام ال َّطهارة‬
‫والصوم والحج على المذهب الشافعي‪ ،‬وختم الكتاب بذكر شي ٍء من الواجبات‬
‫َّ‬
‫والمعاصي القلبية‪ ،‬ومعاصي الجوارح التي يجب على المسلم تر ُكها‪.‬‬
‫ويعتبر «المختصر» كتابًا تأسيسيًّا مُ ِه ًّما ال يستغني عنه المسلم المعاصر‪،‬‬
‫وهو أول متن في المذهب الشافعي يمكن أن يبدأ به طالب العلم‪.‬‬
‫‪239‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫أبرز شروحاته‪:‬‬
‫‪1‬ـ «بهجة الوسائل بشرح المسائل» للعالمة محمد نووي بن عمر الجاوي‬
‫(ت‪1316‬هـ)‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «األنوار الالمعة» للعالمة عبد اهلل بن أحمد باسودان (ت‪1266‬هـ)‪،‬‬
‫والكتاب مطبوع في دار الفتح‪ ،‬بتحقيق الدكتور محمد باذيب‪.‬‬

‫‪6‬ـ «سفينة الصلاة» للعلامة عبد‪ ‬اللـه بن عمر الحضرمي (ت‪1265‬هـ) ‪:‬‬


‫اشتمل المتن على مقدمة مختصرة في مبادئ العقيدة‪ ،‬ثم انتقل إلى ما‬
‫يجب على المسلم معرفته من شرائط الصالة وأركانها ومبطالتها‪.‬‬
‫المتخصصة في أحكام الصالة‪ ،‬والتي جمعت‬
‫ِّ‬ ‫ويُعتبَر المتن من الكتب‬
‫حا للتدريس للطلبة المبتدئين‪.‬‬
‫مبادئ األحكام ليكون صال ً‬
‫ّ‬
‫للعلمة محمد‬ ‫«سلَّم المناجاة شرح َسفينة الصالة»‬‫أبرز شروحاته‪ُ :‬‬
‫نووي بن عمر الجاوي (ت‪1316‬هـ)‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫‪7‬ـ «سفينة النجاة فيما يجب على العبد لمولاه» للع َل ّامة سالم بن سمير الحضرمي ‬
‫(ت‪1271‬هـ) ‪:‬‬
‫اشتمل ال َمتن على ما ال بد منه للمسلم من أركان اإليمان واإلسالم‪ ،‬وأبرز‬
‫أحكام الطهارة‪ ،‬والصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬بشكل مختصر‪ ،‬وأضاف لها العالمة محمد‬
‫نووي جاوي (ت‪1316‬هـ) باب الصيام‪.‬‬
‫ويعتبر المتن من الكتب المختصرة التي تصلح لتدريس المبتدئين والعوام‬
‫في المساجد‪.‬‬
‫أبرز شروحاته‪:‬‬
‫‪1‬ـ «كاشفة السجا شرح سفينة النجا» العالمة محمد نووي بن عمر الجاوي‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪240‬‬
‫(ت‪1316‬هـ)‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «نَيل الرجاء بشرح سفينة النجاء» للعالمة أحمد بن عمر الشاطري‬
‫(ت‪1360‬هـ)‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪3‬ـ «تنبيه ذوي ِ‬
‫الحجا إلى معاني ألفاظ سفينة النجا» للدكتور أمجد رشيد‪،‬‬
‫وهو مطبوع‪.‬‬

‫‪8‬ـ «الياقوت النفيس في مذهب ابن إدريس» للعلامة أحمد بن عمر الشاطري‬
‫(ت‪1360‬هـ) ‪:‬‬
‫استوفى مؤلف الكتاب أبواب الفقه بطريقة مختصرة مشتملة على التعريف‪،‬‬
‫ِ‬
‫مقتص ًرا على القول‬ ‫واألركان‪ ،‬والشروط‪ ،‬والضوابط‪ ،‬بطريقة منهجية فريدة‬
‫المعتمد في المذهب‪.‬‬
‫وترجع أهمية الكتاب إلى أنه اعتنى بترتيب المسائل الفقهية في كل باب‬
‫بحيث يجمع األركان معًا مرتَّبة‪ ،‬ثم يذكر بعد ذلك الشروط والضوابط مرتبة‬
‫أيضا في تصويره ألبواب المعامالت‪،‬‬ ‫على شكل نقاط‪ ،‬وقد تميز هذا الكتاب ً‬
‫فيذكر في آخر كل باب صورة المعاملة الصحيحة المستوفية لألركان والشرائط‪،‬‬
‫حررة في غاية الدقة‪ ،‬للعالمة الفقيه‬
‫ختصرة ُم َّ‬
‫تعليقات نافعة ُم َ‬
‫ٌ‬ ‫وعلى متن الياقوت‬
‫سالم بن سعيد بكيّر باغيثان (ت‪1386‬هـ)‪.‬‬
‫أبرز شروحاته‪:‬‬
‫‪1‬ـ «شرح الياقوت النفيس» للشيخ محمد بن أحمد بن عمر الشاطري‪،‬‬
‫والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «مُؤنِس الجليس بشرح الياقوت النفيس» للشيخ مصطفى عبد النبي‪،‬‬
‫والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫مشجر تسلسل أهم كتب الشافعية اليت عليها املعول يف اإلفتاء والتدريس منذ تأسيس املذهب إىل يومنا هذا‬ ‫‪241‬‬
‫مختصر المزني (‪ 264‬هـ)‬

‫اللباب‬ ‫الشامل‬ ‫بحر المذهب‬ ‫الحاوي الكبير‬ ‫التعليقة‬ ‫التعليقة‬ ‫التعليقة‬ ‫نهاية المطلب في دراية المذهب‬
‫المحاملي (‪ 415‬هـ)‬ ‫ابن الصباغ (‪ 477‬هـ)‬ ‫الروماني (‪ 502‬هـ)‬ ‫الماوردي (‪450‬هـ)‬ ‫القاضي حسين (‪462‬هـ)‬ ‫أبو الطيب الطبري (‪450‬هـ)‬ ‫أبو حامد المروزي (‪326‬هـ)‬ ‫إمام الحرمين الجويني (‪ 478‬هـ)‬
‫الخالصة‬
‫الغزالي (‪505‬هـ)‬
‫التهذيب‬ ‫المهذب‬ ‫التنبيه‬ ‫البسط‬
‫البغوي (‪ 516‬هـ)‬ ‫أبو إسحاق الشيرازي (‪ 467‬هـ)‬ ‫أبو إسحاق الشيرازي (‪ 467‬هـ)‬ ‫أبو حامد الغزالي (‪505‬هـ)‬
‫غاية االختصار‬
‫أبو شجاع األصفهاني (‪ 593‬هـ)‬
‫الوسيط‬
‫أبو حامد الغزالي (‪505‬هـ)‬
‫الزبد فيما عليه المعتمد‬ ‫البيان‬
‫البارزي (‪ 738‬هـ)‬ ‫العمراني (‪ 558‬هـ)‬
‫الوجيز‬
‫صفوة الزبد(نظم)‬ ‫كنز الراغبين‬ ‫فتح العزيز‬ ‫أبو حامد الغزالي (‪505‬هـ)‬
‫تنقيح اللباب‬ ‫أبو القاسم الرافعي (‪ 623‬هـ)‬
‫ابن رسالن (‪ 844‬هـ)‬ ‫جالل الدين المحلي (‪ 864‬هـ)‬ ‫المحرر‬
‫أبو زرعة العراقي (‪ 826‬هـ)‬
‫أبو القاسم الرافعي (‪ 623‬هـ)‬
‫القليوبي (‪)1069‬‬ ‫عميرة (‪)957‬‬
‫فتح الرحمن‬ ‫المجموع‬
‫النووي (‪ 676‬هـ)‬ ‫الحاوي الصغير‬
‫تحرير تنقيح اللباب‬ ‫الشهاب الرملي (‪ 957‬هـ)‬ ‫روضة الطالبين‬
‫تحفة المحتاج‬ ‫القزويني (‪665‬هـ)‬
‫زكريا األنصاري (‪ 926‬هـ)‬ ‫النووي (‪ 676‬هـ)‬ ‫األنوار‬
‫ابن حجر الهيتمي(‪ 974‬هـ)‬ ‫منهاج الطالبين‬ ‫األربيلي (‪ 676‬هـ)‬
‫غاية البيان‬ ‫النووي (‪ 676‬هـ)‬
‫الشمس الرملي(‪ 1004‬هـ)‬ ‫الشرواني (‪1301‬هـ)‬ ‫ابن قاسم العبادي(‪)944‬‬
‫العباب‬ ‫روض الطالب‬ ‫البهجة (نظم)‬ ‫اإلرشاد‬
‫تحفة الطالب‬ ‫المزجد (‪ 930‬هـ)‬ ‫ابن الوردي (‪749‬هـ)‬ ‫ابن المقرئ (‪837‬هـ)‬
‫مغني المحتاج‬ ‫ابن المقرئ (‪ 837‬هـ)‬
‫زكريا األنصاري (‪ 926‬هـ)‬
‫كفاية األخيار‬ ‫الخطيب الشربيني(‪ 977‬هـ)‬

‫القليوبي(‪)1069‬‬ ‫الشوبري(‪)1069‬‬
‫تقي الدين الحصني(‪ 829‬هـ)‬ ‫منهج الطالب‬ ‫اإلمداد‬
‫اإليعاب‬ ‫أسنى المطالب‬ ‫الغرر البهية‬ ‫ابن حجر الهيتمي (‪974‬هـ)‬
‫نهاية المحتاج‬ ‫زكريا األنصاري (‪ 926‬هـ)‬ ‫زكريا األنصاري (‪ 926‬هـ)‬ ‫زكريا األنصاري (‪ 936‬هـ)‬
‫المدابغي(‪)1170‬‬ ‫العناني(‪)1098‬‬ ‫ابن حجر الهيتمي(‪ 974‬هـ)‬
‫شمس الدين الرملي(‪ 1004‬هـ)‬

‫الشرقاوي(‪)1226‬‬ ‫الشهاب الرملي (‪957‬هـ)‬ ‫الشربيني (‪)1326‬‬ ‫ابن قاسم العبادي(‪)944‬‬


‫فتح الجواد‬
‫الشبراملسي (‪1078‬هـ)‬ ‫الرشيدي(‪)1069‬‬ ‫ابن حجر الهيتمي (‪974‬هـ)‬
‫شرح منهج الطالب‬
‫اإلقناع‬ ‫زكريا األنصاري (‪ 926‬هـ)‬ ‫قرة العين‬
‫الملياري (‪ 987‬هـ)‬
‫الخطيب الشربيني (‪ 977‬هـ)‬ ‫فتح القريب المجيب‬ ‫مسائل التعليم‬
‫الكتاب مختصر من الكتاب‬ ‫الزيادي (‪)1024‬‬ ‫الحلبي (‪)1092‬‬
‫ابن قاسم الغزي (‪ 918‬هـ)‬ ‫بافضل (‪918‬هـ)‬
‫الذي فوقه أو مستمد منه‬ ‫نهاية الزين‬
‫فتح المعين‬
‫القليوبي(‪)1069‬‬ ‫التجريد لنفع العبيد‬ ‫فتوحات الوهاب‬
‫الملياري (‪ 987‬هـ)‬
‫الجمل (‪ 1204‬هـ)‬ ‫نووي الحاوي (‪1316‬هـ)‬

‫الشكل المرفق مأخوذ من كتاب المعتمد عند الشافعية للدكتور محمد الكاف‬
‫الشبراملسي(‪)1078‬‬ ‫البجيرمي (‪ 1221‬هـ)‬ ‫بشرى الكريم‬ ‫المنهج القويم‬
‫المدابغي(‪)1170‬‬ ‫ابن حجر الهيتمي (‪974‬هـ)‬
‫الكتاب شرح للكتاب الذي فوقه‬ ‫باعشن (‪1270‬هـ)‬
‫البرماوي(‪)1160‬‬ ‫نهاية التدريب(نظم)‬ ‫باصبرين(‪)1260‬‬
‫تحفة الحبيب‬ ‫العمريطي (‪ 890‬هـ)‬
‫البيجيرمي(‪1226‬هـ)‬ ‫البيجوري(‪)1277‬‬ ‫الجوهري (‪)1201‬‬ ‫الكردي (‪)1194‬‬
‫الكتاب حاشية على الشرح‬ ‫تحفة الحبيب‬ ‫ترشيح المستفيدين‬ ‫إعانة الطالبين‬
‫الذي فوقه‬ ‫نووي الحاوي(‪)1316‬‬ ‫الفشني (‪ 978‬هـ)‬ ‫السقاف (‪ 1335‬هـ)‬ ‫الدمياطي (‪ 1310‬هـ)‬ ‫بافضل(‪)1230‬‬ ‫الترسي(‪)1329‬‬
‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪242‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫ب‬
‫أبرز كتب القواعد الفقهية‬

‫القواعد جمع قاعدة‪ ،‬ومعناها اللغوي األساس‪ ،‬والقواعد الفقهية‪ :‬هي‬


‫األحكام الكلية التي تندرج تحتها مسائ ُل فقهيّ ٌة جزئية‪ ،‬مثل قاعدة (الضرر‬
‫يُزال) تندرج تحتها المسائل الفقهية التي تتعلق بالضرر‪.‬‬

‫‪1‬ـ «قواعد الأحكام في مصالح الأنام» لسلطان العلماء العز بن عبد السلام‬
‫(ت‪660‬هـ) ‪:‬‬
‫يعتبر كتاب «قواعد األحكام» أول الكتب ال ُمصنَّفة في القواعد الفقهية‬
‫على مذهب الشافعية‪ ،‬حيث أرجع المؤلف الفقه إلى قاعدتي (جلب المصالح‬
‫ودرء المفاسد)‪ ،‬ورتَّب كتابه على نحو لم يُسبق إليه؛ حيث بدأ بأبحاث تمهيدية‬
‫مدخل للقواعد التي بنى عليه كتابه‪ ،‬ثم عرض ما يقارب العشرين‬ ‫ً‬ ‫تكون‬
‫قاعدة‪ ،‬وكل قاعدة منها أشبه بالنظرية الفقهية التي تؤلِّف نظا ًما حقوقيًّا منبثًّا‬
‫في الفقه اإلسالمي‪ ،‬مثل‪( :‬قاعدة في الموازنة بين المصالح والمفاسد)‪،‬‬
‫و(قاعدة في تعذر العدالة في الواليات) وغيرهما‪ ،‬و ُعنِي باالستدالل من‬
‫الكتاب والسنة الصحيحة وآثار الصحابة وسائر األدلة‪ ،‬وكان المؤلف يستقرئ‬
‫أمثلة وتفصيالت كثيرة في بعض القواعد والفصول ثم يضع ضاب ًطا يجمعها‪،‬‬
‫وعرض في مباحثه لكثير من آراءَ األئمة والعلماء وناق َ َشهم‪ ،‬ولم يخ ُل كتابه من‬
‫َ‬
‫‪243‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫مباحث َع َقدية‪ ،‬و ُخلُقية نَفيسة‪ِ ،‬‬


‫وح َكم صوفِيّة فريدة(‪.)1‬‬
‫وترجع أهمية الكتاب إلى أنه من أوائل الكتب ال ُمصنَّفة في القواعد الفقهية‬
‫ومقاصد الشريعة‪ ،‬وهو من أفضل الكتب التي تن ِّمي ال َملَكة الفقهية‪ ،‬وهو ثورة‬
‫علمية في بابه‪ ،‬وكان له أثر عظيم على من جاء بعده سواء أكان داخل المذهب؛‬
‫كالسبكي والزر َكشي ُّ‬
‫والسيوطي وغيرهم‪ ،‬أم كان من المذاهب األخرى؛ كال َقرافي‬ ‫ُّ‬
‫والمقري والشا ِطبِي وال ُفتُوحي وول ِ ِّي اهلل الدهلَوي وغيرهم(‪ ،)2‬والكتاب مطبوع‬
‫بتحقيق الدكتور نزيه حماد والدكتور عثمان ضميرية‪.‬‬

‫تعليقات على قواع ِد‬


‫ٍ‬ ‫سراج الدين البُل ِقيني (ت‪805‬هـ)‬
‫ُ‬ ‫وقد كتب اإلمام‬
‫األحكام في «الفوائد الجِ سام على قواعد ابن عب ِد السالم»‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫‪2‬ـ «الأشباه والنظائر» للإمام صدر الدين ابن الوكيل (ت‪716‬هـ) ‪:‬‬

‫يُعتبَر اب ُن ال َوكيل أ ّول من صنَّف في األشباه والنظائر‪ ،‬فبَناه على استقرائه‬


‫الفروع‬
‫ِ‬ ‫لبعض‬
‫ِ‬ ‫الخاص لما في مصادر المذهب الشافعي‪ ،‬وعلى استنتاجه‬‫ِّ‬
‫الفقهية المتشابهة‪ ،‬ولكن كتابه كان غير مرتب‪.‬‬

‫الكتاب القاعدةَ التي انطلقت منها كتُب القواعد الفقهية في‬


‫ُ‬ ‫ويُ َع ّد هذا‬
‫المذهب الشافعي‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫((( انظر مقدمة مح ِّق َقي كتاب قواعد األحكام‪ ،‬للعز بن عبد السالم (الدكتور نزيه حماد والدكتور‬
‫عثمان ضميرية) (‪.)47 -37 :1‬‬
‫((( قام محققا كتاب (قواعد األحكام) باستقراء سريع للعلماء الذين تأثَّروا بكتاب قواعد األحكام‪.‬‬
‫انظر‪ :‬قواعد األحكام البن عبد السالم (‪.)51 -49 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪244‬‬

‫‪3‬ـ «المجموع المُذه َب في قواعد المذهب» للحافظ صلاح الدين العلائي (ت‪761‬هـ) ‪:‬‬

‫الكتاب من كتاب ابن ال َوكيل وقواع ِد ابن عبد السالم‬


‫ِ‬ ‫العالئي مادة‬
‫ّ‬ ‫است َم َّد‬
‫وفُروق ال َقرافي وبعض مراجع الفقه الشافعي‪ ،‬وقد أبدع المؤلِّف في ال َجمع بين‬
‫قواع ِد أصول الفقه والقواعد الفقهية‪ّ ،‬‬
‫وخرج على كال النوعين مسائل وفروعًا‬
‫فقهية‪ ،‬وأضاف إلى ذلك المسائل المتشابهة في المعنى التي يرجِ ع الخالفُ‬
‫فيها إلى أصل واحد‪ ،‬وذكر المسائ َل النادرة التي ش َّذت عن القواعد‪ ،‬وقد أطال‬
‫فشرحها شر ًحا وافيًا مبيِّنًا‬
‫خمس‪َ ،‬‬‫س في شرح القواعد الفقهية ال َ‬ ‫المؤلِّف الن َف َ‬
‫جميع مسائل الفقه إليها(‪.)1‬‬ ‫ً‬
‫ومحاول ردَّ‬ ‫أدلَّتَها‬
‫ِ‬
‫ويُعتبَر الكتاب خالصة جامعة لما ُكتِب قبلَه في القواعد الفقهية واألصولية‬
‫في المذهب‪ ،‬ويُ َع ّد من أحسن كتب تخريج الفروع على قواعد األصول في‬
‫المذهب‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫وقد اختصره اإلمام أبو الثناء الفيومي المشهور بـ«ابن خطيب الدهشة»‬
‫(ت‪834‬هـ) في كتاب «مختصر من قواعد العالئي وكالم اإلسنوي» جمع فيه‬
‫المسائل األصولية من كتب اإلسنوي كـ«التمهيد» و«الكوكب ال ُّد ِّري»‪ ،‬وجمع‬
‫القواعد الفقهية من كتاب العالئي‪ ،‬ورتَّب كتابَه على أبواب الفقه‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫علي السّبكي (ت‪771‬هـ) ‪:‬‬


‫ُ‬ ‫‪4‬ـ «الأشباه والنظائر» للإمام تاج الدين عبد الوهاب بن‬

‫السبكي كتابه على نهج كتاب «األشباه والنظائر» البن الوكيل‪ ،‬فأخذ‬‫كتب ُّ‬
‫خمس‪،‬‬ ‫وحرره وأضاف إليه‪ ،‬وقد بدأ كتابه بالقواعد ال ِفقهية ال َ‬
‫َّ‬ ‫السبكي ُزبدته‬

‫((( القواعد الفقهية‪ ،‬لعلي الندوي‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة أم القرى‪1984 ،‬م (ص‪.)89‬‬
‫‪245‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ً‬
‫أصول‬ ‫ثم ذكر طائفة من القواعد العامة‪ ،‬وطائفة من القواعد الخاصة‪ ،‬ثم ذكر‬
‫كالمية ينبني عليها فرو ٌع فقهية‪ ،‬ثم مسائ ُل أصولية ينبني عليها فروع فقهية‪ ،‬ثم‬
‫يتخرج عليها فرو ٌع فقهية‪ ،‬ثم ذكر المآخذ المختلف عليها بين‬‫َّ‬ ‫كلمات نَحوية‬
‫العلماء (‪.)1‬‬

‫السبكي أرقى ما ُكتب في القرن الثامن الهجري؛ ألنه ُكتب وف َق‬


‫ويمثِّ ُل كتاب ُّ‬
‫ُخ ّطة ومنهج مُعيَّن‪ ،‬وألنه أبان ما يُقصد بالقواعد والضوابط والمدارك الفقهية‪،‬‬
‫وقد سار العلماء بعدَه على نهجه كالسيوطي الشافعي وابن ن ُ َجيم ال َحنَفي(‪،)2‬‬
‫والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫‪5‬ـ «المنثور في القواعد الفقهية» للإمام بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي‬
‫(ت‪794‬هـ) ‪:‬‬

‫جمع الزر َكشي في «المنثور» فروع المذهب الشافعي ال ُم َّ‬


‫حررة والقواعد‬
‫والضوابط الفقهية المقررة‪ ،‬ورتَّب كتابه على ن َ َمط جديد في ترتيب القواعد‬
‫الفقهي ِة بحسب حروف المعجم (‪ ،)3‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫وصل إلينا من‬


‫ويتميز كتاب «المنثور» بأنه أجمع كتاب في القواعد الفقهية َ‬
‫جهود العلماء السابقين في القواعد الفقهية(‪.)4‬‬

‫((( األشباه والنظائر‪ ،‬للسبكي (ص‪ ،)10-3‬والقواعد الفقهية ليعقوب الباحسين (ص‪.)331‬‬
‫((( األشباه والنظائر‪ ،‬البن نجيم (ص‪.)16‬‬
‫((( المنثور في القواعد الفقهية‪ ،‬للزركشي (ص‪ ،)70-65‬والقواعد الفقهية لعلي الندوي‬
‫(ص‪.)104-102‬‬
‫((( القواعد الفقهية لعلي الندوي (ص‪.)102‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪246‬‬

‫وقد اختصر اإلمام عبد الوهاب الشعراني (ت‪973‬هـ) «المنثور» في‬


‫«مختصر قواعد الزركشي» وهو مطبوع‪ ،‬وكتب اإلمام سراج الدين العبادي‬
‫(ت‪941‬هـ) تعليقات على كتاب «المنثور» في «شرح قواعد الزركشي»‪ ،‬وقد‬
‫طبعته مكتبة تريم الحديثة‪.‬‬
‫‪6‬ـ «الأشباه والنظائر» للإمام سراج الدين ابن الملقن (ت‪804‬هـ) ‪:‬‬
‫جمع اب ُن ال ُملِّقن ُكتب القواعد التي سبقته وباألخص كتابي‪ :‬ابن الوكيل‪،‬‬
‫والسبكي‪ ،‬وأضاف إليها من كتب الفروع في المذهب‪ ،‬واشتمل كتابه على‬ ‫ُّ‬
‫مجموعة كبيرة من القواعد والفوائد الفقهية واألصولية مُرتَّبة على أبواب الفقه‪.‬‬
‫ويتميَّز الكتاب بكثرة التحقيقات العلمية‪ ،‬و ُحس ِن الترتيب‪ ،‬وجودة‬
‫التهذيب‪ ،‬وجمع القواعد الفقهية من الكتب المختلفة‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪7‬ـ «الاعتناء في الفرق والاستثناء» للإمام بدر الدين الب َكري (ت‪871‬هـ) ‪:‬‬
‫اشتمل الكتاب على مجموعة من القواعد والفروق الفقهية وال ُمستَثنيات‬
‫ف يبدأ ُ ك َّل باب بذكر األركان والشروط‪،‬‬
‫مُرتَّبة على أبواب الفقه‪ ،‬وكان المؤل ِّ ُ‬
‫ثم القواعد المتعلقة بالباب‪ ،‬ثم ال ُمستثنَيات من هذه القواعد‪ ،‬والفروق المتعلقة‬
‫بالباب‪.‬‬
‫ويُعتَبر هذا الكتاب من أبرز الكتب ال ُمصنَّفة في الفروق الفقهية على ال َمذهَب‬
‫الشافعي‪ ،‬فهو جام ٌع ألشتات المسائل‪ ،‬وحا ٌّل ل ُع َويصات ال َمشاكل(‪ ،)1‬والكتاب‬
‫مطبوع‪.‬‬

‫((( االعتناء في الفرق واالستثناء‪ ،‬لبدر الدين محمد بن أبي بكر البكري (ص‪.)27‬‬
‫‪247‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫عبد الرحمن السيوطي (ت‪911‬هـ) ‪:‬‬


‫ُّ‬ ‫‪8‬ـ «الأشباه والنظائر» للإمام جلال الدين‬
‫ُب القواعد التي سبقته على المذهب الشافعي‪ ،‬ولم يقتصر‬ ‫يوطي كت َ‬
‫ُّ‬ ‫الس‬
‫جمع ُّ‬
‫وبعض المسائل‬
‫َ‬ ‫على القواعد والضوابط الفقهية‪ ،‬بل ض َّم إليها عل َم ال ُفروق الفقهية‬
‫والفوائد الفقهية(‪.)1‬‬
‫صنِّفت في القواعد وأغزرها‬ ‫ويُعتبَر كتاب السيوطي من أفضل الكتُب التي ُ‬
‫الكتاب‬
‫ُ‬ ‫ُب القواعد والضوابط ال ِفقهية التي سب َقته‪ ،‬كما يُعتَبر‬
‫مادة؛ ألنه ج َمع كت َ‬
‫أحسن كتُب القواعد ترتيبًا وتنسي ًقا(‪ ،)2‬وهو من الكتُب ال ُمعت َمدة في تدريس‬
‫من َ‬
‫القواعد والضوابط الفقهية في المذهب‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫وقد كتب العالمة محمد ياسين الفاداني (ت‪1410‬هـ) حاشية على «األشباه‬
‫والنظائر»‪ ،‬وهو مخطوط‪.‬‬
‫‪9‬ـ «الفرائد البهية في نظم القواعد الفقهية» للعلامة أبي بكر الأهدل (ت‪1035‬هـ) ‪:‬‬
‫خص فيها مؤلِّفها ثلُ َ‬
‫ث كتاب «األشباه والنظائر» لإلمام‬ ‫وهو منظومة ل َّ‬
‫السيوطي (ما يتعلق بالقواعد الفقهية فقط)‪.‬‬
‫خصت القواع َد الفقهية التي ذكرها اإلمام‬ ‫وتتميز هذه المنظومة بأنها قد ل َّ‬
‫ويسرت عبارتَها؛ ليس ُهل على الطلب ِة ِحف ُظها‪.‬‬‫السيوطي‪ ،‬ونظ َمتها َّ‬
‫بشرح الفرائ ِد‬
‫ِ‬ ‫المواهب السنِيّة‬
‫ُ‬ ‫ومن الشروح المشهورة على المنظومة‬
‫ِ‬
‫سليمان الجِ رهَزي (ت‪1201‬هـ)‪ ،‬وقد كتب العالمة‬ ‫البَهيّة للعالم ِة عبد اهلل بن‬

‫((( األشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي‪ ،‬والقواعد الفقهية‪ ،‬للندوي (ص‪.)129-127‬‬


‫((( القواعد الفقهية‪ ،‬للندوي (ص‪.)127‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪248‬‬

‫محمد ياسين الفاداني (ت‪1410‬هـ) حاشي ًة على الشرح المذكور سماها‬


‫جنِيّة على المواهب السنِيّة بشرح الفرائد البهية»‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫«الفوائد ال َ‬
‫‪10‬ـ «إيضاح القواعد الفقهية» للعلامة عبد اللـه بن سعيد اللحجي (ت‪1410‬هـ) ‪:‬‬
‫نثَر صاحب الكتاب «منظومةَ الفرائد البَهيّة» مع زيادات عليها من كتب‬
‫القواع ِد وال ُفروع في المذهب الشافعي‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫الكتاب بكونه من المتون التي س َّهلت القواع َد الفقهية على المذهب‬
‫ُ‬ ‫ويتميَّز‬
‫الشافعي‪ ،‬ولذلك اعتمده العُلماء في التدريس‪.‬‬
‫‪249‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫المبحث الخامسب‬
‫أبرز كتب أصول الفقه‬

‫ِعلم أصول الفقه هو العلم بالقواعد التي يُ َّ‬


‫توصل بها إلى استنباط األحكام‬
‫الشرعية ال َع َملية من أدلتها التفصيلية (الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬والقياس)‪،‬‬
‫ْ َ ُ ْ ۡ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫ِين َء َام ُن ٓوا أ ۡوفوا بِٱل ُعقودِ﴾ [المائدة‪ ]1 :‬نطبِّق قاعدة‬
‫﴿يأ ُّي َها ٱلذ َ‬
‫مثل قوله تعالى‪ٰٓ :‬‬
‫(األمر يُفيد اإليجاب) لنتوصل إلى ُحك ٍم شرعي ُمستنبَط من اآلية السابقة‪،‬‬
‫ُ‬
‫وهو أن الوفاءَ بالعقود واجب شرعي‪.‬‬
‫وقد امتاز اإلمام الشافعي عن غيره من األئمة المجتهدين بأنّه قد وضع‬
‫الشافعي بأنّه من أكثر‬
‫ُّ‬ ‫قواعد أصوليّة بنى عليها َمذ َهبَه‪ ،‬كما امتاز المذهَب‬
‫المذاهب اهتمامًا بالتأليف في علم أصول الفقه‪.‬‬

‫‪1‬ـ «الرسالة» للإمام الشافعي ‪:‬‬


‫يرجع السبب الرئيسي لكتابة «الرسالة» بناء على طلب عبد الرحمن بن‬
‫مهدي من الشافعي‪ ،‬وقد ذكر العلماء أن اإلمام الشافعي قد كتب «الرسالة»‬
‫مرتين‪ ،‬مرة في العراق وقد ُس ِّميت بـ«الرسالة القديمة» وهي مفقودة‪ ،‬ومرة‬
‫َّ‬
‫أخرى في مصر وتُس َّمى بـ«الرسالة الجديدة»‪ ،‬وهو الكتاب الذي بين أيدينا‪،‬‬
‫ولكن بعض الباحثين يرون أن تقسيم «الرسالة» إلى رسالتين لم يثبُت عل ِميًّا‪،‬‬
‫نفسه إلى ذلك‪ ،‬واألصح أن «الرسالة» قد ُكتِبت مرة‬ ‫الشافعي ُ‬
‫ُّ‬ ‫ولم يُ ِشر اإلما ُم‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪250‬‬

‫واحدة في العراق‪ ،‬ثم أعاد إمالءها من حفظه على طالبه بمصر مع بعض‬
‫الزيادات البسيطة(‪.)1‬‬
‫ويرجع سبب تسمية الكتاب بهذا االسم إلى أن عبد الرحمن بن مهدي‬
‫وهو من أئمة الحديث في عصره كان قد كتب إلى اإلمام الشافعي وطلب‬
‫تصنيف كتاب في بيان أصول الفقه‪ ،‬وجاءت التسمية من المعنى اللغوي‬
‫للرسالة المأخوذ من اإلرسال‪ ،‬فبعد أن انتهى الشافعي من كتابه ُح ِملت رسالته‬
‫إلى عبد الرحمن بن مهدي(‪.)2‬‬
‫وتعتبر «الرسالة» أقدم كتاب أصولي مُست ِق ّل وصل إلينا في علم أصول‬
‫الريادة في كتابة األصول‪ ،‬وقد كان العلماء قبل‬‫الفقه‪ ،‬فقد كان للشافعي ِّ‬
‫الشافعي يتكلَّمون في المسائل األصولية‪ ،‬ولكن لم يكن لهم ضابط يستندون‬
‫إليه‪ ،‬فجاء الشافعي وقعّد القواعد والضوابط التي تن ِّظم االستنباط الفقهي‪.‬‬
‫والكتاب مطبوع بتحقيق الشيخ أحمد شاكر‪.‬‬

‫‪2‬ـ «التقريب والإرشاد» للقاضي أبي بكر الباقلاني (ت‪403‬هـ) ‪:‬‬


‫كتب القاضي الباقالني ثالثة كتب تحمل نفس العنوان وهي «التقريب‬
‫واإلرشاد الكبير»‪ ،‬و«التقريب واإلرشاد المتوسط»‪ ،‬و«التقريب واإلرشاد‬
‫ختصر عن الذي قبله‪ ،‬والذي اشتهر عن الباقالني‬
‫الصغير» وكل واحد منها ُم َ‬
‫هو آخرهم «التقريب واإلرشاد الصغير»‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫جردت المسائل األصولية‬
‫ويُعتَبر «التقريب واإلرشاد» من أول الكتب التي َّ‬
‫((( تطور الفكر األصولي عند المتكلمين‪ ،‬ألحمد إبراهيم الحسنات (ص‪.)123‬‬
‫((( تطور الفكر األصولي عند المتكلمين‪ ،‬ألحمد إبراهيم الحسنات (ص‪.)111‬‬
‫‪251‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫من الفروع الفقهية‪ ،‬وهو أول مَن مزَج علم أصول الفقه بعلم الكالم‪ ،‬كما يُعتبر‬
‫أول من بدأ بتعريف المصطلحات األصولية تعري ًفا دقي ًقا(‪.)1‬‬
‫أصولي على طريقة المتكلمين من أهل السنة(‪،)2‬‬
‫ٍّ‬ ‫«التقريب» أول كتاب‬
‫ُ‬ ‫يُعَد‬
‫وقد ش َّكل كتابه القاعدة األساسية التي أُلِّفت على منوالها كتب أصول الفقه‬
‫في المذهب المالكي والشافعي والحنبلي؛ قال عنه اإلمام الزركشي‪« :‬كتاب‬
‫«التقريب واإلرشاد» للقاضي أبي بكر هو أ َج ُّل كتاب ُ‬
‫صنِّف في هذا العلم‬
‫مُطلَ ًقا»(‪.)3‬‬
‫جويني باختصار التقريب في كتاب «التلخيص»‪،‬‬
‫وقد قام إمام الحرمَين ال ُ‬
‫وهو مطبوع‪.‬‬

‫‪3‬ـ «البُرهان في أصول الفقه» لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك الجُويني‬
‫(ت‪478‬هـ) ‪:‬‬
‫كتَب إمام الحرمين «البرهان» بعدما بلغ درجة عالية في العلم والتحقيق‪،‬‬
‫ود َّون فيه اختياراتِه وآراءه األصولية‪ ،‬ويُعتَبر إما ُم الحرمين أ َّو َل َمن أل َ‬
‫حق بعلم‬
‫األصول مبادئه التي يستمد منها (مبادئ العلم)‪ ،‬وهي علم الكالم واللغة‬

‫((( تطور الفكر األصولي عند المتكلمين‪ ،‬ألحمد إبراهيم الحسنات (ص‪.)231 -227‬‬
‫((( اشتهر في علم أصول الفقه مدرستان أساسيتان‪ :‬مدرسة المتكلمين‪ ،‬ومدرسة الفقهاء؛‬
‫جرد في األدلة الكلية‬
‫فمدرسة المتكلمين اعتمدوا في بناء وتدوين أصول الفقه على النظر ال ُم َّ‬
‫الستخراج القواعد األصولية دون التقيُّد بمذهب أو رأي معين‪ ،‬وتُس َّمى هذه المدرسة بطريقة‬
‫الجمهور؛ ألن علماء المذهب المالكي والشافعي والحنبلي درجوا عليها‪ .‬انظر‪ :‬تطور الفكر‬
‫األصولي (ص‪.)73‬‬
‫((( البحر المحيط‪ ،‬للزركشي (‪.)11 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪252‬‬

‫العربية والفقه‪ ،‬وبين وجه استمداد أصول الفقه من هذه العلوم(‪.)1‬‬


‫ويعتبر كتاب «البرهان» أحد الكتب األربعة التي قامت عليها طريقة‬
‫المتكلمين في أصول الفقه‪ ،‬وهذه الكتب هي «البرهان» و«المستصفى»‬
‫ح َسين البصري و«ال ُع َمد» للقاضي عبد الجبار‪،‬‬
‫للغزالي و«المعتمد» ألبي ال ُ‬
‫الحرمَين بعمق البحث واستخدام العبارات العالية في البالغة‪ ،‬وقد‬
‫وامتاز إمام َ‬
‫اعتمد عليه ُك ُّل مَن كتَب بعده في أصول الفقه(‪ .)2‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫أبرز شروحاته‪:‬‬
‫‪1‬ـ «التحقيق والبيان» لإلمام علي بن إسماعيل األبياري المالكي (ت‪616‬هـ)‪،‬‬
‫وهو شرح مشهور‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «إيضاح المحصول من برهان األصول» لإلمام أبي عبد اهلل محمد بن‬
‫علي المازري المالكي (ت‪536‬هـ)‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪3‬ـ «ال َمنخول» لإلمام أبي حامد الغزالي‪ ،‬حيث اختصر «البرهان»‪َ ،‬‬
‫وض ّم‬
‫إليه تعليقات إمام الحرمين األصولية األخرى و َه َّذبها‪ ،‬مع تقسيمات وتبويبات‬
‫لتسهيل المطالعة‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬

‫‪4‬ـ «الورقات» لإمام الحرمين الجويني ‪:‬‬


‫َ‬
‫صغيرا في علم أصول الفقه‪ ،‬وقد سعى إمام‬ ‫ً‬ ‫يعتبر كتاب «الورقات» متنًا‬
‫يجردَه من المسائل غير الضرورية للطالب المبت ِدئ‪ ،‬فاكتفى‬ ‫الحرمين أن ِّ‬
‫برؤوس المسائل مع ُسهولة ووضوح العبارة‪ ،‬وقد لقي هذا المت ُن من االهتمام‬

‫((( تطور الفكر األصولي عند المتكلمين (ص‪.)248 -241‬‬


‫((( ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر‪ ،‬البن خلدون (‪.)578 :1‬‬
‫‪253‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫تدريسا وشر ًحا ونظ ًما‪.‬‬


‫ً‬ ‫فأكب العلماء عليه‬
‫َّ‬ ‫والعناية الشيءَ الكثير‪،‬‬
‫أبرز شروحاته ومختصراته‪:‬‬
‫حلّي (ت‪864‬هـ)‪ ،‬وهو أشهر الشروح‬
‫‪1‬ـ شرح اإلمام جالل الدين ال َم َ‬
‫ً‬
‫تداول‪.‬‬ ‫وأكثرها‬
‫‪2‬ـ «األنجم الزاهرات على َح ِّل ألفاظ الورقات» لإلمام شمس الدين‬
‫المار ِديني (ت‪871‬هـ)‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪3‬ـ «تسهيل ال ُّط ُرقات في نَظم الورقات» لإلمام شرف الدين العمريطي‬
‫(ت‪988‬هـ)‪ ،‬وعليه شرح «لطائف اإلشارات» للعالمة عبد الحميد قُدس‬
‫(ت‪1334‬هـ)‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪4‬ـ «الشرح الكبير على الورقات» لإلمام ابن قاسم العبادي (ت‪992‬هـ)‪،‬‬
‫حلّي‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬ ‫وهو شرح على الورقات‪ ،‬وشرح ال َم َ‬

‫‪5‬ـ «اللمع» للإمام أبي إسحاق الشيرازي (ت‪476‬هـ) ‪:‬‬


‫ميس ًرا بسيط العبارة‪ ،‬من أواخر الكتُب التي أل َّفها‬
‫يعتبر كتاب «اللمع» متنًا َّ‬
‫الشيرازي في أصول الفقه؛ ولذلك فهو ال ُممثِّل الحقيقي آلرائه األصولية‪،‬‬
‫والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫وصنف اإلمام الشيرازي «شرح اللمع»‪ ،‬يكاد أن يكون شر ًحا «للمع»‬
‫إال أنه ليس كذلك‪ ،‬فقد سار فيه المؤلف على طريقة المتكلمين في الطريق ِة‬
‫الجدَلية والحجج العَقلية في َردِّ آراء المخالفين واالستدالل آلرائه‪ ،‬والكتاب‬
‫مطبوع في دار الغرب اإلسالمي بتحقيق الدكتور عبد المجيد التركي‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪254‬‬
‫‪6‬ـ «المستصفى» لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي (ت‪505‬هـ) ‪:‬‬
‫جت شخصيتُه ال ِعلميّة فهو‬ ‫جة اإلسالم المستصفى بعد أن نض َ‬ ‫كتب ُح ّ‬
‫وصرح فيه‬ ‫َّ‬ ‫من أواخر ُكتُبه األصولية‪ ،‬وقد ظهرت شخصيةُ الغزالي فيه‪،‬‬
‫بآرائه واختياراته‪ ،‬ووضع مقدمة منطقية في أول الكتاب‪ ،‬وابتكر ترتيبًا بديعًا‬
‫قسم األصول إلى أربعة أقطاب‪ :‬الث َمرة‬ ‫لموضوعات علم األصول‪ ،‬حيث َّ‬
‫(الحكم الشرعي)‪ ،‬وال ُمث ِمر (أدلة أصول الفقه)‪ ،‬وطرق االستثمار (الدالالت)‪،‬‬
‫جماهير‬
‫ُ‬ ‫وال ُمستث َمر (مباحث االجتهاد والتقليد)‪ ،‬وتابعه على هذا التقسيم‬
‫األصوليين إال في بعض التقديم والتأخير والتقسيم إلى أبواب وفصول(‪.)1‬‬
‫الحقيقي آلراء الغزالي وتحقيقاته‬
‫َّ‬ ‫ويعتبر كتاب «المستص َفى» الممثِّ َل‬
‫األصولية؛ وذلك لكونه آخر مؤلَّفاته األصولية‪ ،‬والكتاب له عدة طبعات منها‬
‫طبعة دار الرسالة العالمية بتحقيق الدكتور محمد األشقر‪.‬‬
‫أبرز شروحاته ومختصراته‪:‬‬
‫حفيد (ت‪595‬هـ)‪،‬‬ ‫‪1‬ـ «الضروري من أصول الفقه» للعالمة ابن ُرشد ال َ‬
‫وهو اختصار لكتاب «المستصفى» مع حذف ال ُمقدِّمات ال َمن ِط ِقيّة‪ ،‬درج فيه‬
‫مصنفه على طريقة خاصة في النظرة الفقهية‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «روضة الناظر و َجنّة المناظر» لإلمام ابن قدامة الحنبلي (ت‪620‬هـ)‪،‬‬
‫وهو اختصار لكتاب «المستصفى»‪ ،‬ويعتبر من الكتب ال ُمعت َمدة عند الحنابلة‪،‬‬
‫وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪3‬ـ «صفوة الآللئ من مستصفى الغزالي» للعالمة عبد الكريم المدرس‬
‫(ت‪1426‬هـ)‪ ،‬وهو مختصر «للمستصفى»‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬

‫((( تطور الفكر األصولي (ص‪.)267 -260‬‬


‫‪255‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫‪7‬ـ «المَحصول» للإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي (ت‪606‬هـ) ‪:‬‬

‫يعتبر «المحصول» موسوعة أصوليّةً أطال فيها مؤلِّفها من األدلة واالحتجاج‪،‬‬


‫ويردُّ عليها‪ ،‬و ِمن ث َ َّم يتكلَّم عن األدلة‬ ‫ِّ‬
‫ويوض ُحها ُ‬ ‫فهو يذكر ال ُح َجج الفاسدة‬
‫المقبولة ويبيِّن وجهَ صحتها وقوتها‪ ،‬ويناقِشها بحيث ال يترك لمعترض َّ‬
‫أي إيراد‬
‫عليها‪ ،‬واعتمد الرازي في كتابه على السبر والتقسيم في المسائل األصولية‪ ،‬فهو‬
‫قس ُمها إلى فروع‪ ،‬ثم يَست ِد ُّل عليها بأدلة السبر والتقسيم‪،‬‬
‫يبدأ بذكر المسألة ثم يُ ِّ‬
‫بشكل دَقيق ك َّل ما له عَالقة بالمسألة(‪.)1‬‬
‫ٍ‬ ‫مما يعني أنه يب َح ُ‬
‫ث‬

‫قال اإلمام ال َقرافي‪« :‬رأيت كتاب «المحصول» لإلمام األوحد فخر الدين‬
‫أبي عبد اهلل محمد ابن الشيخ اإلمام العالمة أبي حفص عمر الرازي ـ قدَّس اهلل‬
‫ستحسنات األواخر بأحسن العبارات‪ ،‬وألطف‬
‫َ‬ ‫ُرو َحه ـ ج َمع قواعد األوائل‪ ،‬ومُ‬
‫وحصل لهم بسببه من األهلية‪،‬‬
‫َ‬ ‫اإلشارات‪ ،‬وقد ع ُظم نف ُع الناس به‪ ،‬وب ُم َ‬
‫ختصراته‪،‬‬
‫يحصل ل َمن اشتغل بغي ِره‪ ،‬بسبب أنه ألَّفه من َ‬
‫أحس ِن كتُب السنة‪،‬‬ ‫واالستعداد ما لم ُ‬
‫وأفضل كتب المعتزلة‪« :‬البرهان» و«المستصفى» للسنة‪ ،‬و«المعتمد» و«شرح‬
‫تصرفات اإلمام‪ ،‬وجود ِة‬ ‫ال ُع َمد» للمعتزلة‪ ،‬فهذه األربعة هي أصلُه ُمصانًا ُ‬
‫بحسن ُّ‬
‫وتصرفه‪ ،‬وحسن‬
‫ُّ‬ ‫ترتيبِه وتنقيحه‪ ،‬وفصاحة عبارته‪ ،‬وما زاده فيه من فوائ ِد فِكره‬
‫ترتيبه وإيراده وتهذيبه»(‪.)2‬‬

‫وقد قام بتحقيقه الدكتور طه جابر العُلواني‪ ،‬وطبعته مؤسسة الرسالة‪.‬‬

‫((( تطور الفكر األصولي (ص‪.)285 -277‬‬


‫((( نفائس األصول بشرح المحصول للقرافي (‪.)90 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪256‬‬

‫أبرز شروحاته ومختصراته‪:‬‬


‫‪1‬ـ «الكاشف عن المحصول» لإلمام أبي عبد اهلل العجلي األصفهاني‬
‫(ت‪688‬هـ)‪ ،‬ولم يُت َّمه‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «نفائس األصول في شرح المحصول» لإلمام شهاب الدين ال َقرافي‬
‫(ت‪684‬هـ)‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪3‬ـ «الحاصل» لإلمام تاج الدين األرموي (ت‪653‬هـ)‪ ،‬وهو من أشهر‬
‫ختصرات على كتاب «المحصول»‪ ،‬وهو مطبوع بتحقيق الدكتور عبد السالم‬
‫ال ُم َ‬
‫أبو ناجي‪.‬‬
‫ختصر‬
‫‪4‬ـ «التحصيل» لإلمام سراج الدين األرموي (ت‪682‬هـ)‪ ،‬وهو مُ َ‬
‫مشهور لكتاب «المحصول»‪ ،‬وهو مطبوع بتحقيق الدكتور عبد الحميد أبو زيد‪.‬‬
‫‪5‬ـ «تنقيح الفصـول» لإلمـام القـرافي‪ ،‬وهـو مختصـر مشـهور لكـتاب‬
‫«المحصول»‪ ،‬وهو مطبوع في دار الرياحين‪ ،‬بتحقيق محمد حسن عبد الفتاح‬
‫المالكي‪.‬‬

‫‪8‬ـ «الإحكام في أصول الأحكام» للإمام سيف الدين الآمدي (ت‪631‬هـ) ‪:‬‬
‫قام اآلمدي بتلخيص الكتب األربعة في أصول الفقه على طريقة المتكلمين‬
‫(وهي «ال ُع َمد» و«المعتمد» و«البرهان» و«المستصفى»)‪ ،‬مع إضافات وتحقيقات‪،‬‬
‫وشأنُه في ذلك شأن الرازي في «المحصول»‪ ،‬ولكنه اختلف عنه في الطريقة‪،‬‬
‫فقد اعتمد على تحقيق المسائل األصولية‪ ،‬والتفريع عليها مع اإلقالل من األدلة‬
‫واالحتجاج(‪.)1‬‬

‫((( ديوان المبتدأ والخبر (‪.)578 :1‬‬


‫‪257‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ويُ َع ُّد «اإلحكام» من أكثر الكتب األصولية تحقي ًقا للمسائل األصولية‬
‫والتفريع عليها‪ ،‬وقد استخدم األساليب المنطقية والكالمية في تحقيقه للمسائل‬
‫األصولية‪ ،‬ويُعتَبر من أواخر الكتب األصولية ـ على طريقة المتكلمين ـ التي‬
‫صنِّفت على منهج البحث الحر(‪ ،)1‬والكتاب مطبوع‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أبرز مختصراته‪:‬‬
‫‪1‬ـ «منتهى السول» لإلمام اآلمدي نفسه‪ ،‬وهو اختصا ٌر لكتاب «اإلحكام»‪،‬‬
‫والكتاب مطبوع في مؤسسة الرسالة ناشرون‪ ،‬بتحقيق الدكتور يحيى الطائي‪.‬‬
‫السول» المسمى بـ«مختصر ابن الحاجب» األصولي‬
‫‪2‬ـ «مختصر ُمنتَهى ُّ‬
‫لإلمام جمال الدين اإلسنائي المعروف بابن الحاجب (ت‪646‬هـ)‪ ،‬وهو‬
‫جدَل»‪ ،‬وهو‬‫اختصار لكتابَي اآلمدي‪« :‬منتهى السول» و«غاية األمل في علم ال َ‬
‫من أشهر المتون األصولية وأدَّقها عبارة وأكثرها تحقي ًقا‪ ،‬وقد َ‬
‫وضع عليه ما‬
‫يزيد عن ستة وسبعين شر ًحا(‪ ،)2‬أشهرها شرح اإلمام ُ‬
‫عضد الدين اإليجي‬
‫(ت‪756‬هـ)‪ ،‬وهو من الشروح ال ُمعت َمدة في تدريس أصول الفقه للطلبة‬
‫المتقدمين‪ ،‬وعليه شـرح‪« :‬رفع الحاجـب عن مختصر ابن الحاجب» لإلمام‬
‫كتاب حافل بالتحقيـقات األصـولية‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫السبكي (ت‪771‬هـ)‪ ،‬وهو‬
‫تاج الدين ُّ‬
‫والشرحان المذكوران مطبوعان‪.‬‬

‫‪9‬ـ «منهاج الوصول إلى علم الأصول» للإمام ناصر الدين البيضاوي (ت‪685‬هـ) ‪:‬‬
‫هو خالصة كتابي «الحاصل» لتاج الدين األرموي‪ ،‬و«التحصيل» لسراج‬

‫((( تطور الفكر األصولي (ص‪.)301 -298‬‬


‫((( انظر‪ :‬تطور الفكر األصولي (ص‪.)324‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪258‬‬

‫الدين األرموي‪ ،‬وهما من مختصرات كتاب «المحصول»‪ ،‬مع اعتماده على‬


‫«الحاصل» أكثر‪ ،‬وأضاف زيادات عليهما من أصلهما «المحصول»(‪ ،)1‬فيكون‬
‫بذلك قد جمع ُزبدة علم األصول على طريقة المتكلِّمين‪.‬‬
‫استقر عليها العلماء في علم‬
‫َّ‬ ‫ويُعتَبَر «المنهاج» أحد الكتب الثالثة التي‬
‫أصول الفقه على طريقة المتكلمين ـ مع «مختصر ابن الحاجب» و«جمع‬
‫الجوامع» ـ ويمتاز بدقة العبارة واإلكثار من األدلة واالحتجاج على طريقة‬
‫اإلمام الرازي‪ ،‬مع قِلّة المباحث المنطقية والكالمية‪ ،‬حتى اشتغل به أكثر‬
‫العلماء وطلبة العلم(‪.)2‬‬
‫أبرز شروحاته‪:‬‬
‫السول بشرح ِمنهاج الوصول» لإلمام جمال الدين اإلسنوي‬
‫‪1‬ـ «نهاية ُّ‬
‫(ت‪772‬هـ)‪ ،‬وهو أشهر شرح على «المنهاج»‪ ،‬قد اعتمده العلماء في تدريس‬
‫أصول الفقه للطلبة المتوسطين‪ ،‬والكتاب مطبوع في دار ابن حزم بتحقيق‬
‫الدكتور شعبان إسماعيل‪.‬‬
‫السبكي (ت‪756‬هـ)‪ ،‬وأت َّمه‬
‫‪2‬ـ «اإلبهاج بشرح المنهاج» لإلمام تقي الدين ُّ‬
‫ابنُه اإلمام تاج الدين ُّ‬
‫السبكي (ت‪771‬هـ)‪ ،‬وهو من أوسع شروح «المنهاج»‪،‬‬
‫والكتاب مطبوع في دار ابن حزم‪ ،‬بتحقيق الدكتور شعبان إسماعيل‪.‬‬
‫‪3‬ـ «معراج المنهاج بشرح منهاج الوصول إلى علم األصول» لإلمام‬
‫شمس الدين الجزري (ت‪711‬هـ)‪ ،‬وهو من أسهل الشروح‪ ،‬والكتاب مطبوع‬

‫((( تطور الفكر األصولي (ص‪.)317-316‬‬


‫((( نهاية السول بشرح منهاج الوصول‪ ،‬لإلسنوي (ص‪.)5‬‬
‫‪259‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫في دار ابن حزم‪ ،‬بتحقيق الدكتور شعبان إسماعيل‪.‬‬


‫‪4‬ـ «شرح المنهاج» للبيضاوي في علم األصول‪ ،‬لألصفهاني‪ ،‬يشرح‬
‫ختص ًرا من غير تطويل‪ُ ،‬عنِي بتحقيقه الدكتور‬
‫عبارة الكتاب شر ًحا وافيًا و ُم َ‬
‫عبد الكريم النملة‪.‬‬

‫‪10‬ـ «جمع الجوامع» للإمام تاج الدين السبكي (ت‪771‬هـ) ‪:‬‬


‫بكي كتابه من ُزبدة مئة كتاب‪ ،‬وبيَّن أنه لم يقتصر على الموجود‬
‫الس ُّ‬
‫جمع ُّ‬
‫كثيرا من كتُب ال ُف َقهاء وال ُمحدِّثين‬
‫في كتب األصوليين‪ ،‬بل ضم إليه شيئًا ً‬
‫فسرين وغيرهم‪ ،‬ولم يقتصر فيه على علم أصول الفقه‪ ،‬بل أضاف إليه‬ ‫وال ُم ِّ‬
‫عل َم أصول الدين وخاتمةً في التص ُّوف والسلوك‪ ،‬فكان جامعًا لثالثة علوم في‬
‫متن واحد(‪.)1‬‬
‫استقرت فيه اآلراء األصولية على‬
‫َّ‬ ‫جوامع» أهم متن‬‫أهميته‪ :‬يُعتَبر «جم ُع ال َ‬
‫طريقة المتكلِّمين‪ ،‬وما زال العلماء يعتمدونه في تدريس أصول الفقه باألزهر‬
‫والزيتونة وغيرهما‪ ،‬وقد امتاز الكتاب باالختصار الشديد للمسائل األصولية‬
‫و ِدقّة العبارات‪ ،‬وتحرير الخالفات واألقوال األصولية وبيان ق ُ ّوتِها َ‬
‫وضعفها‪،‬‬
‫و ُخلُ ِّوه من المباحث الجدلية والمنطقية‪.‬‬
‫أبرز شروحاته ومختصراته‪:‬‬
‫‪1‬ـ «منع الموانع عن جمع الجوامع» للمؤلِّف نفسه‪ ،‬حيث أجاب عن‬
‫االعتراضات التي أُوردت على متنه‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫حلّي‬
‫‪2‬ـ «البـدر الطـالع بشـرح جمـع الجـوامع» لإلمـام جالل الدين ال َم َ‬

‫((( تطور الفكر األصولي (ص‪.)333 -330‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪260‬‬
‫(ت‪864‬هـ)‪ ،‬وهو من أشهر الشروح على «جمع الجوامع»‪ ،‬وما زال العلماء‬
‫يعتمدونه في تدريس األصول للطلبة المتقدمين‪ ،‬وعليه حاشيتان مشهورتان‬
‫مطبوعتان للعالمة عبد الرحمن البناني (ت‪1198‬هـ)‪ ،‬والعالمة حسن العطار‬
‫(ت‪1250‬هـ)‪.‬‬
‫وقد قام الدكتور عبد الملك السعدي بتحقيق «البدر الطالع» مع شرح‬
‫معضالته والتعليق عليه‪ ،‬وطبعته هيئة علماء المسلمين في العراق‪.‬‬
‫بشرح َجمع الجوامع» لإلمام بدر الدين الزر َكشي‬
‫‪3‬ـ «تشنيف ال َمسا ِمع َ‬
‫(ت‪794‬هـ)‪ ،‬وهو من أحسن شروح «جمع الجوامع»‪ ،‬والكتاب مطبوع في‬
‫دار طيبة الخضراء بتحقيق عبد اهلل بن شرف الدين الداغستاني‪.‬‬
‫‪4‬ـ «الغيث الهامع شرح جمع الجوامع» لإلمام أبي ُزرعة ولي الدين العراقي‬
‫(ت‪826‬هـ)‪ ،‬وقد است َم َّد شرحه من «تشنيف المسامع»‪ ،‬والكتاب مطبوع في‬
‫دار الفاروق بتحقيق حسن عباس قطب‪.‬‬
‫‪5‬ـ «الكوكب الساطع في نظم جمع الجوامع» لإلمام السيوطي (ت‪911‬هـ)‬
‫وهو نظم مشهور لمتن «جمع الجوامع» في (‪ )1450‬بيتًا‪ ،‬وهو أوسع منظومة‬
‫في علم أصول الفقه‪ ،‬وقد كتب عليه مؤلِّفه شر ًحا ماتعًا في «شرح الكوكب‬
‫الساطع»‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪6‬ـ «لب األصول» لشيخ اإلسالم زكريا األنصاري (ت‪926‬هـ)‪ ،‬وهو‬
‫وشر َحه مؤل ِّ ُفه في كتاب «غاية‬
‫مختصر مشهور على كتاب «جمع الجوامع»‪َ ،‬‬
‫الوصول إلى شرح لب األصول»‪ ،‬وهو من الكتب ال ُمعت َمدة في تدريس الطلبة‬
‫المتوسطين‪ ،‬والكتاب مطبوع في دار الفتح‪ ،‬بتحقيق حسام الدين سليمان‪.‬‬
‫‪261‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫‪11‬ـ «البحر المحيط في أصول الفقه» للإمام بدر الدين الزركشي (ت‪794‬هـ) ‪:‬‬
‫جمع اإلمام الزركشي في كتابه آراء الشافعية في أصول الفقه‪ ،‬وأضاف‬
‫إليها آراء الحنفية والمالكية والحنابلة والظاهرية من كتبهم المعتمدة‪ ،‬وزاد‬
‫على ذلك بآراء المعتزلة والشيعة من كتبهم‪ ،‬فقد جمع الزركشي جميع اآلراء‬
‫األصولية‪ ،‬وح َّقق نسبة هذه األقوال من كتبهم‪.‬‬
‫وقد جاء عرض الزركشي في كتابه للمسائل األصولية على طريقة المتكلمين؛‬
‫من حيث اتخاذ القواعد منطل ًقا لتقرير األحكام الفرعية‪ ،‬واهتم بالمصطلحات‬
‫والحدود األصولية وبيان الفروق الدقيقة بين المسائل األصولية‪ ،‬والكتاب‬
‫مطبوع بتحقيق الدكتور عبد القادر العاني‪.‬‬
‫أهم كتب أصول الفقه‬
‫أبو الحسن البصري‬ ‫عبدالجبار‬ ‫الغزالي‬ ‫الجويني‬
‫شرح‬ ‫شرح‬
‫شرح‬
‫مختصر ابن الحاجب‬
‫مختصر ابن الحاجب القطب الشيرازي‬
‫شمس الدين الخطيب‬ ‫عضد الدين اإليجي‬ ‫المعتمد‬ ‫العمد‬ ‫المستصفى‬ ‫البرهان‬

‫المختصر الكبير‪ :‬منتهى‬


‫اختصر‬
‫السول واألمل في علمي األصول‬ ‫اختصر‬
‫والجدل البن الحاجب‬
‫مختصر السول‬ ‫اإلحكام‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬

‫رفع الحاجب عند‬ ‫البن الحاجب‬ ‫المعتبر في‬ ‫اآلمدي‬ ‫المحصول‬


‫مختصر ابن الحاجب‬ ‫شرح المختصر‬ ‫السراج الوهاج‬ ‫الرازي‬
‫تاج الدين السبكي‬ ‫نجم الدين الحلبي‬ ‫الجاربردي‬
‫حل العقد‬
‫مجمع الدرر في‬ ‫والعقل الحسن‬ ‫شرح النجم الوهاج‬ ‫الحاصل‬
‫بيان المختصر‬ ‫شرح‬
‫شرح المختصر‬ ‫اإلستراباذي‬ ‫في نظم المنهاج‬ ‫تاج الدين‬ ‫التحصيل‬ ‫شرح‬
‫األصفهاني‬
‫التستري‬ ‫أبو زرعة العراقي‬ ‫األرموي‬ ‫سراج الدين‬ ‫األصفهاني‬ ‫المحصول‬
‫منهاج الوصول‬
‫نهاية السول‬ ‫اختصره‬ ‫األرموي‬
‫إلى علم األصول‬ ‫األصفهاني‬ ‫القرافي‬
‫اإلسنوي‬ ‫البيضاوي‬
‫تشنيف المسامع‬
‫الغيث الهامع‬
‫الزركشي‬ ‫اختصر‬ ‫شرح ابن‬ ‫اإلبهاج في‬
‫القرافي‬
‫الجزري‬ ‫شرح المنهاج‬ ‫تنقيح الفصول‬
‫لخصه‬ ‫حاشية‬ ‫تاج الدين‬
‫جمع الجوامع‬ ‫أصول الفقه‬ ‫السبكي‬ ‫القرافي‬
‫محمد بخيت‬
‫تاج الدين السبكي‬ ‫أبو نور زهير‬ ‫شرح المنهاج‬
‫لب األصول‬ ‫المطيعي‬ ‫شرح‬
‫األصفهاني‬
‫زكريا األنصاري‬
‫شرح الكوراني‬ ‫اختصر‬ ‫رفع النقاب عن‬
‫شرح‬ ‫اختصر‬ ‫تنقيح الشهاب‬ ‫شرح تنقيح الفصول‬
‫غاية المرام‬
‫غاية الوصل‬ ‫الشوشاوي‬ ‫في اختصار المحصول‬
‫التعريف في األصلصن‬ ‫أحمد التلمساني‬
‫البدر الطالع في‬ ‫شرح لب األصول‬ ‫القرافي‬
‫ابن حجر الهيتمي‬
‫شرح جمع الجوامع‬ ‫زكريا األنصاري‬ ‫حاشية ابن قاسم‬
‫جالل الدين المحلي‬ ‫العبادي‬ ‫الورقات في أصول الفقه‬
‫الجويني‬

‫شرح المحلي‬ ‫غاية المأمول‬


‫حاشية‬ ‫حاشية‬ ‫الرملي‬
‫حاشية‬ ‫حاشية‬ ‫حاشية‬
‫زكريا‬ ‫البناني‬ ‫حاشية النفحات‬
‫العطار‬ ‫الباجوري‬ ‫عميرة‬ ‫نووي جاوي‬
‫األنصاري‬ ‫مع تقريرات‬
‫الشربيني‬ ‫حاشية‬
‫حاشية‬
‫القليوبي‬
‫الدمياطي‬
‫‪262‬‬
‫‪263‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ب‬
‫المبحث السادس‬
‫أبرز كتب الفتاوى‬

‫كثير من‬
‫الفتوى هي إخبار بحكم شرعي في مسألة نازلة‪ ،‬وقد ُجمعت ٌ‬
‫فتاوى األئمة والعلماء في كتب خاصة‪ ،‬وهي أجوبة تتعلق بأسئلة كانت مو َّجهة‬
‫إليهم ونوازل حدثت في عصرهم‪ ،‬فينبغي على طالب العلم أن يدا ِو َم ال ُمطالَعة‬
‫فيها حتى تتحصل له ملكة الفتوى‪ ،‬ويتنبه إلى أن كتب الفتاوى ال يُرجع إليها‬
‫ِ‬
‫القول ال ُمعت َمد أو توثيق المذهب الشافعي‪.‬‬ ‫لمعرف ِة‬
‫ومن أبرز كتب الفتاوى في المذهب ‪:‬‬
‫‪1‬ـ فتاوى القاضي حسين المروذي (ت‪462‬هـ) ‪:‬‬
‫ُجمعت هذه الفتاوى من قِبَل أحد طالب القاضي وهو اإلمام البغوي‪،‬‬
‫وقام بترتيبها على أبواب الفقه‪ ،‬والكتاب مطبوع في دار الفتح‪.‬‬
‫‪2‬ـ فتاوى اإلمام ابن الصالح (ت‪643‬هـ) ‪:‬‬
‫ُجمعت هذه الفتاوى من قِبَل أحد طالب اإلمام‪ ،‬وهو الشيخ كمال الدين‬
‫المغربي‪ ،‬وقد اشتملت على أربعة أقسام‪ :‬التفسير‪ ،‬والحديث‪ ،‬والعقائد واألصول‪،‬‬
‫والفقه‪ ،‬وبلغ عدد مسائل الكتاب (‪ ،)1264‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪3‬ـ فتاوى اإلمام العز بن عبد السالم (ت‪660‬هـ) ‪:‬‬
‫ُجمعت هذه الفتاوى من كتابين لإلمام العز‪ ،‬هما‪ :‬الفتاوى الموصلية والفتاوى‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪264‬‬
‫المصرية‪ ،‬وقد اشتمل الكتاب على أغلب األبواب من العقيدة‪ ،‬والعبادات‪،‬‬
‫والمعامالت‪ ،‬واألحوال الشخصية‪ ،‬والقضاء واآلداب‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫‪4‬ـ فتاوى اإلمام تقي الدين السبكي (ت‪756‬هـ) ‪:‬‬


‫الكتاب عبارة عن فتاوى مُط َّولة ورسائل متفرقة ُجمعت من كالم اإلمام‬
‫السبكي‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫‪5‬ـ فتاوى اإلمام أبي ُزرعة العراقي (ت‪826‬هـ) ‪:‬‬


‫الكتاب عبارة عن فتاوى جمعها المؤلف بنفسه‪ ،‬وقد بلغ عدد المسائل فيها‬
‫(‪ )119‬مسألة مرتَّبة على أبواب الفقه‪ ،‬والكتاب مطبوع بتحقيق الدكتور حمزة‬
‫فرحان‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ «الحاوي للفتاوي» لإلمام جالل الدين السيوطي (ت‪911‬هـ) ‪:‬‬


‫ختصرة التي ُو ِّجهت‬
‫الكتاب عبارة عن مجموعة من الفتاوي ال ُمط َّولة وال ُم َ‬
‫لإلمام السيوطي فج َمعَها في كتاب‪ ،‬ورتَّبه على األبواب الفقهية‪ ،‬والتفسير‪،‬‬
‫والحديث‪ ،‬وأصول الفقه‪ ،‬والنحو واإلعراب‪ ،‬والتصوف‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫‪7‬ـ «فتاوى الرملي» لإلمام شهاب الدين الرملي (ت‪957‬هـ) ‪:‬‬


‫الكتاب عبارة عن فتاوى لإلمام شهاب الدين أحمد الرملي‪ ،‬وج َمعها ابنه اإلمام‬
‫شمس الدين الرملي (ت‪1004‬هـ)‪ ،‬ورتَّبها على أبواب الفقه‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫‪8‬ـ «الفتاوى الفقهية الكبرى» لإلمام ابن حجر الهيتمي (ت‪974‬هـ) ‪:‬‬
‫الكتاب عبارة عن مجموعة كبيرة من الفتاوى الفقهية أُو ِردت على صيغة‬
‫سؤال وجواب‪ ،‬ورتَّبها مؤل ِّ ُفها على األبواب الفقهية‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪265‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫صنفت في المذهب‪ ،‬وقد حوت‬ ‫ويُعتبَر الكتاب أهم كتب الفتاوى التي ُ‬
‫الكثير من التحقيقات في المذهب من إمام بلغ أعلى درجات التحقيق بين‬
‫المتأخرين‪.‬‬
‫‪9‬ـ «بغية المسترشدين» للعالمة عبد الرحمن بن محمد بن حسين المشهور‬
‫(ت‪1320‬هـ) ‪:‬‬
‫تلخيصا لفتاوي عدد من كبار علماء المذهب المتأخرين وهم‪:‬‬
‫ً‬ ‫يُعتبَر الكتاب‬
‫شيخ المحققين العالمة محمد بن سليمان الكردي (ت‪1194‬هـ)‪ ،‬والعالمة‬
‫عبد اهلل بن الحسين بن عبد اهلل بافقيه (ت‪1266‬هـ)‪ ،‬والعالمة عبد اهلل بن‬
‫عمر بن أبي بكر بن يحيى (ت‪1265‬هـ)‪ ،‬والعالمة الشريف علوي بن سقاف بن‬
‫محمد الجفري (ت‪1237‬هـ)‪ ،‬والعالمة محمد بن أبي بكر األشخر اليمني‬
‫(ت‪991‬هـ)‪ ،‬وقد أضاف مؤلِّف الكتاب بعض الفتاوى التي ُسئِل عنها‪َ ،‬‬
‫وض َّم‬
‫الكثير من التنبيهات والضوابط والفوائد الفقهية‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪10‬ـ «غاية تلخيص المراد من فتاوى ابن زياد» للعالمة عبد الرحمن‬
‫المشهور (‪1320‬هـ) ‪:‬‬
‫اختصر المؤلِّف فتاوى اإلمام عبد الرحمن بن زياد الزبيدي (ت‪975‬هـ)‪،‬‬
‫وهو أحد كبار محققي المذهب المتأخرين في بالد اليمن‪ ،‬وذكر ما خالفه‬
‫فيه أو وافقه اإلمام ابن حجر الهيتمي؛ لكونه معتمد الفتوى عند أهل اليمن‪،‬‬
‫والكتاب مطبوع بهامش «بغية المسترشدين» لنفس المؤلف‪.‬‬
‫‪11‬ـ «عمدة المفتي والمستفتي» للعالمة جمال الدين محمد بن عبد الرحمن‬
‫األهدل (ت‪1352‬هـ) ‪:‬‬
‫أصل الفتاوي لمفتي الديار اليمنيّة العالمة محمد بن أحمد األهدل‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪266‬‬

‫(ت‪1298‬هـ)‪ ،‬وقام تلميذه العالمة جمال الدين بتلخيصها وتهذيبها‪ ،‬والكتاب‬


‫مطبوع‪.‬‬
‫‪12‬ـ «جواهر الفتاوى» للعالمة عبد الكريم بيارة المدرس (ت‪1426‬هـ) ‪:‬‬
‫صف الكتاب‪ :‬يعتبر الكتاب تجميعًا لفتاوى عدد كبير من علماء األكراد‬‫َو ُ‬
‫الشافعية‪ ،‬حيث قام الع َّلمة المد ِّرس بجمعها وأضاف لها فتاويه ورتَّبها على‬
‫أيضا أبحاثًا للمؤلِّف في النوازل الفقهية‬
‫األبواب الفقهية‪ ،‬وقد حوى الكتاب ً‬
‫المعاصرة‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪267‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ب‬
‫المبحث السابع‬
‫أبرز كتب أحاديث الأحكام في المذهب‬

‫يعتبر فن (أحاديث األحكام) جزءًا ال يتجزأ من علم الفقه‪ ،‬وقد كانت‬


‫كتب المتقدمين زاخرة بأحاديث األحكام‪ ،‬ولكن مع ظهور منهج االختصار‬
‫والمتون الفقهية‪ ،‬ظهرت الحاجة إلى إفراد أحاديث األحكام في كتب مستقلة‬
‫ليسهل على طالب العلم حفظها ودراستها‪ ،‬ومن أبرز كتب أحاديث األحكام‬
‫في المذهب الشافعي‪:‬‬
‫‪1‬ـ «معرفة السنن واآلثار» للحافظ أبي بكر البيهقي (ت‪458‬هـ) ‪:‬‬
‫احتج به اإلمام الشافعي من األحاديث‬
‫َّ‬ ‫البيهقي في كتابه هذا ما‬
‫ُّ‬ ‫خرج اإلمام‬
‫ّ‬
‫كثيرا من الفوائد‬
‫في األصول والفروع بأسانيدها التي رواها بها‪ ،‬وأضاف إليها ً‬
‫الحديثة في الجرح والتعديل والعلل‪ ،‬وتتبَّع المتابعات والشواهد لتقوية بعض‬
‫األحاديث‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫وقد أثنى اإلمام تاج الدين السبكي على كتابه هذا فقال‪« :‬ال يَستغني‬
‫عنه فقيهٌ شافعي»‪ ،‬وقال إمام الحرمين‪« :‬ما من شافعي إال وللشافعي في‬
‫عنقه ِمنّةٌ إال البيهقي فإنه له على الشافعي منّةٌ لتصانيفه في ن ُ َ‬
‫صرتِه لمذهبه‬
‫وأقاويله»(‪.)1‬‬

‫((( طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي (‪.)11 :4‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪268‬‬

‫‪2‬ـ «إحكام األحكام شرح عمدة األحكام» لإلمام ابن دقيق العيد (ت‪702‬هـ) ‪:‬‬
‫هو شرح على متن «عمدة األحكام» للحافظ المقدسي أماله على تالمذته‪،‬‬
‫وقد جرت طريقة المؤلف في الشرح بالبدء بترجمة راوي الحديث‪ ،‬ثم شرح‬
‫قس ًما على مسائل‪ ،‬واالستطراد في بحث االختالف الفقهي‬ ‫معاني الحديث ُم َّ‬
‫خاصة خالف المالكية والشافعية مبيِّنًا األصول التي بُني عليها كل مذهب‪،‬‬
‫والكتاب غني بالقواعد األصولية واألبحاث الفقهية النادرة‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪3‬ـ «اإللمام في أدلة األحكام» لإلمام ابن دقيق العيد ‪:‬‬
‫ختصر في أدلة األحكام اختصر فيه مؤلِّفه كتابه العظيم «اإلمام‬ ‫وهو ُم َ‬
‫في أدلة األحكام» والذي يُعتَبر موسوعة في بابها‪ ،‬واقتصر في «اإللمام» على‬
‫األحاديث الصحيحة فقط‪ ،‬وكان عدد األحاديث فيه (‪ )1291‬حديثًا‪ ،‬وكل من‬
‫كتابَي اإلمام واإللمام مطبوع‪.‬‬
‫شرح مليء بالفوائد‬
‫ٌ‬ ‫وقد عمل ابن دقيق العيد على شرح اإللمام‪ ،‬وهو‬
‫والدقائق الفقهية واألصولية والنحوية والحديثية‪ ،‬ولكنه لم يُتِ َّمه‪ ،‬وهو مطبوع‬
‫في دار النوادر‪.‬‬
‫‪4‬ـ «طرح التثريب في شرح التقريب» للحافظ زين الدين العراقي (ت‪806‬هـ) ‪:‬‬
‫يُعتَبر هذا الكتاب شر ًحا لكتاب «تقريب األسانيد وترتيب المسانيد» للمؤلِّف‬
‫مختصرا في أحاديث األحكام من ُكتُب ُّ‬
‫السنّة األصيلة والتزم‬ ‫ً‬ ‫نفسه الذي ج َمع‬
‫موسعًا‪ ،‬وقد وصل‬
‫الصحة في أحاديثه‪ ،‬ثم حذف أسانيدها‪ ،‬وشرحها شر ًحا فقهيًّا َّ‬
‫المؤل ِّ ُ‬
‫ف في هذا الشرح إلى نصف الكتاب تقريبًا‪ ،‬ثم أك َمله ابنُه الحافظ أبو زرعةَ‬
‫راقي (ت‪826‬هـ)‪ ،‬والكتاب حافل بالن ُّ َكت الفقهية والفوائد الحديثية‪ ،‬وهو‬ ‫ال ِع ُّ‬
‫مطبوع‪.‬‬
‫‪269‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫‪5‬ـ «بلو ُغ ال َمرام» للحافظ اب ِن َحجر العسقالني (ت‪852‬هـ) ‪:‬‬


‫يُعتبَر هذا الكتاب متنًا ج َمع فيه مؤل ِّ ُفه أصو َل األدلة الحديثية من الصحيحين‪،‬‬
‫السنَن والمسانيد‪ ،‬ورتَّبه على أبواب الفقه‪ ،‬وح َكم على األحاديث بالصحة‬ ‫وكتب ُّ‬
‫أو الضعف‪ ،‬وقد وصل عددُ أحاديثه (‪ )1596‬حديث‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪6‬ـ «فتح العالم بشرح اإلعالم بأحاديث األحكام» لشيخ اإلسالم زكريا‬
‫األنصاري (ت‪926‬هـ) ‪:‬‬
‫وهو كتاب شرح فيه شيخ اإلسالم أحاديث األحكام التي ج َمعَها في‬
‫كتاب «اإلعالم بأحاديث األحكام»‪ ،‬ويمتاز الكتاب بلطاف ِة عبارته وتوجيه‬
‫االستدالل والجمع بين األحاديث المتعارضة على أصول المذهب الشافعي‪،‬‬
‫طالب العلم المبتدئ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والكتاب ال يستغني عنه‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪270‬‬

‫ب‬
‫المبحث الثامن‬
‫أبرز كتب طبقات رجال المذهب‬

‫‪1‬ـ «طبقات الشافعية» للحافظ عماد الدين بن كثير (ت‪744‬هـ) ‪:‬‬


‫اشتمل الكتاب على تراجم أعالم الشافعية منذ عصر اإلمام الشافعي حتى‬
‫قسم طبقات فقهاء الشافعية إلى إحدى عشرة طبقة‪ ،‬وبلغ‬
‫عصر المؤلف‪ ،‬وقد َّ‬
‫عدد أعالم الشافعية الذين تر َجم لهم (‪ )958‬إمامًا وفقي ًها في المذهب‪ ،‬والكتاب‬
‫مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «طبقات الشافعية الكبرى» لإلمام تاج الدين السبكي (ت‪771‬هـ) ‪:‬‬
‫اشتمل الكتاب على تراجم أعالم الشافعية منذ عصر الشافعي حتى عصر‬
‫المؤلِّف‪ ،‬وقد َّ‬
‫قسم طبقات الشافعية إلى َسبع طبَقات‪ ،‬ورتَّب التراجم في كل‬
‫طبقة على حروف المعجم‪ ،‬وبلغ عدد األعالم الذين تر َجم لهم (‪ )1419‬إمامًا‬
‫وفقي ًها في المذهب‪ ،‬وقد ض َّم ال ُمؤلِّف في هذا الكتاب فوائد علمية ونوادر‬
‫أدبية ال يُستغنى عنها‪.‬‬
‫ويعتبر الكتاب موسوعة عظيمة في طبقات رجال المذهب الشافعي‪ ،‬والكتاب‬
‫مطبوع‪.‬‬
‫‪3‬ـ «طبقات الشافعية» لإلمام جمال الدين اإلسنوي (ت‪772‬هـ) ‪:‬‬
‫اشتمل الكتاب على تراجم أعالم الشافعية حتى عصر المؤلِّف‪ ،‬واستفاد‬
‫‪271‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫الصالح والنووي‪ ،‬وقد ع َمد ال ُمؤلِّف إلى‬


‫ِ‬ ‫كالسبكي واب ِن‬
‫ُّ‬ ‫م َّمن كتَب قبلَه‬
‫جم بعد أن بدأ بترجمة اإلمام الشافعي وأصحابه‬ ‫ترتيب كتابه على ُحروف ال ُمع َ‬
‫وقسم كل حرف إلى فصلين‪ :‬األول األسماء الواردة في كتابي‬ ‫ِ‬
‫المباشرين‪َّ ،‬‬
‫«الشرح الكبير» لإلمام الرافعي و«الروضة» لإلمام النووي‪ ،‬والثاني في األسماء‬
‫الزائدة عما وقع في هذين الكتابين‪ ،‬ويمتاز بشكل عام باإليجاز وحسن الترتيب‬
‫واالستيعاب‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪4‬ـ «طبقات الشافعية» للقاضي تقي الدين أبي بكر بن أحمد بن شهبة‬
‫(ت‪851‬هـ) ‪:‬‬
‫اشتمل الكتاب على تراجم أعالم الشافعية حتى عصر المؤلف‪ ،‬ورتَّب‬
‫طبقات الشافعية إلى خمس عشرة طبقة‪ ،‬واقتصر في تراجمه على األعالم الذين‬
‫تكثُر الحاجة إلى معرفتهم؛ حيث بلغ عدد األعالم الذين ترجم لهم (‪ٍ )302‬‬
‫إمام‬
‫في المذهب‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪272‬‬

‫ب‬
‫المبحث التاسع‬
‫أبرز كتب تخريج الفروع على الأصول‬

‫يقصد بعلم تخريج الفروع على األصول‪ :‬ردُّ الفروع الفقهية إلى القواعد‬
‫األصولية‪ ،‬فهو يُعتَبر كالواسطة بين علم أصول الفقه وبين علم الفقه‪ ،‬ومن أبرز‬
‫ُكتُبه على المذهب‪:‬‬
‫‪1‬ـ «تخريج الفروع على األصول» لإلمام شهاب الدين الزنجاني (ت‪656‬هـ) ‪:‬‬
‫الكتاب على األبواب الفقهية مبتدئًا بكتاب‬
‫َ‬ ‫وصف الكتاب‪ :‬رتَّب المؤلِّف‬
‫الطهارة ومنتهيًا بكتاب العتق‪ ،‬وأودع فيه أبر َز المسائل الخالفية بين الحنفية‬
‫والشافعية مبيِّنًا األصو َل التي بُني عليها الخالف‪.‬‬
‫ف الكتاب بين الفروع واألصول في طريقة متميِّزة لم يُسبق‬ ‫وقد جمع مؤل ِّ ُ‬
‫بها؛ حيث رسم عالقة الفروع الفقهية بأصولها من القواعد والكليات‪ ،‬ويُعتَبر‬
‫صنِّف في تخريج الفروع على األصول ك َف ٍّن مُست ِق ّل‪،‬‬
‫هذا الكتاب أو َل كتاب ُ‬
‫والكتاب مطبو ٌع بتحقيق الدكتور محمد أديب الصالح‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪2‬ـ «التمهيد في تخريج الفروع على األصول» لإلمام جمال الدين اإلسنوي‬
‫(ت‪772‬هـ) ‪:‬‬
‫رتَّب المؤلف كتابه على أبواب أصول الفقه‪ ،‬وتعرض لجميع القواعد‬
‫ً‬
‫محاول أن يذكر لكل قاعدة أصولية فرعًا‬ ‫األصولية على مذهب الشافعية‪،‬‬
‫‪273‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫فقهيًّا‪ ،‬ولكنه لم يتعرض للمذاهب األخرى كما فعل اإلمام الزنجاني‪ ،‬والكتاب‬
‫مطبوع بتحقيق الدكتور محمد حسن هيتو‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪274‬‬

‫ب‬
‫المبحث العاشر‬
‫ا�لكتب التي اعتنت بمنهجية الفتوى في المذهب‬

‫يُعتبَر االهتمامُ بمنهج الفتوى من أهم ما يتوجب على طالب العلم تعلمه؛‬
‫ألن التف ُّقه يعتمد على مرحلتَين‪ :‬دراسة الكتب على المشايخ‪ ،‬والتد ُّرب على‬
‫منهج الفتوى‪ ،‬ف َمن َهجيّة الفتوى ت ُ ِعين الطالب على البحث في كتب المذهب‪،‬‬
‫وطريق ِة معرفة القول المعتمد‪ ،‬وتبين كيفية التعامل مع اختالف األقوال‬
‫واألوجه داخل المذهب‪ ،‬ولذلك فقد كتب كثير من العلماء في هذا الباب‪،‬‬
‫ومن أبرز الكتب التي أُلفت فيه‪:‬‬
‫‪1‬ـ «أدب المفتي والمستفتي» لإلمام ابن الصالح الشهرزوري (ت‪643‬هـ) ‪:‬‬
‫ُ‬
‫شروط‬ ‫اشتمل الكتاب على التأصيل العلمي للفتوى‪ ،‬وبُيِّنت بإسهاب‬
‫وتطرق المؤلِّف لمنهجية الفتوى في المذهب‬
‫َّ‬ ‫المفتي والمستفتي وأحكامهما‪،‬‬
‫مثل مسألة الجديد والقديم‪ ،‬ومسألة اختالف أقوال الشافعي وأوجه األصحاب‬
‫وغيرهما‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «فرائد الفوائد في اختالف القولَين لمجتهد واحد» لإلمام شمس الدين‬
‫السلمي الشهير بالمناوي (ت‪747‬هـ) ‪:‬‬
‫يرتكز موضوع الكتاب على ُشبهة تعدُّد األقوال عند اإلمام الشافعي‪ ،‬وقد‬
‫أجاب المؤلِّف عنها‪ ،‬وبيَّن أن ذلك وقَع لكثير من األئمة المجتهدين‪ ،‬ثم بيَّن‬
‫‪275‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫أقسام هذه األقوال ووجه سبب اختالف أقواله‪ ،‬وبيَّن كيفية الترجيح بين أقوال‬
‫بإسهاب في القول القديم والجديد‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الشافعي‪ ،‬وتكلَّم‬
‫‪3‬ـ «الفوائد المدنية فيمن يُفتَى بقوله من أئمة الشافعية» للعالمة محمد بن‬
‫سليمان الكردي (ت‪1194‬هـ) ‪:‬‬
‫وضع المؤلف المن َهج ال ُمعتبَر للمفتين والفقهاء في الفتوى بالمعتمد‬
‫أقوال المتأ ِّخرين مبيِّنًا مَن يُقدَّم قولُه‬
‫ِ‬ ‫والبحث في كتب المذهب واالختيار بين‬
‫منهم‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫وقد قام الع َّلمة شهاب الدين الشالياتي ال ُمليباري باختصار «الفوائد‬
‫المدنية» في «العوائد الدينية بتلخيص الفوائد المدنية»‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪4‬ـ «الفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة الشافعية» للعالمة علوي السقاف‬
‫المكي (ت‪1335‬هـ) ‪:‬‬
‫اشتمل الكتاب على تاريخ المذهب‪ ،‬وبين ال ُمؤلِّف أبر َز كتُب ال َمذهب‬
‫الشافعي‪ ،‬وتكلَّم عن طبقات علماء المذهب‪ ،‬وبيَّن مَن يُقدَّم قولُه من المتأ ِّخرين‬
‫والكتب المعتمدة في المذهب‪ ،‬وتحدَّث عن دور النووي والرافعي في تحرير‬
‫ف‬‫اختصر المؤل ِّ ُ‬
‫َ‬ ‫المذهب‪ ،‬وشرح أهم المصطلحات الخاصة بالمذهب‪ ،‬وقد‬
‫كتابَه «الفوائد المكية» وه َّذبه في كتاب «مختصر الفوائد المكية»‪ ،‬والكتابان‬
‫مطبوعان‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪276‬‬

‫المبحث الحادي عشرب‬


‫كتب ومؤلفات في مسائل خاصة‬

‫ُكتب في المذهب الشافعي مئات الكتب والرسائل في موضوعات مست ِقلّة‬


‫ومسائل خاصة‪ ،‬ويمكن أن نذ ُك َر أبر َز هذه الكتب والرسائل مرتَّبة على أصناف‬
‫الكتُب الفقهية‪:‬‬

‫أول ًا ‪ :‬في كتاب العبادات‬


‫‪1‬ـ «التبصرة في ترتيب أبواب للتمييز بين االحتياط والوسوسة» لإلمام أبي‬
‫محمد الجويني (ت‪438‬هـ)‪ ،‬وقد هدف المؤلِّف في كتابه هذا إلى تبيين الفرق‬
‫بالنصوص الشرعية التي تح ِّذر من‬
‫ِ‬ ‫بين الوسوسة واالحتياط في الدين‪ ،‬فبدأ‬
‫مكائد الشيطان‪ ،‬وبين األصول التي يعتمد عليها في هذا الباب‪ ،‬ثم تناول مسائل‬
‫الكتاب مُرتَّبة على أبواب فقهية‪ ،‬والكتاب قد تم تحقي ُقه كرسالة دكتوراه‪ ،‬ولكنه‬
‫لم يُطبع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «اإليضاح في مناسك الحج» لإلمام النووي‪ ،‬وهي رسالة متخصصة في‬
‫أحكام الحج والعمرة والزيارة‪ ،‬وعليها حاشية نفيسة مطبوعة لإلمام ابن حجر‬
‫الهيتمي‪.‬‬
‫السقام في زيارة خير األنام» لإلمام تقي الدين السبكي‪ ،‬وقد‬
‫‪3‬ـ «شفاء ِّ‬
‫تناول المؤلِّف زيارة قبر النبي ﷺ من حيث المشروعية واآلداب‪ ،‬وبيَّن فيه‬
‫‪277‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫أحكام بعض المسائل المتعلقة؛ مثل‪ :‬التوسل‪ ،‬واالستغاثة‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬والكتاب‬
‫مطبوع‪.‬‬
‫‪4‬ـ «منظومة ال َمع ُف ّوات» لإلمام ابن العماد األقفهسي (ت‪808‬هـ)‪،‬‬
‫والمنظومة في (‪ )290‬بيتًا جمع فيها مؤل ِّ ُفها المسائل ال َمع ُف َّو عنها في سائر‬
‫أبواب الفقه‪ ،‬وقد كتب اإلمام شهاب الدين الرملي شر ًحا عليها سماه بـ «فتح‬
‫الجواد بشرح نظم ابن العماد» وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪5‬ـ «القول التمام في أحكام المأموم واإلمام» لإلمام ابن العماد األقفهسي‪،‬‬
‫والكتاب متخصص في أحكام صالة الجماعة‪.‬‬
‫‪6‬ـ «إعالم الساجد بأحكام المساجد» لإلمام بدر الدين الزركشي‬
‫(ت‪794‬هـ)‪ ،‬وهو كتاب متخصص في أحكام وفضائل المسجد الحرام‬
‫والمسجد النبوي والمسجد األقصى وبقية المساجد‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬في كتاب البيوع (المعاملات)‬


‫‪1‬ـ «المضاربة» لإلمام أبي الحسن الماوردي (ت‪450‬هـ)‪ ،‬والكتاب يُ َع ُّد‬
‫جزءًا من كتاب «الحاوي الكبير» عمل ُمح ِّق ُقه الدكتور عبد الوهاب حواس‬
‫على اقتطاع هذا الجزء من «الحاوي»؛ بسبب أهمية عقد المضاربة في عمل‬
‫البنوك اإلسالمية‪ ،‬وقام بتنسيق الكتاب وتحريره وعنونة المسائل ليُس ِّهلَه على‬
‫القارئ‪ ،‬وأضاف في نهايته دراسة تطبيقية عن األسس التي تقوم عليها البنوك‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وطبيعة عقد المضاربة في هذه البنوك‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫السبكي (ت‪756‬هـ)‪،‬‬
‫‪2‬ـ «فصل المقال في هدايا العمال» لإلمام تقي الدين ُّ‬
‫وتناول المؤلف حكم الهدايا التي يأخذها القضاة أصحاب الواليات واألعمال‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪278‬‬

‫الذين عيَّنهم اإلمام‪ ،‬وأطال في األدلة وأقوال العلماء وتحرير المذهب الشافعي‬
‫وبقية المذاهب في المسألة واألحكام المتعلقة بها‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪3‬ـ «معيد النِّعَم ومبيد الن ِّ َقم» لإلمام تاج الدين السبكي (ت‪771‬هـ)‪ ،‬وهو‬
‫كتاب فريد في بابه‪ ،‬تناول فيه مؤل ِّ ُفه األعمال والوظائف الموجودة في عصره‪،‬‬
‫ح َ‬
‫ث‬ ‫وذكر األخالقيات والقيم اإلسالمية المتعلقة بهذه األعمال والوظائف‪ ،‬وب َ‬
‫العديد من المسائل الفقهية العملية التي يحتاج إليها العمال والموظفون‪،‬‬
‫والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪4‬ـ «رسائل في الوقف» لإلمام جالل الدين السيوطي (ت‪911‬هـ)‪ ،‬وهو‬
‫عبارة عن مجموعة متفرقة من رسائ َل كتبها اإلمام السيوطي في الوقف‪ ،‬وهي‬
‫ثماني رسائل باإلضافة إلى مسائل الوقف الموجودة في فتاوى السيوطي‪ ،‬فقام‬
‫محقق الكتاب الدكتور تركي النصر بجمعها وتحقيقها‪ ،‬وطبعتها األمانة العامة‬
‫لألوقاف في الكويت‪.‬‬
‫‪5‬ـ «اإلتحاف ببيان أحكام إجارة األوقاف» لإلمام ابن حجر الهيتمي‪ ،‬والكتاب‬
‫هو عبارة عن فتاوى على ثالثة أسئلة ُو ِّجهت لإلمام عن مدة إجارة األوقاف‪ ،‬وقد‬
‫تناول الكتاب ثالثة موضوعات هي‪ :‬مسألة شخص وقف دا ًرا على نفسه‪ ،‬ثم‬
‫ناظر على وقف بشرط الواقف المكان‬
‫على أوالده ثم أوالدهم‪ ،‬ومسألة أ َّجر ٌ‬
‫الموقوف بأجرة معينة‪ ،‬ومسألة في بيت ُوقِف بمكة المشرفة عام ٍر أجره ُ‬
‫ناظره‬
‫بشرط الواقف‪ ،‬والكتاب ُح ِّقق في رسالة جامعية‪ ،‬ولكنه لم يُطبع‪.‬‬
‫‪6‬ـ «إيضاح األحكام لما يأخذه العمال والحكام» لإلمام ابن حجر الهيتمي‪،‬‬
‫قام المؤلف باختصار كتاب «فصل المقال» وزاد عليه وقيَّد بعض مسائله‪ ،‬وتناول‬
‫‪279‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫الكتاب فقه أحكام الهدايا والتفريق بينها وبين الرشوة وبعض اإلجارات‪ ،‬وما‬
‫يُقدَّم لعمال الدولة‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪7‬ـ «تيسـير الوقوف في غوامض أحـكام الوقـوف» لإلمام عبد الرؤوف‬
‫المناوي (ت‪1031‬هـ)‪ ،‬وتناول ال ُمؤلِّف المسائل التي يكثُر وقوعها ويعز‬
‫الوقوف عليها من كتب الفقه‪ ،‬وأتى الكتاب بالمسائل المتعلِّقة بالوقف في‬
‫جميع األبواب الفقهية‪ ،‬ابتداء من الطهارة وانتهاء بالعتق‪ ،‬وتض َّمن الكتاب‬
‫أيضا فتاوى ابن الصالح‪ ،‬والسبكي‪ ،‬والنووي‪ ،‬والهيتمي في الوقف‪ ،‬والكتاب‬ ‫ً‬
‫مطبوع‪.‬‬
‫‪8‬ـ «تحفة الطالبين في قسم المعامالت من فقه اإلمام الشافعي» للعالمة‬
‫ُم ّل صالح يانكي (ت‪1974‬م)‪ ،‬وقد اختصر المؤلف مسائل المعامالت مع‬
‫«المنهاج» و«المنهج» مع شروحهما وحواشيهما‪ ،‬واشتمل الكتاب على الحدود‪،‬‬
‫واألركان‪ ،‬والشروط في كل باب مع التعليل‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬في كتاب الفرائض (المواريث)‬


‫‪1‬ـ «بغية الباحث عن ُجمل الموارث» المعروف بـ«متن الرحبية» لإلمام‬
‫أبي عبد اهلل الرحبي (ت‪577‬هـ)‪ ،‬وهي أشهر منظومة في علم المواريث‪،‬‬
‫وعليها شرح لسبط المارديني‪ ،‬وشرح «الفوائد الشنشورية» للعالمة عبد اهلل بن‬
‫محمد الشنشوري‪ ،‬وحاشية لإلمام الباجوري‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪3‬ـ «فتوحات الباعث بشرح تقرير المباحث في أحكام إرث الوارث»‬
‫للعالمة أبي بكر بن عبد الرحمن باعلوي (ت‪1341‬هـ)‪ ،‬شرح فيها مؤلفه‬
‫«تقرير المباحث» للعالمة محمد بن عبد اهلل باسودان (ت‪1281‬هـ)‪ ،‬وهو‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪280‬‬

‫موسع في علم الفرائض ج َمع فيه مؤلِّفه آراء المذاهب الفقهية‪ ،‬وهو‬
‫كتاب َّ‬
‫مطبوع‪.‬‬
‫‪4‬ـ «تكملة زبدة الحديث في أحكام المواريث» للعالمة محمد بن سالم بن‬
‫حفيظ‪ ،‬وهي رسالة مختصرة في علم الفرائض أخذ مؤل ِّ ُفها َ‬
‫أكثرها من كتاب‬
‫«تقرير المباحث» وشرحه «فتوحات الباعث»‪ ،‬والكتاب يُعتَبر من المتون‬
‫ال ُمعت َمدة في تدريس علم الفرائض للطلبة المبتدئين‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬

‫رابع ًا ‪ :‬في كتاب النكاح (الأحوال الشخصية)‬


‫‪1‬ـ «المفتاح في أحكام النكاح» للعالمة محمد بن سالم بن حفيظ‪ ،‬وهو‬
‫متن مختصر فيما يجب معرفته من أحكام الزواج‪ ،‬والطالق‪ ،‬والرجعة‪ ،‬والعدة‪،‬‬
‫وهو من الكتب ال ُمعت َمدة في تدريس علم النكاح للطلبة المبتدئين‪ ،‬والكتاب‬
‫مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «ال ُعدّة والسالح في أحكام النكاح» للعالمة محمد بن أحمد بافضل‬
‫(ت‪903‬هـ)‪ ،‬وهي رسالة قصد فيها مؤل ِّ ُفها أن يستعين بها مَن يتولَّى عقد‬
‫موسع للعالمة عبد اهلل بامخرمة (ت‪972‬هـ) «مشكاة‬
‫النكاح‪ ،‬وعليه شرح َّ‬
‫المصباح في شرح ال ُعدّة والسالح»‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪3‬ـ منظومة «ضوء ال ِمصباح» للعالمة عبد اهلل بن أحمد باسودان‪ ،‬وهي‬
‫منظومة في (‪ )91‬بيتًا في أحكام النكاح‪ ،‬والطالق‪ ،‬وال ُ‬
‫خلع‪ ،‬وال ِعدّة‪ ،‬والرضاع‪،‬‬
‫وعليها شرحان مختصران مطبوعان‪ :‬أحدهما للمؤلف «زيتونة اإللقاح»‪،‬‬
‫واآلخر لإلمام الباجوري «منح الفتاح»‪.‬‬
‫‪281‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫خامسًا ‪ :‬في كتاب القضاء‬


‫‪1‬ـ «أدب القاضي» لإلمام أبي العباس ابن القاص (ت‪335‬هـ)‪ ،‬وهو أول‬
‫كتاب جمع فيه مؤل ِّ ُفه بين أقوال المذهب الشافعي والحنفي‪ ،‬باإلضافة إلى ذكر‬
‫أقوال العلماء اآلخرين في فقه القضاء‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪2‬ـ «أدب القضاء» لإلمام ابن أبي الدم الحموي (‪642‬هـ)‪ ،‬حيث استوفى‬
‫المؤلِّف الجانب التأصيلي والجانب التطبيقي في نظام القضاء على المذهب‬
‫الشافعي‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫‪3‬ـ «عماد الرضا ببيان آداب القضا» لشيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪ ،‬وهو‬
‫ختصر لكتاب «أدب القضا» للعالمة شرف الدين ال َغزّي‪ ،‬وعليه شرح لإلمام‬
‫مُ َ‬
‫زين الدين ال ُمناوي‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫سادسًا ‪ :‬في السياسة الشرعية‬


‫‪1‬ـ «األحكام السلطانية» لإلمام أبي الحسن الماوردي‪ ،‬وقد اشتمل الكتاب‬
‫على النظام اإلداري والمالي الذي تُدار به الدول ُة اإلسالمية‪ ،‬وهو أول كتاب‬
‫صن ِّ َ‬
‫ف في ال َمذهَب في السياسة الشرعية‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬ ‫ُ‬
‫‪2‬ـ «الغياثي» أو «غياث األمم في التِياث الظلم» إلمام الحرمين الجويني‪،‬‬
‫وهو أفضل كتب السياسة الشرعية التي صنَّفها الفقهاء؛ من حيث إنه اشتمل على‬
‫جوانب فقه السياسة الشرعية السياسية والعلمية واالجتماعية والمالية والدعوية‪،‬‬
‫ولم يقتصر على مسائل السياسة الشرعية الواقعة فحسب‪ ،‬بل تجاوز ذلك ً‬
‫أيضا‬
‫ليؤصل لمسائل السياسة الشرعية ال ُمتوقَّعة‪ ،‬والكتاب مطبوع بتحقيق الدكتور‬
‫ِّ‬
‫عبد العظيم الديب‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪282‬‬

‫‪3‬ـ «تحرير األحكام في تدبير أهل اإلسالم» لإلمام بدر الدين بن جماعة‬
‫ختصر في األحكام السلطانية‪ ،‬تناول فيه مؤل ِّ ُفه أبر َز مسائل‬
‫الكناني‪ ،‬وهو كتاب مُ َ‬
‫اإلمامة وبيت المال وأحكام الجهاد وأحكام أهل الذمة‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫سابع ًا ‪ :‬ا�لكتب التي اعتنت باختلاف محققي المذهب المتأخرين‬


‫النضاخ في اختالف األشياخ» للعالمة عمر بن القره داغي‬ ‫‪1‬ـ «المنهل ّ‬
‫(ت‪1255‬هـ)؛ حيث ج َمع المؤل ِّ ُ‬
‫ف المسائل التي اختلف فيها شيخ اإلسالم‬
‫زكريا األنصاري‪ ،‬والشهاب الرملي‪ ،‬والخطيب الشربيني‪ ،‬وابن حجر الهيتمي‪،‬‬
‫والشمس الرملي‪ ،‬وابن قاسم العبادي‪ ،‬وعلي الشبراملسي‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫«فتح ال َعلِ ّي بجمع الخالف بين ابن حجر والرملي» للعالمة عمر بن‬
‫‪2‬ـ ُ‬
‫الحبيب حامد باعلوي (ت‪1274‬هـ)‪ ،‬وقد اعتنى الكتاب بجمع المسائل التي‬
‫اختلف فيها اإلمام ابن حجر الهيتمي واإلمام الشمس الرملي‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬
‫� فائدة علمية‪ :‬من أبرز الحواشي التي اعتنت بجمع أقوال محققي المذهب‬
‫المتأخرين‪« :‬حاشية الشرواني على تحفة المحتاج»‪ ،‬و«حواشي الكردي على‬
‫شرح المقدمة الحضرمية»‪.‬‬
‫‪283‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ب‬
‫المبحث الثاني عشر‬
‫أبرز ا�لكتب المعاصرة‬

‫برز في العصر الحديث مجموعةٌ قيِّمة من الكتب والرسائل التي أعادت‬


‫فردات الفقه الشافعي بطريق ٍة ُمبَوبّة وسهلة لطلبة العلم والعوام‪ ،‬ويُتنبَّه‬ ‫عرضَ ُم َ‬
‫القول ال ُمعت َمد في المذهب من هذه الكتب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫إلى أنه ال ينبغي للباحث توثي ُق‬
‫قررة في هذا الشأن‪ ،‬ومن أشهر هذه الكتب‬ ‫بل يرجع إلى الكتب ال ُمعت َمدة ال ُم َّ‬
‫المعاصرة‪:‬‬
‫الشافعي» للدكتور مصطفى الخن‬
‫ّ‬ ‫جي على مذهَب اإلمام‬‫‪1‬ـ «الفقه ال َمن َه ّ‬
‫والدكتور مصطفى البغا‪ ،‬والشيخ علي الشربجي‪ ،‬وقد عرض مؤلفو الكتاب‬
‫المذهب الشافعي بأسلوب َسهل دون الخوض في الخالفات داخل المذهب‬
‫ِ‬
‫والحكم التشريعية في كل باب‪ ،‬وهو من‬ ‫مع االهتمام بذكر األدلة الشرعية‬
‫قررة في تدريس طلبة الجامعات والمعاهد الشرعية‪.‬‬ ‫أشهر الكتب ال ُم َّ‬
‫«فتح الع َّلم شرح ِ‬
‫مرشد األنام في العقائد واألحكام» للعالمة محمد بن‬ ‫‪2‬ـ ُ‬
‫موسع في فقه العبادات على ال َمذهَب‪ ،‬ج َمع فيه‬
‫جرداني‪ ،‬وهو كتاب َّ‬ ‫عبد اهلل ال َ‬
‫أصحاب الحواشي والدقائق التي حوتها تلك الحواشي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اختيارات‬ ‫مؤل ِّ ُفه‬
‫‪3‬ـ «المعتمد في المذهب الشافعي» للدكتور محمد الزحيلي‪ ،‬وقد حاول‬
‫وتلخيص ال َمذهَب على غرار كتاب «الفقه المنهجي» مع‬
‫َ‬ ‫مؤل ِّ ُ‬
‫ف الكتاب جم َع‬
‫توسع أكثر وتركيز على كتب اإلمام النووي وتوثيق للمصادر والمراجع‪.‬‬‫ُّ‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪284‬‬

‫‪4‬ـ «التقريرات السديدة في المسائل المفيدة في فقه العبادات» للشيخ حسن‬


‫الكاف؛ حيث ج َمع فيه مؤل ِّ ُفه مسائل دقيقة وتحقيقات بديعة ال يستغني عنها‬
‫طالب العلم‪ ،‬وأضاف لها المؤل ِّ ُ‬
‫ف جداو َل ورسومًا توضيحية وبعض المسائل‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫وقـد قـام المـؤلف بكـتابة جـزء آخر من «التـقريرات السـديدة في البـيوع‬
‫والفرائض»‪ ،‬وهو مطبوع‪.‬‬
‫‪5‬ـ «المسائل المشهورة في المذهب الشافعي» أصدرتها دائرة اإلفتاء العام‬
‫وعرض الكتاب أه َّم المسائل التي تهم‬
‫بإشراف سماحة الدكتور نوح القضاة‪َ ،‬‬
‫المسلم في فقه العبادات بصيغة سؤال وجواب بأسلوب َسهل‪.‬‬
‫‪6‬ـ «نو ُر ال ِمشكاة في أحكام الطهارة والصالة على مذهب اإلمام الشافعي»‬
‫للدكتور أمجد رشيد‪ ،‬جمع فيه المؤلِّف أحكام الطهارة والصالة‪ ،‬مبيِّنًا أحكامهما‪،‬‬
‫معتنيًا فيه بالدليل والتعليل في كثير من المسائل المحتاج إليها‪.‬‬
‫‪285‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫الفصل الثانيب‬
‫أبرز المصطلحات الواردة في كتب المذهب الشافعي‬

‫اعتاد العلماء على وضع مصطلحات خاصة بهم في كتبهم‪ ،‬والذي يُطالِع‬
‫ٍ‬
‫وكلمات لها دالالت خاصة عند فقهاء المذهب‪،‬‬ ‫ُب الفقه الشافعي يجد رمو ًزا‬‫كت َ‬
‫قرأ مُقدِّمات ُكتُبِهم‪ ،‬أو ا َّطلع على كتُب خاصة ف َّكت هذه الرموز‪،‬‬
‫ال يعرفها إال من َ‬
‫وبيَّنت دالالت هذه المصطلحات(‪.)1‬‬

‫ق طائف ٍة على أمر‬


‫واالصطالح‪« :‬لفظ مُعيَّن بين قوم مُعيَّنين»(‪ ،)2‬أو «اتفا ُ‬
‫مخصوص بينهم»(‪.)3‬‬

‫وك ُّل مذهب من المذاهب األربعة له مصطلحاته الخاصة به من رموز‪،‬‬


‫وكلمات‪ ،‬وأعالم وكتب‪ ،‬وإشارات‪ ،‬فمصطلح (القاضي) عند الشافعية غيره‬
‫عند الحنفية‪ ،‬وغيره عند المالكية‪ ،‬وغيره عند الحنابلة‪ ،‬وهكذا مصطلح (اإلمام)‪،‬‬
‫ومصطلح (الشيخان)‪ ،‬وغيرها من المصطلحات‪.‬‬

‫((( من أفضل الكتب الخاصة التي ف َّكت مصطلحات ورموز المذهب الشافعي كتاب «الفوائد‬
‫المكية فيما يحتاجه طلبة الشافعية من المسائل والضوابط الكلية» للسيد علوي السقاف‪،‬‬
‫وكتاب «الشافية في بيان اصطالحات الفقهاء الشافعية» للسيد صالح العيدروس‪.‬‬
‫((( التعريفات‪ ،‬للجرجاني (ص‪.)44‬‬
‫((( الفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة الشافعية‪ ،‬للسقاف (ص‪.)147‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪286‬‬

‫وسنقف على أهم مصطلحات المذهب الشافعي؛ لنتعرف على دالالتها‬


‫من خالل المباحث الثالث اآلتية‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬اصطالحات خاصة بألقاب األئمة واألعالم‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الرموز المتعلقة باألعالم‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬اصطالحات عامة في المذهب‪.‬‬
‫‪287‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ب‬
‫المبحث الأول‬
‫اصطلاحات خاصة بألقاب الأئمة والأعلام‬

‫من االصطالحات التي تدل على أئمة المذهب الشافعي وأعالمه(‪:)1‬‬

‫هو اإلمام أبو إسحاق إبراهيم بن محمد اإلسفراييني‬ ‫األستاذ‬


‫(ت‪418‬هـ)‪.‬‬
‫وهم العلماء الذين ت ُ َع ُّد أقوالُهم أوج ًها في المذهب‪ ،‬وقد‬ ‫األصحاب‬
‫عاشوا قبل األربع مئة للهجرة‪ ،‬ويُطلَق عليهم اصطال ًحا‬
‫(ال ُمتقدِّمون) و ُخ ُّ‬
‫صوا بذلك؛ لقربهم من عصر السلف‬
‫والمجتهدين‪ ،‬وكانت ملكة االجتهاد فيهم قوية‪.‬‬
‫هو إمام الحرمين الجويني (ت‪478‬هـ)‪.‬‬ ‫اإلمام‬
‫هو اإلمام شمس الدين محمد الرملي (ت‪1004‬هـ)‪.‬‬ ‫الجمال‪ ،‬الجمال ـ‬
‫الرملي‪ ،‬الرملي الصغير‪،‬‬
‫الشمس الرملي‬
‫هو اإلمام أبو حامد الغزالي (ت‪505‬هـ)‪.‬‬ ‫حجة اإلسالم‪ ،‬الحجة‬
‫هو اإلمام شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي (ت‪973‬هـ)‪.‬‬ ‫ابن حجر‬

‫((( انظر في بيان هذه االصطالحات‪ :‬الفوائد المكية (ص ‪ ،)149 -147‬والشافية في بيان‬
‫اصطالحات فقهاء الشافعية‪ ،‬للعيدروس (ص‪.)15 -4‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪288‬‬
‫هو اإلمام شهاب الدين أحمد الرملي (ت‪971‬هـ)‪.‬‬ ‫الرملي الكبير‪،‬‬
‫الشهاب الرملي‬
‫هو اإلمام عز الدين بن عبد السالم (ت‪660‬هـ)‪.‬‬ ‫سلطان العلماء‬
‫عرفًا‪ ،‬أو الشارح المحقق فالمراد به‬
‫الشارح‪ ،‬الشارح المحقق إذا أطلق الشارح مُ َّ‬
‫اإلمام جالل الدين المحلي شارح «المنهاج» (ت‪864‬هـ)‪.‬‬
‫وإذا أطلق الشارح في «شرح اإلرشاد» البن المزي‪،‬‬
‫فالمراد به العالمة شمس الدين الجوجري (ت‪889‬هـ)‪.‬‬
‫الشراح ألي‬
‫ّ‬ ‫إذا أطلق شارح ُمن َّك ًرا‪ ،‬فالمراد به واحد من‬ ‫شارح‬
‫كتاب كان‪ ،‬كما هو مفاد التنكير‪.‬‬
‫هو اإلمام شمس الدين الرملي (ت‪1004‬هـ)‪.‬‬ ‫الشافعي الصغير‬
‫هو اإلمام أبو إسحاق الشيرازي (ت‪476‬هـ)‪.‬‬ ‫الشيخ‬
‫وحيث أطلقه اإلمام الرملي فمراده بذلك شيخ اإلسالم‬
‫زكريا األنصاري (ت‪926‬هـ)‪.‬‬
‫وحيث أطلقه اإلمام تقي الدين الحصني في كتاب «كفاية‬
‫األخيار»‪ ،‬فمراده بذلك القاضي أبي شجاع (ت‪488‬هـ)‪.‬‬
‫أبو يحيى زكريا األنصاري (ت‪ 926‬هـ)‪.‬‬ ‫شيخ اإلسالم‬
‫هما اإلمامان أبو القاسم الرافعي(ت‪623‬هـ)‪ ،‬وأبو زكريا‬ ‫الشيخان‬
‫النووي (ت‪676‬هـ)‪.‬‬
‫الشيخان (الرافعي والنووي)‪ ،‬إضافة إلى اإلمام تقي الدين‬ ‫الشيوخ‬
‫السبكي (ت‪756‬هـ)‪.‬‬
‫اإلمام محب الدين الطبري (ت‪694‬هـ)‪.‬‬ ‫الطبري‬
‫‪289‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫مدرسة من عُلماء الشافعية اشتهروا بنقل مذهب اإلمام‬ ‫العراقيون‬


‫وس ُّموا بالعراقيين ألنهم؛ سكنوا‬‫الشافعي واالعتناء به‪ُ ،‬‬
‫بغداد وما حولها‪ ،‬وقد ترأس هذه المدرسة اإلمام أبو حامد‬
‫اإلسفراييني‪ ،‬ووص َفهم اإلمام النووي بأ ّن نَقلَهم لنصوص‬
‫الشافعي وقواعد مذهبه ووجوه متقدمي األصحاب أتقن‬
‫ت من نَقل ال ُ‬
‫خراسانيِّين غالبًا(‪.)1‬‬ ‫وأثبَ ُ‬

‫مدرسة من علماء الشافعية‪ ،‬اهتموا بفقه اإلمام الشافعي‪،‬‬ ‫الخراسانيون‬


‫ونقل أقواله والتمذهب بمذهبه‪ ،‬اشتهروا في القرن الرابع‬
‫والخامس الهجريين‪ ،‬وترأس هذه المدرسة اإلمام ال َق ّفال‬
‫الصغير المروزي (ت‪417‬هـ)‪ ،‬ووصفهم اإلمام النووي‬
‫تصرفًا وبحثًا وتفريعًا وترتيبًا غالبًا(‪.)2‬‬
‫بأنهم أحسن ُّ‬
‫اإلمام أبو العباس ابن الرفعة (ت‪710‬هـ)‪.‬‬ ‫الفقيه‬

‫اإلمام علي بن محمد بن حبيب الماوردي (ت‪450‬هـ)‪.‬‬ ‫قاضي القضاة‬

‫ح َسين المروزي (ت‪ 462‬هـ)‪.‬‬


‫القاضي ال ُ‬ ‫القاضي‬

‫اإلمامان علي بن محمد بن حبيب الماوردي (ت‪450‬هـ)‪،‬‬ ‫القاضيان‬


‫الروياني (ت‪502‬هـ)‪.‬‬
‫وعبد الواحد بن إسماعيل ُّ‬
‫أبو بكر عبد اهلل بن أحمد المروزي (ت‪417‬هـ)‪.‬‬ ‫ال َق ّفال الصغير‬

‫اإلمام أبو بكر محمد بن علي الشاشي (ت‪365‬هـ)‪.‬‬ ‫القفال الكبير‪ ،‬القفال‬
‫الشاشي‬

‫((( المجموع شرح المهذب (‪.)145 :1‬‬


‫(‪ )2‬المجموع شرح المهذب (‪.)145 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪290‬‬

‫يُستعمل هذا المصطلح في أحد هذه المعاني‪:‬‬ ‫المتأ ِّخرون‬


‫‪1‬ـإذا أُطلق في كتب الشي َ‬
‫خين الرافعي والنووي‪ ،‬فالمراد‬
‫بهم من كان بعد األربع مئة من فقهاء الشافعية‪.‬‬
‫‪2‬ـإذا أُطلق في مصطلح اإلمام ابن حجر‪ ،‬فال ُمراد بهم‬
‫من كان بعد الشيخين النووي والرافعي‪.‬‬
‫‪3‬ـإذا أُطلق في كتابات أصحاب الحواشي‪ ،‬فالمراد بهم‬
‫أصحاب مرحلة الحواشي‪.‬‬

‫يُستعمل هذا المصطلح في أحد هذه المعاني‪:‬‬ ‫المتقدِّمون‬


‫‪1‬ـإذا أُطلق في كتب الشيخين فالمراد بهم أصحاب‬
‫األوجه غالبًا من فقهاء الشافعية الذين كانوا قبل‬
‫األربع مئة للهجرة‪.‬‬
‫‪2‬ـإذا أُطلق في مصطلح اإلمام ابن حجر‪ ،‬فالمراد بهم‬
‫من تقدموا عن الشيخين‪.‬‬
‫‪3‬ـإذا أُطلق في كتابات أصحاب الحواشي فالمراد بهم‬
‫مَن تقدَّم عن أصحاب الحواشي‪.‬‬

‫وهنالك بعض األلقاب الخاصة بأصحاب الكتب؛ ً‬


‫فمثل إذا قال الخطيب‬
‫الشربيني‪ :‬شيخنا‪ ،‬فمراده شيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪ ،‬وإذا قال‪ :‬شيخي‪،‬‬
‫ف ُمرادُه الشهاب الرملي‪ .‬وال ُمليباري صاحب «فتح المعين» إذا قال‪ :‬شيخنا‪،‬‬
‫فمراده الشهاب ابن حجر الهيتمي‪.‬‬
‫‪291‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ب‬
‫المبحث الثاني‬
‫الرموز المتعلقة بالأعلام‬

‫وضع السادة الشافعية في مذهبهم رمو ًزا في كتبهم تد ُّل على األعالم في‬
‫المذهب رغبة منهم في االختصار واإليجاز‪ ،‬ومن أهم هذه الرموز(‪:)1‬‬

‫العالمة عطية اهلل األجهوري (ت‪1190‬هـ)‪.‬‬ ‫أج‬


‫اإلمام إبراهيم الباجوري (ت‪1277‬هـ)‪.‬‬ ‫باج‬
‫جيرمي (ت‪1221‬هـ)‪.‬‬
‫العالمة سليمان بن محمد البُ َ‬ ‫بـج‬
‫العالمة شمس الدين البِرماوي (ت‪831‬هـ)‪.‬‬ ‫بـر‬
‫العالمة علوي بن سقاف الجفري (ت‪1273‬هـ)‪.‬‬ ‫ج‬
‫اإلمام ابن حجر الهيتمي (ت‪974‬هـ)‪ ،‬ويذكره ابن قاسم العبّادي‬ ‫حج‬
‫برموز أخرى هي (ح‪ ،‬حر)‪.‬‬
‫العالمة محمد بن أحمد الخطيب الشوبري (ت‪1069‬هـ)‪.‬‬ ‫حـض‬
‫العالمة شمس الدين الحفناوي (ت‪1181‬هـ)‪.‬‬ ‫حـف‬
‫العالمة نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي (‪1044‬هـ)‪.‬‬ ‫حـل‬

‫باعلي‬
‫ّ‬ ‫((( انظر في بيان هذه الرموز‪ :‬بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم‪ ،‬لسعيد بن محمد‬
‫باعشن (ص‪ ،)43‬ومصطلحات الفقهاء واألصوليين‪ ،‬للحفناوي (ص‪ ،)140‬والشافية في‬
‫بيان اصطالحات فقهاء الشافعية للعيدروس (ص‪.)44-41‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪292‬‬

‫اإلمام الخطيب الشربيني (ت‪977‬هـ)‪.‬‬ ‫خـط‬


‫اإلمام نور الدين الزيادي (ت‪1024‬هـ)‪.‬‬ ‫زـي‬
‫اإلمام أحمد بن قاسم العبادي (ت‪994‬هـ)‪.‬‬ ‫سم‬
‫العالمة محمد بن أبي بكر األشخر (ت‪859‬هـ)‪.‬‬ ‫ش‬
‫العالمة عبد اهلل بن حجازي الشرقاوي (ت‪1227‬هـ)‪.‬‬ ‫شـق‬
‫شـرـق‬
‫العالمة منصور بن ناصر الدين الطبالوي (ت‪1014‬هـ)‪.‬‬ ‫طـب‬
‫العالمة عبد الحميد الشرواني الداغستاني(ت‪1301‬هـ)‪.‬‬ ‫عـب‬
‫العالمة علي بن علي الشبراملسي (ت‪1087‬هـ)‪.‬‬ ‫عـش‬
‫العالمة شمس الدين العناني(ت‪1098‬هـ)‪.‬‬ ‫عـن‬
‫العالمة أحمد بن حجازي الفشناوي (ت‪978‬هـ)‪.‬‬ ‫فـش‬
‫العالمة شهاب الدين القليوبي (ت‪1069‬هـ)‪.‬‬ ‫قـل‬
‫العالمة محمد بن سليمان الكردي (ت‪1194‬هـ)‪.‬‬ ‫ك‬
‫كـر‬
‫العالمة أحمد المدابغي (ت‪1170‬هـ)‪.‬‬ ‫مـد‬
‫الشهاب م ـ ر اإلمام شهاب الدين أحمد الرملي ( ت ‪971‬هـ)‪.‬‬
‫اإلمام شمس الدين محمد الرملي (ت‪1004‬هـ)‪.‬‬ ‫مـر‬

‫هذه بعض الرموز التي اتفقت عليها كتب الشروح والحواشي في المذهب‪،‬‬
‫صاحب حاشية‬
‫ُ‬ ‫رغم وجود رموز كثيرة يستخدمها المؤلِّفون‪ ،‬وكل مؤلِّف أو‬
‫أو شارح له ُرمو ُزه الخاصة التي يعتمدها للتدليل على بعض المشايخ أو بعض‬
‫‪293‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫موضحةً ومُبيَّنة في مُقدِّمة كل كتاب من هذه‬


‫الكتب‪ ،‬وهي في الغالب تكون َّ‬
‫الكتب‪ ،‬فيرجع إليها قبل قراءة الكتاب من قِبَل القارئ‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬الرموز عند ابن قاسم العبادي في «حاشيته شرح البهجة‬
‫الوردية»‪ ،‬فيستخدم (م ـ د ـ ش) للداللة على «شرح المنهاج» للرملي‪،‬‬
‫ويستخدم (حج‪ ،‬د) أو (حر‪ ،‬د) أو (ح‪ ،‬د) للداللة على «شرح اإلرشاد»‬
‫البن حجر(‪ ،)1‬وهكذا كل صاحب حاشية أو شرح له رموزه الخاصة التي‬
‫تعرف من خالل مُقدِّمتِه(‪.)2‬‬

‫((( مصطلحات الفقهاء واألصوليين للحفناوي (ص‪.)152‬‬


‫للتعرف على‬
‫ُّ‬ ‫((( نرى ضرورة اطالع طالب العلم على مقدمة الكتب قبل الشروع في قراءتها؛‬
‫رموز واصطالحات الكتاب‪ ،‬حتى يأمن على نفسه من الوقوع في الخطأ‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪294‬‬

‫ب‬
‫المبحث الثالث‬
‫اصطلاحات عامة في المذهب‬

‫اعتاد أصحاب المذاهب استعمال اصطالحات خاصة لهم في كتبهم؛‬


‫للتعبير عن آرائهم واختياراتهم الفقهية‪ ،‬لالختصار ولحاجة تكرار هذه‬
‫المصطلحات كلما لزم األمر‪ ،‬ومن أهم هذه المصطلحات المستخدمة في‬
‫كتب المذهب الشافعي(‪:)1‬‬

‫مصطلح يراد به لفظ اإلمام النووي في كتابه «روضة الطالبين»‬ ‫أصل «الروضة»‬
‫خصه واختصره من كتاب «العزيز بشرح الوجيز» لإلمام‬ ‫الذي ل َّ‬
‫الرافعي؛ ألن النووي اختصر «الروضة» من «العزيز» للرافعي‪،‬‬
‫وزاد على كتابه واستدرك عليه‪ ،‬فميَّزوا بين األقوال التي‬
‫ن َقلها النووي كما هي أو اختصرها‪ ،‬وبين استدراكات النووي‬
‫وتصحيحاته على الرافعي‪.‬‬
‫ويُستفاد من هذا المصطلح صحة نسبة الحكم إلى الشيخين‬
‫الرافعي والنووي‪.‬‬

‫((( انظر في بيان هذه المصطلحات‪ :‬مغني المحتاج للشربيني (‪( )1‬ص‪ ،)107‬ونهاية المحتاج إلى‬
‫شرح المنهاج للرملي (ص‪ ،)49-48‬والفوائد المكية (ص‪ ،)47‬والشافية في بيان اصطالحات‬
‫فقهاء الشافعية (ص‪ ،)35 -16‬ومصطلحات المذاهب الفقهية‪ ،‬لمريم محمد صالح الظفيري‬
‫(ص‪ ،)249‬وسلم المتعلم المحتاج إلى معرفة رموز المنهاج لألهدل (ص‪ ،)76 -48‬وأوراق‬
‫الذهب في حل ألغاز المذهب للمليباري‪ ،‬ورسالة التنبيه لمهران ُكتي الكيفتاوي‪.‬‬
‫‪295‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫مصطلح يدل على علّ ٍة أقوى في أحد القولين أو الوجهين‬ ‫األحوط‬


‫الذين تساويا في القوة‪ ،‬ولكن في أحد القولين أو الوجهين نص‬
‫من الشارع أو عموم نص‪ ،‬ويدل ذلك على اعتماد هذا القول‪،‬‬
‫وهي صيغة اختيار وترجيح‪.‬‬
‫مصطلح يراد به ما كان ُرجحانه أكثر من غيره‪ ،‬ومقابله الراجح‬ ‫األرجح‬
‫الذي اعتضد بأحد أسباب الترجيح كقوة الدليل‪ ،‬أو مناسبة‬
‫الزمان‪ ،‬أو اقتضاه العرف‪ ،‬أو لشهرته‪ ،‬وهي صيغة اختيار‬
‫وترجيح‪.‬‬
‫مصطلح يراد به ما قوي شبَ ُهه بكالم اإلمام الشافعي أو كالم‬ ‫األشبه‬
‫أكثر أصحابه‪ ،‬وهي صيغة اختيار وترجيح في المذهب‪.‬‬
‫األشهر كذا والعمل مصطلح يشير إلى تعارض بين الترجيح من حيث دليل المذهب‬
‫وبين الترجيح من حيث العمل‪ ،‬فساغ العمل بما عليه العمل‪،‬‬ ‫على خالفه‬
‫وأما عبارة الشيخين‪« :‬عليه العمل» فهي صيغة ترجيح‪.‬‬
‫مصطلح يشير إلى القول األقوى بين أقوال أصحاب الشافعي‬ ‫األصح‬
‫في المسألة‪ ،‬ويكون الوجه المقابل له قويًّا لقوة مدركه‪ ،‬ويدل‬
‫ذلك على جواز األخذ بالقول المقابل‪.‬‬
‫األصح المنصوص يستعمل هذا المصطلح في أحد معنيين‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن يكون األصح هنا بمعنى الراجح‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون األصحاب أطلقوا الوجه قبل اطالعهم على‬
‫نص الشافعي في المسألة‪ ،‬ثم لما اطلعوا عليه جمعوا بينهما‪.‬‬
‫مصطلح يشير إلى القول األقوى بين أقوال اإلمام الشافعي في‬ ‫األظهر‬
‫المسألة‪ ،‬ويكون القول المقابل له قويًّا لقوة مدركه‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪296‬‬

‫ما ق َ ِوي ُ‬
‫قياسه من أحد القولين أو الوجهين‪ ،‬وهي صيغة اختيار‬ ‫األقيس‬
‫وترجيح في المذهب‪.‬‬
‫مصطلح يستخدمه اإلمام ابن حجر للداللة على القول األصح‬ ‫األوجه‬
‫من أوجه األصحاب‪ ،‬ويراد به أن القول المقابل له قوي المدرك‪.‬‬
‫وقد يَستع ِمل الشيخان وغيرهما مصطلح (أوجه الوجهين) أو‬
‫(أشبه الوجهين) وهو يماثل تعبير ابن حجر باألوجه‪ ،‬ولكن‬
‫مراد الشيخان بذلك احتماالت المتأخرين الذين جاؤوا بعد‬
‫األربع مئة للهجرة‪.‬‬
‫ما يُف َهم فَه ًما واض ً‬
‫حا من الكالم العام لألصحاب المنقول عن‬ ‫الذي يظهر‬
‫بنقل عام‪.‬‬
‫صاحب المذهب ٍ‬
‫ما يُستنبط من نصوص اإلمام الشافعي وقواعده الكلية‪ ،‬وال‬ ‫بحث‬
‫يخرج عن مذهب اإلمام‪.‬‬
‫خدش فيه أخرى‪ ،‬فهو إشارة‬
‫ٍ‬ ‫إشارة إلى دقة المقام مرة‪ ،‬وإلى‬ ‫تأمل‬
‫إلى الجواب القوي‪ ،‬وأما عبارة (فتأمل) بالفاء إشارة إلى‬
‫الضعيف‪ ،‬وعبارة (فليتأمل) إشارة إلى األضعف‪.‬‬
‫تحرير الكالم أو إشارة إلى قصور في عبارة األصل‪ ،‬أو اشتماله على حشو‪.‬‬
‫تنقيحه‬
‫استعمال اللفظ في غير موضعه األصلي‪ ،‬كالمجاز بال قصد‬ ‫تسامح‬
‫عالقة مقبولة‪ ،‬وال نصب قرينة دالة عليه‪ ،‬اعتمادًا على ظهور‬
‫الفهم من ذلك المقام‪.‬‬
‫يستعمل في كالم ال خطأ فيه ولكن يحتاج إلى نوع توجيه‬ ‫تساهل‬
‫تحتمله العبارة‪.‬‬
‫‪297‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫مصطلح يشير إلى قول اإلمام الشافعي في المذهب الجديد‬ ‫الجديد‬


‫في المسألة‪ ،‬وأن قول الشافعي في مذهبه القديم على خالفه‪،‬‬
‫والمذهب الجديد هو أقوال وآراء اإلمام الشافعي التي صدرت‬
‫عنه بعد إقامته بمصر‪.‬‬
‫حاصل الكالم‪ ،‬أو بمعنى أن يُج ِمل المؤلف حكم المسألة في البداية ثم يُ ِّ‬
‫فصل‬
‫فيها‪.‬‬ ‫محصل الكالم‬
‫ّ‬
‫مصطلح يدل على ما زاده اإلمام النووي في «الروضة» على‬ ‫زوائد «الروضة»‬
‫كتاب «العزيز» من استدراك أو تصحيح أو تفريع‪ ،‬ويُعرف‬
‫بالعبارات أو الجمل التي تكون بين قوله‪« :‬قلت»‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫«واهلل أعلم»‪.‬‬
‫مصطلح يشير إلى القول األقوى بين أقوال أصحاب الشافعي‬ ‫الصحيح‬
‫في المسألة‪ ،‬ويكون الوجه المقابل له ضعي ًفا لضعف مدركه‪،‬‬
‫فال يجوز الفتوى به وال العمل به في حق النفس‪.‬‬
‫مصطلح يراد به اختالف األصحاب في نقل ورواية األقوال‬ ‫الطرق‬
‫واألوجه في المسألة‪.‬‬
‫وبعبارة أسهل يشير هذا المصطلح إلى وجود اختالف بين‬
‫فريقين‪ ،‬أو أكثر من األصحاب في تحديد ما هو المنقول عن‬
‫السابقين في هذه المسألة في دائرة المذهب الشافعي؛ فقد‬
‫يقول بعضهم‪ :‬في المسألة قوالن أو وجهان‪ ،‬ويقول اآلخر‪:‬‬
‫ال يجوز ً‬
‫قول واحدًا أو وج ًها واحدًا‪ ،‬أو يقول أحدهما‪ :‬في‬
‫المسألة تفصيل‪ ،‬ويقول اآلخر‪ :‬فيها خالف مطلق‪.‬‬
‫هي صيغة ترجيح يستعملها الشيخان‪.‬‬ ‫عليه العمل‬
‫مصطلح يراد به ضعف القول المذكور بـ«قيل»‪ ،‬وهو يشير إلى‬ ‫في قول‬
‫أن الخالف في أقوال الشافعي‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪298‬‬

‫ضعف القول أو الوجه المذكور‪ ،‬مع التردُّد في‬


‫ُ‬ ‫ُمص َطلح يُراد به‬ ‫في قول أو وجه‬
‫كون الخالف من أقوال الشافعي أو أوجه األصحاب‪.‬‬
‫مصطلح يراد به ضعف الوجه المذكور بـ«قيل»‪ ،‬وهو يشير إلى‬ ‫في وجه‬
‫أن الخالف في أوجه أصحاب الشافعي‪.‬‬
‫ذكره يستلزم الفساد‪.‬‬
‫أي‪ :‬إن الكالم الذي تقدَّم ُ‬ ‫فيه نظر‬
‫تُستع َمل إذا كان المنقو ُل عنه حيًّا؛ ألنه ربما رجع عن قوله‪ ،‬فإذا‬ ‫قال بعض العلماء‬
‫صرحوا باسمه‪.‬‬ ‫مات َّ‬
‫مصطلح يشير إلى قول اإلمام الشافعي في المذهب القديم‬ ‫القديم‬
‫في المسألة‪ ،‬وأن قول الشافعي في مذهبه الجديد على خالفه‪،‬‬
‫والمذهب القديم هي أقوال وآراء اإلمام الشافعي التي صدرت‬
‫عنه قبل االنتقال إلى مصر تصني ًفا وإفتاء‪.‬‬
‫مصطلح يدل على وجود خالف بين قولين لإلمام الشافعي‬ ‫القوالن‬
‫في المسألة‪ ،‬وقد يكون القوالن قديمين أو جديدين أو قديم‬
‫ص على أرجحيته منهما‪ ،‬وقد ال‬‫وجديد‪ ،‬والراجح هو ما ن ُ َّ‬
‫ير َّجح بينهما‪.‬‬
‫مصطلح يدل على القول المقابل لنص اإلمام الشافعي في المسألة‪،‬‬ ‫القول المخرج‬
‫أي‪ :‬إنه إذا ُوجد قوالن للشافعي في مسألتين متشابهتين ولم يظهر‬
‫منصوصا في المسألة األولى‬
‫ً‬ ‫ق بينهما‪ ،‬فيكون القول األول‬ ‫فر ٌ‬
‫منصوصا في المسألة‬
‫ً‬ ‫ومخر ًجا في المسألة الثانية‪ ،‬والقول الثاني‬
‫َّ‬
‫مخر ًجا في المسألة األولى‪.‬‬
‫الثانية َّ‬
‫ضعف القول المذكور‪ ،‬وهو يشير إلى أن‬
‫ُ‬ ‫مصطلح يُراد به‬ ‫قيل‬
‫الخالف في وجوه األصحاب‪ ،‬وليست في أقوال الشافعي‪.‬‬

‫مصطلح يُراد به أن المسألة خالفية فيما بعده‪.‬‬ ‫كذا‬


‫‪299‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫يشير هذا على عدم تأ ُّك ِدهم من نسبة القول إلى «الروضة» أو‬ ‫كذا في «الروضة»‬
‫زوائدها‪ ،‬أي‪ :‬ما زيد فيها على «العزيز»‪.‬‬

‫كذا في «الروضة» فهو كأصل «الروضة»‪ ،‬وهي عبارة النووي الملخص فيها لفظ‬
‫وأصلها أو كأصلها «العزيز»‪ ،‬ثم بين التعبيرين المذكورين فرق‪ ،‬وهو أنه إذا أتى‬
‫بالواو فال تفاوت بينهما وبين أصلها في المعنى‪ ،‬وإذا أتى‬
‫بالكاف فبينهما بحسب المعنى يسير تفاوت‪.‬‬
‫يختلف المراد منه بحسب ضبط الميم؛ فإن ُ‬
‫ضبت بفتح الميم‬ ‫محتمل‬
‫الثانية فهو راجح‪ ،‬أو بكسر الميم الثانية فالمعنى ذو احتمال‬
‫مرجوح‪ ،‬فإن لم يُضبط بشيء يلزم مراجعة كتب المتأخرين‪،‬‬
‫فإن وقع بعد أسباب التوجيه فهو بالفتح راجح‪ ،‬أو بعد أسباب‬
‫التضعيف فهو بالكسر مرجوح‪.‬‬

‫المختار أو االختيار هو ما اختاره أحد ال ُف َقهاء ال ُمح ِّققين بناء على ما ترجح عنده‪،‬‬
‫فال يعتبر قوله من المذهب‪.‬‬
‫وإذا وقع هذا المصطلح في كالم النووي في «الروضة» فهو‬
‫بمعنى األصح في المذهب‪ ،‬إال في اختياره عدم كراهة الماء‬
‫المشمس‪.‬‬
‫مصطلح يستعمله اإلمام النووي في «المنهاج» للداللة على‬ ‫المذهب‬
‫الحكم الراجح في المسألة من األقوال واألوجه الموجودة في‬
‫الطريقين أو الطرق‪ ،‬ويُذ َكر هذا المصطلح عادة بعد ذكر الطرق‬
‫في نقل المذهب(‪.)1‬‬

‫((( انظر في كيفية معرفة الطريق الراجح بين الطرق المنقولة في المسألة‪ :‬أوراق الذهب في حل‬
‫ألغاز المذهب لعبد النصير المليباري (ص‪.)46‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪300‬‬
‫مصطلح يشير إلى القول األقوى بين أقوال اإلمام الشافعي في‬ ‫المشهور‬
‫المسألة‪ ،‬ويكون القول المقابل له ضعي ًفا لضعف مدركه‪.‬‬
‫مصطلح يستخدمه اإلمام ابن حجر للداللة على القول األظهر‬ ‫المعتمد‬
‫من أقوال اإلمام الشافعي‪.‬‬
‫هو الحكم بالشيء‪ ،‬ال على وجه الصراحة‪.‬‬ ‫مقتضى الكالم‬
‫مُصطلح يُطلَق على الراجح من مذهب اإلمام الشافعي في‬ ‫المنصوص‬
‫المسألة‪ ،‬فتارة يستعمل في التعبير عن نص الشافعي‪ ،‬وتارة‬
‫يستعمل في التعبير عن قول الشافعي‪ ،‬وتارة يُستع َمل في التعبير‬
‫عن وجه لألصحاب‪ ،‬ويكون القول المقابل له ضعي ًفا ال يعمل به‪.‬‬
‫نص اإلمام الشافعي الصريح في المسألة‪،‬‬
‫مصطلح يُراد به ُّ‬ ‫النص‬
‫ويكون القول المقابل له وج ًها ضعي ًفا في المذهب أو ً‬
‫قول‬
‫مخر ًجا من قول منصوص للشافعي‪.‬‬

‫ُمصطلَح يراد به اختالف آراء أصحاب اإلمام الشافعي ال ُم َّ‬


‫خرجة‬ ‫الوجهان‪ ،‬األوجه‬
‫على أصوله وقواعده‪ ،‬يقول اإلمام النووي‪« :‬فاألقوال للشافعي‪،‬‬
‫خرجونها على‬
‫واألوجه ألصحابه المنتسبين إلى مذهبه‪ ،‬يُ ِّ‬
‫أصوله ويستنبطونها من قواعده‪ ،‬ويجتهدون في بعضها»(‪.)1‬‬
‫خرجه األصحاب واستنبطوه باجتها ِدهم على غير‬ ‫هو الوجه الذي َّ‬ ‫الوجه الشاذ‬
‫ً‬
‫أقوال في المذهب‪.‬‬ ‫قواع ِد اإلمام الشافعي أو نصوصه‪ ،‬وال تُعتبَر‬

‫فهذه أبرز المصطلحات التي يكثُر استعمالها في كتب المذهب الشافعي‪،‬‬


‫وقد يستع ِمل بعض العلماء مصطلحات خاصة بهم يمكن معرفتها بمطالعة‬
‫ُمقدِّمات كتبهم‪.‬‬

‫((( المجموع للنووي (‪.)65 :1‬‬


‫‪301‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫وترجع أهمية هذه المصطلحات إلى الترجيح بين األقوال واألوجه‪،‬‬


‫وبيان القول القوي الذي يمكن العمل به‪ ،‬والقول الضعيف الذي ال يجوز‬
‫فمثل مصط لح «الصحيح» أقوى في الداللة من «األصح»؛ ألن‬ ‫العمل به؛ ً‬
‫مقابل الصحيح ال يجوز العمل به بخالف مقابل األصح‪ ،‬وبيان مَن يُقدَّم منها‬
‫حا واآلخر أصح‪،‬‬ ‫في الفتوى‪ ،‬فإذا تعارض عندنا قوالن‪ ،‬وكان أحدهما صحي ً‬
‫فال ُمقدَّم منهما الصحيح؛ ألنه أقوى في الداللة على قوة المذهب‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪302‬‬

‫ب‬
‫الفصل الثالث‬
‫منهج الفتوى في المذهب الشافعي‬

‫يتناول هذا الفصل أبرز المعالم التي يحتاجها طالب العلم للفتوى ومعرفة‬
‫القول ال ُمعت َمد في المذهب الشافعي‪ ،‬وسيجري تقسي ُمه إلى ستة مباحث وهي‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الكتب التي يُفتى منها في المذهب‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المسائل التي يُفتَى بها بغير القول المعتمد‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬حكم الفتوى باألقوال واألوجه المرجوحة والضعيفة في‬
‫المذهب‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬المسائل التي يُفتى بها من المذهب القديم لإلمام الشافعي‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬الفتوى بظاهر الحديث الصحيح‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬ضابط االعتماد على العرف في الفتوى‪.‬‬
‫‪303‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫مقدمة في الفتوى‬

‫ال َفتوى بالواو بفتح الفاء‪ ،‬وال ُفتيا بالياء بضم الفاء‪ ،‬وهي اس ٌم ِمن أفتى‬
‫العالِم‪ :‬إذا بيَّن الحكم‪ .‬واستفتيته‪ :‬سألته أن يُفتي‪ ،‬ويقال‪ :‬أصله من الفتَى وهو‬
‫الشاب القوي‪ ،‬والجمع‪ :‬الفتا ِوي‪ ،‬بكسر الواو على األصل‪ ،‬وقيل‪ :‬يجو ُز‬
‫الفتح للتخفيف(‪.)1‬‬
‫وفي االصطالح‪ :‬الفتوى‪ :‬هي بيا ُن حكم اهلل تعالى بمقتضى األدلة الشرعية‬
‫على جهة العموم والشمول(‪ ،)2‬والمراد أن وظيفة ال ُمفتِي هي بيان األحكام‬
‫مشرعًا‪ ،‬بل ُمبلِّ ٌغ لألحكام‪.‬‬
‫الشرعية‪ ،‬فال ُمفتِي ليس ِّ‬
‫فاإلفتاء وظيفة عظيمة الشأن‪ ،‬شديدة الخطورة؛ قال اإلمام النووي‪« :‬اعلم‬
‫وارث األنبيا ِء‬
‫ُ‬ ‫أ ّن اإلفتاءَ عظي ُم الخطر ُ‬
‫كبير ال َموقِع ُ‬
‫كثير الفضل؛ ألن المفتي‬
‫معرضٌ للخطأ‪ ،‬ولهذا‬ ‫صلوات اهلل وسالمه عليهم‪ ،‬وقائ ٌم ب َف ِ‬
‫رض الكفاية‪ ،‬لكنه َّ‬
‫قالوا‪ :‬ال ُمفتِي مُوق ِّ ٌع عن اهلل تعالى»(‪.)3‬‬
‫ولذلك اشترطوا فيمن يتولى وظيفة الفتوى أن يكون ذا أهلية تامّة‪،‬‬
‫والمرادُ بصاحب األهلية التامة‪ :‬ال ُمجت ِه ُد ال ُمطلَق الذي ّ‬
‫حصل ملكةَ االستنباط‬

‫((( المصباح المنير (‪.)462 :2‬‬


‫((( اإلفتاء‪ :‬حقيقته وآدابه ومراحله‪ ،‬بحث مقدم إلى مؤتمر الفتوى وضوابطها‪ ،‬المجمع الفقهي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬لعلي جمعة (ص‪.)8‬‬
‫((( المجموع شرح المهذب (‪.)40 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪304‬‬

‫ينسب الفتوى لل ُمجت ِهد‬


‫من الكتاب والسنة‪ ،‬وأما غير المجتهد فيجب عليه أن ُ‬
‫صاحب القول‪ ،‬وطري ُق نقل أقوال ال ُمجت ِهدين أحد أمرين(‪:)1‬‬
‫لمذهب ذلك‬
‫ِ‬ ‫األول‪ :‬أن ين ُق َل الفتوى من أحد الكتب ال َمعروفة المتدا َولة‬
‫المجتهد‪ ،‬وهذا يتطلب أن يع ِرفُ مصطلحات ال َمذهَب‪ ،‬ويميِّز بين الكت ُِب‬
‫مراتب األقوال داخل المذهب؛‬ ‫َ‬ ‫ال ُمعت َمدة في الفتوى وغير المعتمدة‪ ،‬ويع ِرف‬
‫ِ‬
‫واألقوال‬ ‫األقوال ال ُمعت َمدة التي يُفتَى بها ويُنسب قو ُل المذهَب إليها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫فيميِّز بين‬
‫واألقوال الضعيف ِة‬
‫ِ‬ ‫الصحيحة التي يُفتى بها دون أن ينسب المذهَب إليها‪،‬‬
‫واألقوال الشاذة التي ال يجوز الفتوى وال‬‫ِ‬ ‫التي يجوز العم ُل بها دون الفتوى‪،‬‬
‫العمل بها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون له سن َ ٌد في مذهَب ذلك المجتهد بأن تل ّقاه روايةً عن شيوخه‪،‬‬
‫وهذا نادر في زماننا‪.‬‬

‫((( اإلفتاء‪ :‬حقيقته وآدابه ومراحله‪ ،‬لعلي جمعة (ص‪.)32‬‬


‫‪305‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ب‬
‫المبحث الأول‬
‫ا�لكتب التي يُفتى منها في المذهب‬

‫تُعتبَر معرفة الكتب ال ُمعت َمدة في المذهب من أهم القضايا التي تواجه ال ُمفتِين‬
‫يص ُّح لمن يفتي بقول الشافعية أن يعت ِم َد على أي‬ ‫والباحثين والمد ِّرسين‪ ،‬فال ِ‬
‫ُب التي تحوي المسائ َل‬ ‫كتاب ولو كان مؤل ِّ ُفه شافعيًّا‪ ،‬والكتُب المعت َمدة هي الكت ُ‬
‫ٍ‬
‫ال ُمعت َمدة في المذهب‪ ،‬ويندُر وجودُ غير المعت َمد فيها‪ ،‬وهذه الكتب المعت َمدة‬
‫الشافعي‪ ،‬وتناولوها بالثق ِة واالعتماد وأفتَوا‬
‫ِّ‬ ‫هي التي عول عليها علماء المذهب‬
‫مر بأطوار‬
‫بها‪ ،‬وقد تناولنا في الفصل الخاص بتطور المذهب أن المذهب قد َّ‬
‫التنقيح والتحري ِر‪ ،‬ثم عصر االزدهار‪ ،‬وأن ال ُمع َّول عليه‬
‫ِ‬ ‫حتى وصل إلى عصر‬
‫وأصحاب‬
‫ِ‬ ‫شيخ اإلسالم زكريا األنصاري وطالبِه‬
‫عند علماء المذهب هي ُجهود ِ‬
‫الحواشي‪ ،‬فيجوز الفتوى والعمل بكل ما جاء به المتأ ِّخرون شريطة أال يتفق‬
‫ردي ألبرز الكتب المعتمدة المطبوعة‪:‬‬ ‫المتأ ِّخرون على َ‬
‫ضعفه‪ ،‬وفيما يأتي بيان َس ٌّ‬
‫‪1‬ـ «أسنى المطالب في شرح روض الطالب» لشيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪،‬‬
‫وعليه حاشية لإلمام شهاب الدين الرملي‪.‬‬
‫‪2‬ـ «الغرر البهية في شرح البهجة الوردية» لشيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪،‬‬
‫وعليه حاشيتان لإلمام الشربيني واإلمام ابن قاسم العبادي‪.‬‬
‫‪3‬ـ «فتح الوهاب بشرح منهج الطالب» لشيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪،‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪306‬‬

‫جيلي (ال ُمل َّقب بال َ‬


‫جمل) والعالمة سليمان‬ ‫وعليه حاشيتان للعالمة سليمان ال ُع َ‬
‫جيرمي‪.‬‬‫البُ َ‬
‫‪4‬ـ «تحفة الطالب بشرح متن تحرير تنقيح اللباب»‪ ،‬لشيخ اإلسالم زكريا‬
‫األنصاري‪ ،‬وعليه حاشية للعالمة الشرقاوي‪.‬‬
‫‪5‬ـ «مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج» لإلمام الشربيني‪.‬‬
‫‪6‬ـ «اإلقناع بح ِّل ألفاظ أبي شجاع» لإلمام الشربيني‪ ،‬وعليه حاشية «تحفة‬
‫جيرمي‪.‬‬‫الحبيب على شرح الخطيب» للعالمة البُ َ‬
‫‪7‬ـ «فتح الرحمن بشرح ُزبَد ابن رسالن» لإلمام الشهاب الرملي‪.‬‬
‫‪8‬ـ «تحفة المحتاج في شرح المنهاج» لإلمام ابن حجر الهيتمي‪ ،‬وعليه‬
‫حاشيتان للعالمة الشرواني واإلمام ابن قاسم العبادي‪.‬‬
‫‪9‬ـ «المنهاج القويم في شرح المقدمة الحضرمية» لإلمام ابن حجر الهيتمي‪،‬‬
‫وعليه عدد من الحواشي أبرزها‪« :‬الحواشي المدنية» و«الحواشي الكبرى»‬
‫وكلتاهما للعالمة محمد بن سليمان الكردي‪ ،‬وحاشية للعالمة الترمسي‪،‬‬
‫وحاشية العالمة الجِ رهزي‪.‬‬
‫‪10‬ـ «نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج» لإلمام الشمس الرملي‪ ،‬وعليه‬
‫حاشيتان للعالمة الشبراملسي و العالمة ِ‬
‫الرشيدي‪.‬‬
‫‪11‬ـ «غاية البيان بشرح زبد ابن رسالن» لإلمام الشمس الرملي‪.‬‬
‫‪12‬ـ «فتح ال ُمعين بشرح قرة العين بمهمات الدين» لإلمام ال ُمليباري‪ ،‬وعليه‬
‫حاشية «إعانة الطالبين على ح ِّل ألفاظ فتح المعين» للعالمة البكري‪ ،‬وحاشية‬
‫«ترشيح المستفيدين» للعالمة علوي السقاف‪ ،‬وحاشية «إعانة المستعين» للعالمة‬
‫علي باصبرين‪.‬‬
‫‪307‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫‪13‬ـ «حاشيتا قليوبي وعميرة على َكنز الراغبين بشرح منهاج الطالبين»‪.‬‬
‫‪14‬ـ «حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم ال َغزّي على متن أبي شجاع»‪.‬‬
‫‪15‬ـ «بشرى الكريم بشرح المقدمة الحضرمية» للعالمة سعيد باعشن‪.‬‬
‫فهذه أبرز الكتب المطبوعة التي يمكن الرجوع إليها لمعرفة القول المعتمد‬
‫في المذهب‪.‬‬

‫أهميةكتب المتقدمين ومدى اعتمادها وفائدة الرجوع إليها‬

‫كتب المتقدِّمين ال يُرجع إليها لمعرفة القول ال ُمعت َمد‪ ،‬بل ت ُ َ‬


‫قرأ للبحث‬
‫والتوسع في معرفة األدلة والمناقشات العلمية للمذاهب األخرى؛‬ ‫ُّ‬ ‫والتف ُّقه‬
‫ُب ال ُمتقدِّمة على الشيخين ال يُعت َمد شيءٌ منها‬
‫قال اإلمام ابن حجر‪« :‬الكت ُ‬
‫ب على الظن أنه المذهب»(‪ ،)1‬فد َّل‬
‫والتحري حتى يغ ِل َ‬
‫ِّ‬ ‫إال بعد مزي ِد الفحص‬
‫الكالم السابق على أن كتب المتقدِّمين ليست من مظان القول المعتمد بالنسبة‬
‫للباحث العلمي‪ ،‬أو لل ُمقلِّد في المذهب‪ ،‬أو الفقيه الذي لم يبلغ درجة التحقيق‬
‫في المذهب‪ ،‬وأما الفقيه ال ُمح ِّقق فيمكنه أن يراج َع ُكتُب المتقدِّمين ويقا ِر َن ما‬
‫توصل إليه بالبحث مع ما ذكره الشيخان‪ ،‬وسيأتي تفصيل ذلك في الفصل‬
‫َّ‬
‫المتعلق بقواعد الترجيح في المذهب‪.‬‬

‫إذا كان مدار المَذهب الشافعي على جهود الشيخين (الرافعي والنووي)‪،‬‬
‫فلماذا لم تُذك َر كتبُهما من ا�لكتب المُعتم َدة في المذهب؟‬
‫كتُب الشيخين ال يرجِ ُع إليها إال لمن بلغ درجة في المذهب تم ِّكنُه من‬
‫تحرير كالمهما؛ ألن النووي قد تتعدد آراؤه بين كتبه فيحتاج إلى مر ِّجح بينها‪،‬‬

‫((( تحفة المحتاج بشرح المنهاج‪ ،‬البن حجر الهيتمي (‪.)39 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪308‬‬

‫وقد يُط ِلق الشيخان بعض األحكام الفقهية دون تقييد‪ ،‬وبناء على ذلك يتعيَّن‬
‫على المفتي والطالب والمد ِّرس والباحث أن يرجع إلى كتب المتأخرين الذين‬
‫حرروا كالم الشيخين؛ قال اإلمام ابن حجر الهيتمي‪« :‬الذي أطبق عليه مح ِّققو‬ ‫َّ‬
‫المتأخرين أن المعتمد ما اتفقا عليه ـ أي‪ :‬الرافعي والنووي ـ أي‪ :‬ما لم يُج ِمع‬
‫متع ِّقبو كالمهما على أنه سهو‪ ،‬فإن اختلفا فالمصنف ـ النووي ـ فإن ُوجِ د‬
‫ترجيح دونه فهو‪ ...‬والواجب في الحقيقة عند تعا ُرض هذه الكتب ـ‬ ‫ٌ‬ ‫للرافعي‬
‫ِّ‬
‫أي‪ :‬كتُب النووي ـ مراجعةُ كالم مُعت َمدي المتأ ِّخرين واتباع ما ر َّجحوه منها»(‪.)1‬‬

‫أهمية المتون في المذهب‪ ،‬ومدى اعتمادها في الفتوى‬


‫من األخطاء الشائعة الرجوع إلى المتون للفتوى بالمذهب؛ ألن ألفاظ‬
‫تدريسها‪ ،‬فلم تعت ِن المتون بذكر الضوابط والقيود‪،‬‬
‫ُ‬ ‫المتون مختصرة حتى يس ُه َل‬
‫ولذلك فالبد من الرجوع إلى شروح هذه المتون وحواشيها‪ ،‬وعدم االكتفاء‬
‫بألفاظ المتون‪.‬‬

‫((( تحفة المحتاج بشرح المنهاج (‪ )39 :1‬بتصرف يسير‪.‬‬


‫‪309‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ب‬
‫المبحث الثاني‬
‫المسائل التي يفتى بها بغير القول المعتمد‬

‫حا شائعًا عند السادة الشافعية ـ خاصة‬ ‫يعتبر مُصطلَح «المعت َمد» مصطل ً‬
‫المتأخرين منهم ـ ويعنون بذلك القول الراجح ال ُمعبِّر عن اجتهاد اإلمام‬
‫خرج على قواع ِده وأصولِه مما‬‫الشافعي من بين مجموعة أقواله‪ ،‬أو القول ال ُم َّ‬
‫ِ‬
‫يص ُّح نسبتُه إلى المذهب(‪.)1‬‬
‫ويُع ُّد الرجوع إلى القول المعت َمد واجبًا على كل من تصدَّر للفتوى بمذهب‬
‫مرجوح في المذهب‪ ،‬فهذا‬ ‫ٍ‬ ‫الشافعية‪ ،‬فال يجوز نسبةُ مذهب الشافعية إلى قول‬
‫هو األصل الذي ال ينبغي الخروج عنه‪ ،‬ولكن هنالك بعض الحاالت التي يجوز‬
‫فيها الخروج عن القول ال ُمعت َمد؛ لتحقق مصلحة أو عند وجود صعوبة في‬
‫تطبيق القول المعتمد‪ ،‬وقد اختلف الفقهاء المتأخرون في جواز الخروج عن‬
‫القول المعتمد في الفتوى‪ ،‬فمنعه جمهورهم‪ ،‬واختار بعضهم جوازه‪ ،‬ولكن هذا‬
‫االختالفَ نظري‪ ،‬والعمل عند الفقهاء جرى على جواز الخروج عن ال ُمعت َمد؛‬
‫إعمال لقاعدة‪( :‬كلَّما ضاق ٌ‬
‫أمر اتَّسع) وقاعدة‪( :‬ال َمش ّقة تج ِل ُ‬
‫ب التيسير)(‪.)2‬‬ ‫ً‬

‫وقد يكون الخروج عن القول المعتمد إلى قول مرجوح داخل المذهب‬
‫أو مذهب فقهي آخر‪.‬‬

‫((( المعتمد عند الشافعية‪ ،‬للكاف (ص‪.)22‬‬


‫((( مطلب اإليقاظ‪ ،‬لعبد اهلل بن الحسين بلفقيه (ص‪.)122‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪310‬‬

‫ويمكن حصر األسباب ال ُمس ِّوغة للخروج عن القول ال ُمعت َمد في حالتين‪:‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬صعوبة تطبيق القول ال ُمعت َمد ووجود الحاجة إلى األخذ ب َغيره؛ وبيان‬
‫مبني على قوة الدليل وقوة النظر واالستدالل‪،‬‬
‫ذلك أن القول ال ُمعت َمد في المذهب ٌّ‬
‫ولكن قد تواجه الفتوى بالقول ال ُمعت َمد مشقةٌ شديدة‪ ،‬أو تكون الفتوى به غير‬
‫مناسبة لبعض األزمنة أو األمكنة‪ ،‬فيأخذ الفقهاء ٍ‬
‫بقول آخر ُمعتَبر‪.‬‬

‫قال الع َّلمة باسودان‪« :‬اعلم أن أئمتنا الشـافعية لهم اختـيارات ُمخـالِفة‬
‫العمل بالمذهب منها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫لتعسر أو تع ُّذر‬
‫الشافعي اعتمدوا العمل بها‪ُّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫لمذهب اإلمام‬
‫وهي كثيرةٌ مشهورة‪ ،‬وعند التحقيق فهي ُ‬
‫غير خارجة عن مذهبه إما باالستنباط‬
‫والقياس‪ ،‬أو االحتياط من قاعدة له‪ ،‬أو على قول قديم أو دليل صحيح»(‪.)1‬‬

‫ومن األمثلة على ذلك‪ :‬نقل الزكاة من بلد المزكي‪ ،‬فال ُمعت َمد في المذهب‬
‫عدم جواز ذلك‪ ،‬واختار أكثر الفقهاء المتأ ِّخرين جواز ذلك أخ ًذا من مذهب‬
‫الحنفية؛ قال العالمة ابن عجيل اليمني‪« :‬ثالث مسائل في الزكاة نفتي فيها على‬
‫خالف المذهب‪ :‬في نقل الزكاة‪ ،‬ودفعها إلى صنف واحد‪ ،‬ودفع زكاة واحد إلى‬
‫شخص واحد»(‪.)2‬‬
‫أيضا قَبول شهادة الفاسق‪ ،‬ف ِمن شروط الشهادة العدالة‪ ،‬فال‬
‫ومن األمثلة ً‬
‫يُقبَل شهادة الفاسق‪ ،‬وهذا هو المعتمد‪ ،‬واختار بعض المتأخرين؛ كاإلمام‬
‫ٍ‬
‫بقول مرجوح‬ ‫الغزالي واألذرعي قَبول شهادة الفاسق عند عموم الفسق‪ ،‬أخ ًذا‬

‫((( المقاصد السنية إلى الموارد الهنية في جمع الفوائد الفقهية‪ ،‬لمحمد الحضرمي باسودان‬
‫(ص‪.)237‬‬
‫((( حاشية الجمل على شرح المنهج (‪.)97 :4‬‬
‫‪311‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫لإلمام الشافعي؛ وذلك دفعًا للحرج الشديد في تعطيل األحكام(‪.)1‬‬


‫ثانيًا‪ :‬المصلحة العامة‪ :‬إذا تعارض الفتوى بالقول ال ُمعت َمد مع المصلحة‬
‫العامة لألمة‪ ،‬فإن الفقهاء يأخذون باألقوال األخرى المعتبرة‪ ،‬ومن األمثلة على‬
‫ذلك تجويز الصالة خلف المخالف في المذهب‪.‬‬
‫ومما تقتضيه المصلحة العامة وجوب األخذ بأمر السلطان الموافق لقول‬
‫مذهَب مُعتبَر؛ وقد ُسئِل اإلمام ابن حجر الهيتمي ع ّما إذا أمَر السلطا ُن بأمر موافق‬
‫فضل عن تقليده‪ ،‬فهل يتعيَّن تنفي ُذ‬ ‫لمذهب مُعتبَر من غير أن يعلم بذلك ال َمذهب ً‬
‫صرح به البُل ِقيني‪ .‬وعبارتُه‪ :‬إذا‬‫أم ِره بذلك؟ فأجاب بقوله‪ :‬نعم‪ ،‬يتعيَّن ذلك كما َّ‬
‫أمر السلطان بأمر موافق لمذهَب ُمعتبَر من مذاهب األئمة ال ُمعتبَرين فإنا نن ِّفذه‪،‬‬
‫نقضه‪ ،‬وال نقول‪ :‬يحتاج إلى أن يعلم بالخالف كغيره من الحكام؛‬ ‫وال يجوز لنا ُ‬
‫ألن الخوض في مثل ذلك يؤدِّي إلى فِتَن عظيمة ينبغي سدها‪ .‬انتهى(‪.)2‬‬
‫وفي ضوء ذلك فقد اتجهت رؤية دائرة اإلفتاء العام األردنية في منهج‬
‫الفتوى ال ُمعت َمد على االلتزام بالمذهب الشافعي مع االستفادة من االجتهادات‬
‫الفقهية ال ُمعتبَرة؛ حيث نصت الدائرة في موقعها اإللكتروني‪« :‬التزام دائرة‬
‫اإلفتاء بالفتوى على مذهب اإلمام الشافعي ال يعني التقليد التام الجتهادات‬
‫فقهاء المذهب‪ ،‬بل للدائرة رؤيةٌ متقدِّمة في طريقة االستفادة من جميع مفردات‬
‫المذاهب الفقهية ضمن المعطيات اآلتية‪:‬‬
‫‪1‬ـ إذا تعلَّقت المسألة بنازلة جديدة من نوازل العصر غير منصوص عليها‬
‫في اجتهادات الفقهاء‪ ،‬أو كانت من المسائل العامة التي تتعلق بالمجتمع كله‬

‫((( بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض األئمة من العلماء المتأخرين (ص‪.)603‬‬
‫((( الفتاوى الفقهية الكبرى‪ ،‬البن حجر الهيتمي (‪.)387 :4‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪312‬‬

‫أو األمة كلها‪ ،‬سواء في مسائل المعامالت المالية أو النوازل الطبية أو غيرها‪:‬‬
‫فال بد للدائرة حينئذ من إعداد أبحاث خاصة لدراسة المسألة في ضوء األدلة‬
‫الشرعية‪ ،‬والقواعد الفقهية‪ ،‬والموازنة بين المصالح والمفاسد‪ ،‬تخلص من‬
‫عرض على (مجلس اإلفتاء) للبحث والتداول‪ ،‬ثم‬ ‫شرعي يُ َ‬
‫ٍّ‬ ‫خاللها إلى حك ٍم‬
‫الوصول إلى قرار خاص بشأن تلك المسألة‪.‬‬
‫‪2‬ـ إذا كان اجتهاد المذهب الشافعي في مسألة مُعيَّنة ال ِ‬
‫يناسب تغيُّ َر الزمان‬
‫والمكان والظروف المحيطة بسؤال المستفتي‪ ،‬كأن يؤدي إلى حرج شديد‪ ،‬أو مشقة‬
‫نص ف ُ َقهاء الشافعية على ذلك االجتهاد‪ ،‬أو‬
‫بالغة‪ ،‬أو اختلفت العلة التي من أجلها َّ‬
‫ِ‬
‫البحث في االختيار‬ ‫است َج َّد من المعلومات والحقائق العلمية ما يدعو إلى إعاد ِة‬
‫جميع هذه الحاالت تقوم دائرةُ اإلفتاء بإعادة دراسة المسألة في‬ ‫ِ‬ ‫الفقهي‪ :‬ففي‬
‫ضوء القواعد الفقهية والمقاصد الشرعية‪ ،‬وتستفيد من اجتهادات جميع المذاهب‬ ‫َ‬
‫اإلسالمية للوصول إلى الحكم الشرعي األقرب إلى مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫‪3‬ـ وأما في قضايا األحوال الشخصية‪ ،‬كالنكاح والطالق والحضانة والميراث‪،‬‬
‫تخرج عنه‪،‬‬
‫فإن الدائرة تعتمد في الفتوى (قانون األحوال الشخصية األردني) وال ُ‬
‫وذلك حتى ال يحدث تضا ُرب بين اإلفتاء والقضاء الشرعي في المملكة‪ ،‬والقانون‬
‫ُمست َم ّد من اجتهادات وأقوال فقهاء المسلمين‪ ،‬تم اختيارها وفق أسس وضوابط‬
‫ٍ‬
‫لجان مُخت َّصة»‪ .‬انتهى(‪.)1‬‬ ‫شرعية‪ ،‬من قِبَل‬

‫((( انظر‪ :‬موقع دائرة اإلفتاء العام‪https://www.aliftaa.jo/ShowContent.aspx?Id=47#. :‬‬


‫‪.Xjvj-WgzYdU‬‬
‫‪313‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ب‬
‫المبحث الثالث‬
‫حكم الفتوى بالأقوال والأوجه المرجوحة والضعيفة في المذهب‬

‫األقوال الضعيفة والمرجوحة في المذهب هي األقوال غير المعتمدة‪ ،‬فتشمل‬


‫مقابل األظهر ومقابل األصح واألوجه‪ ،‬كما تشمل مقابل الصحيح والمشهور‪،‬‬
‫وقد تقدم شرح هذه المصطلحات‪.‬‬
‫وال يجوز الفتوى وال العمل باألقوال التي في مقابل الصحيح والمشهور؛‬
‫ألن أدلتها ضعيفة‪.‬‬
‫وأما األقوال الضعيفة التي في مقابل األصح واألظهر؛ فيجوز العمل بها‬
‫في حق النفس أو إخبار المستفتي عنها‪ ،‬وأما الفتوى به فظاهر كالم علماء‬
‫الشافعية عدم الجواز‪ ،‬ويمكن حمل كالمهم أنه ال يجوز الفتوى بهذه األقوال‬
‫مع إطالق نسبتها إلى المذهب الشافعي أو من اشترط عليه عند التولية للفتوى‬
‫بمذهب الشافعي‪ ،‬أو الحكم والقضاء بالمذهب الشافعي كما صرح بذلك‬
‫اإلمام ابن حجر الهيتمي‪ ،‬حيث قال‪« :‬إن ال ُمقلِّد إذا قلَّد وج ًها ضعي ًفا جاز له‬
‫العم ُل به في نفسه‪ ،‬وأما في الفتوى والحكم‪ :‬فقد ن َقل ابن الصالح اإلجما َع‬
‫آخرا فهو ظاهر فيما إذا ُش ِرط عليه في التولية‬
‫على أنه ال يجوز‪ ،‬وأما ما قاله ً‬
‫مذهب مُعيَّن وج َّوزناه فإن لم يشرط عليه ذلك جاز»(‪.)1‬‬
‫ٍ‬ ‫التزامُ‬
‫((( الفتاوى الفقهية الكبرى‪ ،‬البن حجر الهيتمي (‪.)212 :2‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪314‬‬

‫وبناء على ذلك فيجوز العمل باألقوال الضعيفة ـ إذا كانت في مقابل األصح‬
‫أو األظهر ـ واإلفتاء بها على طريق التعريف بحال هذا القول‪ ،‬كما يجوز للعامي‬
‫تقليده وإخبار الغير به(‪.)1‬‬
‫قال العالمة ال ُكر ِدي‪« :‬تجويز تقليد األقوال واألوجه الضعيفة واألئمة‬
‫المجتهدين غير األئمة األربعة بشرطه من التسهيل في الملة الحنفية السهلة»(‪.)2‬‬
‫وتشمل األقوال الضعيفة في المذهب اختيارات العلماء المح ِّققين فيجوز‬
‫العمل بها‪ ،‬وكذا الفتوى بها بشرط عدم نسبتها إلى المذهب الشافعي؛ قال‬
‫العالمة القليوبي‪« :‬يجوز العمل في جميع األحكام ب َقول َمن يَثِق به من األئمة؛‬
‫والسبكي‪ ،‬واإلسنوي‪ ،‬على المعتمد»(‪ ،)3‬وقال العالمة باسودان‪:‬‬ ‫كاألذرعي‪ُّ ،‬‬
‫ب األربع األولى ـ أي‪ :‬المجت ِهد ال ُمطلَق والمنتسب‬‫نصوا على أن المراتِ َ‬ ‫«وقد ُّ‬
‫وأصحاب الوجوه ومجتهد الفتوى ـ يجو ُز تقليدُهم‪ ،‬وأما األخيرتان ـ وهما‬
‫اختلف فيه الشيخان ومرتبة َح َفظ ِة ال َمذهب ـ فاإلجما ُع‬
‫َ‬ ‫مرتبة الن ُّ ّظار فيما‬
‫حسب‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫المنقول‬ ‫الفعلي من َزمَنِهم إلى اآل َن على األخ ِذ بقولهم وترجيحاتِهم في‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫المعروف في كتبهم»(‪.)4‬‬
‫وقد جمع أحد الباحثين عددًا من الفتاوى التي خالف فيها ف ُ َقهاء الشافعية‬
‫المتأ ِّخرون في حضرموت القو َل ال ُمعت َمد في المذهب‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬صحة ضمان‬
‫المجهول‪ ،‬وصحة تأجير المبيع قبل قبضه‪ ،‬وجواز المغارسة‪ ،‬وغير ذلك(‪.)5‬‬

‫((( المقاصد السنية لباسودان (ص‪.)236‬‬


‫((( الفوائد المدنية‪ ،‬للكردي (ص‪.)338‬‬
‫((( حاشيتا قليوبي وعميرة (‪.)204 :3‬‬
‫((( المقاصد السنية‪ ،‬لباسودان (ص‪.)91‬‬
‫((( المعتمد عند الشافعية‪ ،‬للكاف (ص‪.)399 -384‬‬
‫‪315‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫المبحث الرابع‬
‫ب‬
‫المسائل التي يُفت َى بها من المذهب القديم للإمام الشافعي‬

‫أول ًا ‪ :‬اعتماد الإمام الشافعي لمذهبه الجديد‬


‫ُر ِوي عن اإلمام الشافعي أنه قال‪ :‬ال ِ‬
‫يح ُّل ع ُّد القديم من المذهب‪ ،‬فقو ُل‬
‫اإلمام الشافعي هو المذهب الجديد‪ ،‬واستثنى علماء المذهب بعض المسائل‬
‫التي ر َّجحوا فيها القول بالمذهب القديم؛ قال اإلمام الرملي‪« :‬وإذا كان في‬
‫المسألة قوالن قديم وجديد‪ ،‬فالجديد هو المعمول به‪ ،‬إال في نحو سبع عشرة‬
‫مسألة أُفتِي فيها بالقديم»(‪.)1‬‬
‫وبذلك يتبين أن الفتوى بالمذهب ال تستل ِزم أن يكون المفتى به قول اإلمام‬
‫الشافعي‪ ،‬بل الصحيح أن المسائل المعتمدة في المذهب هي قول الشافعي وما‬
‫ر َّجحه علماء المذهب؛ قال اإلمام النووي‪« :‬ثم إن أصحابنا أفتَوا بهذه المسائل‬
‫من القديم مع أن الشافعي رجع عنه فلم يبق مذهبًا له‪ ،‬هذا هو الصواب الذي‬
‫علمت حال القديم‪ ،‬ووجدنا أصحابنا أفتَوا بهذه المسائل‬
‫َ‬ ‫قاله المحققون‪ ...‬فإذا‬
‫على القديم ح َملنا ذلك على أنه أداهم اجتهادهم إلى القديم لظهور دليله وهم‬
‫مجتهدون فأفتَوا به‪ ،‬وال يلزم من ذلك نسبته إلى الشافعي‪ ،‬ولم يقل أحد من‬
‫المتقدمين في هذه المسائل أنها مذهب الشافعي أو أنه استثناها»(‪.)2‬‬

‫((( المجموع‪ ،‬للنووي (‪.)76 :1‬‬ ‫((( ()‪ .‬انظر‪ :‬نهاية المحتاج (‪.)50 :5‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪316‬‬

‫وقد ذهب بعض العلماء كاإلسنوي وابن ال ِفركاح إلى أن مسائل القديم‬
‫المفتى بها في المذهب هي مسائل منصوصة في المذهب الجديد ً‬
‫أيضا‪ ،‬وقد‬
‫منصوصا‬
‫ً‬ ‫قام العالمة الكردي بتتبع مسائل القديم المفتى بها فوجدها ُكلَّها‬
‫عليها في كتب الشافعي الجديدة(‪.)1‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬عدد المسائل التي يُفتى بها من المذهب القديم‬


‫ع ّد اإلمام النووي مسائل القديم ال ُمفتَى بها فوجدها (‪ )19‬مسألة‪ ،‬وأوصلها‬
‫العالمة محمد سليمان الكردي إلى (‪ )28‬مسألة(‪.)2‬‬
‫ويمكن سردُ هذه المسائل كاآلتي(‪:)3‬‬
‫الصبح‪.‬‬ ‫التثويب(‪ )4‬في ِ‬
‫أذان ُّ‬ ‫ِ‬ ‫استحباب‬
‫ُ‬ ‫‪1‬ـ‬
‫‪2‬ـ عدم وجوب التباع ِد عن النجاسة في الماء الكثير‪.‬‬
‫استحباب قراء ِة السور ِة في الركعتي ِن األخيرتين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪3‬ـ عد ُم‬
‫المخرج‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪4‬ـ عدم جوا ُز االستنجا ِء باألحجا ِر فيما جاو َز‬
‫مس المحارم‪.‬‬‫قض الوضوء بلَ ِ‬ ‫‪5‬ـ عدم ن َ ِ‬
‫س إال بالتغير‪.‬‬
‫ج ُ‬
‫‪6‬ـ الماءُ الجا ِري ال ين ُ‬
‫تعجيل العشاء‪.‬‬
‫ِ‬ ‫استحباب‬
‫ُ‬ ‫‪7‬ـ‬
‫مغيب الشفق‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪8‬ـ امتدادُ ِ‬
‫وقت المغرب إلى‬

‫((( الفوائد المدنية (ص‪.)362‬‬ ‫((( الفوائد المدنية (ص‪.)362‬‬


‫((( ومن أراد التوسع في هذه المسائل فليراجع كتاب الفوائد المدنية للعالمة محمد بن سليمان‬
‫مفصل‪ .‬انظر‪ :‬الفوائد المدنية للكردي (ص‪.)364 -347‬‬ ‫ً‬ ‫الكردي‪ ،‬فقد بحثها بحثًا‬
‫((( وهو قول المؤذن بعد قوله‪« :‬حي على الفالح»‪« :‬الصالةُ ٌ‬
‫خير من النوم» مرتين‪.‬‬
‫‪317‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫‪9‬ـ جوا ُز اقتدا ِء المنف ِر ِد بجماع ٍة في أثنا ِء الصالة‪.‬‬


‫أكل جلد ال َميت ِة المدبوغ‪.‬‬
‫‪10‬ـ تحري ُم ِ‬
‫لك اليمين‪.‬‬ ‫وجوب الح ِّد بوط ِء ال َم َ‬
‫حرم ب ِم ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪11‬ـ‬
‫ت‪.‬‬ ‫‪12‬ـ كراهيةُ تقلي ِم أظفار الميِّ ِ‬
‫ض‪.‬‬
‫اإلحرام بعذر ال َم َر ِ‬
‫ِ‬ ‫اشتراط التحلُّ ِل من‬
‫ِ‬ ‫‪13‬ـ جوا ُز‬
‫الركاز‪.‬‬
‫صاب في ِّ‬ ‫‪14‬ـ عدم اعتبا ِر الن ِّ ِ‬
‫ت الذي عليه صوم‪.‬‬ ‫الولي عن الميِّ ِ‬
‫ِّ‬ ‫‪15‬ـ صيامُ‬
‫ص‪.‬‬
‫اخ ِ‬ ‫الخط بين يدي المصلّي عند َعد َِم ّ‬
‫الش ِ‬ ‫ِّ‬ ‫استحباب‬
‫ُ‬ ‫‪16‬ـ‬
‫الممتنع عن العمار ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشريك‬ ‫‪17‬ـ إجبا ُر‬
‫‪18‬ـ جع ُل الصداق في يَ ِد الزوج مضمونًا ضما َن يَد‪.‬‬
‫الجهر بالتأمين للمأموم في الصالة الجهرية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪19‬ـ‬
‫ِ‬
‫األذان للفائتة‪.‬‬ ‫‪20‬ـ ُسنِّيّةُ‬
‫‪21‬ـ تغري ُم شهو ِد المال إذا َر َجعُوا عن الشهادة‪.‬‬
‫والفرع بعضهم لبعض‪.‬‬
‫ِ‬ ‫األصل‬
‫ِ‬ ‫‪22‬ـ قبو ُل شهاد ِة‬
‫ضتَي ِن ال ُمطلَق ِة والم َؤ َّرخ ِة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫سقوط البيِّنَتَي ِن المتعا ِر َ‬ ‫‪23‬ـ‬
‫ب الشا ِه ِد واليمين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صاح ِ‬ ‫ب الشاه ِدي ِن على‬ ‫ِ‬
‫صاح ِ‬ ‫‪24‬ـ تقدي ُم‬
‫تحليف ذي اليَ ِد مع بَيِّنَتِ ِه إذا عارضتها بيِّنةُ َمن ليس بيده العين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ 25‬ـ ال يشترط‬
‫تزويج أُمِّ الولد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪26‬ـ جوا ُز‬
‫‪27‬ـ عدمُ تنجيس الميت ِة التي ال دَمَ لها سائ ٌل للما ِء القليل‪.‬‬
‫الكلب ت ُ َ‬
‫غس ُل سبعًا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪28‬ـ نجاسةُ الخنزي ِر كنجاسة‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪318‬‬
‫وقد نظ َمها بعض العلماء بقوله(‪:)1‬‬

‫ج ِديــ ُد َطيِّ ُ‬
‫ــب األث َ ْر‬ ‫َــب ال َ‬
‫ال َمذه ُ‬ ‫حــ ُّق ال َق ِويــ ُم ال ُمعتَبَ ْر‬
‫وبَعــ ُد فال َ‬
‫ّإل َمســـــائِ ًل ق َ ِليلـــــةً أتَـــــت‬ ‫جــر لِل َق ِديــ ِم َح ًّقا قَــد ثَبَت‬
‫وال َه ُ‬
‫ب األشبا ِه ُخذ واعتَ ِم ِد‬ ‫ِ‬
‫صاح ِ‬ ‫عَن‬ ‫أربَعـــةٌ مَـــ ْع ع َْشـــر ٍة بِالســـن َ ِد‬
‫يف ِذي ال َمهابَـــه‬ ‫الســـيِّ ِد الشـــ ِر ِ‬ ‫َو ِزدتُهـــا َســـبعًا عَـــن ّ‬
‫النســـابهْ‬
‫ث مُجـــا ِوز‬ ‫ِمـــن خـــا ِر ٍج مُلَـــ َّو ٍ‬ ‫ـح بِاألحج ــا ِر َغي ـ ُ‬
‫ـر جائِ ــز‬ ‫ال َمس ـ ُ‬
‫ـص نَح ِو ال ُّظفـ ِر ِمن مَيْ ٍ‬
‫ـت ُك ِرهْ‬ ‫َوق َ ُّ‬ ‫ـض بِ ْه‬‫ـر ٍم ال نَقـ َ‬ ‫َولَمـ ُ‬
‫ـس جِ لـ ِد َمحـ َ‬
‫جســـــ ُه فَـــــا تُبا ِعـــد‬ ‫َولَـــــم يُن َ ِّ‬ ‫جســـا بِمـــا ٍء را ِكـــ ِد‬
‫ـــرى ِر ً‬‫َوإن ت َ َ‬
‫َولَـــو بِـــا َجماعـــ ٍة فِيمـــا أتَـــى‬ ‫ـــت ُســـ َّن األذا ُن يـــا فَتَـــى‬
‫لِفائِ ٍ‬
‫ُم َو َّســـعًا إلَـــى َم ِغ ِ‬
‫يـــب الشـــ َف ِق‬ ‫ـــي ب َ ِقـــي‬
‫قـــت مَغـــ ِر ٍب َح ِقي ِق ٍّ‬
‫َو َو ُ‬
‫ـح ي ــا ف َ ِطــ ْن‬ ‫ـب ل ِ ُ‬
‫صب ـ ٍ‬ ‫َو ُســ َّن تَث ِوي ـ ٌ‬ ‫َوفَضـ ُل تَق ِديـ ِم العَشــا ِء ق َــد ُز ِكــن ْ‬
‫َش ــيءٌ ِم ــن ال ُق ـ ِ‬
‫ـرآن ي ــا ذا فانتَبِ ــه‬ ‫صـــا ٍة ذَ َك َ‬
‫ـــرهْ‬ ‫يرتَـــي َ‬ ‫َوفِـــي ِ‬
‫أخ َ‬
‫أكل ل َــم يُبَــح‬
‫ـت ً‬ ‫َودَبـ ُغ جِ لـ ِد ال َميـ ِ‬ ‫َوإن نَـــ َوى فَـــ ٌّذ َجماعـــةً يَ ِص ّ‬
‫ـــح‬
‫صـــاح ُســـنّةٌ ق َ ِفـــي‬
‫ِ‬ ‫َجه ِريّـــ ٍة يـــا‬ ‫ـوم فِــي‬ ‫ـر بِالتأ ِميــ ِن لِل َمأ ُم ـ ِ‬
‫جه ـ ُ‬
‫وال َ‬
‫نَحــ َو العَص ــا ِم ّم ــا عَلَيــ ِه يَعتَ ِم ــد‬ ‫صلِّـــي إن ف َ َقـــد‬ ‫َو ُســـ َّن َخ ٌّ‬
‫ـــط لِل ُم َ‬
‫بِ ِذ َّمتِـــهْ يُصـــا ُم عَنـــهُ ُمطلَقـــا‬ ‫صومُــهُ ق َــد عُلِّق ــا‬‫َومَ ــن يَ ُم ــت َو َ‬
‫يـــض َجـــوا ُزهُ ن ُ ِمـــي‬
‫ٍ‬ ‫لِنَحـــ ِو تَم ِر‬ ‫ـــر ِم‬
‫ح ُّ‬ ‫يـــل ِمـــن الت َ‬ ‫َو َش ُ‬
‫ـــرط تَح ِل ٍ‬
‫عَـــن األدا لَعَلَّ ُهـــم يَرت َ ِدعُـــوا‬ ‫َو َغ ِرمُـــوا ُشـــ ُهودُنا إن َر َجعُـــوا‬

‫((( حاشية البجيرمي على الخطيب (‪.)56 :1‬‬


‫‪319‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ص ِه ــم عَلَ ــى ِكال األصلَي ـ ِن‬ ‫فِــي ن َ ِّ‬ ‫حـــوا َشـــهادةَ ال َفرعَيـــ ِن‬‫ح ُ‬ ‫ص َّ‬ ‫َو َ‬
‫ضـــا َجزمًـــا بِ َغيـــ ِر مَيـــ ِن‬ ‫تَعا َر َ‬ ‫َوأســـ َق ُطوا بَيِّنَتَـــي َخص َميـــ ِن‬
‫َشـــط ٍر مَـــ َع اليَ ِميـــ ِن فِيمـــا ن ُ ِقـــا‬ ‫دان ق َ َّدمُوهُمـــا عَلَـــى‬
‫والشـــا ِه ِ‬‫ّ‬
‫جتُـــهُ لِخـــا ِر ٍج فِيمـــا ثَبَـــت‬ ‫ُح َّ‬ ‫ضت‬ ‫داخ ٌل قـد عا َر َ‬ ‫ـف ِ‬ ‫حلَّ ْ‬ ‫َولَـم يُ َ‬
‫ـح ال َقولَيــ ِن وال ُمعتَ َمــ ِد‬
‫ف ــي أر َج ـ ِ‬ ‫يــــــج أُمِّ ال َولَـــــ ِد‬
‫ُ‬ ‫َوجائِـــــ ٌز تَز ِو‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪320‬‬

‫المبحث الخامسب‬
‫الفتوى بظاهر الحديث الصحيح‬

‫اتفق علماء أهل السنة على أن المصادر الشرعية التي تُؤ َخذ منها األحكام‬
‫والسنّة واإلجماع والقياس‪ ،‬ثم اختلفوا بعد ذلك في االستحسان‬ ‫هي الكتاب ُّ‬
‫رسلة وغيرهما‪ ،‬وقد بُنِيَت المذاهب الفقهية األربعة على هذه األدلة‪.‬‬‫والمصالح ال ُم َ‬
‫قال الحافظ ابن رجب الحنبلي‪« :‬اقتضت حكمة اهلل سبحانه أن ضبط الدين‬
‫نصب للناس أئمة مجتمعًا على علمهم ودرايتهم‪ ،‬وبلوغهم الغاية‬ ‫وحفظه بأن َّ‬
‫المقصودة في مرتبة العلم باألحكام والفتوى من أهل الرأي والحديث‪ ،‬فصار‬
‫الناس ُكلُّهم يُع ِّولون في الفتاوي عليهم ويرجِ عون في معرفة األحكام إليهم‪،‬‬
‫مذهب ُك ِّل إمام منهم‬
‫ُ‬ ‫ويحرر قواعدَهم حتى ُ‬
‫ضبِط‬ ‫ِّ‬ ‫وأقام اهلل مَن يضبِط مذاهبَهم‬
‫وأصولُه وقواعدُه وفصوله‪ ،‬وكان ذلك من لطف اهلل بعباده المؤمنين‪ ،‬ومن جملة‬
‫الناس العجب العجاب»(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫عوائ ِده ال َح َسنة في حفظ هذا الدين‪ ،‬ولوال ذلك لرأى‬
‫وبناء على ذلك فال يختـلف أحـد من الفقـهاء بوجـوب األخـذ بالحـديث‬
‫الصحيح‪ ،‬ولكن ل ّما كانت داللة الكتاب والسنة الصحيحة مما تتفاوت فيهما‬
‫األفها ُم كان ذلك أحد أسباب االختالف الفقهي‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن داللة الحديث الصحيح تحتاج إلى معرفة في علوم‬
‫النحو والبَالغة وأصول الفقه‪ ،‬ولذلك فقد اتفق العلماء على أنه يشترط فيمن‬

‫((( الرد على من اتبع غير المذاهب األربعة البن رجب الحنبلي (ص‪.)28‬‬
‫‪321‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ط األحكامَ من الكتاب والسنة بلو ُغ درج ِة االجتهاد‪ ،‬وهي مَلَكة يحوزها‬ ‫يستنبِ ُ‬
‫المجت ِهدُ‪ ،‬وعلو ٌم يتقنها ليق ِد َر على استنباط األحكام من مصا ِد ِرها مباشرة‪،‬‬
‫وأما مَن لم يبلُغ هذه الدرجة فيجب عليه تقلي ُد أحد المجتهدين‪ ،‬قال اإلمام‬
‫ُب ال ُمصنَّفة فيها قو ُل رسول اهلل ﷺ‬‫أحمد بن حنبل‪« :‬إذا كان عند الرجل الكت ُ‬
‫واختالف الصحابة والتابعين‪ ،‬فال يجوز أن يع َم َل بما شاء ويتخيَّ ُر فيقضي به‬
‫ويعمل به حتى يسأل أهل العلم ما يُؤ َخ ُذ به فيكون يع َم ُل على أمر صحيح»(‪.)1‬‬
‫وبناء على ذلك فاألصل أن اجتهادات اإلمام الشافعي بُنِيت على الكتاب‬
‫والسنة وغيرهما من المصادر الشرعية‪ ،‬بل قد ُر ِوي عن اإلمام الشافعي أنه قال‪:‬‬
‫ص َّح الحديث فهو مذهبي‪ ،‬وإذا وجدتُم في كتابي خالفَ ُسنّة رسول اهلل ﷺ‬ ‫«إذا َ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ودَعوا ما قلتُه»(‪.)2‬‬ ‫بسنّة‬
‫فقولوا ُ‬
‫البعض فَه َم كالم اإلمام فح َمله على اإلطالق‪ ،‬ولكن الصحيح‬ ‫ُ‬ ‫وقد أساء‬
‫واإلمام أح َمد ممن‬
‫ِ‬ ‫أن الشافعي كان يخاطب ُط ّلبَه كال ُمزَني والبُ َويطي وأبي ثَور‬
‫امتَلَك َملَكة االجتهاد‪ ،‬واستطاع أن يفهم الحديث الصحيح ويميِّ َز إن كان منسو ًخا‬
‫أو ال‪ ،‬ويتم َّكن من دالالت األلفاظ والمعاني‪ ،‬وأما من لم يبلغ ذلك فيجب عليه‬
‫تقلي ُد أحد المجتهدين؛ قال اإلمام أبو شامة المقدسي‪« :‬وال يتأتَّى النهوض بهذا‬
‫معلوم االجتهاد وهو الذي خاطبه الشافعي بقوله‪ :‬إذا وجدتم حديث‬ ‫ِ‬ ‫إال من عال ٍم‬
‫رسول اهلل ﷺ على خالف قولي فخذوا به ودعوا ما قلت‪ ،‬وليس هذا لكل أحد»(‪.)3‬‬
‫وقد بحث كبا ُر عُلماء المذهب الشافعي ص ّحةَ الفتوى بظاهر الحديث ونِسبته‬
‫للمذهب الشافعي؛ قال اإلمام النووي‪« :‬وهذا الذي قاله الشافعي ليس معناه أن‬

‫((( إعالم الموقعين عن رب العالمين البن القيم (‪.)35 :1‬‬


‫((( معنى قول اإلمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي‪ ،‬ألبي الحسن السبكي (ص‪.)86‬‬
‫((( معنى قول اإلمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي (ص‪.)106‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪322‬‬
‫كل أحد رأى حديثًا صحي ًحا قال‪ :‬هذا مذهب الشافعي وع ِمل بظاهره‪ ،‬وإنما هذا‬
‫وشر ُطه‬
‫فيمن له رتبة االجتهاد في المذهب على ما تقدم من صفته أو قريب منه‪َ ،‬‬
‫ب على َظنِّه أن الشافعي رحمه اهلل لم ي ِقف على هذا الحديث أو لم يعلم‬ ‫أن يغ ِل َ‬
‫صحته‪ ،‬وهذا إنما يكون بعد ُمطالَع ِة ُكتُب الشافعي ُكلِّها ونحوها من كتب أصحابه‬
‫صعب ق َّل من يت َِّصف به‪ ،‬وإنما اشترطوا ما‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫شرط‬ ‫اآلخذين عنه وما أشبهها‪ ،‬وهذا‬
‫أحاديث كثيرة رآها وع ِل َمها‪ ،‬لكن‬
‫َ‬ ‫تر َك الع َم َل بظاهر‬
‫ذكرنا؛ ألن الشافعي رحمه اهلل َ‬
‫تخصيصها‪ ،‬أو تأويلها‪ ،‬أو نحو ذلك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫سخها‪ ،‬أو‬‫قام الدليل عنده على َطع ٍن فيها‪ ،‬أو ن َ ِ‬
‫قال الشيخ أبو عمرو‪ :‬فمن وجد من الشافعية حديثًا يخالف مذهبه ن ُ ِظ َر‪ :‬إن كملت‬
‫آالت االجتهاد فيه مطل ًقا‪ ،‬أو في ذلك الباب أو المسألة؛ كان له االستقالل بالعمل‬
‫به‪ ،‬وإن لم يكن وش ّق عليه مخالفة الحديث بعد أن بحث فلم يجد لمخالفته عنه‬
‫جوابًا شافيًا فله العمل به إن كان عمل به إمام مستق ّل غير الشافعي‪ ،‬ويكون هذا‬
‫عذ ًرا له في ترك مذهب إمامه هنا‪ ،‬وهذا الذي قاله حس ٌن متعي ٌن‪ .‬واهلل أعلم»(‪.)1‬‬
‫ُدول في الفتوى بالمذهب عن قول الشافعي إلى‬ ‫وبناء على ذلك فمسألة الع ِ‬
‫الحديث الصحيح ليست بالمسألة ال َهيّنة‪ ،‬بل تحتاج إلى األمور اآلتية‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن يكون فقي ًها بلَغ ُرتبةَ االجتهاد‪ ،‬وهذا ال يتأتى لكل عالم أو فقيه‪ ،‬بل‬
‫يتطلب فقي ًها مح ِّق ًقا متم ِّكنًا من علوم اللغة وأصول الفقه‪.‬‬
‫فإن لم يبلغ درجة االجتهاد ال ُمطلَق‪ ،‬ولكنه وصل إلى درجة االجتهاد في‬
‫المذهب‪ ،‬فليس له أن ينف ِرد في األخذ بالحديث الصحيح‪ ،‬بل يأخذ ٍ‬
‫بقول قدي ٍم‬
‫للشافعي‪ ،‬أو قول مُجت ِه ٍد آخر قد أ َخ َذ بالحديث الصحيح‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يغلب على الظن أن الشافعي لم ي ِّط ِلع على هذا الحديث‪ ،‬أو لم يعلَم‬

‫((( انظر‪ :‬المجموع شرح المهذب (‪.)64 :1‬‬


‫‪323‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ب‬‫ِص ّحتَه‪ ،‬أو لم يُح َكم عليه بنسخ أو تخصيص أو شذو ٍذ أو ِعلّ ٍة قادحة‪ ،‬وهذا يتطلَّ ُ‬
‫استقراءَ كت ُِب اإلمام الشافعي؛ قال اإلمام النووي‪« :‬وإنما اشترطوا ما ذكرنا؛ ألن‬
‫تر َك العم َل بظاهر أحاديث كثيرة رآها وعلمها‪ ،‬لكن قام الدليل‬ ‫الشافعي رحمه اهلل َ‬
‫سخها أو تخصيصها أو تأويلها أو نحو ذلك»(‪.)1‬‬‫عنده على طع ٍن فيها‪ ،‬أو ن َ ِ‬
‫‪3‬ـ انتفاء المعارض‪ ،‬أي‪ :‬أال يوجد دليل أقوى من هذا الحديث يقتضي ترجيحه‬
‫عليه‪ ،‬وهذا يتطلب استقراء نصوص الكتاب والسنة واإلجماعات(‪.)2‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك مسـألة وقت صالة المغـرب‪ ،‬فمذهب الشـافعي في‬
‫القديم أن وقتها يمتَ ُّد حتى غياب الشفق األحمر‪ ،‬وفي المذهب الجديد ليس لها‬
‫ٍ‬
‫وأذان‬ ‫سوى وقت واحد؛ أي‪ :‬إن وقتها ينقضي ب ُم ِض ِّي قد ِر ز َمن وضو ٍء َ‬
‫وستر عور ٍة‬
‫المذهب ور َّجحوا القول القديم للشافعي‬ ‫ِ‬ ‫وخمس ر َكعات‪ ،‬فجاء مح ِّققو‬ ‫ِ‬ ‫وإقام ٍة‬
‫الحديث فيه دون معارض من األدلة األخرى‪ ،‬وح َملوا الحديث الذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لثبوت‬
‫استدل به الشافعي في مذهبه الجديد على وقت األفضلية؛ جاء في كتاب «مغني‬
‫المحتاج»‪« :‬والمغرب يدخل وقتها بالغروب‪ ...‬ويبقى وقتُها حتى يغيب الشفق‬
‫«وقت ال َمغ ِر ِب ما لم يَ ِغ ِب الش َفقُ»‪ ،‬وفي‬
‫ُ‬ ‫األحمر في القديم؛ لما في حديث مسلم‪:‬‬
‫وأذان وإقام ٍة و َخمس‬
‫ٍ‬ ‫الجديد‪ :‬ينقضي وقتُها ب ُم ِض ِّي قد ِر زمَن ُوضو ٍء وست ِر عَور ٍة‬
‫بخالف َغي ِرها كذا استدل‬
‫ِ‬ ‫ر َكعات؛ ألن جبريل صالها في اليومين في وقت واحد‬
‫الوقت المختار‪ ،‬وهو ال ُمس َّمى بوقت‬ ‫َ‬ ‫أكثر األصحاب‪ ،‬و ُردَّ بأن جبريل إنما بيَّن‬
‫به ُ‬
‫الفضيلة‪ ...‬والقديم أظهر؛ أل ّن الشافعي علَّ َق القو َل به في «اإلمالء» ـ وهو ِمن‬
‫الكت ُِب الجديد ِة ـ على ثبوت الحديث فيه‪ ،‬وقد ثبَت فيه أحاديث في مسلم»(‪.)3‬‬

‫((( انظر‪ :‬المجموع شرح المهذب (‪.)64 :1‬‬


‫((( البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي (‪.)344 :8‬‬
‫((( مغني المحتاج (‪.)300 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪324‬‬

‫ب‬
‫المبحث السادس‬
‫ضابط الاعتماد على العرف في الفتوى‬

‫العرف هو ما يعتاده الناس ويسيرون عليه من قول أو فعل‪ ،‬واعتبار‬


‫العرف في األحكام الشرعية يقتضي التيسير على الناس في معامالتهم‪ ،‬وقد‬
‫ذكر اإلمام العالئي في كتابه «المجموع ال ُمذهب في قواعد المذهب» عددًا‬
‫من األدلة على اعتبار العرف في األحكام الشرعية ثم قال‪« :‬فهذه األدلة‬
‫بمجموعها تفيد القطع باعتبار العادة وترتيب األحكام الشرعية عليها»(‪،)1‬‬
‫وقد اعتبر فقهاء الشافعية العادة والعرف في األحكام الشرعية وضبطوه في‬
‫المجاالت اآلتية‪:‬‬
‫أول‪ :‬فَهم النصوص ال ُمطلَقة التي مدركها العوائد واألعراف‪ ،‬والقاعدة‬
‫ً‬
‫تقرر أن كل ما وردت به النصوص الشرعية وترتَّب عليه حكم وال ضابط له‬ ‫ِّ‬
‫في الشرع وال في اللغة فيرجع فيه إلى العرف‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك القبض‬
‫في البيع‪ ،‬فالقبض يختلف باختالف المبيع‪ ،‬وقبض كل شيء بحسبه؛ فقبض‬
‫المنقول بالتناول إذا كان يُتناول باليد‪ ،‬وإذا كان ال يُتناول باليد كالسيارة فقبضه‬
‫بنقله‪ ،‬وقبض العقار بالتخلية بينه وبين المشتري وذلك بتسليم مفتاحه وإزالة‬
‫الموانع من تسلُّمه‪.‬‬

‫((( المجموع المذهب في قواعد المذهب لخليل بن كيكلدي العالئي (‪.)410 :1‬‬
‫‪325‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫وأكثر تعامالت الناس المالية مبنية على العُرف‪ ،‬قال إمام الحرمين‪« :‬والتعوي ُل‬
‫أعرفُهم بفقه المعامالت»(‪.)1‬‬
‫في التفاصيل على العرف‪ ،‬وأعرف الناس به َ‬
‫وبناء على هذه القاعدة فقد اختار المح ِّققون في المذهب جواز البيع‬
‫بالمعاطاة ـ وهو البيع الذي يتم بدون صيغة إيجاب وقبول ـ ألن الشرع أباح‬
‫البيع‪ ،‬ولم يشترط له لف ًظا‪ ،‬فوجب الرجوع إلى العرف‪ ،‬فكل ما عدَّه الناس بيعًا‬
‫صح شرعًا‪ ،‬والبيع بالمعاطاة يتعامل فيه الناس من غير نكير(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫أيضا المقادير التي ال ضابط لها في الشرع يُرجع‬ ‫ويندرج في هذه القاعدة ً‬
‫حيض والبلوغ‪ ،‬يُرجع فيها‬ ‫فيها إلى العُرف‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك أق ُّل س ِّن ال َ‬
‫حيض والنفاس وأقله(‪.)3‬‬ ‫إلى عُرف الناس‪ ،‬وكذلك قَدر زمَن ال َ‬

‫ثانيًا‪ :‬معرفة مراد المتكلِّم من كالمه‪ :‬أي‪ :‬إن المتكلم ً‬


‫كثيرا ما يستخدم‬
‫ألفا ًظا ويريد بها معاني مُعيَّنة في عُرف أهل بلده‪ ،‬ومُرادُ ال ُمتكلِّم في كالمه‬
‫طرف واحد؛ كمسائل األيمان والنذور تُبنَى‬ ‫يشمل االلتزامات التي تصدُر من َ‬
‫على العُرف؛ فلو حلف أال يأك َل لح ًما فأك َل سم ًكا لم يحنث؛ ألنه ال يُس َّمى‬
‫لح ًما في عرف الناس‪ ،‬وكذلك ألفاظ الواقف والموصي تُنزَّل على العرف‪.‬‬
‫طرفَين؛ فألفاظ وصيَغ‬
‫ويشمل كذلك العقود والتصرفات التي تصدُر من َ‬
‫العُقود تُنزَّل على العُرف‪ ،‬أي‪ :‬إن ألفاظ العاقدين وشروطهم إذا جاءت ُمطلقةً‬
‫أو عامة فإنها تُح َمل على المعنى العرفي‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك التوكي ُل في‬

‫((( نهاية المطلب في دراية المذهب للجويني (‪.)382 :11‬‬


‫((( األشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي (ص‪.)99‬‬
‫((( المنثور في القواعد الفقهية للزركشي (‪.)365 :2‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪326‬‬

‫البيع ال ُمطلَق‪ ،‬أي‪ :‬لو و َّكل رج ٌل َ‬


‫آخر في بيع شيء معيَّن دون أن يذ ُك َر ثم َن‬ ‫ِ‬
‫ال َمبيع فإنه يُح َمل على ث َمن ال ِمثل(‪.)1‬‬
‫ًّ‬
‫مستقل تُستنبَط منه‬ ‫وبناء على ذلك فالعُرف والعادة ال يُعتبران ً‬
‫دليل‬
‫األحكام الشرعية‪ ،‬كما ال يصح اعتبار العرف مُغيِّ ًرا لألحكام الشرعية‪ ،‬بل‬
‫النصوص‬
‫ِ‬ ‫مدخل ل َفهم مراد المتكلِّم من كالمه‪ ،‬أو يستعمل في فَهم‬
‫ً‬ ‫يُعتبر‬
‫ال ُمطلَقة التي مُد َركها العوائد واألعراف‪.‬‬

‫((( القواعد للحصني (‪.)366 :1‬‬


‫‪327‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ب‬
‫الفصل الرابع‬
‫قواعد الترجيح في المذهب الشافعي‬

‫يتناول هذا الفصل أبرز القواعد العلمية التي استخدمها علماء المذهب في‬
‫وتنقيحه‪ ،‬وهذه القواعد تتعلَّق بعمل الفقيه الشافعي المح ِّقق‪،‬‬
‫ِ‬ ‫تحرير المذهب‬
‫يسرة؛ ألن طالب العلم ال يستغني عن معرفتها‪ ،‬وسيجري‬
‫وقد ذكرناها بطريقة مُ َّ‬
‫تقسيم الفصل إلى ثالثة مباحث هي‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الترجيح بين أقوال اإلمام الشافعي‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الترجيح بين أقوال الشيخين الرافعي والنووي‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الترجيح بين أقوال المتأخرين‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪328‬‬

‫ب‬
‫المبحث الأول‬
‫الترجيح بين أقوال الإمام الشافعي‬

‫تميَّز اإلمام الشافعي عن األئمة األربعة بأنّه أملى ُكتُبه أكثر من مرة‪ ،‬وكان‬
‫التنقيح والمراجعة ألقواله‪ ،‬وكان أحيانًا ال يجز ُم ب َق ٍ‬
‫ول واحد في المسألة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫كثير‬
‫َ‬
‫بل يُع ِّددُ اآلراء في المسألة‪ ،‬فيقول‪« :‬في المسألة قوالن»‪ ،‬أو يحكم في كتابين‬
‫على مسألة واحدة بحكمين مختلفين‪ ،‬وقد تصدَّر عدد من األئمة المح ِّققين‬
‫عرف بها قو ُل اإلمام ال ُمعبِّر عن‬‫في المذهب إليجاد القواعد والضوابط التي يُ َ‬
‫ج َويني‪ ،‬وابنُه إمام‬ ‫اجتهاده‪ ،‬وكان من أبرز َمن تصدَّر لذلك اإلمام أبو محمد ال ُ‬
‫خر الرازي‬ ‫اإلسالم الغزالي‪ ،‬واإلما ُم ال َف ُ‬
‫ِ‬ ‫الشيرازي‪ ،‬وحج ُة‬
‫ُّ‬ ‫الحر َمين‪ ،‬واإلما ُم‬
‫َ‬
‫وغيرهم(‪.)1‬‬
‫الصالح والنووي وغيرهما ـ عددًا‬
‫ِ‬ ‫وقد اعتمد ال ُفقهاء المتأ ِّخرون ـ كاب ِن‬
‫اإلمام الشافعي‪ ،‬وهذه القواعد هي(‪:)2‬‬‫ِ‬ ‫من القواعد للترجيح بين أقوال‬
‫أول‪ :‬إذا كان لإلمام قوالن أو أكثر‪ ،‬و ُع ِلم المتقدِّم منها والمتأخر‪ ،‬فيكون‬ ‫ً‬
‫القو ُل المتأ ِّخر ناس ً‬
‫خا للمتقدِّم‪.‬‬
‫ِ‬
‫القول الجديد للشافعي على القول القديم‪،‬‬ ‫ومن األمثلة على ذلك‪ :‬تقدي ُم‬
‫وقد تقدَّم بحث هذه المسألة‪ ،‬وال يناقض ذلك وجودُ بعض المسائل التي يُفتَى‬

‫((( المعتمد عند الشافعية (ص‪.)101‬‬


‫((( روضة الطالبين (‪.)112 :11‬‬
‫‪329‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫اإلسنوي وابن ال ِفركاح وال ُك ُّ‬


‫ردي‬ ‫ُّ‬ ‫بها على القول القديم؛ ألن المح ِّققين ـ منهم‬
‫وغيرهم ـ قد تتبَّعوا هذه المسائل‪ ،‬ووجدوا أ ّن َ‬
‫أكثرها فيها قو ٌل جدي ٌد مواف ٌق‬
‫للقديم(‪.)1‬‬
‫ثانيا‪ :‬إذا كان لإلمام قوالن أو أكثر‪ ،‬وقد ذ َكرها اإلمامُ جميعًا دون أن يتقدَّم‬
‫حه اإلمام‪.‬‬
‫أحدُها على اآلخر‪ ،‬وكان قد ر َّجح أحدَها‪ ،‬فاالعتمادُ على ما ر َّج َ‬
‫ِ‬
‫القول ال ُمقابِل‪.‬‬ ‫ألفاظ الترجيح‪ ،‬أو فسا ِد‬
‫ِ‬ ‫والترجيح يكون ٍ‬
‫بلفظ ِمن‬ ‫ُ‬
‫ومن األمثلة على ذلك قو ُل الشافعي‪« :‬وفي اإلبل التي فريضتُها من ال َغنم‬
‫قوالن‪ :‬أحدُهما أنها هكذا؛ أل ّن الشاة التي فيها في رقابها يبا ُع منها ٌ‬
‫بعير فيؤ َخذ‬
‫منها إن لم يأت بها ربُّها‪ ،‬وهذا أشبه القولين‪ ،‬والثاني أن في كل خمس من‬
‫ثالث ِشيا ٍه‪ ،‬في كل َح ٍ‬
‫ول شاة»(‪.)2‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫أحوال‬ ‫اإلبل حا َل عليها ثالثةُ‬

‫أيضا قوله‪« :‬ثم لعلَّه يل َزمُه لو بيع عليه عب ٌد فذكر أنه أبِ َق فقال‬
‫ومن األمثلة ً‬
‫الغرماء‪ :‬أراد كسره لم يُقبَل قولُه‪ ،‬فيُباع مالُه وعليه عهدتُه‪ ،‬وال يُصدَّق في قولِه‪،‬‬
‫الدخل والقول األول قولي»(‪.)3‬‬
‫ِ‬ ‫وهذا القو ُل مدخو ٌل ُ‬
‫كثير‬
‫نص لإلمام الشافعي في مسألة‪ ،‬ونص في مسألة تُشبِ ُهها‬ ‫ثالثا‪ :‬إذا ُوجد ٌّ‬
‫منصوصا‬
‫ً‬ ‫خ ِّرج من إحداهما إلى اآلخر‪ ،‬فيكون القو ُل األول‬
‫على خالفه‪ ،‬ف ُ‬
‫منصوصا في‬
‫ً‬ ‫خر ًجا في المسألة الثانية‪ ،‬والقول الثاني‬
‫في المسألة األولى ومُ َّ‬
‫خر ًجا في المسألة األولى‪ ،‬فير َّج ُح القول المنصوص على‬
‫المسألة الثانية مُ َّ‬
‫خرج غالبًا‪.‬‬
‫القول ال ُم َّ‬
‫((( األم للشافعي (‪.)20 :2‬‬ ‫((( المعتمد عند الشافعية (ص‪.)133‬‬
‫((( األم للشافعي (‪.)215 :3‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪330‬‬

‫ونص في مسأل ٍة تشبِ ُهها‬


‫َّ‬ ‫نص إمامُه على شيء‪،‬‬
‫قال اإلمام ابن الصالح‪« :‬إن َّ‬
‫رط هذا‬ ‫وش ُ‬ ‫على ِخالفِه فخرج من أحدهما إلى اآلخر ُس ِّمي ً‬
‫قول مخر ًجا‪َ ،‬‬
‫تقريرهما على ظاهرهما»‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫التخريج ّأل يجِ َد بين َّ‬
‫نصيه فرقًا‪ ،‬فإن وجدَه وجب‬
‫النووي فقال‪« :‬وأكثر ذلك يمكن فيه الفر ُ‬
‫ق وقد ذكروه»(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫وتع َّقبه اإلمام‬
‫ومن األمثلة على ذلك‪ :‬قال اإلمام النووي‪« :‬ولو أعسر الزوج‪ ،‬أو كان‬
‫األصح‬
‫ُّ‬ ‫عبدًا؛ فاألظ َه ُر أنّه يلزم زوجتَه ال ُ‬
‫ح ّرة فطرتها‪ ،‬وكذا سيِّ ُد األمة‪ .‬قلت‪:‬‬
‫نص على أن سيد‬
‫المنصوص ال يلزَم الحرة‪ ،‬واهلل أعلم»‪ .‬فاإلمام الشافعي َّ‬
‫ُ‬
‫ونص في موضع آخر على أن الزوج‬
‫َّ‬ ‫أعسر لم تجب فُطرتُها عليه‪،‬‬‫األمة لو َ‬
‫أعس َر وجبَت فطرةُ زوجتِه الحرة عليه‪ ،‬فبعض العلماء ن َقل ُحك َم ُك ٍّل من‬
‫إذا َ‬
‫فرق بينهما‪ ،‬فالمعت َم ُد تقديم القول‬
‫الصورتين إلى األخرى‪ ،‬والبعض اآلخر َّ‬
‫المنصوص في كل مسألة على ال ُمخرج(‪.)2‬‬
‫رابعًا‪ :‬إذا كان لإلمام قوالن أو أكثر‪ ،‬وقد جمعها اإلمام جميعًا دون أن‬
‫يتقدم أحدها على اآلخر‪ ،‬ودون أن ير ِّجح بينها‪ ،‬فهنا ال يخلو حا ُل ال ُم ِ‬
‫نتسب‬
‫لإلمام الشافعي من حالتَين‪:‬‬
‫ِ‬
‫الترجيح والتخريج‬
‫ِ‬ ‫المنتسب من المح ِّققين الذين بلغوا درجةَ‬
‫ُ‬ ‫‪1‬ـ إذا كان‬
‫في المذهب‪ :‬فيقوم بالترجيح بين األقوال في ضوء قواعد المذهب وأصوله‪،‬‬
‫ترجيح توقَّف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يحصل له‬
‫ُ‬ ‫فإن لم‬
‫الترجيح بقو ِة الدليل وال ُمد َرك‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ومن أقوى المر ِّجحات في هذا الباب‬
‫والترجيح بقوة الدليل ال يقتصر على الحديث الصحيح فقط‪ ،‬بل يشمل ترجيح‬

‫((( مغني المحتاج (‪.)115 :2‬‬ ‫((( المجموع شرح المهذب (‪.)44 :1‬‬
‫‪331‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫أحد القولين بحديث مرسل أو قول صحابي أو قياس‪ ،‬وهذا يحتاج إلى قوة في‬
‫الفهم وجودة في الفكر وبراعة في االستنباط‪ ،‬ولهذا فال عبرة بترجيح األكثر‬
‫في مثل هذه المسائل االجتهادية(‪.)1‬‬
‫ويتنبه أن الترجيح بين أقوال الشافعي المتعا ِرضة بالدليل يتعلَّق بمن بلغ‬
‫درجة االجتهاد في المذهب‪.‬‬

‫ومن األمثلة على ذلك‪ :‬قال اإلمام الشافعي‪« :‬وأ ُ ِح ُّ‬


‫ب أن يُ ِم َّر الماء على‬
‫جميع ما س َقط من اللحي ِة عن الوجه‪ ،‬وإن لم يفعَل فأمَ َّره على ما على الوجه‪،‬‬
‫ففيها قوالن‪ :‬أحدهما ال يجزيه؛ ألن اللحية تنز ُل وج ًها‪ ،‬واآلخر يجزيه إذا أ َم َّره‬
‫على ما على الوجه منه»(‪ )2‬ور َّجح اإلمام ال ُمزني القول الثاني فقال‪« :‬قلت أنا‪:‬‬
‫يجزيه أشبه بقوله؛ ألنه ال يجعل ما سقط من منابت شعر الرأس من الرأس‪،‬‬
‫فكذلك يلزمه ّأل يجعل ما سقط من منابت شع ِر ال َوجه من الوجه»(‪ ،)3‬ور َّجح‬
‫نابت على بشر ِة‬
‫األصحاب والشيخين القو َل األول؛ ألنه شعر ظاهر ٌ‬
‫ِ‬ ‫جمهو ُر‬
‫الوجه فأشبه شعر ال َ‬
‫خ ّد(‪.)4‬‬
‫ب ُمقلِّدًا ـ والكالم هنا يتعلَّق بالعلماء ال ُمقلِّدين ـ فيؤخذ‬ ‫ِ‬
‫المنتس ُ‬ ‫‪2‬ـ إذا كان‬
‫وتصحيح أكث ِر العُلماء المحققين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بترجيح‬
‫أهل للترجيح خالفًا بين األصحاب‬ ‫قال اإلمام النووي‪« :‬إذا و َجد َمن ليس ً‬
‫األكثر واألعلَم واألورع»(‪.)5‬‬
‫ُ‬ ‫في الراجح من قولين أو وجهين‪ ،‬فليعت َمد ما ص َّححه‬

‫((( فرائد الفوائد في اختالف القولين عن مجتهد واحد‪ ،‬للمناوي (ص‪.)35‬‬


‫((( مختصر المزني (ص‪.)98‬‬ ‫((( األم للشافعي (‪.)40 :1‬‬
‫((( المجموع شرح المهذب (‪.)68 :1‬‬ ‫((( المجموع شرح المهذب (‪.)380 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪332‬‬

‫خامسا‪ :‬المسائل التي لم ينص عليها اإلما ُم الشافعي‪ ،‬فهذه تحتاج إلى‬ ‫ً‬
‫العلماء ال ُمح ِّققين الذين بلغوا درجةَ االجتهاد في المذهب‪ ،‬فيستنبطون ُحك َمها‬
‫من األدلة الشرعية مباشرة مع التقيُّد بأصول اإلمام وقواعده أو يُستخرج حكمها‬
‫بالقياس على مسائل نص عليها اإلمامُ أو يُدرجوا المسائ َل غير المنصوصة‬
‫بتخريج الوجوه(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫تحت قاعد ٍة وضعَها اإلمام‪ ،‬وهذا ما يُس َّمى‬
‫فإذا تعارضت وجوه األصحاب التي اجتهدوا فيها‪ ،‬فهذا يحتاج إلى‬
‫بترجيح‬
‫ِ‬ ‫الترجيح بينها‪ ،‬وال يُلتَفت إلى القول المتقدِّم منها والمتأ ِّخر(‪ ،)2‬وال عبرةَ‬
‫األكثر في هذا المقام ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك‪ :‬قال اإلمام الشيرازي‪« :‬فإن جمع المستعمل حتى‬
‫صار قُلَّتَين فوجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬يزول حكم االستعمال كما يزول حكم النجاسة‪،‬‬
‫توضأ فيه أو اغتسل وهو قُلّتان لم يثبت له حكم االستعمال فإذا بلغ‬ ‫وألنه لو َّ‬
‫قُلَّتَين وجب أن يزو َل عنه ُحك ُم االستعمال‪ ،‬والثاني‪ :‬ال يزول؛ ألن المن َع منه‬
‫لكونه مستع َم ًل‪ ،‬وهذا ال يزول بالكثرة»‪ ،‬وعلَّق اإلمام النووي‪« :‬واتفقوا على‬
‫أن األصح زوال حكم االستعمال‪...‬وهو أولى بالجواز من الماء النجس؛ ألن‬
‫النجس أغلَظ»(‪.)3‬‬
‫َ‬

‫((( روضة الطالبين (‪.)112 :11‬‬ ‫((( سلم المتعلم المحتاج (ص‪.)50‬‬
‫((( المجموع شرح المهذب (‪.)157 :1‬‬
‫‪333‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ب‬
‫المبحث الثاني‬
‫الترجيح بين أقوال الشيخين الرافعي والنووي‬

‫ِ‬
‫ترجيحات اإلما َمين النووي والرافعي‬ ‫اعتمد مح ِّققو المذهب وعلماؤه‬
‫وقدَّموهما على غيرهما‪ ،‬ولك ّن ترجيحاتِهما قد تتعارض‪ ،‬وقد تتعارض‬
‫ترجيحات الواحد منهما ـ وذلك وقع من اإلمام النووي ـ ولذلك يمكن اختصار‬
‫ُ‬
‫قواعد الترجيح بين أقوال الشيخين كاآلتي‪:‬‬
‫نص اإلمام ابن َحجر على أ ّن‬ ‫أول‪ :‬اعتماد قول الرافعي والنووي‪ :‬فقد َّ‬ ‫ً‬
‫ُمح ِّققي المذهب متفقون على اعتماد كال ِمهما‪ ،‬وقد سبَق الكال ُم عن أسباب ذلك‬
‫عند الكالم عن تط ُّور المذهب‪ ،‬ولكن أهم هذه األسباب أن العلماء ال ُمح ِّققين‬
‫الذين تأخروا عن عصرهم تتبعوا كالم الشيخين ووجدوا أن تحريراتِهما ألقوال‬
‫الشافعي وأصحابِه أد َُّ‬
‫ق من غيرهما(‪.)1‬‬
‫خين سه ٌو أو ٌ‬
‫غلط فحينئذ‬ ‫ثانيًا‪ :‬إذا اتفق محققو المذهب على أن قول الشي َ‬
‫عرض عن قولهما‪ ،‬وهذه الصورة نظريةٌ لم تقع في واقع األمر كما بيَّن ذلك‬ ‫يُ َ‬
‫ابن حجر(‪.)2‬‬
‫تصير دَينًا إال‬
‫ُ‬ ‫خين ر َّجحوا أن نفقةَ القريب ال‬
‫ومن األمثلة على ذلك أن الشي َ‬

‫((( هذا ما يظهر من كالم ابن حجر والكردي‪ .‬انظر‪ :‬تحفة المحتاج (‪ ،)39 :1‬والفوائد المدنية‬
‫(ص‪.)41‬‬
‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)39 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪334‬‬

‫أغلب المتأ ِّخرين أن نفقةَ القريب ال تصير دينًا بنفس‬


‫ُ‬ ‫بقضاء القاضي‪ ،‬واعتمد‬
‫قضاء القاضي‪ ،‬بل باالقتراض واإلذن في اإلنفاق على النفس‪ ،‬فيجب على‬
‫قريبه الوفاء بدينه وليس اإلنفاق عليه(‪ ،)1‬ولكن ابن حجر تع َّقب المتأ ِّخرين‪،‬‬
‫يحصل بذلك اتفاق بين المح ِّققين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وانتصر لقول الشيخين(‪ ،)2‬فلم‬
‫النووي غالبًا‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ثالثًا‪ :‬إذا اختلف قول اإلمام الرافعي واإلمام النووي قُدِّم قول‬
‫الرافعي فاستدرك‬
‫ِّ‬ ‫متأخرا عن اإلمام‬
‫ً‬ ‫ويمكن عزو ذلك إلى أن اإلمام النووي جاء‬
‫بالترجيح كان‬
‫ِ‬ ‫عليه‪ ،‬وألن اجتهاد اإلمام النووي في خدمة المذهب واعتناءَه‬
‫أكثر(‪.)3‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك أن اإلمام الرافعي قال بأن األواني ال ُمضببة بالذهب‬
‫والفضة إذا كانت ضبَّتُها صغيرة لزينة أو كبيرة لحاجة ُك ِره‪ ،‬وإن كانت صغيرة‬
‫لحاجة جاز‪ ،‬ولكن اإلمام النووي قال بتحريم ال ُمضبَّب بالذهب مُطلَ ًقا‪ ،‬وهو‬
‫ال ُمعت َمد(‪.)4‬‬
‫النووي على الرافعي باألغلب؛ ألن علماء‬
‫ّ‬ ‫وتقييد قاعدة تقديم كالم‬
‫النووي في بعض المواضع‬
‫ِّ‬ ‫المذهب المتأ ِّخرين قد ر َّجحوا قو َل الرافعي على‬
‫الخطيب الشربيني‬
‫ُ‬ ‫ـ وهي نادرة جدًّا ـ مثل ُحكم صالة التسبيح(‪)5‬؛ فقد ر َّجح‬
‫يصرح باسمه ـ على النووي في استحبابها؛ حيث قال‪:‬‬ ‫قول الرافعي ـ وإن لم ِّ‬
‫تقرر من أنها ُسنّة هو ال ُمعت َمد كما َّ‬
‫صرح به ابن الصالح وغيره‪ ،‬وإن قال‬ ‫«وما َّ‬
‫في «المجموع» بعد نقل استحبابها عن جمع‪ :‬وفي هذا االستحباب نظر؛ ألن‬

‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)349 :8‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)187 :5‬‬
‫((( مغني المحتاج (‪.)137 :1‬‬ ‫((( المعتمد عند الشافعية (ص‪.)224‬‬
‫((( التبيين لما يعتمد من كالم الشافعية المتأخرين الخطيب (ص‪.)48‬‬
‫‪335‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫حديثها ضعيف‪ ،‬وفيها تغيير لنظم صالتها المعروف‪ ،‬فينبغي ّأل تفعل»(‪.)1‬‬
‫النووي‪ ،‬فالفقيه ال ُمح ِّقق يُر ِّج ُح من أقواله‬
‫ِّ‬ ‫رابعًا‪ :‬إذا اختلفت أقوال اإلمام‬
‫ما يميل إليه اجتهادُه‪ ،‬وأما ال ُمقلِّ ُد ـ والكالم هنا عن العلماء المقلِّدين ـ فيجب‬
‫عليه أن يراجِ ع الكتُب ال ُمعت َمدة في المذهب‪ ،‬ولكن العلماء وضعوا قاعدة‬
‫أغلبية في ترتيب ُكتُب اإلمام النووي‪ ،‬فأواخر ُمصنّفاتِه ُمقدَّمة على أوائلها‪،‬‬
‫فتُرتَّب ُمصنَّفات النووي كاآلتي(‪:)2‬‬
‫‪1‬ـ «التحقيق»‪ :‬وهو كتاب مُست ِق ٌّل في الفقه‪ ،‬وصل فيه إلى باب صالة المسافر‪.‬‬
‫‪2‬ـ «المجموع شرح المهذب»‪ :‬وصل فيه إلى كتاب الربا‪.‬‬
‫‪3‬ـ «التنقيح بشرح الوسيط»‪ :‬وصل فيه إلى كتاب شروط الصالة‪.‬‬
‫‪4‬ـ «روضة الطالبين»‪.‬‬
‫‪5‬ـ «منهاج الطالبين»‪.‬‬
‫‪6‬ـ «الفتاوى»‪.‬‬
‫‪7‬ـ «شرح صحيح مسلم»‪.‬‬
‫‪8‬ـ «تصحيح التنبيه»‪.‬‬
‫‪9‬ـ «نكت التنبيه»‪.‬‬
‫وأما أسباب اختالف أقوال اإلمام النووي فترجع إلى أن ُمصنَّفاته كثيرة‪،‬‬
‫ِ‬
‫تصنيف أكثر من‬ ‫الزمني في تألي ِفها‪ ،‬بل كان يعمل في‬
‫َّ‬ ‫الترتيب‬
‫َ‬ ‫يراع‬
‫وأنه لم ِ‬
‫آن واحد في فترة عمرية قصيرة مما جعل مصنفاته أشبه ب ُمس َّودات‬ ‫كتاب في ٍ‬
‫ٍ‬
‫لم يتم أكثرها(‪.)3‬‬

‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)39 :1‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)458 :1‬‬
‫((( المعتمد عند الشافعية (ص‪.)289‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪336‬‬

‫قص َد مكة لغير ن ُ ُسك) قال اإلمام‬


‫ومن األمثلة على ذلك‪( :‬مسألة من َ‬
‫ب له اإلحرا ُم وال يجب‪ ،‬وقال في «نكت‬
‫ح ُّ‬‫النووي في «المجموع»‪ :‬بأنه يُست َ‬
‫التنبيه»‪ :‬يجب عليه اإلحرام‪ ،‬وال ُمعت َمد قولُه في «المجموع شرح المهذب»(‪.)1‬‬
‫خامسا‪ :‬اختيارات اإلمام النووي ليست هي المذهب؛ فاإلمامُ النووي بلغ‬
‫ً‬
‫بعضها موافق ألقوال داخل‬‫اختيارات ُ‬
‫ٌ‬ ‫درجة االجتهاد في الفتوى‪ ،‬وكانت له‬
‫المذهب‪ ،‬والبعض اآلخر موافقةٌ ألقوال مجتهدين خارج المذهب‪ ،‬ولكن‬
‫هذه االختيارات ال تُعتبَر القول ال ُمعت َمد في المذهب‪ ،‬ولذلك يُعبر عنها اإلمام‬
‫النووي عادة في كتبه بمصطلح «المختار»‪.‬‬
‫اختيارات اإلمام النووي رحمه اهلل ُكلُّها‬
‫ِ‬ ‫قال العالمة األهدل‪« :‬واعلم أن‬
‫ضعيفة من حيث المذهب‪ ،‬وإن كانت قوية من حيث الدليل إال اختياراته‬
‫في «الروضة»‪ ،‬فإنها بمعنى الصحيح أو الراجح‪ ،‬إال في اختياره عدم كراهة‬
‫ال ُمش َّمس في «الروضة»‪ ،‬فهو ضعيف من جهة المذهب»(‪ ،)2‬فتعبيره بأنها‬
‫ضعيفة من حيث المذهب على اعتبار أنها ليست القو َل المعتمد في المذهب‪،‬‬
‫وتعبيره بأنها قوية من حيث الدليل أنها أقوال يجوز العمل والفتوى بها َ‬
‫بشرط‬
‫عدم نسبتها إلى المذهب الشافعي‪ ،‬وقد تقدَّم شرح ذلك في الفصل السابق‪.‬‬
‫ومن األمثلة على اختيارات اإلمام النووي‪« :‬الوضوء من لحم الجزور»‪،‬‬
‫كما هو مذهب اإلمام أحمد‪ ،‬وعدم كراهة االستياك في شهر رمضان ُمطلَ ًقا‬
‫كما هو قول ال ُمزَني‪.‬‬

‫((( مغني المحتاج (‪.)242 :2‬‬


‫((( سلم المتعلم المحتاج لألهدل (ص‪.)83‬‬
‫‪337‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ويُقدَّم في هذا المقام قو ُل الرافعي على اختيار النووي‪ ،‬ومن األمثلة على‬
‫ذلك قول الرافعي بتحريم الن َظر إلى األمرد بشهوة‪ ،‬وقال النووي‪ُ :‬‬
‫يحرم النظر‬
‫إليه مُطلَ ًقا‪ ،‬وال ُمعت َم ُد ما قاله الرافعي(‪.)1‬‬
‫سابعًا‪ :‬إذا لم ينص الشيخان على حكم مسألة‪ ،‬أو استجدت مسألة لم‬
‫تكن على زمانهما فيحتاج الفقيه المح ِّقق إلى الرجوع إلى الكتُب ال ُمتقدِّمة‬
‫عن الشيخين‪ ،‬واستقراء كالم اإلمام الشافعي ووجوه أصحابه للوصول إلى‬
‫ُحك ٍم َشر ِع ٍّي في ضوء قواعد الترجيح المذكورة ساب ًقا(‪ ،)2‬وهذه ال ُمه ّمة قام‬
‫بها الفقهاء المتأ ِّخرون الذين جاؤوا بعد الشيخين‪ ،‬الذين قاموا بالتخريج على‬
‫قواعد المذهب وأصوله الكلية‪ ،‬وعلى نصوص اإلمام الشافعي وأصحاب‬
‫الوجوه والشيخين‪ ،‬فاختلفت ترجيحاتُهم واختياراتُهم في هذا المجال(‪.)3‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك أن اإلمام ابن حجر الهيتمي ب َحث مسألة وهي‪« :‬لو أدرك‬
‫مسبوق ركعة من صالة الجمعة‪ ،‬ثم جاء مص ٍّل واقتدى بهذا المسبوق‪ ،‬وأدرك ركعة‬
‫مع هذا المسبوق»‪ ،‬أفتى أن هذا المقتدي األخير يعتبر مُد ِر ًكا لصالة الجمعة(‪.)4‬‬

‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)39 :1‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)212 :4‬‬
‫((( يراجع في هذا المقام الرسائل التي درست جهود المتأخرين في المذهب‪ ،‬ومن الرسائل‬
‫العلمية المفيدة في ذلك‪« :‬اإلمام ابن حجر الهيتمي وأثره في الفقه الشافعي» للدكتور أمجد‬
‫رشيد‪ ،‬و«اإلمام زكريا األنصاري وأثره في الفقه الشافعي» للدكتور طارق جابر‪.‬‬
‫((( اإلمام ابن حجر الهيتمي وأثره في الفقه الشافعي‪ ،‬للدكتور أمجد رشيد (ص‪.)206‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪338‬‬

‫ب‬
‫المبحث الثالث‬
‫الترجيح بين أقوال المتأخرين‬

‫استقر المذهب الشافعي على يد المتأ ِّخرين الذين جاؤوا بعد الشيخين‪،‬‬‫َّ‬
‫ونالت جهودُ شيخ اإلسالم زكريا األنصاري و ُط ّلبِه اعتمادَ علماء الشافعية‪،‬‬
‫وكانت جهودُهم مُنصبّةً على تحرير أقوال الشيخين وضبطها‪ ،‬والترجيح بين‬
‫أقوالهما‪ ،‬والنظر في المسائل التي لم يتكلما فيها‪ ،‬ولكن أقوال المتأخرين‬
‫قد تختلف وتتعارض‪ ،‬ولذلك وضع علماء المذهب قواعد في الترجيح بين‬
‫أقوال المتأخرين وهي‪:‬‬
‫أول‪ :‬اعتماد أقوال شيخ اإلسالم زكريا األنصاري و ُط ّلبِه ِّ‬
‫(الشهاب الرملي‪،‬‬ ‫ً‬
‫وشمس الدي ِن الرملي)‪ :‬فقد انصبَّت‬
‫ِ‬ ‫جر ال َهيتمي‪،‬‬ ‫والخطيب ِّ‬
‫الشربيني‪ ،‬واب ِن َح َ‬
‫الترجيح بين أقوال الشيخين‪ ،‬وعدم الخروج‬‫ِ‬ ‫األعالم في فلَك‬
‫ِ‬ ‫جهودُ هؤالء‬
‫عنها والتفريع عليها‪ ،‬وأما غيرهم من األعالم الذين عاصروهم كاإلسنوي‬
‫خين وترجيحات غيرهما(‪.)1‬‬ ‫وابن العماد فكانوا يتخيَّرون بين ترجيحات الشي َ‬
‫كتب هؤالء الخمسة معتمدةً في الفتوى والقضا ِء‬‫وبناء على ذلك فتُعتبَر ُ‬
‫والشمس الرملي من أصحاب‬ ‫ِ‬ ‫ج ٍر‬ ‫على ال َمذهب‪ ،‬وتُعتبَر ُ‬
‫كتب طالب ابن ح َ‬
‫ليوبي‪ ،‬والشرواني‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الزيادي‪ ،‬وال َق‬
‫ِّ‬ ‫الحواشي مُعتمدةً كذلك من أمثال‪:‬‬
‫والشبراملّسي‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫((( المعتمد عند الشافعية (ص‪.)271‬‬


‫‪339‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ثانيًا‪ :‬إذا اختلفت أقوا ُل المتأ ِّخرين في مسألة؛ فالفقيه ال ُمح ِّقق ير ِّجح بين‬
‫آرائهم بناء على معرفته بقواع ِد المذهب وأصوله‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إذا اختلفت أقوا ُل المتأ ِّخرين في مسألة؛ فال ُمقلِّد يجوز له أن يتخير‬
‫بين آرائهم ويأخذ بأيِّها شاء‪.‬‬
‫وقد اختلفت آراء الفقهاء المتأ ِّخرين في ذلك على أقوال‪:‬‬
‫جر والرملي في كتابيهما «التحفة»‬ ‫الرأي األول‪ :‬العبرةُ بما اتفق عليه ابن َح َ‬
‫و«النهاية»‪ ،‬وهو رأي العالمة محمد سعيد سنبل‪ ،‬حيث قال‪« :‬اعلم أن أئمة‬
‫الشيخ اب ِن حج ٍر‬
‫ِ‬ ‫المذهب قد اتفقوا على أن ال ُمع َّو َل عليه والمأخوذَ به كال ُم‬
‫ِ‬
‫والرملي في «التحف ِة» و«النهاي ِة» إذا اتفقا‪ ،‬فإن اختلفا فيجوز للمفتي األخذ‬
‫ِّ‬
‫بأحدهما على سبيل التخيير»(‪.)1‬‬
‫وأما المسائل التي لم يتعرضا لها فيُرجع بها إلى كالم شيخ اإلسالم زكريا‬
‫األنصاري‪ ،‬ثم الخطيب الشربيني‪ ،‬ثم كالم أصحاب الحواشي على ترتيب‬
‫مُعيَّن بينهم‪.‬‬
‫فيُقدَّم كال ُم ابن حجر والرملي على َمن سواهما‪ ،‬إال إذا لم يتعرضا لها‬
‫يني‪،‬‬ ‫فيُفتى ب َقول شيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪ ،‬ثم بكالم الخطيب ِّ‬
‫الشربِ ّ‬
‫بكالم‬
‫ِ‬ ‫ثم بكالم الزِّيادي‪ ،‬ثم بكالم ابن قاس ِم العبادي‪ ،‬ثم بكالم َع ِميرة‪ ،‬ثم‬
‫حلَبي‪ ،‬ثم بكالم الشوبري‪ ،‬ثم بكالم العَناني‪.‬‬
‫الشبراملّسي‪ ،‬ثم بكالم ال َ‬
‫والرملي في ال َمذهَب‬
‫ِّ‬ ‫الرأي بأ ّن مكانةَ ابن ح َ‬
‫جر‬ ‫ُ‬ ‫ويمكن أن يُناقَش هذا‬
‫الرملي‬
‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫والشهاب‬ ‫كبير وخاصة أنهما تأخرا عن زكريا األنصاري‬ ‫لها اعتبا ٌر ٌ‬
‫((( الفوائد المدنية (ص‪.)68‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪340‬‬

‫تخصيص‬
‫ٌ‬ ‫والشربيني وحققا المذهب بشكل أفضل‪ ،‬ولكن اعتبار قولهما فقط‬ ‫ِّ‬
‫من غير دليل؛ ألن أقوالَهما ال تزيد ُرتبةً عن أقوال ِ‬
‫شيخ اإلسالم ِّ‬
‫والشربيني(‪.)1‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬ال ِعبرة بالكثرة‪ ،‬فما عليه أكثر ال ُف َقهاء المتأ ِّخرين هو ال ُمعت َمد‪،‬‬
‫وهو رأي اإلمام زين الدين ال ُمليباري (‪.)2‬‬
‫الرأي الثالث‪ :‬ال ُمعت َمد هو جميع إفتاءات المتأ ِّخرين‪ ،‬بال ترتيب بينهم‪،‬‬
‫وللمفتي التخير بين أقوالهم بشرط أال يكون سه ًوا أو غل ًطا أو ضعي ًفا جدًّا‪،‬‬
‫وهو الرأي الذي استقر عليه المتأ ِّخرون‪.‬‬
‫قال العالمة األهدَل‪« :‬وقال المتأخرون‪ :‬والذي يتعيَّن اعتمادُه أن هؤالء‬
‫المذهب‬
‫ِ‬ ‫روح والحواشي‪ُ ،‬كلُّ ُهم إمامٌ في‬ ‫األئمةَ المذكورين من أرباب ُّ‬
‫الش ِ‬
‫بقول ُك ٍّل منهم وإن‬
‫بعض‪ ،‬فيجو ُز العم ُل واإلفتاءُ والقضاءُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يستَ ِم ُّد ُ‬
‫بعضهم من‬
‫ِ‬
‫الضعف»(‪.)3‬‬ ‫ظاهر‬
‫َ‬ ‫خالف من سواه‪ ،‬ما لم يكن َسه ًوا‪ ،‬أو َغلَ ًطا‪ ،‬أو ضعي ًفا‬
‫َ‬
‫تقر َر من التخيي ِر‪ ،‬مع أنه‬ ‫وقال السيد عمر البصري‪« :‬والحاصل أن ما َّ‬
‫المذهب‪ ،‬ال محي َد عنه في عص ِرنا هذا بالنسب ِة إلى أمثالِنا‬ ‫ِ‬ ‫المعتم ُد عند أئ ّم ِة‬
‫ِ‬
‫البحث عن‬ ‫وجوب‬
‫ِ‬ ‫بالمرجوح من‬
‫ِ‬ ‫الترجيح؛ على أنا إذا قلنا‬
‫ِ‬ ‫القاصرين عن ُرتب ِة‬
‫ِ‬
‫اإلنصاف‪،‬‬ ‫حلِّي بحلية‬
‫األعلَ ِم‪ ،‬لع َُس َر الوقوفُ عليه جدًّا بالنسب ِة لمن يرو ُم الت َ‬
‫االعتساف‪ ،‬وبالجمل ِة فالمعت َم ُد وهو األح َو ُ‬
‫ط األو َر ُع‬ ‫ِ‬ ‫كاهل‬
‫ِ‬ ‫والتبَ ِّري عن امتطا ِء‬
‫تقر َر من التخيي ِر»(‪.)4‬‬
‫ما َّ‬
‫((( المعتمد عند الشافعية (ص‪.)316‬‬
‫((( فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين لزين الدين الهندي المليباري (ص‪.)623‬‬
‫((( سلم المتعلم المحتاج لألهدل (ص‪.)33‬‬
‫((( الفوائد المدنية للكردي (ص‪.)281‬‬
‫‪341‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫وقد ُكتِب عدد من ال ُمؤلَّفات التي جمعت اختالف المتأخرين‪ ،‬ومن‬


‫أبرزها «ال َمن َهل النضاح في اختالف األشياخ» للعالمة عمر بن ال ُق ّره داغي‪،‬‬
‫جر والرملي» للعالمة عمر بن الحبيب‬ ‫و«فتح العلي بجمع الخالف بين ابن ح َ‬
‫حامد باعلوي‪ ،‬وقد اعتنى العالمة الشرواني والعالمة ال ُكردي بذكر خالفات‬
‫المتأ ِّخرين في حواشي «التحفة» و«المقدمة الحضرمية»‪.‬‬
‫ومن األمثلة على االختالفات التي وقعت بينهم‪ :‬هل االنفراد أفضل من‬
‫الصالة خلف الفاسق والمبتدع‪ :‬ذهب ابن حجر إلى أن االنفراد أفضل‪ ،‬وذهب‬
‫الشمس الرملي إلى أن الجماعة أفضل‪.‬‬
‫ومن األمثلة كذلك أن صالة الضحى أقلُّها ركعتان‪ ،‬وأما أكثرها فقد اختلفوا‬
‫جر إلى أن أكثرها اثنتي عشرة ركعة‪،‬‬ ‫فيها‪ :‬فذهب شيخ اإلسالم زكريا واب ُن َح َ‬
‫أكثرها ثماني ركعات‪.‬‬
‫الشمس الرملي والخطيب الشربيني إلى أن َ‬ ‫ُ‬ ‫وذهَب‬
‫القول ال ُمعت َم ِد في المذهب هي كتب‬
‫ِ‬ ‫وبناء على ذلك نقول‪ :‬إن مظا ّن‬
‫المتأخرين الذين جاؤوا بعد شيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪ ،‬فإذا اختلفت‬
‫أقوال المتأخرين فالفقيه المح ِّقق يرجح بين هذه األقوال‪ ،‬وأما ال ُمقلِّد فيأخذ‬
‫قول شاذًّا مخال ًفا لقواعد المذهب أو شديد الضعف‪.‬‬ ‫بأي شاء إال إن كان ً‬
‫ٍّ‬
‫رابعًا‪ :‬إذا كانت بعض أقوال المتأخرين شاذّةً أو شديدة الضعف فليس لل ُمقلِّد‬
‫أن يأخذ بها‪.‬‬
‫األقوا ُل الشاذةُ أو شديدة الضعف نبَّه عليها عا ّمة ال ُف َقهاء ال ُمتأ ِّخرين‪،‬‬
‫الباحث في معرف ِة‬
‫ُ‬ ‫يقتص ُر ال ُمقلِّ ُد أو‬
‫ِ‬ ‫وخاصة أصحاب الحواشي‪ ،‬وحينئذ ال‬
‫ذهب الشافعي على كتاب واحد‪ ،‬بل ال بد أن يُراجع أكثر من حاشية على‬ ‫ال َم ِ‬
‫الكتاب؛ حتى يطمئِ ّن أن حكم المسألة المذكورة في الكتاب ليس شاذًّا‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪342‬‬

‫ونص المتأ ِّخرون‬


‫َّ‬ ‫ومن المسائل التي ذ َكرها ابن حجر في «تحفة المحتاج»‬
‫على ُشذو ِذها وعدم جواز اإلفتاء بها‪ :‬القو ُل ب ُوجوب االستنجاء ِمن الريح‪،‬‬
‫والقول بأن صالة الجمعة فرض كفاية‪ ،‬والقول بجواز إيجا ِر أرض ألف سنة‪،‬‬
‫حرمة التعامل مع من أكثر ماله من الحرام‪ ،‬جمع العالمة الكردي‬
‫والقول ب ُ‬
‫عددًا من المسائل الشاذة الموجودة في كتابي «التحفة» و«النهاية» وغيرهما في‬
‫كتابه الماتع «الفوائد المدنية» (‪.)1‬‬
‫خامسا‪ :‬اختيارات المتأخرين ليست هي المذهب؛ يتنبه في هذا المقام‬ ‫ً‬
‫أنه يُفرق بين اختيارات المتأخرين وبين أقوالهم‪ ،‬ويُعنى بأقوالهم األقوا ُل التي‬
‫قرروا أنها المذهب‪ ،‬وأما اختيارات المتأخرين فهي اجتهادات خاصة بهم ال‬
‫َّ‬
‫تمثل القول المعتمد‪ ،‬ويجوز العمل بها والفتوى بشرط أال تُنسب إلى المذهب‬
‫الشافعي كما تقدم؛ قال العالمة القليوبي‪« :‬يجوز العمل في جميع األحكام‬
‫ب َقول من يَثِق به من األئمة‪ ،‬كاألذرعي ُّ‬
‫والسبكي واإلسنوي على ال ُمعت َمد»(‪.)2‬‬
‫وهذه االختيارات موجودة في الغالب في كتب الفتاوى‪ ،‬ولذلك فال يُعت َمد‬
‫كثيرا منها يعتمد على االختيارات‬
‫في تحقيق قول المذهب على كتب الفتاوى؛ ألن ً‬
‫الخاصة بالعلماء ال ُمح ِّققين‪ ،‬ومن أبرز من ج َمع اختيارات المتأخرين العالمة‬
‫عبد الرحمن المشهور في كتابه «بغية المسترشدين» جمع فيه فتاوى عدد من‬
‫العلماء ال ُمح ِّققين في الحجاز واليمن‪ ،‬والعالمة عبد الكريم المدرس في كتابه‬
‫«جواهر الفتاوى» جمع فيها فتاوى عدد كبير من علماء األكراد المتأخرين‪.‬‬

‫((( الفوائد المدنية للكردي (ص ‪ ،)275 - 259‬والمعتمد عند الشافعية (ص‪.)318‬‬


‫((( حاشية قليوبي على كنز الراغبين (‪.)204 :3‬‬
‫‪343‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫الفصل الخامسب‬
‫فوائد منهجية في المذهب الشافعي‬

‫يتناول هذا الفصل أبرز الفوائد المنهجية التي يستحسن لطالب العلم معرفتها‪،‬‬
‫وسيجري تقسيمه إلى مباحث وهي‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬المسائل التي صححها اإلمام النووي في «المنهاج» واختَلف‬
‫في تصحيحها المتأخرون‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المسائل التي ضعَّفها اإلمام النووي في «المنهاج» واعتمدها‬
‫المتأخرون‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تقسيم األبواب والفصول في كتب المذهب‪.‬‬
‫السلَّم التعليمي لطالب العلم في المذهب‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ُّ :‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪344‬‬

‫ب‬
‫المبحث الأول‬
‫المسائل التي صححها الإمام النوويب‬
‫في «المنهاج» واختلف في تصحيحها المتأخرون‬

‫يُعتبَر متن «المنهاج» عمدة الكتب ال ُمعت َمدة في المذهب‪ ،‬وقد تحرى‬
‫اإلمام النووي تصحيح المعت َمد في كتابه‪ ،‬ولكن بعض العلماء تع َّقبوه في‬
‫قول غير معت َمد في‬‫حرر فيها النووي ً‬
‫بعض المسائل‪ ،‬وهي المسائل التي َّ‬
‫ال َمذهَب‪ ،‬وهي سبع عشرة مسألة‪ ،‬ويتنبه إلى أن هذه المسائل ليست ضعيفة‬
‫باتفاق علماء المذهب‪ ،‬بل بعض هذه المسائل معتمدة عند البعض‪ ،‬وضعيفةٌ‬
‫عند البعض اآلخر؛ لذا قال العالمة ال ُك ّ‬
‫ردي‪« :‬الذي أثرناه عن مشايخنا عن‬
‫مشايخهم ـ وهكذا ـ أن المعت َمد ما عليه الشيخان أو ال ُمصنِّف ـ أي‪ :‬النووي‬
‫ـ إال ما اتفق المتأ ِّخرون قاطبةً على أنه سهو أو غلط‪ ،‬وما عداه ال عبرةَ بمن‬
‫خالف فيه»(‪ .)1‬فلذا لم نجد مسألة في «المنهاج» اعتمدها اإلمام النووي‪ ،‬ثم‬
‫أطبق المتأ ِّخرون على أنها ضعيفة أو غير معت َمدة‪ ،‬أو أنه سها أو أخطأ فيها‪،‬‬
‫وي لكتب الشافعي‪ ،‬وكتب األصحاب‬ ‫وهذا يد ُّل على دقة ِّ‬
‫تحري اإلمام الن َو ِّ‬
‫رضي اهلل عنهم وأرضاهم‪.‬‬

‫((( الفوائد المدنية للكردي (ص‪.)51‬‬


‫‪345‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫وهذه المسائل هي(‪:)1‬‬


‫األولى‪ :‬استدامة النية في التيمم إلى مَسح شيء من الوجه؛ قال اإلمام‬
‫النووي‪« :‬وكذا استدامتها إلى مسح شيء من الوجه على الصحيح»(‪.)2‬‬
‫يني(‪ )4‬أن االستدامة غير واجبة‪ ،‬وخالف‬ ‫طيب ِّ‬
‫الشربِ ُّ‬ ‫خ ُ‬‫اعتمد الرملي(‪ ،)3‬وال َ‬
‫جر(‪ )5‬واعت َمد وجوب االستدامة مواف ًقا النووي‪.‬‬ ‫في ذلك اب ُن َح َ‬
‫الثانية‪ :‬في صالة الجماعة إذا كان اإلمام في بناء والمأموم في بناء آخر؛‬
‫شتر ُ‬
‫ط اتصال صف من أحد البناءين‪ ،‬قال اإلمام النووي‪« :‬فإن كانا في بناءين‬ ‫في ُ َ‬
‫ً‬
‫شمال‬ ‫وص ّف ٍة أو بيت؛ فطريقان أص ُّ‬
‫حهما‪ :‬إن كان بناء المأموم يمينًا أو‬ ‫كصح ٍن ُ‬
‫َ‬
‫شترط إال القرب‬
‫وجب اتصال صف من أحد البناءين‪ ...‬والطريق الثاني‪ :‬ال يُ َ‬
‫كالفضاء‪ ،‬قلت‪ :‬الطريق الثاني أصح‪ ،‬واهلل أعلم»(‪.)6‬‬
‫قال أحمد ميقري األهدل‪« :‬وال ُمعت َم ُد أنه يجب القرب بمسافة ثالث مئة‬
‫مترا تقريبًا)»(‪.)7‬‬
‫ذراع (‪ً 150‬‬
‫هذه سهوة من الشيخ األهدل؛ ألن التصحيح المذكور هو تصحيح اإلمام‬
‫النووي تع َّقب تصحيح اإلمام الرافعي‪ ،‬فقال‪« :‬قلت‪:‬‬
‫َّ‬ ‫الرافعي‪ ،‬بدليل أن اإلمام‬
‫الطريق الثاني أصح‪ ،‬واهلل أعلم»(‪.)8‬‬

‫((( انظر‪ :‬سلم المتعلم المحتاج إلى معرفة رموز المنهاج (ص‪ ،)82 -78‬والضوء الوهاج في‬
‫بيان المسائل الضعيفة في المنهاج‪ ،‬لفهد الحبشي (ص‪.)13 -3‬‬
‫((( نهاية المحتاج (‪.)298 :1‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)17‬‬
‫((( تحفة المحتاج‪ ،‬البن حجر (‪.)359 :1‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)262 :1‬‬
‫((( سلم المتعلم المحتاج (ص ‪.)87‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)41‬‬
‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)41‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪346‬‬
‫الثالثة‪ :‬صالة الضحى أقلها ركعتان‪ ،‬وأكثرها اثنتا عشرة ركعة‪ ،‬قال اإلمام‬
‫النووي‪« :‬الضحى‪ ،‬وأقلها ركعتان‪ ،‬وأكثرها اثنتا عشرة»(‪.)1‬‬
‫أكثرها ثماني ركعات‪ ،‬بينما‬
‫اعتمد الخطيب الشربيني ‪ ،‬والرملي أن َ‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫جر(‪ )4‬إلى أن أكثرها اثنتا عشرة ركعة‪.‬‬


‫ذهب ابن َح َ‬
‫الرابعة‪ :‬ال قضاءَ على المقاتل في ساحة الحرب إذا صلى وقد دَ ِمي‪،‬‬
‫أمس َكه‪ ،‬وال قضاء في‬
‫قال اإلمام النووي‪« :‬ويُلقي السالح إذا دمي‪ ،‬فإن عجز َ‬
‫األظهر»(‪.)5‬‬
‫جر‬
‫نص عليه الخطيب الشربيني(‪ ،)6‬وابن َح َ‬
‫وجوب القضاء كما َّ‬
‫ُ‬ ‫وال ُمعت َمد‬
‫جمال الرملي(‪.)8‬‬
‫ال َهيتَمي(‪ ،)7‬وال َ‬
‫كره ال َك َفن‬
‫الخامسة‪ :‬كراهة الثوب ال ُمعَصفر؛ قال اإلمام النووي‪« :‬ويُ َ‬
‫ال ُمعص َفر»(‪.)9‬‬
‫اعتمد ابن حجر(‪ُ )10‬حرمَته‪ ،‬خالفًا للخطيب(‪ ،)11‬والرملي(‪ )12‬حيث اعتمدا‬
‫الكراهة وفاقًا للنووي‪.‬‬
‫الحرة أداءَ صدقة فطرتها إذا أعسر زو ُجها؛‬
‫ّ‬ ‫السادسة‪ :‬عدَم لُزوم الزوج ِة‬
‫أعسر الزوج‪ ،‬أو كان عبدًا؛ فاألظهر أنه يلزَم زوجتَه‬
‫قال اإلمام النووي‪« :‬ولو َ‬
‫((( مغني المحتاج (‪.)455 :1‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)36‬‬
‫((( تحفة المحتاج‪ ،‬البن حجر (‪.)232 :2‬‬ ‫((( نهاية المحتاج (‪.)117 :2‬‬
‫((( مغني المحتاج (‪.)579 :1‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)51‬‬
‫((( نهاية المحتاج (‪.)370 :2‬‬ ‫((( تحفة المحتاج‪ ،‬البن حجر (‪.)14 :3‬‬
‫(‪ ((1‬تحفة المحتاج‪ ،‬البن حجر (‪.)185 :3‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)62‬‬
‫(‪ ((1‬نهاية المحتاج (‪.)21 :3‬‬ ‫(‪ ((1‬مغني المحتاج (‪.)47 :2‬‬
‫‪347‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ح ّرة‪ ،‬واهلل‬
‫المنصوص ال يلزَم ال ُ‬
‫ُ‬ ‫ح ّرة فُطرتُها‪ ،‬وكذا َسيِّد األمة‪ُ ،‬‬
‫قلت‪ :‬األصح‬ ‫ال ُ‬
‫أعلم»(‪.)1‬‬
‫ح ّرةَ‬
‫خالف الشيخ األهدل‪ ،‬حيث قال‪« :‬واألصح خالفه»(‪ ،)2‬أي‪ :‬تلزَم ال ُ‬
‫نفسها إن كانت َغنِيّة‪ ،‬ولكن ُش ّراح «المنهاج» لم يتع َّقبوا النووي في ذلك‪،‬‬
‫فطرةُ ِ‬
‫فيكون ما ذكره النووي هو ال ُمعت َمد(‪.)3‬‬
‫السابعة‪ :‬استحباب تطييب ال ُمح ِرم لثوبه قبل اإلحرام؛ قال اإلمام النووي‪:‬‬
‫«ويُ َسن الغسل لإلحرام‪ ،‬فإن عجز تي َّمم‪ ،‬ولدخول م ّكة وللوقوف بعرفة‬
‫ب بدنَه لإلحرام‪،‬‬ ‫وب ُمزدَلفة غداةَ النحر‪ ،‬وفي أيام التشريق َّ‬
‫للرمي‪ ،‬وأن يُطيِّ َ‬
‫وكذا ثوبه في األصح»(‪.)4‬‬
‫تطييب الثوب مكروه‪ ،‬بينما اعتمدا ـ الرملي(‪،)6‬‬
‫َ‬ ‫اعتمد ابن حجر(‪ )5‬أن‬
‫والخطيب(‪ )7‬ـ أن تطييب الثوب مباح‪.‬‬
‫الثامنة‪ :‬في باب الحج أن ترك المأمورات يترتب عليه د ُم ترتيب وتعديل‪،‬‬
‫فيجب على ال ُمح ِرم شاةٌ فإذا عجز اشترى بقيمة الشاة طعا ًما وتصدَّق به‪ ،‬فإن‬
‫«واألصح أن الدمَ في ترك المأمور‬
‫ُّ‬ ‫عجز صام عن كل مُ ٍّد يومًا؛ قال اإلمام النووي‪:‬‬
‫كاإلحرام من ال ِميقات دمُ ترتيب‪ ،‬فإذا ع َجز اشترى بقيم ِة الشاة طعامًا‪ ،‬وتصدَّق به‬
‫ِ‬
‫فإن عجز صام عن كل مُ ٍّد يومًا»(‪.)8‬‬

‫((( سلم المتعلم المحتاج (ص‪.)82 -78‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)71‬‬
‫((( مغني المحتاج (‪ ،)115 :2‬وتحفة المحتاج البن حجر (‪ ،)316 :3‬ونهاية المحتاج (‪.)118 :3‬‬
‫((( تحفة المحتاج‪ ،‬البن حجر (‪.)58 :4‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)85‬‬
‫((( مغني المحتاج (‪.)285 :2‬‬ ‫((( نهاية المحتاج (‪.)270 :3‬‬
‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)93‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪348‬‬

‫ترتيب وتقدير‪ ،‬فإذا عجز عن الدم‬


‫ٍ‬ ‫اعتمد الخطيب(‪ ،)1‬والرملي(‪ )2‬أنه دم‬
‫يصوم كالمتمتع ثالثةَ أيام في الحج وسبعة إذا رجع‪ ،‬واعتمد ابن حجر(‪ )3‬أنه‬
‫دم ترتيب وتعديل‪.‬‬
‫التاسعة‪ :‬في باب البيع‪ :‬عدم ثبوت الخيار في هبة الثواب؛ قال اإلمام‬
‫النووي‪« :‬وال خيار في اإلبراء‪ ،‬والنكاح والهبة بال ثواب‪ ،‬وكذا ذات الثواب»(‪.)4‬‬

‫والمعتمد ثبوتُه فيها كما َّ‬


‫نص عليه الخطيب(‪ ،)5‬والرملي(‪ ،)6‬وابن حجر(‪،)7‬‬
‫النووي في ذلك‪.‬‬
‫َّ‬ ‫حلّي(‪ )8‬اإلمامَ‬
‫ولم يتع ّقب ال َم َ‬
‫يع الدين لغير مَن‬ ‫العاشرة‪ :‬في باب حكم المبيع قبل ق َ ِ‬
‫بضه‪ :‬ع َدمُ جواز ب َ ِ‬
‫هو عليه‪ ،‬كما إذا اشترى رج ٌل عب َد زي ٍد بمئة له على عمرو؛ قال اإلمام النووي‪:‬‬
‫«وبَي ُع الدين لغير مَن عليه باطل في األظهر»(‪.)9‬‬
‫والمعتمد كما قاله الخطيب(‪ )10‬والرملي(‪ )11‬وابن حجر(‪ :)12‬الجواز بشرط‬
‫قبض ال ِع َوضين في المجلس‪ ،‬وأن يكون المديون مليًّا ُم ِق ًّرا‪ ،‬وأن يكون الدي ُن‬
‫النووي في ذلك‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫حلِّي(‪ )13‬فلم يتع َّقب اإلمامَ‬ ‫ًّ‬
‫حال مست ِق ًّرا‪ ،‬أما ال َم َ‬

‫((( نهاية المحتاج (‪.)358 :3‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)310 :2‬‬
‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)99‬‬ ‫((( تحفة المحتاج‪ ،‬البن حجر (‪.)197 :4‬‬
‫((( نهاية المحتاج (‪.)7 :4‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)406 :2‬‬
‫((( تحفة المحتاج‪ ،‬البن حجر (‪.)336 :4‬‬
‫((( كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين‪ ،‬للمحلي‪ ،‬مع حاشية القليوبي وعميرة (‪.)237 :2‬‬
‫(‪ ((1‬مغني المحتاج (‪.)466 :2‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)103‬‬
‫(‪ ((1‬تحفة المحتاج‪ ،‬البن حجر (‪.)409 :4‬‬ ‫(‪ ((1‬نهاية المحتاج (‪.)92 :4‬‬
‫(‪ ((1‬كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين‪ ،‬مع حاشية قليوبي وعميرة (‪.)266 :2‬‬
‫‪349‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫الحادي عشر‪ :‬بُطال ُن ِهبة الدين لغير ال َمدين؛ قال اإلمام النووي‪« :‬و ِهبة‬
‫الدين لل َمدين إبراء‪ ،‬ولغي ِره باطلة في األصح»(‪.)1‬‬
‫قياسا على جواز بيع الدين ل َغير مَن هو عليه‪،‬‬
‫اعتمد ابن حجر(‪ )2‬جوازها ً‬
‫والرملي(‪ )4‬كالمَ النووي‪.‬‬
‫ُّ‬
‫(‪)3‬‬ ‫واعتمد ال َ‬
‫خطيب‬
‫ألقارب َزيد لم يدخل‬
‫ِ‬ ‫عربي‬
‫ٌّ‬ ‫الثاني عشر‪ :‬في باب الوصايا‪ :‬لو أوصى‬
‫أقارب األم في الوصية؛ قال اإلمام النووي‪« :‬وال تدخل قرابة أُمٍّ في وصية‬
‫ُ‬
‫العرب في األصح»(‪.)5‬‬
‫اعتمد الخطيب(‪ ،)6‬وابن حجر(‪ ،)7‬والرملي(‪ )8‬دخول أقارب األم في‬
‫الوصية‪ ،‬أما المحلي فلم يتع َّقبه‪ ،‬بل أشار إلى القول الثاني‪ ،‬وقال‪« :‬وعبَّر في‬
‫«الروضة» باألصح»(‪.)9‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬تحريم النظر لألمرد ولو بغير شهوة؛ قال اإلمام النووي‪:‬‬
‫أمرد بشهوة‪ ،‬قلت‪ :‬وكذا بغيرها في األصح المنصوص»(‪.)10‬‬ ‫«ويحرم ن َظ ُر َ‬
‫ُ‬
‫اعتمد الخطيب(‪ ،)11‬والرملي(‪ )12‬أ ّن المنقول عن اإلمام الشافعي وجميع‬
‫األصحاب أن التحريم متعلق عند خوف الفتنة أو حصول الشهوة‪ ،‬وخالف في‬
‫ذلك ابن حجر(‪ )13‬فوافق اإلمام النووي‪.‬‬

‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)305 :6‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)171‬‬
‫((( نهاية المحتاج (‪.)413 :5‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)565 :3‬‬
‫((( مغني المحتاج (‪.)101 :4‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)192‬‬
‫((( نهاية المحتاج (‪.)81 :6‬‬ ‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)58 :7‬‬
‫((( كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين‪ ،‬مع حاشية قليوبي وعميرة (‪.)171 :3‬‬
‫(‪ ((1‬مغني المحتاج (‪.)212 :4‬‬ ‫(‪ ((1‬منهاج الطالبين (ص‪.)204‬‬
‫(‪ ((1‬تحفة المحتاج البن حجر (‪.)199 :7‬‬ ‫(‪ ((1‬نهاية المحتاج (‪.)193 :6‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪350‬‬

‫الرابع عشر‪ :‬في باب الصداق‪ :‬مسألة لو تنازع الزوجان في البدء بالتسليم؛‬
‫قال اإلمام النووي‪« :‬ولو قال ك ٌّل ـ أي‪ :‬الزوج والزوجة ـ‪ :‬ال أسلِّم ـ المهر للزوج‬
‫وتسليم النفس للزوجة ـ حتى تُسلِّم‪ ،‬ففي ٍ‬
‫قول يُجبَر هو ـ أي‪ :‬الزوج ـ وفي قول‬
‫ال إجبار‪ ،‬ومن سلَّم أُجبر صاحبه‪ ،‬واألظهر يُجبَران‪ ،‬فيُؤمَر بوضعه عند عدل‬
‫وتُؤمَر بالتمكين‪ ،‬فإذا سلمت أعطاها العدل‪ ،‬ولو بادرت فسكنت طالبته ـ أي‪:‬‬
‫بالصداق ـ فإن لم يطأ امتنعت حتى يُسلِّم ـ أي‪ :‬الصداق ـ وإن و ِطئ فال ـ أي‪:‬‬
‫الزوج الصداق ـ فلتمكن ـ أي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فسلَّم ـ أي‪ :‬سلَّم‬
‫فليس لها أن تمتنع ـ ولو بادَر َ‬
‫يلزمها التمكي ُن إذا طلَبه الزوج ـ فإن منعت بال عذر استرد إن قلنا‪ :‬إنه يجبر»(‪.)1‬‬
‫جعل الشيخ األهدل هذه المسـألة من المسائل الضعيـفة(‪ ،)2‬مع أن اإلمام‬
‫النووي لم يقل إنها معتمدة ولم ير ِّجحها‪ ،‬بل ذكرها كقول‪ ،‬فقال‪« :‬فإن منَعَت بال‬
‫استردَّ إن قلنا‪ :‬إنه يجبر» فلم يعتمدها‪ ،‬بل اعتمد أن الزوج والزوجة يُجبَران‪،‬‬
‫عُذ ٍر َ‬
‫فقال‪« :‬ولو قال ُك ٌّل‪ :‬ال أسلم حتى تسلم‪ .‬ففي ق َ ٍ‬
‫ول يُجبَر هو‪ ،‬وفي قول‪ :‬ال إجبار‪،‬‬
‫فمن َسلَّم أجبر صاحبه‪ ،‬واألظهر يجبران»‪.‬‬
‫أول؛ أل ّن اإلجبار‬‫لذا قال الخطيب‪« :‬وهذا إن قلنا بالمرجوح‪ :‬إنه يُجبَر ً‬
‫لتبر ِعه‬ ‫ٌ‬
‫مشروط بالتمكين‪ ،‬فإن قلنا‪ :‬ال يُجبَر‪ ،‬وهو الراجح‪ ،‬فليس له أن يست ِردَّ ُّ‬
‫بالمبادرة»(‪.)3‬‬
‫الخامس عشر‪ :‬عدم جواز استـرقاق زوجـة المسـلم الحـربية؛ قال اإلمام‬
‫األصـح‪ ،‬ال عتيق مسـلم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ذمي‪ ،‬وكذا عتيقه في‬
‫ق زوجة ّ‬ ‫النووي‪« :‬ويجوز إرقا ُ‬
‫وزوجته على المذهب»(‪.)4‬‬

‫((( سلم المتعلم المحتاج (ص‪.)82 -78‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)218‬‬
‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)218‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)372 :4‬‬
‫‪351‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫النووي‪ ،‬واعتمد ابن حجر‬


‫ُّ‬ ‫والخطيب(‪ )2‬ما قاله اإلمامُ‬
‫ُ‬ ‫اعتمد الرملي(‪،)1‬‬
‫إلى أنه يجوز استرقاق زوج ِة المسلم ال َ‬
‫حربية(‪.)3‬‬
‫السادس عشر‪ :‬في باب الشهادات‪ :‬إذا دُ ِعي شاهد ليشهد في شيء مُختَلَف‬
‫فيه؛ كشرب ما ال يُ ِ‬
‫سكر من النبيذ لم يجب عليه أداء شهادته؛ قال اإلمام النووي‪:‬‬
‫عدل؛ فإن ادعى ذو فسق ُمج َمع عليه ـ قيل‪ :‬أو مختلف فيه ـ لم‬ ‫«وأن يكون ً‬
‫يجب»(‪.)4‬‬
‫جوب‪.‬‬
‫َ‬ ‫جر(‪ ،)7‬وال َمحلِّ ّي(‪ ،)8‬ال ُو‬ ‫اعتمد ال َ‬
‫خطيب(‪ ،)5‬والرملي(‪ ،)6‬وابن َح َ‬
‫قريب َسيِّده ف َقبِل‪ُ ،‬عتِق‬
‫ِ‬ ‫بعض‬
‫ُ‬ ‫السابع عشر‪ :‬في باب العتق‪ :‬لو ُوهب لعب ٍد‬
‫وس َرى عليه‪ ،‬وعلى سيده قيمةُ باقيه؛ أل ّن الهبةَ له ِهبةٌ لسيده‬ ‫القريب على السيد َ‬
‫قريب َسيِّده‬
‫ِ‬ ‫بعض‬
‫ُ‬ ‫وقَبولَه كقبول سيده؛ قال اإلمام النووي‪« :‬ولو ُو ِهب لعبد‬
‫ف َقبِل‪ ،‬وقلنا‪ :‬يستقبل به عتق وسرى‪ ،‬وعلى سيِّ ِده قيمةُ باقيه»(‪.)9‬‬
‫قهرا كاإلرث‪ ،‬واعتمد‬ ‫اعتمد الرملي(‪ )10‬أنه ال يسري؛ ألنه دخل في مُ ِ‬
‫لكه ً‬
‫ابن حجر(‪ )11‬كالم النووي‪.‬‬

‫((( مغني المحتاج (‪.)41 :6‬‬ ‫((( نهاية المحتاج (‪.)70 :8‬‬
‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)349‬‬ ‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)251 :9‬‬
‫((( نهاية المحتاج (‪.)323 :8‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)384 :6‬‬
‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)271 :10‬‬
‫((( كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين‪ ،‬مع حاشية قليوبي وعميرة (‪.)331 :4‬‬
‫(‪ ((1‬نهاية المحتاج (‪.)390 :8‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)359‬‬
‫(‪ ((1‬تحفة المحتاج البن حجر (‪.)369 :10‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪352‬‬

‫ب‬
‫المبحث الثاني‬
‫ضعفها الإمام النووي‬
‫ب‬ ‫المسائل التي‬
‫ في «المنهاج» واعتمدها بعض المتأخرين‬

‫النووي في «المنهاج» بأنه لم ِ‬


‫يقتصر على األقوال ال ُمعت َمدة‬ ‫ّ‬ ‫تميَّز جهد اإلمام‬
‫فقط‪ ،‬بل ذكر األقوا َل الضعيفة في المذهب‪ ،‬وقد تع َّقب العلماءُ المتأ ِّخرون‬
‫اإلما َم النووي في بعض األقوال التي ضعَّفها؛ قال العالمة األهدل‪« :‬جملة ما في‬
‫«المنهاج» من التعبير بـ«في قول كذا» اثنتان ومئتا عبار ٍة‪ ،‬فهي مع جملة التعبير‬
‫بـ«قيل» ست مئة وواحد وأربعون‪ ،‬كلها ضعيفة ما عدا خمسة عشر موضعًا‪،‬‬
‫ر َّجح المتأخرون اعتمادها‪ ،‬اثنا عشر منها‪ ،‬التعبير فيها بـ«قيل»‪ ،‬وثالثة التعبير‬
‫فيها بقوله‪« :‬وفي قول»»(‪ ،)1‬وهذه المسائل هي‪:‬‬
‫األولى‪ :‬قال اإلمام النووي في فصل زكاة التجارة‪« :‬فإن ملك بنقد ق ُ ّوم به‬
‫إن ملك بنصاب‪ ،‬وكذا دونه في األصح‪ ،‬أو بعرض فبغالب نَقد البلد‪ ،‬فإن غلب‬
‫نقدان وبلغ بأحدهما نصابًا ق ُ ِّوم به‪ ،‬فإن بلغ بهما ق ُ ِّوم باألنفع للفقراء‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫يتخير المالك»(‪.)2‬‬
‫قوله‪« :‬قيل‪ :‬يتخيَّر المالك»‪ :‬قال الرملي‪« :‬هذا ما ص َّححه في أصل «الروضة»‪،‬‬
‫ونقل الرافعي تصحيحه عن العراقيين والروياني‪ ،‬وجرى عليه األذرعي وهو‬

‫((( سلم المتعلم المحتاج لألهدل (ص‪.)66‬‬


‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)69‬‬
‫‪353‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫المعتمد»(‪ ،)1‬وظاهر كالم ابن حجر(‪ ،)2‬والخطيب(‪ )3‬اعتماده‪ ،‬واعتمده القليوبي‬


‫(‪)4‬‬

‫في «حاشيته على المحلي»‪.‬‬


‫الثانية‪ :‬قال اإلمام النووي في كتاب العارية‪« :‬وإذا أعار للبناء أو الغراس‬
‫جانًا لزمه‪ ،‬وإال؛ فإن اختار‬
‫ولم يذكر مدة‪ ،‬ثم رجع إن كان شرط القلع م ّ‬
‫المستعير القلع قلع‪ ،‬وال يلزمه تسوية األرض في األصح‪ .‬قلت‪ :‬األصح تلزمه‪،‬‬
‫واهلل أعلم‪ ،‬وإن لم يختر لم يقلع مجانًا‪ ،‬بل للمعير الخيار بين أن يبقيه بأجرة‪،‬‬
‫أو يقلع ويض َمن أرش النقص‪ ،‬قيل‪ :‬أو يتملكه بقيمته»(‪.)5‬‬
‫قوله‪« :‬قيل‪ :‬أو يتملكه بقيمتِه»‪ .‬قال الخطيب‪« :‬وتخييره بين الثالث هو‬
‫المعتمد‪ ،‬وفاقًا لإلمام والغزالي‪ ،‬وصاحب «الحاوي الصغير» و«األنوار»‬
‫تخييره بين األمور‬ ‫ُ‬ ‫وغيرهم»(‪ ،)6‬وقال الرملي‪« :‬وهو األصح‪ ...‬فال ُمعت َمد‬
‫الثالثة»(‪ ،)7‬واعتمده ابن حجر(‪)8‬؛ فيكون المستعير على ذلك ُمخيَّ ًرا بين إبقائه‬
‫بأُجرة المثل‪ ،‬أو القلع وضمان أرش النقص‪ ،‬أو التملك بالقيمة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬قال اإلمام النووي في كتاب الخلع‪« :‬ولهما التوكيل ـ أي‪ :‬يجوز‬
‫للزوجين التوكيل ـ فلو قال لوكيله‪ :‬خالِعها بمئة لم ينقص منها‪ ،‬وإن أطلق لم‬
‫ينقص عن مهر مثل‪ ،‬فإن نقص فيهما لم تُطلق‪ ،‬وفي قول‪ :‬يقع بمهر مثل»(‪.)9‬‬

‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)302 :3‬‬ ‫((( نهاية المحتاج (‪.)106 :3‬‬
‫((( مغني المحتاج (‪.)109 :2‬‬
‫((( حاشية قليوبي وعميرة على كنز الراغبين (‪.)39 :2‬‬
‫((( مغني المحتاج (‪.)327 :3‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)145‬‬
‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)431 :5‬‬ ‫((( نهاية المحتاج (‪.)138 :5‬‬
‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)219‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪354‬‬

‫قوله‪« :‬وفي قول‪ :‬يقع بمهر مثل» قال الخطيب‪« :‬وهذا هو المعتمد‪ ،‬كما‬
‫قال اإلسنوي‪ :‬إن الفتوى عليه»(‪ ،)1‬ومثله قال الرملي(‪ ،)2‬وابن حجر(‪.)3‬‬
‫الرابعة‪ :‬قال اإلمام النووي في كتاب الطالق‪« :‬وشرط نية الكناية اقترانها‬
‫بكل اللفظ‪ ،‬وقيل‪ :‬يكفي بأوله»(‪.)4‬‬
‫قوله‪« :‬وقيل‪ :‬يكفي بأوله» قال الخطيب‪« :‬وهو المعتمد أنه يكفي اقترانها‬
‫ببعض اللفظ‪ ،‬سواء أكان من أوله أو وسطه أو آخره»(‪ ،)5‬وقال الرملي‪« :‬المرجح‬
‫في «الروضة» كأصلها االكتفاء بأوله وآخره‪ ،‬أي‪ :‬يجزئ منه كما هو ظاهر‪،‬‬
‫فالحاصل االكتفاء بما قبل فراغ لفظها وهو المعتمد»(‪ ،)6‬وقال ابن حجر‪« :‬ور َّجح‬
‫في أصل «الروضة» االكتفاءَ بأ ّوله وآخره‪ ،‬أي‪ :‬بجزء منه كما هو ظاهر»(‪.)7‬‬
‫الخامسة‪ :‬قال اإلمام النووي في كتاب الطالق‪« :‬ولو قال‪ :‬أنت طال ٌق واحدة‪،‬‬
‫ونوى عددًا فواحدة‪ ،‬وقيل‪ :‬المنوي»(‪.)8‬‬
‫قوله‪« :‬وقيل‪ :‬المنوي» اعتمد الخطيب(‪ ،)9‬والرملي(‪ ،)10‬وابن حجر(‪ )11‬أنه‬
‫يقع المنوي؛ ً‬
‫عمل بالنية‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬قال اإلمام النووي في باب كيفية ال ِقصاص‪« :‬الصحيح ثبوته لكل‬
‫وارث‪ ،‬ويُنتَ َظر غائبهم وكمال صبيهم‪ ،‬ومجنونهم‪ ،‬ويحبس القاتل وال يُخلَى‬

‫((( نهاية المحتاج (‪.)402 :6‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)437 :4‬‬
‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)231‬‬ ‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)473 :7‬‬
‫((( نهاية المحتاج (‪.)435 :6‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)462 :4‬‬
‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)233‬‬ ‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)20 :8‬‬
‫(‪ ((1‬نهاية المحتاج (‪.)456 :6‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)478 :4‬‬
‫(‪ ((1‬تحفة المحتاج البن حجر (‪.)49 :8‬‬
‫‪355‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫مستوف‪ ،‬وإال فقرعةٌ يدخلها العاجز ويستنيب‪ ،‬وقيل‪ :‬ال‬


‫ٍ‬ ‫بكفيل‪ ،‬وليتفقوا على‬
‫يدخل»(‪.)1‬‬
‫قوله‪« :‬وقيل‪ :‬ال يدخل» اعتمد الخطيب(‪ ،)2‬والرملي(‪ ،)3‬وابن حجر(‪ )4‬عدم‬
‫دخول العاجز في القرعة عن االستيفاء؛ كالشيخ الكبير‪ ،‬والمرأة‪.‬‬
‫السابعة‪ :‬قال اإلمام النووي في باب كيفية ال ِقصاص‪« :‬ومن قُتِل ب ُمحدَّد‬
‫ٌ‬
‫ولواط في‬ ‫خمر‬
‫ٌ‬ ‫فبسيف‪ ،‬وكذا‬
‫بسحر َ‬ ‫ُص به‪ ،‬أو ِ‬ ‫أو َخ ٍ‬
‫نق أو تجويع ونحوه اقت َّ‬
‫األصح‪ ،‬ولو ُج ِّو َع كتجوي ِعه فلم يمت ِزيدَ‪ ،‬وفي قول‪ :‬السيف»(‪.)5‬‬
‫قوله‪« :‬وفي قول‪ :‬السيف» اعتمده الخطيب(‪ ،)6‬والرملي(‪ ،)7‬أما ابن حجر‬
‫كأنه يميل إلى أنه يُفعَل األهو ُن من الزيادة والسيف‪ ،‬قال‪« :‬قال الشيخان‪ ،‬وهذا‬
‫أقرب‪ ،‬ونقله اإلمام عن المعظم»(‪.)8‬‬
‫ثامنا‪ :‬قال اإلمام النووي في باب كيفية ال ِقصاص‪« :‬ولو مات بجائفة أو‬
‫حزُّ‪ ،‬وفي قول كفعله»(‪ ،)9‬وال ُمعت َمد أنه يُعاقَب من جنس عقوبته‪،‬‬ ‫َكس ِر ع ُ‬
‫َض ٍد فال َ‬
‫وال يُح ّز رقبته(‪.)10‬‬
‫التاسعة‪ :‬قال اإلمام النووي في كتاب دعوى الدم وال َقسامة‪« :‬إنما يثبُت‬
‫«ويشترط ل ُموضح ٍة‪َ :‬‬
‫ض َربَه‬ ‫َ‬ ‫موجب ال ِقصاص بإقرار أو عدلين» إلى أن قال‪:‬‬

‫((( مغني المحتاج (‪.)276 :5‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)276‬‬


‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)435 :8‬‬ ‫((( نهاية المحتاج (‪.)300 :7‬‬
‫((( مغني المحتاج (‪.)283 :5‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)277‬‬
‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)441 :8‬‬ ‫((( نهاية المحتاج (‪.)306 :7‬‬
‫(‪ ((1‬مغني المحتاج (‪.)284 :5‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)377‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪356‬‬

‫رأسه»(‪ )1‬أي‪ :‬يَشت ِرط في الشهادة‬


‫فأوضح عَظم رأسه‪ .‬وقيل‪ :‬يكفي‪ :‬فأوضح َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫فأوضح عظم رأسه؛ ألنه ال شيء يحتمل‬ ‫في ال ِقصاص أن يقول الشاهد‪َ :‬‬
‫ضربه‬
‫بعده‪ ،‬وقيل‪ :‬يكفي‪ :‬فأوضح رأسه من غير تصريح بإيضاح العظم‪.‬‬

‫رأسه» اعتمده الخطيب(‪ ،)2‬وابن حجر(‪،)3‬‬


‫قوله «وقيل‪ :‬يكفي‪ :‬فأوضح َ‬
‫أما الرملي(‪ )4‬فقد قيَّد الكالم إذا لم يكن عاميًّا بحيث ال يَع ِرف مدلول نحو‬
‫اإليضاح شرعًا‪.‬‬

‫العاشرة‪ :‬قال اإلمام النووي في كتاب الردة‪« :‬وتُقبَل الشهادة ِّ‬


‫بالردّة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫يجب التفصيل»(‪.)5‬‬

‫قوله‪« :‬وقيل‪ :‬يجب التفصيل» اعتمده الخطيب قال‪« :‬الختالف المذاهب‬


‫في التكفير‪ ،‬والحكم بالردة عظيم فيُحتاط له»(‪ ،)6‬واعتمده ابن حجر فقال‪:‬‬
‫«الختالف المذاهب في الكفر وخطر أمر الردة‪ ،‬وهذا هو القياس ال سيما في‬
‫النووي وهو عدم التفصيل‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الرملي(‪ )8‬كالمَ‬
‫ُّ‬ ‫العامي»(‪ ،)7‬واعتمد‬

‫السيَر‪« :‬ولو عاقد اإلمام ِعل ً‬


‫جا‬ ‫الحادي عشر‪ :‬قال اإلمام النووي في كتاب ِّ‬
‫حت بداللته أعطيها‪ ...‬وإن أسلمت‬ ‫يد ُّل على قلعة وله منها جارية؛ جاز فإن فُتِ َ‬
‫وجوب بدل‪ ،‬وهو أجرةُ ِمثل‪ ،‬وقيل‪ :‬قيمتها»(‪.)9‬‬
‫ُ‬ ‫ـ أي‪ :‬الجارية ـ فالمذهب‬

‫((( مغني المحتاج (‪.)393 :5‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)289‬‬


‫((( نهاية المحتاج (‪.)399 :7‬‬ ‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)61 :9‬‬
‫((( مغني المحتاج (‪.)433 :5‬‬ ‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)293‬‬
‫((( نهاية المحتاج (‪.)418 :7‬‬ ‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)94 :9‬‬
‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)311‬‬
‫‪357‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫قوله «وقيل‪ :‬قيمتها» اعتمده الخطيب وقال‪« :‬وهو األصح»(‪ ،)1‬وقال‬


‫الرملي‪« :‬وهذا هو المعتمد كما في «الروضة» وأصلها عن الجمهور»(‪،)2‬‬
‫ومثله قال ابن حجر(‪.)3‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬قال اإلمام النووي في كتاب الصيد والذبائح‪« :‬ولو رماه ف َقدَّه‬
‫ـ أي‪ :‬قطعه ـ نص َفين َح ّل‪ ،‬ولو أبان منه عض ًوا بجرح مُذفِّف ـ أي‪ :‬مُس ِرع‬
‫جر َحه جر ًحا آخر‬ ‫للقتل ـ ح َّل العضو والبدن‪ ،‬أو بغير مُذفِّف‪ ،‬ثم ذبحه أو َ‬
‫مُ َذف ِّ ًفا حرم العضو و َح َّل الباقي‪ ،‬فإن لم يتمكن من ذبحه‪ ،‬ومات بالجرح ح َّل‬
‫يحرم العُضو»(‪.)4‬‬
‫الجميع‪ ،‬قيل‪ُ :‬‬
‫حح في «الشرحين»‬ ‫يحرم العضو» قال الخطيب‪« :‬وهو المص َّ‬ ‫قوله‪« :‬قيل‪ُ :‬‬
‫و«الروضة» و«المجموع»؛ ألنه أُبين من َح ٍّي فأشبه ما لو ق َطع ألية شاة‪ ،‬ثم‬
‫ذبَحها ال تحل األلية‪ ،‬وأما باقي البدن فيحل جز ًما(‪ ،)5‬وقال الرملي‪« :‬وهو‬
‫ال ُمعت َمد»(‪ ،)6‬وقال ابن حجر‪« :‬وهو األصح»(‪.)7‬‬
‫النووي في كتاب ال ُمسابَقة والمناضلة‪« :‬وإذا‬
‫ُّ‬ ‫الثالث عشر‪ :‬قال اإلمام‬
‫نضل حزب ـ أي فاز فريق من الفريقين ـ ق ُ ِسم المال بحسب اإلصابة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫بالسوية»(‪.)8‬‬
‫قوله‪« :‬وقيل‪ :‬بالسوية» قال الخطيب‪« :‬وهذا هو الصحيح كما في أصل‬
‫حرر» أن األشبه األول وتبِعَه‬
‫«الروضة» واألشبه في «الشرحين»‪ ،‬وفي «ال ُم َّ‬
‫((( نهاية المحتاج (‪.)84 :8‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)56 :6‬‬
‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)317‬‬ ‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)274 :9‬‬
‫((( نهاية المحتاج (‪.)116 :8‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)103 :6‬‬
‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)325‬‬ ‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)321 :9‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪358‬‬
‫ال ُمصنِّف»(‪ ،)1‬وقال الرملي‪« :‬وهذا هو األصح في «الروضة» واألشبه في‬
‫الشرحين»(‪ ،)2‬قال علي الشبراملسي‪« :‬معتمد»(‪ ،)3‬وقال ابن حجر‪« :‬وهو‬
‫األصح في أصل «الروضة» واألشبه في الشرحين»(‪.)4‬‬
‫الرابع عشر‪ :‬قال اإلمام النووي في كتاب الدعوى والبينات‪« :‬ولو ادعى‬
‫صبي دَينًا له ـ أي‪ :‬على إنسان ـ فأنكر ون َكل لم يحلف الولي‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ٍّ‬ ‫ولي‬
‫ُّ‬
‫يحلف‪ ،‬وقيل‪ :‬إن ادعى مباشرة َسبَبِه َحلَف» ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫قوله‪« :‬وقيل‪ :‬إن ادعى مباشرةَ َسبَبه حلَف» اعتمده ابن حجر فقال‪« :‬وهذا‬
‫(‪)8‬‬
‫خطيب‬‫الرملي(‪ ،)7‬وال َ‬
‫ّ‬ ‫هو المعتمد؛ ألن العَهد تتعلَّق به»(‪ ،)6‬وخالف في ذلك‬
‫فوافقوا النووي‪.‬‬

‫الخامس عشر‪ :‬قال اإلمام النووي في كتاب العتق‪« :‬إذا ملك أه ُل ُّ‬
‫تبر ٍع‬
‫أصلَه أو فرعه عتق‪ ...‬ولو مَلَك في َ‬
‫مرض موتِه قريبَه بال عوض ُعتِ َق من ثلثه‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬من رأس المال»(‪.)9‬‬
‫قوله‪« :‬وقيل‪ :‬من رأس المال» قال الخطيب‪« :‬وهذا هو األصح كما‬
‫ححاه في «الشرحين» و«الروضة»؛ ألن الشرع أخرجه عن ملكه فكأنه لم‬
‫ص َّ‬
‫يدخل»(‪ ،)10‬وقال الرملي‪« :‬وهو المعتمد»(‪ ،)11‬ومثله قال ابن حجر(‪.)12‬‬

‫((( نهاية المحتاج (‪.)172 :8‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)177 :6‬‬
‫((( نهاية المحتاج‪ ،‬مع حاشية الشبراملسي (‪.)172 :8‬‬
‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)354‬‬ ‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪408 :9‬‬
‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪ ((( .)325 :10‬نهاية المحتاج (‪.)360 :8‬‬
‫((( منهاج الطالبين (ص‪.)359‬‬ ‫((( مغني المحتاج (‪.)426 :6‬‬
‫(‪ ((1‬نهاية المحتاج (‪.)389 :8‬‬ ‫(‪ ((1‬مغني المحتاج (‪.)460 :6‬‬
‫(‪ ((1‬تحفة المحتاج البن حجر (‪.)368 :10‬‬
‫‪359‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫وقد نظم العالمة عبد اهلل سعيد اللحجي القيالت ال ُمعت َمدة في «المنهاج»‬
‫(‪)1‬‬

‫فقال‪:‬‬
‫ـــع الرشـــا ِد‬ ‫إلـــى ب َ ِ‬
‫يـــان مَ ْهيِ ِ‬ ‫حمـــ ُد هللِ العَظيـــ ِم الهـــادي‬
‫ال َ‬
‫ـــي َشـــأنُهُ ال َم ِ‬
‫راح ُم‬ ‫علـــى نَبِ ٍّ‬ ‫ث ُ ّم الصـــاةُ والســـامُ الدائ ُم‬
‫والصحيح‬
‫ُ‬ ‫وقَولُـــهُ ال َمقبـــو ُل‬ ‫مُح َّمـــ ٍد مَـــن نُط ُقـــهُ ال َف ُ‬
‫صيح‬
‫والضعيف‬
‫ُ‬ ‫والصحيح‬
‫ُ‬ ‫والشـــاذُ‬ ‫الســـخيف‬
‫ُ‬ ‫ِســـواهُ فـــي أقوالِـــ ِه‬
‫وتابـــع لنَهجِ ـــ ِه ِمـــن أ ُ َّمتِـــه‬
‫ٍ‬ ‫ــــــترتِه‬
‫َ‬ ‫وصــحبـِـــه و ِع‬ ‫وآلِـــ ِه َ‬
‫القيـــات نَظ ًما مُح َكما‬
‫ِ‬ ‫مُعتَ َم َد‬ ‫َوبَعـــ َد ذا فَعَـــ َّن لـــي أن أن ِظمـــا‬
‫أشـــرقَت بِنُـــو ِر ِه الدياجِ ي‬
‫َ‬ ‫مَن‬ ‫عروف بِال ِم ِ‬
‫نهاج‬ ‫ِ‬ ‫في ِســـف ِرنا ال َم‬
‫ريـــح لَف ِظها‬
‫َ‬ ‫ص‬
‫يت َ‬ ‫ح َّر ُ‬ ‫وقَـــد ت َ‬ ‫لحف ِظها‬‫ـــيرها ِ‬
‫يس ُ‬ ‫قَص ِدي بِها ت َ ِ‬
‫مكـ ِن في ذا القسـ ِم‬ ‫ـت بال ُم ِ‬ ‫فَجِ ئـ ُ‬ ‫ق مَجـــا ُل النظـــ ِم‬ ‫و ُربَّمـــا ضـــا َ‬
‫َـــون َربِّـــي ِ‬
‫راحـــ ِم ال ِعبـــا ِد‬ ‫بِع ِ‬ ‫أشـــر ُع فـــي ال ُمـــرا ِد‬
‫َ‬ ‫َوهـــا أنـــا‬
‫حو ُل‬ ‫رط الزكا ِة في التجا ِر ال َ‬‫َش ُ‬ ‫فَـــأ َّو ٌل ِمنـــ ُه َحـــواهُ فَصـــ ُل‬
‫ـــك» يـــا نَبِيـــا‬
‫ـــر المال ِ ُ‬
‫خيَّ َ‬ ‫تَ َ‬ ‫صـــهُ بلَ ِ‬
‫فـــظ‪« :‬قِيـــا‬ ‫وهـــا َك ن َ ُّ‬
‫أخي ُكن دا ِريَهْ‬ ‫تاب يا ِ‬ ‫بَع َد ِ‬
‫الك ِ‬ ‫صلالَّذيفيالعا ِريَه‬ ‫والثّانِيفيال َف ِ‬
‫يَم ِل ُكـــهُ بقيمـــ ٍة» كـــذا َر َووا‬ ‫ـح فِيــه‪« :‬قِيـ َل‪ :‬أو‬‫ولَف ُظـهُ الص ِريـ ُ‬
‫صـــل أ َّو ِل‬
‫ٍ‬ ‫بثُلُثَيـــن قَبـــ َل ف َ‬ ‫ـث يَ ِلــي‬
‫ـع ثالـ ٌ‬
‫خ لـ ِ‬‫ـاب ال ُ‬‫وفِــي ِكتـ ِ‬
‫صـاح َشـ ِّمر تَرت َ ِفع‬
‫ِ‬ ‫ب َمهـ ِر ِم ٍ‬
‫ثـل»‬ ‫َمشـ ُهو ُر لَف ِظـ ِه‪َ « :‬وفِي ق َ ٍ‬
‫ـول يَ َقع‬
‫ـــع‬
‫صـــل رابِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫حلُّـــه ِمنـــهُ ب َف‬
‫مَ َ‬ ‫ح ُق ــوا بِرابِ ـ ِ‬
‫ـع‬ ‫َوفِ ــي الط ــاقِ أل َ‬
‫((( قام األستاذ طالل النداوي بتأليف شرح لطيف على هذه المنظومة أسماه «إسعاف المحتاج‬
‫في شرح منظومة القيالت المرجحة في منهاج الطالبين»‪ ،‬وقد طبعته دار ابن فارس‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪360‬‬

‫يك لَف ُظهُ‪َ « :‬وقِيـــ َل ال َمن ِوي»‬ ‫إل َ َ‬ ‫لـــت مُن َطوي‬‫ُ‬ ‫أ َّولُـــه وقَبـــ َل ق ُ‬
‫ب َفص ِلـــ ِه الثّانِي أتَـــى مُن َد ِرجا‬ ‫صاص جا‬ ‫ِ‬ ‫َكذا َك في َكي ِفيّـــ ِة ال ِق‬
‫يَد ُخ ُل» فاف َهـــم واح َذ ِر التغافُال‬ ‫صـــه « َوقِي َل‪ :‬ال‬ ‫خا ِم ُســـها ون َ ُّ‬
‫الســـيف» ُم ِه ٌّم ِحف ُظ ُه‬
‫ُ‬ ‫«في ق َ ٍ‬
‫ول‬ ‫س ولَف ُظ ُه‪:‬‬‫ذا ال َفص ُل فيه ســـا ِد ٌ‬
‫ول ك ِفع ِل ِه» فحـــا ِذر يَختَفي‬ ‫«ق َ ٍ‬ ‫أيضا ســـابِ ٌع تَـــراهُ في‬ ‫َوفِيـــه ً‬
‫صل بَع َدهُ أيـــا مَن رامَه‬ ‫فِي ال َف ِ‬ ‫وثا ِمـــ ٌن قَد جاءَ في ال َقســـامَه‬
‫خـــذ ما تلفي‬ ‫أســـهُ» ف ُ‬
‫أوض َح َر َ‬ ‫َ‬ ‫صـــه « َوقِيـــ َل‪ :‬يَك ِفي‬ ‫إل َ َ‬
‫يـــك ن َ ُّ‬
‫آخـــر ُجملَه‬
‫َ‬ ‫ل َفص ِل ِه قَـــد جاءَ‬ ‫وتاســـ ٌع جـــاءَ قُبَيـــ َل الجِ زيه‬ ‫ِ‬
‫قِي َمتُهـــا» فـــاد ِر ت َ ُكـــن نَبِيال‬ ‫لـــج وهـــاك «قِيال‬ ‫مَســـألةُ ال ِع ِ‬
‫ِ‬
‫بواض ِح‬ ‫ِ‬
‫العاشـــ ِر جا‬ ‫في نِص ِفه‬ ‫تاب الصيـــ ِد والذبائِ ِح‬ ‫َوفِـــي ِك ِ‬
‫بـــرمُ‬
‫ألمـــر مُ َ‬
‫ٌ‬ ‫العُضـــ ُو» إ ّن ذا‬ ‫ـح لَف ِظ ــه‪َ « :‬وقِي ـ َل‪ :‬يَح ـ ُ‬
‫ـرمُ‬ ‫ص ِري ـ ُ‬
‫َ‬
‫ـــر جاءَ بِال مُجادَله‬ ‫حا ِدي ع ََش ْ‬ ‫ناضلَه‬
‫قات وال ُم َ‬ ‫وفي ال ُمســـاب َ ِ‬
‫َولَف ُظـــهُ‪َ « :‬وقِيـــ َل بِالســـ ِويَّه»‬ ‫أيمـــان ب َغيـــ ِر ِمريـــه‬
‫ٍ‬ ‫قُبَيـــل‬
‫تـــاب الدعوى‬‫ِ‬ ‫لل ِعلـــ ِم ُخذهُ ِ‬
‫بك‬ ‫والثاني بع َد العَش ِر يا مَن قَد َح َوى‬
‫إن ادَّعى مُباشـــره‬ ‫وهْو «وقِيل‪ِ :‬‬ ‫ب َفص ِلـــه الثانـــي أتـــا َك آخره‬
‫وثالـــث العَشـــر أتـــا َك بَعدَه‬
‫ُ‬ ‫ـــف» ثـــم لقطـــه‬ ‫ســـببه َحلَ َ‬
‫تاب فاد ِر هذا واحتَذي‬ ‫الك ِ‬ ‫بع َد ِ‬ ‫صلالذي‬ ‫تققدجاءَ َكفيال َف ِ‬ ‫فيال ِع ِ‬
‫المال» ت َ َّم ما قَد قِيال‬
‫ِ‬ ‫أس‬‫ِمـــن َر ِ‬ ‫وهــــا َكه بلَفـــ ِظـــــ ِه‪َ « :‬وقِيال‪:‬‬
‫َوهْي به تَكـــو ُن أرب َ َع ع َْشـــرا‬ ‫ـــج زادَ ِ‬
‫آخرا‬ ‫ـــب ال َمن َه ِ‬
‫وصاح ُ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫ذكرت تَن ُج ُ‬
‫ُ‬ ‫التفصي ُل» فاح َفظ ما‬ ‫ب‬‫صـريح لَفظـِـــه‪« :‬وقِي َل‪ :‬يَجِ ُ‬‫ُ‬
‫علـــي َخت َم ُه‬
‫َّ‬ ‫ـــر‬
‫َحمدًا ل َمن يَ َّس َ‬ ‫ـــدت نَظ َمه‬
‫ُ‬ ‫هَذا وتَـــ َّم ما ق َ َ‬
‫ص‬
‫وصـحبِه و َمــــن عَـلَى ِمـنوالِـ ِه‬ ‫َ‬ ‫النبـــي وآلِه‬
‫ِّ‬ ‫ث ُ َّم الصـــاةُ على‬
‫‪361‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫ب‬
‫المبحث الثالث‬
‫تقسيم الأبواب والفصول في كتب المذهب الشافعي‬

‫يعتبر موضوع ترتيب المسائل الفقهية وتصنيفها داخل المذهب من النقاط‬


‫المنهجية والمشكالت العلمية التي تواجِ ه الباحث العلمي وطالب العلم عند‬
‫أي مسألة فقهية‪ ،‬أو دراسة كتاب فق ِه ٍّي أو مالحظة اختالفات‬
‫البحث عن ُحك ِم ِّ‬
‫الكتب الفقهية داخل المذهب الواحد في تصنيف المسائل‪.‬‬
‫قسم عُلماءُ الشافعية موضوعات الفقه إلى أربعة كتب رئيسة(‪ )1‬وهي‪:‬‬
‫وقد َّ‬
‫ً‬
‫أول‪ُ :‬ربع العبادات‪ :‬ويشتمل على الكتُب اآلتية‪ :‬الطهارة ـ الصالة ـ الزكاة‬
‫ـ الصيام ـ االعتكاف ـ الحج‪.‬‬
‫بعض كتُب المذهب كـ«األم» و«التنبيه» و«المهذب» و«الروضة»‬
‫ُ‬ ‫وقد أل َحقت‬
‫كتاب قسم الصدقات بكتاب الزكاة‪ ،‬وألحقوا كذلك كتاب الضحايا والصيد‬
‫َ‬
‫والذبائح واألطعمة والنذور آخر ربع العبادات‪ ،‬خالفًا لـ«مختصر المزني»‬
‫و«الوسيط» و«المنهاج» كما سيأتي‪.‬‬
‫ثانيًا‪ُ :‬ربع المعامالت‪ :‬ويشتمل على الكتب اآلتية‪ :‬البيع ـ السلم ـ الرهن‬
‫ـ الوكالة ـ اإلقرار ـ العارية ـ الغصب ـ الشفعة ـ القراض ـ المساقاة ـ اإلجارة ـ‬
‫إحياء الموات ـ الوقف ـ الهبة ـ اللقطة ـ اللقيط ـ الجعالة‪.‬‬

‫((( ترتيب الموضوعات الفقهية ومناسباته في المذاهب األربعة‪ ،‬لعبد الوهاب إبراهيم (ص‪.)60‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪362‬‬

‫وألحقوا بآخر المعامالت كتاب الفرائض والوصايا؛ قال العالمة سليمان‬


‫الجمل‪« :‬كتاب الفرائض‪ :‬أ َّخره عن العبادات‪ ،‬والمعامالت الضطرار اإلنسان‬
‫إليهما من حين والدته دائ ًما‪ ،‬أو غالبًا إلى موته‪ ،‬وألنهما متعلِّقان بإدامة الحياة‬
‫كره في نصف الكتاب»(‪.)1‬‬ ‫فناسب ِذ َ‬
‫السابقة على الموت‪ ،‬وألنه نصف العلم َ‬
‫حقوا كتاب الوديعة وقسم الصدقات بالوصايا؛ قال العالمة البكري‬ ‫وأل َ‬
‫عن مناسبة إلحاق كتاب الوديعة بالفرائض والوصايا‪« :‬وهي ُم ِ‬
‫ناسبة للفرائض؛‬
‫ألن مال الميت بال وارث يصير كالوديعة في بيت مال المسلمين»(‪.)2‬‬
‫وأما مناسبة إلحاق كتاب قسم الصدقات؛ قال الخطيب الشربيني‪« :‬ذكر‬
‫ف في كتابه‬‫هذا الكتاب المزني واألكثرون في هذا الموضع‪ ،‬وتبِعَهم ال ُمصن ِّ ُ‬
‫هذا؛ ألن ُك ًّل من الفيء والغنيمة والزكاة يتولى اإلمام جمعه‪ ،‬وذكره اإلمام‬
‫الشافعي ـ رضي اهلل تعالى عنه ـ في «األم» في آخر الزكاة‪ ،‬وتابعه عليه جماعة‬
‫منهم ال ُمصنِّف في «الروضة» وهو أنسب»(‪.)3‬‬
‫ثالثًا‪ُ :‬ربع المناكحات‪ :‬ويشتمل على الكتب اآلتية‪ :‬النِّكاح ـ الصداق ـ القسم‬
‫والنشوز ـ الخلع ـ الطالق ـ الرجعة ـ اإليالء ـ الظهار ـ الكفارة ـ اللعان ـ ال ِعدَد ـ‬
‫االستبراء ـ الرضاع ـ النفقات‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬ربع الجنايات (كتاب الجِ راح)‪ :‬ويشتمل على الكتب اآلتية‪ :‬الجراح‬
‫ـ الديات ـ دعوى الدم والقسامة ـ البغاة ـ الردة ـ الزنا ـ حد القذف ـ قطع السرقة‬
‫ـ ِ‬
‫الصيال وضمان الوالة له‪.‬‬

‫((( حاشية الجمل على شرح المنهج (‪.)2 :4‬‬


‫((( إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين‪ ،‬للبكري (‪.)284 :3‬‬
‫((( مغني المحتاج (‪.)173 :4‬‬
‫‪363‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫بكمال النُّط ِقيّة‪،‬‬


‫ِ‬ ‫بحث عنه في الفقه إن تعلَّق‬ ‫قال اإلمام الرملي‪« :‬ما يُ َ‬
‫باألكل ونَح ِوه فالمعاملة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بكمال الشهويّة‪ ،‬فإن تعلَّق‬
‫ِ‬ ‫فالعبادةُ إذ بها كمالُها‪ ،‬أو‬
‫أو بال َوطء ونحوه فال ُمناكحة‪ ،‬أو بكمال الغضبية فالجناية‪ ،‬وأهمها العبادةُ‬
‫لتعلُّقها باألشرف‪ ،‬ثم المعاملة لشد ِة الحاجة إليها؛ ثم المناكحة؛ ألنها‬
‫دونها في الحاجة‪ ،‬ثم الجناية ل ِقلّة وقوعها بالنسبة لما قبلها‪َ ،‬‬
‫فرتَّبوها على‬
‫هذا الترتيب»(‪.)1‬‬
‫السيَر؛ ومناسبة ذلك أنه لما انتهى‬
‫ثم أتبع علماء الشافعية بعد ذلك كتاب ِّ‬
‫البحث في أحكام تاركي الصالة جحودًا والمرتدين‪ ،‬تدرج منها إلى ما هو‬
‫أع َظ ُم إث ًما وهم ال ُك ّفار األصليون لبيان أحكامهم‪ ،‬واشتمل كتاب السير على‬
‫كتابين‪ :‬الجِ زية وال ُهدنة‪.‬‬
‫وأتبعوا بعد ذلك كتاب الصيد والذبائح‪ ،‬وقد جعله بعضهم كـ«الروضة»‬
‫في آخر كتاب العبادات؛ لتعلُّ ِقه بالهدي؛ ألن ال َه َ‬
‫دي ي َق ُع من الحالل وال ُمحرم‪،‬‬
‫وكذلك األضحية تقع منهما‪.‬‬
‫ثم كتاب األيمان والنذور‪ ،‬قدَّموها على كتاب القضاء؛ ألن القاضي‬
‫يحتاج إلى اليمين من الخصوم‪ ،‬و ُجمعت النذور معها؛ ألن بعض أقسام النذر‬
‫بع العبادات‬ ‫فيه ك ّفارة يَمين‪ ،‬وهو نَذ ُر اللجاج‪ ،‬ومنهم من جعَل النُّذور َ‬
‫آخر ُر ِ‬
‫كـ«األُم» و«الروضة»‪.‬‬
‫واختلفوا بالمسابقة والمناضلة فمنهم من جعَله في ُربع المعامالت كـ«التنبيه»‬
‫و«ال ُم َه َّذب»؛ لتعلُّقهما بالمعاوضة من حيث حصول ال ِعوض المشروط على‬

‫((( نهاية المحتاج (‪.)59 :1‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪364‬‬

‫العمل‪ ،‬ومنهم مَن أل َح َقه بكتاب السير كـ«مختصر المزني» و«الروضة» و«المنهاج»؛‬
‫لتعلُّ ِقهما بالجهاد من حيث إنهما ُسنّتان إذا قُصد بهما التأهب للجهاد(‪.)1‬‬
‫وأ َّخروا كتاب األقضية والشهادات؛ ألنها تجري في جميع ما قبلها من‬
‫معامالت وغيرها‪ ،‬واشتمل هذا الكتاب على كتاب القضاء‪ ،‬وكتاب الشهادات‪،‬‬
‫وكتاب الدعوى والبينات‪.‬‬
‫وختموا موضوعات الفقه بكتاب العتق (وهي أبواب العتق‪ ،‬والتدبير‪،‬‬
‫والكتابة‪ ،‬وأمهات األوالد) لمعنى لطيف‪ ،‬وهو التفاؤل بال ِفكاك من النار(‪.)2‬‬
‫وقد كتب اإلمام سراج الدين البُلقيني رسالة لطيفة «مناسبة أبواب الفقه‬
‫فصل في مناسبة ترتيب األبواب في كتب‬
‫على قاعدة أصحابنا رضي اهلل عنهم» َّ‬
‫المذهب‪ ،‬والرسالة مطبوعة‪.‬‬
‫فائدة مهمة‪:‬‬
‫مختص ٍة من العلم‬
‫ّ‬ ‫جملة‬
‫جمع‪ .‬واصطال ًحا‪ :‬اسم ل ُ‬
‫الكتاب لغة‪ :‬الض ُّم وال َ‬
‫مُشت ِملة على أبواب وفصول‪.‬‬
‫جمل ٍة مُخت َّصة من‬
‫توصل منه إلى غيره‪ .‬واصطال ًحا‪ :‬اس ٌم ل ُ‬
‫الباب لغة‪ :‬ما يُ َّ‬
‫الكتاب مُشت ِملة على فصول غالبًا‪.‬‬
‫الفصل لغة‪ :‬الحاجز بين الشيئين‪ .‬واصطال ًحا‪ :‬اسم لجملة مُخت َّصة من الباب‬
‫مشتملة على مسائل غالبًا‪.‬‬

‫((( مناسبة أبواب الفقه على قاعدة أصحابنا‪ ،‬للبلقيني (ص‪.)26‬‬


‫((( ترتيب الموضوعات الفقهية ومناسباته في المذاهب األربعة (ص‪.)69 -67‬‬
‫‪365‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫الفرع لغة‪ :‬ما بُنِي على غيره‪ .‬واصطال ًحا‪ :‬اس ٌم لجملة مُخت َّصة من العلم‬
‫مُشت ِملة على مسائل غالبًا‪.‬‬
‫المسألة لغة‪ :‬مُطلَق السؤال‪ ،‬واصطال ًحا‪ :‬مطلوب خبري يُبرهَن عليه في‬
‫العلم‪.‬‬
‫الفائدة‪ :‬هي المسألة ال ُمرتَّبة على الفعل من حيث هي كذلك‪ ،‬أو هي كل‬
‫نافع دنيوي أو أُخروي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫التنبيه‪ :‬هو البَحث الالحق الذي تقدمت له اإلشارة بحيث يُفهم من الكالم‬
‫ً‬
‫إجمال‪.‬‬ ‫السابق‬
‫التتمة‪ :‬ما يتم به الكتاب أو الباب‪ ،‬وهو قريب من معنى الخاتمة(‪.)1‬‬

‫((( سلم المتعلم المحتاج لألهدل (ص‪.)95 -93‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪366‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫ب‬
‫الس َل ّم التعليمي للمذهب الشافعي‬
‫ُ‬

‫منهج تدريسي في الفقه الشافعي‪ ،‬وق ُ ِّس َمت‬


‫ٌ‬ ‫اشتهر عند الشافعية المتأ ِّخرين‬
‫فيه ال ُكتُب الدراسية إلى ثالث مراحل‪:‬‬
‫أول‪ :‬المرحلة األولى‪ :‬يتص َّور فيها الطالب أهم مسائل المذهب التي‬ ‫ً‬
‫يحتاجها في حياته العملية‪ ،‬ويد ُرس فيها‪« :‬نَي َل الرجا بشرح سفينة النجاة»‪،‬‬
‫و«شرح اب ِن قاس ٍم ال َغزِّي على‬
‫حضرمية»‪َ ،‬‬‫و«المختصر الصغير»‪ ،‬و«ال ُمقدِّمة ال َ‬
‫الطالب كتابَين من هذه الكتُب في هذه‬
‫ُ‬ ‫متن أبي شجاع»‪ ،‬ويفضل أن يدرس‬
‫المرحلة على األقل‪.‬‬
‫ويُطالِع في أدلّة األحكام «التذهيب في أدلة الغاية والتقريب» للدكتور‬
‫مصطفى البغا‪.‬‬
‫ج َويني‬
‫ويدرس في علم أصول الفقه‪« :‬متن الورقات» إلمام الحرمين ال ُ‬
‫حلِّي‪ ،‬أو ابن ال ِفركاح‪ ،‬أو ال َ‬
‫ح ّطاب‪.‬‬ ‫مع أحد شروحه؛ مثل‪ :‬شرح ال َم َ‬
‫ثانيًا‪ :‬المرحلة الثانية‪ :‬يتع َّمق فيها الطالب بدراسة فروع المذهب وضبطها‬
‫على القول المعتمد‪ ،‬ويدرس فيها‪« :‬الياقوت النفيس»‪ ،‬و«صفوة الزُّبد»‪،‬‬
‫و«عمدة السالك»‪ ،‬و«اإلقناع بشرح ألفاظ أبي شجاع»‪ ،‬و«تحفة الطالب بشرح‬
‫فضل أن يدرس الطالب كتابين من هذه الكتب في‬ ‫تحرير تنقيح اللباب»‪ ،‬ويُ َّ‬
‫هذه المرحلة‪ ،‬وأن يحفظ منظومة «صفوة الزبد»‪.‬‬
‫‪367‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا يف ىوتفلاو ثحبلا جهنم‬

‫وال يُنصح أن يدرس طالب العلم الحواشي ـ باستثناء «حاشية البَيجوري‬


‫على شرح ابن قاسم على متن أبي شجاع» ـ في هذه المرحلة؛ ألن الحواشي‬
‫تج َمع الفوائد‪ ،‬والمسائل الفقهية‪ ،‬والنحوية‪ ،‬والبالغية‪ ،‬والكالمية‪ ،‬معًا مع دقة‬
‫وصعوبة في عرض هذه المسائل مما يسبب تشتتًا عند طالب العلم وفقدان‬
‫المنهجية‪ ،‬ولذلك قرر علماؤنا أن من قرأ الحواشي في أول الطلب ما حوى شيئًا‪.‬‬
‫وأما «حاشية البيجوري» فتُعتبر من الحواشي النادرة التي يمكن لطالب‬
‫العلم في هذه المرحلة أن يُطالِعها ويستفي َد منها؛ ألن أسلوبها سهل مقارنة‬
‫بالحواشي األخرى‪.‬‬
‫ويطالع في أدلة األحكام «فتح الع َّلم بشرح اإلعالم في أحاديث األحكام»‬
‫لشيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪.‬‬
‫ويدرس في علم أصول الفقه «اللُّ َمع» لإلمام الشيرازي‪ ،‬ثم يثنِّي بكتاب‬
‫«منهاج الوصول إلى علم األصول» لإلمام البيضاوي مع شرح العالمة األصفهاني‪.‬‬
‫ويطالع في القواعد الفقهية «إيضاح القواعد الفقهية لطالب المدرسة‬
‫الصولتية» للعالمة عبد اهلل اللحجي‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المرحلة الثالثة‪ :‬يتعمق فيها الطالب بدراسة المسائل الدقيقة في‬
‫المذهب‪ ،‬ومعرفة أقوال اإلمام وأو ُجه األصحاب مع أدلتها‪ ،‬وفهم العلل‬
‫المستنبطة من الفروع الفقهية‪ ،‬والتدقيق في الفروق الفقهية‪ ،‬وال يتعجل الطالب‬
‫حصل الملَكة الفقهية التي تُعينُه على الفتوى والتخريج‪.‬‬
‫في هذه المرحلة حتى يُ ِّ‬
‫ويدرس فيها‪« :‬منهاج الطالبين» مع «شرح المحلي»‪ ،‬أو «منهج الطالب»‬
‫مع «شرح فتح الوهاب» لشيخ اإلسالم‪ ،‬ويُ َّ‬
‫فضل أن يقتصر على كتاب من أحد‬
‫ويكر َره أكثر من مرة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ُمق‬
‫هذين الكتابين ويد ِرسه بع ٍ‬
‫‪368‬‬

‫ويمكن أن يبدأ طالب العلم في هذه المرحلة ب ُمطالَعة كتب الحواشي؛ ألن‬
‫تض ُّم مسائل دقيقة يحتاجها كل عالم متخصص في المذهب‬ ‫كتب الحواشي ُ‬
‫الشافعي‪ ،‬ومن أفضل كتب الحواشي التي يُنصح بها «حاشية الجمل على شرح‬
‫المنهج» في حال درس «شرح المنهج»‪ ،‬فهذه الحاشية موسوعة عظيمة و َكنز ال‬
‫مثيل له‪ ،‬كما يُنصح بمطالعة «حاشية قليوبي على شرح المنهاج» في حال درس‬
‫«شرح المنهاج»‪ ،‬وهي حاشية َغنِيّة بالفوائد والدقائق الفقهية‪.‬‬
‫ويطالع في هذه المرحلة في أدلة األحكام «إحكام األحكام في شرح‬
‫عمدة األحكام» لإلمام ابن دقيق العيد‪.‬‬
‫ويدرس في علم أصول الفقه «شرح جمع الجوامع» لإلمام جالل الدين‬
‫المحلي‪.‬‬
‫ويطالع في القواعد الفقهية «األشباه والنظائر» لإلمام السيوطي‪.‬‬
‫ب‬
‫الباب الثالث‬
‫أصول المذهب الشافعي‬

‫يتكون هذا الباب من ثالثة فصول هي‪:‬‬


‫ـ الفصل األول‪ :‬أبرز المسائل األصولية في المذهب‬
‫ـ الفصل الثاني‪ :‬أبرز القواعد الفقهية الكلية في المذهب‬
‫ـ الفصل الثالث‪ :‬أحكام االجتهاد والتقليد في المذهب‬
‫الفصل الأول‬
‫ب‬
‫أبرز المسائل الأصولية في المذهب الشافعي‬

‫تمهيد في نشأة أصول الفقه(‪: )1‬‬


‫علم أصول الفقه من أعظم العلوم وأجلِّها قد ًرا وأكثرها فائدة؛ ألنه به‬
‫والسنّة النبوية‪ ،‬فاألحكامُ‬
‫ُّ‬ ‫يستطيع ال َمرءُ أخ َذ األحكام الشرعية من الكتاب‬
‫الشرعية كانت تُتَل َّقى في عهد رسول اهلل ﷺ منه بما يوحى إليه من القرآن‬
‫َ َ ٓ َ َ َۡ َ َۡ َ‬
‫ك ٱلۡك َِتٰبَ‬ ‫الكريم وبما يبيِّنُه بقوله وفعله‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪﴿ :‬وما أنزلنا علي‬
‫ۡ َ‬ ‫َۡٗ َّ‬ ‫ۡ َُ ْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ‬
‫إِلا ل ُِتبَي ّ ِ َن ل ُه ُم ٱلذِي ٱخ َتلفوا فِيهِ َو ُه ٗدى َو َرحمة ل ِق ۡو ٖم يُؤم ُِنون﴾ [النحل‪.]64 :‬‬

‫وقد علَّم ُّ‬


‫النبي ﷺ الصحابةَ طر َ‬
‫ق االجتهاد للوصول إلى الحكم الشرعي‪،‬‬
‫منها قص ُة معاذ بن جبل رضي اهلل عنه حين بعثه ﷺ لليمن فقال له‪« :‬كيف تقضي‬
‫عرض لك قضاء؟» قال‪ :‬أقضي بكتاب اهلل‪ ،‬قال‪« :‬فإن لم تَجِ د في كتاب اهلل؟»‬
‫إذا َ‬
‫قال‪ :‬فبِ ُسنّة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قال‪« :‬فإن لم تجِ د في ُسنّة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وال في‬
‫كتاب اهلل؟» قال‪ :‬أجتهد رأيي وال آلو‪ ،‬فضرب رسول اهلل ﷺ صدره‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫رسول اهلل لما يُ ِ‬
‫رضي رسول اهلل»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫«الحم ُد هلل الذي وف َّ َق رسو َل‬

‫((( انظر‪ :‬تاريخ أصول الفقه‪ ،‬لعلي جمعة‪ ،‬وتطور الفكر األصولي عند المتكلمين‪ ،‬ألحمد‬
‫الحسنات‪.‬‬
‫((( أخرجه أبو داود‪ ،‬باب اجتهاد الرأي في القضاء (‪ ،)303 :3‬حديث رقم (‪.)3592‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪372‬‬

‫الخطاب الشفاهي‪ ،‬ف ُح ِفظ القرآن‬ ‫ومن بع ِده عليه الصالة والسالم تع َّذر ِ‬
‫الكريم بالنقل المتواتر‪ ،‬وأجمع الصحابة الكرام على وجوب العمل بالسنة‬
‫وفعل مع صحة سالمة النقل‪ ،‬ثم الصحابةُ كانوا يتَّفقون على تعيُّن‬ ‫ً‬ ‫النبوية ً‬
‫قول‬
‫بعض الدالئل الواردة في الكتاب والسنة على معنى مُعيَّن‪ ،‬ويُ ِ‬
‫نكرون أش ّد النكير‬
‫على مَن خالَفها‪ُ ،‬‬
‫فس ِّمي اتِّفاقُهم إجماعًا وصار ً‬
‫دليل شرعيًّا‪.‬‬
‫ثم نظروا في آيات القرآن الكريم ال ُمتعلِّقة باألحكام فكانت محصورةً بما‬
‫ال يزيد عن (‪ )500‬آية من مجموع (‪ )6236‬آية‪ ،‬ونظروا في األحاديث النبوية‬
‫الشريفة ال ُمتعلِّقة باألحكام‪ ،‬فكانت محصورة بما ال يزيد عن (‪ )3000‬حديث‬
‫من مجموع (‪ )14000‬حديث‪ُ ،‬مقابل ذلك أن الوقائع تتج َّددُ بتجدُّد األزمنة‬
‫نص ِمن‬‫كثيرا من الوقائع التي حدثت بعده ﷺ لم تندرج في ٍّ‬ ‫واألمكنة؛ فإن ً‬
‫ص عليه‪ ،‬فكانوا يقيسون األشباهَ‬ ‫كتاب أو سنة فقاسوها بما ثبت وأل َحقوها بما ن ُ ّ‬
‫لحقون األمثَل باألمثل حتى يغلب على الظن أن حكم اهلل فيهما‬ ‫باألشبه‪ ،‬ويُ ِ‬
‫دليل شرعيًّا‪ ،‬فقد أوصى عمر بن الخطاب‬ ‫قياسا وصار ً‬ ‫فس ِّمي فِعلُهم هذا ً‬
‫واحد‪ُ ،‬‬
‫أبا موسى األشعري‪ ،‬فقال له‪« :‬ال َفه َم ال َفه َم فيما يخت ِل ُج في صد ِرك مما لم يبلُ َ‬
‫غك‬
‫س األمو َر عند ذلك‪ ،‬واع ِمد‬ ‫َعرف األمثا َل واألشباه‪ ،‬ثم قِ ِ‬ ‫في القرآن والسنة‪ ،‬فت َّ‬
‫إلى أحبِّها إلى اهلل‪ ،‬وأشبهها فيما ترى»(‪.)1‬‬
‫والسنّة‪ ،‬واإلجماعُ‪ ،‬والقياس‪ ،‬اتفق‬
‫الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫فهذه أصول األدلة األربعة‪:‬‬
‫بعضهم في اإلجماع والقياس‪ ،‬إال أنه‬‫جمهور العلماء على ُح َّجيتِها‪ ،‬وإن خالَف ُ‬
‫غير مُعتَ ّد بخالفه‪ ،‬وهناك أدلة غير هذه األربعة مَ َح ُّل خالف بين العلماء؛ كعمل‬
‫وس ِّد الذرائع‪...‬الخ‪.‬‬
‫أهل المدينة‪ ،‬والعُرف‪َ ،‬‬
‫((( السنن الكبرى للبيهقي (‪.)197 :10‬‬
‫‪373‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫واعلم أ ّن أو َل مَن كتب في هذا الفن اإلمام الشافعي رضي اهلل عنه في‬
‫كتابه «الرسالة»‪ ،‬ج َمع فيه الكالم على األوامر والنواهي‪ ،‬والبيان‪ ،‬والخبر‪،‬‬
‫والنسخ‪ ،‬والتخصيص‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬والقياس‪ ،‬وخبر الواحد‪ ،‬واالجتهاد‪.‬‬
‫وأوسعوا القول فيه وح َّققوا قواعده‪ ،‬إال‬
‫َ‬ ‫َب فقهاء الحنفية في هذا الفن‬
‫وكت َ‬
‫أن كتابة الفقهاء أليَ ُق بالفروع الفقهية لكثرة األمثلة والشواهد وبناء المسائل فيها‬
‫على النكت الفقهية‪ ،‬والتقاط هذه القوانين من الفروع الفقهية ما أمكن‪ ،‬وكتب‬
‫المتكلِّمون فيه فكانوا ِّ‬
‫يجردون المسائل عن الفقه‪ ،‬ويَميلون إلى االستدالل‬
‫العقلي ما أمكن‪.‬‬
‫أحسن ما َكتَب‬
‫قال العالمة ابن خلدون في «مقدمة تاريخه»‪« :‬وكان ِمن َ‬
‫للغزالي وهما‬
‫ّ‬ ‫فيه المتكلِّمون كتاب «البُرهان» إلمام الحرمين‪ ،‬و«المستصفى»‬
‫من األشعريّة‪ ،‬وكتاب «ال ُع َمد» لعبد الجبّار‪ ،‬وشر ُحه «المعتمد» ألبي الحسين‬
‫البصري‪ ،‬وهما من المعتزلة‪ ،‬وكانت األربعة قواعد هذا الف ّن وأركانه‪.‬‬
‫ّ‬
‫خص هذه الكتب األربعة فَحالن ِمن المتكلّمين المتأ ّخرين وهما‪:‬‬
‫ث ّم ل ّ‬
‫اآلمدي»‬
‫ّ‬ ‫اإلمام فخر الدّين بن الخطيب في كتاب «المحصول»‪ ،‬و«سيف الدّين‬
‫في كتاب «اإلحكام»‪.‬‬
‫واختلفت طرائقهما في الف ّن بين التّحقيق واالحتجاج؛ فابن الخطيب‬
‫واآلمدي مُول َ ٌع بتحقيق المذاهب‬
‫ّ‬ ‫أميل إلى االستكثار من األدلّة واالحتجاج‪،‬‬
‫وتفريع المسائل‪.‬‬
‫األرموي‬
‫ّ‬ ‫وأمّا كتاب «المحصول»؛ فاختصره تلميذ اإلمام ِسراج الدّين‬
‫األرموي في كتاب «الحاصل»‪ ،‬واقتطف‬
‫ّ‬ ‫في كتاب «التّحصيل»‪ ،‬وتاج الدّين‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪374‬‬

‫القرافي منهما مقدّمات وقواعد في كتاب صغير س ّماه «التّنقيحات»‪،‬‬


‫ّ‬ ‫شهاب الدّين‬
‫البيضاوي في كتاب «المنهاج»‪ ،‬و ُعنِي المبتدئون بهذين الكتابين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وكذلك فعل‬
‫كثير من النّاس‪.‬‬
‫وشر َحهما ٌ‬
‫َ‬
‫خصه‬ ‫لآلمدي وهو أكثر تحقي ًقا في المسائل فل ّ‬
‫ّ‬ ‫وأمّا كتاب «اإلحكام»‬
‫أبو عمر بن الحاجب في كتابه المعروف بـ«المختصر الكبير»‪ ،‬ث ّم اختصره‬
‫في كتاب آخر «مختصر ابن الحاجب» تداوله طلبة العلم و ُعنِي أهل المشرق‬
‫والمغرب به وبمطالعته وشرحه وحصلت زبدة طريقة المتكلّمين في هذا الف ّن‬
‫في هذه المختصرات‪.‬‬
‫كثيرا‪ ،‬وكان من أحسن كتاب ٍة فيها للمتقدّمين‬ ‫وأمّا طريقة الحنفيّة فكتبوا فيها ً‬
‫تأليف سيف اإلسالم‬ ‫ُ‬ ‫وسي‪ ،‬وأحسن كتاب ِة المتأ ِّخرين فيها‬
‫تأليف أبي زيد ال ّدب ّ ّ‬
‫ُ‬
‫اعاتي من فقهاء الحنفيّة فجمع‬
‫ّ‬ ‫الس‬
‫البزدوي من أئ ّمتهم وهو مستوعب‪ ،‬وجاء ابن ّ‬
‫البزدوي في ال ّطريقتين وس ّمى كتابه بـ«البدائع» فجاء‬
‫ّ‬ ‫بين كتاب اإلحكام وكتاب‬
‫من أحسن األوضاع وأبدعها‪ ،‬وأئ ّمة العلماء لهذا العهد يتداولونه قراءة وبحثًا‪،‬‬
‫وأولع كثير من علماء العجم بشرحه‪.‬‬
‫والحال على ذلك لهذا العهد‪ ،‬هذه حقيقة هذا الف ّن وتعيين موضوعاته‬
‫وتعديد التّآليف المشهورة لهذا العهد فيه‪ ،‬واهلل ينفعنا بالعلم ويجعلنا من أهله‬
‫بمنّه وكرمه إنّه على ك ّل شيء قدير»(‪ .)1‬انتهى‪.‬‬

‫((( ديوان المبتدأ والخبر‪ ،‬البن خلدون (‪.)577 :1‬‬


‫‪375‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ب‬
‫المبحث الأول‬
‫في الأحكام‬

‫أول ًا ‪ :‬المندوب لا يلزم بالشروع فيه‬


‫المندوب يجوز تركه ابتداءً‪ ،‬كما يجوز ترك إتمامه‪ ،‬فالمتلبس بنفل من‬
‫صالة أو صوم يجوز قطعه بعذر أو غيره وال قضاء عليه؛ قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫فسه‪ ،‬إن شاء صام‪ ،‬وإن شاء أف َطر»(‪ ،)1‬فلم يوجب‬
‫«الصائ ُم ال ُمتط ِّو ُع أمي ُن ن َ ِ‬
‫الشارع على الصائم المتلبِّس بصيامه إتمام صومه‪ ،‬ويُقاس على الصيام الصالة‬
‫كل منهما عبادة بدنية مُؤقَّتةٌ بوقت مخصوص‪.‬‬‫بجامع أن ًّ‬

‫قال العالمة القليوبي‪« :‬قوله‪( :‬فله قطعهما ـ أي‪ :‬نفل الصيام ونفل الصالة ـ )‬
‫كاعتكاف‪ ،‬وقراء ٍة ولو في‬
‫ٍ‬ ‫أي‪ :‬وال كراهة مع العذر‪ ،‬ومثلهما سائر النوافل؛‬
‫صالة‪ ،‬وطواف‪ ،‬ووضوء‪ ،‬وذكر ولو في صالة أو عقبها‪ ،‬وفرضُ الكفاية كالنفل‬
‫فيما ذُ ِكر على المعتمد إال في حج وعمرة‪ ،‬سواء الفرض والنفل‪ ،‬وإال في تجهيز‬
‫ميت لم يقم غيره مقامه فيه»(‪.)2‬‬
‫ويستثنى من ذلك الحج والعمرة المندوبان‪ ،‬فيجب إتمامهما؛ ألن نفل‬
‫الحج والعمرة كفرضهما في النية والك ّفارة؛ وألن ًّ‬
‫كل من النفل والفرض ال‬

‫((( أخرجه الترمذي‪ ،‬باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع (‪ )100 :3‬حديث رقم (‪.)732‬‬
‫((( حاشيتا قليوبي وعميرة (‪.)94 :2‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪376‬‬

‫يجوز الخروج منه بعد فساده‪ ،‬بل يجب ال ُمضي فيه(‪.)1‬‬


‫أيضا األضحية فحكمها الندب‪ ،‬ولكن إذا ذُبحت تلزم‬
‫ويُستثنى من ذلك ً‬
‫بالشروع(‪.)2‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬المكروه وخلاف الأولى‬


‫مخصوص ـ نهي‬
‫ٍ‬ ‫بنهي‬
‫جازم ٍ‬
‫ٍ‬ ‫المكروه‪ :‬هو ُك ُّل ما اقتضى التر َك اقتضاءً َ‬
‫غير‬
‫صريح ـ ككراه ِة ترك تحية المسجد؛ لورود نهي مخصوص عن ذلك؛ قال‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إذا د َخ َل أحدُكم المسجِ َد فال يج ِلس حتى يُصلِّي ركعتَين»(‪.)3‬‬
‫وأما خالف األولى‪ :‬فهو ما اقتضى التر َك اقتضاءً غير جازم بنهي غير‬
‫مخصوص ـ نهي غير صريح ـ كترك صالة الضحى فهو خالف األولى‪ ،‬وليس‬
‫فيه نهي مخصوص لتركه‪ ،‬وإنما كان خالف األولى؛ ألن األمر بالشيء نهي‬
‫بسنِّيّة صالة الضحى‪ ،‬فيكون تر ُكها خالف األولى‪.‬‬
‫عن ضده‪ ،‬وقد ثبت األمر ُ‬
‫حلِّي‪( :‬وتقسيم خالف األولى زاده المصنف ـ أي‪ :‬اإلمام‬
‫قال اإلمام ال َم َ‬
‫السبكي ـ على األصوليين أخ ًذا من متأخري الفقهاء حيث قابلوا المكروه‬
‫وفرقوا بينهما‪ ،‬ومنهم إمام الحرمين في‬
‫بخالف األولى في مسائل عديدة َّ‬
‫«النهاية»‪ ...‬وأما المتقدِّمون فيُط ِلقون ال َمكروه على ذي النهي ال َمخصوص‬
‫وغير المخصوص وقد يقولون في األول‪ :‬مكروه كراهة شديدة)(‪.)4‬‬

‫((( حاشية العطار على شرح الجالل المحلي على جمع الجوامع (‪.)130 :1‬‬
‫((( تشنيف المسامع بجمع الجوامع للزركشي (‪.)135 :1‬‬
‫((( أخرجه البخاري‪ ،‬باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى‪.)57 :2( ،‬‬
‫((( حاشية العطار على شرح الجالل المحلي على جمع الجوامع (‪.)116 :1‬‬
‫‪377‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫قد يعبِّر علماء المذهب المتأخرون بمصطلح «خالف سنة» و«خالف‬


‫األفضل» و«ليس بسنة»‪ ،‬والمراد بـ«خالف السنة» و«خالف األفضل» ما ال نهي‬
‫فيه‪ ،‬بل فيه فضل لكن خالفه أفضل منه‪ ،‬وأما مرادهم بـ«ليس بسنة» أنه مباح(‪.)1‬‬
‫قال اإلمام ابن حجر معلِّ ًقا على قول صاحب «المقدمة الحضرمية»‪« :‬ويكره‬
‫قراءة السورة في الركعة الثالثة والرابعة من الرباعية والثالثة من المغرب»‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«وهذا ضعيف‪ ،‬والمعتمد أن قراءتها فيهما ليست خالف األولى‪ ،‬بل وال خالف‬
‫السنة وإنما هي ليست بسنة‪ ،‬وفرق بين ما ليس بسنة وما هو خالف السنة»(‪.)2‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬الفاسد والباطل‬


‫الفاسد والباطل مترادفان‪ ،‬معناهما واحد عند الجمهور‪.‬‬
‫فالفساد في المعامالت‪ :‬بأال يكون العقد مستتبعًا آلثاره‪ ،‬وتُخلَّف آثاره‬
‫عنه‪ ،‬وال يكون سببًا لترتب األحكام عليه‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬عقد النكاح على إحدى المحرمات‪ ،‬وبيع عَسب الفحل(‪،)3‬‬
‫وحبل الحبلة(‪ ،)4‬والمالقيح(‪ ،)5‬والمضامين(‪ ،)6‬والمالمسة(‪ ،)7‬والمنابذة(‪،)8‬‬

‫((( رسالة التنبيه‪ ،‬للكيفتاوي المليباري (ص‪.)85 -80‬‬


‫((( المنهاج القويم البن حجر الهيتمي (ص‪.)125‬‬
‫((( أي‪ :‬طروقه لألنثى‪.‬‬
‫((( كقوله‪ :‬إذا ولدت ناقتي‪ ،‬وولد ولدها‪ ،‬فقد بعت َ‬
‫ُك الولد‪.‬‬
‫((( هي‪ :‬بيع ما في أصالب الفحول‪.‬‬
‫((( هي‪ :‬بيع ما في بطون اإلناث من النَّعَم‪.‬‬
‫((( وهي‪ :‬أن يجعل البيع ما يلمسه المشتري‪.‬‬
‫((( هي‪ :‬أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه ويجعل بيعًا‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪378‬‬

‫وبيع الحصاة(‪ ،)1‬وبيعتين في بيعة واحدة(‪.)2‬‬


‫أما الفساد في العبادات‪ :‬فكون الفعل غير مسقط للقضاء عند الفقهاء‪،‬‬
‫ومخالفة الفعل أمر الشارع عند المتكلمين‪.‬‬
‫قال اإلمام الشافعي‪« :‬قلت‪ :‬أفرأيت من أفسد صالته أو صومه أو طوافه‬
‫أيمضي في واحد منها أو يستأنفها؟ قال‪ :‬بل يستأنفها‪ ،‬قلت‪ :‬ولو مضى في صالة‬
‫فاسدة‪ ،‬أو صوم‪ ،‬أو طواف‪ ،‬لم يجزه‪ ،‬وكان عاصيًا‪ ،‬ولو فسدت طهارته‪ ،‬ومضى‬
‫مصليًّا أو طائ ًفا لم يجز؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬يؤمر بالخروج منها؟ قال‪ :‬نعم»(‪.)3‬‬
‫ـ تنبيهات‪:‬‬
‫‪1‬ـ الفرق بين اصطالح الشافعية واصطالح الحنفية في التفريق بين الفاسد‬
‫فرقنا في هذه الفروع ـ كما‬ ‫والباطل‪ :‬قال اإلمام تاج الدين السبكي‪« :‬واعلم أنا َّ‬
‫ننح طريقتَهم؛ ألنهم يثبتون بيعًا فاسدًا‬ ‫علمت ـ بَي َد أنّا لم ُ‬
‫نرم مرا َم الحنفية‪ ،‬ولم ُ‬
‫القبض أحكامٌ شرعية‪ ،‬ونحن ال نفعل ذلك‪ ،‬وإنما العقود لها‬
‫ِ‬ ‫يترتب عليه مع‬
‫صورة لغة وعرفًا من عاقد‪ ،‬ومعقود عليه‪ ،‬وصيغة‪ ،‬ولها شروط شرعية‪.‬‬
‫فإن وجدت ُكلُّها فهو الصحيح‪ ،‬وإن ف ُ ِقد العاقد‪ ،‬أو المعقود عليه‪ ،‬أو‬
‫باطل مجاز‪ ،‬وإن وجدت‬ ‫ً‬ ‫الصيغة وما يقوم مقامها‪ ،‬فال عقد البتة‪ ،‬وتسميته‬
‫وقارنها مُ ِ‬
‫فسد من عدم شرط أو نحوه فهو فاسدٌ‪.‬‬

‫((( هو‪ :‬البيع بإلقاء الحجر دون تحديد للمبيع‪.‬‬


‫((( مثل‪ :‬بعتـك هذا بألف نقـدًا‪ ،‬أو بألفين مؤ َّج ًل‪ ،‬أو بعتـك ثوبي بألف على أن تبيعني عبـدك‬
‫بخمسمئة‪.‬‬
‫((( األم للشافعي (‪.)330 :1‬‬
‫‪379‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫أيضا‪ ،‬ولكن يُطلَق عليه ل ُمشابهتِه للصحيح من جهة ترتُّب‬ ‫وعندنا هو باطل ً‬
‫أثر ما عليه من أُجرة مثل‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬ولم ننف عنه اإلبطال‪ ،‬وإنما س َّميناه بالفساد‪،‬‬
‫وسكتنا عن ذكر الباطل؛ تفرقةً بين ما يترتب عليه أثر ما‪ ،‬وما ال يترتب»(‪ .)1‬انتهى‪.‬‬
‫‪2‬ـ من أمثلة التفريق بين الباطل والفاسد عند الشافعية‪:‬‬
‫ويفسد بالجماع الطارئ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بالردّة‬
‫‪1‬ـ الحج يبطل ِّ‬
‫‪2‬ـ اإلجارة الفاسدة تجب فيها أجرة المثل‪.‬‬
‫‪3‬ـ إعارة الدراهم لغير التزيين؛ فإن قلنا باطلة كانت غير مضمونة أو‬
‫فاسدة فمضمونة‪.‬‬
‫‪4‬ـ الخلع والكتابة‪ :‬الباطل فيهما ما كان على عوض غير مقصود كدم‪،‬‬
‫كالص َغر والس َفه‪ ،‬والفاسد يترتب عليه الطالق‬
‫ِّ‬ ‫أو رجع إلى خلل في العقد‬
‫والعتق‪ ،‬ويرجع السيد بالقيمة والزوج بالمهر(‪.)2‬‬

‫((( رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب لتاج الدين السبكي (‪.)25 :2‬‬
‫((( بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض األئمة من العلماء المتأخرين (ص‪.)108‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪380‬‬

‫ب‬
‫المبحث الثاني‬
‫في الأدلة الشرعية المتفق عليها‬

‫بُنيت فروع المذهب الشافعي على مجموعة من األصول واألدلة التي‬


‫بعضها مع غيرهم من سائر المذاهب‪ ،‬واختلفوا في‬ ‫جية ِ‬ ‫اتفق الشافعية في ُح ّ‬
‫حجية بعضها اآلخر‪ ،‬ومن األصول ال ُمت َفق على ُح ِّ‬
‫جيّتِها‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪،‬‬
‫واإلجماع‪ ،‬والقياس‪ .‬ومن األصول المختلف في حجيتها‪ :‬االستصحاب‪،‬‬
‫واالستقراء‪ ،‬واألخذ بأقل ما قيل‪ ،‬والمناسب المرسل‪ ،‬وفقد الدليل‪...‬إلخ‪،‬‬
‫وسنتعرف باختصار على أهم األدلة التي اختص بها الشافعية‪.‬‬

‫أول ًا ‪ :‬الاحتجاج بخبر الآحاد‬


‫ينقسم الخبر‪ :‬إلى متواتر وآحاد‪.‬‬
‫مع يمتن ُع عادةً تواطؤُهم على الكذب من حيث‬
‫خبر َج ٍ‬
‫أما المتواتر‪ :‬فهو ُ‬
‫كثرتهم عن محسوس‪ ،‬ال عن معقول لجواز الغلط فيه(‪.)1‬‬
‫وأما اآلحاد‪ :‬فليس المراد بخبر الواحد ما يرويه الواح ُد فقط‪ ،‬بل المراد‬
‫منه‪ :‬خبَ ُر اآلحاد الخبر الذي لم ينتَ ِه إلى َح ِّد التواتر(‪.)2‬‬

‫((( البحر المحيط‪ ،‬للزركشي (‪ ،)94 :6‬وغاية الوصول في شرح لب األصول لزكريا األنصاري‬
‫(ص‪.)100‬‬
‫((( تشنيف المسامع بجمع الجوامع للزركشي (‪.)958 :2‬‬
‫‪381‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ويجب العم ُل بخبر الواحد وإن كان ظنِّيـًّا في سنده(‪)1‬؛ ألنه ﷺ كان يبعث‬
‫اآلحادَ إلى القبائل والنواحي لتبليغ األحكام‪ ،‬فلوال أ ّن َ‬
‫خبر اآلحاد يجب العم ُل‬
‫به لم يكن لبَعثِهم فائدة‪ ،‬وألنه لو لم يجب العمل بخبر اآلحاد لتع َّطلَت وقائع‬
‫األحكام المرويّة به‪ ،‬وهي كثيرة جدًّا(‪.)2‬‬
‫ويُستد ُّل على ذلك بما رواه عبد اهلل بن عمر‪ ،‬قال‪ :‬بينا الناس ب ُقباء في صالة‬
‫آت‪ ،‬فقال‪« :‬إن رسول اهلل ﷺ قد أُن ِزل عليه الليلةَ قرآن‪ ،‬وقد‬‫الصبح‪ ،‬إذ جاءهم ٍ‬
‫أ ُ ِم َر أن يستقبِ َل الكعبة‪ ،‬فاستقبِلوها‪ ،‬وكانت ُوجوهُهم إلى الشأم‪ ،‬فاستداروا إلى‬
‫الكعبة»(‪ ،)3‬قال الحافظ ابن حجر العسقالني‪« :‬وفيه قَبو ُل خبَ ِر الواحد‪ ،‬ووجوب‬
‫العمل به»(‪.)4‬‬
‫ـ تنبيهات‪:‬‬
‫القياس يُع َمل به عند الشافعية‪ ،‬وال يُشترط حينئذ‬
‫َ‬ ‫‪1‬ـ خبر اآلحاد إذا خالف‬
‫ثبوت ص ّحتِه‪ ،‬وال عبرةَ بفقه الراوي(‪.)5‬‬
‫ُ‬ ‫فقه الراوي؛ ألن مدا َر الع َمل بخبر الواحد‬
‫‪2‬ـ ذهب الشافعية إلى أن خبر اآلحاد إذا تعارض مع عمل أهل المدينة‬
‫يُع َمل بخبر الواحد خالفًا للمالكية؛ ألن إجماع أهل المدينة ليس بحجة وال‬
‫يُعتبَر إجماعًا(‪.)6‬‬

‫((( التبصرة في أصول الفقه للشيرازي (ص‪ ،)299‬واإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬لآلمدي (‪.)1:281‬‬
‫((( غاية الوصول في شرح لب األصول لزكريا األنصاري (ص‪ ،)102‬وحاشية العطار على‬
‫جمع الجوامع (‪( )2‬ص‪.)159‬‬
‫((( أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب ما جاء في القبلة‪ )89 :1( ،‬رقم (‪.)403‬‬
‫((( فتح الباري‪ ،‬البن حجر (‪.)507 :1‬‬
‫((( حاشية العطار على شرح جمع الجوامع (‪.)162 :2‬‬
‫((( حاشية العطار على شرح جمع الجوامع (‪.)161 :2‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪382‬‬
‫‪3‬ـ ذهب الشافعية إلى أن خبر اآلحاد فيما ت ُع ُّم به البلوى يُع َمل به خالفًا‬
‫للحنفية‪ ،‬والمقصود بما ت ُع ُّم به البلوى ما يشتد حاجة المكلفين إليه‪ ،‬ويكثُر السؤا ُل‬
‫عنه؛ ألن نقل األخبار كان في الصدر األول حسب الدواعي‪ ،‬وقد حج النبي ﷺ‬
‫اليسير من الصحابة(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫وكان معه مئة ألف صحابي‪ ،‬ومع ذلك لم ير ِو َح َّجه إال‬

‫ثانيًا ‪ :‬الاحتجاج بالحديث المرسل‬


‫الحديث المرسل‪ :‬ما انقطع إسنادُه‪ ،‬فس َقط من رواته واحد فأكثر‪ ،‬كقول‬
‫التابعي‪ ،‬أو تابع التابعي‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ(‪.)2‬‬
‫فاإلرسال‪ :‬رواية الراوي العَدل ع َّمن لم يسمع منه‪ ،‬فيكون الواسطة بينهما‬
‫ً‬
‫مجهول‪.‬‬
‫رسل قد يكون من الصحابة أو من غيرهم‪.‬‬ ‫وال ُم ِ‬
‫رسل الصحابي‪ :‬قو ُل أنس‪ :‬ذُ ِكر لي أن النبي ﷺ قال لمعاذ‪« :‬مَن‬ ‫ومثال مُ َ‬
‫ل َ ِقي اهللَ ال يُش ِر ُك به شيئًا د َخل ال َ‬
‫جنّة»(‪.)3‬‬
‫أما الصحابة‪ ،‬فيجب العم ُل بمراسي ِلهم؛ ألنّهم مقطو ٌع بعدالتهم(‪.)4‬‬
‫بش ٍ‬
‫روط(‪ ،)5‬ومع ذلك‬ ‫الشافعي ُ‬
‫ِّ‬ ‫اإلمام‬
‫ِ‬ ‫أما مراسي ُل غير الصحابة فتُقبَل عند‬
‫ال تكون في ق ُ ّوة ال ُمت َِّصل(‪ ،)6‬وهذه الشروط‪ ،‬هي(‪:)7‬‬

‫((( الوجيز في أصول التشريع اإلسالمي‪ ،‬لمحمد حسن هيتو (ص ‪.)303‬‬


‫((( اللمع في أصول الفقه للشيرازي (ص‪ ،)73‬والبحر المحيط‪ ،‬للزركشي (‪( )6‬ص‪.338‬‬
‫((( أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب من خص بالعلم قومًا دون قوم (‪ ،)38 :1‬رقم (‪.)129‬‬
‫((( اللمع في أصول الفقه للشيرازي (ص‪.)73‬‬
‫((( الرسالة‪ ،‬للشافعي (ص‪ 462‬وما بعدها)‪ ،‬واإلحكام في أصول األحكام لآلمدي (‪.)123 :2‬‬
‫((( الرسالة‪ ،‬للشافعي (ص‪.)464‬‬
‫((( الرسالة‪ ،‬للشافعي (ص‪ ،)462‬واإلحكام في أصول األحكام لآلمدي (‪.)123 :2‬‬
‫‪383‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫رس ِله‪.‬‬
‫غير مُ ِ‬
‫المرس َل ُ‬
‫َ‬ ‫‪1‬ـ إذا أسند‬
‫أرسله راو آخر يروي عن غي ِر ُش ِ‬
‫يوخ األ َّول‪.‬‬ ‫‪2‬ـ إذا َ‬
‫عضده قول صحابي‪.‬‬ ‫‪3‬ـ إذا َّ‬
‫عضده قول أكثر أهل العلم‪.‬‬‫‪4‬ـ إذا َّ‬
‫المرسل أنه ال يُ ِ‬
‫رسل عمن فيه علة من جهالة أو غيرها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪5‬ـ إن ُع ِرف ِمن حال‬
‫مقبول‪ّ ،‬‬
‫وإل فهو مردود؛ أل ّن‬ ‫ً‬ ‫رسل بواح ٍد مما سبَق كان‬ ‫َ‬
‫اعتضد ال ُم َ‬ ‫فإذا‬
‫المرسل أولى‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫مجهول الحال ال ُمس َّمى غير مقبولة؛ لجهالة حاله‪ ،‬فرواية‬ ‫رواي َة‬
‫غير مذكور‪ ،‬فهو مَجهو ُل العَين والحال(‪.)1‬‬
‫المروي عنه ُ‬
‫ّ‬ ‫بعدم القبول؛ ألن‬
‫تنبيه‪ :‬ذكر اإلمام النووي أن اإلمام الشافعي لم يحت َّج بمراسيل سعيد بن‬
‫المسيّب مُطل ًقا‪ ،‬بل بالشروط السابقة(‪ .)2‬وبيَّن اإلمام الماوردي أ ّن الشافعي في‬
‫فر ِدها‪ ،‬وأما في الجديد فهي كغيرها(‪.)3‬‬
‫يحتج بمراسيل سعيد ب ُم َ‬
‫ُّ‬ ‫القديم كان‬
‫نسب إلى اإلمام الشافعي التفري َق بين‬ ‫وبيّن الحافظ البيهقي َغ َ‬
‫لط َمن َ‬
‫مراسيل ابن ال ُمسيَّب وغي ِره في رسالتِه لإلمام أبي محمد الجويني حيث قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫جة‬
‫ح ّ‬
‫ترجيحات ال تقوم ال ُ‬
‫ٌ‬ ‫«ورأيت في هذا الفصل قوله في المراسيل‪ :‬إنها‬
‫بها‪ ،‬سوى مرسل سعي ِد بن ال ُم َسيَّب‪ ،‬والشيخ ـ أدام اهلل عزه ـ تبِع في إطالق‬
‫هذه اللفظة صاحب «التلخيص»‪ ،‬ولو نظر في رسالتَي‪ :‬القديمة والجديدة‬
‫للشافعي رحمه اهلل‪ ،‬وأبصر شرطه في قبول المراسيل‪ ،‬وتذ َّكر المسائل التي‬
‫بناها على مراسيل غيره حين اقترن بها الشرط‪ ،‬ولم يجد فيها ما هو أقوى منها‬

‫((( اإلحكام في أصول األحكام (‪.)126 :2‬‬


‫((( المجموع شرح المهذب (‪.)61 :1‬‬
‫((( الحاوي الكبير‪ ،‬للماوردي (‪.)158 :5‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪384‬‬

‫ـ وهو أدام اهلل توفيقه أعلم بتلك المسائل مني ـ لقال بسوى مرسل سعيد بن‬
‫المسيب‪ ،‬ومن كان في مثل حاله من كبار التابعين؛ ليكون قولُه مواف ًقا لجملة‬
‫قول الشافعي في الرسالتين»(‪.)1‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬دلالة العام‬


‫ذهب الشافعية إلى أن داللة العام على أصل المعنى قطعية من الواحد‬
‫فيما هو غير جمع‪ ،‬والثالثة أو االثنين فيما هو جمع؛ ألنه ال يحتمل خروجهما‬
‫بالتخصيص إذ ال يجوز التخصيص إلى ّأل يبقى شيء ينتهي إليه‪ ،‬وإال كان‬
‫نس ً‬
‫خا(‪.)2‬‬
‫أما داللته على كل فرد بخصوصه بحيث يستغرق جميع األفراد ف َظنّية؛‬
‫صه(‪.)3‬‬
‫يخص ُ‬
‫ِّ‬ ‫الحتمال ورود دليل‬
‫ٱلل بكُ ّل َش ۡي ٍء َعل ‪ٞ‬‬
‫ِيم﴾‬ ‫َ َّ ُ‬
‫وإذا قام دليل على انتفاء التخصيص كالعقل في‪﴿ :‬و ِ ِ‬
‫َۡ‬ ‫ّ َّ‬
‫﴿لِ َما في َّ َ َ‬
‫ت َو َما فِي ٱلأ ِ‬
‫ۡرض﴾ [البقرة‪ ]284 :‬كانت داللة العام‬ ‫ٱلسمٰو ٰ ِ‬ ‫ِ‬ ‫[البقرة‪ِ ،]282 :‬‬
‫قطعية اتفاقًا‪.‬‬
‫الشافعي أ ّن الصيَغ العامةَ‬
‫ّ‬ ‫صح عندي من مذهب‬
‫قال إمام الحرمين‪« :‬الذي َّ‬
‫نصا في االستغراق‪ ،‬وإنما التردُّد فيما عدا‬
‫تجردُها عن القرائن لكانت ًّ‬
‫صح ُّ‬
‫لو َّ‬
‫األقل من جهة عدم القطع بانتفاء القرائن المخصصة»(‪.)4‬‬

‫((( رسالة البيهقي إلى الجويني (ص‪.)87‬‬


‫((( حاشية العطار على جمع الجوامع (‪.)514 :1‬‬
‫((( تشنيف المسامع للزركشي (‪.)653 :2‬‬
‫((( اإلبهاج بشرح المنهاج للسبكي (‪.)89 :2‬‬
‫‪385‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫رابع ًا ‪ :‬حمل المطلق على المقيد‬


‫ال ُمطلَق‪ :‬ما د َّل على الماهية بال قيد من حيث هي هي(‪ ،)1‬فال ُمطلَق يد ُّل‬
‫على الماهية (الحقيقة) دون قَي ٍد ـ أي‪ :‬تعيين ـ نحو‪ :‬رجل‪ ،‬امرأة‪ ،‬عبد‪ ،‬بقرة‪.‬‬
‫وال ُمقيَّد‪ :‬ما د َّل على الماهية بشرط شيء(‪ ،)2‬فالتقيي ُد اشتراط(‪ ،)3‬ف َقولُنا‪:‬‬
‫ف بالتقوى‪،‬‬ ‫ص َ‬ ‫أك ِرم ر ُج ًل تقيًّا‪ ،‬يعني‪ :‬أننا اشترطنا عليه أن يُك ِرم ً‬
‫رجل واحدًا ات َّ َ‬
‫وإن كان الرجا ُل األتقياءُ ُكثُ ًرا‪.‬‬
‫و َحم ُل ال ُمطلَق على ال ُمقيَّد له أربعة أحوال(‪:)4‬‬
‫حكم والسبب‪ ،‬فيُح َمل ال ُمطلَق على ال ُمقيَّد‪،‬‬ ‫الحالة األولى‪ :‬أن يت َِّحدا في ال ُ‬
‫كاح ّإل‬
‫نكاح إال ب َول ِ ٍّي وشاهدَين»(‪ ،)5‬وقوله‪« :‬ال نِ َ‬
‫َ‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬ال‬‫ومثاله‪ :‬قو ُل ِّ‬
‫رش ٍد وشا ِهدَي عَدل»(‪.)6‬‬
‫ب َول ِ ٍّي مُ ِ‬
‫فقوله‪« :‬ال نكاح» يُعطينا ال ُحك َم ال ُمت َِّحد في الحديثين‪ ،‬وهو نفي صحة‬
‫النكاح إال بوجود الولي والشاهدين‪ .‬والسبب مت َِّحد في الحديثين‪ ،‬وهو النكاح‪.‬‬

‫((( البحر المحيط‪ ،‬للزركشي (‪.)5 :5‬‬


‫((( حاشية العطار على جمع الجوامع (‪.)79 :2‬‬
‫((( المستصفى‪ ،‬للغزالي (ص‪.)262‬‬
‫((( حاشية العطار على شرح جمع الجوامع (‪ ،)86 :2‬والوجيز في أصول التشريع اإلسالمي‪،‬‬
‫لمحمد حسن هيتو (ص‪.)208‬‬
‫((( أخرجه ابن أبي شيبة‪ ،‬باب من قال‪ :‬ال نكاح إال بولي أو سلطان (‪ )454 :3‬حديث رقم‬
‫(‪.)15924‬‬
‫((( أخرجه البيهقي موقوفًا ومرفوعًا‪ ،‬السنن الكبرى‪ ،‬باب ال نكاح إال بولي مرشد (‪)201 :7‬‬
‫والقواريري‬
‫ُّ‬ ‫«تفرد به ال َقواريري مرفوعًا‬
‫حديث رقم (‪ ،)13713‬ثم ع َّقب الحافظ البيهقي‪َّ :‬‬
‫ثقة‪ ،‬إال أن المشهور بهذا اإلسناد موقوف على ابن عباس رضي اهلل عنهما»‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪386‬‬

‫فالحكم نفي صحة النكاح‪ ،‬والنكاح هو السبب‪ ،‬فال ُحك ُم ُمت َِّح ٌد والسبب متحد‪.‬‬
‫نكاح إال ب َول ِ ٍّي» على ال ُمقيَّد فيُقيَّد بصفة ُّ‬
‫«الرشد»‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فيُح َمل ال ُمطلَق في قوله‪« :‬ال‬
‫ويحمل قولُه‪« :‬بشاهدَين» ال ُمطلَ ُق فيُقيَّد بصفة العدالة‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أن يت َِّحدا في الحكم ويختلفا في السبب‪ ،‬فيُح َمل ال ُمطلَق‬
‫َ‬ ‫ََ ۡ ُ َ‬
‫ير َرق َبةٖ ّمِن ق ۡب ِل‬‫على ال ُمقيَّد‪ ،‬ومثاله‪ :‬قال اهلل تعالى في كفارة الظهار‪﴿ :‬فتح ِر‬
‫ٓ‬ ‫َ‬
‫أن َي َت َما َّسا﴾ [المجادلة‪ ]3:‬أطلَق الرقَبة ولم يُقيِّدها بصفة اإليمان‪ ،‬وقال في كفارة‬
‫ۡ‬ ‫ََ ۡ ُ َ‬
‫ير َرق َبةٖ ُّمؤم َِنةٖ﴾ [المجادلة‪ ]3:‬قيَّدها بصفة اإليمان‪ ،‬فالحكم واحد‬‫القتل‪﴿ :‬فتح ِر‬
‫وهو وجوب التحرير؛ أي‪ :‬عتق الرقبة في الموضعين‪ .‬لكن السبب مختلف‪،‬‬
‫فال ُمطلَق جاء بسبب الظهار‪ ،‬وال ُمقيَّد بسبب القتل‪.‬‬
‫الحالة الثالثة‪ :‬أن يت َِّحدا في السبب ويخت ِلفا في الحكم‪ ،‬فيُح َمل ال ُمطلَق‬
‫ق اليَ ِد في آية التيمم؛ قال تعالى‪:‬‬‫على ال ُمقيَّد إذا اتحدت العلة‪ ،‬مثاله‪ :‬إطال ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِيكم ّم ِۡن ُه﴾ [المائدة‪ ،]6 :‬مع تقييد اليد إلى المرافق في‬ ‫﴿ف ۡ‬
‫ٱم َس ُحوا ب ِ ُو ُجوهِك ۡم َوأيۡد‬
‫َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ ُ ْ‬
‫ُ ُ َ ُ ۡ َ ۡ َ ُ‬
‫ك ۡم إِلى ٱل َم َراف ِِق﴾ [المائدة‪،]6 :‬‬ ‫آية الوضوء؛ قال تعالى‪﴿ :‬فٱغسِلوا وجوهكم وأيدِي‬
‫فقد اتَّحد السبب وهو ال َحدَث‪ ،‬واختلف الحكم وهو وجوب المسح في األولى‬
‫والغسل في الثانية‪ ،‬فيُحمل ال ُمطلَق على ال ُمقيَّد؛ الشتراكهما في سبب الحكم‪.‬‬
‫الحالة الرابعة‪ :‬إذا اختلفا في الحكم والسبب؛ فال يُح َمل أحدُهما على‬
‫َ ۡ ُ ْ‬
‫اآلخر‪ ،‬مثاله‪ :‬تقييد اليد إلى المرافق في الوضوء في قوله تعالى‪﴿ :‬فٱغسِلوا‬
‫ُ ُ َ ُ ۡ ََۡ َ ُ َ ۡ‬
‫ك ۡم إِلى ٱل َم َراف ِِق﴾ [المائدة‪ ]6 :‬مع إطالق اليد في السرقة كما‬ ‫وجوهكم وأيدِي‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ ُ َ َّ َ ُ َ ۡ‬
‫ٱلسارِقة فٱق َط ُع ٓوا أيۡد َِي ُه َما﴾ [المائدة‪ ]38 :‬فال يُح َمل‬‫في قوله تعالى‪﴿ :‬وٱلسارِق و‬
‫ال ُمطلَق على ال ُمقيَّد؛ الختالف سبب الحكم‪.‬‬
‫‪387‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫خامسًا ‪ :‬حمل المشترك على جميع معانيه‬


‫المشترك‪ :‬اللفظ الواحد الموضوع لمعنيين فأكثر وضعًا أوليًّا؛‬ ‫َ‬ ‫اللفظ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يض‪ ،‬ويُرادُ به ال ُّطهر‪.‬‬
‫ح ُ‬‫كلفظ ال ُقرء ﴿ثلٰثة ق ُر ٓو ٖء﴾ [البقرة‪ ،]228 :‬فال ُقرء يُرادُ به ال َ‬
‫وقد ذهب اإلمام الشافعي إلى جواز استعمال ال ُمشترك في جميع معانيه‬
‫ّ ٓ‬ ‫َ َ‬
‫معًا‪ ،‬كلفظ المالمسة في قوله تعالى‪﴿ :‬أ ۡو ل ٰ َم ۡس ُت ُم ٱلن ِ َسا َء﴾ [المائدة‪ ]6 :‬فقد ح َمله‬
‫س باليَ ِد وعلى الجِ ماع(‪.)1‬‬ ‫ج ِّ‬
‫اإلمام الشافعي على ال َ‬
‫وقد اشترطوا أال تتضاد المعاني التي يدل عليها المشترك كلَ ِ‬
‫فظ ال ُقرء فال‬
‫يض معًا(‪.)2‬‬
‫ح ِ‬‫يص ُّح َحملُه على ال ُّطهر وعلى ال َ‬
‫ِ‬

‫سادسًا ‪ :‬الاستثناء المتعقب للجمل المتعاطفة‬


‫إذا ورد االستثناءُ بعد ُجمل متعاطفة‪ ،‬فيعودُ لجميعها عند اإلمام الشافعي ما‬
‫ون ٱل ۡ ُم ۡح َص َنٰت ُث َّم ل َ ۡم يَ ۡأتُوا ْ بأَ ۡر َبعةَِ‬
‫َ َّ َ َ ۡ ُ َ‬
‫صه دليل‪ ،‬مثاله قوله تعالى‪﴿ :‬وٱلذِين يرم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لم ي ُ‬
‫خ ّ‬
‫ُ َ‬ ‫َۡ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َۡ ُ َْ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ٓ َ‬ ‫ُ‬
‫ِين َجل َد ٗة َولا تق َبلوا ل ُه ۡم ش َه ٰ َدةً أبَ ٗداۚ َوأ ْو ٰٓلئ ِ َك ُه ُم ٱلفٰسِقون *‬ ‫َ َ َ ۡ ُ ُ‬
‫وه ۡم ث َمٰن َ‬‫شهداء فٱجل ِد‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِين تَابُوا ِم ۢن َب ۡع ِد ذٰل َِك َوأ ۡصل ُحوا﴾ [النور‪ ،]5 ،4 :‬فاالستثناء من قوله تعالى‪:‬‬
‫إلا ٱلذ َ‬
‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َّ‬
‫ِين تابُوا﴾ ترجع إلى ال ُ‬
‫جمل الثالث‪ :‬األولى‪ :‬فيها األمر بالجلد‪ ،‬والثانية‪:‬‬ ‫﴿إِلا ٱلذ‬
‫النهي عن قبول الشهادة‪ ،‬والثالثة‪ :‬الحكم بالفسق‪ ،‬ولكن الدليل قام على وجوب‬
‫جلد القاذف ولو تاب‪ ،‬فال يرجع االستثناء إليها‪ ،‬ويسقط الحكم بالفسق وعدم‬
‫قبول الشهادة(‪.)3‬‬

‫((( حاشية العطار على شرح جمع الجوامع (‪.)389 :1‬‬


‫((( نهاية السول (‪.)113 :1‬‬
‫((( الوجيز في أصول التشريع اإلسالمي‪ ،‬لمحمد حسن هيتو (ص ‪.)186‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪388‬‬

‫سابع ًا ‪ :‬نسخ الكتاب بالسنة ونسخ السنة بالكتاب‬


‫نسخ بالسنة‪،‬‬‫والسنة ت ُ َ‬ ‫نسخ ِ‬
‫بالكتاب‪ُّ ،‬‬ ‫ذهب اإلمام الشافعي إلى أن الكتاب يُ َ‬
‫خت الكتاب فيكون معها آية في الكتاب تعتضد بها‪ ،‬وإذا‬ ‫فإذا ُوجدت سن ّ ٌة َ‬
‫نس َ‬
‫نس َ‬
‫خت السنة فيكون معها حديث من السنة تعتضد به‪.‬‬ ‫ُوجدت آية في الكتاب َ‬
‫َۡ َّۡٓ‬ ‫َۡ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ ۡ‬
‫نسخ م ِۡن َءايَ ٍة أ ۡو ننس َِها نأ ِ‬
‫ت ِبخي ٖر مِنها‬ ‫واستد َّل على ذلك بقوله تعالى‪﴿ :‬ما ن‬
‫َ ۡ ٓ‬
‫أ ۡو مِثل َِها﴾ [البقرة‪ ،]106 :‬والسنة ليست بخير من الكتاب وال مثله‪ ،‬فتعين كون‬
‫نسخ الكتاب بالكتاب‪ ،‬وأما امتناع نسخ السنة بالكتاب فاستدل بقوله تعالى‪:‬‬
‫ُ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ ٓ َ‬
‫نزل َنا إِل ۡيك ٱلذِك َر ل ُِتبَي ِ َن ل َِّلن ِ‬
‫اس َما ن ّ ِزل إِل ۡي ِه ۡم﴾ [النحل‪ ]44 :‬على امتناع نسخ‬ ‫﴿وأ َ‬
‫َ‬

‫الكتاب بالسنة؛ ألن اآلية دلت على أن السنة ُمبيِّنة فلو كانت ناسخة لكانت رافعة‬
‫ال مبينة‪ ،‬واستدل باآلية السابقة كذلك على أن السنة تبيِّن القرآن فلو كان القرآن‬
‫خا بالسنة لكان القرآن بيانًا للسنة فيلزم كون كل واحد منهما بيانًا لآلخر‪.‬‬
‫ناس ً‬

‫والسنّة بالكتاب‬
‫بالسنّة ُّ‬ ‫السبكي‪« :‬وأما ن َ ُ‬
‫سخ الكتاب ُّ‬ ‫قال اإلمام تقي الدين ُّ‬
‫فالجمهور على جوازه ووقوعه‪ ..‬ون ُ ِقل عن الشافعي رضي اهلل عنه وقد استن َكر‬
‫جماعةٌ من العلماء ذلك من الشافعي‪ ..‬وقال إمام الحرمين‪ :‬قطع الشافعي‬
‫نسخ بالسنة‪ ،‬وتردَّد في قوله في ن َ ِ‬
‫سخ السنة بالكتاب‪،‬‬ ‫جوابَه بأ ّن الكتاب ال يُ َ‬
‫قلت‪ :‬وهنا هو الذي قاله في «الرسالة» فإنه قال في باب ابتداء الناسخ‬
‫ُ‬
‫كتاب اهلل إال كتابُه كما كان المبتدي بفرضه فهو‬
‫َ‬ ‫نسخ‬
‫والمنسوخ ما نصه‪ :‬وال يَ َ‬
‫ال ُمزي ُل ال ُمثبِت لما شاء منه َج َّل ثناؤه‪ ،‬وال يكون ذلك ألحد من خلقه‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫خها ّإل ُسنّة رسول اهلل ﷺ‪،‬‬
‫ينس ُ‬
‫ثم قال ما نصه‪ :‬وهكذا سنة رسول اهلل ﷺ ال َ‬
‫لس َّن فيما‬
‫غير ما َس َّن فيه رسول اهلل ﷺ َ‬
‫ولو أحدث اهلل لرسوله في أمر َس َّن فيه َ‬
‫‪389‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫أحدث اهلل إليه حتى يُبيِّ َن للناس أن له سنة ناسخة للتي قبلها مما يخالفها‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫الكالم أ َخذ مَن ن َقل عن الشافعي رحمه اهلل أن النبي ﷺ‬
‫ِ‬ ‫و ِمن َ‬
‫صدر هذا‬
‫ينس ُخ ذلك الحكم فال ب ُ َّد أن يَ ُس َّن ُّ‬
‫النبي ﷺ‬ ‫إذا َس َّن ُسنّة ثم أنزل اهلل في كتابه ما َ‬
‫جة على الناس في كل‬ ‫ح ّ‬ ‫ُسن ّ ًة أخرى ُموافق ًة للكتاب َ‬
‫تنس ُخ ُسنّتَه األولى لتقو َم ال ُ‬
‫تخالف الكتاب(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫بالكتاب والسن ِة جميعًا‪ ،‬وال تكون ُسنّة منفردةً‬
‫ِ‬ ‫حكم‬

‫بالسنّة كن َ ِ‬
‫سخ آية الوصية‬ ‫وذهب ُجمهو ُر الشافعية إلى جواز ن َ ِ‬
‫سخ الكتاب ُّ‬
‫ُ َ َ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ ۡ َ ۡ ُ َ َ َ َ ۡ ً ۡ َ َّ ُ‬
‫صية‬ ‫للوالدين واألقربين ﴿كتِب عليكم إِذا حضر أحدكم ٱلموت إِن ترك خيرا ٱلو ِ‬
‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َۡ َ ۡ َ ََۡۡ َ ۡ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وصيّة لوا ِرث» ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫َ‬ ‫وف﴾ [البقرة‪ ]180 :‬بحديث‪« :‬ال ِ‬ ‫ل ِلوٰل ِدي ِن وٱلأقربِين بِٱلمعر ِ‬
‫بالسنّة ال ِفعلية‬ ‫وجوا ِز ن َ ِ‬
‫سخ السنة بالكتاب كنسخ استقبال بيت المقدس الثابت ُّ‬
‫بآية استقبال البيت الحرام‪.‬‬
‫ّ ُّ َ‬ ‫َ َ َّ ۡ َ َ َ ۡ َ‬
‫ك ٱلۡك َِتٰ َ‬
‫ب ت ِۡب َيٰ ٗنا ل ِك ِل ش ۡي ٖء﴾‬ ‫جمهو ُر ب َقولِه تعالى‪﴿ :‬ونزلنا علي‬
‫واستدل ال ُ‬
‫يص ُّح‬ ‫السنّة بالكتاب‪ ،‬كما ِ‬ ‫والنسخ يُعتَبر من البيان‪ ،‬فيَ ِص ُّح ُ‬
‫نسخ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫[النحل‪،]89 :‬‬
‫ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َۡ ٓ َ َ ّ ۡ‬ ‫َ‬
‫نزل َنا إِل ۡيك ٱلذِك َر ل ُِتبَي ِ َن ل َِّلن ِ‬
‫اس َما ن ّ ِزل‬ ‫نسخ الكتاب بالسنة؛ لقوله تعالى‪﴿ :‬وأ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫النسخ بيان‪.‬‬ ‫إِل ۡي ِه ۡم﴾ [النحل‪ ]44 :‬بناءً على أن‬

‫((( اإلبهاج في شرح المنهاج‪ ،‬للسبكي (‪.)249 :2‬‬


‫((( أخرجه أبو داود‪ ،‬باب ما جاء في الوصية للوارث (‪ )114 :3‬حديث رقم (‪.)2870‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪390‬‬

‫ب‬
‫المبحث الثالث‬
‫الأدلة المختلف فيها‬

‫أول ًا ‪ :‬الأصل في المنافع الإباحة‪ ،‬وفي المضار التحريم‬


‫السمعي د َّل على‬
‫َّ‬ ‫وهو من األدلة فيما بعد ورود الشرع‪ ،‬بمعنى أن الدليل‬
‫خاص على خالفِهما‪ .‬أما قبل ُورو ِد‬
‫ٌّ‬ ‫أن األصل ذلك فيهما‪ ،‬إال ما د َّل دليل‬
‫الشرع فالتوقُّف؛ ألنه ال حكم لألشياء قبل الشرع(‪.)1‬‬
‫َ َ َ ُ‬ ‫َّ‬
‫أما األصل في المنافع اإلباحة‪ ،‬فدليله قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ٱلذِي خل َق لكم َّما‬
‫ٗ‬ ‫َ‬ ‫َۡ‬
‫فِي ٱلأ ِ‬
‫ۡرض جمِيعا﴾ [البقرة‪ ،]29 :‬فاهلل تعالى يخبِ ُرنا بأن جميع المخلوقات األرضية‬
‫َ‬
‫للعباد؛ أل ّن موضوعه للعموم‪ ،‬ال سيما وقد أكدت بقوله‪﴿ :‬جم ٗ‬
‫ِيعا﴾ والالم في‬
‫َ ُ‬
‫ك ُم﴾ تفيد االختصاص على جهة االنتفاع للمخاطبين‪ ،‬فيلزم من ذلك أن‬ ‫﴿ل‬
‫يكون االنتفاع بجميع المخلوقات مأذونًا فيه شرعًا‪ ،‬وهو المدعى(‪.)2‬‬
‫مثاله‪ :‬يجو ُز ال ُهجوم على ِ‬
‫الخطبة ل َمن لم يَد ِر أ ُخ ِطبَت أم ال‪ ،‬ولم يَد ِر‬
‫أُ َ‬
‫جيب خا ِطبُها أم ُردَّ؛ ألن األص َل اإلباحة‪.‬‬
‫وأما األص ُل في المضا ّر التحريم؛ فدليلُه قولُه عليه الصالة والسالم‪« :‬ال‬
‫فالحديث يد ُّل على نفي الضرر ُمطل ًقا؛ ألن‬
‫ُ‬ ‫ضر َر وال ِضرا َر في اإلسالم»(‪،)3‬‬
‫َ‬
‫((( البحر المحيط‪ ،‬للزركشي (‪.)8 :8‬‬
‫((( نهاية السول في شرح منهاج األصول‪ ،‬لإلسنوي (ص‪.)360‬‬
‫((( أخرجه مالك‪ ،‬في الموطأ‪ ،‬باب القضاء في المرفق (‪ )1078 :4‬حديث رقم (‪ ،)2758‬وسنده حسن‪.‬‬
‫‪391‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫النكرة المنفية ت ُع ّم‪ ،‬وهذا النفي ليس واردًا على اإلمكان وال الوقوع قطعًا‪ ،‬بل‬
‫على الجواز‪ ،‬وإذا انتفى الجواز ثبت التحريم وهو المدعى(‪.)1‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬الاستصحاب‬
‫هو عبارة عن الحكم بثبوت أمر في الزمان الثاني بناء على ثبوته في الزمان‬
‫األول؛ ألن ما ثبت في الزمان األول من وجود أمر أو عدمه ولم يظهر زوالُه ال‬
‫قطعًا وال َظنًّا؛ فإنه يل َز ُم بالضرورة أن ُ‬
‫يحص َل الظ ُّن ببقائه كما كان‪ ،‬والعمل بالظن‬
‫واجب(‪.)2‬‬
‫ج َويني‪« :‬االستصحاب قانون في الشريعة»(‪.)3‬‬
‫الحرمَين ال ُ‬
‫َ‬ ‫قال إمام‬
‫مثاله‪ :‬مَن استي َقن الحدَث‪َ ،‬‬
‫وش َّ‬
‫ك في الطهارة بعده‪ ،‬فتط َّهر على هذا التردُّد‪،‬‬
‫صح وضوءه بناءً على استصحاب الحدث‪.‬‬
‫ثم بان له أنه ما كان تط َّهر‪َّ ..‬‬
‫الطهر وشك في الحدث‪ ،‬فتطهر على التردد‪ ،‬فبان أنه كان‬
‫َ‬ ‫ولو استيقن‬
‫محدثًا‪ ،‬لم يصح وضوءه؛ بناء على استصحاب الطهر‪.‬‬
‫ومن أخرج زكاة ماله الغائب‪ ،‬وهو على التردد في بقائه‪ ،‬ثم با َن بقاؤه أجزأه‬
‫خرج‪ .‬ومن أخرج زكاة مال أبيه على تقدير موته‪ ،‬ثم بان موتُه ـ كما قدّر‬ ‫ال ُم َ‬
‫ـ لم يعتَ َّد بما أخرجه بناءً على بقاء األب؛ فهذا وجه ربط النية باالستصحاب‬
‫نفيًا وإثباتًا(‪.)4‬‬

‫((( نهاية السول في شرح منهاج األصول (ص‪.)360‬‬


‫((( نهاية السول في شرح منهاج األصول (ص‪.)362‬‬
‫((( نهاية المطلب‪ ،‬للجويني (‪.)35 :4‬‬
‫((( نهاية المطلب للجويني (‪.)35 :4‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪392‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬الاستقراء‬
‫هو تص ُّفح أمور جزئية ليح ُك َم ب ُ‬
‫حك ِمها على أمر يشمل تلك الجزئيات‪،‬‬
‫وينقسم إلى‪ :‬تام‪ ،‬وناقص(‪:)1‬‬
‫جزئي لثبوته في ال ُكلِّي على االستغراق‪ .‬وهذا‬
‫ٍّ‬ ‫فالتام‪ :‬إثبات الحكم في‬
‫هو القياس المنطقي المستعمل في العقليات‪ ،‬وهو حجة بال خالف‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬ك ُّل صالة فإما أن تكون مفروضة أو نافلة‪ ،‬وأيهما كان‪ ،‬فال بد وأن‬
‫تكون مع الطهارة‪ ،‬فكل صالة فال بد وأن تكون مع طهارة‪ .‬وهو يفيد القطع؛‬
‫ألن الحكم إذا ثبت لكل فرد من أفراد شيء على التفصيل‪ ،‬فهو ال محالة ثابت‬
‫لكل أفراده على اإلجمال‪.‬‬
‫إثبات الحكم في ُكلِّ ٍّي لثبوته في أكثر جزئياته من غير احتياج‬
‫ُ‬ ‫والناقص‪:‬‬
‫إلى جامع‪ .‬وهو ال ُمس َّمى في اصطالح الفقهاء بـ«األعم األغلب»‪ ،‬وهذا النوع‬
‫اختُ ِلف فيه‪ ،‬واألصح أنه يفيد الظ َّن الغالب‪ ،‬وال يفيد القطع‪.‬‬
‫الوتر يؤدَّى‬
‫َ‬ ‫جوب الوتر؛ بأن‬
‫مثاله‪ :‬استدالل بعض الشافعية على عدم ُو ِ‬
‫على الراحلة‪ ،‬وكل ما يُؤدَّى على الراحلة ال يكون واجبًا‪ ،‬أما ال ُمقدِّمة األولى‬
‫فباإلجماع‪ ،‬وأما الثانية فباستقراء وظائف اليوم والليلة أداءً وقضاءً(‪.)2‬‬
‫وقد احتج اإلمام الشافعي باالستقراء في مواضع كثيرة؛ كتحديد أقل سن‬
‫وأكثره خمس َة َ‬
‫عشر‬ ‫ُ‬ ‫تحيض فيه المرأة بتسع سنين‪ ،‬وأن أق َّل الحيض يوم وليلة‪،‬‬
‫يو ًما‪ ،‬وجرى عليه األصحاب‪ ،‬وقالوا‪ :‬فلو وجدنا المرأة تحيض أو تط ُهر أقل‬

‫((( البحر المحيط‪ ،‬للزركشي (‪.)6 :8‬‬


‫((( نهاية السول في شرح منهاج األصول (ص‪.)363‬‬
‫‪393‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫من ذلك‪ ،‬فهل يُتَّبَع؟ فيه أوجه‪ :‬أحدها‪ :‬نعم‪ ،‬وبه أجاب األستاذ أبو إسحاق‬
‫الشيرازي؛ ألن العادات تختلف باختالف األهوية واألعصار‪ .‬وأصح األوجه‪:‬‬
‫ال عبرة به؛ ألن األ َّولين أعطوا البحث َح َّقه‪ ،‬فال يلتفت إلى خالفه‪ .‬والثالث‪:‬‬
‫صرنا إليه‪ّ ،‬‬
‫وإل فال(‪.)1‬‬ ‫مذهب واحد من السلف ِ‬
‫َ‬ ‫إن وافق ذلك‬

‫رابع ًا ‪ :‬الأخذ بأقل ما قيل‬


‫هو أن يختلف المخت ِلفون في مُقدَّر باالجتهاد على أقاويل‪ ،‬فيُؤ َخ ُذ بأقَلِّها‬
‫عند إعواز الحكم‪ ،‬أي‪ :‬إذا لم ي ُد َّل على الزيادة دليل(‪.)2‬‬
‫الشافعي رضي اهلل عنه في إثبات الحكم إذا كان‬
‫ُّ‬ ‫وقد اعتمد عليه اإلمام‬
‫غيره‬ ‫غيره؛ ألن الشافعي لو وجد ً‬
‫دليل َ‬ ‫األقل جزءًا من األكثر‪ ،‬ولم يجد ً‬
‫دليل َ‬
‫لم يتمسك باألقل؛ ألن ذلك الدليل إن د َّل على إيجاب األكثر فواضح‪ ،‬ولذلك‬
‫لم يأخذ الشافعي بالثالثة في انعقاد الجمعة‪ ،‬وفي الغسل من ولوغ الكلب‬
‫لقيام الدليل على األكثر‪ .‬وإن د ّل على األقل كان الحكم بإيجابه ألجل هذا‬
‫الدليل‪ ،‬ال ألجل الرجوع إلى أقل ما قيل‪ ،‬هكذا(‪.)3‬‬
‫عضهم‪:‬‬ ‫مثاله‪ِ :‬ديةُ ِ‬
‫الكتابي؛ فإن العلماء اختلفوا فيها على ثالثة أقوال‪ ،‬فقال ب َ ُ‬
‫إنّها ثلُ ُ‬
‫ث دي ِة ال ُمس ِلم‪ ،‬وقالت المالكية‪ :‬نِ ُ‬
‫صف ِديَتِه‪ ،‬وقالت الحنفية‪ :‬مثل ديته‪،‬‬
‫فاختار الشافعي المذهب األول وهو أنها الثلث‪ ،‬بناء على أن المجموع من‬
‫اإلجماع البراءة األصلية‪ ،‬أما اإلجماع فإن كل واحد من المخالفين يوجبه‪ ،‬فإن‬

‫((( البحر المحيط‪ ،‬للزركشي (‪.)7 :8‬‬


‫((( البحر المحيط‪ ،‬للزركشي (‪.)26 :8‬‬
‫((( نهاية السول في شرح منهاج األصول (ص‪.)363‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪394‬‬

‫اإليجاب األكثر يستلزم إيجاب األقل‪ .‬وأما البراءة األصلية فإنها تقتضي عدم‬
‫وجوب الزيادة؛ إذ هي دالّةٌ على عدم الوجوب مُطلَ ًقا‪ ،‬لكن ترك العمل بها في‬
‫الثلث لإلجماع فبقي ما عداه على األصل‪ ،‬فتلخص أن الحكم باالقتصار على‬
‫مبني على مجموع هذين الشيئين(‪.)1‬‬
‫األقل ٌّ‬
‫خامسًا ‪ :‬المناسب المُرسَل (المصالح المرسلة)‬
‫هو المناسب الذي سكت عنه الشارع‪ ،‬فلم يعتبره الشارع ولم يُل ِغه(‪.)2‬‬
‫وقُيِّد جوا ُز األخذ بها بكون المصلحة ضروريةً قطعيةً ُكلّية(‪.)3‬‬
‫فالضرورية‪ :‬هي التي تكون من إحدى الضروريات الخمس‪ ،‬وهي‪ :‬حفظ‬
‫الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعقل‪ ،‬والمال‪ ،‬والنسب‪ .‬فإن لم تكن المصلحة ضروري ًة‪،‬‬
‫تترس ال ُك ّفار في‬
‫بل كانت من الحاجيات أو التت ّمات فال اعتبار بها‪ ،‬كما إذا َّ‬
‫غير متوق ِّ ٍ‬
‫ف‬ ‫قلعة بمسلم؛ فإنه ال يحل َرميُه؛ إذ ال ضرورة فيه‪ ،‬فإن ِح َ‬
‫فظ ديننا ُ‬
‫على استيالئنا على تلك القلعة(‪.)4‬‬
‫صول ال َمصلحة فيها‪ ،‬فإن لم تكن قَطعي ًة‪،‬‬
‫ح ِ‬ ‫وأما ال َقطعيّة‪ :‬فهي التي يجزم ب ُ‬
‫بتسليط ال ُك ّفار علينا عند عدم َرمي الترس‪ ،‬فال يجو ُز األخ ُذ‬
‫ِ‬ ‫كما إذا لم نقطع‬
‫بها(‪.)5‬‬

‫((( نهاية السول في شرح منهاج األصول (ص‪.)363‬‬


‫((( البحر المحيط‪ ،‬للزركشي (‪.)83 :8‬‬
‫((( نهاية السول في شرح منهاج األصول (ص‪.)364‬‬
‫((( نهاية السول في شرح منهاج األصول (ص‪.)364‬‬
‫((( نهاية السول في شرح منهاج األصول (ص‪.)364‬‬
‫‪395‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫وال ُكلّية‪ :‬هي التي تكون موجبةً لفائد ٍة لل ُك ِّل؛ أي‪ :‬مصلحة عامة للمسلمين‪،‬‬
‫فإن لم ت ُكن ُكلّيةً كما لو أشرفت السفينةُ على الغرق‪ ،‬وقطعنا بنجا ِة الذين فيها‬
‫لو رمينا واحدًا منهم بالبحر‪ ،‬فإنه ال يجوز الرمي؛ ألن نجاةَ أهل السفينة ليست‬
‫مصلحةً ُكلّيةً‪ ،‬وكذلك ال يجوز لجماعة وقَعوا في مخ َمصة أك ُل واح ٍد منهم‬
‫بال ُقرعة؛ لكون ال َمصلح ِة ُجزئية(‪.)1‬‬
‫تترس بهم الك ّفا ُر ِمن المسلمين لصدمونا‪،‬‬ ‫مثاله‪ :‬بأننا لو امتنعنا عن ق َ ِ‬
‫تل َمن َّ‬
‫واستولوا على ديارنا وقتلوا المسلمين كافة حتى التُّرس‪ ،‬ولو رمينا التُّرس لقتلنا‬
‫مُس ِل ًما من غير ذنب صدر منه‪ ،‬فإن قتل التترس والحالة هذه مصلحة مرسلة؛‬
‫لكونه لم يعهد في الشرع جواز قتل مسلم بال ذنب‪ ،‬ولم يقم ً‬
‫أيضا دليل على عدم‬
‫جواز قتله عند اشتماله على مصلحة عامة للمسلمين‪ ،‬لكنها مصلحة ضرورية‬
‫قطعية كلية؛ فلذلك يجوز أن يؤدي اجتهاد مجتهد إلى أن يقول‪ :‬هذا األسير‬
‫فح ُ‬
‫فظ ُك ِّل ال ُمس ِلمين أقرب إلى مقصود الشرع من حفظ مسلم‬ ‫مقتول بكل حال‪ِ ،‬‬
‫واحد(‪.)2‬‬

‫سادسًا ‪ :‬فقد الدليل (الاستدلال على عدم الحكم بعدم الدليل)‬


‫االستدالل على عدم الحكم بعدم ما يدل عليه؛ ألنه لو ثبت حكم شرعي‬
‫وال دليل عليه‪ ،‬للزم منه تكليف المحال‪.‬‬

‫وتقريره أن يقال‪ :‬فقدان الدليل بعد التفحص البليغ يُغلِّ ُ‬


‫ب ظ َّن ع َد ِمه‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫ب ظ َّن عدم ال ُحكم‪ ،‬أما المقدِّمة األولى فواضحة‪،‬‬ ‫عدم الدليل‪ ،‬و َظ ُّن ع َد ِمه يوجِ ُ‬
‫((( نهاية السول في شرح منهاج األصول (ص‪.364‬‬
‫((( نهاية السول في شرح منهاج األصول (ص‪.)364‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪396‬‬

‫وأما الثاني فألن عدم الدليل يستل ِز ُم عد َم ال ُحكم‪ ،‬إذ لو ثبت حكم شرعي ولم‬
‫تكليف الغافل‪ ،‬وهو ممتنع‪ ،‬فينتج فُقدا ُن الدليل بعد‬
‫ُ‬ ‫يكن عليه دليل لكان يلزم منه‬
‫التف ُّحص البليغ يوجب ظ َّن عدم الحكم‪ ،‬والعمل بالظن واجب(‪.)1‬‬
‫لباس غير المسلمين في ديار اإلسالم‪(« :‬واألولَى‬ ‫ِ‬ ‫مثاله‪ :‬ما ذُكر في لَون‬
‫ب‪ ،‬ويُقا ُل له‪:‬‬ ‫األصفر وبالنصا َرى األز َر ُ‬
‫ق) قال في األصل‪ :‬أو األك َه ُ‬ ‫ُ‬ ‫باليَهو ِد‬
‫األصل‪ :‬أو األس َودُ‪ ،‬قا َل البُل ِقينِ ُّي‪ :‬وما‬
‫ِ‬ ‫(وبالمجوس األح َم ُر) قا َل فِي‬
‫ِ‬ ‫الرمادي‬
‫ُّ‬
‫ذ َكر ِمن األولَى ال دلي َل عليه‪ .‬انتَ َهى)(‪.)2‬‬

‫((( نهاية السول في شرح منهاج األصول (ص‪.)370‬‬


‫((( أسنى المطالب في شرح روض الطالب‪ ،‬لزكريا األنصاري (‪.)222 :4‬‬
‫‪397‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫الفصل الثانيب‬
‫أبرز القواعد الفقهية الكلية في المذهب الشافعي‬

‫مقدمة في تعر يف القواعد الفقهية‬


‫ٍ‬
‫ومعان عند أهل اللغة(‪ ،)1‬منها‪:‬‬ ‫القواعد‪ :‬جمع قاعدة‪ ،‬ولها إطالقات‬
‫َ ۡ َ‬
‫﴿وِإذ يَ ۡرف ُع‌إِبۡ َرٰهِـ ُۧم‬ ‫‪1‬ـ األساس؛ قواع ُد البِناء‪ ،‬أي‪ :‬أساسه‪ ،‬ومنها قولُه تعالى‪:‬‬
‫ِيم﴾ [البقرة‪.]127 :‬‬ ‫يع ٱلۡ َعل ُ‬
‫ٱلس ِم ُ‬ ‫ك أَ َ‬
‫نت َّ‬ ‫ۡ َ َ َ َ ۡ َ ۡ َ ۡ َ ٰ ُ َ َّ َ َ َ َّ ۡ َّ ٓ َّ َ‬
‫ت وِإسمعِيل ربنا تقبل مِنا ۖإِن‬ ‫ٱلقواعِد مِن ٱلبي ِ‬
‫‪2‬ـ األصل؛ قواعد السحاب‪ ،‬أي‪ :‬أصولها‪.‬‬
‫‪3‬ـ المرأة ال ُم ِسنّة؛ امرأة قاعدة‪ :‬إن أرادت القعود‪ ،‬وقعدت عن الحيض‪:‬‬
‫انقطع عنها‪.‬‬
‫القاعدة في االصطالح‪ :‬هي قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها(‪.)2‬‬
‫نص عليها في‬ ‫ِ‬
‫الحوادث التي ال َّ‬ ‫فالقواعد الفقهية‪« :‬قانون ت ُ َ‬
‫عرف به أحكامُ‬
‫كتاب اهلل أو سنة رسول اهلل ﷺ أو اإلجماع»(‪.)3‬‬
‫قال اإلمام السبكي‪« :‬ومنها ـ القاعدة الفقهية ـ ما ال يختص بباب‪ ،‬كقولنا‪:‬‬
‫«اليقين ال يرفع بالشك» ومنها‪ :‬ما يختص كقولنا‪« :‬كل كفارة سببها معصية‬

‫((( لسان العرب البن منظور (‪ ،)361 :3‬والمصباح المنير للفيومي (‪.)510 :2‬‬
‫((( التعريفات للجرجاني (ص‪.)171‬‬
‫((( إيضاح القواعد الفقهية لعبد اهلل اللَّحجي (ص‪.)14‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪398‬‬

‫ص َور متشابهة أن‬ ‫فهي على الفور»‪ ،‬والغالب فيما اختص بباب وق ُ ِصد به نَظم ُ‬
‫صو ًرا‪ ،‬فإن كان المقصود من ِذك ِره ال َقد َر‬ ‫تُس َّمى ضاب ًطا‪ .‬وإن شئت قُل‪ :‬ما ع َّم ُ‬
‫شترك الذي به اشتركت الصور في الحكم فهو مُدرك‪ ،‬وإال فإن كان القص ُد‬
‫ال ُم َ‬
‫الص َور بنوع من أنواع الضبط من غير ن َظر في مأخذها فهو الضابط؛‬ ‫َ‬
‫ضبط تلك ُّ‬
‫وإال فهو القاعدة»(‪.)1‬‬

‫((( األشباه والنظائر‪ ،‬للسبكي (‪.)11 :1‬‬


‫‪399‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ب‬
‫المبحث الأول‬
‫القواعد الكلية الخمس‬

‫ل ّما كان عل ُم الفقه من أفضل العلوم بعد علم الكالم؛ لقوله ﷺ‪« :‬مَن‬
‫خيرا يفقهه في الدين» اشتدت إليه سواعد الجد بالتدوين‪ ،‬والتأليف‪،‬‬
‫يُ ِرد اهلل به ً‬
‫استقر فقهُ الشريعة على المذاهب‬
‫َّ‬ ‫والجمع‪ ،‬والتلقي من كل خلَف عُدولُه إلى أن‬
‫الشافعي‪ ،‬ومذهب اإلمام أبي َحنيفة‪ ،‬ومذهب‬
‫ّ‬ ‫السنّية‪ :‬مذهب اإلمام‬
‫األربعة ُّ‬
‫اإلمام مالك‪ ،‬ومذهب اإلمام أحمد‪ ،‬رضي اهلل عنهم أجمعين‪.‬‬
‫ول ّما كانت اإلحاطةُ بجميع الفروع الفقهية عسيرةً جدًّا؛ حيث إن الوقائع‬
‫تتج َّددُ بتجدُّد األزمنة واألمكنة استخرج العلماء قواعد فقهية لكل باب من‬
‫أبواب الفقه‪ ،‬وقاموا بتطبيق الفروع عليها‪.‬‬
‫فع َمد القاضي ُح َسين من كبار أئمة الشافعية من أصحاب الوجوه‪ ،‬فردَّ‬
‫جميع مذهب الشافعي إلى أربع قواعد(‪:)1‬‬
‫ّ‬
‫بالشك‪.‬‬ ‫األولى‪ :‬اليَقي ُن ال يزو ُل‬
‫الثانية‪ :‬ال َم َش ّقة تج ِل ُ‬
‫ب التيسير‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬الضرر يُزال‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬العادة مُح َّكمة‪.‬‬

‫((( إيضاح القواعد الفقهية لعبد اهلل اللَّحجي (ص‪.)10‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪400‬‬

‫ِ‬
‫بمقاصدها‪.‬‬ ‫وبعضهم زاد خامسة‪ :‬األمو ُر‬
‫فهذه القواعد الخمس تُعتبَر عند الشافعية من القواعد الكلية التي تحتها‬
‫تختص بباب‪ ،‬بل هي في جميع أبواب الفقه‪ ،‬وتُس َّمى‬ ‫ُّ‬ ‫جزئيات كثيرة‪ ،‬وال‬
‫«بالقواعد الخمس»‪ ،‬وهنالك قواعد أخرى غير هذه القواعد الخمس وهي كثيرة‬
‫جدًّا‪ ،‬وسوف نتحدث عن بعضها بعد أن نتحدث عن القواعد الكلية الخمس‪،‬‬
‫وقد نظم ُ‬
‫بعضهم القواع َد الخمس بقوله‪:‬‬
‫عي ف ُكــ ْن بِ ِهــ َّن َخبِيرا‬
‫للشــافِ ِّ‬
‫ّ‬ ‫َب‬‫قــررةٌ قوا ِع ُد مَذه ِ‬ ‫َخ ٌ‬
‫مس مُ َّ‬
‫ب ِ‬
‫التيسيرا‬ ‫و َكذا ال َم َشــ ّقةُ تج ِل ُ‬ ‫ض َر ٌر يُزا ُل‪َ ،‬وعادةٌ قَد ُح ِّك َمت‬
‫َ‬
‫أردت أُجورا‬ ‫َ‬ ‫والني َة اخ ِلص إن‬ ‫والشــك ال ترفَــع بــه ُمتَيَ َّقنًا‬
‫َّ‬
‫وبيان هذه القواعد(‪:)1‬‬

‫((( األشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية‪ ،‬للسيوطي (ص‪ ،)106-10‬وإيضاح القواعد‬
‫الفقهية‪ ،‬لعبد اهلل اللحجي‪ ،‬دار الضياء (ص‪.)91-21‬‬
‫‪401‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ب‬
‫المطلب الأول‬
‫القاعدة الأولى ‪ :‬الضرر يزال‬

‫أول ًا ‪ :‬أصل هذه القاعدة‬


‫قولُه ﷺ‪« :‬ال َ‬
‫ض َر َر وال ِضرا َر»(‪.)1‬‬
‫فسدة سواء‬
‫الضر َر وال َم َ‬
‫َ‬ ‫ثانيًا‪ :‬معنى القاعدة‪ :‬أ ّن الشريعة اإلسالمية تنفي‬
‫كان في حق النفس أو كان في َح ِّق ال َغير‪.‬‬
‫ق‬ ‫ق َمفسد ٍة بال َغير‪ِّ ،‬‬
‫والضرار‪ :‬إلحا ُ‬ ‫والضرار‪ :‬أ ّن الضر َر إلحا ُ‬
‫الضرر ِّ‬
‫َ‬ ‫وال َفر ُ‬
‫ق بين‬
‫فسد ٍة بالغير على وج ِه ال ُمقابَلة بال ِمثل؛ أي‪ :‬ك ٌّل منهما ِ‬
‫يقص ُد ضر َر صاحبِه‪.‬‬ ‫َم َ‬
‫ِّ‬
‫والضرار الفعل‪ ،‬فمعنى‬ ‫قال ابن حبيب‪« :‬الضر ُر عند أهل العربية‪ :‬االسم‪،‬‬
‫دخل على أخيك ضر ًرا لم يُ ِ‬
‫دخله على نفسه‪ ،‬ومعنى الثاني‪ :‬ال‬ ‫األول‪ :‬ال ت ُ ِ‬
‫يضار أح ٌد بأح ٍد»(‪.)2‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬تطبيقات على القاعدة‬


‫ـ لو علم المشتري في المبيع عيبًا؛ فله رده؛ لوجود العيب‪.‬‬

‫((( أخرجه مالك‪ ،‬في الموطأ‪ ،‬باب القضاء في المرفق (‪ )1078 :4‬حديث رقم (‪ ،)2758‬وسنده‬
‫حسن‪.‬‬
‫((( الفتح المبين بشرح األربعين‪ ،‬البن حجر الهيتمي (‪.)156 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪402‬‬
‫حجر على‬
‫ـالحجر على الصبي والمجنون في المعامالت المالية‪ ،‬وال َ‬
‫السفيه‪ :‬وهو ال ُمب ِّذر لماله‪.‬‬
‫للشريك القديم على الشريك الحادث؛ ُ‬
‫فش ِرعت لدفع‬ ‫ِ‬ ‫ـ حق الشفعة يثبت‬
‫ضرر القسمة‪.‬‬
‫جذام والبَ َرص‪.‬‬
‫جنون وال ُ‬
‫النكاح بالعُيوب‪ :‬كال ُ‬
‫ِ‬ ‫ـ فسخ‬
‫ف فاألخف‪.‬‬ ‫الصائل باأل َخ ّ‬
‫ِ‬ ‫ـ ودَفع‬
‫‪403‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ب‬
‫المطلب الثاني‬
‫القاعدة الثانية ‪ :‬العادة مُح َكّمة‬

‫أول ًا ‪ :‬أصل هذه القاعدة‬


‫قول عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه‪« :‬ما َرأى ال ُمس ِلمو َن َح َسنًا فهو‬
‫ئ»(‪.)1‬‬
‫عند اهلل َح َس ٌن‪ ،‬وما َرأوا َسيِّئًا فهو عند اهلل َسيّ ٌ‬

‫ثانيًا ‪ :‬معنى القاعدة‬


‫نص شرعي‪.‬‬ ‫ت ُحك ًما لم ي ِرد فيه ٌّ‬ ‫أن العادة تُثبِ ُ‬
‫ضابط القاعدة‪ :‬أ ّن ك َّل ما ورد به الشرع ُمطلَ ًقا وال ضابط له في الشرع‪ ،‬وال‬
‫في اللغة يرجع فيه إلى العُرف‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬تطبيقات على القاعدة‬


‫ـ اعتبا ُر ِ‬
‫الحرز في الس ِرقة يُر َجع فيه إلى العرف‪.‬‬
‫البيع وهو خيا ُر المجلس وقبض المبيع‪.‬‬
‫التفرق في ِ‬
‫ـ ُّ‬
‫ـ التعريف في اللُّقطة‪.‬‬
‫ـ أق ُّل الحيض والنفاس والطهر وغالبها وأكثرها؛ تتبَّعَها اإلمام الشافعي‬
‫رضي اهلل عنه باالستقراء‪.‬‬

‫((( أخرجه أحمد (‪ )84 :6‬برقم (‪.)3600‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪404‬‬

‫ـ اعتبار ضابط القلة والكثرة في الضبّة‪ :‬وهي إصالح الخلل في اإلناء ل َجبره‬
‫بفضة‪.‬‬
‫القليل من الكثير‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ـوالنجاسات المعف ّو عن قَلي ِلها يُتبَع فيها العرفُ في تحدي ِد‬
‫‪405‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ب‬
‫المطلب الثالث‬
‫القاعدة الثالثة ‪ :‬المَشقّة تجلب التيسير‬

‫أول ًا ‪ :‬أصل هذه القاعدة‬


‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ُ ُ َّ ُ ُ ُ ُ ۡ َ َ ُ ُ ُ‬
‫ك ُم ٱل ُع ۡس َر﴾ [البقرة‪.]185 :‬‬ ‫قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ي ِريد ٱلل بِكم ٱليسر ولا ي ِريد ب ِ‬
‫وقوله ﷺ‪« :‬فَإنّما ب ُ ِعثتُم مُيَ ِّس ِري َن‪ ،‬ولَم تُب َعثُوا مُع َِّس ِري َن»(‪.)1‬‬
‫وعن عائشة أم المؤمنين زوج النبي ﷺ أنها قالت‪« :‬ما ُخيِّ َر َرسو ُل اهلل ﷺ‬
‫أيس َرهُما ما لَم يَ ُكن إث ًما‪ ،‬فإن كا َن إث ًما كا َن أب َع َد الن ّ ِ‬
‫اس ِمنهُ‪،‬‬ ‫أمري ِن ّإل أ َخ َذ َ‬
‫بي َن َ‬
‫فسه‪ّ ،‬إل أن تُنت َهك ُحرمةُ اهلل ع َّز وج َّل»(‪.)2‬‬ ‫وما انت َق َم َرسو ُل اهلل ﷺ لن َ ِ‬

‫ثانيًا ‪ :‬معنى القاعدة‬


‫أن األحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلف و َمش ّقة في نفسه أو‬
‫ماله؛ فالشريعة تخ ِّف ُفها بما يقع تحت قدرة ال ُمكلَّف دون عُس ٍر أو حرج‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬تطبيقات على القاعدة‬


‫ـ القصر والجمع في الصالة‪ ،‬والفطر في حق الصائم‪ ،‬والمسح أكثر من‬
‫يوم وليلة‪ ،‬جميعها في حق المسافر‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري‪ ،‬باب صب الماء على البول في المسجد (‪ )54 :1‬حديث رقم (‪.)220‬‬
‫((( أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل (‪ )1814 :4‬حديث رقم (‪.)2327‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪406‬‬

‫ـ التيمم عند مشقة استعمال الماء‪.‬‬


‫ـ القعود في صالة الفرض والنفل في حق العاجز‪.‬‬
‫ـ من جامع في نهار رمضان ناسيًا للصوم فال ك ّفارة عليه‪ ،‬وال يب ُطل صومه‪.‬‬
‫ـمَن سلَّم من ركعتين ناسيًا وتكلم عامدًا لظنه إكما َل الصال ِة ال تب ُط ُل صالتُه‪.‬‬
‫يفس ُد صو ُمه‪.‬‬
‫جاهل الحكم؛ فال ُ‬ ‫ً‬ ‫ـ من أكل في الصيام‬
‫ـ يُع َفى عن النجاسة كدم القروح‪ ،‬والدماميل‪ ،‬والبراغيث‪ ،‬والقيح‪ ،‬والصديد‪،‬‬
‫وعموم البَلوى‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وطين الشارع في حق ال ُمصلِّي؛ لعُس ِر تجنُّبِها‬
‫ـ يُع َفى عن ذَ َرقِ الطيور إذا ع َّم في المساجد والمطاف؛ ومنه ع ّما ال يدركه‬
‫الطرف‪ ،‬وما ال نفس له سائلة‪ ،‬وريق النائم‪.‬‬
‫‪407‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫المطلب الرابع‬
‫ب‬
‫القاعدة الرابعة ‪ :‬اليقين لا يزول بالشك‬

‫أول ًا ‪ :‬أصل هذه القاعدة‬


‫قوله ﷺ‪« :‬إذا و َجد أحدُكم فِي بَطنِه َشيئًا‪ ،‬فأش َك َل عَلَي ِه أ َخ َر َج منه شيءٌ‬
‫حا»(‪.)1‬‬ ‫صوتًا‪ ،‬أو يَجِ َد ِري ً‬ ‫يخرج َّن من المسجِ ِد حتى يسم َع َ‬‫أم ال‪ ،‬فال ُ‬
‫صلَّى ثَالثًا أم أربَعًا‪،‬‬ ‫شك أحدُكم في صالتِه‪ ،‬فلَم يَد ِر َكم َ‬ ‫وقوله ﷺ‪« :‬إذا َّ‬
‫الشك وليَب ِن على ما استيق َن‪ ،‬ثم يس ُج ُد سجدتَين قب َل أن يُسلِّم‪ ،‬فإن كا َن‬ ‫َّ‬ ‫طر ِح‬
‫فليَ َ‬
‫لش ِ‬
‫يطان»(‪.)2‬‬ ‫صلَّى إتمامًا ألرب َ ٍع كانَتا تَرغي ًما ل ِ َّ‬
‫صالتَه‪ ،‬وإن كا َن َ‬ ‫صلَّى ً‬
‫خمسا شفع َن له َ‬

‫ثانيًا ‪ :‬معنى القاعدة‬


‫أ ّن األمر الذي ثبت بيقين ال يزول بالشك؛ ألن الشك ضعيف‪ ،‬واليقي ُن‬
‫حال في الزمان الماضي ثبوتًا أو نفيًا‬ ‫قوي فال يُقوى على إزالته‪ ،‬فما ثبت على ٍ‬ ‫ٌّ‬
‫يبقى على حاله‪ ،‬وال يتغيَّر ما لم يوجد دليل مثله يغيِّ ُره‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬تطبيقات على القاعدة‬


‫وش َّ‬
‫ك‬ ‫وشك في الحدَث فهو متطهر‪ ،‬أو تي َّقن الحد َ‬
‫َث َ‬ ‫َّ‬ ‫ـ من تي َّقن الطهارةَ‬
‫في الطهارة فهو مُح ِدث‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الحيض (‪ )276 :1‬حديث رقم (‪.)362‬‬


‫((( أخرجه مسلم‪ ،‬باب السهو في الصالة والسجود له (‪ )400 :1‬حديث رقم (‪.)571‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪408‬‬

‫صح صومه؛ أل ّن األص َل بقاءُ‬ ‫وش َّ‬


‫ك في طلوع الفجر َّ‬ ‫ـ َمن أكل آخر الليل َ‬
‫ك في الغروب بطل صومه؛ ألن‬ ‫وش َّ‬
‫آخر النهار بال اجتهاد َ‬
‫الليل‪ .‬ومن أكل َ‬
‫األصل بقاء النهار‪.‬‬
‫‪409‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫المطلب الخامسب‬
‫القاعدة الخامسة ‪ :‬الأمور بمقاصدها‬

‫أول ًا ‪ :‬أصل هذه القاعدة‬


‫قولُه ﷺ‪« :‬إنّما األعما ُل بالنِّيّ ِ‬
‫ات‪ ،‬وإنّما ل ِ ُك ِّل ام ِرٍئ ما ن َ َوى»(‪.)1‬‬
‫وقد ذكر اإلمام الشافعي رحمه اهلل أ ّن حديث النية يدخل في سبعين بابًا‪،‬‬
‫فجاء اإلمام السيوطي رحمه اهلل وع َّد هذه األبواب في كتابه «األشباه والنظائر»‪.‬‬
‫ً‬
‫إجمال؛ من‬ ‫قال اإلمام السيوطي‪« :‬وهذا ِذ ُ‬
‫كر ما يرجِ ُع إليه من األبواب‬
‫ف‪ ،‬في‬
‫خ ِّ‬‫سح ال ُ‬ ‫فرضا ً‬
‫ونفل‪ ،‬و َم ِ‬ ‫ذلك‪ُ :‬رب ُع العبادات ب َكمالِه‪ ،‬كالوضوء‪ ،‬والغسل‪ً ،‬‬
‫رأي‪ ،‬وغسل الميت على رأي‪،‬‬ ‫مسألة الجرموق‪ ،‬والتيمم‪ ،‬وإزالة النجاسة على ٍ‬
‫واألواني في مسألة الضبة‪ .‬بقصد الزينة أو غيرها‪ ،‬والصالة بأنواعها‪ ،‬القصر‪،‬‬
‫الجمع‪ ،‬اإلمامة‪ ،‬االقتداء‪ ،‬وسجود التالوة‪ ،‬والشكر‪ ،‬وخطبة الجمعة على رأي‪،‬‬
‫واألذان على رأي‪ ،‬وأداء الزكاة‪ ،‬واستعمال الحلي‪ ،‬أو َكنزه‪ ،‬وصدقة التطوع‪،‬‬
‫والصوم واالعتكاف‪ ،‬والحج والعمرة‪ ،‬والضحايا‪ ،‬والنذر والكفارات‪.)2(»...‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬مباحث النية‬


‫اعلم أ ّن مباحث النية منحصرة في سبعة أوجه يج َمعُها قو ُل بعضهم‪:‬‬

‫((( أخرجه البخاري‪ ،‬باب بدء الوحي (‪ ،)6 :1‬حديث رقم (‪.)1‬‬
‫((( األشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية للسيوطي (ص‪.)12‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪410‬‬
‫ٌ‬
‫شرط ومقصودٌ حس ْن‬ ‫كيفيةٌ‬ ‫حقيقةٌ ُحكــ ٌم مح ٌّل وزم ْن‬
‫فحقيقتها من حيث اللغة‪ :‬مُطلَق القصد‪ .‬واصطال ًحا‪ :‬قصد الشيء مقترنًا‬
‫بفعله‪ ،‬فإن تراخى عنه كان عز ًما‪.‬‬
‫وحكمها‪ :‬الوجوب غالبًا‪ ...‬ومن غير الغالب‪ :‬نية غاسل الميت‪.‬‬
‫القلب على استحضارها‪.‬‬
‫َ‬ ‫وم َحلُّها‪ :‬في القلب‪ُ ،‬‬
‫وس َّن التلفظ بها؛ ليساعد اللسا ُن‬
‫ويتحصل من ذلك أصالن‪:‬‬
‫َّ‬
‫ـ األول‪ :‬أنه ال يكفي التلفظ باللسان دون القلب‪.‬‬
‫ـ الثاني‪ :‬أنه ال يشترط مع القلب التلفظ‪.‬‬
‫فمن فروع األول‪ :‬أنه لو اختلف اللسان والقلب فال ِعبرةُ بما في القلب؛ فلو‬
‫صح له‬
‫نوى بقلبه الظهر وبلسانه العصر؛ أو بقلبه الحج وبلسانه العمرة أو عكسه َّ‬
‫ما في القلب‪ .‬ومنها‪ :‬أنه إن سبَق لسانه إلى لفظ اليمين بال قصد فال تنعقد‪ ،‬وال‬
‫تتعلق به كفارة‪.‬‬
‫ومن فروع الثاني‪ :‬مسائل العبادات كلها‪ .‬ومنها‪ :‬إذا أحيا ً‬
‫أرضا بنية جعلها‬
‫مسجدًا فإنها تصير مسجدًا بمجرد النية‪.‬‬
‫وقد ثبت استحباب التلفظ بالنية بالحج بالتلبية من حديث أنس رضي اهلل عنه‬
‫َّثت بذلك‬ ‫قال‪ :‬سمعت النبي ﷺ «يلبِّي بال َح ِّج والعُمر ِة جميعًا»‪ .‬قال ب َ ٌ‬
‫كر‪ :‬فحد ُ‬
‫ِ‬
‫بقول اب ِن ُع َمر‪ ،‬فقال‬ ‫أنسا فحدَّثتُه‬
‫فلقيت ً‬
‫ُ‬ ‫اب َن ُع َمر‪ ،‬فقال‪« :‬لبَّى بال َح ِّج وحدَه»‪.‬‬
‫أنس‪ :‬ما ت َ ُعدُّونَنا إال صبيانًا‪ ،‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬لَبَّ َ‬
‫يك عمرةً و َح ًّجا»(‪.)1‬‬

‫((( أخرجه مسلم‪ ،‬باب في اإلفراد والقران بالحج والعمرة (‪ )905 :2‬حديث رقم (‪.)1232‬‬
‫‪411‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫فقاس بعض العلماء استحباب التلفظ بالنية في الوضوء والصالة على الحج‪،‬‬
‫قال ابن حجر الهيتمي عند قول اإلمام النووي‪« :‬ويُندَب النط ُق قُبَيل التكبير»‪:‬‬
‫وقياسا على ما‬
‫ً‬ ‫القلب وخرو ًجا من خالف من أوجبه وإن ش َّذ‪،‬‬
‫َ‬ ‫«ليساعد اللسا ُن‬
‫يأتي في الحج المندفع به التشنيع بأنه لم ينقل»(‪.)1‬‬
‫وزمنها‪ :‬عند أول العبادة غير الصوم والزكاة والكفارة‪.‬‬
‫ففي الوضوء؛ عند غسل الوجه‪ ،‬وفي الصالة بأن يوجِ َد النيةَ ُكلَّها أو‬
‫مستحضرا للصالة؛ واختاره اإلمام‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫بعضها في أول التكبير أو آخره بحيث يُ َع ُّد‬
‫والغزالي وأكثر المتأخرين‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ج َويني‬
‫ال ُ‬
‫وكيفيتها‪ :‬تختلف باختالف المنوي‪ .‬فالنية في الوضوء تختلف عن النية‬
‫في الصالة والحج وهكذا‪.‬‬
‫وشرطها أربعة‪:‬‬
‫تصح العبادات من الكافر أصليًّا كان أو مرتدًا‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ـ األول‪ :‬اإلسالم؛ فال‬
‫تصح عبادة صبي ال يميِّز‪ ،‬وال عبادة مجنون‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ـ الثاني‪ :‬التمييز؛ فال‬
‫نوي مطاب ًقا للواقع؛ فلو اعتقد أ ّن الوضوء أو الصالةَ ُسنّة‬
‫ـ الثالث‪ :‬العلم بال َم ِّ‬
‫لم يصح‪.‬‬
‫ـ الرابع‪ :‬عدم المنافي؛ ّ‬
‫بأل يأتي بما ينافيها دوا ًما وابتداء؛ أي‪ :‬في أثناء العبادة‬
‫وفي أولها‪ ،‬فلو ارت َّد في أثناء الصالة‪ ،‬أو عند تحرمها لم ِ‬
‫تص ّح‪ ،‬وكذا لو ارتد في‬
‫أثناء الصوم أو الحج أو التيمم ب َطل ً‬
‫أيضا‪.‬‬

‫((( تحفة المحتاج‪ ،‬البن حجر (‪.)12 :2‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪412‬‬

‫ومقصودها‪ :‬أي‪ :‬القصد من النية الذي ُش ِرعت ألجله تمييز العبادات من‬
‫العادات‪ ،‬وتمييز ُرتَب العبادات بعضها من بعض؛ كالوضوء والغسل يتردَّد‬
‫بين التنظيف والتبرد‪ ،‬والعبادة‪ ،‬واإلمساك عن المفطرات قد يكون للحمية‬
‫والتداوي‪ ،‬أو لعدم الحاجة إليه‪ ،‬والجلوس في المسجد قد يكون لالستراحة‪،‬‬
‫فشرعت النية لتمييز ال ُق َرب من غيرها‪.‬‬
‫‪413‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ب‬
‫المبحث الثاني‬
‫قواعد كلية متفق عليها في المذهب‬

‫فيتخرج عليها جزئيات ما ال‬


‫َّ‬ ‫فهذه القواعد الكلية غير القواعد الخمس؛‬
‫التوسع فعليه‬
‫ُّ‬ ‫ينحصر من الصور‪ ،‬وسوف نذكر أهم هذه القواعد‪ ،‬ومن أراد‬
‫بأهم كتب فقهاء الشافعية ففيها الكفاية‪ ،‬منها‪« :‬األشباه والنظائر» للسبكي‪،‬‬
‫«واألشباه والنظائر» للسيوطي‪« ،‬وإيضاح القواعد الفقهية» للَّحجي‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪414‬‬

‫ب‬
‫المطلب الأول‬
‫القاعدة الأولى ‪ :‬الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد‬

‫أول ًا ‪ :‬الأصل في هذه القاعدة‬


‫إجماع الصحابة رضي اهلل تعالى عنهم على عدم نقض أحكام بعضهم‬
‫لبعض وإن وجد االختالف‪ ،‬وأن أبا بكر رضي اهلل عنه َح َك َم في مسائل‬
‫خالفه فيها عمر بن الخطاب ولم ينقض حكمه‪ ،‬وحكم عمر رضي اهلل عنه في‬
‫المشركة بعدم المشاركة‪ ،‬ثم بالمشاركة وقال‪« :‬ذلك على ما قضينا‪ ،‬وهذا على‬
‫َّ‬
‫ما نقضي»(‪ ،)1‬وقضى في ال َج ِّد قضايا مختلفة‪ ،‬وغير ذلك من الحوادث الكثيرة‬
‫في عصرهم ومن بعدهم‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬معنى القاعدة‬


‫أن االجتهاد السابق ال تُن َقض أحكا ُمه الماضية باالجتهاد الالحق‪ ،‬فيَ ِص ُّح‬
‫وتبرأ ُ به ِذمتُه‪ ،‬ولكن يُغيَّر الحكم في المستقبل؛ النتفاء‬
‫ما فعله باالجتهاد األول َ‬
‫الترجيح اآلن(‪.)2‬‬
‫شافعي ً‬
‫مثل‬ ‫ٌّ‬ ‫قال الشيخ أحمد الزرقا‪« :‬وكذلك لو كان بين قاضيين‪ ،‬بأن قضى‬
‫حنفي ً‬
‫مثل يرى فيها غير ذلك ال‬ ‫ٍّ‬ ‫آلخر‬
‫َ‬ ‫في حادثة ُمجت ِهدًا فيها بمذهبه‪ ،‬ثم ُرفِعت‬

‫((( مصنف ابن أبي شيبة (‪.)334 :7‬‬


‫((( إيضاح القواعد الفقهية لعبد اهلل اللحجي (ص‪.)95‬‬
‫‪415‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫نقض قَضا ِء األول‪ ،‬بل ُ‬


‫يجب عليه تنفي ُذه ويحكم في غي ِرها بما يراه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يجوز له‬
‫ح ُّل النزاع‬
‫وهذا ـ أي‪ :‬عدَم جوا ِز مخالفة قضاء القاضي السابق ـ فيما هو مَ َ‬
‫الذي و َردَ عليه القضاء‪ ،‬أما فيما هو من توابِ ِعه فال يتقيَّ ُد بمذهب األول‪ ،‬فلو‬
‫بالشفع ِة للجار‪،‬‬
‫يقض َي فيه ُّ‬
‫في أن ِ‬
‫شافعي بالبيع في عقار فللقاضي الحن َ ِّ‬
‫ٌّ‬ ‫قضى‬
‫وإن كان القاضي األول ال يراها»(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬‫ثالثًا ‪ :‬التطبيقات على القاعدة‬
‫ـ لو تغيَّر اجتهادُه في القبلة َع ِمل بالثاني‪ ،‬وال قضاء حتى لو صلَّى أرب َع ر َكعات‬
‫ألربع جهات باالجتهاد فال قضاء‪.‬‬
‫ـ لو حكم الحاكم بشيء ثم تغير اجتهاده لم ينقض األول‪ ،‬وإن كان الثاني‬
‫أقوى غير أنه واقعة جديدة ال يحكم فيها إال بالثاني‪.‬‬
‫قياسا جليًّا‪ ،‬قال‬ ‫تنبيه‪ :‬ينقض قضاء القاضي إذا خالف ًّ‬
‫نصا أو إجماعًا أو ً‬
‫القرافي‪« :‬أو خالف القواعد الكلية»(‪.)3‬‬

‫((( شرح القواعد الفقهية ألحمد بن محمد الزرقا (ص‪.)155‬‬


‫((( األشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي (ص‪.)107‬‬
‫((( األشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي (ص‪.)105‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪416‬‬

‫ب‬
‫المطلب الثاني‬
‫القاعدة الثانية ‪ :‬الإيثار بالقُرَب مكروه‬

‫أول ًا ‪ :‬الأصل في هذه القاعدة‬


‫قوله ﷺ‪« :‬ال يزا ُل قومٌ يتأ َّخرون حتى يُؤ ِّخ َرهم اهلل»(‪.)1‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬معنى القاعدة‬


‫أن تقديم الغير على حق النفس في األمور التعبدية مكروه‪ ،‬أما في األمور‬
‫الدنيوية ف َمحبوب ومطلوب‪.‬‬
‫واإليثار نوعان‪:‬‬
‫األول‪ :‬إيثار الغير على النفس في الحظوظ الدنيوية؛ فمحبوب ومطلوب‪،‬‬
‫َ ُ ۡ ُ َ َ َ ٰٓ َ ُ ۡ َ َ ۡ َ َ ۡ َ َ َ ‪ٞ‬‬
‫منه قوله تعالى‪﴿ :‬ويؤث ِرون على أنف ِس ِهم ولو كان ب ِ ِهم خصاصة﴾ [الحشر‪.]9 :‬‬
‫الثاني‪ :‬إيثار الغير على النفس في الحظوظ األخروية؛ فغير مطلوب‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي‪« :‬أن اإليثار بال ُق َرب مكروهٌ أو خالف األولى‪ ،‬فكان‬
‫يرتكب أح ٌد بسببه مكروهًا أو خالف األولى؛ بأن‬ ‫َ‬ ‫ابن عمر يمتنع من ذلك؛ لئال‬
‫يتأخر عن موضعه من الصف األول ويؤثِ َره به وشبه ذلك‪ ،‬قال أصحابنا‪ :‬وإنما‬
‫النفوس وأمو ِر الدنيا دون ال ُق َرب‪ ،‬واهلل أعلم»(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫ح ِ‬
‫ظوظ‬ ‫يُح َم ُد اإليثا ُر ب ُ‬

‫((( أخرجه مسلم‪ ،‬باب تسوية الصفوف (‪ )325 :1‬حديث رقم (‪.)438‬‬
‫((( شرح النووي على مسلم (‪.)161 :14‬‬
‫‪417‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫وقال ُسلطا ُن العُلماء ِع ُّز الدين‪« :‬ال إيثا َر في ال ُق ُربات‪ ،‬فال إيثا َر بما ِء الطهارة‪،‬‬
‫وال بستر العورة وال بالصف األول؛ ألن الغرض بالعبادات التعظيم واإلجالل‪،‬‬
‫ترك إجال َل اهلل وتعظي َمه»(‪.)1‬‬
‫ف َمن آثَر به فقد َ‬
‫ثالثًا ‪ :‬تطبيقات على القاعدة‬
‫بس ِّد فُرج ٍة في الصف األول‪ ،‬ومثله اإليثا ُر بالصف األول بالقيام‬
‫ـ اإليثار َ‬
‫منه لغيره‪.‬‬
‫غيره بغير المشمس‪.‬‬ ‫ـ التط ُّهر بالماء ال ُمش َّمس ويؤثِ ُر َ‬
‫بست ِر العَورة‪.‬‬
‫ـ اإليثا ُر َ‬
‫غيره بنوبتِه في القراءة؛ أل ّن قراءةَ العل ِم وال ُمسارعةَ إليه قُربةٌ‪.‬‬
‫الطالب َ‬
‫ِ‬ ‫ـ إيثا ُر‬

‫((( األشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي (ص‪.)116‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪418‬‬

‫ب‬
‫المطلب الثالث‬
‫القاعدة الثالثة ‪ :‬تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة‬

‫أول ًا ‪ :‬الأصل في هذه القاعدة‬


‫عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه أنه قال‪« :‬إنّي أنز ُ‬
‫َلت‬ ‫قو ُل أمير المؤمنين َ‬
‫َجت أ َخ ُ‬
‫ذت منه‪ ،‬فإذا‬ ‫إن احت ُ‬ ‫مال اهلل َع َّز و َج َّل ب َمن ِزل ِة ول ِ ّي اليَتِيم‪ِ ،‬‬
‫فسي ِمن ِ‬ ‫نَ ِ‬
‫وليت ِمن أم ِر ال ُمس ِلمين ً‬
‫أمرا‬ ‫ُ‬ ‫فت‪ ،‬وإنّي‬ ‫يت استع َف ُ‬ ‫وإن استغن َ ُ‬ ‫أيسرت َردَدتُه‪ِ ،‬‬
‫ُ‬
‫مضها‪ ،‬فأط ِعم َعنِّي عشرةَ‬ ‫فت عَن يَ ِمي ٍن فلَم أ ُ ِ‬ ‫أنت َس ِمعتَنِي َحلَ ُ‬ ‫َع ِظي ًما‪ ،‬فإذا َ‬
‫آص ِع ب ُ ٍّر‪ ،‬بَي َن ك ِّل مسكينَين صاع»(‪.)1‬‬ ‫مساكي َن خمسةَ ُ‬
‫نص عليها إمامُنا الشافعي رضي اهلل تعالى عنه‪ ،‬قال‪« :‬منزلة‬
‫وهذه القاعدة َّ‬
‫الولي من اليتيم»(‪.)2‬‬
‫ِّ‬ ‫اإلمام من الرعية منزلةُ‬

‫ثانيًا ‪ :‬معنى القاعدة‬


‫تصرف الراعي على الر ِعيّة ولُزو ِمه عليهم شاؤوا أم أبَوا ُمعلَّق‬
‫ُّ‬ ‫إ ّن نفاذَ‬
‫ف على وجو ِد الثمر ِة والمنفع ِة في ضمن ُّ‬
‫تصرفه‪ ،‬دينيةً كانت أو دُنيويةً‪.‬‬ ‫ومتوق ِّ ٌ‬
‫أمرا من أمور‬ ‫قال الشيخ أحمد الزرقا‪« :‬والمراد بالراعي‪ :‬كل من ولي ً‬
‫خاصا ك َمن دونه من العمال‪ ،‬فإ ّن نفاذَ‬
‫ًّ‬ ‫العامة‪ ،‬عا ًّما كان كالسلطان األعظم‪ ،‬أو‬

‫((( التفسير من سنن سعيد بن منصور (‪ )1534 :4‬حديث رقم (‪.)788‬‬


‫((( إيضاح القواعد الفقهية لعبد اهلل اللحجي (ص‪.)117‬‬
‫‪419‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ب على وجود المنفعة في ضمنها؛ ألنه‬ ‫تصرفات كل منهم على العامة مترت ِّ ٌ‬
‫ُّ‬
‫مأمو ٌر من قِبَل الشارع ﷺ أن يحوطهم بالنصح‪ ،‬ومتو َّع ٌد من قِبَله على ترك‬
‫ذلك بأعظ ِم وعيد‪ ،‬ولفظ الحديث أو معناه‪« :‬مَن َولِي من أمور هذه األم ِة ع َم ًل‬
‫صح لم يُ َرح رائحةَ ال َ‬
‫جنّة»(‪.)1‬‬ ‫حطها بن ُ ٍ‬
‫فلم ي ُ‬

‫ثالثًا ‪ :‬تطبيقات على القاعدة‬

‫ـ ال يجوز ألحد من ُوال ِة األمور أن ِّ‬


‫ينصب إمامًا للصلوات فاس ًقا وإن‬
‫وولي األمر مأمور بمراعاة المصلحة وال‬
‫ُّ‬ ‫ص َّححنا الصالة خلفه؛ ألنها مكروه ٌة‪،‬‬
‫مصلحة في حمل الناس على فعل المكروه‪.‬‬
‫ـ إذا تخيَّر في األسرى بين القتل والرق وال َم ّن وال ِفداء‪ ..‬لم يكن له ذلك‬
‫بالتش ِّهي‪ ،‬بل بالمصلحة حتى إذا لم يظهر وجهُ المصلحة يحبِ ُسهم إلى أن يظهر‬
‫له ذلك‪.‬‬
‫ـ لو ز َّوج بالغةً بغير ُكف ٍء برضاها لم ِ‬
‫يص ّح؛ ألن ح َّق الكفاءة للمسلمين‪،‬‬
‫وهو كالنائب عنهم فال يق ِدر على إسقا ِطه‪.‬‬

‫((( شرح القواعد الفقهية‪ ،‬ألحمد بن محمد الزرقا (ص‪.)309‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪420‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫ب‬
‫القاعدة الرابعة ‪ :‬الخروج من الخلاف مستحب‬

‫أول ًا ‪ :‬أصل هذه القاعدة‬


‫النبي ﷺ‪« :‬يا عائشةُ‪ ،‬لوال‬
‫ما أخرجه اإلمام البخاري في «صحيحه»‪ :‬قال ُّ‬
‫فجعلت لها‬
‫ُ‬ ‫ضت الكعبةَ‪،‬‬‫حديث عهدُهم ب ُكف ٍر ـ قال ابن ال ُّزبَير ـ لن َق ُ‬
‫ٌ‬ ‫قو ُم ِ‬
‫ك‬
‫يخر ُجون»(‪.)1‬‬ ‫وباب ُ‬
‫ٌ‬ ‫الناس‬
‫ُ‬ ‫باب يد ُخ ُل‬
‫بابَين‪ٌ :‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬معنى القاعدة‬


‫أ ّن الخروج من الخالف الواقع بين المجتهدين من العلماء إلى قول ال‬
‫يقع به خالف‪ :‬مستحب ومطلوب‪.‬‬
‫قال الشاطبي في تعريف مراعاة الخالف‪« :‬إعطاء كل واحد منهما ما يقتضيه‬
‫اآلخر أو بعض ما يقتضيه هو معنى مراعاة الخالف»(‪.)2‬‬
‫شروط مراعاة الخالف(‪:)3‬‬
‫أحدها‪ّ :‬‬
‫أل يوقع مراعاته في خالف آخر‪ .‬ومن فروعه‪:‬‬
‫ـ أن الفصل في الوتر أفضل من وصله لحديث‪« :‬ال تُشبِّهوا ال ِو َ‬
‫تر بالمغرب»‬

‫((( أخرجه البخاري‪ ،‬باب مَن ترك بعض االختيار‪ ،‬مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه‪،‬‬
‫فيقعوا في أشد منه‪ ،‬حديث رقم (‪.)126‬‬
‫((( الموافقات للشاطبي (ص‪.)811‬‬
‫((( انظر‪ :‬األشباه والنظائر للسيوطي (ص‪ ،)137‬واألشباه والنظائر للسبكي (‪.)112 :1‬‬
‫‪421‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ولم يراع خالف أبي حنيفة القائل بمنع الفصل؛ ألن من العلماء من ال يجيز‬
‫الوصل‪.‬‬

‫ـ ما لو تقدَّم على إما ِمه بالفاتحة أو التشهد بأن فرغ من ذلك قبل ُش ِ‬
‫روع اإلمام‬
‫فيه لم يضره ويجزئه‪ ،‬لكن تستحب إعادتُه ُخرو ًجا من خالف من أوجبها‪.‬‬
‫الثاني‪ّ :‬أل يخالف ُسنّةً ثابتة صحيحة أو حسنة‪ .‬ومن فروعه‪:‬‬
‫ـ أنه يُ َس ُّن رفع اليدين في الصالة‪ ،‬ولم يُرا َع خالفُ من قال بإبطاله الصالة‬
‫النبي ﷺ من رواية نحو خمسين صحابيًّا‪.‬‬ ‫ثابت عن ِّ‬ ‫من الحنفية؛ ألنه ٌ‬
‫الثالث‪ :‬أن يقوى مد َر ُكه ـ أي‪ :‬دليله ـ الذي استند إليه المجتهد‪ .‬وفروعه‪:‬‬
‫ـ الصوم في السفر أفضل لمن لم يتضرر به‪ ،‬ولم يُرا َع قو ُل داود الظاهري‬
‫أنه ال يصح من المسافر‪ ،‬وقد قال إمام الحرمين في هذه المسألة‪« :‬إن المح ِّققين‬
‫ال يقيمون لخالف أهل الظاهر وزنًا»‪ .‬قاله السيوطي تبعًا للنووي التابع إلمام‬
‫الحرمين‪ ،‬واعتمده ابن حجر الهيتمي‪ ،‬رحمهم اهلل تعالى آمين‪.‬‬
‫وضع ُفه مما ال ينتهي إلى اإلحاطة به‬ ‫قال تاج الدين السبكي‪« :‬ق ُ ّوة ال ُمد َرك َ‬
‫الضعف أو ال ُق ّوة بأدنى تأ ُّمل‪ ،‬وقد يحتاج إلى تأ ُّمل وفِكر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫إال األفراد‪ ،‬وقد يظ َه ُر‬
‫قوي أو ضعيف»‪.‬‬
‫وال بد أن يقع هنا خالفٌ في االعتداد به ناشئًا عن ال ُمد َرك ٌّ‬
‫ُف ونأى عن مأخذ الشرع كان معدودًا من ال َه َفوات‬ ‫أيضا‪« :‬فإن ضع َ‬‫وقال ً‬
‫الخالفِيّات ال ُمجتهدات‪ ...‬ونعني بال ُق ّوة ما يُوجِ ب وقوفَ‬
‫والس َقطات‪ .‬ال من ِ‬
‫جة بها؛ فإن الحجة لو‬ ‫ح ّ‬‫النتهاض ال ُ‬
‫ِ‬ ‫الذهن عندها وتعلُّق ذي ال ِفطنة بسبيلها‬
‫انتهضت بها لما كنا مخالفين لها»(‪.)1‬‬

‫((( األشباه والنظائر للسبكي (‪.)112 :1‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪422‬‬

‫المطلب الخامسب‬
‫القاعدة الخامسة ‪ :‬الرخص لا تناط بالمعاصي‬

‫أول ًا ‪ :‬في تعر يف الرخصة‬


‫والر ُخصةُ وهي‪ :‬السهولة‪ ،‬والتخفيف‪.‬‬
‫الرخصةُ ُّ‬
‫الرخصة لغة‪ :‬يقال ُّ‬
‫يص اهلل للعبد في أشياءَ أي‪َ :‬خ َّف َفها عنه‪ُّ ،‬‬
‫والرخصةُ في األمر‪ ،‬وهو‬ ‫فت ِ‬
‫َرخ ُ‬
‫ص هو فيه‪ ،‬أي‪ :‬لم‬‫فتر َّخ َ‬
‫يصا َ‬ ‫ص له في كذا ِ‬
‫ترخ ً‬ ‫خالف التشديد‪ ،‬وقد ُر ِّخ َ‬
‫َقص‪ .‬وتقول‪َ :‬ر َّخصت فالنًا في كذا وكذا أي‪ :‬أ ِذنت له بعد نهيي إيّاه عنه(‪.)1‬‬
‫يَست ِ‬
‫والرخصة اصطال ًحا‪ :‬هو تغير الحكم الشرعي من صعوبة على ال ُمكلَّف‬
‫إلى سهولة لعذ ٍر مع قيام السبب للحكم األصلي(‪.)2‬‬

‫ُ‬
‫أقسام الر ّخَص‬ ‫ثاني ًا ‪:‬‬
‫تنقسم الرخص من حيث الحكم الشرعي إلى أقسام(‪:)3‬‬
‫‪1‬ـ رخصة واجبة‪ ،‬كحل الميتة للمضطر‪ ،‬والفطر لمن خاف الهالك بغلبة‬
‫حا‪.‬‬
‫الجوع والعطش وإن كان مقي ًما صحي ً‬

‫((( لسان العرب‪ ،‬البن منظور (‪.)1616 :3‬‬


‫((( غاية الوصول شرح لب األصول لزكريا األنصاري (‪.)19 :1‬‬
‫((( المنثور في القواعد الفقهية للزركشي (ص‪ ،)166‬واألشباه والنظائر للسيوطي (ص‪.)66‬‬
‫‪423‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫‪2‬ـ رخصة فِعلُها أفضل‪ ،‬كالقصر لمسافر بلغ مسافة ثالثة أيام فصاعدًا‪ ،‬والفطر‬
‫لمن يشق عليه الصوم في سفر‪ ،‬أو مرض‪ ،‬واإلبراد بالظهر‪ ،‬والنظر إلى المخطوبة‪.‬‬
‫‪3‬ـ رخصة يُباح فِعلُها‪ ،‬كعقد السلم‪.‬‬
‫‪4‬ـ رخصة تركها أفضل‪ ،‬كالمسح على الخف‪ ،‬والتيمم لمن وجد الماء‬
‫يباع بأكثر من ثمن المثل‪ ،‬وهو قادر عليه‪ ،‬والفطر لمن ال يتضرر بالصوم‪.‬‬
‫ـ ُرخص السفر أقسام‪:‬‬
‫‪1‬ـ الرخص المتعلقة بالسفر الطويل (‪ 81‬كم فأكثر) فقط أربع هي‪ :‬القصر‪،‬‬
‫والفطر‪ ،‬والمسح على الخف ثالثة أيام‪ ،‬والجمع على األظهر‪.‬‬
‫‪2‬ـ الرخص المشتركة بين السفر الطويل والقصير (القصير ما لم يبلغ‬
‫‪ 81‬كم) هي‪ :‬تر ُك الج ُمعة‪ ،‬والتن ُّف ُل على الراحلة على المشهور‪ ،‬ومنها ما لو‬
‫المالك وال وكيلَه وال الحاك َم وال األمي َن فله أخ ُذها‬
‫َ‬ ‫سافر ال ُمودَع‪ ،‬ولم يجد‬
‫ض ّرة زوجته ب ُقرع ٍة فال قضاء‬‫حب معه َ‬ ‫معه على الصحيح‪ ،‬ومنها‪ :‬ما لو استص َ‬
‫عليه(‪.)1‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬معنى القاعدة‬


‫الرخصة متى توقَّف على وجود شيء ن ُ ِظر في ذلك الشيء؛ فإن‬ ‫أن فِعل ُّ‬
‫كان تعاطيه في نفسه حرا ًما امتنع معه فِع ُل ُّ‬
‫الرخصة‪ ،‬وإال فال (‪.)2‬‬
‫فإن قلت‪ :‬ما الفرق بين العاصي بالسفر‪ ،‬والعاصي في السفر؛ حيث ال‬
‫يباح لألول الرخص‪ ،‬ويباح للثاني؟‬

‫((( مغني المحتاج (‪.)535 :1‬‬


‫((( األشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي (‪.)140 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪424‬‬

‫الجواب‪ :‬أن العاصي بالسفر‪ :‬هو من يكون س َف ُره معصيةً‪ ،‬كأن سافر للتجارة‬
‫في الخمور أو سافر ألجل الزنا بامرأة أو غير ذلك من األمثلة‪ ،‬فالسفر في نفسه‬
‫معصية‪.‬‬
‫فالرخصةُ منوطة به أي‪ُ :‬معلَّقة به ومترتِّبةٌ عليه ترتُّب ال ُم َسبَّب على السبب‪،‬‬
‫ُّ‬
‫باح فيه رخصة القصر‪.‬‬ ‫فال ت ُ ُ‬
‫سفرا مبا ًحا‪ ،‬ثم في أثناء َس َفره أنشأ‬
‫أما العاصي في السفر‪ :‬هو من سافر ً‬
‫ب المعصيةَ في‬ ‫عاص في السفر أي‪ :‬مرت َ ِك ٌ‬
‫ٍ‬ ‫معصية‪ ،‬كأن شرب الخمر‪ ،‬فهو‬
‫السفر المباح(‪.)1‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬تطبيقات على القاعدة‬


‫ـ المرأة الناشزة من زوجها فال يباح لها الرخص؛ كقصر الصلوات‪ ،‬والفطر‬
‫من رمضان‪ ،‬والمسح على الخفين ثالثة أيام‪.‬‬
‫ـ من سافر ألجل التجارة في المخدرات فال يباح له الرخص؛ كالقصر‪،‬‬
‫والجمع‪ ،‬والفطر‪ ،‬والمسح على الخفين ثالثة أيام‪ ،‬وترك الجمعة‪.‬‬
‫ـ لو استنجى بمطعوم أو محترم أي‪ :‬له حرمة كالذي كتب عليه اسم معظم‬
‫ـ كاسم نبي ـ أو علم شرعي ال يجزئه االستنجاء في األصح؛ ألن االقتصار على‬
‫الحجر رخصة فال يناط بمعصية(‪.)2‬‬
‫ـ لو ُج َّن المرت َ ُّد وجب قضاء صلوات أيام الجنون ً‬
‫أيضا بخالف ما إذا‬

‫((( األشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي (‪.)140 :1‬‬


‫((( إيضاح القواعد الفقهية‪ ،‬لعبد اهلل اللحجي (ص‪.)138‬‬
‫‪425‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫حاضت المرتدة ال تقضي صلوات أيام الحيض؛ ألن سقوط القضاء عن‬
‫الحائض عزيمة‪ ،‬وعن المجنون رخصة‪ ،‬والمرتد ليس من أهل الرخصة‪.‬‬
‫ف فليس له المسح؛ ألن المعصية هنا في نفس اللبس‪،‬‬ ‫ـ لو لبس ال ُمح ِرم ال ُ‬
‫خ َّ‬
‫ذكرها اإلسنوي في «ألغازه»(‪.)1‬‬
‫سكر لم تس ُقط عنه الصالة(‪.)2‬‬ ‫ـ من زال عقلُه بسبب مُ َّ‬
‫حر ٍم كشرب مُ ِ‬

‫((( إيضاح القواعد الفقهية‪ ،‬لعبد اهلل اللحجي (ص‪.)138‬‬


‫((( األشباه والنظائر‪ ،‬لتاج الدين السبكي (ص‪.)135‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪426‬‬

‫ب‬
‫المطلب السادس‬
‫القاعدة السادسة ‪ :‬لا ينكر المختلَف فيه وإنما ينكر المجمع عليه‬

‫أول ًا ‪ :‬أصل هذه القاعدة‬


‫أ ّن الصحابة رضي اهلل عنهم اختلفوا في فروع كثيرة‪ ،‬وما كان يعيب ُ‬
‫بعضهم‬
‫ً‬
‫بعضا فيما هو ضمن دائرة االجتهاد‪ ،‬كما أنهم في نفس الوقت أنكروا على من‬
‫خالف في أم ٍر متفق عليه؛ كإنكا ِرهم على من شرب الخمر‪ ،‬أو تعامل في الربا‪،‬‬
‫أو فعل الزنا؛ ألن هذه األمور مجمع على تحريمها‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬معنى القاعدة‬


‫أن الفعل أو الحكم المختلف فيه بين المذاهب الفقهية الختالف األدلة؛ فال‬
‫يجب إنكاره‪ ،‬وإنما يجب إنكا ُر الفعل الذي يخالف المجمع عليه‪.‬‬
‫(‪)1‬‬‫ثالثًا ‪ :‬شروط إنكار المنكر‬
‫األول‪ :‬أن يكون مما أُج ِمع على تحريمه‪ ،‬وأما ما اختُ ِلف في تحري ِمه فال‬
‫يجب إنكا ُره على الفاعل؛ الحتمال أنه حينئذ قلَّد من يرى حله أو جهل تحريمه‪.‬‬
‫الثاني‪ّ :‬أل يؤدِّي إلى فِتن ٍة‪ ،‬فإن ُع ِل َم أنه يؤدِّي إلى فتنة لم يجب‪ ،‬بل ربما كان‬
‫حرامًا‪ ،‬بل يلزمه ّأل ُ‬
‫يحض َر ال ُمن َكر‪ ،‬ويعت ِز َل في بيته؛ لئال يراه‪.‬‬

‫((( إيضاح القواعد الفقهية‪ ،‬لعبد اهلل اللحجي (ص‪.)90‬‬


‫‪427‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫المحتسب‪ ،‬أما هو فيُ ِ‬


‫نك ُر‬ ‫ِ‬ ‫قال ابن حجر في «التحفة»‪« :‬والكال ُم في غير‬
‫وجوبًا على من أخ َّل بشيء من الشعائر الظاهر ِة‪ ،‬ولو سنة كصال ِة ال ِعيد واألذان‪،‬‬
‫األمر بهما‪ ،‬ولكن لو احتيج إنكار ذلك لقتال لم يفعله إال على أنه فرض‬
‫ُ‬ ‫ويل َزمُه‬
‫كفاية»(‪.)1‬‬
‫ويُستثنَى من ذلك صور يُن َكر فيها المختلَ ُ‬
‫ف فيه(‪:)2‬‬
‫شارب‬
‫ٌ‬ ‫األولى‪ :‬أن يُرفَع األمر لحاكم يرى التحريم كما إذا ُرفِع له حنفي‬
‫حدُّه؛ إذ ال يجوز للحاكم أن يح ُك َم بخالف معتقده‪.‬‬‫نبي ًذا‪ ،‬فإنه ي ُ‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون الفاعل معت ِقدًا لل َ‬
‫حظر‪ ،‬أي‪ :‬المنع والتحريم لذلك الفعل‪،‬‬
‫كواطئ رج ِعيَّته فيُعزَّر‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬إذا كان مأخ ُذ ال ُمج ِّوز لهذا المنكر بعيدًا بحيث يُن َقض فيه قضاء‬
‫القاضي فيُن َكر حينئذ على الذاهب إليه‪ ،‬وعلى مُقلِّده‪.‬‬

‫((( تحفة المحتاج البن حجر (‪.)218 :9‬‬


‫((( األشباه والنظائر للسيوطي (ص‪.)158‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪428‬‬

‫ب‬
‫المطلب السابع‬
‫أقسام العقود في المذهب الشافعي‬

‫حلِّه‪ ،‬وهو ينقسم‬ ‫ُ‬


‫ارتباط اإليجاب بال َقبول على وج ٍه يظ َه ُر ُ‬
‫أثره في م َ‬ ‫العقد‬
‫إلى أقسام عديدة باعتبارات مختلفة(‪:)1‬‬

‫أول ًا ‪ :‬ينقسم باعتبار الاستقلال به وعدمه إلى قسمين‬


‫األول عقد ينفرد به العاقد‪ ،‬مثل اليمين والنذر والوقف‪ ،‬والثاني عق ٌد ال بد‬
‫فيه من متعاقدَين‪ ،‬مثل‪ :‬البيع واإلجارة‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬ينقسم باعتبار الجواز واللزوم إلى أقسام‬


‫خه دون ِ‬
‫إذن اآلخر‪،‬‬ ‫‪1‬ـ الزم من الطرفين‪ ،‬أي‪ :‬ليس ألحد العاقدَين فَس ُ‬
‫كالبيع‪ ،‬واإلجارة‪ ،‬والسلم‪ ،‬والصلح‪ ،‬والحوالة‪ ،‬والمساقاة‪.‬‬
‫ِ‬
‫الطرف‬ ‫خه وال يشترط إذ ُن‬
‫‪2‬ـ جائز من الطرفين‪ ،‬أي‪ :‬لك ٍّل ِمن العاقدَين فس ُ‬
‫اآلخر‪ ،‬كالش ِركة‪ ،‬وال َوكالة‪ ،‬وال ُمضاربة‪.‬‬
‫‪3‬ـ الزم من أحد الطرفين جائز من اآلخر؛ كالرهن الزم من جهة الراهن بعد‬
‫ال َقبض جائز من جهة المرتهن‪ ،‬والضمان وال َكفالة جائزان من جهة ال َمضمون له‬
‫دون الضامن‪.‬‬

‫((( المنثور في القـواعد الفقـهية للـزركشـي (‪ ،)410-397 :2‬واألشـباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي‬


‫(ص‪.)275‬‬
‫‪429‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫التصرفات أقسام‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫ـ فائدة‪ :‬قال اإلمام العز بن عبد السالم‪:‬‬
‫‪1‬ـ أحدها‪ :‬ما ال يتم مَصال ِ ُحه ومقاصده إال بلزومه من طرفيه؛ كالبيع واإلجارة‬
‫واألنكحة واألوقاف والضمان والهبات‪.‬‬
‫وأما البيع واإلجارة؛ فلو كانا جائزَين لما َوثَق ك ُّل واحد من المتعاقدَين‬
‫باالنتفاع بما صار إليه‪ ،‬ولبَ َطلت فائدةُ شر ِعيَّتِهما؛ إذ ال يأمن من فسخ صاحبه‪.‬‬
‫تحصل مقاصدُه إال بلزومه‪ ،‬وال يثبُت فيه خيار مجلس‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وأما النكاح؛ فال‬
‫يردَّ كل واحد‬
‫وال خيار شرط؛ لما في ذلك من الضرر على الزوجين في أن ُ‬
‫منهما ردَّ السلع مع أن الغالب في النكاح أن ال يقع إال بعد البحث وصحة‬
‫فسخ إال بعيوب خمسة قادحة في مقاصده‪.‬‬ ‫الرغبة‪ ،‬وال يُ َ‬
‫يحصل َمقصودُها الذي هو جريان أجرها في الحياة‬
‫ُ‬ ‫وأما األوقاف؛ فال‬
‫وبعد الممات إال بلزومها‪.‬‬
‫يحصل مَقصودُه إال بلزو ِمه وال خيار فيه في الوقف بحال‪.‬‬
‫وأما الضمان؛ فال ُ‬
‫حص َل ال ُمتَّ َهب على مقاصدها‪ ،‬لكن‬
‫وأما ال ِهبات؛ فاألصل فيها اللزو ُم ليَ ُ‬
‫نظرا للواهب وال ُمتَّ َهب‪ ،‬فإن الواهب قد يرى‬‫ُش ِرع فيها الجواز إلى اإلقباض؛ ً‬
‫المصلحة في فسخ الهبة وصرف الموهوب فيما هو أهم منها‪ ،‬وقد يرى ال ُمت َهب‬
‫أن ال يتح َّم َل ِمنّة الواهب‪.‬‬
‫طرفَيه؛‬
‫‪2‬ـ النوع الثاني من التصرفات‪ :‬ما يكون مصلحتُه في جوا ِزه من َ‬
‫جعالة‪ ،‬وال َوصيّة‪ ،‬وال ِق ِ‬
‫راض‪ ،‬والعَواري‪ ،‬والودائع‪.‬‬ ‫كالشركة‪ ،‬والوكالة‪ ،‬وال َ‬
‫أما الوكالة؛ فلو ل ِز َمت من جانب الوكيل ألدَّى إلى أن يز َه َد ال ُوكالء في‬
‫الوكالة؛ خوفَ لُزومها فيتع َّطل عليها هذا النوع من البر‪ ،‬ولو لزمت من جانب‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪430‬‬

‫لتضرر؛ ألنه قد يحتاج إلى االنتفاع بما َو َّكل فيه لجهات أ ُ َخر؛ كاألكل‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الموكل‬
‫والشرب‪ ،‬واللبس‪ ،‬أو العتق‪ ،‬أو السكنى‪ ،‬أو الوقف‪ ،‬وغير ذلك من أنواع البر‬
‫المتعلق باألموات‪ ،‬والشركة وكالة؛ ألنها إن كانت من أحد الجانبين فالتعليل‬
‫ما ذكرناه‪ ،‬وإن كانت من الجانبين فإن ل ِز َمت فقد فات على ك ِّل واحد منهما‬
‫المقصودان المذكوران‪.‬‬
‫وأما الجعالة؛ فلو لزمت لكان في لُزومها من الضرر ما ذكرناه في الوكالة‪.‬‬
‫وأما الوصية؛ فلو ل ِزمت لز ِهد الناس في الوصايا‪.‬‬
‫الضرر فيه من الجانبين‪ ،‬وفاتت‬
‫َ‬ ‫وأما ال ِقراض؛ فلو ل ِزم على التأبيد ع ُظم‬
‫يحصل فيها الربح في‬
‫ُ‬ ‫األغراضُ التي ذكرناها في الوكالة‪ ،‬وإن ل ِزم إلى مُدّة ال‬
‫يحصل مَقصودُ العقد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مثل تلك ال ُمدّة فال‬
‫أما العَواري؛ فلو ل ِزمت ل َز ِهد الناس فيها‪ ،‬فإن ال ُمعير قد يحتاج إليها لما‬
‫من األغراض‪ ،‬وال ُمستعير قد يز َه ُد فيها دفعًا ل ِمنّة المعير‪.‬‬
‫لتضرر ال ُمو ِدع وال ُمستودَع‪ ،‬ول َز ِهد ال ُمستودَعون‬
‫َّ‬ ‫وأما الودائع؛ فلو ل ِزمَت‬
‫في قَبول الودائع‪.‬‬
‫طرفَيه‪،‬‬
‫‪3‬ـ النوع الثالث من التصرفات‪ :‬ما تكون مصلحتُه في جوا ِزه من أحد َ‬
‫ولُزومُه ِمن الطرف اآلخر؛ كالرهن‪ِ ،‬‬
‫والكتابة‪ ،‬وعَقد الجِ زية‪.‬‬

‫أما الرهن؛ فإ ّن مقصودَه التوثُّق وال ُ‬


‫يحصل إال بلزومه على الراهن‪ ،‬وهو ح ٌّق‬
‫من حقوق ال ُمرتَهن فله إسقاط توثُّقه به‪ ،‬كما تسقط وثيقة الضمان بإبراء الضامن‬
‫وهو محسن بإسقاطهما‪.‬‬
‫‪431‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫وأما الكتابة؛ فمقصودها األعظم حصول العتق‪ ،‬فلو جازت من قِبَل السيد‬
‫خها متى شاء بعد أن يكدَح العب ُد في تحصيل مع َظم‬
‫يفس َ‬
‫ألدى ذلك إلى أن َ‬
‫لتحصيل مَقصود الكتابة‪ ،‬وجازت من قِبَل العبد؛ إذ ال‬
‫ِ‬ ‫النجوم‪ ،‬وذلك مُب ِطل‬
‫السعي في تحصيل حريته‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يلزمه‬
‫وأما عق ُد الجزية؛ فإنه جائز من جهة الكافرين الزم من جهة المسلمين‬
‫ً‬
‫تحصيل لمصالحه‪ ،‬ولو جاز من جهة المسلمين المتنع الكافرون منه؛ لعدم الثقة‬
‫تطرأ ُ منهم؛ وذلك غير مُن َف ِرد من الدخول فيه‪.‬‬
‫بأسباب َ‬
‫ٍ‬ ‫خه‬‫به‪ ،‬لكن يجو ُز فَس ُ‬
‫انتهى بتصرف يسير(‪.)1‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬تنقسم العقود أيضًا باعتبار المالية إلى‪:‬‬


‫‪1‬ـ عقود مالية َمحضة من الطرفين حقيقةً ـ أي تنتقل ملكيتها بال ِع َوض ـ كالبيع‪،‬‬
‫أو حك ًما ـ أي‪ :‬تنتقل ملكيتها بالعمل ـ كاإلجارة والمساقاة‪ ،‬وتُس َّمى هذه العقود‬
‫فس ُد ب َفساد ال ِع َوض فيها‪.‬‬
‫بال َمحضة وهي التي ت َ ُ‬
‫خلع‪ ،‬وهي العقودُ التي يكون‬ ‫النكاح وال ُ‬
‫ِ‬ ‫‪2‬ـ عُقودٌ ماليّةٌ غير محضة؛ كعَقد‬
‫تنفس ُخ بفسا ِد ال ِع َوض فيها‪ ،‬كعَق ِد النِّكاح‬ ‫طرفَيها ِع َوضٌ ٌّ‬
‫مالي‪ ،‬ولكنها ال ِ‬ ‫في أحد َ‬
‫الزوج مهر‬
‫َ‬ ‫إذا فسد المهر ال ُمس َّمى فيه ال ينفسخ‪ ،‬بل يبقى العَق ُد صحي ًحا‪ ،‬ويلزم‬
‫المثل‪.‬‬
‫طرفَيها ِع ً‬
‫وضا‬ ‫غير مالية؛ كعَقد ال ُهدنة‪ ،‬وهي العقود التي ال يكون أح ُد َ‬
‫‪3‬ـ عقودٌ ُ‬
‫ماليًّا‪.‬‬

‫((( قواعد األحكام البن عبد السالم (‪ )148 :2‬بتصرف يسير‪.‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪432‬‬

‫رابعًا‪ :‬تنقسم العقود باعتبار اشتراط ال َقبض فيها إلى‪ :‬عقود يُ َ‬


‫شترط فيها‬
‫القبض للزومها‬
‫ُ‬ ‫كالصرف والسلَم‪ ،‬وعقو ٍد يُ َ‬
‫شترط فيها‬ ‫ِ‬ ‫حتها؛‬ ‫القبض ِ‬
‫لص ّ‬
‫شترط للزومها ال َق ُ‬
‫بض؛ كالبيع واإلجارة‪.‬‬ ‫وتمامها؛ كال ِهبة وال َقرض‪ ،‬وعقود ال يُ َ‬
‫خامسا‪ :‬تنقسم العقودُ باعتبار ما يترتَّب عليها إلى عقو ٍد صحيح ٍة وهي ما‬
‫ً‬
‫أثرها‪ ،‬وعقو ٍد فاسد ٍة وباطل ٍة وهي ما لم يترتَّب عليها ُ‬
‫أثرها‪.‬‬ ‫ترتَّب عليها ُ‬
‫(‪)1‬‬‫سادسًا ‪ :‬في أنواع الخيارات‪ ،‬وما يثب ُت فيها‬
‫األول‪ :‬خيار المجلس‪ :‬ويثبُت في كل مُعا َوضة مَحض ٍة واقعة على عَي ٍن‬
‫الر َخص ولو‬‫ك قَهري‪ ،‬وال جرت مجرى ُّ‬ ‫الزمة من الجانبَين ليس فيها تملُّ ٌ‬
‫ِربَويًّا أو سلَ ًما‪ ،‬أو ما استعقب عت ًقا‪.‬‬
‫فال يثبُت في الهبة بال ثواب؛ لعدَم ال ُمعا َوضة‪ ،‬وال في النكاح؛ لكون‬
‫تفسد بفساد المقابل‪ ،‬وال في اإلجارة؛ ألن‬‫ال ُمعا َوضة فيه غير َمحضة؛ إذ ال ُ‬
‫المعاوضة فيها ليست واردة على عين‪ ،‬وال في الوكالة والكتابة؛ لعدم اللزوم‬
‫من الجانبين‪ ،‬وال في الشفعة؛ ألن الملك فيها قَهري‪ ،‬وال في الحوالة؛ ألنها‬
‫في مجرى الرخص‪.‬‬
‫ويُس ِقط خيا َر المجلس الفرقةُ بالبدن عرفًا‪ ،‬وباختيا ِرهما اللزوم؛ فإن‬
‫اختا َره أحدهما س َقط َح ُّقه‪ ،‬وب َ ِقي َح ُّق اآلخر‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬خيار الشرط‪ :‬ويثبُت في كل معاوضة محضة واقعة على عين الزمة‬
‫من الجانبين ليس فيها تملُّك قَهري‪ ،‬إال ما شرط فيه القبض في ال َمج ِلس؛‬
‫كالربوي والسلم‪.‬‬

‫((( الياقوت النفيس في مذهب ابن إدريس للشاطري (ص‪.)127‬‬


‫‪433‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫رط خيار الشرط‪ :‬أن يكون في مدة معلومة‪ ،‬وأن تكون متوالية‪ ،‬وأن ال‬ ‫وش ُ‬
‫َ‬
‫تزيد على ثالثة أيام‪ ،‬وأن ت ُ َ‬
‫حسب ال ُمدّة من العقد‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬خيار العيب‪ :‬ويتعلَّ ُق ب َفوات أم ٍر َمقصود مظنون‪ ،‬نشأ الظن فيه‬
‫شرط كون‬
‫ُرفي؛ فاألول‪ :‬كأن َ‬
‫علي‪ ،‬أو قضاء ع ّ‬ ‫شرطي‪ ،‬أو تغرير فِ ّ‬
‫ّ‬ ‫من التزام‬
‫العبد كاتبًا فأخلف‪ ،‬والثاني‪ :‬كالتصرية‪ ،‬والثالث‪ :‬كظهور العيب القديم الذي‬
‫نقصا يفوت به غرض صحيح‪.‬‬ ‫يُن ِق ُ‬
‫ص العي َن أو القيمة ً‬
‫يضر أك ٌل وصالةٌ ً‬
‫مثل دخل‬ ‫ُّ‬ ‫ويس ُق ُ‬
‫ط خيا ُر العَيب بالتأخير بال عذر؛ فال‬
‫وقتها‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪434‬‬

‫ب‬
‫الفصل الثالث‬
‫أحكام الاجتهاد والتقليد في المذهب الشافعي‬

‫سنتكلم في هذا الفصل عن ثمانية مباحث مهمة يحتاج إليها طالب العلم‬
‫في الفكر االجتهادي عند علماء المسلمين‪ ،‬وبيان طبقات العلماء في االجتهاد؛‬
‫فبعضهم بلغ االستقالل في النظر‪ ،‬وبعضهم كان مُقيَّدًا‪ ،‬وكيف يتعامَ ُل المجت ِه ُد‬
‫والعامِّ ُّي في فَهم النصوص الشرعية من الكتاب والسنة‪ ،‬وسنبيِّن ُحك َم تقليد‬
‫أقوال الصحابة والتابعين الكرام وأسباب عدم األخذ بها مباشرة‪ ،‬وحكم‬
‫التعصب ال َمذهَبي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫االنتقال بين المذاهب الفقهية‪ ،‬ثم نختم ِسفرنا هذا ب ُ‬
‫حك ِم‬
‫وعَرض بعض النماذج ال ِفقهية من البَيت ال َمذهَبي تد ُّل على أنه ال محاباة في‬
‫الدين ألحد‪ ،‬وإن بلغ الغاية في االجتهاد‪.‬‬
‫‪435‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ب‬
‫المبحث الأول‬
‫طبقات المجتهدين ومراتبهم في المذهب‬

‫قسم ابن الصالح وتبِعَه اإلمام النووي علماءَ المذهب إلى خمس طبقات(‪:)1‬‬
‫ّ‬

‫الطبقة الأولى ‪ :‬المجتهد المستقل‬


‫وهو المجتهد ال ُمطلَق الذي يكون له أصول مستقلة‪ ،‬ويستنبط أحكام‬
‫والقياس وغي ِرها‪ ،‬على حسب تلك‬
‫ِ‬ ‫واإلجماع‬
‫ِ‬ ‫الكتاب والسن ِة‬
‫ِ‬ ‫الفروع من األدلة‪:‬‬
‫الشافعي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫القواعد من غير تقليد ألحد في الفروع واألصول‪ ،‬وذلك مثل‪ :‬اإلمام‬
‫وسفيا َن‬
‫واألوزاعي‪ُ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫والليث‪،‬‬ ‫واإلمام أبي َحنِيفة‪ ،‬واإلمام مالك‪ ،‬واإلمام أحمد‪،‬‬
‫الثوري‪ ...‬وغيرهم‪ ،‬رضي اهلل عنهم‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وهذه الطبقة انتهت وان َق َطعت منذ أزمنة؛ وهذا ال يعني إغال َ‬
‫ق باب االجتهاد‪،‬‬
‫فبابُهُ مفتوح‪ ،‬لكن ل َمن هو أه ٌل لذلك‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي‪« :‬و ِمن دَه ٍر طويل ُع ِدم ال ُمفتي ال ُمست ِق ُّل‪ ،‬وصارت‬
‫الفتوى إلى المنتسبين إلى أئمة المذاهب المتبوعة»(‪.)2‬‬
‫ي بِ ُ‬
‫ساط ال ُمفتِي المستق ّل‬ ‫ومثله عبارة ابن الصالح‪« :‬مُن ُذ دهر َط ِويل ُط ِو َ‬
‫ال ُمطلَق‪ ،‬وال ُمجت ِه ِد ال ُمست ِق ّل‪ ،‬وأفضى أمر ال َفت َوى إلَى ال ُف َقهاء المنتسبين إلَى‬

‫((( فتاوى ابن الصالح (ص‪ ،)26‬والمجموع شرح المهذب (‪.)42 :1‬‬
‫((( المجموع شرح المهذب (‪.)43 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪436‬‬

‫أئِ ّمة المذاهب المتبوعة»(‪.)1‬‬


‫فشر ُطه‪ :‬أن يكون عارفًا معرفة تامّةً بأدلة األحكام الشرعية من الكتاب‬ ‫َ‬
‫والسنة واإلجماع والقياس‪ ،‬وأن يكون عال ًما بوجو ِه دَاللتِها‪ ،‬وعال ًما بعلوم‬
‫القرآن والحديث‪ ،‬والناسخ والمنسوخ‪...‬وغير ذلك‪ ،‬وسيأتي تفصيله‪.‬‬

‫الطبقة الثانية ‪ :‬المجتهد المُنتَسب‬


‫وهو الذي لم يست ِق ّل بقواع َد أصولِيّ ٍة خاصة‪ ،‬وإنما يست ِق ُّل في األخذ من‬
‫خرج األحكا َم على أصول إمامه‪.‬‬ ‫الكتاب والسنة‪ ،‬فهو يُ ِّ‬
‫النووي‪« :‬وال يكون مُقلِّدًا إلمامه‪ ،‬ال في المذهب‪ ،‬وال في دليله؛‬
‫ّ‬ ‫قال اإلمام‬
‫لسلو ِكه طري َقه في االجتهاد»(‪.)2‬‬
‫ب إليه؛ ُ‬‫نس ُ‬‫التصافِه بصف ِة ال ُمست ِق ّل‪ ،‬وإنما يُ َ‬
‫ومن أصحاب هذه الطبقة‪ :‬أبو بكر ب ُن ال ُمن ِذر‪ ،‬ومحمد بن نَص ٍر ال َمروزي‪،‬‬
‫ومحمد بن جري ٍر الطبَري‪ ،‬ومحم ِد بن ُخزَيمة‪ ،‬وال ُمزَني‪ ،‬وأبو ثَور‪.‬‬
‫قال اإلمام تاج الدين السبكي‪« :‬ال ُمح َّمدون األربَعة‪ :‬مُ َح َّمد بن نصر‪ ،‬ومُ َح ّمد بن‬
‫جرير‪ ،‬وابن ُخزَيمة‪ ،‬وابن ال ُمنذر من أصحابنا‪ ،‬وقد بل ُغوا دَ َرجة ِالجتِهاد ال ُمطلَق‬
‫صوله‬‫ولم يُخ ِرجهم ذَلِك عَن َكونهم من أصحاب الشافعي ال ُمخرجين على أ ُ ُ‬
‫ال ُمتمذ ِهبين بمذهبه ل ِوفاقِ اجتهادهم اجتِهادَه‪ ...‬فإن ّ ُهم وإن َخر ُجوا عَن رأى اإلمام‬
‫األع َظم في كثير من المسائِل فلم يخر ُجوا في األغلَب‪ ،‬فاعرف ذَلِك واعلَم أنهم‬
‫خرجون‪ ،‬وبطريقه‬ ‫صوله في األغلَب مُ ِّ‬ ‫الشافِ ِعيّة معدودون‪ ،‬وعَلى أ ُ ُ‬
‫في أحزاب ّ‬
‫مته ِّذبون‪ ،‬وب َمذهبِه متمذ ِهبون»(‪.)3‬‬

‫((( فتاوى ابن الصالح (ص‪.)29‬‬ ‫((( فتاوى ابن الصالح (ص‪.)29‬‬
‫((( طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (‪.)103 :3‬‬
‫‪437‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫وقال ابن الصالح‪« :‬دَع َوى انتِفاء التق ِليد عنهم مُطل ًقا من كل وجه ال يستقيم‬
‫ّإل أن يكونوا قد أحاطوا بعلوم االجتهاد ال ُمطلَق وفازوا برتبة ال ُمجتَ ِهدين‬
‫ك ال يالئم ال َمعلُوم من أحوالهم أو أحوال أكثَرهم‪ ،‬وقد ذكر‬ ‫المستقلِّين؛ و َذل ِ َ‬
‫صولِيِّي َن منا أنه لم يُوجد بعد عصر ّ‬
‫الشافِ ِعي ُمجتَهد ُمستَقل»(‪.)1‬‬ ‫بعض األ ُ ُ‬
‫الحسن الشيباني‪،‬‬
‫َ‬ ‫من أصحاب هذه الطبقة في مذهَب الحنفية‪ :‬مُح َّمد بن‬
‫عقوب بن إبراهيم‪ ،‬و ُزفَر بن ال ُه َذيل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ف يَ‬
‫يوس َ‬
‫وأبو ُ‬
‫وفي مذهَب المالكية‪ :‬عبد الرحمن بن القاس ِم ال ِمصري‪ ،‬وأش َه َ‬
‫ب بن‬
‫عبد العزيز العامري‪.‬‬
‫خ ّلل‪.‬‬ ‫ح َسين ِ‬
‫الخ َرقي‪ ،‬وأبو بكر ال َ‬ ‫وفي مذهب الحنابلة‪ُ :‬ع َمر بن ال ُ‬

‫الطبقة الثالثة ‪ :‬مجتهد المذهب‬


‫وهو الذي لم يبلغ درجة المجت ِه ِد ال ُمطلَق وال المنتسب‪ ،‬إال أنه بلغ من‬
‫ويخر ُجها على نصوص إمامه‪.‬‬‫ِّ‬ ‫العلم ما يؤهِّلُه أن ين ُظ َر في الوقائع‬
‫وتُس َّمى أقوا ُل مُجت ِهد المذهب‪« :‬بأصحاب الوجوه»‪.‬‬
‫ً‬
‫أصول يَستنبِط ِمنها نَحو‬ ‫صوص إمامه‬ ‫أصو َل ن ُ ُ‬‫قال ابن الصالح‪« :‬ويتخذ ُ‬
‫الشا ِرع‪ ...‬و َه ِذه صفة أصحاب ال ُو ُجوه والطرق‬ ‫ما يَفعَله المستق ُّل بنصوص ّ‬
‫الصفة كا َن أئِ ّمة أصحابنا أو أكثَرهم ومن كا َن هَذا َشأنه‪،‬‬
‫في ال َمذهَب وعلى هذه ّ‬
‫صحة إضافة ما يَ ُقوله إلى‬ ‫فالعامل بفتياه مُقلِّد إلمامه‪ ،‬ال لَهُ‪ ،‬أل ّن مُع َّوله على ِ‬
‫إمامه؛ لعدم استقالله بتصحيح نسبته إلَى ّ‬
‫الشا ِرع‪ ،‬واهلل أعلم»(‪.)2‬‬

‫((( فتاوى ابن الصالح (ص‪.)32‬‬ ‫((( فتاوى ابن الصالح (ص‪.)31‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪438‬‬
‫بصيرا‬
‫ً‬ ‫قال إمام الحرمين في وصفه‪« :‬من كان فقيهَ النفس‪ ،‬متوقِّد القريحة‪،‬‬
‫خبيرا ب ُط ُرق المعاني في هذه الفنون‪ ،‬ولكنه لم يبلُغ مبلَغ‬
‫ً‬ ‫بأساليب الظنون‪،‬‬
‫ال ُمجت ِه ِدين؛ ل ُقصو ِره عن المبلغ المقصود في اآلداب‪ ،‬أو ل َعدَم تب ُّ‬
‫ح ِره في الفن‬
‫أصول ال ِفقه الفقيه ال َمرموق‬
‫ِ‬ ‫المتر َجم بأصول الفقه ـ على أنه ال يخلو عن قواع ِد‬
‫وال َف ِطن في أدراج ال ِفقه ـ وإن كان ال يستقل بنَظم أبوابه‪ ،‬وتهذيب أسبابه‪ ،‬فمثل‬
‫هذا الفقيه إذا أحاط بمذهب إمام من األئمة الماضين‪ ،‬وذلك اإلمام هو الذي‬
‫منصوصا من‬
‫ً‬ ‫ظهر في َظ ِّن المستفتين أنه أفضل المقدمين الباحثين‪ ،‬فما يجده‬
‫مذهبه ينهيه ويؤديه‪ ،‬ويلحق بالمنصوص عليه ما في معناه»(‪.)1‬‬
‫ومن أصحاب هذه الطبقة‪ :‬البُ َويطي‪ ،‬والربي ُع ال ُمرادي‪ ،‬واألنماطي‪ ،‬واب ِن‬
‫ُس َريج‪ ،‬وال َمروزي‪ ،‬وال َق ّفال الشاشي‪ ،‬واإلصطخري‪ ،‬واب ِن خيران‪ ،‬وابن أبي ه َُريرة‪،‬‬
‫والصيرفي‪ ،‬وغيرهم‪...‬‬
‫َ‬
‫بأوسع من ذلك راجع كتاب «االجتهاد وطبَقات‬
‫أصحاب ال ُوجوه َ‬
‫ِ‬ ‫ولمعرفة‬
‫الشاف ِعيِّين المجتهدين» للشيخ محمد حسن هيتو‪.‬‬

‫الطبقة الرابعة ‪ :‬مجتهد الفتوى والترجيح‬


‫وهو أق ُّل مرتبةً من أصحاب الوجوه‪ ،‬لكنّه ال بد أن يكون فقيه النفس‪،‬‬
‫حاف ًظا للمذهب‪ ،‬عارفًا بأقوال األصحاب ُمد ِر ًكا لتعليالتهم‪ ،‬يتمكن من تحرير‬
‫المسائل وتقريرها‪.‬‬
‫قال ابن الصالح عنه‪ّ :‬‬
‫«أل يبلغ ُرتبة أئِ ّمة المذاهب أصحاب ال ُو ُجوه والطرق‪،‬‬
‫ٌ‬
‫حافظ ل َمذهَب إما ِمه عا ِرف بأدلته قائِم بتقريرها وبنصرته يصور‬ ‫غير أنه ف ِقيه النفس‬

‫((( غياث األمم في التياث الظلم (ص‪.)424‬‬


‫‪439‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ك‪ ...‬و َه ِذه صفة‬ ‫قص َر عَن دَ َرجة أُولَئِ َ‬


‫قرر ويوازن وير ِّجح‪ ،‬لكنه َ‬
‫ويجرد ويم ِّهد ويُ ِّ‬
‫ِّ‬
‫الرابِعة من ال ِهجرة ال ُمصنِّفين الَّذين َرتَّبوا‬ ‫كثير من ال ُمتَأ ِّخرين إلَى ِ‬
‫أواخر ال ِمئة ّ‬
‫وحر َروه وصنفوا فِي ِه تصانيف بها ُمعظ ُم اشتغال النّاس اليَوم‪ ،‬ولم يلح ُقوا‬ ‫ال َمذهَب َّ‬
‫بأرباب الحالة الثّانِية فِي تَخ ِريج ال ُو ُجوه وتمهيد ال ّطرق فِي ال َمذهَب»(‪.)1‬‬
‫أصحاب هذه الطبقة‪ :‬اإلمام الرافعي‪ ،‬واإلمام النووي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ومن‬
‫(‪)2‬‬‫الطبقة الخامسة ‪ :‬نُظ ّار في ترجيح ما اختلف فيه الشيخان وأضرابهم‬
‫وهذه الطبقة بين مجت ِهدي الفتوى والترجيح‪ ،‬وبين حفظة الفقه وحملته؛‬
‫يمكن َعدُّهم من َح َفظة الفقه ونقلته؛ لنظرهم في أقوال‬
‫فأئمة هذه الطبقة ال ِ‬
‫الشيخين وكالم األصحاب والترجيح بينهم فيما يُوافِ ُق قواعد المذهب ونصوص‬
‫اإلمام‪ ،‬وذكر الوجوه والفروق واألشباه والنظائر‪ ،‬فلهم الفضل في جمع األقوال‬
‫وترتيبها‪ ،‬وتحقيق المسائل وتحريرها وتنقيحها‪.‬‬
‫الرفعة (ت‪710‬هـ)‪ ،‬وال َقمولي (ت‪727‬هـ)‪،‬‬ ‫ومن أصحاب هذه الطبقة ‪ :‬ابن ِّ‬
‫(‪)3‬‬

‫وشهاب الدين‬
‫ُ‬ ‫اإلسنوي (ت‪772‬هـ)‪،‬‬
‫ّ‬ ‫السبكي (ت‪771‬هـ)‪ ،‬وجما ُل الدين‬ ‫وتاج الدين ُّ‬
‫األذ َرعي (ت‪783‬هـ)‪ ،‬وبَد ُر الدين الزر َكشي (ت‪794‬هـ)‪ ،‬وجالل الدين ال َم َحلِّي‬
‫هاب الدي ِن الرملي‬ ‫وش ُ‬ ‫اإلسالم َزكريا األنصاري (ت‪923‬هـ)‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وشيخ‬ ‫(ت‪864‬هـ)‪،‬‬
‫جر ال َهيت ِم ّي‬
‫هاب اب ُن َح َ‬ ‫الشربِيني (ت‪977‬هـ)‪ِّ ،‬‬
‫والش ُ‬ ‫طيب ِّ‬
‫خ ُ‬ ‫(ت‪957‬هـ)‪ ،‬وال َ‬
‫(ت‪974‬هـ)‪ ،‬وشمس الدين الرملي (ت‪1004‬هـ)‪.‬‬

‫((( فتاوى ابن الصالح (ص‪.)36‬‬


‫((( زاد هذه الطبقة العالمة الشيخ علي بن عبد الرحيم باكثير‪ ،‬في كتابه‪« :‬القول األمل في العمل‬
‫بشهادة األمثل فاألمثل»‪ ،‬ولم يُطبَع بعد‪.‬‬
‫((( المعتمد عند الشافعية لمحمد عمر الكاف (ص‪.)94-92‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪440‬‬

‫ح ّفاظ المذهب ونقلته‬


‫الطبقة السادسة ‪ُ :‬‬
‫وهي الطبقة التي تلي أصحاب الفتوى والترجيح‪ ،‬وهم حفظة المذهب‬
‫متمر ًسا بها‬
‫ِّ‬ ‫ونقلته؛ وال ب َّد أن يكون فقيه النفس وم َّط ِلعًا على المسائل الفقهية‬
‫ويتمكن من استحضار األشباه والنظائر وإبداء الفروق والموانع‪.‬‬
‫قال ابن الصالح‪« :‬أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في واضحات‬
‫المسائِل ومشكالتِها غير أن عنده ضع ًفا في تق ِرير أدلّتِه وتحرير َ‬
‫أقيستِه‪ ،‬فهذا‬
‫ِ‬
‫سطورات مَذ َهبِه من منصوصات إما ِمه‬ ‫يعتمد نقلُه وفتواه به فيما يحكيه من مَ‬
‫وتفريعات أصحابِه المجتَهدين في مذ َهبِه وتخريجاتِهم‪ ،‬وأما ما ال يَجِ دُه َمن ُق ً‬
‫ول‬ ‫ِ‬
‫بحيث يُد ِر ُك من غير ف َ ِ‬
‫ضل‬ ‫ُ‬ ‫في مذهبه‪ ،‬فإن َو َجد في المن ُقول ما هذا في معناهُ‬
‫المنصوص عليه‬
‫ُ‬ ‫فِك ٍر وتَأ ُّمل أنه ال فار َ‬
‫ق بينهما‪ ،‬كما في األمة بالنِّسبة إلى العبد‬
‫في إعتاق الش ِريك جاز له إلحاقُهُ به والفتوى به‪.‬‬
‫وكذلك ما يُعلَم اندراجه تحت ضابط منقول ُمم َّهد في المذهب‪ ،‬وما لم‬
‫يكن كذلِك فعليه اإلمساك عن الفتيا منه‪ ،‬ومثل هَذا يَقع ناد ًرا في مثل ال َف ِقيه‬
‫ج َوينِ ّي أن تَقع واقعةٌ لم يُن َ ّ‬
‫ص‬ ‫المذكور إذ يبعد كما ذكر اإلمام أبو ال َمعالِي ال ُ‬
‫نصوص عليه فيه من‬ ‫على ُحك ِمها في المذهب‪ ،‬وال هي في معنى شيء في ال َم ُ‬
‫غير فرق وال هي مندرجة تَحت َشيء من ضوابط المذهب ال ُم َّ‬
‫حررة فيه‪ ،‬ث َّم إن‬
‫هذا الفقيه ال يكون ّإل ف ِقيه النفس»(‪.)1‬‬
‫من أصحاب هذه الطبقة‪ :‬الشيخ الباجوري‪ ،‬والبُ َجيرمي‪ ،‬وال ُكردي‪ ،‬وزيني‬
‫دَحالن‪ ،‬ون َ َووي الجاوي‪ ،‬وسليمان الجمل‪ ،‬وعبد الحميد الشرواني‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫((( فتاوى ابن الصالح (ص‪.)36‬‬


‫‪441‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ب‬
‫المبحث الثاني‬
‫شروط الاجتهاد‬

‫االجتهاد لغة‪ :‬مصدر من ال َجهد‪ ،‬بالفتح والضم‪ ،‬وهو‪ :‬الطاقة والمشقة‪ ،‬واجتهد‬
‫في األمر ب َذل ُوسعَه وطاقتَه في طلبه؛ ولذلك يقال‪ :‬اجتهد في َحمل الصخرة‪ ،‬وال‬
‫يقال‪ :‬اجت َهد في َحمل ال َ‬
‫خردلة(‪.)1‬‬
‫لتحصيل َظ ٍّن ب ُحك ٍم شرعي(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫واالجتهاد اصطال ًحا‪ :‬استفرا ُغ الفقيه ال ُوس َع‬
‫باستفراغ ال ُوسع‪ :‬أن يب ُذ َل ال ُوس َع في طلب الحكم؛ قال اإلمام الغزالي‪:‬‬
‫ِ‬ ‫والمراد‬
‫س من نفسه بالعَجز عن مزيد‬ ‫واالجتهادُ التامُّ أن يب ُذ َل ال ُوس َع في الطلب بحيث يُ ِح ُّ‬
‫طلب(‪.)3‬‬
‫والمراد بتحصيل َظ ٍّن‪ :‬إنما هو لبيان أن ال ُمجت َهد فيه الظنيات‪ ،‬ال القطعيات‪.‬‬
‫غيره من ِ‬
‫الح ِّسيّات والعقليات‪ .‬فشروط االجتهاد(‪:)4‬‬ ‫والمراد بحكم شرعي‪ :‬ليُخ ِرج َ‬
‫‪1‬ـ أن يكون ً‬
‫عاقل؛ فال يُعت ُّد بكالم المجنون‪ ،‬وأما ما قاله قبل ُجنونه فإنه‬
‫يُعتَ ُّد به‪ ،‬وكذلك لو زال ُجنونُه‪ ،‬وعادت إليه ملَكتُه‪ ،‬فإنه يُقبَل منه‪.‬‬
‫الصبي؛ لعدم اكتمال ملكاته العقلية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪2‬ـ بال ًغا؛ فال يُقبَل كالم‬

‫((( شرح المحلي على ‪ 6‬الجوامع (‪.)420 :2‬‬ ‫((( المصباح المنير (‪.)112 :1‬‬
‫((( المستصفى‪ ،‬للغزالي (ص‪.)342‬‬
‫((( انظر‪ :‬شرح المحلي على جمع الجوامع (‪ ،)422 :2‬والمستصفى للغزالي (ص‪،)342‬‬
‫وغياث األمم في التياث الظلم للجويني (ص‪ ،)400‬والمجموع شرح المهذب (‪.)42 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪442‬‬

‫َدل؛ وهي ملَكةٌ تح ِم ُل صاحبَها على اجتناب الكبائر واإلصرار على‬ ‫‪3‬ـ ع ً‬
‫ب طاعاتُه معاصيه؛ فالعدال ُة شرط في قَبول قول ال ُمجت ِهد والعمل‬‫الصغائر‪ ،‬وتغ ِل ُ‬
‫به‪ ،‬وليست شر ًطا في بلوغ رتبة االجتهاد‪.‬‬
‫‪4‬ـ فقيهَ النفس؛ وهو أن يَبلُ َغ مرحلةً من فَهم النصوص‪ ،‬ودقة االستنباط‪،‬‬
‫وحضور البديهة‪ ،‬والقدرة على التمييز بين المتشابه من الفروع بإبداء الفروق‬
‫والموانع‪ ،‬والجمع بينها بالعلل واألشباه والنظائر‪ ،‬بحيث تصبح هذه األمور‬
‫ملكة قائمة في نفسه‪.‬‬
‫والخاص‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫الناسخ والمنسوخ‪ ،‬والعامَّ‬ ‫‪5‬ـ العلم بالقرآن الكريم؛ فال ب ّد أن يع ِرفَ‬
‫والنص‪ ،‬وال ُمج َمل وال ُمبيَّن‪ ،‬وغير‬
‫َّ‬ ‫وأسباب النزول والظاهر‬ ‫َ‬ ‫وال ُمطلَق وال ُمقيَّد‪،‬‬
‫ذلك‪ ،‬وال يشترط أن يكون حاف ًظا لكتاب اهلل‪.‬‬
‫قال اإلمام الغزالي‪« :‬أما كتاب اهلل عز وجل فهو األصل‪ ،‬وال بد من معرفته‪،‬‬
‫شترط معرفة جميع الكتاب‪ ،‬بل ما تتعلق‬ ‫ولنخفف عنه أمرين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه ال يُ َ‬
‫شترط ِحف ُظها عن َظهر قلبه‪،‬‬
‫به األحكام منه وهو مقدار خمس مئة آية‪ .‬الثاني‪ :‬ال يُ َ‬
‫بل أن يكون عال ًما بمواضعها بحيث يَطلُب فيها اآلية ال ُم َ‬
‫حتاج إليها في وقت‬
‫الحاجة»(‪.)1‬‬
‫‪6‬ـ العلم بالسنة النبوية؛ فال ب ُ َّد من معرفة العام والخاص‪ ،‬وال ُمطلَق وال ُمقيَّد‬
‫كما ذكرنا في الفقرة السابقة‪.‬‬
‫قال إمام الحرمين الجويني‪« :‬والثالثة ـ معرفة السنن‪ ،‬فهي القاعدة الكبرى؛‬
‫فإن معظم أصول التكاليف متل ًقى من أقوال الرسول ﷺ وأفعاله وفنون أحواله‪،‬‬

‫((( المستصفى للغزالي (ص‪.)343‬‬


‫‪443‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ومُع َظم آي الكتاب ال يست ِق ّل دون بيان الرسول‪.‬‬


‫بالسنَن إال بالتب ُّحر في معرفة الرجال‪ ،‬والعلم بالصحيح‬
‫يتقر ُر االستقالل ُّ‬
‫ثم ال َّ‬
‫من األخبار والسقيم‪ ،‬وأسباب الجرح والتعديل‪ ،‬وما عليه التعويل في صفات‬
‫األثبات من الرواة والثقات‪ ،‬وال ُمسنَد وال ُم َ‬
‫رسل‪ ،‬والتواريخ التي تترتب عليها‬
‫استبانة الناسخ والمنسوخ‪.‬‬
‫وإنما يجب ما وصفناه في األخبار المتعلقة بأحكام الشريعة‪ ،‬وقضايا‬
‫التكليف‪ ،‬دون ما يتعلَّ ُق منها بالوعد والوعيد‪ ،‬واألقاصيص والمواعظ»(‪.)1‬‬
‫‪7‬ـ معرفة اللغة العربية؛ قال اإلمام الجويني‪« :‬إن الصفات المعتبرة في‬
‫ت‪ :‬أحدها‪ :‬االستقالل باللغة العربية؛ فإن شريعة المصطفى ﷺمُتلَ ّقاها‬
‫المفتي ِس ٌّ‬
‫ومُستَقاها الكتاب والسنن‪ ،‬وآثار الصحابة ووقائعهم‪ ،‬وأقضيتهم في األحكام‪،‬‬
‫و ُكلُّها بأفصح اللغات وأشرف العبارات‪ ،‬وال بد من االرتواء من العربية‪ ،‬فهي‬
‫الذريعة إلى مدارك الشريعة»(‪.)2‬‬
‫شترط في ال ُمجت ِهد أن يكون عال ًما بمسائل‬
‫‪8‬ـ معرفة مسائل اإلجماع؛ فيُ َ‬
‫بخالفِها فيكون خارقًا لإلجماع‪.‬‬
‫اإلجماع؛ لكيال يفتي ِ‬

‫‪9‬ـ معرفة أصول الفقه؛ وهذا الشرط من أهم الشروط؛ ألنه أساس االجتهاد‬
‫عرف العام من الخاص‪ ،‬وال ُمطلَق من ال ُمقيَّد‪،‬‬ ‫وش ُ‬
‫رط االستنباط‪ ،‬فبه يُ َ‬ ‫و ُركنُه َ‬
‫الخطاب من األمر والنهي وحقيقة الخبر‪،‬‬ ‫وال ُمج َمل من ال ُمبيَّن‪ ،‬ومَدلوالت ِ‬
‫القياس الصحيح من الفاسد‪ ،‬وما يجب‬
‫ُ‬ ‫عرف‬
‫وضابط اإلجماع والقياس‪ ،‬وبه يُ َ‬
‫تقدي ُمه عند تعارض األدلة‪.‬‬

‫((( الغياثي‪ ،‬للجويني (ص‪.)400‬‬ ‫((( الغياثي‪ ،‬للجويني (ص‪.)401‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪444‬‬

‫قيس إال مَن ج َمع اآللةَ التي‬


‫ونختم بكالم إمامنا الشافعي رضي اهلل عنه‪« :‬وال يَ ُ‬
‫ِ‬
‫ومنسوخه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وناسخه‪،‬‬ ‫القياس بها‪ ،‬وهي العل ُم بأحكام كتاب اهلل‪ِ :‬‬
‫فرضه‪ ،‬وأدبِه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫له‬
‫وخاصه‪ ،‬وإرشاده‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وعامِّه‪،‬‬

‫ويَستد ّل على ما احت َمل التأوي َل منه ُ‬


‫بسنَن رسول اهلل‪ ،‬فإذا لم يجِ د ُسنّة‬
‫فبإجماع المسلمين‪ ،‬فإن لم يكن إجما ٌع فبالقياس‪.‬‬
‫وال يكون ألحد أن يقيس حتى يكون عال ًما بما مَضى قَبلَه من ُّ‬
‫السنَن‪ ،‬وأقاويل‬
‫السلف‪ ،‬وإجماع الناس‪ ،‬واختالفهم‪ ،‬ولسان العرب‪.‬‬
‫يفرق بين المشتبه‪،‬‬ ‫وال يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل‪ ،‬وحتى ِّ‬
‫وال يَع َج َل بالقول به دون التثبيت‪ ،‬فأما مَن ت َّم عقله‪ ،‬ولم يكن عال ًما بما وصفنا‪،‬‬
‫يح ُّل ل َفقي ٍه‬
‫فال يح ُّل له أن يقول بقياس‪ ،‬وذلك أنه ال يع ِرفُ ما يقيس عليه‪ ،‬كما ال ِ‬
‫عاقل أن يقول في ث َمن درهم وال ِخبرةَ له بسوقه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وصفنا بالحفظ ال بحقيقة المعرفة؛ فليس له أن يقول‬
‫ومن كان عال ًما بما َ‬
‫ً‬
‫أيضا بقياس؛ ألنه قد يذهب عليه عَقل المعاني‪.‬‬
‫مقص ًرا عن علم لسان العرب؛ لم‬
‫العقل‪ ،‬أو ِّ‬
‫ِ‬ ‫وكذلك لو كان حاف ًظا ِّ‬
‫مقص َر‬
‫قص عقله عن اآللة التي يجوز بها القياس‪ ،‬وال نقول‪:‬‬ ‫يكن له أن يقيس من قِبَ ِل ن َ ِ‬
‫قياسا»(‪.)1‬‬
‫يَ َسع ـ هذا واهلل أعلم ـ أن يقول أبدًا إال اتباعًا وال ً‬

‫((( الرسالة‪ ،‬للشافعي (ص‪.)509‬‬


‫‪445‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ب‬
‫المبحث الثالث‬
‫حكم الأخذ من الكتاب والسنة لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد‬

‫إ ّن من أعظ ِم اآلثام وال َمصائب في دين اهلل تعالى القو َل والفتوى بغير علم‪،‬‬
‫نص حديث‬‫جرأة على اهلل ورسوله بحيث إ ّن أحدنا يقرأ آي ًة في كتاب اهلل أو َّ‬ ‫وال ُ‬
‫كتاب اهلل وشيئًا من أحاديث رسول اهلل فيقول‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ظ‬‫لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬أو إذا كان يح َف ُ‬
‫قال اهلل تعالى كذا‪ ،‬وقال رسول اهلل كذا؛ فيُحلِّ ُل ويُ ِّ‬
‫حرمُ بناءً على ما قرأه‪ ،‬وهذا‬
‫من أعظم الضالل في دين اهلل تعالى‪ ،‬فكيف يجت ِهدُ؟ وماذا يقول؟ وعالمَ يبني؟‬

‫فاهلل سبحانه وتعالى جعل لهذا الدين عُلماءَ وأوجب طاعتَهم‪ ،‬فقال‬
‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ُ ْ َّ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ ُ ْ ۡ َ‬
‫سبحانه‪﴿ :‬أطِيعوا ٱلل وأطِيعوا َّ‬
‫ٱلرسول وأولِي ٱلأم ِر مِنكم﴾ [النساء‪.]59 :‬‬

‫قال ابن عباس‪« :‬طاعة اهلل اتبا ُع ِكتابِه‪ ،‬وطاعةُ الرسول اتباع ُسنّتِه‪ ،‬وأولي‬
‫األمر منكم‪ ،‬قال‪ :‬العلماء حيث كانوا وأين كانوا»(‪.)1‬‬

‫وقال ﷺ‪« :‬مَن قال في ال ُق ِ‬


‫رآن بغي ِر ِعل ٍم فليتب َّوأ مَق َع َدهُ ِم َن النّا ِر»(‪.)2‬‬

‫قال ال ُم ّل عَلي القاري‪ :‬أي‪ :‬مَن تكلَّم «في القرآن» أي‪ :‬في معناه‪ ،‬أو قراءته‬
‫أقوال األئم ِة ِمن أهل اللغة والعربية‬
‫ِ‬ ‫برأيه‪ ،‬أي‪ :‬من تِلقا ِء ن َ ِ‬
‫فسه من غير تتبُّع‬

‫((( الفقيه والمتفقه‪ ،‬للخطيب البغدادي (ص‪.)126‬‬


‫((( أخرجه الترمذي‪ ،‬أبواب تفسير القرآن (‪ )199 :5‬حديث رقم (‪.)2950‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪446‬‬

‫ال ُمطابِقة للقواعد الشرعية‪ ،‬بل بحسب ما يقتضيه عَقلُه أو بحسب ما يقتضيه‬
‫ظاهر النقل «فليتب َّوأ مَق َعدَه من النار»(‪.)1‬‬
‫أرض‬
‫ٍ‬ ‫«أي سما ٍء ت ُ ِظلُّني‪ُّ ،‬‬
‫وأي‬ ‫وقال سيدنا أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه‪ُّ :‬‬
‫ت ُ ِقلُّني إذا ُ‬
‫قلت في كتاب اهلل ما ال أعلم»(‪.)2‬‬
‫فهذه النصوص تد ُّل على حرص األئمة على النصوص الشرعية وتعظيم‬
‫حرمتها في االستنباط والفتوى‪ ،‬فهم رضي اهلل عنهم لم يقولوا بآراء نابعة من‬
‫وحرصهم على الدين‪ ،‬ين ُفون‬
‫َ‬ ‫هواهم حاشاهم عن ذلك‪ ،‬بل كان طري ُقهم العل َم‬
‫تحريف الغالين‪ ،‬وإبطال المبطلين‪ ،‬وتأويل الجاهلين‪.‬‬
‫َ‬ ‫عنه‬

‫((( مرقاة المفاتيح‪ ،‬لمال علي القاري (‪.)309 :1‬‬


‫((( مصنف ابن أبي شيبة (‪.)136 :6‬‬
‫‪447‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ب‬
‫المطلب الأول‬
‫تقسيم الناس في معرفة الأحكام الشرعية‬

‫قسموا من يريد أخذ األحكام من الكتاب والسنة إلى ِصن َفين‪:‬‬


‫اعلم أ ّن العلماء َّ‬
‫األول‪ :‬ال ُمجت ِهد‪ :‬وهو من قامت بهم أدوات االجتهاد وهو أن يكون‬
‫عال ًما بالعربية؛ من النحو‪ ،‬والصرف‪ ،‬والبيان‪ ،‬والمعاني‪ ،‬وعال ًما بقواعد تفسير‬
‫النصوص‪ ،‬وعارفًا بالناسخ والمنسوخ‪ ،‬ومواطن اإلجماع‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فهذا‬
‫يجب عليه استنباط األحكام من الكتاب والسنة وال يجو ُز له تقلي ُد أ َحد‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ال ُمقلِّد‪ ،‬ويُس َّمى العامِّي‪ :‬وهو ك ُّل مَن ال يتم َّكن من إدراك األحكام‬
‫الشرعية من األدلة‪ ،‬وال يعرف ُط ُرقَها؛ فهذا يجب عليه أن يسأل أهل العلم‪.‬‬
‫يقول الحافظ ابن عبد البَ ّر المالكي بعد أن ذمَّ التقليد وأهله‪« :‬وهذا كله لغير‬
‫العامة؛ فإن العامّة ال ب َّد لها من تقليد علمائها عند النازلة تن ِز ُل بها؛ ألنها ال تتبين‬
‫درجات ال سبيل‬
‫ٌ‬ ‫موقع ال ُح ّجة‪ ،‬وال تصل لعد َِم ال َفهم إلى علم ذلك؛ أل ّن ال ِعل َم‬
‫يل أس َف ِلها‪ ،‬وهذا هو الحائ ُل بين العا ّمة وبين طلَب الحجة‪،‬‬ ‫منها إلى أعالها إال بن َ ِ‬
‫واهلل أعلم‪ ،‬ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقلي ُد علمائِها‪ ،‬وأنهم ال ُمرادون‬
‫ُ ُ َ َ َ َ‬ ‫َ َۡ ُ ْ َ ۡ َ ّ ۡ‬
‫نت ۡم لا ت ۡعل ُمون﴾ [النحل‪ ]43 :‬وكذلك‬ ‫سل ٓوا أهل ٱلذِك ِر إِن ك‬
‫بقول اهلل عز وجل‪﴿ :‬ف ‍ٔ‬
‫لم يختلف العلماء أن العامة ال يجوز لها الفتيا‪ ،‬وذلك ـ واهلل أعلم ـ لجهلها‬
‫بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم والقول في العلم»(‪.)1‬‬

‫((( جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬البن عبد البر (‪.)988 :2‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪448‬‬

‫ب‬
‫المطلب الثاني‬
‫الأدلة في حرمة استنباط العامي ‬
‫ب‬
‫الأحكام من الكتاب والسنة مباشرة‬
‫ُ ُۡ َ ََُۡ َ‬ ‫َ َۡ ُ ٓ ْ َ ۡ َ ّ ۡ‬
‫سلوا أهل ٱلذِك ِر إِن كنتم لا تعلمون﴾ [النحل‪.]43:‬‬ ‫ـ قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ف ‍ٔ‬
‫أمر لمن ال يعلم ال ُحك َم وال دليلَه باتباع مَن يعل ُم ذلك وهم‬
‫فهذه اآلية ٌ‬
‫العلماء المجتهدون‪.‬‬
‫ُّ َ‬ ‫ْ َ ٓ َّ ٗ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ۡ ۡ‬
‫﴿و َما كان ٱل ُمؤم ُِنون ل َِينفِ ُروا كافة ۚ فل ۡولا نف َر مِن ك ِل ف ِۡرق ٖة‬ ‫ـ وقال اهلل تعالى‪:‬‬
‫َۡ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِين َول ُِينذ ُِروا ق ۡو َم ُه ۡم إِذا َر َج ُع ٓوا إِل ۡي ِه ۡم ل َعل ُه ۡم يحذ ُرون﴾‬ ‫ّم ِۡن ُه ۡم َطآئ َفة‪ ٞ‬ل ّ َِي َت َف َّق ُهوا ْ في ّ‬
‫ٱلد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫[التوبة‪.]122 :‬‬
‫الناس كافّة للغزو والجهاد‪ ،‬وأمَ َر ببقاء طائفة منهم‬
‫ُ‬ ‫فقد نهى اهلل تعالى أن ين ِف َر‬
‫يتفرغون للتف ُّقه في دين اهلل حتى إذا رجعوا إليهم وجدوا فيهم من يفتيهم في بيان‬
‫حكم اهلل عز وجل من الحالل والحرام‪.‬‬
‫فسر ال ُقر ُطبي في معنى اآلية‪« :‬فليخرج فريق منهم للجهاد‪،‬‬
‫يقول اإلمام ال ُم ِّ‬
‫وليَ ُقم فريق يتفقهون في الدين ويحفظون الحريم‪ ،‬حتى إذا عاد النافرون أعلَمهم‬
‫ال ُمقيمون ما تعلموه من أحكام الشرع»(‪.)1‬‬
‫ٱلر ُسول َوِإل َ ٰٓى أُ ْولي ٱل ۡ َأ ۡمر م ِۡن ُه ۡم لَ َعل َِم ُه ٱلَّذِينَ‬
‫﴿ول َ ۡو َر ُّدوهُ إلَى َّ‬
‫ـ وقال اهلل تعالى‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ي َ ۡس َتۢنب ِ ُطون ُهۥ م ِۡن ُه ۡم﴾ [النساء‪.]83 :‬‬
‫((( الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي (‪.)293 :8‬‬
‫‪449‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬
‫َ‬
‫قال اإلمام الثعلبي‪َ « :‬ولَو َردُّوهُ‪ ،‬يعني‪ :‬أمورهم في الحالل والحرام ﴿إِلى‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ ُْ َۡ‬
‫ٱلر ُسو ِل﴾ في التصديق به وال َقبول ﴿وِإل ٰٓى أولِي ٱلأم ِر مِنهم﴾ يعني‪َ :‬ح َملة الفقه‬
‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫والحكمة ﴿لَ َعل َِم ُه ٱلَّذ َ‬
‫ِين ي َ ۡس َتۢنب ِ ُطون ُهۥ م ِۡن ُه ۡم﴾ يعني‪ :‬الذين يفحصون عن العلم»(‪.)1‬‬
‫ـ أننا لو منعنا التقلي َد في فروع الشريعة اإلسالمية الحتاج ك ُّل واحد منا أن‬
‫يتعلم العربية من النحو والصرف والمعاني وقواعد أصول الفقه وغير ذلك من‬
‫ح ِ‬
‫رث والماشية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وهالك ال َ‬ ‫العلوم‪ ،‬وفي إيجاب ذلك قط ٌع عن المعايش‬
‫ـ وما د َّل عليه اإلجماع من أ ّن أصحاب رسول اهلل ﷺ كانوا يتفاوتون في‬
‫العلم‪ ،‬ولم ي ُكن َجميعُهم أه َل فُتيا‪ ،‬وال كان الدين يُؤ َخذ عن جميعهم‪ ،‬بل كان‬
‫فيهم ال ُمجت ِه ُد وهم قِلّة‪ ،‬وفيهم المقلد وهم الكثرة الغالبة‪ .‬يقول اإلمام الغزالي‬
‫العامي ليس له إال التقليد‪« :‬ونستدل على ذلك بمسلكين‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ًّ‬
‫مستدل على أن‬
‫أحدهما‪ :‬إجماع الصحابة فإنهم كانوا يفتون العوامَّ وال يأمرونهم بنيل درجة‬
‫االجتهاد‪ ،‬وذلك معلوم على الضرورة والتواتر من علمائهم وعوامهم»(‪.)2‬‬

‫((( الكشف والبيان عن تفسير القرآن‪ ،‬للثعلبي (‪.)351 :3‬‬


‫((( المستصفى للغزالي (‪.)466 :2‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪450‬‬

‫ب‬
‫المطلب الثالث‬
‫الشواهد على أن الصحابة ا�لكرام رضيباللـه عنهم‬
‫لم يعتمدوا على مجرد ظواهر القرآن والسنة‬
‫َ َ ٗ‬ ‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫َْ‬ ‫َ َّ ُ َ َّ َ ُ َ ۡ‬
‫ٱلسارِقة فٱق َط ُع ٓوا أيۡد َِي ُه َما َج َزا َء ۢ ب ِ َما ك َس َبا نكٰلا‬‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬وٱلسارِق و‬
‫يز َحك ‪ٞ‬‬
‫ِيم﴾ [المائدة‪.]38 :‬‬ ‫ٱللِۗ َو َّ ُ‬
‫ٱلل َعز ٌ‬ ‫ّ َ َّ‬
‫مِن‬
‫ِ‬
‫أطلق اهلل سبحانه وتعالى في هذه اآلية لفظ السارق وع َّممه في جميع‬
‫فظاهر اآلية أ ّن ك َّل سارق تُق َطع يدُه‪ ،‬سواء كانت السرقة‬
‫ُ‬ ‫الظروف واألحوال؛‬
‫بمال قليل أو ال‪ ،‬من ِحرز ِمث ِله سرق أو ال‪ ،‬لكن جاءت السنةُ النبوية‪ ،‬وبيَّنت‬
‫مقدا َر النصاب الذي تُق َطع فيه اليد وبينت اشتراط الحرز‪.‬‬
‫وفي عام المجاعة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‪،‬‬
‫عذقٍ ‪ ،‬وال فِي عام سن ٍة»(‪)1‬‬
‫ِ َ‬ ‫القحط والجوعُ‪ ،‬فقال‪« :‬ال يُق َط ُع فِي ِ‬‫ُ‬ ‫الناس‬
‫َ‬ ‫أصاب‬
‫لرجل فأُتي بهم‬‫ٍ‬ ‫لحاطب بن أبي بَلتَعة ناقةً‬‫ِ‬ ‫أي‪ :‬عام ال َمجاعة‪ .‬ولما َس َرق ِغلما ٌن‬
‫عمر بن الخطاب‪ ،‬لم يقطع أيديهم‪ ،‬وقال لعبد الرحمن بن حاطب‪« :‬أما واهلل‬ ‫إلى َ‬
‫لوال أنّي أ ُظ ُّن أنكم تستع ِملونَهم‪ ،‬وتجيعونهم‪ ،‬حتى لو أ ّن أحدَهم يجد ما َّ‬
‫حرم اهلل‬
‫ُك»‪ .‬ثم‬ ‫ألغرمَنَّك غرامةً توجِ ع َ‬
‫لقطعت أيديَهم‪ ،‬ولكن واهلل إذ تركتُهم ِّ‬ ‫ُ‬ ‫عليه ألكله؛‬
‫قال لل ُمزني‪ :‬كم ثمنها؟ قال‪« :‬كنت أمنعها من أربع مئة» قال‪ :‬أع ِطه ثمان مئة(‪.)2‬‬

‫((( مصنف ابن أبي شيبة (‪ ((( .)521 :5‬مصنف عبد الرزاق الصنعاني (‪.)238 :10‬‬
‫‪451‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ۡ َ َّ َ‬ ‫َ ۡ َٰ َ َ َ‬ ‫َّ َ َّ َ َ ٰ ُ ۡ ُ َ َ ٓ ِ َ ۡ َ َ‬
‫ِين عل ۡي َها َوٱل ُمؤلفةِ‬ ‫ِين وٱلع ِمل‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫س‬‫ٰ‬ ‫ـ قال اهلل تعالى‪﴿ :‬إِنما ٱلصدقت ل ِلفقراء وٱلم‬
‫ٱلل َعل ٌ‬ ‫َ َ ٗ ّ َ َّ‬
‫ٱللِۗ َو َّ ُ‬ ‫ٱللِ َوٱبۡن َّ‬ ‫َّ‬ ‫ٱلرقَاب َوٱلۡ َغٰرم َ‬
‫ِين َوفي َ‬ ‫ّ‬ ‫ُُ ُُ ۡ َ‬
‫ِيم‬ ‫يلۖ ف ِريضة مِن‬
‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ٱلس‬ ‫ِ‬ ‫يل‬ ‫ب‬
‫ِ ِ ِ‬‫س‬ ‫ِ‬ ‫قلوبهم وفِي ِ ِ‬
‫َحك ‪ٞ‬‬
‫ِيم﴾ [التوبة‪.]60 :‬‬
‫ظاهر اآلية الكريمة أ ّن اهلل سبحانه وتعالى جعل لل ُمؤلَّفة قلوبُهم َسه ًما من‬
‫الصدقة وهي الزكاة‪ ،‬وكان رسو ُل اهلل ﷺ يُعطي المؤلَّف َة قُلوبُهم سه ًما من الزكاة‬
‫وهم‪ :‬جماعةٌ ضعفاء النية في اإلسالم فكان يعطيهم لتقوية نيتهم‪ ،‬ومنهم شريف‬
‫في قومه يُر َجى ب ُحس ِن إسالمه إسال ُم نظائره‪.‬‬
‫لكن سيدنا عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه لم يعطهم من الزكاة‪ ،‬وقال‪ :‬قد‬
‫أع َّز اهلل اإلسالم بحمد اهلل‪ ،‬فأغناه عن أن يتألف عليه رجال(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ٱعلَ ُم ٓوا ْ أ َّن َما َغن ِۡم ُتم ّمِن َش ۡي ٖء فَأ َّن ِ َّلِ ُخمُ َس ُهۥ َول َّ‬
‫ِلر ُسو ِل‬
‫َ ۡ‬
‫ـ قال اهلل تعالى‪﴿ :‬و‬
‫سكِين َوٱبۡن َّ‬ ‫ُۡ ۡ َٰ َ َۡ ََٰ ٰ َ َۡ َ‬
‫يل﴾ [األنفال‪.]41 :‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ٱلس‬ ‫ِ ِ‬
‫ٰ‬ ‫َولِذِي ٱلقربى وٱليتمى وٱلم‬

‫ظاهر اآلية الكريمة أ ّن ما غنمه المسلمون من الكفار بسبب الحرب أن‬


‫يقس ُم الغنائم بين المجاهدين فيجعل‬ ‫ت ُ َّ‬
‫قسم الغنيمة بينهم؛ وكان النبي ﷺ ِّ‬
‫‪ %80‬منها للمجاهدين‪ ،‬ويترك ‪ %20‬فيصرفها في مصالح المسلمين العامة‪.‬‬
‫وفي عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه فُتِحت أراضي العراق‬
‫وغيرها من البالد‪ ،‬فطالب بعض الفاتحين أن ت ُ َّ‬
‫قسم أراضي سواد العراق كما تقسم‬
‫وعلي وطلحةَ ومعاذ بن جبل ّأل‬
‫ٍّ‬ ‫رأي عمر بن الخطاب وعثمان‬ ‫الغنائم‪ ،‬فكان ُ‬
‫ت ُ َّ‬
‫قسم األراضي‪ ،‬وبقاءها في أيدي أصحابها‪ ،‬مع فرض الخراج عليهم(‪.)2‬‬

‫((( تفسير القرطبي (‪.)181 :8‬‬


‫((( الخراج ألبي يوسف (ص‪.)35‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪452‬‬

‫ـ أخرج اإلمام مسلم في صحيحه عن أبي مُلَيكة‪ ،‬قال‪ :‬ت ُ ُوفِّيت ابنةٌ لعُثمان بن‬
‫عفان بمكة‪ ،‬قال‪ :‬فجئنا لنشهدها‪ ،‬قال‪ :‬فحضرها ابن عمر‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وإني لجالس بينهما‪ ،‬قال‪ :‬جلست إلى أحدهما‪ ،‬ثم جاء اآلخر فجلس إلى‬
‫جنبي‪ ،‬فقال عبد اهلل بن عمر لعمرو بن عثمان‪ :‬وهو مواجهه‪ ،‬أال تنهى عن‬
‫ب ببُكا ِء أه ِله عليه» (‪.)1‬‬
‫ت ليُع َّذ ُ‬
‫البكاء‪ ،‬فإن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قال‪« :‬إ ّن ال َميِّ َ‬
‫قال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ :‬فلما مات عمر رضي اهلل عنه‪ ،‬ذكرت ذلك‬
‫لعائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬فقالت‪ :‬رحم اهلل عمر‪ ،‬واهلل ما حدَّث رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫ب ال ُمؤ ِمن ببكا ِء أه ِله عليه»‪ ،‬ولكن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إ ّن اهلل‬ ‫«إن اهلل ليُع ِّذ َ‬
‫‪ٞ‬‬ ‫ََ َ‬
‫﴿ولا ت ِز ُر َوازِ َرة وِ ۡز َر‬ ‫الكافر عذابًا ببكا ِء أه ِله عليه»‪ ،‬وقالت‪َ :‬حسبُ ُكم القرآن‪:‬‬
‫َ‬ ‫ليَزي ُد‬
‫ُ ۡ‬
‫أخ َر ٰى﴾ [األنعام‪ ،]164 :‬قال ابن عباس رضي اهلل عنهما عند ذلك‪« :‬واهلل هو أضحك‬
‫وأبكى» قال ابن أبي مليكة‪« :‬واهلل ما قال ابن عمر رضي اهلل عنهما شيئًا»(‪.)2‬‬
‫كثير من أهل العلم بين حديثَي ُع َمر‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪« :‬وقد جمع ٌ‬
‫جمع‪ :‬أولها طريقة البخاري كما تقدَّم توجي ُهها؛ وهي‪:‬‬ ‫وعائشة ُ‬
‫بضروب من ال َ‬
‫النوح من ُسنّته‪.‬‬
‫ُ‬ ‫إذا كان‬
‫أخص من الذي قبلَه ما إذا أوصى أهلَه بذلك‪ ،‬وبه قال ال ُمزَني‬‫ُّ‬ ‫ثانيها‪ :‬وهو‬
‫الليث الس َمرقَندي‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ربي وآخرون من الشافعية وغيرهم‪ ،‬حتى قال أبو‬ ‫وإبراهي ُم ال َح ُّ‬
‫النووي عن الجمهور قالوا‪ :‬وكان معروفًا‬
‫ُّ‬ ‫إنه قول عامة أهل العلم‪ ،‬وكذا ن َقلَه‬
‫للقدماء‪.)3(»...‬‬

‫((( أخرجه مسلم‪ ،‬باب الميت يُعذب ببكاء أهله عليه (‪ )640 :2‬حديث رقم (‪.)928‬‬
‫((( البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز (‪ ،)79 :2‬حديث رقم (‪.)1288‬‬
‫((( فتح الباري البن حجر (‪.)154 :3‬‬
‫‪453‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫المبحث الرابع‬
‫ب‬
‫اتباع المذاهب الأربعة‬

‫جرى عم ُل جماهي ِر األمة اإلسالمية بعد استقرار تدوين الفقه على التزام‬
‫المذاهب الفقهية األربعة‪ :‬مذهب اإلمام أبي حنيفة‪ ،‬واإلمام مالك‪ ،‬واإلمام‬
‫الشافعي‪ ،‬واإلمام أحمد‪ ،‬رضي اهلل عنهم أجمعين‪.‬‬
‫كما قال صاحب «الزبد»‪:‬‬
‫ــل ُســفيا ُن‬
‫وأحمــ ُد بــ ُن َحنبَ ٍ‬ ‫ومالــك نعمــا ُن‬
‫ٌ‬ ‫والشــافِ ِعي‬
‫ّ‬
‫هدى ِ‬ ‫يرهــم مــن ســائِر األئِ ّمه‬ ‫َو َغ ُ‬
‫والختِالفُ رحمه(‪)1‬‬ ‫على ً‬
‫َ َ‬
‫فاتباع المذاهب األربعة هو عين اتباع الكتاب والسنة‪ ،‬وأقوال األئمة لم‬
‫تخرج عن الكتاب والسنة فأقوالهم مأخوذة و ُمستَنبَطة من الكتاب والسنة‪،‬‬
‫والخاص‪ ،‬وال ُمج َمل‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫إما عن طريق القياس أو عن طريق الدالالت كالعا ِّم‬
‫الخطاب‪ ،‬ودليل الخطاب‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫والمبَيَّن‪ ،‬وفحوى‬
‫قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في رسالته ال َقيِّمة «الرد على من اتبع غير‬
‫المذاهب األربعة»‪ :‬فاقتضت حكمة اهلل سبحانه أن ضبط الدي َن و َح ِفظه بأن‬
‫ب للناس أئمة مجتمعًا على علمهم ودرايتهم وبلو ِغهم الغايةَ المقصودة‬ ‫نص َ‬
‫َّ‬
‫في مرتبة العلم باألحكام والفتوى من أهل الرأي والحديث‪.‬‬

‫((( صفوة الزبد‪ ،‬البن رسالن‪ ،‬البيتان‪.)38 ،37( :‬‬


‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪454‬‬

‫فصار الناس ُكلُّهم يُع ِّولون في الفتاوى عليهم ويرجِ عون في معرفة األحكام‬
‫مذهب ُك ِّل‬
‫ُ‬ ‫ويحر ُر قوا ِعدَهم حتى ُ‬
‫ضبِط‬ ‫ِّ‬ ‫اليهم‪ ،‬وأقام اهلل من يضبِط مذاهبَهم‬
‫إمام منهم وأصولُه وقواعدُه وفُصولُه‪ ،‬وكان ذلك من لطف اهلل بعباده المؤمنين‪،‬‬
‫الحسن ِة في حفظ هذا الدين‪ ،‬ولوال ذلك لرأى الناس العجب‬
‫َ‬ ‫ومن جملة عوائ ِده‬
‫العجاب‪ .‬انتهى(‪.)1‬‬

‫((( الرد على من اتبع غير المذاهب األربعة البن رجب (ص‪.)26‬‬
‫‪455‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫المبحث الخامسب‬
‫حكم تقليد أقوال الصحابة والتابعين‬

‫روج عن المذاهب األربعة‪ ،‬سواء كان‬


‫خ ِ‬ ‫حكم ال ُ‬ ‫ويُعبَّر عن هذه المسألة ب ُ‬
‫اع أح ِد أقوال الصحابة أو أح ِد أقوال التابعين رضي اهلل عنهم‪.‬‬‫باتبّ ِ‬
‫فذهب جمهور العلماء إلى أنه ال يجوز تقليد أقوال الصحابة أو التابعين‬
‫إال بشروط وضوابط‪ ،‬ستأتي في كالم ابن حجر الهيتمي‪.‬‬
‫وأسباب عدم تقليد أقوال الصحابة والتابعين مباشرة‪:‬‬
‫ـ أل ّن أقوا َل الصحاب ِة والتابعين لم تُح َفظ‪ ،‬ولم تُد َّون كما ُح ِف َظت ودُ ِّونت‬
‫فردة عنهم‪ ،‬ولم تعرف قيودها‬ ‫المذاهب األربعة؛ وإنما نُق ِلت بعض المسائل ال ُم َ‬
‫واستثناءاتها؛ فأورث ذلك عدم الثقة باتصالها بأربابها‪ ،‬واحتمال اللبس في فهم‬
‫المراد‪.‬‬
‫ـ وألن الخروج عن المذاهب األربعة يؤدي إلى الفوضى في اآلراء‬
‫وخصوصا في القضاء واإلفتاء‪.‬‬
‫ً‬
‫ـ وأ ّن المذاهب األربعة توالى عليها التدوين والتحرير والتنقيح من أصحاب‬
‫كل مذهب في كل من األزمنة واألمكنة؛ فأصبح كل مذهب من المذاهب‬
‫األربعة عبارة عن مدرسة عظيمة‪.‬‬
‫قال العالمة ابن خلدون‪« :‬ووقف التقليد في األمصار عند هؤالء األربعة‪،‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪456‬‬

‫س ال ُمقلِّدون لمن سواهم‪ ،‬وسد الناس باب الخالف و ُط ُرقَه لما كثُر تشعُّب‬
‫ود َر َ‬
‫االصطالحات في العلوم‪ ،‬ولما عاق عن الوصول إلى رتبة االجتهاد‪ ،‬ولما خشي‬
‫فصرحوا بالعجز‬
‫َّ‬ ‫من إسناد ذلك إلى غير أهله‪ ،‬ومن ال يوثَق برأيِه وال ب ِدينِه‪،‬‬
‫اختص به من المقلِّدين‪،‬‬
‫َّ‬ ‫واإلعواز‪ ،‬وردوا الناس إلى تقليد هؤالء‪ ،‬كل من‬
‫وحظروا أن يتداول تقليدُهم لما فيه من التالعب‪ ،‬ولم يبق إال نق ُل مذاهبهم‪،‬‬
‫ذهب َمن قلَّده منهم بعد تصحيح األصول واتصال سندها‬ ‫وعمل كل ُمقلِّد ب َم ِ‬
‫بالرواية‪ ،‬ال محصول اليوم للفقه غير هذا‪.‬‬

‫ومدعي االجتهاد لهذا العهد مردودٌ منكوص على َع ِقبِه مهجو ٌر تقليدُه‪،‬‬
‫وقد صار أه ُل اإلسالم اليوم على تقلي ِد هؤالء األئمة األربعة»(‪.)1‬‬

‫ُب بمذهب أحد من أئمة الصحابة‬ ‫وقال اإلمام النووي‪« :‬وليس له التمذه ُ‬
‫رضي اهلل عنهم وغيرهم من األولين‪ ،‬وإن كانوا أعلَم وأعلى درجةً م َّمن‬
‫بط أُصوله وفروعه‪ ،‬فليس ألحد‬
‫وض ِ‬
‫بعدَهم؛ ألنهم لم يتفرغوا لتدوين العلم َ‬
‫قر ٌر؛ وإنما قام بذلك من جاء بعدهم من األئمة‬
‫ح َّر ٌر ُم َّ‬ ‫َب مه َّذ ٌ‬
‫ب ُم َ‬ ‫منهم مذه ٌ‬
‫الناحلين لمذاهب الصحابة والتابعين القائمين بتمهيد أحكام الوقائع قبل‬
‫وقوعها الناهضين بإيضاح أصولها وفروعها؛ كمالك وأبي حنيفة وغيرهما‪.‬‬

‫ولما كان الشافعي قد تأخر عن هؤالء األئمة في العصر‪ ،‬ون َظر في مذاهبهم‬
‫نحو نظرهم في مذاهب َمن قَبلَهم؛ َ‬
‫فسبَرها وخبَ َرها وانت َقدَها واختار أر َج َحها‬
‫وو َجد مَن قَبله قد كفاه مُؤنةَ التصوير والتأصيل فتفرغ لالختيار والترجيح‬

‫((( مقدمة ابن خلدون (ص‪.)257‬‬


‫‪457‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫والتكميل والتنقيح مع كمال معرفته وبراعته في العلوم وتر ُّج ِحه في ذلك على من‬
‫سبقه‪ ،‬ثم لم يوجد بعده من بلغ محله في ذلك كان مذهبه أولى المذاهب باالتباع‬
‫والتقليد‪ ،‬وهذا مع ما فيه من اإلنصاف والسالمة من القدح في أحد من األئمة‬
‫جلي واضح إذا تأمَّله العامي قاده إلى اختيار مذهب الشافعي والتمذهب به»(‪.)1‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا دُ ِّون مذهب أحد الصحابة أو التابعين ـ غير األربعة ـ و ُع ِرفَت‬
‫سائر اعتباراتِه وضوابطه في المسألة‪ ،‬فهل يجو ُز تقليدُه؟‬
‫ُ‬
‫ذهب بعض العلماء إلى جواز تقليدهم في ذلك‪ ،‬لكن بضوابط وهي‪:‬‬
‫يص َّح النق ُل عن ذلك اإلمام‪.‬‬
‫ـ أن ِ‬
‫ـ أن تُعلَم الشروط والضوابط في تلك المسألة‪.‬‬
‫ـ وأن يكون التقلي ُد في ع َمل النفس‪ ،‬ال في اإلفتاء والقضاء‪.‬‬
‫قياسا جليًّا‪.‬‬
‫ظاهرا أو إجماعًا أو ً‬
‫ً‬ ‫نصا‬ ‫ـ ّ‬
‫وأل يكون القول شاذًّا كأن خالف ًّ‬
‫العامي ألحد األئمة‬
‫ِّ‬ ‫وقد ُسئل الع َّلمة أحمد بن َح َ‬
‫جر ال َهيتَمي‪ :‬عن تقليد‬
‫تقرر مذاهبهم واشتهارها بما هو معلوم‪ ،‬هل يجوز‬ ‫المجتهدين غير األربعة بعد ُّ‬
‫ذلك أم ال؟ وإذا قُلتُم بعدم الجواز ماذا يلزمُ ال ُمقلِّد لذلك المجتهد‪ ،‬وما ُحكم‬
‫ِعبادتِه على مقتضى ذلك االجتهاد هل هي صحيحة أم ال؟ وإذا قُلتُم بعدم‬
‫صحة عبادته هل يكون عاصيًا في ذلك حتى يجب عليه القضاء على الفور أم‬
‫ال؟ وإذا قلتم بجواز التقليد لغير األئمة األربعة هل يشترط أن يُوافِ َق اجتهادُه‬
‫ط نقل‬ ‫شتر ُ‬
‫أحد األئمة حتى يكون التقلي ُد له كأنّه تقليد ألحدهم أم ال؟ وهل يُ َ‬
‫((( المجموع شرح المهذب (‪.)55 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪458‬‬

‫متواترا أم ال؟ وهل يشترط أن يكون مد ّونًا أم يكفي نقله‬


‫ً‬ ‫مذهب ذلك المجتهد‬
‫على األلسنة؟‬
‫تحرر أن تقليد غير‬
‫فأجاب نفعنا اهلل تعالى بعلومه وبركته بقوله‪ :‬الذي َّ‬
‫األئمة األربعة ـ رضى اهلل تعالى عنهم ـ ال يجوز في اإلفتاء وال في القضاء‪،‬‬
‫وأما في عمل اإلنسان لنفسه فيجوز تقليدُه لغير األربعة ممن يجوز تقليدُه‪ ،‬ال‬
‫شترط معرفته ب َمذهَب ال ُمقلد بنَقل العَدل عن مثله‪،‬‬
‫كالشيعة وبعض الظاهرية‪ ،‬ويُ َ‬
‫وتفاصي ُل تلك المسألة أو المسائل المقلَّد فيها‪ ،‬وما يتعلَّ ُق بها على مذهب ذلك‬
‫ال ُمقلِّد‪ ،‬وعدم التلفيق لو أراد أن ُ‬
‫يض َّم إليها أو إلى بعضها تقلي َد غير ذلك اإلمام‪،‬‬
‫تقرر أن تلفي َق التقلي ِد ممتنع؛ كتقلي ِد مالك رحمه اهلل في عدم نجاس ِة الكلب‪،‬‬
‫لما َّ‬
‫والشافعي رحمه اهلل في مسح بعض الرأس؛ فممتنع اتفاقًا‪ ،‬بل قيل‪ :‬إجماعًا‪.‬‬
‫وإذا ُوجِ دت ُشروط التقليد التي ذكرناها وغيرها مما هو معلوم في محله‪،‬‬
‫فعبادات ال ُمقلِّد ومعاملته المشتملة على ذلك صحيحة وإال فال‪ ،‬ويأث َ ُم بذلك‬
‫فيلزمه القضاء فو ًرا‪ ،‬وال يشترط موافقة اجتهاد ذلك ال ُمقلِّد ألحد المذاهب‬
‫تواترا كما أشرت إليه وال تدوين مذهبه على استقالله‪،‬‬
‫ً‬ ‫األربعة‪ ،‬وال نقل مذهبه‬
‫بل يكفي أخ ُذه من كتب المخالفين الموثوق بها ال ُمع َّول عليها‪ ،‬وكالم «جمع‬
‫تقرر على أنه عند التحقيق ال يخالفه‪ ،‬واهلل سبحانه‬
‫الجوامع» محمول على ما َّ‬
‫وتعالى أعلم» انتهى(‪.)1‬‬
‫النفراوي المالكي‪« :‬قال بعض المحققين‪ :‬المعتمد‬
‫ُّ‬ ‫وقال شهاب الدين‬
‫أنه يجوز تقلي ُد األربعة‪ ،‬وكذا مَن عداهم ممن يُح َفظ مَذهبُه في تلك المسألة‬

‫((( فتاوى ابن حجر (‪.)289 :4‬‬


‫‪459‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ودُ ِّون حتى عرفت ُشرو ُطه وسائر معتبَراتِه‪ ،‬فاإلجماع الذي نقله غير واحد‬
‫الحرمَين‪ ،‬وال َقرافي على مَ ِ‬
‫نع تقليد الصحابة يُح َمل على ما‬ ‫كابن الصالح‪ ،‬وإمام َ‬
‫ف ُ ِقد منه شرط من ذلك»(‪.)1‬‬

‫((( الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني‪ ،‬للنفراوي‪.)356 :2(،‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪460‬‬

‫ب‬
‫المبحث السادس‬
‫حكم التلفيق بين أقوال المذاهب‬

‫ب الشخص قولين إلمامين‪ ،‬بحيث يتولَّد منهما قول‬


‫التلفيق‪ :‬هو أن ير ِّك َ‬
‫أي منهما‪.‬‬
‫ال يقول به ٌّ‬
‫أمثلة على ذلك‪:‬‬
‫ومالك في طهارة الكلب في صالة‬‫ٍ‬ ‫ـ تَقلي ُد الشافعي في َمسح بعض الرأس‪،‬‬
‫واحدة‪ ،‬فصالته باطلة‪.‬‬
‫س األجنبية‪ ،‬وتقليد الشافعي‬
‫قض الوضوء ب َم ِّ‬ ‫ـ وتقلي ُد أبي حنيفة في عدم ن َ ِ‬
‫في عدم نقض الوضوء بال َفصد‪َ ،‬‬
‫فصالتُه باطلة‪.‬‬
‫ـ وتقليد أبي حنيفة في النكاح بال ولي‪ ،‬وتقليد مالك في النكاح بال ُشهو ٍد‪،‬‬
‫فالنكاح باطل التفاق اإلمامين على بطالن هذه الصورة ال ُم َر َّكبة‪.‬‬
‫قال العالمة حسن العطار‪« :‬فيُؤ َخذ من مجموع ما ذكرناه جواز التقليد‪،‬‬
‫الر َخص‪ ،‬ال على اإلطالق‪ ،‬بل ال ب َّد من مراعاة ما اعتبره المجت ِه ُد‬
‫وجواز تتبع ُّ‬
‫في المسألة التي وق َ َع التقلي ُد فيها مما يتوقَّف عليه صحتها كي ال يقع في ُحك ٍم‬
‫ومسح بعض الرأس على مذهب الشافعي‪،‬‬ ‫ُمر َّكب من اجتهادَين كما إذا َّ‬
‫توضأ َ‬
‫جرد عن الشهوة عند مالك على عدم النقض‪ ،‬وهذا عمل‬ ‫لمس ُم َّ‬
‫ٍ‬ ‫ثم صلى بعد‬
‫َمن من َ َع التلفي َق في التقليد‪ ،‬فإن معناه التلفيق في أجزاء ال ُ‬
‫حكم‪ ،‬ال في جزئيات‬
‫المسائل كما نقلناه‪.‬‬
‫‪461‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫ونقل اإلسنوي في «تمهي ِده» عن ال َقرافِ ِّي في «شرح المحصول» أنه يُ َ‬


‫شترط‬
‫جوا ِز تقلي ِد مذهب الغير ّأل يكون مُوقِعًا في أمر يُج ِمع على إبطالِه إمامُه‬ ‫ل َ‬
‫النقض باللمس الخالي عن‬ ‫ِ‬ ‫مثل في عدم‬ ‫األول وإمامُه الثاني؛ ف َمن قلَّد مال ًكا ً‬
‫رأسه‪ ،‬وإال فتكو ُن صالتُه باطلة‬
‫ويمس َح جمي َع ِ‬
‫َ‬ ‫الشهوة‪ ،‬فال ب ُ َّد أن يدَل ِّ َ‬
‫ك ب َدنَه‬
‫عند اإلمامين»‪ .‬انتهى(‪.)1‬‬

‫((( حاشية العطار على شرح الجالل المحلي على جمع الجوامع (‪.)442 :2‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪462‬‬

‫ب‬
‫المبحث السابع‬
‫حكم الانتقال بين المذاهب الفقهية‬

‫ليس ث َ ّمةَ ما يُل ِزم ال ُمقلِّد شرعًا بالتزام مذهب ُمعيَّن من المذاهب الفقهية‬
‫األربعة فال يَحيد عنه أبدًا‪ ،‬وليس ث َ ّمة ما يمنع ال ُمقلِّد من االنتقال من مذهب‬
‫مثل أن يُقلِّ َد ك ّل يوم مذهبًا من المذاهب األربعة‪ ،‬وله أن يلتزم مذهبًا‬
‫آلخر‪ ،‬فله ً‬
‫معينًا من المذاهب األربعة فال يحيد عنه أبدًا‪ ،‬بل هو األفضل فال يخرج عن‬
‫مذهبه إال لحاجة أو ضرورة‪ ،‬وهذا ما عليه عمل العلماء أتباع المذاهب الفقهية‪،‬‬
‫ير شاهد على هذا «طبَقات ال ُف َقهاء» في كل مذهب(‪ ،)1‬وهذا ال يعني ُحرمةَ‬
‫و َخ ُ‬
‫بعضهم وال يخرج عنه أبدًا؛ أل َن عدم وجوب‬
‫التزام مذهب معين كما يدَّعيه ُ‬
‫االلتزام ال يستلزم حرمة االلتزام‪.‬‬
‫صبي‬
‫ٍّ‬ ‫فقد سئل شيخ اإلسالم ابن حجر الهيتمي عن شافعي يحرص على‬
‫والتمسك به ويدرس به‬
‫ُّ‬ ‫مميِّز في التزام مذهب أبي حنيفة رضى اهلل تعالى عنه‬
‫بالتزام‬
‫ِ‬ ‫األمر‬
‫ُ‬ ‫شافعي عن التقلي ِد ب َمذهب‪ ،‬فهل عليه‬
‫ٌّ‬ ‫كتُب الحنفية‪ ،‬وإذا ُسئِل‬
‫َب إما ِمه‪ ،‬أو يرشده إلى مذهب آخر؟‬
‫مذه ِ‬

‫((( انظر في المذهب الشافعي‪« :‬طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي‪ .‬وفي المذهب الحنفي‪« :‬الجواهر‬
‫المضية في طبقات الحنفية» لمحيي الدين القرشي‪ .‬وفي المذهب المالكي‪« :‬ترتيب المدارك‬
‫وتقريب المسالك لمعرفة أعالم مذهب مالك» للقاضي عياض‪ .‬وفي المذهب الحنبلي‪« :‬ذيل‬
‫طبقات الحنابلة» البن رجب‪.‬‬
‫‪463‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫فأجاب نفعَنا اهلل سبحانه وتعالى بعُلو ِمه ب َقولِه‪« :‬الشافعي‪ ،‬وأبو حنيفة‪،‬‬
‫ومالك‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وسائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم‪ ،‬فجزاهم اهلل تعالى‬
‫وحش َرنا في ُزمرتِهم‪ ،‬وإذا كانوا‬
‫َ‬ ‫عن اإلسالم والمسلمين خير الجزاء‪ ،‬وأكمله‪،‬‬
‫غيره إلى‬
‫حر َج على من أرشد َ‬ ‫ُكلُّهم على هدى من اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬فال َ‬
‫مذهب من المذاهب األربعة‪ ،‬وإن خال َ َ‬
‫ف مذ َهبَه واعتقاده؛ ألنه‬ ‫ٍ‬ ‫بأي‬
‫التمسك ِّ‬
‫ُّ‬
‫أرشده إلى َح ٍّق وهدى‪.‬‬
‫قرأ ذلك الذي يدرسه‬
‫الشافعي لكتُب غي ِر مَذهبِه ال يسوغ له إال إن َ‬
‫ِّ‬ ‫وتدريس‬
‫ُ‬
‫على عالم موثوقٍ به من أئمة ذلك المذهب‪ ،‬هذا إن أريد به تدريس المعتمد في‬
‫جرد فَهم العبارة وتفهيمها‪ ،‬فهذا ال مَحذور‬ ‫ُ‬
‫ذلك المذهب‪ ،‬وأما إن أري َد منه مُ َّ‬
‫فيه»(‪.)1‬‬
‫وجاء في «الفواكه الدواني»‪« :‬قال الزناتي‪ :‬يجوز تقليد المذاهب في النوازل‬
‫واالنتقال من مذهب إلى مذهب بثالثة شروط‪ :‬أال يجمع بين المذهبين ً‬
‫مثل على‬
‫صفة تخالف اإلجماع؛ كمن تزوج بغير صداق وال ولي وال شهود‪ ،‬فإن هذه‬
‫الصورة لم يَ ُقل بها أحد‪ .‬الثاني‪ :‬أن يعتقد فيمن يقلد الفضل‪ .‬الثالث‪ :‬أال يتَّبِع‬
‫ُر َخص ال َمذا ِهب»(‪.)2‬‬
‫وقال اإلمام ال َقرافي في «الذخيرة» ً‬
‫نقل عن أحد العلماء‪« :‬يجو ُز تقلي ُد‬
‫المذاهب واالنتقال إليها في كل ما ال يُن َقض فيه حكم الحاكم‪ ،‬وهو أربعة‪ :‬ما‬
‫خالَف اإلجماع‪ ،‬أو القواعد‪ ،‬أو النص‪ ،‬أو القياس الجلي»(‪.)3‬‬

‫((( الفتاوى الفقهية الكبرى‪ ،‬البن حجر (‪.)289 :4‬‬


‫((( الفواكه للدواني‪ ،‬للنفراوي (‪.)357 :2‬‬
‫((( الفروق للقرافي (‪.)141 :1‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪464‬‬

‫ب‬
‫المبحث الثامن‬
‫حكم التعصب المذهبي‬

‫خاصم ك َّل َمن‬


‫التعصب المذهبي‪ :‬هو أن يعادي المقلد لمذهب ما ويُ ِ‬ ‫ُّ‬
‫التعصب قد ذمَّته الشريعة اإلسالمية وذمَّه العلماء ً‬
‫أيضا‬ ‫ُّ‬ ‫خالَف مذهبه‪ ،‬وهذا‬
‫أتباع المذاهب األربعة‪.‬‬
‫ونسبة التعصب المذهبي المذموم ألتباع المذاهب الفقهية‪ ،‬وادعاء أنهم‬
‫ينتصرون ألقوال أئمتهم على حساب الحق‪ ،‬وأنهم ال يقبلون األدلة الشرعية‬
‫من الطرف اآلخر مما يَ ُد ُّل على عدم اإلنصاف وقلة االطالع؛ فحقيقة هذه‬
‫الدعوى أنها خاليةٌ عن الن َظر في البيت المذهبي المؤلف من المذاهب األربعة‬
‫ألي أحد‪ ،‬وإن بلغ الغاية في‬
‫وما هو شائع عندهم أنه ال محاباة في الدين ِّ‬
‫االجتهاد؛ وهذه من أعظم مزايا األمة حتى لم يتركوا لقائل ً‬
‫قول فيه أدنى دخل‬
‫ّإل بيَّنوه‪.‬‬
‫وإليك كالم اإلمام الفقيه أحمد بن حجر الهيتمي‪« :‬ع َدمُ المحاباة في الدين‬
‫دأب ساداتِنا العُلَماء العاملين كما يعلَ ُمه َمن وقَف‬
‫حتى ألكاب ِر ال ُمجت ِهدين هو ُ‬
‫على «النهاية»(‪ )1‬وأحاط بقولها‪« :‬هذه َزلةٌ ِمن الشيخ» مع بُلو ِغه في االجتهاد‬
‫والوالية الغاية‪ ،‬حتى قيل في ترجمته‪ :‬لو جاز أن يبعث اهلل نبيًّا في زمن أبي‬
‫النبي‪ ،‬ومن هنا قال بعض أكابر أئمتنا‪ :‬إن عدَم‬ ‫مُح ّم ٍد ال ُج َويني لكان هو ذلك َّ‬
‫((( يقصد كتاب «نهاية المطلب» إلمام الحرمين الجويني‪.‬‬
‫‪465‬‬ ‫يعفاشلا بهذملا لوصأ‬

‫محابا ِة العُلماء بعضهم لبعض من أعظم مزايا هذه األمة التي أعظم اهلل بها عليهم‬
‫النعمة حيث َح ِفظهم عن وصمة محاباة أهل الكتابين المؤدِّية إلى تحريف ما‬
‫قول فيه أدنى دخل ّإل بيَّنوه وال‬
‫فيهما واندراس تينك ال ِملّتَين‪ ،‬فلم يتركوا لقائل ً‬
‫فعل فيه تحريف إال ق َ ّوموه حتى اتضحت اآلراء وانعدمت األهواء‪ ،‬ودامت‬ ‫لفاعل ً‬
‫ٍ‬
‫الشريعة الواضحة البيضاء على امتالء اآلفاق بأضوائها‪ ،‬وشفاء القلوب بها من‬
‫لحدين‪ ،‬فضراعةً إليك الل ُه َّم أن‬‫وس َفه ال ُم ِ‬ ‫أدوائها‪ ،‬مأمونة من كيد الحاسدين‪َ ،‬‬
‫تديم لها ذلك على توالي األعصار‪ ،‬وأن ت ُ َؤيِّد أهلَها بدوام ال َجاللة الباهر ِة والحفظ‬
‫من األغيار‪ ،‬إنّك ال َجواد الكريم الرؤوف الرحيم»(‪.)1‬‬
‫بعض النماذج ِمن استدراك علماء المذهب على إمامهم‬
‫اإلمام الشافعي رجع عن مذهبه الذي كان في العراق ـ ويُس َّمى القديم ـ إلى‬
‫واستقر عليه ـ ويُس َّمى الجديد ـ إال أ ّن أصحابه ر َّجحوا‬
‫َّ‬ ‫مذهب آخر‪ ،‬وهو في مصر‬
‫بعض المسائل التي قالها في مذهبه القديم‪ ،‬و َعدُّوها هي الصواب‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ـ التثويب (الصالة خير من النوم) في أذان الصبح‪ ،‬فالقديم استحبابه‪.‬‬
‫ـ جواز الصوم عن الميِّت‪.‬‬
‫ـ جواز اشتراط التحلُّل من اإلحرام بسبب المرض‪.‬‬
‫بعض النماذج من استدراك التالميذ على أشياخهم‪:‬‬
‫«وس ّن جلسة استراحة بقدر الجلوس بين السجدتَين‬ ‫ـ قال العالمة ال ُمليباري‪ُ :‬‬
‫لالتباع ـ ولو في نفل ـ وإن تركها اإلمام خالفًا لشيخنا»(‪ .)2‬أي‪ :‬الشيخ ابن حجر‬
‫للمأموم اإلتيا ُن بها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ترك اإلما ُم جلسةَ االستراحة‪ ،‬فال يُ َس ُّن‬
‫حيث يرى إن َ‬
‫((( الفتاوى الفقهية الكبرى‪ ،‬البن حجر (‪.)33 :3‬‬
‫((( فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين لزين الدين المليباري (ص‪.)118‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪466‬‬

‫ـ وقال ال ُمليباري‪« :‬ومنه صالةُ األوابين وهي عشرون ركعة بين المغرب‬
‫بفوائت وغي ِرها‬
‫َ‬ ‫والعشاء‪ ،‬و ُر ِويت ِستًّا‪ ،‬وأربعًا‪ ،‬وركعتَين وهما األقل‪ ،‬وتتأدى‬
‫خالفًا لشيخنا»(‪ ،)1‬حيث يرى الشيخ ابن حجر أنها ال ب َّد لها من التعيُّن‪.‬‬
‫أقر بمقتضى عقوبة هلل تعالى‬ ‫ربيني في «اإلقناع»‪« :‬ومَن َّ‬ ‫الخطيب ِّ‬
‫الش ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ـ قال‬
‫أقر به‪،‬‬‫يعرضَ له بالرجوع عما َّ‬ ‫كالزنا والسرقة وشرب الخمر‪ ،‬كان للقاضي أن ِّ‬
‫ك‬‫باشرت‪ .‬وفي السرقة‪ :‬لعَلَّ َ‬ ‫كأن يقول له في الزنا‪ :‬لعلَّك فا َخذت‪ ،‬أو ل َ ِمست‪ ،‬أو َ‬
‫مسكر»(‪.)2‬‬
‫ٌ‬ ‫رب‪ :‬لعلَّك لم تعلم أ ّن ما َش ِربتَه‬ ‫أخذت من غير ِحر ٍز‪ .‬وفي ُّ‬
‫الش ِ‬
‫يعرضَ له بالرجوع جوا ًزا بعد اإلقرار‪ ،‬وندبًا‬
‫قال القليوبي‪« :‬وللقاضي أن ِّ‬
‫خنا‪ ،‬وفيه ن َظر من حيث فوات المال‪ ،‬بعدَم إقرا ِره في‬
‫قبله؛ ليمتنع كما قاله شي ُ‬
‫الثانية‪ .‬فراجعه»(‪.)3‬‬
‫فهذه بعض من النماذج‪ ،‬وهنالك أمثلةٌ كثيرة جدًّا‪ ،‬ولو تتبعنا ذلك في‬
‫الكتب المذهبية لطال بنا المقام‪ ،‬وستجد مثل قولهم‪« :‬هذه زلةٌ من الشيخ»‪،‬‬
‫لشيخنا»‪« ،‬قول شاذّ»‪« ،‬ال تغت ََّر به»‪...‬إلخ‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫«وفيه نظر»‪« ،‬خالفًا‬

‫((( فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين (ص‪.)166‬‬


‫((( اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع‪ ،‬للخطيب الشربيني (‪.)541 :2‬‬
‫((( حاشيتا قليوبي وعميرة (‪.)197 :4‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫ـ األزهري‪ ،‬رفيق عبد البر الوافي األزهري‪ ،‬مكانة فتح المعين بشرح قرة العين بين الشافعية في‬
‫العالم‪ ،‬موقع نداء الهند‪.https://goo.gl/CW8axu ،‬‬
‫ـاإلسنوي‪ ،‬جمال الدين عبد الرحيم‪ ،‬المهمات شرح الروضة والرافعي‪ ،‬مركز التراث المغربي‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬المملكة المغربية‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫ـاإلسنوي‪ ،‬جمال الدين عبد الرحيم‪ ،‬نهاية السول بشرح منهاج الوصول‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫ـاآلمدي‪ ،‬علي بن أبي علي بن محمد‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬بتحقيق عبد الرزاق عفيفي‪،‬‬
‫المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ـاألنصاري‪ ،‬زكريا بن محمد‪ ،‬غاية الوصول شرح لب األصول‪ ،‬دار الكتب العربية الكبرى‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫ـ األنصاري‪ ،‬زكريا بن محمد‪ ،‬أسنى المطالب في شرح روض الطالب‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬
‫ـاألهدل‪ ،‬أحمد ميقري‪ ،‬سلم المتعلم المحتاج إلى معرفة رموز المنهاج‪ ،‬مرفق بكتاب المنهاج‬
‫لإلمام النووي‪ ،‬دار المنهاج‪ ،‬جدة‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫ـالباجوري‪ ،‬إبراهيم بن محمد‪ ،‬حاشية الباجوري على جوهرة التوحيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬علي جمعة‪،‬‬
‫دار السالم‪ ،‬القاهرة‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫ـباسودان‪ ،‬محمد الحضرمي‪ ،‬المقاصد السنية إلى الموارد الهنية في جمع الفوائد الفقهية‪ ،‬دار‬
‫الفتح‪ ،‬عمان‪2018 ،‬م‪.‬‬
‫باعلي‪ ،‬بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم‪ ،‬دار المنهاج‪ ،‬جدة‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـباعشن‪ ،‬سعيد بن محمد‬
‫ـباعلوي‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد‪ ،‬بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض األئمة من العلماء‬
‫المتأخرين‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫ـ البجيرمي‪ ،‬سليمان بن محمد بن عمر‪ ،‬حاشية البجيرمي على الخطيب‪ ،‬دار الفكر‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫ـالبخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬بتحقيق‪ :‬محمد زهير‪ ،‬دار طوق النجاة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪468‬‬
‫ـالبكري‪ ،‬أبو بكر بن محمد شطا‪ ،‬إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين‪ ،‬دار الفكر‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫ـالبكري‪ ،‬بدر الدين محمد بن أبي بكر‪ ،‬االعتناء في الفرق واالستثناء‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫ـ بلفقيه‪ ،‬عبد اهلل بن الحسين‪ ،‬مطلب اإليقاظ‪ ،‬دار الضياء‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫ـالبلقيني‪ ،‬سراج الدين عمر‪ ،‬مناسبة أبواب الفقه على قاعدة أصحابنا‪ ،‬ضبطها مشاري بن سعد‬
‫الشثري‪ ،‬موقع فقه تدبير المعرفة‪https://atharah.com/saraj-aldiyn-eumar-bin-rslan- ،‬‬
‫‪./albalqinii‬‬
‫ـالبوطي‪ ،‬محمد سعيد رمضان‪ ،‬الالمذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬دار الفارابي‬
‫للمعارف‪.‬‬
‫ـالبيضاوي‪ ،‬عبد اهلل بن عمر‪ ،‬منهاج الوصول إلى علم األصول‪ ،‬اعتنى به مصطفى شيخ مصطفى‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة ناشرون‪.‬‬
‫ـالبيهقي‪ ،‬أحمد بن الحسين‪ ،‬مناقب الشافعي‪ ،‬دار التراث ـ مصر‪.‬‬
‫ـالبيهقي‪ ،‬أحمد بن الحسين‪ ،‬رسالة البيهقي إلى الجويني‪ ،‬بتحقيق فراس مشعل‪ ،‬دار البشائر‬
‫اإلسالمية‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الترمذي‪ ،‬محمد بن عيسى‪ ،‬سنن الترمذي‪ ،‬نشر مصطفى البابي الحلبي ـ مصر‪.‬‬
‫ـالثعلبي‪ ،‬أحمد بن محمد‪ ،‬الكشف والبيان عن تفسير القرآن‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬بن عاشور‪.‬‬
‫ـ الجاوي‪ ،‬أحمد بن عبد اللطيف‪ ،‬حاشية النفحات على شرح الورقات‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫ـ الجرجاني‪ ،‬علي بن محمد‪ ،‬التعريفات‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫ـ جمعة‪ ،‬علي جمعة‪ ،‬اإلفتاء‪ :‬حقيقته وآدابه ومراحله‪ ،‬بحث مقدم إلى مؤتمر الفتوى وضوابطها‪،‬‬
‫المجمع الفقهي اإلسالمي‪.‬‬
‫ـ الجمل‪ ،‬سليمان العجيلي‪ ،‬حاشية الجمل على شرح المنهج‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫ـالجوزجاني‪ ،‬سعيد بن منصور‪ ،‬التفسير من سنن سعيد بن منصور‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬سعد آل حميد‪ ،‬دار‬
‫الصميعي‪.‬‬
‫ـالجويني‪ ،‬إمام الحرمين عبد الملك‪ ،‬نهاية المطلب في دراية المذهب‪ ،‬بتحقيق الدكتور عبد العظيم‬
‫الديب‪ ،‬دار المنهاج‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الجويني‪ ،‬إمام الحرمين عبد الملك‪ ،‬غياث األمم في التياث الظلم‪ ،‬مكتبة إمام الحرمين‬
‫‪469‬‬ ‫عجارملاو رداصملا‬

‫ـابن حجر العسقالني‪ ،‬أحمد بن علي‪ ،‬التلخيص الحبير في تخريج أحادث الرافعي الكبير‪،‬‬
‫بتحقيق حسن عباس‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬القاهرة‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫ـابن حجر العسقالني‪ ،‬أحمد بن علي‪ ،‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬دار المعرفة بيروت‪،‬‬
‫‪1960‬م‪.‬‬
‫ـابن حجر الهيتمي‪ ،‬أحمد بن علي‪ ،‬تحفة المحتاج بشرح المنهاج‪ ،‬المكتبة التجارية الكبرى‪،‬‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫ـ ابن حجر الهيتمي‪ ،‬أحمد بن علي‪ ،‬الفتاوى الفقهية الكبرى‪ ،‬المكتبة اإلسالمية‪.‬‬
‫ـ ابن حجر الهيتمي‪ ،‬أحمد بن علي‪ ،‬فتاوى ابن حجر‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫ـ ابن حجر الهيتمي‪ ،‬أحمد بن علي‪ ،‬الفتح المبين بشرح األربعين‪ ،‬دار المنهاج‪.‬‬
‫ـ الحسنات‪ ،‬أحمد إبراهيم‪ ،‬تطور الفكر األصولي عند المتكلمين‪ ،‬دار النور‪ ،‬عمان‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الحصني‪ ،‬تقي الدين أبو بكر‪ ،‬القواعد‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫ـالحفناوي‪ ،‬محمد إبراهيم‪ ،‬مصطلحات الفقهاء واألصوليين‪ ،‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫ـ الحموي‪ ،‬محمد أمين‪ ،‬خالصة األثر في أعيان القرن الحادي عشر‪ ،‬دار صادر ـ بيروت‪.‬‬
‫ـ الخطيب البغدادي‪ ،‬أحمد بن علي‪ ،‬الفقيه والمتفقه‪ ،‬دار ابن الجوزي‪.‬‬
‫ـالخطيب‪ ،‬محمد بن علي‪ ،‬رسالة في أحكام الحيض والنفاس واالستحاضة‪ ،‬بتحقيق محمد‬
‫أبو بكر باذيب‪ ،‬دار الفتح للدراسات والنشر‪.‬‬
‫ـ ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬دار الفكر ـ بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫ـابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من‬
‫ذوي الشأن األكبر‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫ـ ابن خلكان‪ ،‬أحمد بن محمد‪ ،‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫ـالدمياطي‪ ،‬أبو بكر شطا‪ ،‬تحفة الرحمن في بعض مناقب السيد أحمد زيني دحالن‪ ،‬مكتبة حرجو‬
‫الجاوي‪.‬‬
‫ـ الدمياطي‪ ،‬أحمد بن محمد‪ ،‬حاشية على شرح الورقات‪ ،‬دار الفضيلة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ـ الذهبي‪ ،‬محمد بن أحمد‪ ،‬سير أعالم النبالء‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫ـ الرازي‪ ،‬فخر الدين‪ ،‬المحصول‪ ،‬بتحقيق طه العلواني‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الرازي‪ ،‬فخر الدين‪ ،‬مناقب اإلمام الشافعي‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪470‬‬
‫ـ الرازي‪ ،‬محمد بن أبي بكر‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬الطبعة الخامسة‪.‬‬
‫ـابن رجب‪ ،‬عبد الرحمن الحنبلي‪ ،‬الرد على من اتبع غير المذاهب األربعة‪ ،‬دار عالم الفوائد‪،‬‬
‫مكة المكرمة‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫ـ ابن رسالن‪ ،‬أحمد بن الحسين‪ ،‬صفوة الزبد‪ ،‬دار المنهاج‪.‬‬
‫ـ الرملي‪ ،‬شمس الدين محمد‪ ،‬نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الرملي‪ ،‬شهاب الدين أحمد‪ ،‬فتح الرحمن شرح زبد ابن رسالن‪ ،‬دار المنهاج‪ ،‬جدة‪.‬‬
‫ـ أبو زرعة العراقي‪ ،‬أحمد بن عبد الرحيم‪ ،‬الغيث الهامع شرح جمع الجوامع‪ ،‬بتحقيق محمد‬
‫حجازي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الزرقا‪ ،‬أحمد بن محمد‪ ،‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬دار القلم‪ ،‬سورية‪.‬‬
‫ـ الزركشي‪ ،‬بدر الدين‪ ،‬البحر المحيط‪ ،‬دار الكتبي‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الزركشي‪ ،‬بدر الدين‪ ،‬المنثور في القواعد الفقهية‪ ،‬وزارة األوقاف الكويتية‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫ـالزركشي‪ ،‬بدر الدين‪ ،‬تشنيف المسامع بجمع الجوامع‪ ،‬بتحقيق سيد عبد العزيز وعبد اهلل ربيع‪،‬‬
‫مكتبة قرطبة للبحث العلمي‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الزركلي‪ ،‬خير الدين بن محمود‪ ،‬األعالم‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫ـالسبكي‪ ،‬أبو الحسن تقي الدين‪ ،‬معنى قول اإلمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي‪ ،‬مطبعة‬
‫قرطبة‪.‬‬
‫ـالسبكي‪ ،‬تاج الدين عبد الوهاب بن علي‪ ،‬اإلبهاج في شرح المنهاج‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1995‬م‪.‬‬
‫ـ السبكي‪ ،‬تاج الدين عبد الوهاب‪ ،‬األشباه والنظائر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫ـالسبكي‪ ،‬تاج الدين عبد الوهاب‪ ،‬طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬هجر للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪1413‬هـ‪.‬‬
‫ـالسقاف‪ ،‬علوي بن أحمد بن عبد الرحمن‪ ،‬مختصر الفوائد المكية‪ ،‬تحقيق يوسف المرعشلي‪،‬‬
‫دار البشائر اإلسالمية‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫ـالسقاف‪ ،‬علوي بن أحمد بن عبد الرحمن‪ ،‬الفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة الشافعية من‬
‫المسائل والضوابط والقواعد الكلية‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬دمشق‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫ـالسقاف‪ ،‬علوي بن أحمد‪ ،‬الفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة الشافعية‪ ،‬مركز النور للدراسات‬
‫واألبحاث‪.‬‬
‫‪471‬‬ ‫عجارملاو رداصملا‬

‫ـسليمان‪ ،‬عبد الوهاب إبراهيم‪ ،‬ترتيب الموضوعات الفقهية ومناسباته في المذاهب األربعة‪،‬‬
‫جامعة أم القرى‪ ،‬مكة المكرمة‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫ـالسمعاني‪ ،‬منصور بن محمد‪ ،‬قواطع األدلة‪ ،‬بتحقيق محمد حسن الشافعي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫ـسميط‪ ،‬زين بن إبراهيم بن سميط‪ ،‬المنهج السوي شرح أصول طريقة السادة آل باعلوي‪ ،‬دار‬
‫الفتح للدراسات والنشر‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫ـ السيوطي‪ ،‬جالل الدين‪ ،‬األشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية‪ ،‬إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫ـ الشاطري‪ ،‬أحمد بن عمر‪ ،‬الياقوت النفيس في مذهب ابن إدريس‪ ،‬دار المنهاج‪ ،‬جدة‪.‬‬
‫ـ الشافعي‪ :‬محمد بن إدريس‪ ،‬الرسالة‪ ،‬بتحقيق أحمد شاكر‪ ،‬مكتبة الحلبي‪ ،‬القاهرة‪1940 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الشافعي‪ ،‬محمد بن إدريس‪ ،‬األم‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫ـأبو شامة‪ ،‬أبو القاسم المقدسي‪ ،‬مختصر المؤمل في الرد إلى األمر األول‪ ،‬مكتبة الصحوة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬الكويت‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫ـالشربيني‪ ،‬شمس الدين‪ ،‬مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الشربيني‪ ،‬شمس الدين‪ ،‬اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫ـ الشعراني‪ ،‬عبد الوهاب بن أحمد‪ ،‬الطبقات الصغرى‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫ـ الشوكاني‪ ،‬محمد بن علي‪ ،‬البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع‪ ،‬دار المعرفة ـ بيروت‪.‬‬
‫ـ ابن أبي شيبة‪ ،‬أبو بكر‪ ،‬مصنف ابن أبي شيبة‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫ـالشيرازي‪ ،‬إبراهيم بن علي‪ ،‬التبصرة في أصول الفقه‪ ،‬بتحقيق محمد حسن هيتو‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫دمشق‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الصفدي‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬الوافي بالوفيات‪ ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫ـابن الصالح‪ ،‬عثمان بن عبد الرحمن‪ ،‬طبقات الفقهاء الشافعية‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية ـ بيروت‪.‬‬
‫ـابن الصالح‪ ،‬عثمان بن عبد الرحمن‪ ،‬فتاوى ابن الصالح‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬موفق عبد اهلل‪ ،‬عالم الكتب‬
‫ـ بيروت‪.‬‬
‫ـ الصنعاني‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬مصنف عبد الرزاق الصنعاني‪ ،‬المكتب اإلسالمي ـ بيروت‪.‬‬
‫ـالظفيري‪ ،‬مريم محمد صالح‪ ،‬مصطلحات المذاهب الفقهية‪ ،‬دار ابن حزم بيروت لبنان‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫ـ ابن عبد البر‪ ،‬أبو عمر‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬دار ابن الجوزي‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪472‬‬
‫ـعبد السالم‪ ،‬عز الدين عبد العزيز‪ ،‬قواعد األحكام في إصالح األنام‪ ،‬بتحقيق الدكتور نزيه حماد‬
‫والدكتور عثمان ضميرية‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫ـ العراقي‪ ،‬ولي الدين أبو زرعة‪ ،‬فتاوى اإلمام العراقي‪ ،‬دار الفتح‪ ،‬عمان‪ ،‬بتحقيق حمزة فرحان‪.‬‬
‫ـالعطار‪ ،‬حسن بن محمد‪ ،‬حاشية العطار على شرح الجالل المحلي على جمع الجوامع‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫ـالعالئي‪ ،‬خليل بن كيكلدي‪ ،‬المجموع المذهب في قواعد المذهب‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫ـعلي‪ ،‬محمد إبراهيم‪ ،‬المذهب عند الشافعية‪ ،‬مجلة جامعة الملك عبد العزيز‪ ،‬العدد الثاني‪،‬‬
‫‪1978‬م‪.‬‬
‫ـابن العماد‪ ،‬عبد الحي العكري الحنبلي‪ ،‬شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬دار ابن كثير‪،‬‬
‫دمشق‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫ـالعمري‪ ،‬شحادة‪ ،‬سلسلة تراجم علماء األردن‪ :‬الدكتور الشيخ نوح القضاة‪ ،‬رابطة علماء األردن‪.‬‬
‫ـالعيدروس‪ ،‬صالح بن أحمد‪ ،‬الشافية في بيان اصطالحات فقهاء الشافعية‪ ،‬مطبعة الحجون‪،‬‬
‫أندونيسيا‪.‬‬
‫ـالعيدروس‪ ،‬عبد القادر بن أحمد‪ ،‬النور السافر عن أخبار القرن العاشر‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫ـالغزالي‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬المستصفى من علم األصول‪ ،‬بتحقيق محمد عبد السالم‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الغزالي‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬الخالصة‪ ،‬بتحقيق أمجد رشيد‪ ،‬دار المنهاج‪ ،‬جدة‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الغزالي‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬الوسيط في المذهب‪ ،‬دار السالم‪.‬‬
‫ـالغزي‪ ،‬محمد بن قاسم‪ ،‬فتح القريب المجيب بشرح كتاب التقريب‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الغمراوي‪ ،‬محمد زهري‪ ،‬السراج الوهاج على متن المنهاج‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫حرر لإلمام الرافعي‪،‬‬
‫ـغيظان‪ ،‬هدى يوسف‪ ،‬تحقيق كتاب الحيض واالستحاضة والنفاس من ال ُم َّ‬
‫مجلة دراسات‪ ،‬علوم الشريعة والقانون‪ ،‬المجلد ‪ ،41‬العدد‪2014 ،2 :‬م‪.‬‬
‫ـالفيومي‪ ،‬أبو العباس أحمد بن محمد‪ ،‬المصباح المنير في غريب الشرح الكبير‪ ،‬المكتبة العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪473‬‬ ‫عجارملاو رداصملا‬

‫ـ القاري‪ ،‬علي بن سلطان‪ ،‬مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫ـ ابن قاضي شهبة‪ ،‬أبو بكر‪ ،‬طبقات الشافعية‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫ـ القرافي‪ ،‬أبو العباس شهاب الدين‪ ،‬نفائس األصول بشرح المحصول‪.‬‬
‫ـ القرافي‪ ،‬أبو العباس شهاب الدين‪ ،‬الفروق‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ـ بيروت‪.‬‬
‫ـ القرطبي‪ ،‬محمد بن أحمد‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬دار عالم الكتب‪.‬‬
‫ـقليوبي‪ ،‬أحمد سالمة‪ ،‬وأحمد البرلسي عميرة‪ ،‬حاشيتا قليوبي وعميرة على كنز الراغبين‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬بيروت‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫ـالقواسمي‪ ،‬أكرم‪ ،‬المدخل إلى مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫ـالكاف‪ ،‬محمد عمر‪ ،‬المعتمد عند الشافعية‪ ،‬رسالة ماجستير قُدِّمت لجامعة بيروت اإلسالمية‬
‫سنة ‪2008‬م‪.‬‬
‫ـ كاليفتاوي‪ ،‬مهران ُكتي‪ ،‬رسالة التنبيه‪ ،‬دار الضياء‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫ـ ابن كثير‪ ،‬إسماعيل بن عمر‪ ،‬طبقات الشافعية‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫ـالكردي‪ ،‬محمد بن سليمان‪ ،‬الفوائد المدنية فيمن يُفتَى بقوله من أئمة الشافعية‪ ،‬دار نور الصباح‪،‬‬
‫‪2011‬م‪.‬‬
‫ـاللحجي‪ ،‬عبد اهلل‪ ،‬إيضاح القواعد الفقهية‪ ،‬عناية‪ :‬الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحدّاد‪ ،‬دار الضياء‪.‬‬
‫ـالمارديني‪ ،‬محمد بن عثمان‪ ،‬األنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات‪ ،‬بتحقيق عبد الكريم‬
‫النملة‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫ـالماوردي‪ ،‬علي بن محمد‪ ،‬الحاوي الكبير‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫ـالمحلي‪ ،‬جالل الدين محمد بن أحمد‪ ،‬شرح المحلي على جمع الجوامع‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ـالمدرس‪ ،‬عبد الكريم‪ ،‬علماؤنا في خدمة العلم والدين‪ ،‬عني بنشره محمد بن علي القره داغي‪،‬‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫ـ المرادي‪ ،‬محمد خليل‪ ،‬سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪.‬‬
‫ـ مرداوي‪ ،‬عالء الدين‪ ،‬التحبير شرح التحرير في أصول الفقه‪ ،‬مكتبة الرشد‪.‬‬
‫ـمرعشلي‪ ،‬يوسف‪ ،‬عقد الجوهر في علماء الربع األول من القرن الخامس عشر‪ ،‬دار المعرفة‪،‬‬
‫بيروت ـ لبنان‪.‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪474‬‬
‫ـ المزني‪ ،‬إسماعيل بن يحيى‪ ،‬مختصر المزني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫ـمسلم‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول اهلل ﷺ‪ ،‬دار‬
‫إحياء التراث العربي ـ بيروت‪.‬‬
‫ـ المليباري‪ ،‬زين الدين الهندي‪ ،‬فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين‪ ،‬دار ابن حزم‪.‬‬
‫ـالمليباري‪ ،‬عبد النصير‪ ،‬أوراق الذهب في حل ألغاز المذهب‪ ،‬دار تراث علماء نوسانتارا‪،‬‬
‫إندونيسيا‪2016 ،‬م‪.‬‬
‫السلمي‪ ،‬فرائد الفوائد في اختالف القولين عن مجتهد واحد‪ ،‬دار الكتب‬ ‫ـالمناوي‪ ،‬شمس الدين ُ‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫ـ ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر ـ بيروت‪.‬‬
‫ـ الناجي‪ ،‬لمين‪ ،‬القديم والجديد في فقه الشافعي‪ ،‬دار ابن القيم‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعودية‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫ـ ابن نجيم‪ ،‬زين الدين المصري‪ ،‬األشباه والنظائر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الندوي‪ ،‬علي‪ ،‬القواعد الفقهية‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة أم القرى‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫ـ نديم‪ ،‬أبو الفرج محمد بن إسحاق‪ ،‬الفهرست‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫ـالنعيمي‪ ،‬عبد القدار بن محمد‪ ،‬الدارس في تاريخ المدارس‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫ـ النفراوي‪ ،‬أحمد بن غانم‪ ،‬الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫ـابن النقيب‪ ،‬شهاب الدين المصري‪ ،‬عمدة السالك وعدة الناسك‪ ،‬الشؤون الدينية‪ ،‬قطر‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫ـالنووي‪ ،‬أبو زكريا محيي الدين بن شرف‪ ،‬المجموع شرح المهذب للشيرازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫نجيب المطيعي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫ـ النووي‪ ،‬محيي الدين يحيى بن شرف‪ ،‬تهذيب األسماء واللغات‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫ـالنووي‪ ،‬محيي الدين يحيى بن شرف‪ ،‬تصحيح التنبيه‪ ،‬بتحقيق الدكتور محمد عقلة‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫ـ النووي‪ ،‬محيي الدين يحيى بن شرف‪ ،‬شرح النووي على مسلم‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫ـ يوسف سركيس‪ ،‬معجم المطبوعات العربية‪ ،‬مطبعة سركيس‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫ـ أبو يوسف‪ ،‬يعقوب بن إبراهيم‪ ،‬الخراج‪ ،‬المكتبة األزهرية للتراث‪.‬‬
‫‪475‬‬ ‫باتكلا سرهف‬

‫فهرس الكتاب‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪5‬‬ ‫افتتاحية سماحة المفتي العام ‪....................................................‬‬
‫‪7‬‬ ‫مقدمة‪...........................................................................‬‬
‫‪11‬‬ ‫نبذة عن تاريخ المذاهب الفقهية عمو ًما‪..........................................‬‬
‫‪19‬‬ ‫الباب األول‪ :‬تاريخ المذهب الشافعي ورجاله ‪...................................‬‬
‫‪23‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬حياة اإلمام الشافعي وشخصيته االجتهادية ‪....................‬‬
‫‪23‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬حياة اإلمام الشافعي‪.....................................‬‬
‫‪37‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬عقيدة اإلمام الشافعي ‪...................................‬‬
‫‪52‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬شخصية اإلمام الشافعي العلمية واالجتهادية ‪...........‬‬
‫‪61‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تطور المذهب الشافعي‪.......................................‬‬
‫‪63‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬عصر التأسيس (‪186‬هـ ‪204 -‬هـ) ‪.....................‬‬
‫‪71‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬عصر النقل واالنتشار (‪204‬هـ ‪404 -‬هـ) ‪..............‬‬
‫‪77‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬عصر االستقرار والثبات (‪404‬هـ ‪505 -‬هـ)‪...........‬‬
‫‪86‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬عصر التحرير والتنقيح (‪505‬هـ ‪676 -‬هـ) ‪.............‬‬
‫‪94‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬عصر االزدهار (‪676‬هـ ‪1004 -‬هـ) ‪................‬‬
‫‪100‬‬ ‫المبحث السادس‪ :‬عصر االنحسار (‪1004‬هـ ‪1335 -‬هـ) ‪..............‬‬
‫‪106‬‬ ‫المبحث السابع‪ :‬العصر الحديث ‪........................................‬‬
‫‪112‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬أبرز فقهاء المذهب الشافعي‪................................:‬‬
‫‪112‬‬ ‫‪1‬ـ أبو يعقوب البُويطي‪...................................................‬‬
‫‪116‬‬ ‫‪2‬ـ أبو إبراهيم المزني ‪....................................................‬‬
‫‪119‬‬ ‫‪3‬ـ ابن سريج‪.............................................................‬‬
‫‪122‬‬ ‫‪4‬ـ إمام الحرمين أبو المعالي الجويني‪....................................‬‬
‫‪126‬‬ ‫‪5‬ـ أبو حامد الغزالي ‪.....................................................‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪476‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫‪131‬‬ ‫‪6‬ـ أبو القاسم الرافعي‪....................................................‬‬


‫‪135‬‬ ‫‪7‬ـ أبو زكريا النووي‪......................................................‬‬
‫‪140‬‬ ‫‪8‬ـ ت َ ِق ّي ال ِّدين ُّ‬
‫السبكي‪....................................................‬‬
‫‪145‬‬ ‫‪9‬ـ جالل الدين المحلي‪..................................................‬‬
‫‪148‬‬ ‫‪10‬ـ شيخ اإلسالم زكريا األنصاري ‪......................................‬‬
‫‪152‬‬ ‫‪11‬ـ شهاب الدين أحمد الرملي‪..........................................‬‬
‫‪155‬‬ ‫‪12‬ـ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي ‪...............................‬‬
‫‪159‬‬ ‫‪13‬ـ شمس الدين الرملي ‪................................................‬‬
‫‪162‬‬ ‫‪14‬ـ محمد بن سليمان الكردي المدني ‪..................................‬‬
‫‪165‬‬ ‫‪15‬ـ إبراهيم الباجوري‪...................................................‬‬
‫‪168‬‬ ‫‪16‬ـ أحمد زيني دحالن‪..................................................‬‬
‫‪172‬‬ ‫‪17‬ـ أحمد بن عمر الشاطري‪.............................................‬‬
‫‪175‬‬ ‫‪18‬ـ عبد الكريم المدرس ‪................................................‬‬
‫‪179‬‬ ‫‪19‬ـ مصطفى سعيد الخن ‪................................................‬‬
‫‪183‬‬ ‫‪20‬ـ نوح القضاة ‪.........................................................‬‬
‫‪188‬‬ ‫‪21‬ـ الحبيب سالم بن عبد اهلل الشاطري‪..................................‬‬
‫‪192‬‬ ‫‪22‬ـ الحبيب زين بن سميط ‪..............................................‬‬
‫‪196‬‬ ‫‪23‬ـ مصطفى البغا ‪.......................................................‬‬
‫‪198‬‬ ‫‪24‬ـ محمد بن علي الخطيب‪.............................................‬‬
‫‪201‬‬ ‫الباب الثاني‪ :‬منهج البحث والفتوى في المذهب الشافعي ‪.......................‬‬
‫‪203‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬التعريف بكتب المذهب‪......................................‬‬
‫‪205‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬أبرز كتب المذهب في عصر التكوين واالنتشار ‪.........‬‬
‫‪218‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬أبرز كتب المذهب في عصر التنقيح والتحرير ‪...........‬‬
‫‪233‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أبرز المتون الدراسية ‪...................................‬‬
‫‪242‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬أبرز كتب القواعد الفقهية ‪...............................‬‬
‫‪249‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬أبرز كتب أصول الفقه ‪................................‬‬
‫‪477‬‬ ‫باتكلا سرهف‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫‪263‬‬ ‫المبحث السادس‪ :‬أبرز كتب الفتاوى ‪....................................‬‬


‫‪267‬‬ ‫المبحث السابع‪ :‬أبرز كتب أحاديث األحكام في المذهب ‪...............‬‬
‫‪270‬‬ ‫المبحث الثامن‪ :‬أبرز كتب طبقات رجال المذهب ‪.......................‬‬
‫‪272‬‬ ‫المبحث التاسع‪ :‬أبرز كتب تخريج الفروع على األصول ‪.................‬‬
‫‪274‬‬ ‫المبحث العاشر‪ :‬الكتب التي اعتنت بمنهجية الفتوى في المذهب ‪.......‬‬
‫‪276‬‬ ‫المبحث الحادي عشر‪ :‬كتب ومؤلفات في مسائل خاصة ‪................‬‬
‫‪283‬‬ ‫المبحث الثاني عشر‪ :‬أبرز الكتب المعاصرة‪..............................‬‬
‫‪285‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬أبرز المصطلحات الواردة في كتب المذهب‪..................‬‬
‫‪287‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬اصطالحات خاصة بألقاب األئمة واألعالم ‪.............‬‬
‫‪291‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬الرموز المتعلقة باألعالم ‪................................‬‬
‫‪294‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬اصطالحات عامة في المذهب ‪.........................‬‬
‫‪302‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬منهج الفتوى في المذهب ‪...................................‬‬
‫‪305‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬الكتب التي يُفتى منها في المذهب ‪......................‬‬
‫‪309‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬المسائل التي يفتى بها بغير القول المعتمد‪...............‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬حكم الفتوى باألقــوال واألوجه المرجوحة والضعيفة‬
‫‪313‬‬ ‫في المذهب ‪.............................................................‬‬
‫‪315‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬المسائل التي يُفتى بها من المذهب القديم لإلمام الشافعي‪.‬‬
‫‪320‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬الفتوى بظاهر الحديث الصحيح‪......................‬‬
‫‪324‬‬ ‫المبحث السادس‪ :‬ضابط االعتماد على العرف في الفتوى ‪...............‬‬
‫‪327‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬قواعد الترجيح في المذهب ‪..................................‬‬
‫‪328‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬الترجيح بين أقوال اإلمام الشافعي ‪......................‬‬
‫‪333‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬الترجيح بين أقوال الشيخين الرافعي والنووي ‪...........‬‬
‫‪338‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬الترجيح بين أقوال المتأخرين ‪..........................‬‬
‫‪343‬‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬فوائد منهجية في المذهب ‪.................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬المسائل التي صححها اإلمام النووي في المنهاج واختلف‬
‫‪344‬‬ ‫في تصحيحها المتأخرون ‪................................................‬‬
‫المدخل إلى المذهب الشافعي‬ ‫‪478‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المسائل التي ضعفها اإلمام النووي في المنهاج واعتمدها‬


‫‪352‬‬ ‫المتأخرون‪...............................................................‬‬
‫‪361‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬تقسيم األبواب والفصول في كتب المذهب ‪............‬‬
‫‪366‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬السلم التعليمي لطالب العلم في المذهب‪...............‬‬
‫‪369‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬أصول المذهب الشافعي‪..........................................‬‬
‫‪371‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬أبرز المسائل األصولية في المذهب ‪..........................‬‬
‫‪375‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬في األحكام‪.............................................‬‬
‫‪380‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬في األدلة المتفق عليها ‪..................................‬‬
‫‪390‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬األدلة المختلف فيها ‪...................................‬‬
‫‪397‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬أبرز القواعد الفقهية الكلية في المذهب‪.......................‬‬
‫‪399‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬القواعد الكلية الخمس‪..................................‬‬
‫‪413‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬قواعد كلية متفق عليها في المذهب ‪.....................‬‬
‫‪434‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬أحكام االجتهاد والتقليد في المذهب ‪........................‬‬
‫‪435‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬طبقات المجتهدين ومراتبهم في المذهب‪...............‬‬
‫‪441‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬شروط االجتهاد‪.........................................‬‬
‫‪445‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬حكم األخذ من الكتاب والسنة لمن لم يبلغ درجة االجتهاد‬
‫‪453‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬اتباع المذاهب األربعة ‪..................................‬‬
‫‪455‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬حكم تقليد أقوال الصحابة والتابعين ‪.................‬‬
‫‪460‬‬ ‫المبحث السادس‪ :‬حكم التلفيق بين أقوال المذاهب ‪.....................‬‬
‫‪462‬‬ ‫المبحث السابع‪ :‬حكم االنتقال بين المذاهب الفقهية ‪....................‬‬
‫‪464‬‬ ‫المبحث الثامن‪ :‬حكم التعصب المذهبي ‪................................‬‬
‫‪467‬‬ ‫المصادر والمراجع‪..............................................................‬‬
‫‪475‬‬ ‫الفهرس‪.........................................................................‬‬

You might also like