100% found this document useful (1 vote)
77 views381 pages

مناهج الاستشراق

Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
100% found this document useful (1 vote)
77 views381 pages

مناهج الاستشراق

Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
You are on page 1/ 381

‫مناهج االسترشاق املعارص‬

‫يف ادلراسات اإلسالمية‬


‫مناهج االسترشاق املعارص‬
‫يف ادلراسات اإلسالمية‬

‫األستاذ الدكتور‬
‫عبد القادر خبوش‬
‫كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‬
‫جامعة قطر‬
‫إىل روح أيب الطاهرة يف اخلادلين عيل ّ‬
‫الرحوي‬
‫فلتتزنل عليك سحابات الرمحة مادامت السماوات واألرض‬

‫إىل نبع احلب واحلنان إىل من اكن داعؤها رس جنايح‬


‫الغايلة أيم‬

‫إىل من اكنت لكماتها مصابيح تنري دريب زوجيت‬


‫املقدمة‬

‫‪‬‬
‫‪J‬‬
‫راجت في اآلونة األخيرة مقولة تردي االستشراق واندثاره‪ ،‬وربط‬
‫مروجو هذه المقولة بانقضاء االستعمار العسكري التقليدي‪ ،‬مما حدا ببعض‬
‫المستشرقين إلى القول بنهاية زمن االستشراق عام ‪5771‬م(‪.)5‬‬
‫ليس صحيحا‪ ،‬أنه مع انتهاء االستعمار العسكري للبلدان الشرقية‪ ،‬خ ّفت‬
‫موجة الدراسات االستشراقية النتفاء وظيفتها‪ ،‬باعتبار أنها كانت أداة فاعلة‬
‫عول عليها االستعمار في تحقيق أغراضه‪.‬‬
‫ّ‬
‫والحقيقة أن ظاهرة االستشراق لم تنته بانقضاء االستعمار األوروبي‪ ،‬بل‬
‫غيرت مواقعها فقط‪ ،‬فما أن تخلت أوروبا عن دورها القيادي وتسلّمت أمريكا‬
‫ّ‬
‫زعامة العالم باعتبارها الوريث الجديد‪ ،‬حتى أخذت ظاهرة االستعمار لونا‬
‫جديدا يتمثل في استبدال االستعمار العسكري التقليدي باالستعمار السياسي‬
‫واالقتصادي‪ .‬والذي يعمد إلى تحقيق الهيمنة السياسية والسيطرة على‬
‫الموارد‪ ،‬مما حدا بالزعامة الجديد إلى احتضان االستشراق وتطويره ليتماشى‬
‫والمستجدات الحاصلة‪ .‬وقد نجح المستشرقون في أمريكا في تنشيط هذه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬شوقي أبو خليل‪ ،‬اإلسقاط في مناهج المستشرقين‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬ط‪،5‬‬
‫‪5151‬ه‪5771/‬م) ص‪.6‬‬

‫‪7‬‬
‫املقدمة‬

‫الدراسات وإعطائها الصبغة العالمية‪ ،‬بما أنشأوا من دوائر لالستشراق‪ .‬ومنه‬


‫انتقل مركز االستشراق من أوروبا إلى أمريكا‪ ،‬مما شجع العديد من‬
‫المستشرقين األوروبيين بدورهم إلى الهجرة نحو أمريكا لإلقامة بها إلثراء‬
‫الدراسات االستشراقية وبعثها من جديد‪.‬‬
‫يؤيد هذا الرأي أحد الباحثين المسيحيين هو جورج كتورة في قوله‪« :‬لقد‬
‫أضحى االستشراق رديف مؤسسات حكومية وخاصة ُتعنى باستشراف‬
‫المستقبل وتدبير الملوك مؤسسة شبه حكومية‪ ،‬أو عاملة عند المؤسسة‬
‫الحكومية‪ ،‬لمدها بالمعلومات‪ ،‬ولتطرح عليها تصورات معينة‪ .‬قد يقال إن‬
‫تحو ٌل ينبغي‬
‫االستشراق قد صار بذلك أشد خطرا من الماضي‪ ،‬ربما ولكنه ُّ‬
‫إدراكه»(‪.)5‬‬
‫طور فيه‬
‫وال تزال الدراسات اإلسالمية تواجه هذا المشروع الذي ّ‬
‫االستشراق وسائله فجاء ليغطي جميع مناحي هذا الفكر‪ ،‬بد ًءا من مصادره إلى‬
‫محتواه‪.‬‬
‫فيم يتمثل هذا المشروع الجديد‬
‫ولذلك يثار سؤال في غاية األهمية‪َ ،‬‬
‫لالستشراق؟ وما هي دوافعه وأهدافه؟ وما هي آلياته ووسائله؟ هل حقق هذا‬
‫المشروع نجاحا؟ وكيف يمكن التصدي له؟‬
‫كما تتفرع عن هذه اإلشكالية تساؤالت عديدة‪ ،‬نوجزها فيما يلي‪:‬‬
‫إن الفكر اإلسالمي قديما‪ ،‬على الرغم من بشاعة تلك المكائد وقسوة‬
‫المحن‪ ،‬فقد استطاع أن يخرج منها سالما‪ ،‬فهل الفكر اإلسالمي المعاصر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬في التعقيب على ورقتي الدكتورين رضوان السيد وحسن جابر (المنطلق‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫العدد‪ ،111‬صيف ‪1991‬م)‪ ،‬ص‪.111‬‬

‫‪8‬‬
‫املقدمة‬

‫بإمكانه أن يتفادى شراسة هذه الهجمة في ظل هذه الظروف العصيبة التي‬


‫تحياها األمة؟‬
‫هل انتهت مرحلة الهجوم على القرآن الكريم بتدفق ذلك السيل من‬
‫اإلسرائيليات في تفسيره؟‬
‫وهل طويت حقبة الهجوم على السنة النبوية بتولي عصر وضع األحاديث‬
‫المكذوبة على رسول اهلل ‪‬؟‬
‫ماهي مناهج االستشراق المعاصر في دراسته للعلوم اإلسالمية؟ ولماذا‬
‫ركزت هذه المناهج على اثارة الشبهات؟ وما هي أهم الشبهات المثارة؟ وما‬
‫الغرض منها؟ وكيف يمكن إنقاذ الفكر اإلسالمي من هذا الخطر الذي يتربص‬
‫به؟‬

‫أهمية البحث‪:‬‬
‫يكتسي هذا الموضوع أهمية متعددة الجوانب‪ ،‬نلخصها فيما يلي‪:‬‬
‫ــ بيان الدور الذي اضطلع به االستشراق المعاصر في طبع الدراسات‬
‫بطابع من العداء المستحكم تجاه اإلسالم‪ ،‬وزيادة حدة التوتر بين اإلسالم‬
‫والغرب‪ ،‬ليفضي في النهاية إلى حتمية التصادم بينهما‪.‬‬
‫ــ بيان أن الحركات الباطنية الحديثة ليست فرقا تأولت فأخطأت‪ ،‬بل‬
‫هي حركات ر ّدة أع ّد لها دارسون غربيون ونفذ أدوارها الصهاينة العالميون‪.‬‬
‫ــ كشف النقاب عن أفكار دينية خطيرة تسللت إلى العقلية اإلسالمية‬
‫المعاصرة‪ ،‬تثير البلبلة والتشويش في دعائم هذا الدين‪ .‬كل هذا برز تحت قناع‬
‫التجديد والمعاصرة والقراءة العلمية التي تبناها االستشراق المعاصر‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫املقدمة‬

‫ــ إن الهجمة الشرسة التي تجتاح الفكر اإلسالمي المعاصر إنما هي‬
‫جولة في معركة مقدسة بدأت منذ ظهور اإلسالم‪ ،‬واستمرت أطوارها عبر‬
‫التاريخ اإلسالمي كله‪ ،‬فالتربص بهذا الفكر والترصد له والعداء المستحكم‬
‫يمتد بجذوره إلى العصر اإلسالمي األول‪ ،‬حين ظهر هذا الدين‪.‬‬

‫التعريف مبصطلحات البحث‪:‬‬


‫االستشراق المعاصر‪ :‬إن الدراسات االستشراقية مع غزارة مادتها وتشعبها‬
‫من حيث الكم والكيف‪ ،‬فإن ما يميزها في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل‬
‫القرن التاسع عشر ــ فترة تشكل االستشراق المعاصرة ــ ومناهج جديدة‪ ،‬حيث‬
‫استخدم المناهج السوسيولوجية واألنثروبولوجية والسكولوجية والفيلولوجية‬
‫واإلحصائية والتاريخية‪ ،‬ولم يعبأ كثيرا بنشر التراث وتحقيقه وترجمته كما كان‬
‫دأب المستشرقين من قبل‪.‬‬
‫الدراسات اإلسالمية‪ :‬ويعبر عنها عموما بالفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬لم‬
‫يكن مصطلح الفكر اإلسالمي حاضرا في الدراسات اإلسالمية القديمة‪ ،‬فهو‬
‫مصطلح حديث النشأة‪ ،‬حيث يعود تاريخ ظهوره إلى القرنين األخيرين نسبيا‪،‬‬
‫بعد أن برزت الحاجة إلى تمييز الفكر اإلسالمي عن الفكر اآلخر غير‬
‫اإلسالمي‪ ،‬سواء ظهر في بيئة إسالمية أم خارجها(‪.)5‬‬
‫ومن هنا فمن الخطأ الشنيع االدعاء زورا بأن الفكر اإلسالمي هو كل ما‬
‫نشأ من فكر في دار اإلسالم وعلى أرضه‪ ،‬ألن هناك أفكارا غير إسالمية‪ ،‬تحيا‬
‫في بالده وال تمت إليه بصلة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد خروبات‪ ،‬الفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬دراسة في التدافع الحضاري‪( ،‬مراكش‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪5778‬م)‪ » ،‬ص‪.51‬‬

‫‪51‬‬
‫املقدمة‬

‫وبهذا فالفكر اإلسالمي المعاصر يُعنى بكل ما أنتجه المسلمون من فكر‬


‫في عصر النهضة األوروبية‪ ،‬سواء في معالجة القضايا المحلية أم مجابهة‬
‫التحديات المستجدة‪ ،‬وحتى التحديات القديمة‪ ،‬ــ والتي ال تزال تثار في هذا‬
‫العصر واجتاحت األمة ــ مستلهمين ذلك من مصادره األصيلة(‪.)5‬‬
‫فضمن هذا اإلطار يأتي الفكر اإلسالمي ليشمل العلوم اإلسالمية‬
‫األساسية‪ ،‬وهي علم العقيدة‪ ،‬والفقه اإلسالمي والتاريخ‪ ،‬وما يمكن أن يتفرع‬
‫عنها من قضايا مستجدة‪.‬‬
‫ولذلك عمدت هذه الدراسة إلى التركيز على الدراسات المتعلقة بالقرآن‬
‫الكريم والسنة النبوية‪ ،‬باعتبارهما مصدران أساسيان لهذا الفكر‪ ،‬ثم غطت‬
‫العلوم اإلسالمية األساسية‪.‬‬
‫وثمة مالحظة جديرة بالتذكير‪ ،‬وهي أن الفكر اإلسالمي ليس هو اإلسالم‪،‬‬
‫المثل بالمثل‪ ،‬بل هو ما أبدعته العقلية اإلسالمية في محاولتها إلسقاط اإلسالم‬
‫على الواقع وتطبيقه‪ ،‬فهو بذلك محكوم باألطر الزمانية والمكانية‪.‬‬
‫فالفكر اإلسالمي قد يخطئ ويصيب‪ ،‬فهو غير معصوم‪ ،‬واإلسالم‬
‫معصوم من ذلك كله‪.‬‬
‫الفرق بين اإلسالم وبين الفكر اإلسالمي‪ ،‬هو الفرق بين ما ينسب إلى‬
‫اهلل‪ ،‬ما ينسب لإلنسان‪ ،‬والعالقة بينهما هي عالقة بين شيئين أحدهما قام على‬
‫اآلخر‪ ،‬واعتمد عليه في قيامه ووجوده‪ ،‬ولكن ال على أن يكون مطابقا له تمام‬
‫التطابق(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫(‪ )2‬محمد الغزالي‪ ،‬ليس من اإلسالم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪5155 ،1‬هـ‪5775/‬م)‪،‬‬
‫ص‪.537‬‬

‫‪55‬‬
‫املقدمة‬

‫ولذلك إذا تتبعنا بعض زالت هذا الفكر في بحثنا هنا‪ ،‬فال يعني أنه‬
‫تطاول على الدين‪ ،‬وإنما نحن على قناعة بأن عمليات التصويب واإلقرار‬
‫بالخطأ ال تخدش من قيمة الفكر اإلسالمي بل هي انتصار لإلسالم‪.‬‬

‫أسباب اختيار املوضوع‪:‬‬


‫هناك عوامل عديدة حفزتني على تب ّني هذا الموضوع واختياره‪ ،‬ألخصها‬
‫في ما يأتي‪:‬‬
‫ــ غياب الوضع الناضج لدى األمة اإلسالمية بحقيقة االستشراق‬
‫المعاصر‪ ،‬وهي تخوض معركتها المقدسة والمصيرية‪ ،‬مما انجر عنه تعاقب‬
‫الهزائم على جميع األصعدة والمستويات‪ ،‬واألخطر من ذلك كله أن ينجح‬
‫االستشراق في أن يستهوي كثير من المثقفين العرب والمسلمين‪.‬‬
‫ــ إن الفكر اإلسالمي اليوم لهو في أمس الحاجة إلى أن تتضح صورته‬
‫الناصعة‪ ،‬بتنقية تراثه من أدران عكّرت نقاءه‪ ،‬وأنجع وسيلة لتحقيق ذلك‬
‫تتمثل في إنهاض العقول من ُسباتها وحملها أن تفكر وتتحاور لتطرح جانبا‬
‫العقائد الباطلة‪.‬‬

‫أهداف البحث‪:‬‬
‫ــ المساهمة في تنقية الفكر اإلسالمي من األساطير اإلسرائيلية التي‬
‫كسته برداء من األسطورة‬‫صرفت الناس عن روح هذا الفكر وجوهره‪ ،‬حيث َ‬
‫أمس الحاجة لتحقيق‬‫ومشوها‪ ،‬واألمة اإلسالمية في ِّ‬
‫ّ‬ ‫والخرافة ليبدو مضطربا‬
‫هذه الغاية‪ ،‬فهي تصبو إلى إعادة كتابة تاريخها اإلسالمي‪.‬‬
‫ــ تشجيع دراسة االستشراق المعاصر وما يتصل به من مناهج ولغات في‬

‫‪52‬‬
‫املقدمة‬

‫العالم اإلسالمي بإنشاء مراكز بحثية مختصة‪ ،‬من أجل إثارة الهمم وشحذ‬
‫النفوس وتحصين الفكر‪.‬‬
‫ــ إننا نعاني قصورا في فهم ظاهرة االستشراق المعاصر‪ ،‬وتقييم إمكاناتها‪،‬‬
‫حتى أضحت نظرتنا تتأرجح بين التضخيم واالستهانة‪ .‬ويتم كل هذا بعيدا عن‬
‫المعاينة الحقيقية والدراسة العلمية المختصة‪.‬‬

‫منهج الدراسة‪:‬‬
‫اقتضت طبيعة البحث المتبعة‪ ،‬على أن نستعين بالمنهج التاريخي‪ ،‬من‬
‫أجل تتبع هذه الظاهرة وتطورها عبر التاريخ‪.‬‬
‫أما المنهج الوصفي التحليلي‪ ،‬فقد أفادنا في إيراد الطعون الموجهة‬
‫الصارم‪ ،‬البعيد عن‬
‫للفكر اإلسالمي‪ ،‬حيث ّبي ّنـاها وأردفناها بالنقد العلمي َّ‬
‫الهوى والتحامل‪.‬‬
‫ويأتي المنهج المقارن النقدي ليعيننا في تجلية الحقائق اإلسالمية‬
‫األصيلة‪ ،‬وإدراك القضايا الدخيلة على الفكر اإلسالمي‪ ،‬إللحاقها بأصحابها‬
‫ومروجيها‪.‬‬
‫وثمة مالحظة في غاية األهمية‪ ،‬تتمثل في أننا أثناء عرضنا لآلراء‬
‫االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬تجنبنا قدر اإلمكان ذكر‬
‫األشخاص المسلمين الذين استهوتهم مثل هذه اآلراء‪ ،‬ألن هدفنا من هذا‬
‫البحث ليس التشهير وإلصاق التهم‪ ،‬وإنما غايتنا هي كشف هذه اآلراء وبيان‬
‫اتجاهاتها ومدى تأثيرها في الفكر اإلسالمي المعاصر‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫املقدمة‬

‫خطة البحث‪:‬‬
‫اقتضت طبيعة البحث في هذا الموضوع أن أقسمه كاآلتي‪:‬‬
‫المقدمة‪ :‬تضمنت الحديث عن إشكالية البحث‪ ،‬وأهميته‪ ،‬ثم تطرقت‬
‫إلى أسباب اختيار الموضوع وأهدافه‪ ،‬مع اإلشارة إلى تعريف مصطلحات‬
‫عنوان البحث‪ ،‬والمنهج المتبع‪ ،‬والتطرق إلى الدراسات السابقة‪ ،‬مع تقييم‬
‫المصادر والمراجع‪.‬‬
‫* الفصل األول‪ :‬ماهية االستشراق المعاصر وأنساقه المعرفية‪.‬‬
‫ضمنته مبحثين‪ ،‬تتوزع كاآلتي‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ماهية االستشراق وأنساقه المعرفية‪.‬‬
‫إن الموضوع يحتاج منا في البداية إلى تحديد ماهية االستشراق‪،‬‬
‫والمالبسات التي تتحكم فيه‪ ،‬وهذا يتطلب منا تأصيل هذه الظاهرة عبر‬
‫التاريخ‪ ،‬لنتمكن من تحديد ماهيتها واآلليات التي تتحكم فيها‪ ،‬وتدفع بها‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المبحث الثاني‪ :‬االستشراق المعا صر‪.‬‬
‫يعنى هذا الفصل بتأصيل ظاهرة االستشراق المعاصر وتتبعها مع بيان‬
‫مدى تأثيرها العميق في هذه الدراسات‪.‬‬

‫* الفصل الثاني‪ :‬مناهج االستشراق المعاصر في دراسة القرآن الكريم‬


‫إن الهجمة الشرسة على القرآن الكريم منذ القدم‪ ،‬لم تنته بتراكم ذلك‬
‫الزخم من اإلسرائيليات التي طغت عليه‪ ،‬محاولة منها لتشويه صورته‪ ،‬بل‬
‫بزي جديد تتستر من خالله لبث سمومها‪.‬‬
‫تزيت ّ‬
‫‪51‬‬
‫املقدمة‬

‫ومن أجل اإلحاطة بهذا الموضوع تضمن هذا الفصل المباحث الخمسة‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫ــ المبحث األول‪ :‬اإلسرائيليات وقدسية القرآن الكريم‬
‫ــ المبحث الثاني‪ :‬الترجمة األولية للقرآن الكريم‪.‬‬
‫ــ المبحث الثالث‪ :‬التناقض واالضطراب‪.‬‬
‫ــ المبحث الرابع‪ :‬المؤثرات الدينية السابقة‪.‬‬
‫ــ المبحث الخامس‪ :‬الترتيب الزمني للقرآن الكريم‪.‬‬

‫* الفصل الثالث‪ :‬مناهج االستشراق المعاصر في دراسة السنة النبوية‪.‬‬


‫لم تنته مرحلة الهجوم على السنة قديما بتولي عصر وضع أحاديث‬
‫دسها زنادقة‪ ،‬ونسبوها إلى الرسول ‪ ‬زورا وبهتانا‪ ،‬وإنما‬ ‫مكذوبة‪ّ ،‬‬
‫دخلت مرحلة جديدة جددت فيها سالحها‪ ،‬لتعمل من خالله على تجريد السنة‬
‫النبوية من قدسيتها‪ ،‬والتهوين من شأنها باعتبارها المصدر الثاني للفكر‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫ومن أجل تتبع تداعيات هذه المرحلة الجديدة‪ ،‬توزع هذا الفصل على‬
‫ثالثة مباحث‪:‬‬
‫ــ المبحث األول‪ :‬تفريغ السنة من محتواها‪.‬‬
‫ــ المبحث الثاني‪ :‬تطور السنة‪.‬‬
‫ــ المبحث الثالث‪ :‬نظرية نقد المتن‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫املقدمة‬

‫* الفصل الرابع‪ :‬مناهج االستشراق المعاصر في الدراسات اإلسالمية‬


‫لم يقتصر االستشراق المعاصر على دراسة المصادر‪ ،‬بل تعدى إلى‬
‫وظف مناهجه في دراسة العلوم اإلسالمية‪.‬‬
‫ومنه تضمن هذا الفصل المبحث اآلتية‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مناهج االستشراق المعاصر في دراسة العقيدة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مناهج االستشراق المعاصر في دراسة الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مناهج االستشراق المعاصر في دراسة التاريخ اإلسالمي‪.‬‬

‫* الخاتمـة‪:‬‬
‫رصدت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها من خالل هذا البحث‪،‬‬
‫وأ َ ُ‬
‫تبعت هذه ال ّدراسة بفهرس المصادر والمراجع وفهرس الموضوعات‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن إتمام هذا العمل بهذه الصورة لم‬
‫يكن باألمر السهل‪ ،‬حيث واجهتنا صعوبات جمة‪ ،‬عقدنا العزم بعون اهلل على‬
‫تذليلها تمثلت أساسا في تداخل هذا الموضوع وترابطه بمواضيع كثيرة‪ ،‬مما‬
‫يتعذر في أكثر األحيان التخلص من ظاهرة التكرار‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫‪51‬‬
‫ماهية االسترشاق املعارص‬
‫وأنساقه املعرفية‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫‪5‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫املطلب األول‪ :‬الظاهرة الدينية ونشأة االستشراق‬


‫إن للمؤسسة االستشراقية تأثيرها البالغ في الفكر اإلسالمي المعاصر‪،‬‬
‫فقد أفلح االستشراق في تشكيل بعض العقول اإلسالمية النشطة‪ ،‬وصياغة‬
‫رؤيتها الخاصة عن اإلسالم‪ ،‬مع التمكين لها‪ ،‬ونشر أفكاره على أوسع نطاق‪،‬‬
‫كما يشهد تاريخ االستشراق على أن لونا من االستشراق نجح في ترسيخ تلك‬
‫الكراهية المتجذرة على اإلسالم والمسلمين‪ ،‬ومضى في هذا الطريق وهو في‬
‫سبيل تحقيق ذلك يهيئ كل ما لديه من إمكانيات‪.‬‬
‫إن موجة العداء التي طبعت االستشراق تجاه اإلسالم كانت شديدة‬
‫الصلة بظاهرة الصدام التي ال زمت االستشراق منذ نشأته‪ ،‬وإذ يصعب الوقوف‬
‫عند هذه الظاهرة مع بداية االستشراق فإنها أضحت في حاضر الدراسات‬
‫االستشراقية أمرا بارزا من حيث هي الموجه والمهندس‪.‬‬
‫ولذلك تثار أسئلة في غاية األهمية‪:‬‬
‫لماذا أحجم الباحثون عن الحديث عن ظاهرة الصدام في الدراسات‬
‫االستشراقية؟ على الرغم من أننا نجد أسماء المعة تعلن عداءها لكل ما هو‬
‫ينتمي إلى اإلسالم‪ ،‬يُعزى إليها هندسة الفكر االستشراقي منذ نشأته‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫أال يمكن اعتبار االستشراق التصادمي والذي غ َّذته اإليديولوجيا الصهيونية‬


‫طرفا فاعال في ترسيخ ذلك العداء لإلسالم الذي يطبع الدراسات االستشراقية؟‬
‫وكيف أسهم في تصعيد حدة التوتر بين الغرب واإلسالم؟‬
‫لإلجابة عن هذه األسئلة ينبغي العودة إلى تاريخ االستشراق لتأصيل‬
‫ظاهرة العداء وبيان مدى تأثيرها العميق في الدراسات االستشراقية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم االستشراق‪:‬‬


‫االستشراق أو الدراسات االستشراقية مصطلح أو مفهوم عام‪ ،‬يطلق عادة‬
‫على حركة فكرية واسعة النطاق‪ ،‬متعددة الجوانب ُتعنى بدراسة الحياة‬
‫الحضارية لألمة الشرقية بصفة عامة‪ ،‬ودراسة حضارة اإلسالم بصفة خاصة(‪.)5‬‬
‫ومع أن االستشراق ومجال الدراسات االستشراقية كان مقتصرا في بداية‬
‫ظهوره على دراسة اإلسالم وحضارته‪ ،‬واللغة العربية وآدابها‪ ،‬فإن دائرته‬
‫اتسعت فيما بعد وأضحت تستوعب دراسة الشرق كله‪ ،‬لغاته وأديانه وعاداته‪.‬‬
‫ظل الدين اإلسالمي يستقطب اهتمام المستشرقين في دراساتهم‪.‬‬
‫وإن ّ‬
‫أما مفهوم االستشراق في األدبيات الغربية‪ ،‬فهو يمثل مادة علمية تتعمق‬
‫في دراسة الشعوب الشرقية من خالل لغاتها وتاريخها وحضارتها‪ .‬وبذلك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬إدوارد سعيد‪ ،‬االستشراق‪> ،‬المعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬اإلنشاء<‪ ،‬ترجمة كمال أبو ديب‪،‬‬
‫(بيروت‪ ،‬مؤسسة األبحاث العربية‪ ،‬ط‪5771 ،1‬م)‪ ،‬ص‪ 81‬ــ ‪.85‬‬
‫وعدنان محمد وزان‪ ،‬االستشراق والمستشرقون‪ ،‬وجهة نظر‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫وعلي حسن خربوطلي‪ ،‬المستشرقون والتاريخ اإلسالمي‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دراسات اإلسالم‪،‬‬
‫يصدرها‪ :‬المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬عدد‪ ،555‬السنة‪51 ،51‬جمادى اآلخرة‬
‫‪5371‬هـ‪ 57/‬أغسطس‪5771‬م)‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪21‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫تم تعيين كراسي‬


‫أضحى موضو ُع االستشراق معترفا به أكاديميا‪ ،‬وبموجبه ّ‬
‫األستاذية في كبرى الجامعات الغربية(‪.)5‬‬
‫ولذلك أطلقت كلمة مستشرق على كل من يتخصص في اآلداب الشرقية‬
‫أو اللغات الشرقية‪ ،‬أو المتضلع في تاريخ إحدى الدول الشرقية‪ ،‬أو حتى‬
‫الدارس لسوسيولوجية أو أنثروبولوجية هذه الشعوب(‪.)2‬‬
‫وبهذا ظهرت كلمة مستشرق في اللغة اإلنجليزية في سنة ‪5777‬م‪ ،‬وفي‬
‫الفرنسية ظهر هذا المصطلح عام ‪5777‬م‪ .‬أما األكاديمية الفرنسية فأدخلت في‬
‫قاموسها كلمة استشراق ‪ ORIENTALISM‬عام ‪5837‬م(‪.)3‬‬
‫إن الدراسات االستشراقية مع غزارة مادتها وتشعبها من حيث الكم‬
‫والكيف(‪ .)1‬فإن ما يميزها في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إدوارد سعيد‪ ،‬االستشراق‪> ،‬المعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬اإلنشاء<‪ ،‬ص ‪.81‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫ورودي بارت‪ ،‬الدراسات العربية واإلسالمية في الجامعات األلمانية‪> ،‬المستشرقون‬
‫األلمان منذ تيودور نولدكه<‪ ،‬ص‪ 52‬ــ ‪.53‬‬
‫محمد إبراهيم الفيومي‪ ،‬االستشراق في ميزان الفكر اإلسالمي‪ ،‬ص‪.57‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أليس جوارفيسكي‪ ،‬اإلسالم والمسيحية‪ ،‬ترجمة خلف محمد الجراد‪( ،‬سلسلة كتب عالم‬ ‫(‪)3‬‬
‫المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد‪ ،251‬نوفمبر‪5771‬م)‪ ،‬ص‪ 513‬ــ ‪.511‬‬
‫ولبيان الكم الهائل من المؤلفات االستشراقية فإننا نجد أن عناوين الكتب التي ظهرت في‬ ‫(‪)1‬‬
‫الفترة ما بين عامي ‪5737‬م و‪5717‬م‪ ،‬خاصة بالشرق األدنى قد جمعت في أكثر من‬
‫‪ 2111‬صفحة‪ ،‬وكذلك تصنيف الفهرس اإلسالمي‪ ،‬وهو قائمة تضم الدراسات‬
‫اإلسالمية‪( ،‬بدون ما نشر في شكل كتب) في الفترة ما بين ‪5711‬م و‪5711‬م‪ ،‬زادت على‬
‫‪ 21111‬عنوان‪ .‬ثم ألحق الفهرس بمجلد لألعوام من ‪ 5711‬إلى ‪ 5711‬يضم ما يزيد‬
‫على ‪ 7211‬عنوان‪ .‬فمن الذي يستطيع اإلحاطة بمادة من هذا الحجم؟‬
‫انظر‪ :‬رودي بارت‪ ،‬الدراسات العربية واإلسالمية في الجامعات األلمانية‪> ،‬المستشرقون‬
‫األلمان منذ تيودور نولدكه<‪ ،‬ص ‪.71‬‬

‫‪25‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫عشر ــ فترة تشكل أرضية االستشراق المعاصرة ــ هو أنها أضحت تمثل‬


‫مؤسسة استراتيجية‪ ،‬بدأت تنتظم في نسق واحد يعتمد تقنيات ومناهج محددة‪،‬‬
‫حيث ازدادت فيه أهمية المعرفة المنظمة بالشرق‪ ،‬وهي معرفة دعمتها‬
‫المواجهة االستعمارية‪ ،‬فافتضح أمر االستشراق وانكشفت نواياه(‪ .)5‬وهو ما‬
‫جعل إدوارد سعيد لم يتردد في وصفه بأنه أسلوب غربي للسيطرة على الشرق‬
‫وامتالك السيادة عليه(‪.)2‬‬
‫ومن ثم فإن االستشراق لم يكن نظاما أكاديميا صرفا في عمومه‪ ،‬بل هو في‬
‫أغلبه مشروع غربي‪ ،‬يعنى بمعرفة الشرق من قبل الغرب ليتمكن من إخضاع‬
‫شعوبه والسيطرة عليهم‪ ،‬ويعترف بذلك بارت(‪ )3‬قائال‪« :‬ال يعيش المستشرقون‬
‫في الفراغ‪ ،‬شأنهم في ذلك شأن ممثلي األفرع األخرى في الدراسات‪ ،‬بل‬
‫يضعون أنفسهم ــ وإن بدا عملهم شبيها بعمل العلماء الخاصة شبها كبيرا ــ في‬
‫يمولهم ويشجعهم»(‪.)1‬‬
‫خدمة المجتمع الذي ينتمون إليه‪ ،‬والذي ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إدوارد سعيد‪ ،‬االستشراق‪> ،‬المعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬اإلنشاء<‪ ،‬ص ‪.73‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 235‬ــ ‪.232‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫بارت رودي‪ 5715( RUDI PARET ،‬ــ ‪5783‬م) مستشرق ألماني‪ ،‬ترجم القرآن الكريم‬ ‫(‪)3‬‬
‫إلى األلمانية‪ ،‬ولد في ‪ 3‬أفريل ‪ 5715‬بجنوبي ألمانيا‪ ،‬من أسرة مسيحية متدينة‪ .‬وتتلمذ‬
‫بجامعة توبنجن حتى تحصل على الدكتوراه األولى‪ ،‬في سنة ‪5721‬م‪ .‬ثم على الدكتوراه‬
‫للتدريس في الجامعة سنة ‪ ،5721‬وفي سنة ‪ُ 5715‬ع ّين أستاذا للعلوم اإلسالمية‬
‫والساميات بجامعة بون‪ .‬وانخرط في خدمة الجيش سنة ‪ ،5715‬وظل في األسر حتى سنة‬
‫‪5711‬م‪ .‬وفي سنة ‪ُ 5715‬ع ّين أستاذا لإلسالميات في جامعة توبنجن‪ ،‬حتى أحيل على‬
‫التقاعد في ‪5718/7/31‬م‪ .‬وتوفي في يناير ‪ .5783‬إثر مرض‪.‬‬
‫وقد ترك مصنفات عديدة حول اإلسالم‪ ،‬منها >محمد والقرآن<‪ ،‬و>اإلسالم والتراث‬
‫الثقافي اليوناني<‪.‬‬
‫انظر‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص ‪ 12‬ــ ‪.13‬‬
‫رودي بارت‪ ،‬الدراسات العربية واإلسالمية في الجامعات األلمانية‪> ،‬المستشرقون األلمان=‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪22‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫ثانيا‪ :‬أصل نشأة االستشراق‪:‬‬


‫إذا كان من الصعوبة بمكان التعرف بشكل دقيق على تاريخ نشأة‬
‫االستشراق وأسباب ظهوره‪ ،‬حيث أثير حول هذه المسألة الكثير من الجدل‬
‫والنقاش بين المؤرخين والباحثين‪ ،‬فمن المؤكد أن القساوسة ورجال الدين‬
‫المسيحيين يمثلون طالئع المستشرقين‪ ،‬وأساتذتهم منذ ظهوره وبروزه على‬
‫الساحة الفكرية(‪.)5‬‬
‫ولذلك يكاد يتفق الباحثون على أن االستشراق ولد في أحضان األديرة‬
‫ملحا في نشأة االستشراق ودفعه‬
‫ظل الدافع الديني عامال ّ‬ ‫والكنائس‪ ،‬وبذلك ّ‬
‫قدما نحو تحقيق أهداف مقصودة‪ .‬هذا ما يعبر عنه محمد عبد اهلل الشرقاوي في‬
‫ً‬
‫قوله‪« :‬مالك القول إذًا‪ ،‬أن االستشراق ولد أوال في سراديب األديرة‬
‫والكنائس‪ ،‬ووظفه المستشرقون من رجال الدين في الغرب لتحقيق هدفهم في‬
‫محاربة اإلسالم باالفتراء الحاقد عليه‪ ،‬والدس الرخيص والكذب في محاولة‬
‫لطمس وتسوية حقائقه‪ ،‬ووضع الحواجز والسدود بين الشعب األوروبي وتفهم‬
‫اإلسالم الصحيح‪ .‬وقد نجح هؤالء في تحقيق أغراضهم‪ ،‬وحرموا العالم‬
‫الغربي من نعمة اإلسالم وهديه»(‪.)2‬‬
‫أثر المسيحية في نشأة االستشراق بارزا‪ ،‬فلماذا لم تحظ اليهودية‬
‫إذا كان ُ‬
‫بقدر كاف من تسليط الضوء في هذا المجال؟‬
‫امتهان اليهود للوساطة العلمية بين الشرق والغرب‪:‬‬
‫أثر اليهود في االستشراق مبكرا‪ ،‬منذ أول لقاء بين الغرب والشرق‪،‬‬
‫برز ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= منذ تيودور نولدكه<‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫(‪ )5‬ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )2‬االستشراق في الفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬ص‪.14‬‬

‫‪23‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫حيث اضطلع الباحثون اليهود بدور الوساطة في نقل التراث اإلسالمي إلى‬
‫الغرب‪ ،‬مع التعليق عليه‪ ،‬ومحاولة تشويهه‪ .‬وقد شكّل هذا مادة ضخمة‬
‫أضحت األرضية التي قامت عليها الدراسات االستشراقية فيما بعد(‪.)5‬‬
‫إننا إذا سلمنا بمقولة المستشرق األلماني بارت في تاريخه لبداية‬
‫الدراسات العربية واإلسالمية في الغرب إلى سنة ‪5513‬م‪ ،‬حيث اكتملت ترجمة‬
‫القرآن الكريم ألول مرة إلى اللغة الالتينية بتوجيه من الراهب بطرس المبجل(‪.)2‬‬
‫فإن الممارسة الفعلية لهذه الترجمة تولت القيام بها شخصيات يهودية(‪.)3‬‬
‫ليس من شك أن مدارس الترجمة التي شهدها الغرب كانت هي بحث‬
‫نهاية عصر الظالم في الغرب‪ ،‬حيث تم نقل صفوة نتاج العقل اإلسالمي ونظرياته‬
‫إلى اللغات الالتينية والعبرية وغيرها‪ ،‬حيث تمكن األوروبيون من االطالع على‬
‫ذخائر الثقافة اإلسالمية‪ .‬وعلى أساسها أقاموا حضارتهم الحديثة(‪.)1‬‬
‫هذا المعنى يعبر عنه عبد المتعال محمد الجبري في قوله‪« :‬كل ما نقله‬
‫المستشرقون عن العرب المحور الذي تحركت حوله األفكار التي نشأت عنها‬
‫حركات النهضة في أروبا منذ أواخر القرن الخامس عشر الميالدي»(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫االستشراق في الفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫رودي بارت‪ ،‬الدراسات العربية واإلسالمية في الجامعات األلمانية‪> ،‬المستشرقون األلمان‬ ‫(‪)2‬‬
‫منذ تيودور نولدكه<‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫محمد عبد اهلل الشرقاوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫محمد ياسين عريبي‪ ،‬االستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي‪> ،‬نقد العقل التاريخي<‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫(الرباط‪ ،‬منشورات المجلس القومي للثقافة العربية‪ ،‬ط‪5775 ،5‬م)‪ ،‬ص‪.537‬‬
‫االستعمار وجه لالستعمار الفكري‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪5151 ،5‬هـ‪5771/‬م)‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ص‪.11‬‬

‫‪21‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫لقد تنافس المثقفون اليهود في اقتناء الكتب وجمع المصادر العربية‬


‫لترجمتها‪ ،‬وقد اتخذ إقبالهم على الترجمة شكال علميا ومنظما‪ ،‬حيث برزت‬
‫أسر يهودية بكاملها في األندلس تجيد اللغة العربية‪ ،‬فتخصصت في الترجمة‬
‫تنوه بإعجاب وتقدير‬‫للتراث العربي‪ ،‬ولذلك ال زالت الذاكرة االستشراقية ّ‬
‫بأعمال موسى بن حيون لترجمته لكتب ابن رشد(‪ ،)5‬وكتاب القانون الصغير‬
‫البن سينا‪ ،‬وترجمته لكتاب العناصر إلقليدس من اللغة العربية‪ ،‬وكتاب‬
‫الترياق للرازي(‪ .)2‬وكذلك الدور الذي اضطلع به >ابن فالتير< بالتعاون مع‬
‫أحد أفراد أسرته في نقل وترجمة العديد من األعمال الفلسفية‪ ،‬وفي طليعتها‬
‫أعمال ابن رشد(‪.)3‬‬
‫كما اشتهر في ميدان الترجمة اليهودي >كولونيموس ماير< حيث نقل‬
‫تهافت التهافت إلى الالتينية‪ ،‬أما >كالونيموس داود بن تودور< فقد ترجم‬
‫بعنوان >هباال ها هباال< إلى الالتينية(‪.)1‬‬
‫وهكذا تتابعت الترجمات للكتب العربية وإعادة تحقيقها من قِبل‬
‫المثقفين المشتغلين باليهودية(‪ .)1‬هؤالء هم من نعتبرهم بالفعل طالئع‬
‫المستشرقين‪ .‬وقد أبان إدوارد سعيد عن هذا المجد العلمي الكبير مؤكدا تمكن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫محمد ياسين عريبي‪ ،‬االستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي‪.111 ،‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.11‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫محمد ياسين عريبي‪ ،‬االستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي‪ ،‬ص‪.111‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 111‬ــ ‪.111‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫يعترف المؤرخ دي سـي السي أوليري‪ ،‬بأن جميع التجارب العقلية للجماعة اإلسالمية قد‬ ‫(‪)1‬‬
‫تردد صداها بين اليهود عن طريق الترجمة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الفكر العربي ومركزه في التاريخ‪ ،‬ترجمة إسماعيل البيطار‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اللبناني‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ ‪1941‬م)‪ ،‬ص‪ 110‬ــ ‪.111‬‬

‫‪21‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫القوم من ناصية الترجمة في قوله‪« :‬لقد كان مستشرقو النهضة مختصين في‬
‫لغات األقاليم التوراتية‪ ،‬مع أن >بوستل< كان يفتخر بأنه يستطيع عبور آسيا‬
‫وبلوغ الصين دون مترجم‪ ،‬وقد كان المستشرقون بشكل عام حتى منتصف‬
‫القرن الثامن عشر باحثين في التوراة‪ ،‬أو دارسين للغات السامية‪ ،‬أو مختصين‬
‫باإلسالم‪ ،‬أو مختصين بالصين»(‪.)5‬‬
‫اتسمت ترجمات اليهود في معظمها بالتشويه والتلفيق‪ ،‬فوردت إلينا‬
‫بعض الكتب منقوصة عم ًدا‪ ،‬وأخرى تحوي مقدمات سجلوا فيها تصوراتهم‬
‫عن اإلسالم‪ .‬ناهيك عن استغاللهم لتسامح اإلسالم‪ ،‬حيث كانوا يترجمون‬
‫كتب العلوم وينسبونها إلى أحبارهم وحاخاماتهم(‪.)2‬‬

‫وهكذا تجلَّى ال ّد ُ‬
‫ور الخطير الذي لعبته حركة الترجمة اليهودية في تشويه‬
‫حقائق اإلسالم‪ ،‬ثم نقلها إلى الغرب‪ ،‬مما أسهم في تصعيد حدة التوتر بين‬
‫اإلسالم والغرب‪ .‬وهذا فضال عن أنها كانت وسيلة تجسس على المسلمين‬
‫حيث وضع المترجمون اليهود المتعصبون كل إمكاناتهم لخدمة االستعمار‬
‫الح ًقا‪ .‬هذا ما يعترف به المؤرخ اليهودي >صموئيل أتينجر< بأن الفرنسيين‬
‫إبان احتاللهم للجزائر سنة ‪5831‬م‪ ،‬كانت معلوماتهم عن الجزائر ضحلة‬
‫للغاية‪ ،‬فاستعانوا باليهود في مجال الترجمة للتعرف على تلك المنطقة(‪.)3‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬إدوارد سعيد‪ ،‬االستشراق‪> ،‬المعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬اإلنشاء<‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫(‪ )2‬محمد ياسين عريبي‪ ،‬االستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )3‬اليهود في البلدان اإلسالمية >‪ 5811‬ــ ‪ ،<5711‬ص‪.311‬‬

‫‪21‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫املطلب الثاني‪ :‬االستشراق الصهيوني‬

‫جرت العادة في تصنيف طبقات المستشرقين إلى أنماط ثالثة‪ ،‬فإما من‬
‫الناحية الزمانية‪ ،‬وتبدأ منذ قيام حركة االستشراق‪ ،‬وإما من الناحية المكانية‪،‬‬
‫وذلك بحسب انتماءاتهم الوطنية أو القومية‪ ،‬وإما من حيث االتجاه العام في‬
‫دراساتهم وأطروحاتهم(‪.)5‬‬
‫مهم من‬
‫والمالحظ في أدبيات االستشراق أنها أهملت الحديث عن رافد ّ‬
‫روافد االستشراق‪ ،‬وهو االستشراق العدائي‪ ،‬وتغاضت عن تصنيف‬
‫المستشرقين وفق هذا المعيار‪ ،‬مع أن المكتبة االستشراقية تعج بحشد كبير من‬
‫دراساتهم وكتاباتهم العدائية لإلسالم عقيدة وشريعة وحضارة‪.‬‬
‫وفي محاولة لبيان جهود المستشرقين العدائيين لإلسالم في تفعيل‬
‫الحركة االستشراقية وتنشيطها‪ ،‬وإيجاد تفسير إلهمال المراجع عن تناولهم‬
‫واإلشارة إليهم‪ ،‬يعتقد األستاذ محمد حمدي زقزوق «أن السبب يرجع إلى أن‬
‫يكيفوا أنفسهم ليصبحوا عنصرا أساسيا في‬‫المستشرقين اليهود استطاعوا أن ّ‬
‫الحركة االستشراقية األوروبية المسيحية‪ ،‬فقد اقتحموا الميدان بوصفهم‬
‫األوروبي ال بوصفهم اليهودي‪ ،‬حتى ال ينكشف أمرهم‪ ،‬وبالتالي يقل تأثيرهم‪.‬‬
‫وبذلك أصبحوا طرفا فاعال في الحركة االستشراقية كلها‪ ،‬فاندفعوا في تحقيق‬
‫أهدافهم في النيل من اإلسالم‪ .‬وهي أهداف تلتقي مع أهداف غالبية‬
‫المستشرقين المسيحيين»(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد إبراهيم الفيومي‪ ،‬االستشراق في ميزان الفكر اإلسالمي‪ ،‬ص ‪ 21‬ــ ‪.21‬‬
‫(‪ )2‬االستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري‪ ،‬ص‪.19‬‬

‫‪27‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫إن طبيعة العالقة التي تربط رهطا من المستشرقين هي وحدها الكفيلة‬


‫بتحديد نوعية االستشراق‪ ،‬هذا األخير الذي يكون موضوعه محددا وموجها‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك يمكن لنا رصد االستشراق التصادمي أو الصهيوني وفهم‬
‫طبيعته من خالل التعرف على الرابطة المشتركة‪ ،‬وما يمكن أن يتمخض عنها‬
‫من وحدة في الموضوع‪ .‬وهذا ما نتناوله فيما يأتي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الرابطة املشرتكة‪:‬‬


‫إن تحديد طبيعة االستشراق ونوعيته تكمن أصال في الكشف عن البعد‬
‫اإليديولوجي الذي يدعمه ويوجهه‪ ،‬فقد يحصل أن يتفق ثلة من المستشرقين‬
‫حول العديد من القضايا والمسائل بالرغم من االختالف بين جنسياتهم‬
‫ودولهم‪ ،‬وبالمقابل قد يتنازع جماعة من المستشرقين حول قضايا مع ما‬
‫يجمعهم من جنسية واحدة أو انتمائهم إلى مدرسة واحدة‪.‬‬
‫وإذا أخذنا االستشراق األلماني نموذجا‪ ،‬باعتبار ما يشاع عنه أنه انفرد‬
‫عن بقية المدارس االستشراقية بغلبة المنهج العلمي على أبحاثه‪ ،‬والتي تتسم‬
‫غالبا بالموضوعية‪ ،‬فإن المستشرق األلماني بارت في تقييمه لالستشراق‬
‫األلماني يجرده من هذه الميزة‪ ،‬بحيث اعتبر أن المستشرقين منذ عهد نولدكه‬
‫لم يكونوا مستقلين استقالال ذاتيا‪ ،‬وهم كزمالئهم المستشرقين من األمم‬
‫توجه‬
‫األخرى‪ .‬فاالستشراق أضحى مسألة عالمية تخضع الستراتيجية محددة‪ّ ،‬‬
‫الدراسات االستشراقية لخدمة األهداف المرسومة(‪.)5‬‬
‫ولهذا يعتقد بارت بأنه من التعسف حيال الموضوع أن يظن المرء أن في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬رودي بارت‪ ،‬الدراسات العربية واإلسالمية في الجامعات األلمانية‪> ،‬المستشرقون األلمان‬
‫منذ تيودور نولدكه<‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪28‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫إمكان أحد أن يتناول جهود األلمان على أنها مطلقة‪ ،‬وأن يفصلها عن ارتباطها‬
‫باألوشاج واألربطة العالمية(‪.)5‬‬
‫فالغالب ما يكون للمستشرق الفرد بأقرانه األجانب عالقات أوثق من‬
‫عالقاته بالمستشرقين من أهل بلده‪ ،‬وأسطع مثال يذكره >بارت< في هذا‬
‫المقام‪ ،‬هي تلك العالقات الحميمة التي تربط بين >جولد زيهر< المجري‬
‫اليهودي‪ ،‬و>كريستان سنوك هرجرونجه<(‪.......................... )2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنوك هرجرونجه ‪ 1411( SNOUCK HERGRONJE‬ــ ‪)1916‬‬
‫يعد سنوك هرجرونجه المولود بهولندا‪ ،‬أحد المؤسسين الرئيسيين للدراسات اإلسالمية في‬
‫الغرب األوروبي‪ .‬تعلم في ليدن على دي فريه‪ ،‬وفي ستراسبورغ على نولدكه‪ ،‬وفي نوفمبر‬
‫عام ‪ 1419‬حصل على الدكتوراه برسالة عنوانها >موسم الحج في مكة< وفيها ّبين أهمية‬
‫الحج في اإلسالم‪ ،‬وخلص في هذه الدراسة إلى القول بأن الحج اإلسالمي هو بقية من‬
‫بقايا الوثنية العربية‪.‬‬
‫وفي عام ‪1441‬قام برحلة إلى الجزيرة العربية‪ ،‬فأقام في جدة‪ ،‬بين أغسطس ‪1441‬حتى‬
‫فبراير ‪1441‬م‪ ،‬استعدادا لزيارة مكة المكرمة‪ .‬وهي غايته من هذه الرحلة‪ .‬وقد نجح في‬
‫الوصول إلى مكة في يوم ‪11‬فبراير ‪1441‬تحت اسم مستعار هو عبد الغفار‪ ،‬وأقام بمكة‬
‫حوالي ستة أشهر‪ ،‬كانت ثمرتها كتابه الرئيس عن مكة‪ ،‬ولكنه طرد من مكة في شهر‬
‫أغسطس‪.‬‬
‫وبعد رجوعه إلى ليدن تولى التدريس‪ ،‬ومع بداية ‪1449‬م عمل في خدمة إدارة‬
‫المستعمرات الهولندية في إندونيسيا‪ ،‬وفي يناير عام ‪ 1901‬عين مستشارا للحكومة‬
‫الهولندية في الشؤون العربية الداخلية‪.‬‬
‫ومع تنوع نشاطاته من تدريس في الجامعة أو العمل في السياسة‪ ،‬ترك مؤلفات ضخمة في‬
‫الدراسات اإلسالمية‪ ،‬حتى اعتبر عميد العربية بعد جولدزيهر‪ .‬وفي طليعة رواد دراسات‬
‫الفقه اإلسالمي واألصول والحديث والتفسير‪.‬‬
‫من أهم مؤلفاته‪> :‬الحج إلى مكة<‪> ،‬الفقه اإلسالمي<‪> ،‬محاضرات عن اإلسالم< ألقاها‬
‫في أمريكا عام ‪ 1911‬ــ ‪1911‬م‪ .‬إلى جانب العديد من المقاالت التي نشرت في مجلة=‬

‫‪27‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫الهولندي البروتستاني(‪.)5‬‬
‫إن طبيعة العالقات التي تربط بين شخصين‪ ،‬أحدهما يهودي متعصب‬
‫لبني قومه‪ ،‬واآلخر بروتستاني س َّخر نفسه لخدمة األهداف االستعمارية‪ ،‬تتمثل‬
‫في التطابق اإليديولوجي الذي تشكله التقاء المفاهيم األساسية والمصالح‬
‫االستراتيجية‪ ،‬المنبثق عنها الوضع الحضاري الغربي الصهيوني‪.‬‬
‫فمن المؤكد أن اليهودية الصهيونية استطاعت أن تلتقي بالفكر الغربي‬
‫الذي مثلَّه االستعمار التقاء تعاطف وتعاون في بداية األمر‪ ،‬ثم التقاء احتواء‬
‫والتهام بعد ذلك إبان تهويد المسيحية وانبثاق البروتستانتية‪.‬‬
‫وينبغي التذكير هنا بأن االستشراق الصهيوني ال نعني به أولئك المستشرقين‬
‫اليهود المتعصبين فحسب‪ ،‬بل إن القائمة تتسع لتشمل كل المستشرقين‬
‫المسيحيين المتهودين‪ ،‬ونقصد المعتنقين للمذهب البروتستاني‪ ،‬أولئك الذين‬
‫مطية يركبونها لتحقيق أهدافهم‪.‬‬
‫اتخذهم اليهود َّ‬
‫ويتضح البعد اإليديولوجي أكثر‪ ،‬عند محاولة ال ّتعرف على الرؤية‬
‫الموحدة لالستشراق تجاه اإلسالم بصفة خاصة‪ .‬فيرى إدوارد سعيد بأن‬
‫المستشرقين قد يختلفون فيما بينهم‪ ،‬ولكن إذا تعلق األمر بدراسة اإلسالم‬
‫فإنهم يتغاضون عن خالفاتهم ويجتمعون على عدائه ومقته‪.‬‬
‫وفي محاولة لتتبع البعد اإليديولوجي الذي يوجه هذه الدراسات‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= تاريخ األديان‪ .‬وتوفي في ليدن في ‪16‬يوليو ‪1916‬م‪.‬‬
‫انظر‪ :‬نجيب العقيقي‪ ،‬المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 111‬ــ ‪.116‬‬
‫و‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص‪ 111‬ــ ‪.111‬‬
‫(‪ )5‬رودي بارت‪ ،‬الدراسات العربية واإلسالمية في الجامعات األلمانية‪> ،‬المستشرقون األلمان‬
‫منذ تيودور نولدكه<‪ ،‬ص ‪ 19‬ــ ‪.10‬‬

‫‪31‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫العدائية‪ ،‬يستند إلى دراسة يصفه بال َّذكية جدا لالستشراق‪ ،‬قام بها المستشرق‬
‫جاك فاردنبرغ بعنوان اإلسالم في مرآة الغرب‪ ،‬اكتنا ًها لخمسة من كبار‬
‫المستشرقين المجسدين لصورة عدائية عن اإلسالم‪ ،‬وهم‪ :‬أجناس‬
‫جولدزيهر‪ ،‬ودنكي بالك ماكدونالد(‪ ،)5‬سنوك هرجرونجه‪ ،‬ماسينيون(‪،)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ماكدونالد بالك ‪ 1461( DUNCAN BLACK MACDONALD‬ــ ‪.)1911‬‬
‫مستشرق أمريكي اإلقامة‪ ،‬بريطاني المولد والنشأة‪ .‬ولد في جالسجو‪ .‬لعب دورا هاما في‬
‫الترويج للتبشير بالمسيحية كما أسهم في إعداد المبشرين في مدرسة كندي لإلرساليات‬
‫التبشيرية البروتستانتية‪.‬‬
‫له مؤلفات عديدة تتسم بالتجريح‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫>أوجه اإلسالم<‪> ،‬الموقف الديني والحياة الدينية في اإلسالم<‪ ،‬كما كتب عدة دراسات‬
‫ُتعلي من شأن اليهودية باعتباره من المسيحيين المتمردين‪ .‬من أهمها‪> :‬العبقرية األدبية‬
‫العبرية<‪> ،‬العبقرية الفلسفية العبرية<‪ .‬توفي سنة ‪1911‬م‪.‬‬
‫انظر‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫(‪ )2‬لويس ماسينيون ‪ 1441( LOIS MASSIGNON‬ــ ‪)1961‬‬
‫ولد في ‪ 11‬يوليو ‪1441‬في ضواحي باريس‪ ،‬وعرف عنه منذ نعومة أظفاره حبه الشديد‬
‫مهد له‬
‫للفن‪ ،‬وله في هذا الباب إشارات رائعة‪ ،‬وبخاصة فيما يتعلق بالفن اإلسالمي‪ ،‬مما ّ‬
‫للتعرف على الجانب الروحي في اإلسالم‪ .‬إلى جانب ذلك ُشغف بالرحالت منذ شبابه‪،‬‬
‫فسافر إلى الجزائر عام ‪ ،1901‬وعاد بعدها إلى باريس لمتابعة دراساته الجامعية‪ ،‬فحصل‬
‫على الليسانس في اآلداب‪ ،‬ثم سافر إلى مراكش في ‪ ،1901‬وكتب بحثا موجزا نال به‬
‫دبلوم الدراسات العليا في السوربون بقسم العلوم الدينية‪ ،‬وتحصل على دبلوم في اللغة‬
‫العربية الفصحى والعامية من المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية عام ‪.1906‬‬
‫ومنذ ذلك الحين بدأ اهتمامه بالدراسات الشرقية‪ ،‬فاشترك في المؤتمر الدولي الرابع عشر‬
‫للمستشرقين الذي انعقد في ‪ 1901‬بالجزائر‪ ،‬وثمة تعرف على جولدزيهر‪.‬‬
‫وحياته زاخرة بالتدريس والتأليف‪ ،‬وقد تولى التدريس بالجامعة المصرية عام ‪ 1910‬بتزكية‬
‫من جولدزيهر‪ ،‬واسنوك هو وجرونجيه‪ ،‬وتتلمذ عليه طه حسين‪ ،‬وتولى تحرير مجلة العالم‬
‫=‬ ‫اإلسالمي في ‪.1919‬‬

‫‪35‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫وكارل بيكر(‪.)5‬‬
‫وتخلص هذه الدراسة إلى نتيجة في غاية األهمية‪ ،‬هي أن االختالفات‬
‫ُ‬
‫البارزة بين مناهج هؤالء المستشرقين تغدو في النهاية أقل أهمية من إجماعهم‬
‫االستشراقي على طبيعة اإلسالم بوصفها(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وترك مؤلفات عديدة خاصة في التصوف‪ ،‬وكانت رسالته للدكتوراه حول الحالج‪ ،‬وظل‬
‫على هذه الحال من الحيوية والنشاط‪ ،‬حتى توفي في ‪ 11‬أكتوبر ‪.1961‬‬
‫انظر‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص‪ 119‬ــ ‪.111‬‬
‫(‪ )5‬كارل هاينرش باكر ‪KARL HEINRICH BEKKER‬‬
‫مستشرق ألماني وسياسي بارز‪ ،‬ولد في ‪ 11‬أفريل ‪1416‬م‪ ،‬من أسرة تنتمي إلى الطبقة‬
‫االرستقراطية‪ .‬قضى بكر أيام دراسته الثانوية في فرانكفورت‪ ،‬ثم دخل جامعة لوزان أوال‪،‬‬
‫ثم من بعد درس في هيدنبرج‪ ،‬وبرلين‪ ،‬وأخيرا رجع إلى هيدنبرج‪ ،‬فاستمر بها حتى حصل‬
‫على الدكتوراه األولى‪ ،‬عام ‪ .1499‬وعرف عنه ولع شديد بعلم الالهوت‪ ،‬وقضاياه مما‬
‫دفعه إلى البحث في تاريخ األديان بصفة عامة‪ ،‬وتاريخ اإلسالم بصفة خاصة‪.‬‬
‫ومن أجل الوقوف على حقيقة اإلسالم زار عديدا من الدول العربية أهمها مصر‪ ،‬وفيها‬
‫اتصل باألستاذ محمد عبده‪ ،‬وقد تأثر بأبحاث جولدزيهر‪ ،‬فكان لها النصيب األوفر في‬
‫تكوينه‪ ،‬وكذلك المستشرق هرجرونجه‪ ،‬الذي استفاد من دراسات االستعمارية للبالد‬
‫اإلسالمية‪ .‬ولذلك انتقل بكر من األستاذية إلى العمل في السياسة لخدمة بالده‪ ،‬وبذلك‬
‫اشتغل بالمسائل الشرقية السياسية التي وجهت إليها الحكومة األلمانية عناية خاصة‪ ،‬إبان‬
‫الحرب العالمية األولى‪.‬‬
‫واعترافا بما قدمه هذا المستشرق للسياسة االستعمارية من أبحاث توجته بالده ليكون وزيرا‬
‫سنة ‪.1911‬‬
‫ومع ذلك لبث يدير مجلة >اإلسالم< التي أسسها‪ ،‬والتي تتبوأ مكانة بارزة ضمن مجالت‬
‫المستشرقين‪ ،‬وكان يشترك في مؤتمرات المستشرقين‪ .‬وبعد أن غادر الوزارة عاد يُعنى‬
‫بالدراسات العلمية في باب االستشراق‪ .‬وظل كذلك حتى توفي يوم ‪ 10‬فبراير ‪.1911‬‬
‫انظر‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص‪ 111‬ــ ‪.116‬‬
‫(‪ )2‬إدوارد سعيد‪ ،‬االستشراق‪> ،‬المعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬اإلنشاء<‪ ،‬ص ‪.110‬‬

‫‪32‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫ثم أردف إدوارد سعيد معلقا بقوله‪« :‬إن لهذه الدراسة فضيلة إضافية هي‬
‫أنها تظهر أن هؤالء الباحثين الخمسة اشتركوا في تراث فكري ومنهجي كانت‬
‫وحدته فعال عالمية»(‪.)5‬‬
‫وأعتقد أن إدوارد سعيد قد ّلمح إلى الدور الصهيوني في القضية بكثير‬
‫من الذكاء‪ ،‬حينما أقر بأن هذه الدراسة لم تؤكد بدرجة ثانية أن معظم‬
‫المستشرقين في أواخر القرن التاسع عشر كانوار مشدودين إلي بعضهم بعضا‬
‫سياسيا كذلك(‪.)2‬‬
‫والمالحظ أنه إضافة إلى تميز االستشراق الصهيوني بعالقة وطيدة‪ ،‬فإن‬
‫وحدة الموضوع المطروق واحد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬وحدة املوضوع‬


‫يتفق االستشراق العدائي أو الصهيوني على إثارة مواضيع محددة‪ ،‬هدفها‬
‫التشكيك في اإلسالم والتوهين من شأنه‪.‬‬
‫وسنتعرض الحقا للمسألة التي أثارها المستشرقون حول أصالة اإلسالم‪،‬‬
‫بحيث اعتنوا في دراستهم بما ُعرف عندهم بأصول ومصادر اإلسالم‪ ،‬وأنها‬
‫تعود إلى اليهودية والمسيحية وغير ذلك‪.‬‬
‫ومع تهافت هذه المسألة‪ ،‬لكن معظم المستشرقين ال زالوا يجمعون‬
‫عليها في تسليم غريب بصحتها‪ ،‬كأنها من المتواترات التاريخية المؤكدة‪.‬‬
‫فتتحدث عائشة عبد الرحمن عن مهمة االستشراق الصهيوني‪ ،‬وأنه قذف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 221‬ــ ‪.225‬‬

‫‪33‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫الفكر اإلسالمي المعاصر ببدع من تأويالت عصرية للقرآن مشحونة‬


‫باإلسرائيليات‪ ،‬تزين للناس أن يأخذوا دينهم بتأويل علماء هذا الزمان(‪.)5‬‬
‫وبهذا يعمد هذا االستشراق إلى تحريك اإلسرائيليات إلى موضع جديد‪.‬‬
‫ثم تضيف األستاذة بنت الشاطئ بأنهم ينقلونها من حواشي كتب التفسير‬
‫وأشتات التراث البعيدة عن التناول العام‪ ،‬والمرسلة بغير توثيق‪ ،‬فيردونها على‬
‫وجه التدليس الخفي إلى نصوص من مصادر يهودية تشد إليها وثاق القرآن‬
‫الكريم والسنة النبوية والفقه‪ ،‬وذلك لتأكيد مقولتهم الفاحشة اإلسالم كل‬
‫بضاعة يهودية(‪.)2‬‬
‫واألخطر من هذا كله كما تذكر األستاذة أن هذه اإلسرائيليات اجتاحت‬
‫الفكر االستشراقي كله‪ ،‬وبذلك استطاعت أن تنتقل من كتب المستشرقين‬
‫المعزولة عن الجماهير اإلسالمية إلى كتب عصرية بأقالم مسلمين شرقيين‪،‬‬
‫تحت قناع التجديد والعصرنة(‪.)3‬‬
‫تتمحور عناصر االستشراق الصهيوني غالبا فيما يأتي‪:‬‬
‫ــ التشكيك في أصالة اإلسالم بالطعن في مصدريه القرآن الكريم والسنة‬
‫النبوية‪ ،‬والحط من شأن الرسول الكريم‪.‬‬
‫ــ إثارة العداء والحقد على اإلسالم‪ .‬فمن المؤكد أن المستشرقين يتحملون‬
‫مسؤولية تشكيل موقف العداء التقليدي الذي يقفه الغرب ضد اإلسالم‪ .‬كما أنهم‬
‫يتحملون مسؤولية تصعيد حدة التوتر بين المسيحية واإلسالم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬اإلسرائيليات في الغزو الفكري‪ ،‬ص‪.513‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 111‬ــ ‪.116‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.111‬‬

‫‪31‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫ــ حماية الغرب من تأثير اإلسالم وافتتان المثقفين بتعاليمه‪ ،‬وذلك‬


‫بحجب حقائقه عنهم عن طريق التشويه والتحريف‪.‬‬
‫ــ وتبعا لما تقدم نخلص إلى أن دراسة النص االستشراقي يُعنى‬
‫البعد اإليديولوجي الذي يعتقد أنه كان يتحكم في تحيز‬
‫بالضرورة استحضار ُ‬
‫الموضوعات‪ ،‬ويعمد إلى توجيه البحوث لتتوافق مع األهداف المحددة‪.‬‬
‫ــ ونعتقد في األخير أن االستشراق العدائي يشغل حيزا كبيرا في‬
‫الدراسات االستشراقية‪ ،‬وأن أرضيته تشكلت من قِبل أقطاب المستشرقين‬
‫اليهود‪ ،‬أمثال جولد زيهر(‪ ،)5‬الذي يُع ّد األب الروحي لجيل من المستشرقين‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬اجناس جولدزيهر ‪ 1410( EGNAZ GOLDZIHER‬ــ ‪)1911‬‬
‫ولد في ‪11‬يونيو ‪ 1410‬بالمجر‪ ،‬من أسرة يهودية ذات قيمة وشأن كبير‪.‬‬
‫درس في برلين سنة ‪ ،1469‬ثم انتقل إلى جامعة ليتسليك‪ ،‬وكان فيها أستاذا في الدراسات‬
‫الشرقية >فليشر<‪ ،‬وعلى يده تحصل جولدزيهر على الدكتوراه األولى سنة ‪ ،1410‬وكانت‬
‫رسالته عن شارح يهودي في العصور الوسطى للتوراة‪ ،‬هو نتحوم أورشليمي‪ ،‬ثم رجع إلى‬
‫بودابست‪ُ ،‬فع ّين مدرسا مساعدا في جامعتها سنة ‪ ،1411‬ولكنه لم يستمر في التدريس‬
‫طويال‪ ،‬ثم أرسل في بعثة علمية إلى الخارج ثم تنقل إلى الشرق فأقام بسوريا عام ‪،1411‬‬
‫فصحب فيها الشيخ طاهر الجزائري مدة‪ ،‬ثم تركها إلى فلسطين ومصر (‪ 1411‬ــ ‪)1411‬‬
‫بزيهم‪.‬‬
‫متسترا ّ‬
‫ً‬ ‫حيث تضلع في العربية على شيوخ األزهر‪ ،‬وال سيما الشيخ محمد عبده‪،‬‬
‫كما تقلد مناصب عديدة في أكبر الجامعات والمجامع العلمية‪ ،‬وتتلمذ عليه العديد من‬
‫الباحثين والمستشرقين‪ ،‬وترك كما هائال من الكتب‪ ،‬خاصة ما يتعلق بالدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫أما أشهر كتبه فقد صنفها باأللمانية والفرنسية واإلنجليزية‪ ،‬فقد تعاون مع ‪ 41‬مجلة دورية‪،‬‬
‫وثماني موسوعات علمية‪ .‬وكتب ثالثين مقاال في الموسوعة اإلسالمية‪ .‬وبلغت مقاالته‬
‫العلمية ‪ 110‬مقالة‪ .‬وكتب ‪ 11‬كتابا‪ .‬وبعد وفاته سنة ‪ 1911‬نقلت مكتبته الزاخرة‬
‫بالمؤلفات النادرة والمخطوطات القيمة إلى الجامعة العبرية بالقدس‪.‬‬
‫انظر‪ :‬ــ نجيب العقيقي‪ ،‬المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 10‬ــ ‪.11‬‬
‫=‬ ‫ــ عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص‪ 191‬ــ ‪.101‬‬

‫‪31‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫المهتمين بالدراسات اإلسالمية‪ ،‬باعتباره المبدع والمؤسس لعلم اإلسالمولوجيا‬


‫بال منازع‪ ،‬وإليه يُعزى بث النـزعة التشكيكية في أصالة اإلسالم‪ .‬وعلى منواله‬
‫سار تلميذه شاخت(‪ )5‬الذي أخضع الدراسات المتعلقة بالشريعة اإلسالمية لهذه‬
‫دور ماكسيم رودنسون(‪ )2‬ليدفع بالنـزعة التشكيكية لتشمل‬‫النـزعة‪ ،‬ثم جاء ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ــ ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.101‬‬
‫(‪ )5‬جوزيف شاخت ‪ 1901( SCHACHT. JOSEF‬ــ ‪)1969‬‬
‫مستشرق ألماني متخصص في الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫ولد في ‪ 11‬مارس ‪ 1901‬في ألمانيا‪ ،‬درس الالهوت واللغات الشرقية في جامعة برسالو‬
‫ودرس في‬ ‫وكييبسك‪ ،‬وحصل من جامعة برسالو على الدكتوراه األولى في ‪1911‬م‪ّ ،‬‬
‫العديد من الجامعات‪ ،‬أهمها جامعة فرايبورج والجامعة المصرية عام‪ 1911 ،‬وعمل‬
‫محاضرا للدراسات اإلسالمية في جامعة أكسفورد‪ .‬وأستاذا لألحداث العلمية في جامعة‬
‫الجزائر ‪ ،1911‬وأستاذا في جامعة ليدن ‪ ،1911‬وأستاذا زائرا في جامعة كولومبيا‪.‬‬
‫وانتخب عضوا في مجامع وجمعيات ونواد عدة‪ ،‬منها المجمع العلمي بدمشق‪ .‬وتولى مع‬
‫بورنشفيج مجلة الدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫وقد اشتهر بدراسة التشريع اإلسالمي وبيان نشأته وتطوره وتأثره وأثره‪.‬‬
‫يتنوع إنتاج شاخت من دراسة المخطوطات العربية والتعليق عليها‪ ،‬إلى الدراسات‬
‫المعاصرة الخاصة باإلسالم‪ ،‬إلى الكتابة في دائرة المعارف اإلسالمية‪.‬‬
‫انظر‪ :‬ــ عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص‪ 166‬ــ ‪.164‬‬
‫ــ نجيب العقيقي‪ ،‬المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 169‬ــ ‪.111‬‬
‫(‪ )2‬رودنسون مكسيم ‪.RODINSON. M‬‬
‫ولد في ‪ 21‬جانفي ‪ 5751‬بباريس‪ ،‬وحصل على الدكتوراه في اآلداب‪ ،‬ثم على شهادة‬
‫وعين أستاذا‬
‫المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية‪ ،‬والمدرسة العالمية للدراسات العليا‪ّ ،‬‬
‫في المعهد اإلسالمي بصيدا في لبنان‪ 5711 .‬ــ ‪ .5715‬ومحاضرا في المدرسة العليا‬
‫لآلداب‪ ،‬ببيروت ‪ 5711‬ــ ‪.5717‬‬
‫وقد تقلد مناصب علمية أو أكاديمية في غاية األهمية‪ ،‬وترك منشورات عديدة حول‬
‫اإلسالم‪ ،‬وحاول أن يخضع اإلسالم للنـزعة الماركسية‪.‬‬
‫انظر‪ :‬نجيب العقيقي‪ ،‬المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ 317‬ــ ‪.315‬‬

‫‪31‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫دراسة التاريخ اإلسالمي‪.‬‬


‫وقد كان لهؤالء المستشرقين الثالثة ال ّدور البارز في رسم خط شديد‬
‫العداء لكل ما هو إسالمي‪ ،‬ونعتقد أنه يمثل أرضية االستشراق المعاصر الذي‬
‫يعمد إلى تشويه صورة اإلسالم في الداخل والخارج‪.‬‬
‫والمؤسف له هو ذلك االفتتان الكبير بهؤالء الثالثة في العالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فجولد زيهر عند مترجمي كتابه العقيدة والشريعة في اإلسالم‪ ،‬وهم‬
‫أساتذة من األزهر‪ ،‬يجعلون من كتابه هذا معينا قويا وذخيرة قيمة لمن يبحث‬
‫في اإلسالم سواء من العرب أو غيرهم(‪.)5‬‬
‫استدعي للتدريس بالجامعة المصرية رفقة إسرائيل‬ ‫أما شاخت فقد ُ‬
‫ولفنسون وغيرهما من المستشرقين اليهود‪ ،‬وقد أخرجت كتبهم من دور نشر‬
‫كبيرة‪ ،‬حاملة اسم الجامعة المصرية‪ ،‬ومقدمة بتزكية عالية من أساتذة مصريين‬
‫مرموقين(‪.)2‬‬
‫ومن أجل احتواء االستشراق وصهينته ووضع بصمتها في االستشراق‬
‫المعاصر‪ ،‬لجأت بعض الصهاينة إلى إنشاء مؤسسات ومراكز لهذا الغرض‪،‬‬
‫حتى تلم شمل المستشرقين الصهاينة وال تضيع جهودهم هباء‪ .‬عالوة على‬
‫وضع استراتيجية موحدة في عالم أعلى من شأن التفكير المؤسساتي‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬انظر مقدمة األساتذة األزهريين لكتاب جولدزيهر‪ ،‬العقيدة والشريعة في اإلسالم‪.‬‬
‫(‪ )2‬عائشة عبد الرحمن‪ ،‬اإلسرائيليات في الغزو الفكري‪ ،‬ص‪.511‬‬

‫‪37‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫املطلب الثالث‪ :‬مراكز األحباث االستشراقية الصهيونية‬

‫تكمن أهمية المعاهد والمراكز البحثية باعتبارها المحضن الذي تترعرع‬


‫فيه األفكار وتنضج من أجل تكييف مشروع استراتيجي جاد‪ .‬لذلك لم تقصر‬
‫إسرائيل عند قيامها في إقامة العديد من المراكز البحثية المتخصصة في‬
‫االستشراق‪ ،‬والتي تولي اهتماما بالغا بالدراسات العربية واإلسالمية‪ ،‬ألن‬
‫اإلحاطة بتلك التخصصات تعطيها معرفة دقيقة وشاملة‪ ،‬تمكّنها من التعامل‬
‫معها بوسائل مناسبة‪.‬‬
‫ومن أهم المراكز تأثيرا في صياغة السياسة الداخلية والخارجية إلسرائيل‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مركز هاري ترومان‪:‬‬


‫تأسس مركز هاري ترومان لألبحاث من أجل تعزيز مشروع السالم عام‬
‫‪THE HARRY TROMAN RESEARCH INSTITUTE FOR THE‬‬ ‫‪5711‬‬
‫‪ ADVANCEMENT OF PEACE‬بمبادرة من مستشرقين‪ ،‬وقد أطلق على المركز‬
‫هذه التسمية تقديرا وعرفانا بما بذله الرئيس األمريكي هاري ترومان في تدعيم‬
‫ومساندة الحركة الصهيونية في فلسطين‪ ،‬بين عامي ‪5718/5711‬م‪.‬‬
‫يعتبر مركز ترومان تابعا للجامعة العبرية‪ .‬ومقره بالقدس‪ ،‬يهتم بإعداد‬
‫وإنجاز األبحاث العسكرية واالقتصادية واالجتماعية والسياسية المتعلقة‬
‫بقارات آسيا وإفريقيا وأمريكا الالتينية‪ ،‬مع التركيز بصفة خاصة على منطقة‬
‫الشرق األوسط‪ ،‬وقلبه النابض فلسطين(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬هشام فوزي عبد العزيز‪ ،‬معاهد أبحاث االستشراق في إسرائيل‪> ،‬معهد هاري ترومان<=‬

‫‪38‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫ولذلك يضم المركز أربع وحدات لألبحاث‪ ،‬لكل وحدة منها نشاطها‬
‫المنفصل عن األخرى‪ ،‬وهذه الوحدات هي‪:‬‬
‫الشرق األوسط‪ ،‬آسيا‪ ،‬إفريقيا‪ ،‬التمدن ومقارنة الحضارات‪.‬‬
‫ويالحظ من نشاطات المركز المتنوعة أنها وثيقة الصلة بعالم المخابرات‬
‫والتجسس إلسرائيل في تلك القارات‪ ،‬وأداة للتغلغل والنفوذ فيها‪ ،‬عالوة على‬
‫أنها تعمل جاهدة على إقناع هذه األقاليم بسياسة إسرائيل في قضية الصراع‬
‫العربي اإلسرائيلي لتستفيد من المؤازرة والدعم في المحافل الدولية(‪.)5‬‬
‫وتتجلى أهمية المركز في نوعية أعضائه‪ ،‬إذ يضم صفوة المفكرين‬
‫واألكاديميين الذين يعملون في الجامعة العبرية‪ ،‬والذين بلغ عددهم عام‬
‫‪ 5781‬أربعة وأربعين باحثا‪ .‬ولذلك استعانت الحكومة اإلسرائيلية بإطارات‬
‫المركز‪ ،‬وذلك بتعيينهم في مناصب حكومية رفيعة المستوى‪ ،‬نذكر منهم‬
‫المستشرق موشيه معوز(‪ ،)2‬الذي ُع ّين بين عامي ‪5777‬و‪ 5781‬مستشارا للشؤون‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= لألبحاث من أجل تقدم السالم‪( .‬الباحث العربي‪ ،‬لندن‪ ،‬عدد‪ ،14‬جانفي ‪ ،)1996‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 11‬ــ ‪.14‬‬
‫(‪ )2‬موشيه معوز ‪ MOSHE MAOZ‬من مواليد فلسطين‪ ،‬درس تاريخ الشرق األوسط في‬
‫الجامعة العبرية في القدس‪ .‬وبجامعة أكسفورد‪ .‬حصل على الدكتوراه عام ‪ ،1966‬ومنذ ذلك‬
‫الحين وهو يدرس التاريخ الحديث والمعاصر للشرق األوسط في الجامعة العبرية‪ .‬وفي أثناء‬
‫ذلك كان أستاذا زائرا في جامعات أمريكية مختلفة‪ .‬وعمل بين عامي ‪ 1911‬ــ ‪1919‬‬
‫مستشارا لشؤون الشرق األوسط في لحنة األمن الخارجية في الكنيست اإلسرائيلي‪ ،‬وعمل‬
‫بين عامي ‪ 1919‬ــ ‪ 1940‬مستشارا للشؤون العربية لوزير الدفاع اإلسرائيلي >عزرا وايزمن<‪.‬‬
‫له كتب عديدة متخصصة في الشرق األوسط‪ ،‬منها‪> :‬اإلصالح العثماني في سوريا ولبنان<‬
‫هشام فوزي عبد العزيز‪ ،‬معاهد أبحاث االستشراق في إسرائيل‪> ،‬معهد هاري ترومان<‬
‫لألبحاث من أجل تقدم السالم‪( .‬الباحث العربي‪ ،‬لندن‪ ،‬عدد‪ ،83‬جانفي ‪ ،)6991‬ص‪.61‬‬

‫‪37‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫العربية لوزير الدفاع اإلسرائيلي آنذاك‪ ،‬عزرا وايزمن(‪.)5‬‬


‫والجدير بالذكر أن المركز أولى منطقة الشرق األوسط عناية خاصة‪،‬‬
‫بحيث غدت محو ًرا لنشاطاته‪ ،‬وذلك ألهميتها االستراتيجية‪.‬‬
‫ومن أبرز نشاطاته المعادية لإلسالم ذلك المؤتمر الذي عقد في شهر نيسان‬
‫‪ 5777‬تحت قناع مناظرة علمية لدراسة النشاط اإلسالمي في آسيا‪ ،‬وشارك في‬
‫المؤتمر حوالي ثالثين خبيرا‪ ،‬جميعهم من المعروفين بعدائهم المعلن لإلسالم‪،‬‬
‫وينتمون إلى أمريكا وكندا وبريطانيا وفرنسا وهولندا واليابان والفلبين وأستراليا‬
‫وإسرائيل‪ .‬وأشرف على المؤتمر البروفيسور برافي سيرائيل‪ .‬وبحث المجتمعون‬
‫ظاهرة سرعة انتشار اإلسالم‪ ،‬وانتهوا إلى توصيات هامة في هذا الشأن(‪.)2‬‬
‫وللتذكير فإن المركز أولى منطقة الشرق األوسط عناية خاصة‪ ،‬بحيث‬
‫غدت محور نشاطاته‪ ،‬وذلك ألهميتها االستراتيجية إلسرائيل‪.‬‬
‫فمن أهم نشاطاته في هذا المجال إصدار قاموس بيبليوغرافيا ألهم‬
‫الشخصيات الفاعلة في فلسطين من مختلف االتجاهات‪ ،‬ضم حوالي خمسمائة‬
‫شخصية‪ ،‬أصدر الجزء األول باللغة العربية عام ‪5781‬م‪ ،‬ويحوي مائتين‬
‫وخمسين شخصية فلسطينية‪ ،‬برزت منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى سنة‬
‫‪5781‬م‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مركز يايف للدراسات االستشراقية‪:‬‬


‫أنشئ مركز الدراسات االستشراقية في جامعة تل أبيب رسميا عام‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬زياد أبو غنيمة‪ ،‬عداء اليهود للحركة اإلسالمية‪( .‬قسنطينة‪ ،‬مؤسسة اإلسراء للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪1111 ،1‬هـ‪1990/‬م)‪ ،‬ص‪.16‬‬

‫‪11‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫ملحة‬
‫‪5777‬م‪ .‬وإن بدأت فكرة إنشائه بعد حرب ‪5773‬م‪ ،‬حيث بدأت الحاجة ّ‬
‫إلسرائيل إلى إقامة مركز بحثي يُعنَى بالدراسات االستراتيجية المتعلقة بالعالم‬
‫العربي‪ .‬وقد تم تكليف اللواء االحتياطي هارون باريف بمهمة إنجازه وإدارته‪.‬‬
‫أطل عام ‪5783‬م حتى أطلق عليه اسم مركز يافي للدراسات‬ ‫وما أن َّ‬
‫االستراتيجية تقديرا ليافي لتبرعها الشخصي وتأسيس هذا المركز(‪.)5‬‬
‫يولي مركز يافي للدراسات االستراتيجية أهمية بالغة لتشجيع الدراسات‪،‬‬
‫كما يعمل على تهيئة الظروف واألجواء المناسبة لمفهوم األمن القومي‬
‫واإلسرائيلي‪ ،‬وبذلك يعد المركز المؤسسة العلمية األولى والرئيسية في‬
‫إسرائيل والمتخصصة في شؤون منطقة الشرق األوسط واستراتيجيات الدول‬
‫الكبرى فيها‪ .‬ويحظى باهتمام بالغ من قِبل الجهات الرسمية في إسرائيل ألنه‬
‫يضم صفوة الباحثين والمرموقين والذين سبق لهم وأن تقلدوا مناصب عسكرية‬
‫وسياسية في غاية األهمية‪.‬‬
‫اضطلع المركز بدور بارز في التأثير على مجرى السياسة الداخلية‬
‫والخارجية إلسرائيل‪ ،‬حيث كان وال يزال يمدها بشتى االنطباعات والتوقعات‬
‫المستقبلية(‪.)2‬‬
‫ومن أهم ذلك الدور الذي قام به دوري غولد مدير مشروع السياسة‬
‫األمريكية الخارجية والدفاعية في مركز يافي في جامعة تل أبيب‪ ،‬خالل فترة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪JAFFA‬‬ ‫(‪ )5‬هشام فوزي عبد العزيز‪ ،‬معاهد أبحاث االستشراق في إسرائيل (‪ ،)1‬مركز يافا‬
‫للدراسات االستراتيجية في جامعة تل أبيب‪( .‬الباحث العربي‪ ،‬لندن‪ ،‬عدد‪ ،19‬فيفري‬
‫‪ ،)1996‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.61‬‬

‫‪15‬‬
‫ماهية االسترشاق وخلفيته‬

‫‪ 5775‬ــ ‪5772‬م‪ ،‬حيث كان هذا المستشرق مستشارا للوفد اإلسرائيلي الذي‬
‫ذهب إلى مؤتمر مدريد ومحادثات السالم(‪.)5‬‬
‫كما يقيم المركز عالقات متينة بمراكز بحثية رفيعة المستوى في‬
‫الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا‪ ،‬وتبعا لما يحظى به هذا المركز من‬
‫سمعة علمية واستخبارية تجاوزت الحدود اإلقليمية اإلسرائيلية‪ ،‬وغدا مزارا‬
‫للعديد من الشخصيات المرموقة لالستفادة من أبحاثه ودراسته‪ ،‬حيث تتوالى‬
‫عليه الزيارات من قِبل بعض أعضاء الكونجرس األمريكي‪ ،‬وبعض األعضاء‬
‫من البرلمان البريطاني‪ ،‬وكذا رؤساء تحرير الصحف اليابانية‪ ،‬إلى جانب وفود‬
‫من الدفاع البريطاني والنرويج‪ .‬وقد طالب الوفد النرويجي بتنظيم لقاءات على‬
‫الصعيد العسكري مع مركز يافي(‪.)2‬‬
‫يتضح مما سبق أن اسرائيل تعطي أولوية كبرى للمراكز االستشراقية ألنها‬
‫مهما في صياغة سياستها الداخلية والخارجية وفق المخطط‬ ‫تلعب دورا ًّ‬
‫االستراتيجي‪ ،‬وبالمقابل نتساءل نحن عن سبب انعدام مراكز في الوطن العربي‬
‫أو اإلسالمي لدراسة الصهيونية واليهودية‪ ،‬حتى وإن وجدت في شكل فرق‬
‫بحث‪ ،‬فإن نتائجها تظل مك ّدسة في أدراج المكتبات بعيدة عن مواقع التأثير‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬دورى غولد‪ ،‬القدس الحل الدائم (في دراسة لمركز يافا في مجلة الدراسات الفلسطينية‪،‬‬
‫عدد‪ 16‬ربيع ‪1996‬م)‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫(‪ )2‬هشام فوزي عبد العزيز‪ ،‬معاهد أبحاث االستشراق في إسرائيل (‪ ،)1‬مركز يافا ‪JAFFA‬‬
‫للدراسات االستراتيجية في جامعة تل أبيب‪ .‬ص‪.60‬‬

‫‪12‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫‪5‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫املطلب األول‪ :‬االستشراق األمريكي‬

‫تفشت مقول ُة تر ِّدي االستشراق واندثاره‪ ،‬بسبب انقضاء االستعمار‬


‫َ‬
‫العسكري التقليدي‪ ،‬مما حدا ببعض المستشرقين إلى القول بنهاية زمن‬
‫االستشراق عام ‪5771‬م(‪.)5‬‬
‫ليس صحيحا أنه مع انتهاء االستعمار العسكري للبلدان الشرقية خ ّفت‬
‫موجة الدراسات االستشراقية النتفاء وظيفتها‪ ،‬باعتبار أنها كانت أداة فاعلة‬
‫عول عليها االستعمار في تحقيق أغراضه‪.‬‬
‫ّ‬
‫والحقيقة أن ظاهرة االستشراق لم تنته بانقضاء االستعمار األوروبي‪ ،‬بل‬
‫غيرت مواقعها فقط‪ ،‬فما أن تخلت أروبا عن دورها القيادي وتسلمت أمريكا‬ ‫ّ‬
‫زعامة العالم باعتبارها الوريث الجديد‪ ،‬حتى أخذت ظاهرة االستعمار لونا‬
‫جديدا يتمثل في استبدال االستعمار العسكري التقليدي باالستعمار السياسي‬
‫واالقتصادي‪ .‬والذي يعمد إلى تحقيق الهيمنة السياسية والسيطرة على‬
‫الموارد‪ ،‬مما حدا بأمريكا إلى احتضان االستشراق وتطويره ليتماشى‬
‫والمستجدات الجديدة‪ .‬وقد نجح المستشرقون في أمريكا في تنشيط هذه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬شوقي أبو خليل‪ ،‬اإلسقاط في مناهج المستشرقين‪ ،‬ص‪.6‬‬

‫‪13‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫الدراسات وإعطائها الصبغة العالمية‪ ،‬بما أنشأوا من دوائر لالستشراق(‪ .)5‬ومنه‬


‫انتقل مركز االستشراق من أوروبا إلى أمريكا‪ ،‬مما شجع العديد من‬
‫المستشرقين األوروبيين بدورهم إلى الهجرة نحو أمريكا لإلقامة بها إلثراء‬
‫الدراسات االستشراقية وبعثها من جديد‪.‬‬
‫يؤيد هذا الرأي جورج كتورة في قوله‪« :‬لقد أضحى االستشراق رديف‬
‫مؤسسات حكومية وخاصة ُتعنى باستشراف المستقبل وتدبير الملوك مؤسسة‬
‫شبه حكومية‪ ،‬أو عاملة عند المؤسسة الحكومية‪ ،‬لمدها بالمعلومات‪ ،‬ولتطرح‬
‫عليها تصورات معينة‪ .‬قد يقال إن االستشراق قد صار بذلك أشد خطرا من‬
‫تحو ٌل ينبغي إدراكه»(‪.)2‬‬
‫الماضي‪ ،‬ربما ولكنه ُّ‬
‫ومن أجل رصد هذا التحول يجدر بنا تتبع ما يأتي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬تسرب النـزعة الصهيونية يف الثقافة الغربية‪:‬‬


‫برزت النـزعة الصهيونية في جميع مرافق الحياة الفكرية والسياسية‬
‫األمريكية منذ األيام األولى لالستيطان األوروبي في العالم الجديد إبان‬
‫النصف الثاني من القرن السابع عشر للميالد‪ ،‬والذي ُعرف فيما بعد باسم‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫كان البيوريتانيون يمثلون طليعة المهاجرين الذين حملوا معهم الثقافة‬
‫الجديدة‪ ،‬ولذلك عندما أعلنوا الحرب على الهنود الحمر أصحاب البالد‪ ،‬كانوا‬
‫يرددون فقرات التوراة‪ ،‬باعتباره أن العالم الجديد أضحى مملكة اهلل الرمزية‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عدنان محمد وزان‪ ،‬االستشراق والمستشرقون‪ ،‬وجهة نظر‪ .‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )2‬في التعقيب على ورقتي الدكتورين رضوان السيد وحسن جابر (المنطلق‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫العدد‪ ،111‬صيف ‪1991‬م)‪ ،‬ص‪.111‬‬

‫‪11‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫ولشغفهم الشديد بالتوراة‪ ،‬لقبوا أبناءهم بأسماء يهودية مستنبطة من‬


‫قصص التوراة‪ ،‬مثل سارة والعازار وإبراهيم‪ ،‬عالوة على تسمية مدن عديدة‬
‫في مستوطناتهم األولى بأسماء عبرية قديمة‪ ،‬مثل مدينة سالم المأخوذة من‬
‫الكلمة العبرية شالوم‪ ،‬إلى جانب أسماء أخرى مثل شارون وصهيون(‪.)5‬‬
‫والجدير بالذكر أن أول كتاب ينشر في العالم الجديد هو (‪،)LAY ISALEM‬‬
‫وهو ترجمة مباشرة لسفر المزاير (‪ ،)2()SALAM‬كما أن اللغة العبرية أخذت‬
‫مكانتها المتألقة حيث أدرجت ومعها الدراسات اليهودية ضمن مقررات أعرق‬
‫جامعة أمريكية هي جامعة هارفارد والتي أنشأت في عام ‪5131‬م‪ ،‬وكانت اللغة‬
‫العبرية من بين المواد اإلجبارية في الجامعة التي ال يمكن قبول الطالب فيها‬
‫إال إذا تمكن من ترجمة النص العبري األصلي للتوراة الالتينية‪.‬‬
‫وال عجب أن تكون أول مذكرة جامعية في جامعة هارفارد عام ‪5112‬م‪،‬‬
‫بعنوان العبرية هي اللسان األم‪ ،‬واعتبار البيورنيين أنهم العبرانيون الحقيقيون(‪.)3‬‬
‫وفي ضوء هذا يمكننا أن نفهم عبارة إدوارد سعيد‪« :‬إن النقطة الرئيسية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬يوسف الحسن‪ ،‬البعد الديني في السياسة األمريكية تجاه الصراع العربي اإلسرائيلي‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫ــ إسماعيل راجي الفاروقي‪ ،‬الملل المعاصرة في الدين اليهودي‪ ،‬ص‪ 11‬ــ ‪.11‬‬
‫ــ ريجينا الشريف‪ ،‬الصهيونية غير اليهودية‪ ،‬جذورها في التاريخ الغربي‪ ،‬ص‪ 141‬ــ ‪.141‬‬
‫ــ إدوارد سعيد‪ ،‬االستشراق‪> ،‬المعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬اإلنشاء<‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫(‪ )2‬مجموعة من األشعار الدينية الملحنة‪ ،‬وهدفها تمجيد اهلل وشكره‪ ،‬وكانت ترنم على صوت‬
‫المزمار وغيره من اآلالت الموسيقية‪ .‬وفي العبرانية يسمى >كتاب الحمد< كما دعاه المسيح‬
‫>كتاب المزامير< التي نسبت لداود‪ ،‬وبلغت ‪ 14‬من ‪ 110‬مزمورا‪.‬‬
‫انظر بالتفصيل‪ :‬قاموس الكتاب المقدس‪ ،‬ص‪ 110‬ــ ‪.111‬‬
‫(‪ )3‬يوسف الحسن‪ ،‬البعد الديني في السياسة األمريكية تجاه الصراع العربي اإلسرائيلي‪،‬‬
‫ص‪ 11‬ــ ‪.14‬‬

‫‪11‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫في اإليديولوجية األمريكية هي أن األمريكي شعب جديد‪ ،‬أي أنهم أفراد جاءوا‬
‫بالضبط للتخلي عن هوياتهم األصلية‪ ،‬والحصول على هوية جديدة‪ ،‬وكانت‬
‫أسطورة الهجرة إلى أمريكا قامت على أن كل أمريكي جديد هو مثل آدم وحواء‪،‬‬
‫أي أنه شخص تخلى عن ماضيه لكي يشارك في ما تعد به بالد اهلل‪ ،‬أو إسرائيل‬
‫الجديدة‪ ،‬أي أمريكا لمواطنيها من ثروات وفرص ال محدودة»(‪.)5‬‬
‫وما إن أطل القرن الثامن عشر حتى بدأت فلسطين كوطن لليهود‪ ،‬تأخذ‬
‫مكانة خاصة في الثقافة األمريكية‪ ،‬كما سرت فكرة عودة اليهود إلى هذا‬
‫الوطن التاريخي في التراث الديني‪.‬‬
‫وما كاد القرن الثامن عشر ينتهي حتى ساد االعتقاد بوجود عودة اليهود‬
‫إلى أرض فلسطين‪ ،‬وبات يشكل حجر الزاوية في التفكير الالهوتي البروتستانتي‬
‫(‪)2‬‬
‫حي ًزا‬
‫األمريكي‪ .‬كما أخذت معتقدات المسيح المنتظر والعصر األلفي السعيد ّ‬
‫وافرا فيه‪.‬‬
‫ورسخ النـزعة الصهيونية في الثقافة األمريكية مع مطلع القرن‬ ‫ومما عزز ّ‬
‫التاسع عشر‪ ،‬إعادة اكتشاف فلسطين‪ ،‬فقد أسفرت الرحالت والزيارات التي‬
‫قام بها المبشرون وعلماء اآلثار على إثارة العاطفة الدينية البروتستانتية باعتبار‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عبد النبي اصطيف‪ ،‬االستشراق األمريكي من النهضة على السقوط‪ ،‬عولمة دراسات‬
‫المنطقة‪( ،‬المستقبل العربي‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪ ،111‬جويلية ‪1994‬م)‪ ،‬ص‪ 11‬في الهامش‪.‬‬
‫نقال عن‪ :‬إدوارد سعيد‪ ،‬قضية مادلين أولبرايت‪ ،‬الحياة‪.1991/6/6 ،‬‬
‫(‪ )2‬العصر األلفي‪ :‬هو االعتقاد بملك المسيح لمدة ألف عام‪ ،‬وفيه يمكن يوحنا الرسول رؤيا‬
‫كان قد رآها عن مستقبل العالم‪( ،‬سفر الرؤيا‪ ،‬اإلصحاح ‪ ،10‬فقرة ‪ 1‬ــ ‪ .)10‬ويختلف‬
‫المسيحيون حول هذه العقيدة‪.‬‬
‫انظر بالتفصيل‪ :‬القس إكرام لمعي‪ ،‬االختراق الصهيوني للمسيحية‪ ،‬ص‪ 144‬ــ ‪.110‬‬

‫‪11‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫فلسطين األرض الموعودة للشعب المختار‪.‬‬


‫هذه الفكرة استقطبت اهتمام أغلبية البروتستانتيين األمريكيين‪ ،‬واستمالت‬
‫أفئدتهم‪ ،‬فتعالت في هذه البالد صيحات تهيب بالمسيحيين أن ُيه ّبوا لمساعدة‬
‫اليهود للعودة إلى أرض فلسطين‪.‬‬
‫ومع مطلع القرن التاسع عشر دعا القس جون ماكدونالد ــ أحد قادة‬
‫البروتستانت األمريكيين ــ إلى وجوب إعادة اليهود إلى أرض صهيون‪ ،‬وناشد‬
‫الواليات المتحدة األمريكية بأن تضطلع بدورها القيادي لتجسيد ذلك على‬
‫أرض الواقع(‪.)5‬‬
‫أما وليام بالكستون >‪ <WILLIAM BLAKSTANNE‬فيأتي في طليعة‬
‫األمريكيين ترويجا لفكرة إعادة اليهود إلى األرض المقدسة‪ ،‬فهو رجل دين‬
‫وكاتب وثري‪ ،‬مما مكنه من ممارسة ضغوطاته على اإلدارة األمريكية من أجل‬
‫مساعدة اليهود في تحقيق ذلك(‪.)2‬‬
‫وظلت هذه الفكرة الهاجس األكبر الذي استحوذ على قلب الرجل‪،‬‬
‫والمهمة التي نذر عمره لها‪ ،‬فأصدر بالكستون كتاب عيسى القادم عام‬
‫‪5878‬م‪ ،‬والذي ُترجم إلى أكثر من ‪ 18‬لغة‪ ،‬ومنها اللغة العبرية‪ .‬وتنافست‬
‫دور الطبع على نشره وترويجه‪ ،‬حتى فاقت مبيعاته المليون نسخة‪ ،‬وكان يضم‬
‫بين دفتيه دعوة جريئة على وجوب االسترجاع األبدي ألرض فلسطين من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬يوسف الحسن‪ ،‬البعد الديني في السياسة األمريكية تجاه الصراع العربي اإلسرائيلي‪،‬‬
‫ص‪.19‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫ــ ريجينا الشريف‪ ،‬الصهيونية غير اليهودية‪ ،‬جذورها في التاريخ الغربي‪ ،‬ص‪.146‬‬

‫‪17‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫قِبل الشعب اليهودي(‪.)5‬‬


‫كما لعب بالكستون في موطنه دروا نشيطا في تكوين جماعات ضاغطة‬
‫أو ما يعرف بلوبي المصلحة الصهيونية‪ ،‬فقد أسس عام ‪5887‬م في شيكاغو‬
‫منظمة البعثة العبرية نيابة عن إسرائيل والتي تحمل اآلن اسم الزمالة اليسوعية‬
‫األمريكية‪.‬‬
‫وما أن تبنّى هرتزل المشروع الصهيوني حتى راسله بالكستون بنسخة من‬
‫العهد القديم تحوي خطوطا وعالمات تحت الفقرات التي تشير إلى استعادة‬
‫اليهود األرض المقدسة‪ .‬وقد حفظت هذه النسخة في ضريح هرتزل بالقدس(‪.)2‬‬
‫وفي المنتصف األول من القرن التاسع عشر‪ ،‬بدا واض ًحا ذلك التعاطف‬
‫المسيحي للمسألة اليهودية‪ ،‬إلى درجة اعتناق اليهودية من قِبل القس >وورد‬
‫غريسون< ‪ WORD GRESSON‬الذي هاجر إلى فلسطين وتقلد فيها مناصب في‬
‫ال للواليات المتحدة األمريكية عام ‪5812‬م‪.‬‬
‫غاية األهمية‪ ،‬أهمها كونه قنص ً‬
‫كرس حياته على الدعوة إلى إعادة تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين‪،‬‬‫كما ّ‬
‫تحقيقا لنبوءة الكتاب المقدس(‪ .)3‬وقد اتصل بالحاخام اليهودي إسحاق ليسير‬
‫وتل ّقى منه التعاليم‪ ،‬ثم طفق يكتب مقاالت تمجد اليهود وتعلي من شأنهم في‬
‫مجلة كان يصدرها الحاخام ليسير بأمريكا‪ ،‬باسم أوكسيدنت‪ .‬وفي عام ‪5818‬م‬
‫تقدم وورد كريسون إلى حاخام القدس إبراهيم حاي جوجن بطلب رسمي‬
‫باعتناق الديانة اليهودية‪ ،‬وتحقق له ذلك‪ ،‬وأصبح اسمه الجديد ميخائيل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬يوسف الحسن‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫ــ ريجينا الشريف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.146‬‬
‫(‪ )2‬يوسف الحسن‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 11‬ــ ‪.11‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪18‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫كريسون بوعز اسرائيل‪ .‬وقد عرف عنه نشاط كبير في الدعاية لصورة اليهود‬
‫في المحافل الدولية‪ ،‬خاصة بأمريكا وفلسطين(‪.)5‬‬
‫جليا تغلغل النـزعة الصهيونية في الثقافة الغربية‬
‫تب ًعا لما تقدم‪ ،‬يتضح ّ‬
‫مبكرا‪ ،‬حيث أسهمت بشكل وافر في تشكيل العقلية األمريكية‪ ،‬ففي هذا الجو‬
‫الموبوء بالفكر الصهيوني نشأ االستشراق األمريكي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الظاهرة الصهيونية يف االستشراق املعاصر‪:‬‬


‫نشأ االستشراق المعاصر وترعرع في أحضان بيئة مفعمة باألفكار‬
‫الصهيونية‪ ،‬حيث يؤرخ لبداية االستشراق األمريكي في غضون العقدين‬
‫األخيرين من القرن التاسع عشر‪ ،‬بدراسة اللغة العبرية‪ ،‬حين انكب القوم على‬
‫فهم الكتاب المقدس(‪.)2‬‬
‫وما أن برزت الواليات المتحدة األمريكية على مسرح األحداث‬
‫تحول مركز‬
‫باعتبارها قوة كبرى‪ ،‬والوريث المباشر لفرنسا وبريطانيا‪ ،‬وبذلك ّ‬
‫فيمـم االستشراق وجهه شكر‬
‫ثقل وقيادة العالم من أروبا إلى العالم الجديد‪ّ ،‬‬
‫أمريكا(‪.)3‬‬
‫وبذلك بدأت الواليات المتحدة األمريكية تخطط لدورها االستعماري‬
‫الجديد في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬فدخل بذل االستشراق عهدا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬حسن ظاظا‪ ،‬نماذج بشرية غير يهودية استغلتها المطامع اليهودية‪( ،‬الفيصل‪ ،‬السعودية‪،‬‬
‫عدد‪ ،141‬ذو الحجة ‪1114‬هـ أبريل ‪1994‬م)‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )2‬ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.111‬‬
‫ــ عدنان محمد وزان‪ ،‬االستشراق والمستشرقون‪ ،‬وجهة نظر‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )3‬محمد عبد اهلل الشرقاوي‪ ،‬االستشراق في الفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪17‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫جديدا في السياسة األمريكية‪.‬‬


‫فاندفعت الواليات المتحدة األمريكية إلى إنشاء معاهد ومراكز ُتعنى‬
‫بالشؤون الشرقية‪ ،‬كما أدخلت تدريس اللغات الشرقية في كبرى جامعاتها‬
‫وتخصيص كراسي األستاذية خاصة بها(‪ .)5‬ويوجد أكثر من خمس وعشرين‬
‫كلية جامعية متخصصة في الدراسات الشرقية والعربية(‪ .)2‬وعمدت إلى إنشاء‬
‫فروع للجامعة األمريكية في كل من بيروت والقاهرة‪.‬‬
‫تتلخص خصائص االستشراق األمريكي فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ لم يقف االستشراق األمريكي مثلما كان في السابق عند الحدود‬
‫النظرية في البحث العلمي‪ ،‬وإنما تجاوز هذه الحدود إلى الدراسة الميدانية‬
‫للمجتمعات والشعوب اإلسالمية من كل النواحي‪ .‬ولقد و ّظف االستشراق في‬
‫هذه المرحلة المتطورة تقنيات وأساليب جديدة‪ ،‬حيث استخدم المناهج‬
‫السوسيولوجية واألنثروبولوجية والسيكولوجية واإلحصائية والتاريخية‪ ،‬ولم‬
‫يعبأ كثيرا بنشر التراث وتحقيقه وترجمته كما كان دأب المستشرقين من قبل‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك فتحت المراكز والمعاهد أبوابها لدراسة اإلسالم وما‬
‫يتعلق به‪ ،‬ولم يكتف االستشراق في هذه المرحلة بدراسة اإلسالم فحسب‪ ،‬بل‬
‫اهتم وبالغ في الفحص والتقصي لدراسة المجتمعات اإلسالمية ذاته‪ ،‬دينيا‬
‫وسياسيا واجتماعيا وثقافيا‪ .‬كما عكف على دراسة العالقات بين الشعوب‬
‫والمجتمعات اإلسالمية والخالفات القائمة والكامنة فيها‪ .‬كما اعتنى المستشرقون‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 111‬ــ‬
‫‪.114‬‬
‫(‪ )2‬عبد المتعال محمد الجبري‪ ،‬االستشراق وجه االستعمار الفكري‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪11‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫األمريكيون بدراسة قضية تطبيق الشريعة اإلسالمية ومدى تقبل المجتمعات‬


‫اإلسالمية لها‪ ،‬ولذلك بدا موضوع اإلسالم السياسي سم ًة بارزة في الدراسات‬
‫األمريكية إلى جانب دراسة الحركات اإلسالمية السياسية ومناقشة برامجها‬
‫وطموحاتها‪.‬‬
‫ومنه فإن الدراسات الكالسيكية التي اشتهر بها االستشراق من قبل‪ ،‬كفقه‬
‫اللغة لم ُت َتح لها الفرصة للبروز في كنف االستشراق الجديد‪ ،‬طالما أن هذه‬
‫الدراسات ال تقدم خدمات في النواحي السياسية واالستراتيجية واالقتصادية(‪.)5‬‬
‫‪ 2‬ــ عمد االستشراق األمريكي إلى تقسيم العالم المحيط بالواليات‬
‫المتحدة األمريكية إلى وحدات جغرافية تخضع للدرس والتحصيل من مثل‬
‫الشرق األوسط‪ ،‬وأمريكا الالتينية‪ ،‬وأوروبا الشرقية‪ ،‬وجنوب شرق آسيا‪،‬‬
‫وغيرها(‪.)2‬‬
‫وانعكس هذا التقسيم على إقامة مراكز البحوث وأقسام الجامعات‬
‫اإلقليمية المختصة‪ ،‬مثلما انعكس على نشر الدوريات وعقد المؤتمرات‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من المظاهر التي شهدت ازدهارا ملحوظا في مختلف الواليات المتحدة‬
‫األمريكية منذ الخمسينيات‪ ،‬حيث تبلغ اليوم في أمريكا ما يزيد عن ‪5111‬‬
‫مؤسسة تعمل في هذا المجال(‪.)3‬‬
‫لقد أصبح الشرق عامة بعد الحرب العالمية الثانية مسألة إدارية وقضية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عبد النبي اصطيف‪ ،‬االستشراق األمريكي من النهضة على السقوط‪ ،‬ص‪ 16‬ــ ‪.11‬‬
‫ــ ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫(‪ )2‬عبد النبي اصطيف‪ ،‬االستشراق األمريكي من النهضة على السقوط‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫(‪ )3‬محمد ياسين عريبي‪ ،‬االستشراق وتغريب العقل التاريخي‪ ،‬ص‪.110‬‬

‫‪15‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫للمعالجة السياسية‪ ،‬وقد زاد االهتمام به بعد أن برزت دولة إسرائيل في‬
‫عمق االهتمام بمنطقة الشرق األوسط‪ ،‬وإجراء دراسات حضارية‬ ‫فلسطين مما ّ‬
‫وتاريخية وسكانية إلثبات دعوى اليهود في أرض الميعاد‪ ،‬رغم تعارض ذلك‬
‫مع العلوم الحديثة‪ ،‬ومع ذلك نجد من المستشرقين األمريكيين من أيد قيام‬
‫دولة إسرائيل ووقف مع االدعاءات الصهيونية‪.‬‬
‫خالصة القول إن االستشراق كحركة علمية نشط في أمريكا في هذا القرن‬
‫أكثر من أي بلد آخر‪ ،‬تحت كنف االستخبارات بسبب القضايا السياسية المتعلقة‬
‫بالشرق‪ ،‬وخصوصا بالمنطقة العربية منه‪ ،‬وال يخفى ما لليهود من تأثير في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وتولت تلك المؤسسات العلمية والجامعية نشر العديد من الدوريات‬
‫والمجالت المتخصصة في الشؤون الشرقية من أشهرها‪ :‬مجلة العالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬كما أقيمت المؤتمرات والندوات العلمية المختصة التي أثرت في‬
‫الدراسات االستشراقية ودفعت بها قدما‪.‬‬
‫إن مثل هذا االهتمام البالغ بالدراسات االستشراقية يع ّد مؤشرا هاما لما‬
‫يهدف إليه من تحقيق مآرب وسياسية واقتصادية‪ ،‬وإن كان قد أسهم في إثراء‬
‫المكتبة االستشراقية‪ ،‬إال أنه هذا النتاج قد ط ُّوع من قبل ثلة من المستشرقين‬
‫الصهاينة لتحقيق أهداف أخرى ال صلة لها باألغراض العلمية الصرفة(‪.)5‬‬
‫خفي في االستشراق‬
‫والالفت لالنتباه أنه إذا كان للمستشرقين الصهاينة دور ّ‬
‫األوروبي‪ ،‬فإن دورهم في االستشراق األمريكي يعد بارزا‪ ،‬فنجد مثال أسماء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ص‪.114‬‬

‫‪12‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫أمريكية بارزة في االستشراق األمريكي‪ ،‬يتصدرها برنارد لويس(‪.)5‬‬


‫وإلى جانب ذلك نجد مستشرقين يعتنقون المسيحية البروتستانتية‪ ،‬وال‬
‫يكادون يخرجون عن اإلطار المرسوم من قِبل المستشرقين الصهاينة‪ ،‬ولذلك‬
‫نجد االستشراق األمريكي في بداية تشكيله وتأسيسه لم يستعن بالمستشرقين‬
‫الكاثوليك‪ ،‬على الرغم من تضلعهم في االستشراق‪ ،‬وإنما استعان‬
‫بالمستشرقين البروتستانت‪ ،‬أمثال ماكدونالد‪ ،‬وصموئيل زويمر‪ ،‬وال يخفى‬
‫مدى الوشائج الحميمة التي تربط أمثال هؤالء بالصهيونية العالمية‪ ،‬وبذلك بدا‬
‫تور ًطا من سابقه األوروبي‪.‬‬
‫االستشراق األمريكي بفضل هؤالء وتوجهاتهم أكثر ّ‬
‫ورفعا للبس سنتعرض لبيان أثر الصهيونية على بعض أقطاب اإلستشراق‬
‫المسيحي وكيف استطاعت أن تتسلل إلى عقولهم‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬لويس برنارد ‪ LWIS BERNARD‬ولد في لندن بتاريخ ‪ ،5751/1/35‬وحصل على‬
‫الليسانس مع مرتبة الشرف األولى من جامعة لندن‪ ،‬عام ‪ ،5731‬ودبلوم الدراسات السامية‬
‫من جامعة باريس عام ‪ .5737‬والدكتوراه من جامعة لندن عام ‪ .5737‬وحصل على‬
‫الدكتوراه الفخرية من الجامعة العبرية بالقدس عام ‪ .5771‬ثم استقر بأمريكا يدعو إلى‬
‫هم لها إال إثارة األحقاد على اإلسالم‪.‬‬
‫الصهيونية‪ .‬وكتاباته ال ّ‬
‫انظر‪ :‬نجيب العقيقي‪ ،‬المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ 513‬ــ ‪.511‬‬
‫ــ إدوارد سعيد‪ ،‬االستشراق‪> ،‬المعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬اإلنشاء<‪ ،‬ص ‪ 353‬ــ ‪.351‬‬
‫‪The Question of Orientalism. In New York Times Review of " .Bernard Lewis‬‬
‫‪5782. Pp. 17-11 ،Books. June 21‬‬

‫‪13‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫املطلب الثاني‪ :‬املسيحية الصهيونية‬

‫فإذا كان بولس الفريسي قد نجح في إفراغ المسيحية من محتواها‪،‬‬


‫وإحالل عقيدة جديدة محلها ال عالقة لها بالمسيح ‪ ،‬فإن هذه المرحلة‬
‫األخيرة تمثل توجها يهوديا متطورا‪ ،‬يريد أن يستمر في فرض هيمنته‪ ،‬ولكن‬
‫بوسائل أخرى‪ .‬فقد حقق اليهود الفريسيون نجاحا باهرا في جعل المسيحية‬
‫مطية يركبونها من أجل الوصول إلى غطرستهم العالمية والتي ُت ّوجت بقيام‬
‫دولتهم بفلسطين‪ ،‬لذلك سنحاول رصد مسيرة هذا التهويد للمسيحية‪ ،‬وإنه‬
‫لتقف جملة من العوامل وراء هذا التهويد‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مصاحلة املسيحيني وامتصاص غضبهم‪:‬‬


‫شهدت أوروبا خالل القرون الوسطى‪ ،‬وبخاصة في القرنين الثالث عشر‬
‫والرابع عشر سلسلة دامية من التنكيل واالضطهاد ضد اليهود‪ ،‬وبقي بنو‬
‫إسرائيل يرزحون تحت نير هذا االستعباد ردحا من الزمن‪ ،‬فقد طردوا من‬
‫إنجلترا في نهاية القرن الثالث عشر الميالدي‪ ،‬ومن فرنسا في نهاية القرن‬
‫الرابع عشر‪ ،‬ومن إسبانيا في نهاية القرن الخامس عشر‪ .‬وذاق اليهود على‬
‫مدى هذه القرون ألوانا من العذاب واالضطهاد‪ ،‬وتولّت المؤرخة اليهودية‬
‫باربرة تشمان ‪ BARBARA TUCHMAN‬تتبع جذور الكراهية لليهود في أوروبا‪،‬‬
‫وترى أنها برزت خالل فترات الحروب الصليبية ألسباب دينية واقتصادية‪،‬‬
‫وقتلَ ُته من جهة‪ ،‬وهم‬
‫فاليهود في نظر مسيحيي أوروبا هم أعداء المسيح َ‬
‫يشكلون طبقة اقتصادية ثرية تتحكم في ناصية التجارة الخارجية‪ ،‬وجعلت‬
‫‪11‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫أوروبا في قبضتها(‪.)5‬‬
‫يقول اليهودي إبراهيم جايجر ‪« :ABRAHAME LEAN SACHER‬أنه‬
‫بالرغم من سماح الكنيسة لليهود بالبقاء في ديار المسيحية‪ ،‬يجب أال يسمح‬
‫لهم ــ أي اليهود ــ بأن يؤذوا المسيحيين‪ ،‬ذلك ألنهم ير ّدون الحسنة بالسيئة‪،‬‬
‫والصدقة باالحتقار والعداء‪ ،‬ولهذا وبما أن فضائح عديدة حصلت بسبب‬
‫تمازج اليهود بالمسيحيين فإن المجلس الخاص لهذه المقاطعة والمجتمع قرر‬
‫أن على رجال اليهود وضع دائرة من القماش األصفر على ظهورهم‪ ،‬وعلى‬
‫نسائهم وضعها على رؤوسهن كي يتسنى تمييزهم عن المسيحيين»(‪.)2‬‬
‫ولهذا كان طبيعيا أن ُتع ّد اليهودية حركة تمرد على الدولة‪ ،‬وتفكيك‬
‫ألمت باليهود إلى الهجرة الجماعية‪،‬‬
‫لعراها‪ ،‬ولذلك دفعت هذه الظروف التي ّ‬
‫والتي لم تجد محتضنا لذلك سوى البالد اإلسالمية‪ ،‬ويعترف القس إكرام بأنه‬
‫في عام ‪5171‬م شهدت مذابح جماعية لليهود في إسبانيا والبرتغال‪ ،‬فالتجأ‬
‫اليهود إلى القسطنطينية حيث ل ُقوا ترحيبا من اإلمبراطوية العثمانية‪ ،‬وشغلوا‬
‫مناصب عليا بها‪ ،‬وكان هناك أكبر مركز تجمع يهودي في ذلك الوقت(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬يوسف الحسن‪ ،‬البعد الديني في السياسة األمريكية تجاه الصراع العربي الصهيوني‪،‬‬
‫(بيروت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬د‪ .‬ط‪5771 .‬م)‪ ،‬ص‪.57‬‬

‫(‪ )2‬إسماعيل راجي الفاروقي‪ ،‬الملل المعاصرة في الدين اليهودي‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة وهبة‪،‬‬
‫ط‪5788 ،2‬م)‪ ،‬ص‪ .23‬نقال عن‪:‬‬

‫(‪ )3‬االختراق الصهيوني للمسيحية‪ ،‬ص‪.71‬‬

‫‪11‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫ويعترف المفكر اليهودي صموئيل ايتنجر(‪ )5‬بذلك حين يؤكد بأنه كان وضع‬
‫يهود الشرق أفضل بكثير من وضع يهود أوروبا الذين اضطهدوا ألسباب‬
‫سياسية واقتصادية ودينية‪ .‬فكثيرا ما كانوا يطردون من البلدان التي أقاموا بها‪،‬‬
‫في حين لم يتعرض يهود بلدان الشرق لنفس المصير(‪ .)2‬ثم يضيف قائال‪:‬‬
‫«وكان لسياسة التنظيمات التي انتهجتها السلطة العثمانية تجاه غير المسلمين‪،‬‬
‫فضل كبير على اليهود‪ ،‬فأتاحت لهم هذه السياسة فرصة استغالل حالة‬
‫االزدهار االقتصادي بالعراق‪ ،‬وأتاح حرص اليهود على تعلم اللغات األجنبية‬
‫مثل التركية والفرنسية واإلنجليزية فرصة التوسع في أنشطتهم التجارية‪ ،‬وتولّي‬
‫بعض المناصب القيادية في الدولة»(‪.)3‬‬
‫ولكن عندما بدأت الخالفة اإلسالمية تعيش مرحلة التذبذب‪ ،‬وتسلك‬
‫خط التراجع وتفقد فرصتها في الهيمنة على العالم‪ ،‬والح مؤشر هذا التراجع‬
‫مع سقوط غرناطة عام ‪5172‬م‪ ،‬حيث انتشرت محاكم التفتيش تفتك‬
‫بالمسلمين واليهود على السواء‪ ،‬هاجر جمهور غفير من اليهود إلى أوروبا من‬
‫جديد‪ ،‬واستوطنوا بها‪ ،‬وتحكّموا في زمام أمورها فيما بعد(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫صموئيل اتينجر‪ :‬مؤرخ صهيوني بارز‪ ،‬ولد سنة ‪5757‬م في مدينة كييف في روسيا‪ ،‬يعمل‬ ‫(‪)5‬‬
‫منذ ‪5711‬أستاذا للتاريخ اليهودي الحديث بالجامعة العبرية بالقدس‪ ،‬له عدة مؤلفات من‬
‫أبرزها كتاب >تاريخ اليهود في العصر الحديث<‪.‬‬
‫انظر‪ :‬صموئيل اتينجر‪ ،‬اليهود في البلدان اإلسالمية‪ 5811 ،‬ــ ‪ .5711‬ترجمة جمال‬
‫أحمد الرفاعي‪( ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد‪ ،577‬ماي ‪ ،)5771‬ص ‪.117‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫يوسف الحسن‪ ،‬البعد الديني في السياسة األمريكية تجاه الصراع العربي الصهيوني‪ ،‬ص‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪.25/21‬‬
‫ــ محمد السماك‪ ،‬الصهيونية المسيحية‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬د‪ .‬ط‪5773 .‬م)‪ ،‬ص‪.57‬‬

‫‪11‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو‪ :‬كيف استطاع اليهود الرجوع إلى‬
‫أوروبا وأن يستقروا بها؟ مع تلك العداوة الدفينة التي تضمرها المسيحية لهم؟‬
‫واألدهى من ذلك كيف انقلب ذلك العداء المستحكم إلى والء أعمى؟‬
‫كيف تلوثت األفكار الغربية باألساطير الصهيونية التي جعلت روابط‬
‫إسرائيل بالغرب أقوى؟ وإن كانت تلك الروابط غير بادية للعيان‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬احتواء املسيحية‪:‬‬


‫لم يقتصر غرض اليهود على إزالة الحقد المسيحي فحسب‪ ،‬بل امتد إلى‬
‫أعمق من ذلك‪ ،‬وهو اختراق المسيحية الحتوائها من الداخل‪ ،‬وتوظيفها‬
‫لخدمة أغراض ووعود تلمودية‪.‬‬
‫ومع أن المسيحية كما يذكر رئيس قسم تاريخ األديان بجامعة السوربون‬
‫شارل جنيبر كانت نتاجا لليهودية إلى حد بعيد بفضل بولس الرسول‪ .‬وكانت‬
‫تعج باألفكار اليهودية‪ ،‬إال أن التغيرات العقائدية التي جاءت بها حركة‬
‫كليا على أية خاصية مسيحية‪ ،‬وأضحت المسيحية من أشد‬ ‫اإلصالح قضت ّ‬
‫فرق اليهود تعصبا بال منازع‪ ،‬ولم يكن من قبيل المصادفة أو العبث أن بولس‬
‫قد فرخت تخريفاته االنقالب البروتستانتي في القرن السادس للميالد(‪.)5‬‬
‫إن الحديث عن تهويد مرتبط أسا ًسا بما يعرف باإلصالح الديني في‬
‫المسيحية‪ ،‬ولهذا اإلصالح أسباب وظروف ملحة مرت بها الكنيسة‪ ،‬استغلها‬
‫اليهود لتقسيم وضرب المسيحية‪ ،‬فقد أُسندت إلى المسيحية سلطات تتجاوز‬
‫ميدانها الروحي‪ ،‬فاستغلت هذه الثقة أتم استغالل‪ ،‬فتسلط رجال الدين على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬شفيق مقار‪ ،‬التوراة المسيحية‪( ،‬لندن‪ ،‬رياض الريس للكتب والنشر‪ ،‬ط‪5778 ،5‬م)‪،‬‬
‫ص‪.72‬‬

‫‪17‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫رقاب البشر ببيع صكوك الغفران وفرض ضرائب باهظة أثقلت كاهل‬
‫المسيحيين(‪ .)5‬وكانوا يضيقون ذرعا بأية معرفة عدا معرفتهم‪.‬‬
‫وهكذا بدت الكنيس ُة مشلولة ال تقوى على لعب أي دور في حياة‬
‫المسيحية‪ ،‬مما أثار سخط المسيحيين‪ ،‬وتمخض عن هذا الوضع بروز حركة‬
‫إصالحية تزعمها مارثن لوثر‪.‬‬

‫‪ 1‬ــ مارثن لوثر والروح التلمودية‪:‬‬


‫سطع نجم مارثن لوثر في األفق بصفته زعيما لحركة اإلصالحي الديني‬
‫المسيحي‪ ،‬نشطت آراؤه وأفكاره في بعث المعتقدات التلمودية في أوروبا‬
‫وأمريكا‪ ،‬وجعلتها تحتل الصدارة على حساب المسيحية‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك طرح أكثر من سؤال في هذا السياق حول خطة لوثر في‬
‫إصالح المسيحية‪ ،‬هل تتمثل في تقييد سلطة البابا؟ وتحرير الفكر المسيحي‬
‫من سلطة الكهنوتية الجامدة التي أعاقت التطور العلمي المنشود؟ أم إن خطته‬
‫تكملة لمشروع بولس في هدم المسيحية كديانة؟‪ .‬ثم لماذا أفرغ لوثر المسيحية‬
‫من محتواها‪ ،‬واستبدلها بأفكار تخدم التلمودية؟ وبالتالي‪ :‬هل هو يهودي في‬
‫تهود؟‬
‫النسب والدين؟ أم هو مسيحي ّ‬
‫مع أن محاولة اإلجابة بصراحة عما تقدم من أسئلة‪ ،‬يع ّد من الصعوبة‬
‫بمكان‪ ،‬وذلك من خالل الدور اليهودي المستتر‪ ،‬إال أن هناك حقائق ال‬
‫خالف حولها‪ ،‬وهي بروز أسماء يهودية المعة‪ ،‬مهدت الطريق لظهور الحركة‬
‫اإلصالحية‪ ،‬وعلى رأسهم جون ويكلف ‪ J.WYCLIF‬اإلنجليزي الذي قدم خدمة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬أحمد شلبي‪ ،‬المسيحية‪ ،‬ص ‪.211‬‬

‫‪18‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫جليلة للتفكير اليهودي في ترجمة التوراة إلى اللغة اإلنجليزية‪ ،‬مما ساهم في‬
‫تسرب اآلراء والمعتقدات التلمودية(‪.)5‬‬
‫تتجلى ميول مارثن لوثر اليهودية في تحمسه لدراسة اللغة العبرية منذ‬
‫صباه‪ ،‬وشغفه بدراسة الكتاب المقدس(‪ .)2‬وتأكيده على مركزية هذا الكتاب‬
‫في الحياة المسيحية‪ .‬ففي عام ‪5123‬م كتب لوثر كتابا تحت عنوان >عيسى‬
‫ُولِ َد يهوديًّا< الذي أعيد طبعه سبع مرات في نفس العام(‪ .)3‬أفاض من خالله‬
‫محتجا بأن‬
‫ّ‬ ‫في بيان أفضلية اليهود‪ ،‬وشجب اضطهاد الكنيسة الكاثوليكية لهم‪،‬‬
‫المسيحيين واليهود ينحدرون من نسل واحد‪ ،‬فيقول‪« :‬شاءت الروح المقدسة‬
‫أن تنـزل كل أسفار الكتاب المقدس للعالم عن طريقهم وحدهم‪ ،‬إنهم أطفال‬
‫ونحن الضيوف والغرباء‪ ،‬وعلينا أن نرضى كالكالب التي تأكل ما يتساقط من‬
‫فتات مائدة أسيادها تماما كالمرأة الكنعانية»(‪.)1‬‬
‫وظل لوثر تلميذا نجيبا لبولس يؤمن بأن نبوءة التوراة حول إنقاذ كل‬
‫إسرائيل ستتحقق(‪ .)1‬وقد أعلن في أكثر من مرة بأنه مستعد لتزويدهم بكل ما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عبد اهلل التل‪ ،‬األفعى اليهودية في معاقل اإلسالم‪( ،‬البليدة‪ ،‬قصر الكتاب‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪5787‬م)‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫وانظر‪ :‬مهنا يوسف حداد‪ ،‬االلتقاء بين الفكر البروتستانتي والفكر اليهودي‪ ،‬دراسة في علم‬
‫اإلنسان اليهودي‪( ،‬الثقافة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬عدد‪ ،513‬السنة ‪ ،57‬يوليو‪/‬أغسطس ‪5771‬م)‪،‬‬
‫ص‪.73/75‬‬
‫(‪ )2‬انظر بالتفصيل عن حياة مارثن لوثر‪:‬‬

‫(‪ )3‬ريجينا الشريف‪ ،‬الصهيونية غير اليهودية جذورها في التاريخ الغربي‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫(‪ )1‬شفيق مقار‪ ،‬التوراة المسيحية‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪17‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫قد يحتاجونه من دعم للعودة إلى أرضهم الموعودة‪ .‬ومما يؤكد ذلك أن لوثر‬
‫كان يحظى باحترام كبير وتعاطف حار من قبل األسباط اليهودية إلى حد اعتبار‬
‫ظهوره وانتشار أفكاره بشارة على قرب عودة المسيح المنتظر‪ ،‬وبالمقابل‬
‫تعرض لهجوم عنيف من قبل الكنيسة الكاثوليكية لهذه اآلراء(‪.)5‬‬
‫يقول مقار‪« :‬إال أن بولس لم يكف على الرغم من كل ما قام به من‬
‫أعمال جليلة‪ ،‬فتعين أن يكون هناك ورثة له يقومون بإتمام ما بدأ‪ ،‬ويوقفنا‬
‫تاريخ العملية الطويلة التي ما من سبيل إلى تسميتها إال باسم تهويد المسيحية‬
‫وإفراغها من كل ما كان يجعل منها ديانة جيدة مستقلة‪ ،‬على أن أهم أولئك‬
‫الخلفاء الذي أتموا عمل بولس كان مارتن لوثر الذي أقام دعواه على أن‬
‫الديانة كانت قد فسدت على يد الكنيسة وأنه أخذ على عاتقه إصالحها سيرا‬
‫على خط بولس(‪.)2‬‬
‫تنحصر العقائد التلمودية التي تسربت إلى جوهر العقيدة المسيحية عن‬
‫طريق مارتن لوثر فيما يلي‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ اإلقرار بأن اليهود هم شعب اهلل المختار‪ ،‬وأنهم يكونون بذلك‬
‫األمة المفضلة على كل األمم‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ وجوب االعتقاد بالميثاق اإللهي الذي يربط اليهود باألرض‬
‫كرم به إبراهيم هو ميثاق‬
‫المقدسة في فلسطين‪ .‬وأن هذا الميثاق الذي ّ‬
‫سرمدي‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ ربط العقيدة المسيحية بعودة المسيح المخلص بقيام الكيان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ريجينا الشريف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫(‪ )2‬شفيق مقار‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪11‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫الصهيوني‪ ،‬أي بإعادة تجميع اليهود في فلسطين حتى يظهر المسيح فيما‬
‫بينهم‪.‬‬
‫هذه المرتكزات الثالثة شكّلت في الماضي(‪ .)5‬وهي تشكل اليوم قاعدة‬
‫اليهودية المسيحية التي تربط الدين بالقومية‪ ،‬والتي تسخر االعتقاد الديني‬
‫المسيحي لتحقيق مكاسب يهودية(‪.)2‬‬
‫نحن بدورنا نتساءل مع القس إكرام لمعي إذا كانت المسيحية الصهيونية‬
‫تبشر بأن المسيح في مجيئه الثاني سوف يأتي ليحكم؟ فما هو المعنى من‬
‫مجيئه األول ورسالته إلى العالم(‪ .)3‬وإذا كان مجيئه األول هدفه أن ترجع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬لم تكن في الديانة المسيحية قبل هذا العهد مع الحركة البروتستانتية في القرن السادس عشر‬
‫للميالد أدنى مكانة الحتمال عودة اليهود إلى فلسطين‪ ،‬أو ألية فكرة عن وجود األمة‬
‫اليهودية‪ .‬فتفسير القساوسة لعودة اليهود إلى أورشليم ال تنطبق على اليهود بل على الكنيسة‬
‫المسيحية مجازا‪ .‬أما اليهود فإنه طبقا للعقيدة المسيحية اقترفوا إثما فطردهم اهلل من أرض‬
‫كنعان إلى منفاهم في بابل‪ .‬وعندما أنكروا أن عيسى هو المسيح المنتظر نفاهم اهلل ثانية‪.‬‬
‫وبذلك انتهى وجود ما يسمى باألمة اليهودية إلى األبد‪ .‬أما عن النبوات والمبشرات‬
‫المتعلقة بعودة اليهود في الكتاب المقدس‪ ،‬كانت تفسر على أنها عودة اإلسرائيليين من‬
‫المنفى إلى بابل‪ .‬وقد حدث ذلك في القرن السادس قبل الميالد حين أعادهم قورش إلى‬
‫فلسطين‪ ،‬كانت هذه الفكرة للقديس أغسطين‪ .‬وظل األمر مس ّل ًما به عند المسيحيين من‬
‫القرن السادس عشر للميالد‪ .‬ولذلك لم تعرف أوروبا قبل هذا العهد أي اعتبار لما يعرف‬
‫بشعب اهلل المختار الذي قدر له أن يعود إلى األرض المقدسة‪ ،‬واعتبر اليهود مارقين‬
‫ويوصمون بأنهم قتلة المسيح‪.‬‬
‫انظر‪ :‬ريجينا الشريف‪ ،‬الصهيونية غير اليهودية جذورها في التاريخ الغربي‪ ،‬ص‪.27/21‬‬
‫ومحمد السماك‪ ،‬الصهيونية المسيحية‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫(‪ )2‬يوسف الحسن‪ ،‬البعد الديني في السياسة األمريكية تجاه الصراع العربي الصهيوني‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫ــ محمد السماك‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫(‪ )3‬االختراق الصهيوني للمسيحية‪ ،‬ص‪.515‬‬

‫‪15‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫البشرية إلى اهلل‪ ،‬وقد انتهى هذا العصر اآلن بتأسيس دولة إسرائيل عام‬
‫‪5718‬م‪ ،‬وعودة اهلل لإلسرائيليين‪ ،‬فكان يجب على الكنيسة أن تغلق أبوابها‬
‫وتطرد مريديها منذ ذلك التاريخ‪ .‬أو تتبرأ من عقيدة المسيح المخلّص‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن التفاف رجال اإلصالح حول العهد القديم أسهم‬
‫بقسط وافر في تغذية النـزعة اليهودية عندهم‪ ،‬فقد نشطت ترجمة العهد القديم‬
‫إلى اللغات األوروبية‪ ،‬ولم يعد هذا الكتاب مجرد أثر أدبي شائعا بين عامة‬
‫المسيحيين فحسب‪ ،‬بل إنه أصبح مصدر المعارف التاريخية القديمة(‪.)5‬‬
‫وبسبب هذا اإلرث المشترك أشار بن غريون للكتاب المقدس المسيحي‬
‫بقوله إنه صك اليهود المقدس لملكية فلسطين(‪.)2‬‬
‫وتبعا لذلك أصبحت فلسطين أرضا يهودية في الفكر المسيحي‪،‬‬
‫وأضحى اليهود غرباء في أوروبا‪ ،‬وسيعودون إلى فلسطين عندما تحين الفرصة‬
‫المناسبة‪.‬‬
‫إن تقييم مسار حركة اإلصالح أنها لم تكن في مستوى طموحات‬
‫المسيحيين عامة‪ ،‬فلم ُت ْع َن بتقييد سلطة البابا ومحاربة صكوك الغفران ومسألة‬
‫االستحالة(‪ ،)3‬بل سعت إلى بث الفتنة بين المسيحيين‪ ،‬فاتسعت رقعة الخالف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬شفيق مقار‪ ،‬التوراة المسيحية‪ ،‬ص ‪.83/82‬‬
‫(‪ )2‬ريجينا الشريف‪ ،‬الصهيونية غير اليهودية جذورها في التاريخ الغربي‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫(‪ )3‬االستحالة هي اعتقاد المسيحيين أنهم جميعا يأكلون الخبز ويشربون الخمر يوم الفصح‪،‬‬
‫وهو المسمى عندهم بالعشاء الرباني‪ ،‬يستحيل الخبز إلى لحم عيسى‪ ،‬وتستحيل الخمر إلى‬
‫دمه‪ ،‬فمن أكل ذلك الخبز وشرب تلك الخمر‪ ،‬فقد أدخل المسيح في جوفه‪ ،‬وامتزج‬
‫بتعاليمه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬أحمد شلبي‪ ،‬المسيحية‪ ،‬ص ‪.211‬‬

‫‪12‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫بينهم‪ ،‬فقد أسست كنائس أخرى منفصلة عن الكنيسة األم‪ ،‬بعد أن أخضعت‬
‫المسيحية للتلمودية‪ ،‬وأسفرت عن انفجار أعظم الحركات المسيحية الصهيونية‬
‫التي احتل فيها اليهود مكانة مرموقة‪ ،‬ومنها >حركة شهود يهوه< و>السبتيين<‪،‬‬
‫ونشطت في العصر الحديث >الحركة األلفية< التي عمدت إلى إقامة‬
‫المؤسسات والشركات من أجل إعادة اليهود إلى فلسطين‪.‬‬
‫ولإلشارة أن البروتستانتية فتحت الباب على مصراعيه أمام تيار متعاظم‬
‫من التهويد ال للمسيحية كديانة فحسب‪ ،‬بل شمل األفكار واالقتصاد‬
‫والسياسة‪ ،‬وبهذا فإن نجاح التهويد لو اقتصر على األديرة والكنائس لكان أمرا‬
‫هينا‪ ،‬ولكن األخطر من ذلك أنه شمل المؤسسات الثقافية(‪ ،)5‬واالقتصادية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وحتى السياسية ‪.‬‬
‫فمن بين المؤمنين باألفكارالتلمودية إيمانا يقينيا وصادقا‪ ،‬شخصيات‬
‫بارزة منها‪ ،‬الرؤساء األمريكيون‪ ،‬فالرئيس كارتر مثال جاء في بيانه االنتخابي‬
‫أن تأسيس إسرائيل المعاصرة هو التحقيق للنبوءة التوراتية(‪.)3‬‬
‫وحتى الدعوة إلى نظام عالمي جديد عند منظّريها أمثال روبرتون‬
‫‪ L. ROBERTON‬المستشار الروسي للرئيس بوش أيام عاصفة الصحراء في‬
‫كتابه الذي يحمل عثرات النظام العالمي الجديد‪ ،‬ليست بعيدة عن التوراة‪ ،‬إذ‬
‫يقول‪« :‬إن الكتاب المقدس هو الذي يعد بتلك الحكومة المثالية التي تستهلك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ألهم الشخصيات العلمية والثقافية‪ ،‬وعلى رأسهم إسحاق نيوتن‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.85/77‬‬
‫(‪ )2‬انظر ألهم المؤسسات االقتصادية‪ :،‬إكرام لمعي‪ ،‬االختراق الصهيوني للمسيحية‪،‬‬
‫ص‪.511/511‬‬
‫(‪ )3‬يوسف الحسن‪ ،‬البعد الديني في السياسة األمريكية تجاه الصراع العربي الصهيوني‪ ،‬ص ‪.75‬‬

‫‪13‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫أعداء إسرائيل»(‪.)5‬‬
‫تبعا لما سبق إن هذا التعاطف الغربي الرهيب‪ ،‬مع الصهيونية والتنسيق‬
‫التام معها‪ ،‬والتأييد الدائم والدعم المادي والسياسي لدولة إسرائيل وسياستها‬
‫الصهيونية مدين كله إلى ذلك التوافق الديني واالمتزاج الروحي الذي حققه‬
‫صهيونية المسيحية‪.‬‬

‫‪ 1‬ــ صهيونية الكنيسة الكاثوليكية‪:‬‬


‫تصدت الكنيسة الكاثوليكية لتيار التهويد الذي اجتاح الديانة المسيحية‬
‫منذ البداية(‪ .)2‬لكن ما حققه اليهود من نجاح باهر في تهويد جمهور غفير من‬
‫المسيحيين عن طريق البروتستانتية ح ّفز اليهود لتهويد المسيحية الكاثوليكية‬
‫عن طريق اقتحام أسوار الفاتيكان‪ ،‬موطن القداسة الدينية لمسيحيي العالم‪،‬‬
‫وبذلك يسهل لهم من داخله السيطرة وبث أفكارهم‪ ،‬وسنقف عند أهم‬
‫المحطات التاريخية في هذا المجال‪:‬‬
‫ــ أول لقاء بين اليهود والفاتيكان كان عام ‪5711‬م حين تقابل تيودور‬
‫هرتزل قطب الصهيونية‪ ،‬والبابا بيوس العاشر‪ ،‬فأوضح هرتزل مشروعه‬
‫الصهيوني‪ ،‬وطلب منه المساعدة المعنوية والدينية‪ ،‬إال أن البابا رفض ذلك‬
‫بحجة أن اليهود لم يعترفوا بالسيد المسيح‪ ،‬ولذلك ال يمكن االعتراف‬
‫بالشعب اليهودي(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عاطف الجوالني‪ ،‬تهويد المسيحية‪( ،‬المجتمع‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد‪11 ،5355‬سبتمبر ‪5778‬م)‪،‬‬
‫ص‪.22‬‬
‫(‪)2‬‬
‫=‬ ‫(‪ )3‬ريجينا الشريف‪ ،‬الصهيونية غير اليهودية جذورها في التاريخ الغربي‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪11‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫ــ وتبعا لذلك عارض قرارات االستيطان اليهودي‪ ،‬وندد بإقامة الكيان‬
‫الصهيوني في فلسطين في أكثر من مناسبة‪ ،‬وظل على موقفه حتى قيام هذا‬
‫الكيان عام ‪5718‬م‪ ،‬بالرغم من الضغوطات الدولية والعالمية التي مارستها‬
‫الدول الغربية لتغيير موقفه(‪.)5‬‬
‫ــ بدأ االنحراف واالنقالب الخطير في موقف الفاتيكان والكاثوليكية‬
‫حمله‬
‫تجاه اليهود وإسرائيل مع وفاة البابا بيوس الثامن عام ‪5718‬م‪ ،‬الذي ّ‬
‫اليهود مسؤولية ما وقع في عهده من مذابح النازية ضدهم(‪ .)2‬فالحت في‬
‫األفق دعوات التقارب والحوار بين المسيحية واليهودية‪ّ ،‬توجت بإصدار‬
‫توصيات تدعو صراحة إلى ضرورة التالحم بين العهدين القديم والجديد(‪.)3‬‬
‫ــ نشط اليهود في تشجيع حركات التقارب التي أسهمت بدورها في‬
‫التأثير على قرارات الفاتيكان بإصدار وثيقة بابوية لتبرئة اليهود من صلب‬
‫المسيح وقتله‪.‬‬
‫ــ وصاحب ذلك قرارات بابوية بتهويد تام للمسيحية الكاثوليكية‪ ،‬برزت‬
‫الحالي بولس يوح ّنا الثاني كرسي القيادة البابوية في‬
‫ّ‬ ‫أكثر مع تولّي البابا‬
‫الفاتيكان الذي يتهمه المسيحيون الغيورون على المسيحية بوالئه للصهيونية‬
‫العالمية‪ .‬هذا البابا الذي أعلن صراحة اعترافه بدولة إسرائيل سنة ‪5782‬م(‪،)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ــ محمد السماك‪ ،‬الصهيونية المسيحية‪ ،‬ص‪.57‬‬ ‫=‬
‫ــ يوسف الحسن‪ ،‬البعد الديني في السياسة األمريكية تجاه الصراع العربي الصهيوني‪،‬‬
‫ص ‪.11‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.17‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫عاطف الجوالني‪ ،‬تهويد المسيحية‪ ،‬ص‪.57/58‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.57‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪11‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫وتبع ذلك بإصدار الفاتيكان كتابا تحت عنوان >مالحظات لتقديم أفضل لليهود‬
‫حث فيه من خالله المسيحيين على اجتثاث رواسب‬ ‫واليهودية< سنة ‪5781‬م‪ّ ،‬‬
‫العداء للسامية الكائن في نفوس الكاثوليك‪ ،‬وذ ّكرهم بأن المسيح يهودي‪،‬‬
‫وسيظل كذلك دائما‪ ،‬وناشد كاثوليك العالم لتفهم ارتباط اليهود الديني بأرض‬
‫أجدادهم(‪.)5‬‬
‫ــ استغل الفاتيكان فرصة توقيع اتفاقية أوسلو عام ‪5773‬م‪ ،‬فوقّع في‬
‫‪5773/52/31‬م وثيقة االعتراف‪ ،‬والتبادل الدبلوماسي مع إسرائيل‪ ،‬ودخلت‬
‫عوة‬
‫بذلك المسيحية الكاثوليكية عن طريق الفاتيكان عهدا جديدا يكمن في ال ّد َ‬
‫الصريحة إلى تعديل النصوص اإلنجليزية للتماشي مع اليهودية(‪.)2‬‬
‫ــ وآخر حلقة في سلسلة تهويد الفاتيكان‪ ،‬تتمثل في تلك الوثيقة التي‬
‫تعترف بالذنب تجاه اليهود‪ ،‬وترجو الصفح والمغفرة منهم‪ ،‬وتعتذر لهم عن‬
‫توقف الفاتيكان أثناء مذابح النازية‪.‬‬
‫صدرت وثيقة المغفرة خالل الفترة ‪31‬أكتوبر إلى ‪ 12‬نوفمبر ‪5777‬م‪،‬‬
‫حين ق ّدم البابا يوحنا بولس الثاني وثيقة بهذا الشأن لتتم مناقشتها والتصويت‬
‫عليها من قِبل ستين قسيسا في الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية‪ .‬وقد أوصت‬
‫هذه الوثيقة بتعديل النصوص اإلنجليزية التي تهاجم اليهود(‪ .)3‬ألن قراءة‬
‫اإلنجيل بشكله الحالي يعلم الالسامية(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫والالسامية ترجمة غير دقيقة للكلمة األوروبية >أنتيسميتيزم< التي تعني حرفيا >المذهب=‬ ‫‪-‬‬

‫‪11‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫والجدير بالذكر أنه في خضم هذه الحمالت التهويدية‪ ،‬لم تكد الساحة‬
‫المسيحية من قساوسة غيورين على دينهم‪ ،‬فظلّوا يدقّون ناقوس الخطر في أكثر‬
‫من مناسبة‪ .‬فهذا القس جير الدب ويزود يصرح قائال‪« :‬إن القوى ذاتها التي‬
‫صلبت المسيح طيلة ‪5711‬سنة‪ ،‬تسعى اليوم إلى صلب كنيسته‪ ،‬لقد فرض‬
‫على المسيحية في عصرنا الراهنة نضال عظيم نهايته محددة مصير المسيحية‪،‬‬
‫حياة أو مو ًتا‪ ،‬لكن معظم القادة المسيحيين لم ُيعوا ذلك بع ُد‪ .‬إن الشيوعية‬
‫اليهودية التي نجحت في إذالل الشعوب‪ ،‬تترقب الفرصة المواتية اآلن لسحق‬
‫المسيحية سحقا كامال»(‪.)5‬‬
‫يتجلى مما قدمنا مدى النجاح الذي حققه التهويد في ترويض المسيحية‬
‫المعاصرة‪ ،‬وجعلها مطية يركبها الصهاينة لتحقيق أغراضهم‪ .‬ومن ثم بدأت‬
‫مرحلة إعالن التصادم الغربي مع اإلسالم تأخذ إطارها العلمي المؤسس‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= المعادي للسامية<‪ .‬والمقصود بها معاداة اليهود‪ ،‬أو نبذ اليهود من المجتمع‪ ،‬ألنهم‬
‫الممثلون الوحيدون للجنس السامي من المجتمع األوروبي‪ ،‬على حسب الدعوى‬
‫العنصرية التي أشاعوها عن أنفسهم‪ ،‬حيث يعتقدون أن كل ما حل بهم إنما يرجع لكونهم‬
‫يهودا‪ .‬وأن من يسعون إليذائهم مصابون بداء >الالسامية<‪ .‬فاندفع مفكرو الغرب أو‬
‫غالبيتهم العظمى دون تحفظ تحت وه ٍم أنهم يناصرون قضية عادلة يدافعون عن البشرية‬
‫ضد العنصرية‪.‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬رشاد عبد اهلل الشامي‪ ،‬الشخصية اليهودية اإلسرائيلية والروح العدوانية‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫(‪ )5‬محمد السماك‪ ،‬الصهيونية المسيحية‪ ،‬ص ‪ .51/53‬نقال عن‪ :‬انقضاض اليهودية عل‬
‫المسيحية‪ ،‬ص‪.1‬‬

‫‪17‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫املطلب الثالث‪ :‬حتمية التصادم بني اإلسالم والغرب‬

‫إن تصور اإلسالم كعدو للغرب ال يع ّد جديدا في الدراسات االستشراقية‬


‫المعاصرة‪ ،‬فله جذوره التاريخية التي قد تصل إلى الحروب الصليبية‪ ،‬ولكنه‬
‫مع حاضر الدراسات االستشراقية بلغ العداء لإلسالم أوجه‪ ،‬وأضحى سمة‬
‫غالبة فيها‪.‬‬
‫كما راجت مقوالت على شاكلة التحدي اإلسالمي‪ ،‬سيف اإلسالم‪،‬‬
‫السيف األخضر‪ ،‬المخلص الجديد الذي ال يعرف التسامح‪ .‬االسالموفوبيا‪،‬‬
‫تدور حول محور واحد وهو اتهام االسالم بأفكار ومصطلحات سلبية‪ .‬احد‬
‫اهم هذه العناصر هو اعتبار االسالم دين عنف واعتداء‪.‬‬
‫وبهذا رسمت صورة وهمية للعالم اإلسالمي بتضخيم المخاوف النفسية‬
‫والعنصرية‪ ،‬لتنتهي بتقرير مبدأ بأنه ال مفر للغرب من التصادم مع اإلسالم(‪.)5‬‬
‫وليس من شك أن للصهاينة من المستشرقين دو ًرا فاعال في الدعاية إلى‬
‫هذا التصادم‪ ،‬حيث دأب مسؤولو الكيان الصهيوني ومثقفيه من المستشرقين‬
‫على الترويج لما يسمونه بخطر تهديد الزحف اإلسالمي‪ ،‬وبهذا َتولت إسرائيل‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬يوخين هيبلر‪ ،‬وأندريا لويج‪ ،‬اإلسالم العدو بين الحقيقة والوهم‪ ،‬ترجمة أيمن شرف‪،‬‬
‫(القاهرة‪ ،‬الفرسان للنشر والتوزيع‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت‪ ،).‬ص‪.25‬‬
‫‪Allen ،Christopher( ،islamophobia ،)Farnham GBR. Ashgate Publishing Group.‬‬
‫‪55/2151p11‬‬

‫‪18‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫مهمة الصهاينة على تأليب الغرب ضد اإلسالم‪ ،‬وكانت أول من سعى إلى‬
‫قذف اإلسالم بتهمة اإلرهاب‪ ،‬وعمد المفكرون إلى تهيئة األجواء لما ُعرف‬
‫بحتمية التصادم بين األديان والحضارات‪.‬‬
‫يحق للباحث أن يسأل عن ماهية نظرية اصطدام الحضارات؟ وما‬ ‫ولذلك ُّ‬
‫صيتها في أنحاء المعمورة؟ ومن يقف وراءها؟ مع‬ ‫هو أصلها؟ وكيف ذاع ُ‬
‫الكشف عن الخلفية الفكرية لنظرية التصادم التي تطبع الفكر األمريكي والبنية‬
‫التحتية التي قامت عليها‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أصل النظرية ونشأتها‪:‬‬


‫اكتسبت نظرية التصادم بين الحضارات جاذبية ثقافية فريدة‪ ،‬فشهرتها‬
‫ذات أصداء واسعة حيث كانت وال تزال مثار جدل عنيف ونقاش ساخن داخل‬
‫الواليات المتحدة األمريكية وخارجها منذ ما يقارب من خمس سنوات‪.‬‬
‫لقد ُحظيت بسيل طافح من الدراسات والتعليقات تتأرجح بين التأييد‬
‫والشجب‪ ،‬ناهيك عما أقيم حولها من مؤتمرات دولية وندوات عالمية في‬
‫أرقى جامعات العالم‪ ،‬جمعت صفوة الباحثين والخبراء‪.‬‬
‫ُتعزى أطروحة التصادم بين الحضارات إلى البروفيسور األمريكي ذي‬
‫األصل اليهودي >صموئيل هانتنجتون< (‪ )SAMWEL P. HUNTINGTON.‬الذي‬
‫نشر مقالته صدام الحضارات في مجلة الشؤون الخارجية األمريكية في صيف‬
‫‪5773‬م‪ ،‬وهي مجلة وثيقة الصلة بمراكز صنع القرار في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪.‬‬
‫ذاع صيت األطروحة وصاحبِها الذي آلت إليه مسؤولية إدارة معهد جون‬

‫‪17‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫أولين للدراسات االستراتيجية بجامعة هارفارد الشهيرة‪ .‬وقد كان لتضلعه في‬
‫الدراسات االستراتيجية العسكرية وتفانيه في هذا النوع من التخصص وتألقه‬
‫بصفة خاصة في الدراسات المقارنة في مجال السياسة األمريكية وسياسات‬
‫دول العالم الثالث‪ ،‬أن أسندت إليه ما بين عامي ‪5777‬و ‪5778‬م رئاسة قسم‬
‫ال ّتحليل واالستشراف بمجلس األمن القومي األمريكي(‪.)5‬‬
‫وقد أضفت سمع ُة صمويل العلمية وتاريخه العلمي كواحد من‬
‫االستراتيجيين‪ ،‬أهمية مضاعفة على أطروحته ذات العنوان االستفهامي هل هو‬
‫صراع بين الحضارات؟‬
‫الصدام بين الحضارات‬
‫تقوم أطروح ُة التصادم بين الحضارات على أن ّ‬
‫ُ‬
‫هو الذي سيهيمن على السياسة الدولية ويشكل الحلقة األخيرة من تطور‬
‫الصراع في العالم الجديد‪ ،‬باعتبار أن االنقسامات الكبرى بين بني البشر‪،‬‬
‫وبؤر التوتر سوف تكون ثقافية في األساس‪.‬‬
‫يقول >صموئيل هانتنجتون<‪« :‬والفرض الذي أقدمه هو أن المصدر‬
‫األساسي للنـزاع في هذا العالم الجديد لن يكون مصدرا إيديولوجيا أو اقتصاديا‬
‫في المحل األول‪ ،‬فاالنقسامات الكبرى بين بني البشر ستكون ثقافية‪،‬‬
‫والمصدر المسيطر للنـزاع سيكون مصدرا ثقافيا‪ ،‬وستظل الدول األمم هي‬
‫أقوى الالعبين في الشؤون الدولية‪ ،‬لكن المنازعات األساسية في السياسات‬
‫العالمية ستحدث بين أمم مجموعات لها حضارات مختلفة‪ ،‬ويسيطر الصدام‬
‫بين الحضارات على السياسات الدولية‪ .‬ذلك أن الخطوط الفاصلة بين‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد عابد الجابري‪ ،‬قضايا في الفكر المعاصر‪( ،‬بيروت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬يونيو‪1991‬م)‪ ،‬ص‪.91‬‬

‫‪71‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫الحضارات ستكون هي خطوط المعارك في المستقبل‪ ،‬وسيكون النـزاع بين‬


‫الحضارات هو المرحلة األخيرة في تطور النـزاع في العالم الحديث»(‪.)5‬‬
‫ويعتقد >صامويل هانتنجتون< أن الهوية الثقافية ستكتسب مزيدا من‬
‫األهمية في المستقبل‪ ،‬وسيتشكل العالم بقدر كبير نتيجة للتفاعل بين سبع أو‬
‫ثمان حضارات فاعلة‪ ،‬وستحدث أهم المنازعات في المستقبل على امتداد‬
‫خطوط التقسيم الثقافية التي تفصل هذه الحضارات الواحدة عن األخرى(‪.)2‬‬
‫ولتعزيز فكرته هذه‪ ،‬وزيادة في تدعيمها‪ ،‬يورد >هانتنجتون< مجموعة‬
‫من العوامل‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ شكّلت الفروق بين الحضارات الخطوط الفاصلة الجوهرية‪ ،‬ويأتي‬
‫الشعوب شاهد على أن هذه الفروق‬ ‫وتاريخ ّ‬
‫ُ‬ ‫ال ِّدين في طليعة هذه الفروق‪،‬‬
‫زجت بالحضارات في أطول المنازعات وأشدها ضراوة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ 2‬ــ بعد أن أضحى العالم صغيرا‪ ،‬باتت التفاعالت بين شعوب‬
‫الحضارات في ال ّتفاقم‪ ،‬وأسفرت هذه التفاعالت على ارتفاع درجة وعي‬
‫الحضارات بنفسها وإدراكها للفروق بين الحضارات‪.‬‬
‫تهدف اإلجراءات االقتصادية الحديثة وسياسات التغيير االجتماعي‬
‫‪ 3‬ــ ُ‬
‫الجارية إلى فصل الشعوب عن هويات محلية‪ ،‬عالوة على إضعاف الدولة‬
‫الدين ليمأل هذا الفراغ على شكل‬
‫ُ‬ ‫تحرك‬
‫ال ُقطرية‪ ،‬وفي جزء كبير من العالم َ‬
‫حركات عرفت بالحركات األصولية‪ .‬فإحياء الدين يوفر أساسا للهوية والتزاما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬منى واصف‪ ،‬الغرب واإلسالم‪ ،‬على حاشيته صموئيل هانتجتون‪ ،‬هل هو صدام بين‬
‫الحضارات‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار جهاد للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪5785 ،5‬م)‪ ،‬ص‪.571‬‬
‫(‪ )2‬منى واصف‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.571‬‬

‫‪75‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫يتجاوز الحدود القطرية‪ ،‬ويوحد الثقافات‪.‬‬


‫جراء ال ّدور المزدوج الذي يقوم به الغرب‪،‬‬
‫َ‬ ‫الوعي الحضاري‬
‫ُ‬ ‫‪ 1‬ــ يتفاقم‬
‫فمن جهة يمتلك الغرب ناصية القوة والنفوذ في الوقت نفسه‪ ،‬وربما نتيجة‬
‫لهذا الواقع تلوح في األفق صيحات تدعو إلى العودة إلى جذورها الحضارية‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫فال غرو إذن أن نجد في الوقت الراهن غربا في أوج قوته‪ ،‬بات يجابه‬
‫في الوقت نفسه أطرافا غير غربية يحدوها األمل في تشكيل العالم وفق أساليب‬
‫غير غربية‪ ،‬ال تنقصها اإلرادة واإلمكانات لتحقيق ذلك(‪.)5‬‬
‫وانطالقا من افتراضه أن االتجاه الجديد للسياسة العالمية في المستقبل‬
‫سيمثل في الصراع بين الغرب وبقية العالم‪ ،‬وردود فعل الحضارات غير‬
‫الغربية على السلطة والقيم الغربية‪.‬‬
‫يتوقع صموئيل أن بؤرة مركزية للصراع في المستقبل سوف تكون بؤرة‬
‫صراع بين الغرب من جهة وبين عدد من الدول الكونفوشيوسية واإلسالمية من‬
‫الجهة المقابلة(‪.)2‬‬
‫ويخلص المفكر األمريكي إلى أن مصلحة الغرب على المدى القصير‬
‫تكمن في العمل على تحقيق قدر أكبر من التعاون والتعايش داخل حضارته‪،‬‬
‫خاصة بين العنصرين األوروبي واألمريكي الشمالي‪ ،‬وإدماج مجتمعات قريبة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬منى واصف‪ ،‬الغرب واإلسالم‪ ،‬على حاشيته صموئيل هانتجتون‪ ،‬هل هو صدام بين‬
‫الحضارات‪ ،‬ص‪ 114‬ــ ‪.119‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 578‬ــ ‪.577‬‬

‫‪72‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫لثقافات الغرب في كل من أروبا الشرقية وأمريكا الالتينية‪ ،‬وتوطيد عالقات‬


‫التعاون مع كل من روسيا واليابان‪ ،‬ومنع تصاعد النـزاعات المحلية داخل‬
‫الحضارات إلى حروب كبيرة‪ ،‬والحد من توسع القوة العسكرية للدول‬
‫اإلسالمية والكونفوشيوسية‪ ،‬واستغالل الخالفات والنـزاعات بين هذه الدول‬
‫فيما بينها‪ ،‬وتقديم المساعدات للمتعاطفين مع القيم والمصالح الغربية في‬
‫الحضارات األخرى‪ ،‬وتقوية المؤسسات الدولية التي تعكس المصالح والقيم‬
‫المشروعة للغرب(‪.)5‬‬
‫أما على المدى الطويل‪ ،‬فيشدد على أهمية قيام الغرب باحتواء‬
‫الحضارات غير الغربية الحديثة‪ ،‬التي باتت قوتها قريبة من قوته‪ ،‬وإن كانت‬
‫قيمها ومصالحها تختلف بصورة كبيرة عن قيمه ومصالحه‪ ،‬وهو ما يقتضي من‬
‫الغرب أن يحتفظ بقوته االقتصادية والعسكرية الضرورية لحماية مصالحه‬
‫بالنسبة لهذه الحضارات‪.‬‬
‫وعليه أن يكتسب فهما أعمق للتفاعالت الدينية والفلسفية األساسية التي‬
‫تحدد البنية التحتية التي تقف عليها الحضارات‪ ،‬والطريقة التي ترى بها‬
‫شعوب هذه الحضارات مصالحها(‪.)2‬‬

‫ثانيا‪ :‬تأصيل العداء لإلسالم‪.‬‬


‫إن المتأمل ألطروحة صدام الحضارات يلمس تلك الفكرة الباطنية التي‬
‫يبثها هانتنجتون في نظريته‪ ،‬وهي أن األمر سينتهي حتما بصراع بين‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 215‬ــ ‪.212‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.212‬‬

‫‪73‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫الحضارتين الغربية واإلسالمية‪ ،‬كما كان الحال ــ وفق زعم هانتنجتون وآخرين‬
‫ــ طوال ألف وثالثمائة عام(‪.)5‬‬
‫والمقال ال يطرح هذه الفكرة مباشرة‪ ،‬بل يبدأ بإقرار مبدأ النهوض‬
‫الحضاري في شتى بقاع العالم‪ ،‬حيث يزداد الوعي بالذّ ات لدى كل مجموعة‬
‫بشرية تجمعها عناصر موضوعية مشتركة‪ ،‬ومع تنامي هذا الوعي تنشأ عملية‬
‫التمايز عن اآلخر‪ ،‬وربما االختالف معه‪ ،‬نتيجة وجود فروق ليس فقط‬
‫حقيقية‪ ،‬وإنما أساسية ال يمكن تجاهلها‪.‬‬
‫وبعد استعراضه لألسباب التي تدفعه لتوقع مرحلة من صراع الحضارات‬
‫معني الغربي اإلسالمي الذي يراه النتيجة‬ ‫ٍّ‬ ‫يتحول مقال هانتنجتون إلى بحث‬
‫النهائية لما يسميه باالصطفاء الحضاري‪ ،‬الذي أفصح عن نفسه في حرب‬
‫هم لها إال إثارة‬
‫الخليج‪ .‬شأنه في ذلك شأن جميع المقاالت المتشنجة التي ال ّ‬
‫ما يُعرف باإلحياء اإلسالمي وتهديده للغرب وحضارته‪ .‬ومع أنه يرى إمكانية‬
‫احتواء كثير من البلدان المنتمية إلى حضارات غير غربية‪ ،‬وراغبة في االنضمام‬
‫إلى الحضارة الغربية مثل المكسيك وكثير من البلدان الالتينية(‪ .)2‬فإنه بالمقابل‬
‫يرى أن البلدان اإلسالمية التي عبرت عن رفضها للحضارة الغربية‪ ،‬واستغلت‬
‫في رأيه آليات الديمقراطية الغربية للتعبير عن رفضها للغرب‪ ،‬يصعب أن‬
‫تندمج مع حضارته‪ ،‬ولكنها بإمكانها أن تتعاون مع حضارات أخرى رافضة‬
‫تخير لها نموذجين هما الصين وكوريا‬ ‫للغرب‪ ،‬مثل الكونفوشوسية‪ ،‬التي ّ‬
‫الشمالية(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 194‬ــ ‪.100‬‬

‫‪71‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫إن هانتنجتون ينطلق من فكرة جوهرية أن الصراع سيكون حلقة تمر بها‬
‫الحضارات في قمة نهوضها حتى تصل إلى مرحلة التعايش الذي يدرك خاللها‬
‫يكون حضارة واحدة متجانسة‪ ،‬وإنما هو مكان‬
‫كل طرف أن العالم ال يمكن أن ّ‬
‫التقاء عدة حضارات‪ ،‬وإن كان هانتنجتون لم يعن بتأكيد أن هذه النهاية‬
‫ستنسحب أيضا على الصراع الغربي اإلسالمي‪ ،‬بقدر ما عني بتخصيص‬
‫الجانب األكبر من المقالة للمرحلة الصراعية بين الغرب واإلسالم‪.‬‬
‫وهنا يتضح بأن الفكرة الباطنية التي يبثها هانتنجتون أن األمر سينتهي‬
‫بصراع بين الحضارتين الغربية واإلسالمية‪ ،‬كما كان الحال حوالي ‪5311‬‬
‫سنة‪.‬‬
‫لسنا هنا في حاجة لرد فكرة التصادم التي يعمل هانتنجتون لترسيخها في‬
‫الفكر الغربي‪ ،‬فالباحثون المنصفون الغربيون ح َّذروا من مخاطر هذه الفكرة عن‬
‫المواجهة اإلسالمية للغرب‪ ،‬فهذه الفكرة ليست خاطئة من الناحية التاريخية‬
‫فحسب‪ ،‬وإنما هي خطرة كذلك ألنها ُتعطي صورة وهمية للعالم اإلسالمي‬
‫بتضخيم المخاوف النفسية والعنصرية‪ .‬فالمسلمون كما يرى كارلسون انغمار‬
‫مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية السويدية‪ ،‬ليسوا اآلن في موقع‬
‫قوة‪ ،‬ال في طاجكستان وأذربيجان وال في فلسطين والبوسنة‪ ،‬واإلسالم‬
‫دوما وكمتنافسين تقريبا‪،‬‬
‫والمسيحية تعايشا سويا خالل ‪5111‬سنة‪ ،‬كجارين ً‬
‫وكعدوين في مرات كثيرة‪ ،‬غير أن نزاعاتهما المريرة كانت ناجمة عن أصولهما‬
‫ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫المشتركة‪ ،‬ونقاط التشابه بينهما في األساس ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ماهر الشريف‪ ،‬أطروحة صدام الحضارات ونقادها‪( ،‬النهج‪ ،‬سوريا‪ ،‬عدد‪ ،11‬سنة‬
‫‪5771‬م)‪ ،‬ص‪.212‬‬

‫‪71‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫والثقافة اإلسالمية كما يضيف كارلسون ليست غريبة عن الغرب إلى‬


‫الحد الذي تحاول أن تصورها فيه األفكار المسبقة‪ ،‬وال سيما أن الحضور‬
‫اإلسالمي في القارة األوروبية قد أدى إلى تكامل مثمر بين اإلسالم والمسيحية‬
‫واليهودية‪ ،‬وإلى نهضة رائدة في شتى المجاالت من علم وفلسفة وثقافة وفن‪.‬‬
‫وفي نهاية العصور الوسطى كما يضيف كارلسون شكّل اإلسالم واليهودية‬
‫مكونين ألروبا‪ ،‬واليوم يوجد في أروبا أكثر من عشرة ماليين مسلم‪،‬‬‫عنصرين ّ‬
‫وتشير التقديرات أن الهجرة المستمرة سترفع هذا العدد باستمرار‪ ،‬وبعد خمس‬
‫وعشرين سنة قد يكون في أروبا ما بين ‪ 21‬إلى ‪ 11‬مليون مسلم‪.‬‬
‫وبغض النظر عن دقة هذه التقديرات فإنه لم يعد في اإلمكان تعدد‬
‫ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫مكون إسالمي أخضر له ‪.‬‬‫االتحاد األوروبي بدون وجود ّ‬
‫تبين خطأ نظرية التصادم تاريخيا وواقعيا‪ ،‬فلماذا هذا الترويج لهذه‬
‫إذا ّ‬
‫األطروحة؟ ومن يقف وراءها؟ وما هي خلفيتها اإليديولوجية؟ ولماذا برزت‬
‫هذه األطروحة في الوقت الراهن بالذات؟ وما هي الدوائر التي تستفيد منها؟‬

‫ثالثا‪ :‬اخللفية اإليديولوجية يف صدام احلضارات‪:‬‬


‫من أجل وضع المسألة في إطارها الحقيقي ال بد من الرجوع إلى الوراء‬
‫قليال‪ ،‬حيث نتعرف على بعض الكتابات التي سبقت مقالة هانتنجتون والتي‬
‫تفصح عن اتجاه في التفكير سائدة في الغرب‪ ،‬فجاءت مقالة هذا األخير لتعبر‬
‫عنه بصراحة وقوة(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ماهر الشريف‪ ،‬أطروحة صدام الحضارات ونقادها‪ ،‬ص‪.213‬‬
‫(‪ )2‬محمد عابد الجابري‪ ،‬قضايا في الفكر المعاصر‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪71‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫رسخها في الفكر الغربي المستشرقون‬ ‫إن الكراهية والعدائية لإلسالم ّ‬


‫الصهاينة‪ ،‬وجاء هانتنجتون فبلورها في شكل نظرية حتمية‪ ،‬ولذلك ال يعد هذا‬
‫األخير مبتدعا في هذا الميدان‪ ،‬بل سار على منوال بني قومه‪ ،‬فنجد مثال‬
‫مكسيم رودنسون اليهودي‪ ،‬والذي يحظى بتقدير بعض الباحثين المسلمين‪،‬‬
‫اإلسالم العالم الغربي دائما‪ ،‬فهو يمثل بالنسبة له تهديدا في‬
‫ُ‬ ‫سحر‬
‫يقول‪« :‬لقد َ‬
‫أغلب األحيان‪ ،‬ونموذجا في بعض األحيان‪ ،‬وفي القرن التاسع عشر والقرن‬
‫العشرين كان على وجه الخصوص من ّف ًرا»(‪.)5‬‬
‫كما يطرح أسئلة للمستقبل على غاية الحيرة فيقول‪« :‬ظهر العالم‬
‫اإلسالمي من جديد كيانا يحافظ بروح غيورة على نوعية ثقافته الخاصة فما هو‬
‫التوجه الروحي البحت‪ ،‬ولكن‪ ،‬أال يصبح هذا الكيان تهديدا كما كان‬
‫ّ‬ ‫أبعد عن‬
‫في الماضي؟ هل نمط الحياة الذي ارتضاه الغرب في خطر ج ّدي؟‪ » ..‬ثم‬
‫يضيف قائال‪« :‬تثير هذه األسئلة فضوال قلقا‪ ،‬وهذا القلق ثمين‪ ،‬وكل ما يحض‬
‫على معرفة أكثر عمقا باآلخر هو رائع‪ ،‬إال أنه يجب عدم االنحراف نحو أجوبة‬
‫خاطئة»‪ ،‬ثم يبدو تخوفه واضحا في قوله‪« :‬هل يستطيع العالم اإلسالمي أن‬
‫يشكل اليوم كما فعل في الماضي‪ ،‬وإلى هذا الحد أو ذاك ــ كتلة جديدة‬
‫عقائدية ــ سياسية عقائدية؟ لِ َـم ال؟ إنه يملك في هذا المنحى مزايا ال يمكن‬
‫تقوض انتماءها‬
‫أن توجد مجتمعة إال لديه‪ :‬أساس عريض من الجماهير التي لم ّ‬
‫اإلسالمي أي دعاية مناهضة للدين‪ ،‬والذي يصدر عنها‪ .‬ضغط اجتماعي هائل‬
‫تفرضه على أي معارضين محتملين‪ ،‬وانتماء وطني إلى الجماعة لم تزده‬
‫هجمات الغرب عليه إال قوة»(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬اإلسالم شريعة وسياسة‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 64‬ــ ‪.69‬‬

‫‪77‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫كما نجد هذا التحذير من خطر اإلسالم الزاحف عند المستشرق‬


‫مونتغمري وات في قوله‪« :‬يبدو محتمال أن اإلسالم سيصبح في عام ‪2111‬‬
‫واحد من ست قوى سياسية متميزة في العالم‪ .‬وقد يبدو إدخال األديان في‬
‫حساب القوى السياسية غريبا للعديد من األوربيين واألمريكيين‪ ،‬فهم قد‬
‫اعتادوا النظر إلى الدين باعتباره مسألة تخص القوى الشخصية فقط»(‪.)5‬‬
‫مهدت‬ ‫ولن ننسى هنا في هذا المقام كتابات برنارد لويس اليهودي التي ّ‬
‫لفكرة هانتنجتون وقد أشاد هذا األخير بآرائه في هذا المجال(‪ .)2‬ومن عباراته‬
‫الحاقدة على اإلسالم‪ ،‬والتي تنبئ بصراع دامٍ بين اإلسالم والغرب قوله‪:‬‬
‫«غالبية هذه األديان وعلى الرغم من مستواها الرفيع‪ ،‬وما قدمته من إنجازات‬
‫كانت مقصورة على إقليم واحد أو ثقافة واحدة‪ ،‬أو شعب واحد‪ ،‬إال أنه على‬
‫أية حال يوجد دين واحد يمكن مقارنته مع المسيحية من حيث رقعة انتشاره‬
‫الواسعة وطموحه العالمي وحيويته المتدفقة‪ ،‬وهذا الدين هو اإلسالم»(‪.)3‬‬
‫ويضيف في موضع آخر‪« :‬فقد عرف اإلسالم فترات نفخ فيها روح‬
‫الكراهية والعنف في أتباعه‪ ،‬ومن سوء حظنا فإن جزءا من العالم اإلسالمي ــ‬
‫ليس كله بل وال يشكل األغلبية ــ ال يزال يرزح تحت وطأة هذا الميراث‪،‬‬
‫موجهة ضدنا‬
‫ومن سوء حظنا أن غالبية ــ وليس كل ــ هذه الكراهية والعنف ّ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬الفكر السياسي اإلسالمي‪> ،‬المفاهيم األساسية< ترجمة صبحي حديدي‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫الحداثة للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ،)1941 ،1‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )2‬صموئيل هنتنجتون‪ ،‬هل هو صدام بين الحضارات؟‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫(‪ )3‬برنارد لويس‪ ،‬إدوارد سعيد‪ ،‬اإلسالم األصولي في وسائل اإلعالم الغربية من وجهة نظر‬
‫ليبرالية‪ .‬على حاشيته‪ ،‬برنارد لويس‪ ،‬جذور السخط اإلسالمي‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الجيل‪،‬‬
‫ط‪1111 ،1‬هـ‪1991/‬م)‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪78‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫في الغرب»(‪.)5‬‬
‫يتضح مما سبق أن مقالة هانتنجتون ليست بدعا من القول في الفكر‬
‫الغربي‪ ،‬وإنما هي تفصح عن اتجاه سائد منذ فترة يحمل حقدا على اإلسالم‪.‬‬
‫ولكن لنا أن نتساءل لماذا ال ّدعاية لهذه األطروحة في هذا الوقت‬
‫بالذات؟ وما هي ال ّدوائر التي لها مصلحة من مثل هذه األفكار؟‬
‫يعتقد عابد الجابري أن مهمة كاتب األطروحة تتجلى في الرد بصورة‬
‫غير مباشرة ــ وسيكون بصورة مباشرة فيما بعد ــ على فكرة نهاية التاريخ‬
‫تفوق الليبرالية بصورة نهائية‪ ،‬بعد سقوط‬
‫لفوكوياما‪ ،‬وهي الفكرة التي تؤكد ّ‬
‫االتحاد السوفياتي وانهيار الشيوعية‪.‬‬
‫إن تقرير مبدأ النصر الذي تحقق بصورة نهائية لليبرالية يعني بالضرورة‬
‫أنه لن يكون هناك في المستقبل خصوم للغرب الذي تقوده أمريكا‪ ،‬وهذا بدوره‬
‫يعمل على تجميد وإنهاء المساعدات التي تقدم إلى إسرائيل بصفة خاصة‪،‬‬
‫ألنه سيغدو من غير الممكن إقناع الناخب األمريكي والكونجرس األمريكي‬
‫الذي يمثله‪ ،‬بضرورة الموافقة على ميزانية وزارة الدفاع المترفة جدا‪ ،‬وما‬
‫تحويه من مساعدات باهظة إلسرائيل خاصة‪.‬‬
‫إن هذه النتيجة الحقيقية كما يرى الجابري هي التي حركت هانتنجتون‪،‬‬
‫أو حركت من طلب ذلك ليتصدى بسرعة وعنف لفكرة نهاية التاريخ(‪.)2‬‬
‫انطالقا مما سبق ذكره يتضح للعيان مدى قبضة المستشرقين المتعصبين‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 10‬ــ ‪.11‬‬
‫(‪ )2‬قضايا في الفكر المعاصر‪ ،‬ص‪ 91‬ــ ‪.91‬‬

‫‪77‬‬
‫االسترشاق املعارص‬

‫الذين تحكمهم الرؤية الصهيونية العدائية على الثقافة والسياسة في الغرب‬


‫حاليا‪ ،‬وبهم تكون جيل من المستشرقين الجدد الذين الهم لهم سوى الزج‬
‫بالغرب في خدمة أغراضهم وأهدافهم‪.‬‬
‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫‪81‬‬
‫مناهج االسترشاق املعارص‬
‫يف دراسة القرآن الكريم‬
‫مناهج االسترشاق املعارص يف دراسة القرآن‬

‫قدمنا في الفصل األول من دراستنا التأصيل التاريخي لظاهرة االستشراق‬


‫المعاصر‪ ،‬مبينين ماهيتها وتطورها‪ ،‬والمراحل التاريخية التي أسهمت في بلورة‬
‫وتكريس مفهومها النهائي‪.‬‬
‫ولقد سبق وأن بينا أن الفكر اإلسالمي لم يكن بمنأى عن هذه الظاهرة‪،‬‬
‫فالمؤكد أن اإلسالم لم تمر عليه تحديات جسام بمستوى هذه الكثافة‪ ،‬كما هو‬
‫الشأن عليه مع االستشراق المعاصر‪ .‬ومع أنه استنفذ قواه وأثر على فاعليته؛‬
‫لكن لم يتمكن من اإلجهاز عليه‪ .‬فما برحت هذه التحديات تستفز علماء‬
‫اإلسالم‪ ،‬وتستنفر جهودهم لذود الدخيل عليه‪.‬‬
‫وسنحاول في الفصل الثاني تتبع هذه الظاهرة ورصد تداعياتها في‬
‫الدراسات اإلسالمية المعاصرة‪ .،‬فمن البديهي أن نشرع في تقييم هذه الظاهرة‬
‫في هذا الوقت بالذات‪ .‬وذلك ال يتأتى إال باإلجابة عما يلي‪:‬‬
‫هل انتهت مرحلة الهجوم على القرآن الكريم بتدفق ذلك السبيل من‬
‫اإلسرائيليات التي غمرته محاولة منها لتشويه صورته؟‬
‫أم إن اإلسرائيليات ارتدت ثوبا عصريا تتستر من خالله لبث سمومها؟‬
‫وبالمقابل اقتصرت الدراسات اليهودية فيما يخص السنة على وضع‬
‫أحاديث مكذوبة‪ ،‬لفقها زنادقة ونسبوها إلى رسول اهلل زورا وبهتانا؟ أم إنها‬
‫دخلت عهدا جديدا مع االستشراق المعاصر طورت فيه أسلوبها لتعمل من‬
‫خالله لتجريد السنة من قدسيتها والتهوين من شأنها‪ ،‬باعتبارها المصدر الثاني‬
‫للفكر اإلسالمي؟‬

‫‪83‬‬
‫مناهج االسترشاق املعارص يف دراسة القرآن‬

‫لماذا حظيت الدراسات القرآنية واألحاديث النبوية من جديد بهذه العناية‬


‫الفائقة من قبل المستشرقين؟‬
‫وما هي المنافذ التي تسلل من خاللها االستشراق لنشر آرائه؟ وفي ما‬
‫تنحصر هذه الشبهات الملفقة‪ ،‬والتي انصبت كلها على التشكيك في المصدر‬
‫اإللهي للقرآن الكريم‪ ،‬والطعن في السنة النبوية من حيث حجيتها وثبوتها؟‬
‫وفي ثنايا عرضنا لهذه الشبهات عمدنا إلى مناقشتها والرد عليها بأسلوب‬
‫علمي محايد‪ ،‬مع فضحها بكشف مصدرها‪ ،‬وبينا مدى نجاحها في افتتان‬
‫بعض الباحثين المسلمين بها‪ ،‬وترديدهم لمقوالت االستشراق تحت قناع‬
‫التجديد والعصرنة‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪81‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬

‫‪5‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬
‫تعتمد اإلسرائيليات أساسا على حمل كالم اهلل ما ال يحتمل من حيث‬
‫المفاهيم والمعاني‪ ،‬وذلك باختالف قصص وخرافات مصدرها الكتاب‬
‫المقدس‪ ،‬وإسقاطها في تفسير آيات القرآن الكريم‪.‬‬
‫وقد بلغت خطورتها أن أضحت مالزمة لشرح معاني القرآن الكريم ال‬
‫تنفك عنه‪ ،‬حتى ال تكاد تخلو أمهات كتب التفسير منها‪ .‬وقد أماط اللثام‬
‫الشيخ محمد حسين الذهبي عن أخطارها بقوله‪ « :‬غير أن القرآن على صفائه‬
‫ونقائه‪ ،‬والسنة على سالمتها وصحتها لم يسلما من عبث العابثين‪ ،‬فإذا بالقرآن‬
‫وقد تسربت إليه أفهام سقيمة‪ ،‬وشرح الكثير من نصوصه بما ال يتفق والغرض‬
‫الذي نزل من أجله‪ ،‬وإذا بالسنة قد تطرق إليها الدخيل‪ ،‬والتبس الصحيح منها‬
‫بالعليل‪ .‬وكان الدافع لهذا كله أغراض سيئة‪ ،‬وأحقاد مألت قلوب الحاقدين‬
‫على اإلسالم والمسلمين»(‪.)5‬‬
‫مما ال شك فيه أن البدايات األولى لإلسرائيليات نشأت في بيئة‬
‫إسالمية‪ ،‬قد تردت في حمأة الفتنة والشقاق‪ ،‬فقد ضعفت هيبة الخالفة‪،‬‬
‫واشتغل المسلمون بالفتن الداخلية‪ ،‬فغفلت بذلك عين الرقيب‪ ،‬مما كان منفذا‬
‫لألفكار والعقائد اإلسرائيلية إلى تفسير القرآن الكريم(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬اإلسرائيليات في التفسير والحديث‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪5771 ،1‬م) ص‪.111‬‬
‫(‪ )2‬علي سامي النشار‪ ،‬نشأة الفكر الفلسفي‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.252‬‬

‫‪81‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬

‫أسهمت اإلسرائيليات بقسط وافر في محاوالتها لزعزعة قدسية القرآن‬


‫الكريم على أكثر من صعيد‪.‬‬
‫* أوال‪ :‬أفلحت اإلسرائيليات في أن تجعل من المسلمين أنفسهم‬
‫يتلهفون لنقل أخبار التوراة‪ ،‬وأحيانا يقدمون هذه المرويات عن أخبار القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬أو في أقل القليل يقابلون النص القرآني الذي يرونه مجمال أو مبهما‬
‫بالنص التوراتي الذي يعدونه مفصال صحيحا أصيال‪ .‬ويتبعون في ذلك السياق‬
‫التوراتي في كل ما هو مشترك بين المصدرين‪ .‬سواء تعلق األمر بقصة الخليقة‬
‫أم تاريخ األنبياء والرسل(‪.)5‬‬
‫تبعا لذلك بدا القرآن وكأنه يفتقد إلى المنهجية المستقلة‪ ،‬حين يتعرض‬
‫لهذه القضايا‪ ،‬مما حدا بالباحث حسن يوسف األطير أن يصرح بقوله‪« :‬تخلف‬
‫(‪)2‬‬
‫مهد السبيل للتشكيك في خصوبة‬ ‫القرآن وتقدمت أساطير التوراة» ‪ .‬وكل هذا ّ‬
‫وثراء القرآن من قبل المستشرقين الصهيونيين‪ ،‬ولذلك يبثون إيحا ًء ظالما بأن‬
‫النص القرآني أخذ من المفسرين أكثر مما أعطاهم‪ ،‬ألنهم أقبلوا عليه‬
‫وبحوزتهم عقائد وأفكار خاصة‪ ،‬حاولوا تطويع النص القرآني لها‪ ،‬ذلك كل‬
‫محصول المسلمين من تفسيرهم في زعمهم(‪.)3‬‬
‫* ثانيا‪ :‬عمدت اإلسرائيليات إلى اإلعالء من شأن التوراة‪ ،‬باعتبارها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬الطبري‪ ،‬التفسير‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.31‬‬
‫(‪ )2‬حسن يوسف األطير‪ ،‬البدايات األولى لإلسرائيليات في اإلسالم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الزهراء‪،‬‬
‫ط‪5152 ،5‬هـ‪5775/‬م) ص‪.7‬‬
‫(‪ )3‬وهذا يتجلى تماما من عنوان كتاب >مذاهب التفسير اإلسالمي< للمستشرق جولدزيهر‪،‬‬
‫الذي أجهد نفسه في كتابه بالكشف عن تمزق مزعوم للنص القرآني‪.‬‬
‫انظر‪ :‬محمد إبراهيم شريف‪ ،‬اتجاهات التجديد في تفسير القرآن الكريم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار‬
‫التراث‪ ،‬ط‪5782 ،5‬م) ص‪.73/72‬‬

‫‪81‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬

‫األصل األول للكتب المقدسة‪ ،‬وانعكس ذلك إيجابا على مكانة اليهود‪ ،‬فقد‬
‫بلغ شأن ممن أسلم منهم أن استهوت المسلمين تفسيراتهم وتعليقاتهم‪ .‬والمثير‬
‫للدهشة أن نعثر على روايات لبعض الصحابة والتابعين ــ إن صحت نسبتها‬
‫إليهم ــ مستقاة من التوراة‪ ،‬تتصادم جملة وتفصيال مع قدسية القرآن الكريم‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك تفسير قوله تعالى‪{ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰﯱﯲﯳﯴ ﯵﯶﯷﯸ ﯹﯺﯻﯼﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ}(‪.)5‬‬
‫فقد روى كثير من المفسرين أشهرهم ابن جرير الطبري‪ ،‬والسيوطي في‬
‫هذا روايات كثيرة عن بعض الصحابة والتابعين‪ ،‬أن الذبيح هو إسحاق وليس‬
‫إسماعيل‪ .‬ولم يقتصر األمر على المأثور عن الصحابة والتابعين‪ ،‬بل رفعوا‬
‫ذلك زورا إلى رسول اهلل ‪ .)2(‬وليس لنا مجال لنقض هذه الفرية‪،‬‬
‫فقد قتلها العلماء بحثا‪ ،‬ونستدل بما ذكره أشهر المحققين المعاصرين في‬
‫اإلسرائيليات‪ ،‬األستاذ أبوشهبة حين قال‪« :‬إن المرويات في أن الذبيح إسحاق‬
‫هي من إسرائيليات أهل الكتاب‪ ،‬وقد نقلها َمن أسلم منهم‪ ،‬ككعب األحبار‪،‬‬
‫وحملها عنهم بعض الصحابة والتابعين تحسينا للظن بهم‪ ،‬فذهبوا إلى أن‬
‫الذبيح إسحاق‪ ،‬وما من كتاب من كتب التفسير والسير والتواريخ إال ويذكر فيه‬
‫الخالف بين السلف في هذا‪ .‬إال أن منهم من يعقب ببيان وجه الحق في هذا‪،‬‬
‫ومنهم من ال يعقب اقتناعا أو تسليما فيها»(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة الصافات‪ ،‬آيات ‪ 77‬ــ ‪.553‬‬
‫(‪ )2‬الطبري‪ ،‬التفسير‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.11‬‬
‫ــ السيوطي‪ ،‬الدر المنثور‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.282/285‬‬
‫(‪ )3‬محمد بن أحمد أبو شهبة‪ ،‬اإلسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير‪( ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة‬
‫العامة لشؤون المطابع األميرية‪ ،‬د‪ .‬ط‪5373 ،.‬هـ‪5773/‬م) ص ‪.311/313‬‬

‫‪87‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬

‫إن هدف بعض اليهود من هذا االفتراء يكمن في تلك العداوة المتجذرة‬
‫من قديم الزمان للنبي العربي‪ ،‬وحتى ال يذهب ذلك إلى النبي وإلى‬
‫الجنس العربي الذي يؤدي بدوره إلى تالشي أسطورة شعب اهلل المختار‪.‬‬
‫والحقيقة أن الذبيح هو إسماعيل عليه السالم‪ ،‬وهو الرأي المشهور عند العرب‬
‫(‪)5‬‬
‫قبل البعثة‪ ،‬نقلوه بالتواتر جيال عن جيل‪ ،‬بل هو ما أومأت إليه التوراة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬األدلة قاطعة من القرآن الكريم ومن التوراة على أن الذبيح هو إسماعيل عليه السالم‪ ،‬وليس‬
‫هو إسحاق‪ .‬فقد وردت البشارة بإسحاق عقب قصة الذبيح {ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ} إلى أن يقول {ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ} (سورة الصافات‪ ،‬آيات ‪ 515‬ــ ‪.)552‬‬
‫فالبشارة بإسحاق قد وردت عقب قصة الذبيح‪ ،‬مما يدل على أن الذبيح هو شخص آخر‬
‫غير إسحاق‪.‬‬
‫هذا فضال عن أن البشارة بإسحاق قد وردت مقترنة بأنه سيعيش حتى يصبح نبيئا من‬
‫الصالحين‪ .‬أي أنه سيتجاوز مرحلة الصغر‪ .‬وهذا ما يتناقض مع أمر اهلل بذبحه وهو صغير‪،‬‬
‫أيعقل أن يبشر اهلل إبراهيم بأنه سيولد له إسحاق الذي سيكون نبيئا‪ ،‬ثم يأمره بعد ذلك‬
‫بذبحه‪ ،‬وهو لم يصل بعد إلى مرحلة النبوة؟‬
‫باإلضافة إلى أن البشارة بإسحاق قد اقترنت بأنه سيعيش حتى يتزوج وينجب يعقوب‪،‬‬
‫{ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ} (سورة هود‪ ،‬آية ‪ .)75‬فكيف يأمر اهلل بذبحه‬
‫قبل أن تتحقق هذه البشارة؟‬
‫أما التوراة‪ ،‬فإن النص الوارد فيها والمتعلق بشخصية الذبيح فيفيد بأنه إسماعيل وليس‬
‫إسحاق‪ .‬وهذا هو النص >خذ ولدك ووحيدك الذي تحبه >إسحاق<<‪( .‬سفر التكوين‪،‬‬
‫اإلصحاح‪ ،22‬فقرة‪.)2‬‬
‫وفي نص آخر >إني من أجل أنك فعلت هذا األمر ولم تمسك ابنك وحيدك أباركك‬
‫مباركة‪( <...‬سفر التكوين‪ ،‬اإلصحاح ‪ ،22‬فقرة ‪)51‬‬
‫فهذه النصوص الثالثة تفيد أن الذبيح هو االبن الوحيد إلبراهيم‪ ،‬وإسحاق لم يكن وحيدا‬
‫إلبراهيم يوما من األيام‪ .‬فالتوراة تنص على أن إسحاق قد ولد بعد إسماعيل بأربعة عشر‬
‫عاما (سفر التكوين‪ ،‬اإلصحاح‪ ،57‬فقرة‪ )51‬و(سفر التكوين‪ ،‬اإلصحاح ‪ ،25‬فقرة ‪=،)1‬‬

‫‪88‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬

‫نفسها(‪.)5‬‬
‫صح سنده إليهم‬
‫أما ما نسب عن بعض الصحابة فيما يخالف ذلك‪ ،‬فإن ّ‬
‫هو من اإلسرائيليات التي رواها أهل الكتاب الذين أسلموا‪ ،‬يقول أبو شهبة‪:‬‬
‫«إنها في أصلها دس اليهود‪ ،‬وكذبهم وتحريفهم للنصوص حس ًدا للعرب‪،‬‬
‫ولبني العرب‪ ..‬وقد جاز هذا الدس اليهودي على بعض كبار العلماء كابن‬
‫جرير والقاضي عياض والسهيلي‪ ،‬فذهبوا إلى أنه إسحاق»(‪.)2‬‬
‫* ثالثا‪ :‬أدت خرافات بني إسرائيل إلى صرف الناس عن جهر القرآن‪،‬‬
‫فحلّت التدبر في آيات القرآن‪ ،‬واالنتفاع بعطائه وعظاته‪ ،‬وكست القرآن برداء‬
‫من األسطورة والخرافة ليبدو متعارضا في ذلك مع بديهيات العقول‪ ،‬فتزعزع‬
‫بذلك مكانته في نفوس أتباعه‪ .‬ومع أنه ال خالف عند الباحثين المسلمين أن‬
‫بعض أسانيدها صحيحة أو حسنة إلى بعض الصحابة أو التابعين‪ ،‬ولكن‬
‫مصدرها باتفاق هو من إسرائيليات اليهود‪ ،‬ومروياتهم‪ .‬ولذلك نتفق مع أبي‬
‫شهبة في قوله‪« :‬وإن كونها صحيحة في نسبتها ال ينافي كونها باطلة في ذاتها‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وتنص على أن إسماعيل قد بقي حيا إلى وفاة إبراهيم‪ ،‬وأنه اشترك مع أخيه إسحاق في‬
‫دفن أبيهما ببلدة حيرون‪( ،‬سفر التكوين‪ ،‬اإلصحاح‪ ،21‬فقرة ‪ ،)7‬أما ابن إبراهيم الذي‬
‫كان وحيدا ألبيه فهو إسماعيل قبل مولد إسحاق‪.‬‬
‫يتضح من النص األول التزوير والتحريف‪ ،‬ألن العبارة متناقضة‪ ،‬حيث تثبت بصريح عبارة‬
‫التوراة نفسها أن إسحاق لم يكن إطالقا وحيدا إلبراهيم‪ ،‬ويبدو أن هذه العبارة كانت هكذا‪:‬‬
‫خذ ولدك‪ ،‬وحيدك الذي تحبه إسماعيل‪ ،‬ووضع مكانها إسحاق‪ .‬ولم يفطن إلى أن العبارة‬
‫تكون بهذه الصورة متناقضة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬صفوت حامد مبارك‪ ،‬بحوث في األديان‪( ،‬القاهرة‪ ،‬محطة المطبعة بالحرم‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫‪5781‬م)‪ ،‬ص‪ 527‬ــ ‪.532‬‬
‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.317/311‬‬
‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.313‬‬

‫‪87‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬

‫ولو أن االنتصار لمثل هذه األباطيل يترتب عليه فائدة ما‪ ،‬لغضضنا الطرف عن‬
‫مثل ذلك‪ ،‬ولما بذلنا غاية الجهد في التنبيه إلى بطالنها‪ ،‬ولكنها فتحت على‬
‫المسلمين باب شر كبير‪ ،‬يجب أن يغلق»(‪.)5‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما يُحكى عن صفة آدم عليه السالم‪ ،‬من أن رأسه كان‬
‫يبلغ السحاب فاعتراه لذلك صلع‪ ،‬ولما هبط على األرض بكى على الجنة‪،‬‬
‫حتى بلغت دموعه البحر وجرت فيها السفن(‪.)2‬‬
‫وكالكالم عن لون كلب أهل الكهف ووصفه(‪ .)3‬وعن عصا موسى من‬
‫أي شجرة خلقت(‪ .)1‬وعن طول سفينة نوح واتساعها‪ ،‬وأسماء الحيوانات التي‬
‫حملت فيها(‪ .)1‬وغير ذلك مما طواه القرآن الكريم‪ ،‬وسكت عنه رحم ًة بنا‪،‬‬
‫لما فيه من مضيعة للجهد في ما ال فائدة ترجى من معرفته‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬عمدت اإلسرائيليات إلى اآليات القرآنية التي تتحدث عن صفات‬
‫اهلل وأحاطتها بهالة من التشبيه والتجسيم هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬ووصفه بما ال‬
‫يليق بجالله‪ .‬والغريب في ذلك أننا نعثر على بعض عقائد اليهود والنصارى قد‬
‫وجدت لها مكانا في ذلك‪.‬‬
‫وسنقصر على ذكر مثال واحد لنبين فيه مدى انزالق بعض المسلمين في‬
‫النقل عن عقائد النصارى وترديدها كتعاليم إسالمية صحيحة‪.‬‬
‫ذكر الطبري في تفسيره لسورة آل عمران بسنده >عن عكرمة عن ابن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.231‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.531‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الطبري‪ ،‬التفسير‪ ،‬ج‪ ،51‬ص ‪.531‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الطبري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.55‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،52‬ص‪.22‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪71‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬

‫عباس‪ ،‬قوله‪{ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ}‪ ،‬قال‪> :‬عيسى بن مريم‪ ،‬هو الكلمة من‬
‫اهلل اسمه المسيح<(‪.)5‬‬
‫وروى بسند آخر عن محمد بن سعد بسنده عن ابن عباس‪{ :‬ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ} قال‪ :‬الكلمة التي صدق بها عيسى‪ ،‬وأعاد‬
‫الطبري نفس الرواية مرة أخرى‪ ،‬وروى ابن عباس أنه قال‪ :‬الكلمة هي‬
‫عيسى<(‪.)2‬‬
‫وروى عنه أيضا بسنده إلى عكرمة عن ابن عباس في قوله‪{ :‬ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ} قال‪ :‬عيسى هو الكلمة من اهلل(‪.)3‬‬
‫معرف‬
‫تحوي هذه النصوص مزلقا خطيرا يتمثل في استخدام لفظ كلمة ّ‬
‫باأللف والالم‪ ،‬فقال‪ :‬الكلمة‪ ،‬وهو ما لم ينص عليه القرآن بمثل ذلك‪ .‬وال‬
‫معرفا بشأن المسيح‪ ،‬أو أي مخلوق آخر‪،‬‬
‫يجوز لمسلم أن يستخدم هذا اللفظ ّ‬
‫ألن التعريف يعني التعيين والتحديد‪ ،‬وتصبح الصفة مقصودة عليه مختصة به‪.‬‬
‫وما وقع فيه األقدمون من مزلق في تعريف تلك الكلمة اتخذ ذريعة‬
‫للمسيحيين بأن القرآن يصرح بألوهية المسيح ويثبتها‪ .‬فتعريف هذا اللفظ مع‬
‫استخدامه بصيغة التذكير يوافق عقيدتهم تماما في ادعاء األلوهية له‪ ،‬بناء على‬
‫أول فقرة نص عليها إنجيل يوح ّنا >في البدء كان الكلمة‪ ،‬وكان الكلمة عند‬
‫اهلل‪ ،‬وكان الكلمة اهلل<(‪.)1‬‬
‫فالتعريف والتذكير واضحان صريحان‪ ،‬وهما شرط االعتقاد باأللوهية له‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.572‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.582‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫إنجيل يوحنا‪ ،‬اإلصحاح‪ ،5‬فقرة ‪.5‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪75‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬

‫ولذلك يعلق حسين يوسف األطير على ذلك بقوله‪« :‬ال شك أن ابن عباس في‬
‫معرفا‬
‫معرفا‪ ...،‬أنه الوحيد الذي انفرد بترديد هذا اللفظ ّ‬
‫تزويد ذلك اللفظ ّ‬
‫بين الكم الهائل من أقوال الصحابة والتابعين والمفسرين الذين روى عنهم‬
‫الطبري»(‪.)5‬‬
‫عوة نجد الحديث عن سجود يحي ‪ ‬للمسيح‬ ‫ولتأكيد تلك ال ّد َ‬
‫‪ ،‬فقد روى الطبري بسنده إلى جريج وابن عباس‪ ،‬في تفسير قوله‬
‫تعالى‪{ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ}‪.‬‬
‫قال‪> :‬كان عيسى ويحي ابن خالة‪ ،‬وكانت أم يحي تقول لمريم‪ ،‬إني‬
‫أجد الذي في بطني سيحسد الذي في بطنك‪ ،‬لذلك تصديقه بعيسى‪ ،‬سجوده‬
‫في بطن أمه له‪ ،‬وهو أول من صدق بعيسى‪ ،‬وكلمة عيسى‪ ،‬ويحي أكبر من‬
‫عيسى<(‪.)2‬‬
‫إن هذا التعبير كما يضيف األطير باطل تماما‪ ،‬فهو يطفح بالوثنية‬
‫المسيحية القائلة بتأليه ابن مريم‪ ،‬من كان الحمل به أحشائها‪ .‬وأصل هذه‬
‫المقالة وارد في إنجيل لوقا‪.‬‬
‫وهذا النص وغيره من كتب التفسير يكشف إن صح السند عن األخذ عن‬
‫المصادر اليهودية المسيحية على عواهنها دون تمحيص وتدقيق‪.‬‬
‫إذا كان لإلسرائيليات هذا الدور الخطير‪ ،‬فإنها تطرح علينا جملة من‬
‫التساؤالت تتمثل في كيفية تسرب هذه اإلسرائيليات إلى القرآن الكريم؟ لماذا‬
‫كانوا يترددون على أحبار اليهود لمعرفة أسرار بعض اآليات القرآنية؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬البدايات األولى لإلسرائيليات في اإلسالم‪ ،‬ص‪.537‬‬
‫(‪ )2‬انظر بالتفصيل‪ :‬الطبري‪ ،‬التفسير‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.572‬‬

‫‪72‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬

‫ما هو حجم مسؤولية من أسلم من اليهود في ترويج هذه اإلسرائيليات؟‬


‫ولماذا رفعت إلى الرسول ‪‬؟ وما مدى صحة نسبتها إلى كعب‬
‫األحبار؟ ووهب بن منبه؟‬
‫اضطربت اآلراء اإلسالمية في اإلجابة عن هذه األسئلة‪ ،‬الختالف زوايا‬
‫البحث حولها‪ .‬فهو موضوع شائك ال يزال بين أخذ ور ّد‪ ،‬وبصرف النظر عن‬
‫هذه الخالفات التي يتعذر استعراضها كلها في بحثنا هذا‪ ،‬فإن أغلب اآلراء‬
‫تكاد ُتجمع على هذه الحقائق اآلتية‪:‬‬
‫ــ انزلقت كتب التفسير المتعددة بما حوته من إسرائيليات‪ ،‬حتى ال يكاد‬
‫يخلو منها كتاب تفسير‪ .‬هذا إذا أخذنا في االعتبار ذلك التفاوت الموجود‬
‫بينها‪ ،‬بين معارض وساكت عنها‪ ،‬مع ما تطفح به بعض هذه اإلسرائيليات من‬
‫يقر بها العقل‪.‬‬
‫وثنية يمقتها الشرع وال ّ‬
‫ــ تقمصت هذه اإلسرائيليات أفكارا يهودية نفذت إلى الفكر اإلسالمي‬
‫بخطة يهودية ماكرة عملت على تلويث هذا الفكر‪ .‬وإن اختلف العلماء سواء‬
‫األقدمين أم المحدثين في تعديل وجرح رواتها‪ ،‬سواء كانوا من الصحابة أم‬
‫من التابعين أم من اليهود الذين أسلموا‪ .‬وذلك طبقا الختالفهم حول مدى‬
‫صحة ثبوت ونسبة هذه الروايات إلى أصحابها‪ ،‬إال أن هناك شبه إجماع على‬
‫أن أقوال الصحابة في التفسير ها حكم المرفوع إلى النبي ‪ ‬وإن‬
‫وضعوا لذلك شرطين متالزمين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون مما ال مجال للرأي فيه‪ ،‬كأسباب النـزول‪ ،‬وأحوال يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن ال يكون الصحابي معروفا باألخذ عن أهل الكتاب الذين‬
‫‪73‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬

‫أسلموا‪ ،‬أي غير معروف برواية اإلسرائيليات(‪.)5‬‬


‫ويتضح من الشرط الثاني تحري الضبط والدقة عند المحققين من أئمة‬
‫الحديث في طعنهم لمرويات إسرائيلية رويت عن بعض الصحابة‪ ،‬ألنها دخيلة‬
‫على الرواية اإلسرائيلية األصيلة‪.‬‬
‫وتبعا لما سبق‪ ،‬تحاشى كثير من التابعين وعلماء الحديث الرواية عن‬
‫بعض الصحابة الذين اشتهروا بترديد مرويات أهل الكتاب‪ .‬ومن أدلة ذلك‬
‫شهادة أبي هريرة لعبد اهلل بن عمرو بن العاص‪ ،‬بأنه كان أكثر مادة في الحديث‬
‫منه‪ ،‬ألنه كان قارئا كاتبا‪ ،‬وبالمقابل فإن هذه األفضلية التي أقر بها أبو هريرة‬
‫للصحابي الجليل‪ ،‬جاءت مرويات عبد اهلل بن عمرو بن العاص أقل من‬
‫مرويات أبي هريرة‪ ،‬والسبب في ذلك كما يشير بعض الباحثين إلى أن عمرو‬
‫بن العاص كان بحوزته كتب من أهل الكتاب تبلغ حمل بعيرين‪ ،‬تحصل عليها‬
‫ثم تحاشى بعض الرواة الرواية عنه خشية أن تختلط‬ ‫من موقعة اليرموك‪ ،‬فمن َ‬
‫عليه الروايات(‪.)2‬‬
‫ولهذا ال نكاد نجد في أي دين من األديان وال مذهب من المذاهب مثل‬
‫هذه الدقة والتحري لألسانيد واآلثار‪ ،‬خاصة إذا تعلق األمر بأحاديث رسول‬
‫اهلل ‪.‬‬
‫ــ إن كتب التفسير التي تعزى إلى الصحابة والتابعين‪ ،‬أكثر من أن‬
‫تحصى‪ ،‬ففيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع‪ ،‬وقد أضيفت إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬أبو شهبة‪ ،‬اإلسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير‪ ،‬ص‪ ،77‬نقال عن ابن حجر‪،‬‬
‫نزهة النظر شرح نخبة الفكر‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.81‬‬

‫‪71‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬

‫الكثير من هذه الكتب اإلسرائيليات التي تحوي على خرافات اليهود‬


‫وأباطيلهم‪ ،‬تراكمت فيما بينها لتشكل مادة ضخمة ينبغي علينا أوال تمحيصها‬
‫بمعرفة الصحيح والحسن منها‪ ،‬وطرح ما يتعارض مع العقائد اإلسالمية‪.‬‬
‫ــ أثارت قضية عدالة وتجريح الذين أسلموا من اليهود أمثال كعب‬
‫األحبار‪ ،‬ووهب بن منبه جدال واسعا احتدم حولها نقاض حاد بين المفكرين‬
‫المسلمين‪ ،‬سواء منهم األقدمين أم المحدثين‪ ،‬إال أن هناك إجماعا أنهم كانوا‬
‫جسرا عبرت منه أخبار اليهود ومروياتهم في الفكر اإلسالمي‪ ،‬ولو أن هذه‬
‫األخبار نسبت صراحة إلى هؤالء لهان األمر‪ ،‬ألنها تعزو ذلك إلى التوراة‪،‬‬
‫لكن خطورتها تكمن في أن أكثرها ينسب إلى الصحابة‪ .‬واألخطر من ذلك كله‬
‫أن تلحق مباشرة بالرسول ‪.‬‬
‫وتبعا لهذه الخطورة وما تحمله من معتقدات فاسدة نميل إلى رأي أشهر‬
‫المحققين المتأخرين بداية من ابن خلدون(‪ .)5‬مرورا بالشيخ رشيد رضا(‪.)2‬‬
‫ونهاية بالشيخ الذهبي‪ ،‬وأنه آن األوان لتنقية تراثنا من هذه األدران لخلوها من‬
‫أية فائدة تذكر‪ ،‬ووجدنا من بين العلماء المتأخرين من يرى أن من الخير‬
‫للمفسر أن يتحاشى الروايات اإلسرائيلية ويجنب بذلك كتاب اهلل هذا الذي ال‬
‫نعرف إن كان صدقا أو كذبا‪ ،‬حتى وإن استند البعض إلى حديث رسول اهلل‬
‫‪ ‬في جواز رواية أخبار بني إسرائيل‪ ،‬فإن ذلك مرده االستشهاد وليس‬
‫االعتقاد‪ .‬وباإلضافة إلى ما ذكره محمود شاكر «من أن إباحة التحدث عنه فيها‬
‫ليس لنا دليل على صدقه وال كذبه شيء‪ ،‬وذكر ذلك في تفسير القرآن وجعله‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الرائد العربي‪ ،‬ط‪5112 ،1‬هـ‪5782/‬م) ص ‪/137‬‬
‫‪.111‬‬
‫(‪ )2‬رشيد رضا‪ ،‬تفسير المنار‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬ط‪ ،2‬د‪ .‬ت‪ ).‬ج‪ ،5‬ص‪.7‬‬

‫‪71‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬

‫قوال أو رواية في معنى اآليات أو في تعيين ما لم يعين فيها‪ ،‬أو تفصيل ما‬
‫أجمل فيها‪ ،‬شيء آخر‪ ،‬ألن في إثبات مثل ذلك بجوار كالم اهلل ما يوهم أن‬
‫مبين لمعنى قول اهلل سبحانه‪ ،‬ومفصل لما‬
‫هذا الذي ال نعرف صدقه وال كذبه ّ‬
‫أجمل فيه‪ ،‬وحاشا هلل ولكتابه من ذلك»(‪.)5‬‬
‫وإن جهد ابن خلدون في العثور على أعذار لألقدمين في تناول هذه‬
‫اإلسرائيليات‪ ،‬ألن العرب لم يكونوا أهل كتاب وال علم‪ ،‬وإنما غلبت عليهم‬
‫(‪)2‬‬
‫البداوة واألمية فاستهوتهم هذه المرويات وتشوفوا إلى معرفة قصة الخليقة‬
‫وكنه الوجود‪ ،‬فكانوا يسألون عنها أهل الكتاب‪ ،‬إلشباع نهمهم الفكري‪ .‬أما‬
‫في عصرنا هذا فالحال يختلف وال عذر للمسلمين في ذلك‪ ،‬بعد أن كشفت‬
‫دسائسهم من جهة‪ ،‬إذ علمنا بأن عددا هائال من هذه المرويات لم تنص عليه‬
‫الكتب المقدسة‪ ،‬التي أضحت في متناول الجميع من جهة أخرى‪.‬‬
‫هذه هي جوانب الخطورة على قدسية القرآن الكريم وعقائد المسلمين‬
‫من رواية اإلسرائيليات‪ ،‬وإن كان أعظمها على اإلطالق هو ارتباطها الوثيق‬
‫بالتفسير‪ .‬إن أغلب كتب التفسير سواء ما كان بالمأثور حرفا‪ ،‬أو غلب عليه‬
‫المأثور‪ ،‬أو كان بالرأي أو االجتهاد‪ ،‬لم تكد تخلو جميعها من اإلسرائيليات‬
‫الملفقة‪ .‬واألحاديث الموضوعة‪.‬‬
‫وقد كان أبو إسحاق النظّام يقول‪ « :‬ال تسترسلوا إلى كثير من‬
‫المفسرين‪ ،‬وإن نصبوا أنفسهم للعامة‪ ،‬وأجابوا على كل مسألة‪ ،‬فإن الكثير‬
‫منهم يقول بغير رواية على غير أساس‪ ،‬وكلما كان المفسر أغرب عندهم كان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد حسين الذهبي‪ ،‬اإلسرائيليات في التفسير والحديث‪ ،‬ص‪ ،515/511‬نقال عن‪:‬‬
‫عمدة التفسير‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.51‬‬
‫(‪ )2‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص ‪.111/137‬‬

‫‪71‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬

‫أحب إليهم»(‪ .)5‬وذكر منهم الكلبي‪ .‬وصاحب هذا التفسير األخير ينتمي إلى‬
‫الحركة السبئية باتفاق(‪.)2‬‬
‫وقد بلغت الخطورة ذروتها في هذا الشأن حين يدق ناقوس الخطر شيخ‬
‫األزهر الذهبي فيقول‪« :‬ال أكون مبالغا وال متجاوزا حد الصدق إن قلت‪ :‬إن‬
‫كتب التفسير كلها قد انزلق مؤلفوها إلى ذكر بعض اإلسرائيليات‪ ،‬وإن كان‬
‫ذلك يتفاوت قلة وكثرة‪ ،‬وتعقيبا عليها وسكوتا»(‪.)3‬‬
‫وإننا نذكر ونحن ندرس مادة التفسير عند الشيخ محمد الغزالي أنه كان يردد‬
‫دائما بأنه يمنح شهادة الدكتوراه لمن ينقح تفسير ابن كثير من اإلسرائيليات‪.‬‬
‫يتضح مما سبق بأن اإلسرائيليات مشروع خطير‪ ،‬يثير أحيانا البلبلة حول‬
‫قدسية القرآن الكريم والحديث النبوي‪ ،‬بما حواه من أباطيل وخرافات نسب‬
‫الكثير منها إلى الرسول ‪ ‬وإلى أصحابه ‪ ،‬بهذا تكدست مادة غزيرة‬
‫من النصوص التوراتية‪ ،‬والروايات اليهودية‪ ،‬وترسبت داخل الفكر اإلسالمي‬
‫منذ القدم‪ ،‬وال زال هذا الفكر لم يتخلص منها بع ُد‪.‬‬
‫إننا نتفق مع أبي شهبة في نقده لمقوالت كعب األحبار وغيره‪ ،‬ألنها من‬
‫اإلسرائيليات التي معظمها مبدل أو محرف‪ ،‬وال حاجة للمسلمين مع خبر اهلل‬
‫تعالى ورسوله إلى شيء من هذا بالجملة‪ ،‬فإنه دخل فيها على الناس شر كبير‬
‫وجر عليهم البالء(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الجاحظ‪ ،‬الحيوان‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.313‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫سليمان بن حمد العودة‪ ،‬عبد اهلل بن سبإ‪ ،‬ص‪.227‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اإلسرائيليات في التفسير والحديث‪ ،‬ص‪.71‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اإلسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير‪ ،‬ص‪.518‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪77‬‬
‫اإلرسائيليات وقدسية القرآن الكريم‬

‫خالصة القول إن اإلسرائيليات نسبت إلى الصحابة الذين أسلموا‪ ،‬وقد‬


‫يكون سبب ذلك للعلم بما فيها من غرائب وعجائب‪ ،‬ولم ينبهوا إلى بطالنها‬
‫اعتمادا على تجلّي ذلك فيها‪ .‬وقد يكونون قد أشاروا إلى كذبها وعدم‬
‫صحتها‪ ،‬ولكن الرواة لم ينقلوا هذا عنهم‪ .‬والغالب أنها قد تكون مدسوسة‬
‫على الصحابة من قبل المتعصبين من اليهود‪ .‬وأما ما يحتمل الصدق والكذب‬
‫منها وليس فيه ما يتعارض مع النقل المتواتر الصريح أو بديهيات العقول‪،‬‬
‫فأوردوه بما فهموه من اإلذن لهم في روايتها‪ .‬وهذا النوع أقل خطورة من‬
‫األول‪ .‬ومع هذا فإنه ال فائدة تذكر من االشتغال به ألنه يحجب جمال القرآن‬
‫وتفسيره الصحيح‪.‬‬
‫تنتهي بنا هذه الدراسة إلى التأكيد بأن التعدي على قدسية القرآن مشروع‬
‫قديم‪ .‬فالصراع بين اإلسالم واليهودية كان شديدا استعملت فيه شتى الوسائل‬
‫عبأ كل ما يملك من إمكانيات‪،‬‬ ‫كما سبق وأن أشرنا‪ .‬ومع أن هذا المشروع ّ‬
‫فإنه لم يفلح في اإلجهاز على اإلسالم وتقويض أركانه‪ ،‬ولكنه أثر على مسيرته‬
‫وأجهد طاقته بحيث ال زال الفكر اإلسالمي يعاني من ويالته إلى اآلن‪.‬‬

‫أوردنا الحديث عن هذه المرحلة التاريخية حتى نمهد للحديث عن‬


‫حمالت االستشراق المعاصر واعتماده على االسرائيليات في عرض كثير من‬
‫آرائه الحقا حول قدسية القرآن الكريم‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫‪78‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫‪5‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫املطلب األول‪ :‬أهميّة التّرمجة‬

‫نستهل الحديث بترجمة القرآن الكريم حتى نسير من الناحية العلمية‪،‬‬


‫وفق منهج دقيق متتابع لدراستنا‪ .‬ذلك ألن الترجمة هي التي فتحت‬
‫للمستشرقين باب ال ّطعن وال ّتشكيك في القرآن‪.‬‬
‫ومع ما جادت به قريح ُة علماء اإلسالم حول القرآن الكريم وال ِّدراسات‬
‫المستفيضة لكل زاوية من زوايا البحث‪ ،‬فهناك ناحية خاصة لم تل ِق العناية‬
‫الزمة من قبل المسلمين بها‪ ،‬إال في وقت متأخر بدأ في القرن التاسع عشر‬ ‫ال ّ‬
‫للميالد(‪.)5‬‬
‫تلك هي ترجمة القرآن الكريم إلى اللّغات األجنبية‪ ،‬وهي ظاهرة غريبة‬
‫تطرح أكثر من تساؤل وحيرة‪ ،‬وتدعو إلى البحث عن األسباب التي أ َّدت إليها‬
‫ملحة‪.‬‬
‫الحاجة إلى ذلك ج ّد ّ‬
‫ّ‬ ‫بالرغم من أن‬
‫ّ‬
‫الرسول ‪ ‬إلى‬ ‫إ َّن القرآن الكريم كتاب سماوي عالمي‪ ،‬أرسل به ّ‬
‫ال ّناس جميعا‪ ،‬ولم يخص العرب دون سواهم‪ .‬وإن اإلسالم انتشر في بالد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬أحمد إبراهيم مهنا‪ ،‬دراسة حول ترجمة القرآن الكريم‪( ،‬القاهرة‪ :‬مطبوعات الشعب‪ ،‬د‪.‬‬
‫ط‪ ،‬د‪ .‬ت) ص‪.3‬‬

‫‪77‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫تعرف‬
‫ليست العربية لغتها‪ .‬فدخلت جماهير كثيرة في هذا ال ِّدين‪ ،‬وهي ال ُ‬
‫حسن النُّطق بها‪ .‬فأضحى تِعداد العرب ال يتجاوز نسبة‬
‫اللّغة العربية وال ُت ِ‬
‫ثمانية عشر بالمائة من مجموع المسلمين في العالم(‪.)5‬‬
‫فهل يترك باقي المسلمين من غير العرب تحت رحمة الترجمات‬
‫المشبوهة للقرآن الكريم تول ّى أمرها أناس غرباء عن دينهم؟‬
‫وماذا إذا كان جلّهم من الحاخامات اليهود المتعصبين؟ أو من القساوسة‬
‫المسيحيين المتعاطفين معهم؟‬
‫يظل القرآن الكريم محجوبا عن األمم األخرى؟ أو‬
‫ثم‪ ،‬هل األفضل أن ّ‬ ‫ّ‬
‫األولى أن ينقل إليها نقال سليما؟‬
‫وعلى ضوء هذه األهمية كان الب ّد أن يتبوأ موضو ُع ال ّترجمة بالذّ ات محل‬
‫الصدارة بين سائر علوم القرآن‪ .‬ومن هذه يبرز سؤال يفرض نفسه بإلحاح‪ :‬إذا‬ ‫ّ‬
‫كان لترجمة القرآن الكريم إلى اللّغات األجنبية هذا ال ّدور ال ّدعوي المميز‪،‬‬
‫فلماذا هذا التقصير؟‬
‫هذا مع العلم أن ال ّتاريخ اإلسالمي يؤك ُد عدم تقصير المسلمين في نشر‬
‫هذا ال ِّدين عبر أصقاع العالم‪ .‬هذا من جهة‪ ،‬وتشجيعهم لدراسة اللّغات‬
‫األجنبية لترجمة الكتب الفلسفية والعلمية في وقت مبكر من جهة أخرى‪.‬‬
‫ليس من شك من أن علماء اإلسالم قاموا بواجبهم ال ّدعوي في إيصال‬
‫اإلسالم لألمم األخرى‪ ،‬وال يعقل أنهم أ ّدوا هذا الواجب باللّغة العربية‪ ،‬حتى‬
‫بالنّسبة لهؤالء الذين ُع ِّربت ألسنتهم وفي وقت قصير‪ .‬والمؤكد أنه احتاج من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمود أبو العال‪ ،‬جغرافية العالم اإلسالمي‪( ،‬الكويت‪ :‬مكتبة الفالح‪ ،‬ط‪5781 ،3‬م)‬
‫ص‪.51‬‬

‫‪511‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫يمس حياة الناس من جميع نواحيها‪.‬‬


‫ال ّزمن ما يكفي لهذا ال ّتحويل اللّغوي الذي ّ‬
‫والسؤال الذي يتبادر إلى الذّهن في هذا المجال‪ ،‬كيف كان الناس‬ ‫ّ‬
‫يمارسون الشعائر الدينية‪ ،‬ويفهمون تعاليم القرآن خالل مرحلة االنتقال هذه؟‬
‫هل ظلّوا في جهل تام حتى تعلموا العربية؟ أم ابتكروا طريقة للوصول إلى‬
‫هدفهم؟ وهل هناك وسيلة لذلك يمكن أن تتصور في هذه الظروف‪ ،‬غير‬
‫ترجمة هذه التعاليم إلى لغاتهم؟‬
‫إ ّنه من المرجح في الخالف الذي نشب بين الفقهاء المسلمين‪ ،‬وسجله‬
‫لنا ال ّتاريخ بحذافيره فيما يتعلق بجواز الصالة بترجمة القرآن أو عدم جوازها؛‬
‫ما يوحي إلى أ ّن ذلك كان جزءا من المسألة التي فرضت نفسها‪ ،‬وطالبت‬
‫بحل‪ .‬فالصالة ركن من أركان اإلسالم‪ ،‬وقراءة القرآن فيها واجبة‪ .‬والجماهير‬
‫الشعائر‬
‫الغفيرة التي دخلت في اإلسالم عن إخالص وإيمان ترغب في أداء ّ‬
‫الصحيحة‪ .‬وهم ال يستطيعون قراءة القرآن باللّغة‬
‫ال ّدينية وفق األحكام الشرعية ّ‬
‫العربية(‪.)5‬‬
‫ونتج عن ذلك ما وصلنا من اجتهاد وآراء العلماء في هذا الجانب‪ ،‬مما‬
‫أفادنا علما بأن الترجمة لبعض اآليات على األقل كانت موجودة حينئذ‪ ،‬ألنه‬
‫وجد هناك من أجازها في الصالة لمن اعتبرها بأن المقام مقام ضرورة‪ .‬والبد‬
‫أن يكون الحل بمقدار ما يقضي به وال يزيد(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد مصطفى شلبي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪( ،‬بيروت‪ :‬دار النهضة العربية‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫‪5781‬م)‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.71 ،71‬‬
‫(‪ )2‬ما يقوي هذا أن المستشرقين أثبتوا ترجمات قديمة للقرآن الكريم إلى السريانية إبان والية‬
‫الحجاج بن يوسف في خالفة عبد الملك بن مروان‪ .‬ويذكر المستشرق الفرنسي المسلم‬
‫>مونتاي ‪ <MONTEIL‬أن الفيلسوف اليوناني >أنغيطاس< الذي عاش في القرن الثالث=‬

‫‪515‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫أما عن عدم وصول ذلك إلينا‪ ،‬فقد يُعزى إلى أن اللّغة العربية بسطت‬
‫نفوذها على اللّغات األجنبية في العالم اإلسالمي‪ ،‬وذلك الرتباطها العضوي‬
‫باإلسالم‪ ،‬فهي لغة القرآن‪ ،‬وقد رافقت انتشاره إلى مختلف أنحاء المعمورة‪،‬‬
‫وتعالت بذلك صيحات منذ وقت مبكر بال ّدعوة إلى أن تأخذ اللّغة العربية‬
‫مكانتها كركيزة هامة من ركائز الوحدة اإلسالمية‪.‬‬
‫فهي التي يتلقى بها المسلمون ال ّثقافة اإلسالمية في جميع األقطار‪،‬‬
‫السهل إذا أن تنجح هذه‬‫فكرسوا إلحيائها ونشرها جميع طاقاتهم‪ .‬فليس من ّ‬
‫ّ‬
‫الظّروف محاولة لتسجيل ترجمة للقرآن الكريم إلى غير اللّغة العربية‪ ،‬يكتب‬
‫ملحة لل ّترجمة من باب العالج‬
‫تدون وتتداول‪ .‬إذا كانت الحاجة ّ‬ ‫لها أن ّ‬
‫لمشكلة آنية فحسب‪ .‬وهذا وحده كان كافيا لعدم التمسك بالمحافظة عليها‬
‫وتحمل المشاق في سبيل تسجيلها‪.‬‬
‫وقد خاض ال ّزمخشري في هذه المسألة‪ ،‬والتي كانت تشغل بال أترابه في‬
‫تلك الفترة أثناء تفسيره لقوله تعالى {ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ}(‪ .)5‬فيقول‪ ...« :‬ال يخلو إما أن ينزل بجميع األلسنة أو بواحد منها‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= الهجري‪ ،‬قد نقل القرآن إلى اإلنكليزية‪.‬‬
‫أما ترجمة القرآن إلى لغات األقوام التي انتشر فيها فقد كانت موجودة منذ القدم‪ ،‬كالترجمة‬
‫الكاملة إلى الفارسية والتركية والهندية والسندية‪ .‬بل إن ترجمات وصلت إلى أربعين لغة‬
‫أجنبية في الوقت الحاضر‪ .‬وما يهمنا هن هو ترجمة الق إلى اللغة الالتينية أوال‪ ،‬ثم إلى‬
‫اللغات الغربية المعاصرة ثانيا‪ .‬نظرا لتحديد دراستنا بالمستشرقين اليهود المعاصرين‪،‬‬
‫وعالقتهم بالترجمة المعاصرة للقرآن الكريم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬سامي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪،2‬‬
‫ص‪ .355‬نقال عن‬
‫(‪ )5‬سورة إبراهيم‪ ،‬آية ‪.1‬‬

‫‪512‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫فال حاجة إلى نزوله بجميع األلسنة‪ ،‬ألن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفي‬
‫الرسول‪،‬‬‫التطويل‪ .‬فبقي أن ينزل بلسان واحد‪ .‬فكان أولى األلسنة لسان قوم ّ‬
‫ألنهم أقرب إليه‪ ،‬فإذا فهموا عنه وتبينوه وتنوقل عنهم وانتشر؛ قامت ال ّترجمة‬
‫ببيانه وتفهيمه‪ .‬كما نرى الحال ونشاهد ما من نيابة التراجم في كل ّأمة من أمم‬
‫العجم‪ ،‬مع ما يبرز ذلك من اتفاق أهل البالد المتباعدة‪ ،‬واألقطار المتنازحة‬
‫واألمم المختلفة واألجيال المتفاوتة على كتاب واحد»(‪.)5‬‬
‫ي ّتضح مما سبق ذكره أن ال ّتراجم كانت ممارسة ومتداولة‪ ،‬وخصوصا إذا‬
‫أخذنا في االعتبار ال ّزمن الذي عاش فيه الزمخشري‪ ،‬وذلك في القرنين‬
‫الخامس والسادس الهجريين‪ ،‬فقد توفي سنة ‪138‬هـ(‪ .)2‬أي بعد أن أخذت‬
‫تعربت‪ .‬وال يستبعد أن يكون هناك من دون‬
‫اللّغة العربية مكانها في البالد التي ّ‬
‫هذه ال ّتراجم أو بعضها على األقل في صحائف‪ ،‬وإن كانت لم تصل إلينا‬
‫لسبب أو آلخر‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪5117 ،‬هـ‪5787/‬م) ج‪ ،2‬ص‪.137‬‬
‫(‪ )2‬ابن خلكان‪ ،‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪ .‬تحقيق الدكتور‪ :‬إحسان عباس‪( ،‬بيروت‪:‬‬
‫دار صادر‪5377 ،‬هـ‪5777/‬م) ج‪ ،1‬ص‪.573‬‬

‫‪513‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫املطلب الثاني‪ :‬الفكر اإلسالمي املعاصر‬


‫وترمجة القرآن الكريم‬

‫لم يحظ موضوع ترجمة القرآن الكريم بقدر كبير من األهمية من قبل‬
‫المفكرين المسلمين المعاصرين‪ ،‬بل تركت المبادرة لليهود والنصارى‪.‬‬
‫الفكر اإلسالمي المعاصر يُعاني من حاالت الجمود‬ ‫ُ‬ ‫لقد بات‬
‫واالنغالق‪ ،‬عطَّلت القدرات الذّ هنية عن اإلبداع واالبتكار وإيجاد الحلول‬
‫للمشكالت المتغيرة في عالم سريع متغير‪ ،‬فكادت الصلة تفقد بين هذا الفكر‬
‫وبين واقع المسلمين‪.‬‬
‫وتبعا لذلك أحاط الفكر اإلسالمي المعاصر كثيرا من القضايا الجوهرية‬
‫بسياج من الممنوعات والمحرمات‪ ،‬ومنها مسألة ترجمة القرآن الكريم‪.‬‬
‫فلقد اتخذ األزهر قرارا بعدم إدخال نسخة من ترجمة القرآن الكريم‬
‫باللّغة اإلنكليزية إلى مصر‪ ،‬وطلب من مصلحة الجمارك إحراقها‪ .‬وكان ذلك‬
‫في مطلع القرن التاسع عشر للميالد(‪.)5‬‬
‫إن هذا الموقف الذي تبناه األزهر كان يعكس تلك الصورة الواضحة‬
‫ظل يتخبط فيه الفكر اإلسالمي خالل هذه‬
‫لذلك الجمود والتخلف الذي ّ‬
‫الفترة‪ .‬مع أن الفتاوى الفقهية في هذا المجال صريحة وواضحة‪.‬‬
‫ولفك هذا التناقض المصطنع بين الفكر والواقع في المنظومة اإلسالمية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬أحمد إبراهيم مهنا‪ ،‬دراسة حول ترجمة القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.51‬‬

‫‪511‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫المعاصرة ينبغي أن نكشف النقاب عن أمرين أساسيين‪.‬‬

‫أوال‪ :‬بيان موطن النزاع‪:‬‬


‫خالف حاد بين اتجاهين إسالميين حول ترجمة القرآن الكريم‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫نشب‬
‫رقعته بقيام مناصرين واتباع كل اتِّجاه‪.‬‬
‫يحرم‪ .‬وا َّتسعت ُ‬
‫أحدهما يحلِّل‪ ،‬واآلخر ِّ‬
‫ونعتقد أن موضوعا كهذا ال يصاغ بالجدل والقذف‪ ،‬بل بتحليل المعطيات‬
‫والخلفيات‪ .‬ولقد كان العامل الملح في َتشعب أطراف البحث هو إغفال جوهر‬
‫النِّزاع‪ ،‬والّذي يكمن في تحديد معنى كلمة ال َّترجمة‪ .‬وما هي المالبسات‬
‫التاريخية واللّغوية التي الزمتها؟‬

‫‪ 1‬ــ الترجمة اللفظية‪:‬‬


‫وهي أن يقوم المترجم بأخذ كلل كلمة عربية ويضع بدلها ما يراد فيها من‬
‫كلمة غير عربية‪ ،‬ثم يسوق الجملة مراعيا ترتيبها وفق نسق ما تقتضيه قواعد‬
‫تلك اللّغة‪.‬‬
‫ولعل من ال ّزلل الذي يمس ال ّترجمة اللّفظية مثال‪ ،‬أن يستعمل القرآن‬
‫اللّفظ في معنى مجازي فيأتي المترجم بلفظ يرادف اللّفظ العربي في معناه‬
‫األصلي‪ ،‬ومنه أن يطلق القرآن لفظا عاما يريد به خاصا‪ ،‬فيأتي المترجم بما‬
‫يرادف اللّفظ العام دون الخاص‪.‬‬
‫الصيغة للقرآن الكريم بأي لغة مستحيلة‬
‫والمؤكد أن ال ّترجمة بهذه ّ‬
‫الوقوع‪ ،‬وهي محل اتفاق على عدم إمكانها(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد رشيد رضا‪ ،‬الترجمة القرآنية‪( ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة المنار‪ ،‬ط‪5311 ،5‬هـ‪5721/‬م)‬
‫ص‪ .58‬ــ إبراهيم مهنا‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.22 ،25‬‬

‫‪511‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫‪ 1‬ــ الترجمة المعنوية‪:‬‬


‫وهي أن يتجه المترجم إلى فحص ال ّنص جيدا عن طريق فهمه‪ ،‬وشرح‬
‫مبهمه‪ ،‬وتوضيح ما فيه‪ ،‬وتفصيل مجمله بألفاظ وجمل تدل على ذلك من‬
‫اللغة األخرى‪ ،‬فال ّترجمة بهذه الصفة ال تعد ترجمة للفظ النّص بل لمعناه‬
‫وشرحه وتفسيره‪.‬‬
‫ولذا فال ّترجمة هنا تمثل التفسير الحقيقي للنص‪ ،‬وهي بهذه الصفة جائزة‬
‫قطعا‪ ،‬وهي ترجمة للتفسير ال للقرآن‪ .‬يقول محمد شاكر‪« :‬فالحق الذي ال‬
‫محيص عنه أنه ال يحل اإلقدام على ترجمة القرآن إلى غير اللّغة العربية كما ال‬
‫يحل اإلقدام على تبديل أية كلمة من كلماته الشريفة بما يراد منها في العربية‪،‬‬
‫وال على نقل أية كلمة أو آية من موضعها إلى موضع آخر من آياته وسوره»(‪.)5‬‬
‫ويؤخذ من هذا النص أن الشيخ يتحدث عن ترجمة للقرآن تحل محلّه‪،‬‬
‫وبيان ذلك قوله‪« :‬إما أن تعمدوا إلى آية من كتاب اهلل تعالى فتترجموها كما‬
‫تترجمون المواد القانونية‪ ،‬على أن تحل محل الترجمة محل األصلي في‬
‫الصالة بها أو ال ّتعبد‬
‫الصالة على الرسول ‪ ،‬وأن تقوم في مقامه في ّ‬
‫الرسمية في المواد القانونية محل‬
‫بتالوتها واالحتجاج بمعناها تحل الترجمة ّ‬
‫األصل‪ ،‬وتقوم مقامه في االحتجاج واالحترام القانوني‪ ،‬فذلك ال سبيل إليه‬
‫بحال من األحوال‪ ،‬وهو الذي أجمع أئمة ال ّدين اإلسالمي على تحريمه‬
‫البات»(‪.)2‬‬
‫يكشف ال ّنص عن مسـألة في غاية األهمية تفك ال ّنزاع القائم‪ ،‬تتمثل في‬
‫ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ ،57‬نقال عن محمد شاكر‪ ،‬ترجمة القرآن‪ ،‬ص‪.53 ،52‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬نقال عن المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.25‬‬

‫‪511‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫أنه إذا كانت ترجمة القرآن إبدال اللّفظي بلفظ من لغة أجنبية يحل محلّه في‬
‫ال ّداللة على ما يفهم منه في اللّسان العربي‪ ،‬فهذا أمر يتعذر القيام به فيما‬
‫ظل إعجاز القرآن قائما على البرهان الظاهر على سمو‬
‫يخص آيات القرآن‪ .‬لقد ّ‬
‫كالم اهلل فوق كالم البشر‪ ،‬فكثير من ألفاظه تحمل وجوها كثيرة ال يتيسر‬
‫للمترجم استبدالها إال على وجه واحد‪ ،‬ولذا لم يتردد الكثير من المترجمين‬
‫باالعتراف بصعوبة المهام‪ ،‬حتى جعل بالشير(‪ )5‬المترجم من القرآن باعثا قويا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ 5711 REGIS BLACHERE( )5‬ــ ‪5773‬م) ولد ريجي بالشير في ‪ 31‬يونيو ‪5711‬م‪،‬‬
‫بواضحي باريس‪ ،‬وسافر مع أبويه إلى المغرب في ‪5751‬م وتلقى دروسه الثانوية بمدرسة‬
‫فرنسية في الدار البيضاء‪ ،‬ثم التحق بالجامعة الجزائرية حيث حصل على الليسانس عام‬
‫‪5722‬م‪ .‬ثم رجع إلى الرباط حيث عين مدرسا بمدرسة موالي يوسف‪ ،‬ونال شهادة‬
‫اإلجازة في التعليم سنة ‪5721‬م‪ .‬انتدب مديرا لمعهد الدراسات المغربية العليا من ‪5721‬‬
‫إلى ‪ ،5731‬ثم عمل أستاذا لكرسي األدب العربي بمدرسة اللغات الشرقية بباريس من‬
‫‪ 5731‬إلى ‪5715‬م ونال الدكتوراه سنة ‪ 5731‬من جامعة السوربون برسالتين‪ :‬األولى عن‬
‫شاعر عربي من القرن الرابع الهجري‪ ،‬أبو الطيب المتنبي‪ ،‬والثانية ترجمة فرنسية لكتاب‬
‫>طبقات األمم< لصاعد األندلسي‪ .‬وفي إثر ذلك عين أستاذا للغة العربية الفصحى في‬
‫>المدرسة الوطنية للغات الشرقية< في باريس‪ .‬واستمر في هذا المنصب من ‪ 5711‬حيث‬
‫شغل كرسي اللغة واألدب العربيين في السوربون إلى حين تقاعده في سنة ‪ .5771‬وشغل‬
‫منصب مدير معهد الدراسات اإلسالمية الملحق بجامعة باريس‪ ،‬من ‪ 5711‬حتى ‪.5711‬‬
‫وانتخب عضوا في أكاديمية النقوش‪ ،‬إحدى أكاديميات معهد فرنسا في ‪ .5772‬وتوفي في‬
‫‪ 7‬أغسطس ‪5773‬م‪.‬‬
‫من أشهر كتبه‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ تاريخ األدب العربي‪ ،‬منذ البداية في نهاية القرن الخامس عشر‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ ترجمة القرآن إلى اللغة الفرنسية‪ ،‬وقد كان متأثرا بـ >نولدكه< في ترتيبه لسور القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك حفلت كتبه وأبحاثه العديدة بالحديث عن الفكر اإلسالمي واألدب‬
‫=‬ ‫العربي‪ .‬وهي أكثر من أن تحصى‪.‬‬

‫‪517‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫الزدهار الدراسات النحوية والبالغية‪ ...« .‬وال نبالغ إذا قلنا بأن علم البيان‬
‫كان منطلقه من القرآن ومن األبحاث التي أثارها اإلعجاز‪ .‬هذا اإلعجاز الذي‬
‫ينبغي على كل مؤمن أن يكتشفه في نفسه»(‪.)5‬‬
‫وتبعا لذلك فإن اآليات المحتملة الوجود متعددة‪ ،‬ال يمكن نقلها إلى‬
‫لغة أخرى إال وفق وجه واحد‪ .‬وهذا ال يعد ترجمة‪ ،‬وإنما يصح أن يسمى‬
‫تفسيرا‪ ،‬إذ يجوز نقل معاني القرآن إلى اللغات األجنبية باعتبارها تفسيرا ال‬
‫على أنها ترجمة مطلقة لألصل‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العامل التارخيي‪:‬‬


‫أثير موضوع ترجمة القرآن الكريم في الفكر اإلسالمي المعاصر مرتبطا‬
‫بحادثتين كنا لهما عظيم األثر في توجيه مساره‪.‬‬
‫األول‪ :‬دخول نسخ لترجمات إنجليزية للقرآن الكريم إلى مصر‪ ،‬وهي‬
‫ترجمات مفعمة بالتعاليم القاديانية‪ ،‬تولى القيام بها محمد علي القادياني‪ .‬وقد‬
‫عمد هذا المترجم إلى تحريف معاني القرآن وحشوها بالمعتقدات القاديانية‪.‬‬
‫والغرض من ذلك هو انتشار هذه الترجمة في إنجلترا وأمريكا وألمانيا‬
‫وأستراليا‪ ،‬لتمهد الطريق لدخول القاديانية إلى هذه األقطار‪ .‬فما كان من أمر‬
‫مشيخة األزهر في ذلك الحين‪ ،‬سنة ‪5721‬م تجاه هذه الترجمة أنها لم تقف‬
‫عند حد منعها من دخول مصر‪ ،‬أو الدعوة إلى إحراقها‪ ،‬بل تعدت إلى إصدار‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= انظر‪ :‬نجيب العقيق‪ ،‬المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،5‬صفحات ‪ 317‬ــ ‪ .352‬وعبد الرحمن بدوي‪،‬‬
‫موسوعة المستشرقين‪( ،‬بيروت‪ :‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط‪5773 ،3‬م) ص‪.527‬‬
‫(‪ )5‬ريجي بالشير‪ ،‬القرآن‪ ،‬تدوينه؛ ترجمته؛ وتأثيره‪ .‬ترجمة رضا سعادة‪( ،‬بيروت‪ :‬دار‬
‫الكتاب اللبناني‪ ،‬ط‪ )5771 ،5‬ص‪.511‬‬

‫‪518‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫فتاوى فقهية صريحة في تحريم الترجمة مطلقا(‪.)5‬‬


‫يتجلى ذلك بوضوح فيما ذكره محمد شاكر في قوله‪« :‬بأن األحوط‬
‫للمسلمين إنما هو في منع ترجمة القرآن الكريم‪ ،‬على أي نوع كانت‪ ،‬وذلك‬
‫من باب الوقاية خير من العالج»(‪.)2‬‬
‫شر المحدثات‪ ،‬وكذا فتح لل ّناس بابها‪ ،‬مع‬
‫ثم يضيف‪« :‬بأن ال ّترجمة من ِّ‬
‫كل قاصد‪ .‬ال فرق بين عالم‬ ‫كل طارق ودلفه ُّ‬
‫كونها مفسدة في ذاتها‪ .‬ولجه ُّ‬
‫وجاهل‪ ،‬وعارف بأسلوب القرآن وغير عارف‪ .‬وعلى توالي األيام وتتابع‬
‫العصور يتناسى األصل ويهجر‪ ،‬وتكثر التراجم وتختلف»(‪.)3‬‬
‫إن الباحثين المسلمين بآرائهم هذه قد جافوا الحقيقة‪ ،‬وال نجد لهم عذرا‬
‫إال إذا كان ذلك انعكاسا لظروف التحدي التي أحدقت بالقرآن الكريم‪.‬‬
‫إذا كان تحريم دخول هذه ال ّترجمة‪ ،‬ومنع تداولها في البالد اإلسالمية‬
‫أمرا مشروعا‪ ،‬فإن تحريم ال ّترجمة مطلقا لينم عن ذلك االتجاه القاصر‪ ،‬حيث‬
‫تطغى العاطفة واالنفعال‪ ،‬ويصدر الحكم مندفعا في حمية دون وعي وتبصر‪.‬‬
‫وقد ظ َّن األزهر أن مواجهة ال ّتحدي من خالل إغالق األبواب في وجه‬
‫هذه ال ّترجمات‪ ،‬وعدم دخولها بإصدار فتوى بتحريم ذلك‪ .‬ولكن بعد م ّدة لم‬
‫أمرها واستفحل‪.‬‬ ‫تفشى ُ‬
‫ّ‬ ‫يعد األزهر قادرا على اتخاذ الموقف نفسه‪ ،‬بعد أن‬
‫بالحجة وال ّتخطيط‬
‫ّ‬ ‫فانكب على ر ِّدها‬
‫َّ‬ ‫أحس األزهر بجدية ال ّتحدي‪،‬‬
‫وبذلك َّ‬
‫والعمل‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬أحمد إبراهيم مهنا‪ ،‬دراسة حول ترجمة القرآن الكريم‪ ،‬ص‪ 51‬ــ ‪.57‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ .21‬نقال عن محمد شاكر‪ ،‬ترجمة القرآن‪ ،‬ص‪ 27‬ــ ‪.31‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ .21‬نقال عن المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 27‬ــ ‪.31‬‬

‫‪517‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫الشروع في عمل ترجمة لمعاني القرآن الكريم‪،‬‬


‫وقررت مشيخ ُة األزهر ّ‬
‫بال ّتعاون مع وزارة المعارف‪ ،‬وذلك تحت إشراف شيخ األزهر مصطفى‬
‫المراغي‪ ،‬في عام ‪5731‬م(‪.)5‬‬
‫الثاني‪ :‬أثير موضوع ترجمة القرآن الكريم للمرة الثانية في تركيا‪ ،‬عندما‬
‫أصدرت الحكومة برئاسة كمال أتاتورك قرارا بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة‬
‫التركية(‪.)2‬‬
‫ولم يستسغ هذا الحدث من قبل علماء المسلمين هناك‪ .‬وذلك ألنه تم‬
‫ضمن حلقة في سلسلة من أعمال تلك الحكومة التي ألغت الخالفة‪ ،‬وتعمل‬
‫جاهدة على محاربة المظاهر اإلسالمية‪.‬‬
‫اعتبر الشيخ مصطفى صبري‪ ،‬مفتي األتراك‪ ،‬اإلقدام على هذا المشروع‬
‫خيانة عظمى‪ .‬فالحكومة منعت اللّغة العربية قراءة وكتابة‪ ،‬والترجمة مفروضة‬
‫على من يبتغي أن يتعلم القرآن‪ .‬وهكذا فاألجيال القادمة التي ستفقد الصلة‬
‫بالنص األصلي‪ ،‬لن تجد المرجع الذي تحتكم إليه عندما تتضارب ال ّترجمات‬
‫التركية من باب تحرير‬
‫بعضها مع بعض‪ .‬ولذا لم ينظر المعارضون لل ّترجمة ّ‬
‫مسألة فقهية‪ ،‬بل نظروا إلى القضية وما يلفها من طابع سياسي يضمر العداء‬
‫لإلسالم‪.‬‬
‫وهذا ما عبر عنه مصطفى صبري بوضوح بأن الحديث عن جواز ترجمة‬
‫القرآن وما أثير حوله لم يقصد منه الجانب الشرعي بقدر ما عمد أصحابه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )2‬مصطفى صبري‪ ،‬مسألة ترجمة القرآن‪( ،‬القاهرة‪ :‬المطبعة السلفية‪ ،‬د‪ .‬ط‪5315 ،‬هـ)‬
‫ص‪.77 ،78‬‬

‫‪551‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫للدفاع عن قادة تركيا الحديثة»(‪.)5‬‬


‫أما عن رأي مفتي األتراك الفقهي‪ ،‬فرفع اللّبس عن ذلك بأنه ال خالف‬
‫في جواز الترجمة التفسيرية‪ ،‬يعود الناس إليها‪ .‬ويطالعونها كال ّتفسير المختصر‬
‫للقرآن‪ ،‬بشرط أن ال يقوم مقام القرآن في الصلوات(‪.)2‬‬
‫ونستخلص من كل ما سبق بأن مسألة ترجمة القرآن ظاهرة تاريخية عابرة‬
‫كانت لها مالبساتها الخاصة‪ ،‬بصرف النظر عن الجواز وعدمه‪ ،‬والحرمة التي‬
‫حسم فيها الفقه اإلسالمي منذ أمد بعيد‪.‬‬
‫وال ننكر بأنها استهلكت جهود العلماء واستنفدت قواهم في معارك‬
‫فرعية وأضحت منفذا رئيسا تسلل منه اليهود بقوة للطعن في القرآن‪.‬‬
‫فكان من األولى من البداية أن يضع الفكر اإلسالمي استراتيجية فعالة‬
‫الستدراك هذا ال ّتحدي‪ ،‬وقطع الطريق أمام اليهود وأشياعهم بوضع ترجمة‬
‫للقرآن الكريم يقوم بها مترجمون مسلمون‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.57‬‬

‫‪555‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫املطلب الثالث‪ :‬تهويد الرتمجات األصلية للقرآن الكريم‬

‫اضطربت اآلراء حول الترجمة األصلية للقرآن الكريم إلى اللّغة‬


‫الالّتينية‪ ،‬والتي ظلّت إطارا مرجعيا لكل الترجمات األوروبية للقرآن الكريم‪.‬‬
‫ومن المؤكد أن الخالف ينحصر في ترجمتين هما‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ترمجة بطرس امليجل(‪.)5‬‬
‫يميل أغلب المستشرقين إلى أن بطرس المبجل‪ ،‬رئيس >دير كلوني< هو‬
‫التينية(‪ .)2‬وقد ذهب‬
‫الذي أمر بوضع أول ترجمة للقرآن الكريم إلى اللّغة ال ّ‬
‫>بالشير< إلى أن ذلك كان من تكليف بابا روما عندما استشعر بخطورة ال ّزحف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬بطرس المبجل ‪ 5171( PIERRE LEVEMERABLE‬ــ ‪5511‬م) فرنسي من الرهبانية‬
‫شيدته في فرنسا‬
‫الكنسية‪ .‬عيَّنته لسعة اطالعه رئيسا على ديرها في كاتري عام ‪5523‬م الذي ّ‬
‫عمت المسيحية األوروبية‪ .‬وجعل منه رهبان‬ ‫سنة ‪751‬م‪ .‬وانطلقت منه حركة إصالح َّ‬
‫اإلسبان‪ ،‬ومنه األب إبيالر‪ ،‬بعد أن آووا إليه في القرن الثاني عشر مركزا لنشر الثقافة‬
‫العربية‪ .‬وسافر إلى األندلس وأقام بها من عام ‪ 5515‬إلى ‪ 5513‬مستزيدا من فنونها‬
‫وعلومها‪ .‬ولما عاد إلى ديره ن َّظمه وطفق يصنف الكتب في الرد على علماء الجدل‬
‫المسلمين‪ .‬وقد طبع من مصنفاته ثالثة‪ .‬كما أوعز بترجمة القرآن‪.‬‬
‫انظر‪ :‬نجيب العقيقي‪ ،‬المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ .552‬وقاسم السامرائي‪ ،‬االستشراق بين‬
‫الموضوعية واالفتعال‪( ،‬الرياض‪ :‬منشورات دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع‪ ،‬ط‪،5‬‬
‫‪5783‬م)‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫(‪ )2‬رودي بارت‪ ،‬الدراسات العربية واإلسالمية في الجامعات األلمانية‪ ،‬المستشرقون األلمان‬
‫منذ تيودور نولدكه‪ ،‬ترجمة مصطفى ماهر‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتاب العربي للطباعة والنشر‪،‬‬
‫د‪ .‬ط‪5717 ،‬م‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪552‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫اإلسالمي على الكنيسة في أوروبا(‪.)5‬‬


‫وتلبية للواجب ال ِّديني تنقل بطرس في أقطار أوروبا للشروع في خطّته‪،‬‬
‫وحط أخيرا باألندلس ليجد من يتولى ذلك من المتهودين الدارسين للغة‬ ‫ّ‬
‫العربية‪ .‬وقد سعى لتحقيق هذا كل من روبرت كانت ‪ROBERT KENET‬‬
‫وهومن الدالماتي ‪ ،HEMANN DELMATI‬فأخذ األول على عاتقه ترجمة‬
‫القرآن من العربية إلى الالتينية‪ ،‬مع مق ّدمة قصيرة‪ .‬أما دالماتي فقد ُكلّف بأن‬
‫يكتب سيرة النبي ‪ ‬وأركان اإلسالم وتاريخه‪ ،‬وأن يُد ّبج ذلك كله‬
‫بإسرائيليات عبد اهلل بن سالم وأساطير يهودية(‪.)2‬‬
‫انتهى كونت من ترجمته سنة ‪5113‬م‪ ،‬وقام بطرس بإرسالها مع تعليقات‬
‫دالماتي اليهودية إلى رئيس األديرة برنار كاليفو ‪BERNARD DE CLAIVEAU‬‬
‫فأمر هذا ال ِّدين قد‬
‫مرفوقة ببرقية تؤكد وجوب ال ّتصدي لإلسالم بالكلمة‪ُ .‬‬
‫يقض مضاجع المبشرين بتهديده للمسيحية في عقر دارها‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫استفحل‪ ،‬وصار‬
‫وتعمد‬
‫ميزة هذه ال ّترجمة أنها تستند إلى العديد من اآلراء اليهودية‪َّ ،‬‬
‫إن َ‬
‫إلى استخراج المعاني التخمينية بدون تحليل أو فهم حقيقي للّغة العربية‪ .‬وقد‬
‫سجل بالشير مالحظته ال ّنقدية حول هذه الترجمة قائال‪« :‬إن ال ّترجمة لم تكن‬
‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫أمينة وال كاملة لل ّنص» ‪.‬‬
‫والجدير بالذّ كر أن المستشرقين مدينون لهذه ال ّترجمة باعتبارها المصدر‬
‫الركيزة األساسية والمأمونة في‬‫األوحد لل ّترجمات األوروبية‪ ،‬وكذلك ألنها ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ريجي بالشير‪ ،‬القرآن؛ نزوله؛ ترجمته وتأثيره‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫(‪ )2‬عمر لطفي العالم‪ ،‬المستشرقون والقرآن‪( ،‬مالطا‪ :‬منشورات مركز دراسات العالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪5775 ،5‬م) ص‪.58‬‬
‫(‪ )3‬ريجي بالشير‪ ،‬القرآن؛ نزوله؛ ترجمته وتأثيره‪ ،‬ص‪.51‬‬

‫‪553‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫وجدية حول اإلسالم‪ .‬وتتجلّى قيم ُة هذا العمل‬


‫ّ‬ ‫نظرهم للبدء بدراسات حقيقية‬
‫اليهودي في مضمونه‪ ،‬والمسيحي في مظهره بداية التأريخ الحقيقي لالستشراق(‪.)5‬‬
‫ومع ما تحوي هذه ال ّترجمة من نقص وتشويه متعمد‪ ،‬فإن الكنيسة قد‬
‫حاربت هذه ال ّترجمة‪ ،‬ألنها خشيت أن تفتح األبواب على مصراعيها لألوروبيين‬
‫لكشف بعض الحقائق اإلسالمية‪ .‬وهذا يضعف مقاومتها لإلسالم‪ .‬وقد أخفيت‬
‫هذه ال ّترجمة في دير كلوني سنة ‪5113‬م‪ ،‬حيث أظهرت ثم اعتمدت على أنها‬
‫األصل الذي يترجم عنه إلى اللغات األوروبية(‪.)2‬‬

‫ثانيا‪ :‬ترمجة يوهانس بورتيوس‪.‬‬


‫الالتينية هي‬
‫يعتبر بعض المؤرخين ال ّترجمة األولية للقرآن الكريم إلى ّ‬
‫التي قام بها يوهانس بورتيوس من >بال< بسويسرا عام ‪5121‬م‪ .‬وما يميز هذه‬
‫الترجمة أنها استهلت بمقدمة لرائد ال ّتهويد المسيحي مارثن لوثر‪ ،‬حملَت بين‬
‫انصبت‬
‫دفتيها تعليقات وتحليالت وكتابة مقدمات طويلة حافلة بالتشويه‪ ،‬والتي َّ‬
‫كلُّها على نقد القرآن‪ ،‬وعدم ص َّحة مصدره‪ ،‬واستناده إلى المصادر اليهودية‬
‫والمسيحية(‪.)3‬‬
‫خالص ُة القول‪ ،‬إن ال ّترجمات األولية للقرآن الكريم إن بدت المبادرة‬
‫فيها مسيحية فإن األيادي اليهودية هي التي باشرت العمل‪ ،‬وإن ال ّترجمة التي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬قاسم السامرائي‪ ،‬االستشراق بين الموضوعية واالفتعال‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫(‪ )2‬محمد عبد اهلل الشرقاوي‪ ،‬االستشراق في الفكر اإلسالمي المعاصر‪( ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة‬
‫المدينة‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت)‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫(‪ )3‬سامي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ 317‬ــ‬
‫‪ .351‬نقال عن‪ :‬طه الولي‪ ،‬القرآن الكريم في االتحاد السوفياتي‪( ،‬الفكر العربي‪ ،‬العدد‬
‫الحادي والثالثون‪ ،‬مارس ‪5783‬م‪ ،‬السنة الخامسة)‪ ،‬ص‪.281‬‬

‫‪551‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫الراهب بطرس المبجل هي التي اعتمدت كمرجع أساسي ألي‬ ‫ّتمت بإشراف ّ‬
‫ترجمة أوروبية للقرآن الكريم‪.‬‬
‫وإنه من العسير أن نتتبع التأثير اليهودي في كل ال ّترجمات األوروبية‪،‬‬
‫ولكن نكتفي باإلشارة إلى أحدث ترجمة إنجليزية تقدم إلى الغرب‪ ،‬وكذلك‬
‫إلى الشرق اإلسالمي بأيدي المسلمين‪.‬‬
‫الشرق اآلسيوي المجال لترجمة القرآن فسيح‪ ،‬حيث ماليين‬ ‫ففي ّ‬
‫المسلمين من غير العرب يقرؤون كتاب ربهم مترجما إلى اإلنجليزية التي مكن‬
‫االستعمار البريطاني لها من منطقة نفوذ لغوي غالب‪.‬‬
‫‪THE STUDENT'S‬‬ ‫وأحدث ما ق ّدم إليهم ترجمة عنوانها قرآن الطالب‬
‫‪ QUORAN‬لل ّدكتور هاشم أمير علي‪ .‬الذي عاد من الواليات المتحدة بدرجة‬
‫فتبوأ في العلوم اإلسالمية مقع َد عميد كلية ال ِّدراسات العليا في‬
‫الدكتوراه‪َّ ،‬‬
‫الجامعة اإلسالمية بنيودلهي‪.‬‬
‫ترجمته في سنة ‪5715‬م مطبوعة في وقت واحد في فروع دار‬‫ُ‬ ‫وظهرت‬
‫النشر اآلسيوية بالعواصم الكبرى ألمريكا وأوروبا وآسيا‪ .‬وو ّزعت على أوسع‬
‫نطاق‪ ،‬ومنحت نسخ منها هدايا إلى أعضاء مؤتمر المستشرقين الدولي الذي‬
‫انعقد في نيودلهي في يناير ‪5711‬م‪ .‬وقد اعتمد في ترجمته على التراجم‬
‫اإلنجليزية للقرآن‪ ،‬وجعل من التوراة مرجعا ومصدرا(‪.)5‬‬
‫نقتصر هنا على ذكر ترجمة هاشم أمير علي لكلمة الوحي األولى (اقرأ)‬
‫باعتبارها نموذجا للطّريقة في تفسيره وشاهدا على نفوذ ال َّتهويد إلى عقليته‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عائشة عبد الرحمن‪ ،‬اإلسرائيليات في الغزو الفكري‪( ،‬الرباط‪ :‬المنظمة العربية للتربية‬
‫والثقافة والعلوم‪ ،‬د‪ .‬ط‪5771 ،‬م) ص‪.517 ،511‬‬

‫‪551‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫ومثاال لما يق ّدم إلى الشعوب اإلسالمية غير العربية من جديد الفهم العصري‬
‫للقرآن الكريم‪.‬‬
‫بدأ فترجم كلمة >اقرأ< بـ ‪ CRY‬أي اصرخ وصح‪ .‬ثم ذكر أن للكمة في‬
‫اإلنجليزية وجوها عديدة‪ .‬منها‪ :‬ال ّدعاية واإلعالن واإلشهار واإلعالم والتعليم‬
‫والتبشير‪.‬‬
‫المفسر وهو يسوق هذا الحشد من التأويالت في‬ ‫ّ‬ ‫وقد يبدو غريبا أن‬
‫ترجمة الكلمة القرآنية >اقرأ< لم يجد موضعا بينها لكلمة اإلنجليزية ــ‪READ‬‬
‫ــ وهي وحدها التي يمكن أن تعطي داللة القراءة‪.‬‬
‫ولكن هذه الغرابة تتالشى حين يربط آي ُة الوحي األولى بالفقرة األولى‬
‫من اإلصحاح ‪ 18‬من سفر إشعيا‪ ،‬ولم ينقل نص الفقرة المشار إليها من هذا‬
‫اإلصحاح‪ .‬وكأنه أوجس خيفة بأن ال يجد القارئ أدنى مشابهة بين اآلية‬
‫القرآنية {ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ}(‪ )5‬وفقرة التوراة «ناد بصوت عال ال تمسك‬
‫ارفع صوتك كبوق‪ ،‬وأخبر شعبي بتعديهم‪ ،‬وبيت يعقوب بخطاياهم»(‪.)2‬‬
‫ونحن بدورنا نتساءل عن سبب ربط اآلية القرآنية بسفر إشعيا‪ ،‬مع‬
‫اإلحجام عن ذكر نصه على القراء‪ ،‬لكيال يكتشفوا زور التوثيق بتدليس موهم؟‬
‫وباإلضافة إلى ذلك أردف الدكتور المترجم تفسيره هذا بالحديث عن‬
‫الرسول وما كان يشغله قبل البعثة من تفكير في حال قومه‪ ،‬وما كان يحضر في‬
‫ّ‬
‫ذهنه دائما من مرويات وقصص قدامى رسل اليهود‪ .‬وكيف تمكنوا من أتباعهم‬
‫من الضالل‪ .‬فهل يكتب له أن يحقق ذلك مثلهم؟(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة العلق‪ ،‬آية ‪.1‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.518 ،517‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.518‬‬

‫‪551‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫الكالم بهذا المعنى ردده المستشرق اليهودي جولد زيهر في أكثر من‬
‫مرة‪ ،‬وشايعه عليه ثلة ٌمن المستشرقين‪ ،‬فليكن أحد الباحثين المسلمين هو‬
‫الذي يب ّثه في عقول الجماهير من مسلمي الهند والشرق اآلسيوي‪ .‬وهم بعيدون‬
‫السيادة اللّغوية اإلنجليزية على المجال ال ّثقافي هناك‪ ،‬قراءة وكتابة عن‬
‫بحكم ّ‬
‫المصادر اإلسالمية العربية‪.‬‬
‫ونتساءل مع عائشة عبد الرحمن‪ :‬هل يكفي هذا ليكون شاهدا حقا على‬
‫حركة اإلسرائيليات التي يتبناها المستشرقون اليهود‪ ،‬فيصل بهم األمر إلى‬
‫إيجاد ترجمة تحوي أفكارا يهودية يقدمها باحث مسلم عميد لكلية الدراسات‬
‫العليا بجامعة نيودلهي اإلسالمية‪ .‬مطبوعة في كبرى العواصم‪ ،‬ومو ّزعة على‬
‫أوسع نطاق‪ ،‬ومهداة إلى علماء اإلسالم من شرق أو غرب(‪.)5‬‬
‫ومع أنه يتعذر علينا تتبع ظاهرة ال ّتهويد في كل ال ّترجمات القرآنية‬
‫باللّغات األوروبية‪ ،‬وحسبنا في ذلك أننا كشفنا ال ّنقاب على أثر ال ّتهويد في‬
‫ال ّترجمة األصلية لهذه الترجمات‪ ،‬إال أننا نود أن نشير إلى أحدث ترجمة‬
‫باللّغة الفرنسية للقرآن الكريم‪ .‬وأشهرها على اإلطالق‪ ،‬وذلك الرتباطها‬
‫بالمستشرق جاك بيرك(‪ .)1‬الذي يضعه الباحثون على رأس قائمة المستشرقين‬
‫المنصفين‪ .‬ومع ذلك فإنه ال يستبعد في ترجمته التي نشرت عام ‪5771‬م بأن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.571‬‬
‫(‪ )2‬بيرك جاك ‪ :BERQUE. J‬مستشرق فرنسي نزل بالمغرب لدراسة علم االجتماع‪ ،‬ثم ُعيِّن‬
‫مديرا لقسم البحوث الفنية والتجريبية بمصر ‪ 5713‬ــ ‪5711‬م‪ .‬ثم مشرفا على مركز‬
‫الدراسات العربية بلبنان ‪5711‬م‪ .‬ثم أستاذا للتاريخ االجتماعي لإلسالم المعاصر في معهد‬
‫كتب حول اإلسالم والتاريخ اإلسالمي واللغة‬ ‫فرنسا‪ ،‬فمدير معهد الدراسات العليا‪َ ،‬‬
‫العربية‪.‬‬
‫انظر‪ :‬نجيب العقيقي‪ ،‬المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.337 ،331‬‬

‫‪557‬‬
‫الرتمجة األويلة للقرآن الكريم‬

‫مدين في أكثر نصوصه إلى تأثير مزامير داود‪ ،‬نبي إسرائيل ومؤسس‬
‫ٌ‬ ‫القرآن‬
‫مملكتهم(‪.)5‬‬
‫أهم خصائص ترجمة القرآن الكريم إلى‬ ‫يتضح مما سبق ذكره أن من ّ‬
‫اللّغات األوروبية اتسام معظم تلك ال ّترجمات بال ّتشويه وال ّتحريف‪ ،‬بحيث‬
‫وردت بعيدة عن الموضوعية واألمانة العلمية‪ .‬مع تهميش معظم تلك‬
‫ال ّترجمات بحواش تشتمل على آراء وأساطير يهودية تحجب حقيقة ألفاظ‬
‫القرآن الكريم‪ .‬ومحاولة إظهار اآليات القرآنية بمظهر ال ّتناقض واالضطراب‪.‬‬
‫وهذا ما سنتطرق إليه في المبحث اآلتي‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬رجب البناء‪ ،‬أخطاء المستشرقين‪ ،‬األهرام‪ ،‬بتاريخ ‪5771/2/1‬م‪ ،‬ص‪.1‬‬

‫‪558‬‬
‫اتلناقض واالضطراب‬

‫‪5‬‬
‫اتلناقض واالضطراب‬

‫ورط جمهور من المستشرقين اليهود ــ وعلى رأسهم ــ جولد زيهر‬ ‫َّ‬


‫تنم عن الجهل أو المكابرة‪ .‬فزعم‬‫أنفسهم في كثير من األغالط واألخطاء التي ُّ‬
‫تعج باالضطراب والتناقض وعدم ال ّثبات‪ ،‬فقد‬ ‫جولد زيهر أن آيات القرآن ُّ‬
‫ا ّدعى زورا بقوله‪« :‬ومن العسير أن نستخلص من القرآن نفسه مذهبا عقديا‬
‫موحدا متجانسا‪ ،‬وخاليا من التناقضات‪ ،‬ولم يصلنا من المعارف الدينية األكثر‬
‫أهمية وخطرا إال آثار عامة نجد فيها إذا بحثنا في تفاصيلها أحيانا تعاليم‬
‫متناقضة‪ .‬ورسالة النبي الدينية تنعكس في روحه بألوان مختلفة باختالف‬
‫االستعدادات السائدة في نفسه‪ ،‬لذا كان لزاما على علم الكالم المنسق أن‬
‫يتولّى منذ أول المراحل الصعوبات النظرية الناشئة عن مثل هذه‬
‫التناقضات»(‪.)5‬‬
‫إ ّننا في هذا البيان نُ َو ّد أن نسأل جولد زيهر‪ :‬ماذا سيبقى من العهد القديم‬
‫طبقها على القرآن الكريم؟‬
‫طبقنا عليه ذات الطّرق النّقدية التي َّ‬ ‫لو َّ‬
‫عكس صورة واضحة لكتابة الكتاب المقدس‪،‬‬ ‫إن ما ذكره جولد زيهر يَ ُ‬
‫الذي أثبت علماء تاريخ األديان وفي مق ِّدمتهم اليهودي باروخ سبينوزا تلك‬
‫الصارخة بين نصوصه‪ .‬ووضعوا كتبا وجداول تبرز بجالء هذا‬ ‫ال ّتناقضات َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬العقيدة والشريعة في اإلسالم‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪557‬‬
‫اتلناقض واالضطراب‬

‫صور هذا ال ّتناقض في العهد القديم ما يتعلق‬


‫االختالف وال ّتناقض‪ .‬وإن من َ‬
‫باألعداد واألماكن واألزمنة(‪.)5‬‬
‫وقد أورد موريس بوكاي جملة من هذه التناقضات علَّق على ذلك‬
‫بقوله‪« :‬ومن زاوية المنطق يمكن أن تتبين عددا كبيرا من المتناقضات واألمور‬
‫غير المعقولة في التوراة يمكن أن تكون المصادر المختلفة التي استخدمت في‬
‫تأليف النّص هي أصل رواية حدث واحد بشكلين مختلفين‪ .‬ولكن هناك أكثر‬
‫من ذلك‪ ،‬إن ال َّتعديالت المختلفة واإلضافات الالحقة إلى النص نفسه‪،‬‬
‫كالتعليقات التي أضيفت استدالليا ثم دخلت فيما بعد على ال ّنص عند نسخه‬
‫مرة أخرى»(‪.)2‬‬
‫ولهذا أسقط جولد زيهر وأتباعه هذه األفكار على القرآن الكريم‪ ،‬ولكن‬
‫عجز االستشراق عن تزويدنا بأمثلة واضحة عن هذا االضطراب في نصوص‬
‫القرآن‪ .‬وأقصى ما يُعطيه من أمثلة هي تخمينات عامة‪ ،‬وتأويالت لنصوص‬
‫أوجها متعددة(‪.)3‬‬
‫تحتمل ُ‬
‫ُ‬
‫وهذا يدل صراحة على فشل ذريع في محاولة تقديم صورة واضحة لهذا‬
‫اال ِّدعاء‪ .‬ولذلك نجد جولد زيهر يقحم النصوص في قضايا تأويلية لتحقيق‬
‫مراده‪ ،‬وعلى هذا المنوال سار الكثير من المستشرقين‪ .‬وقد افتضح أمرهم في‬
‫أكثر من مناسبة‪ ،‬خاصة إذا تعلق األمر بجهل فظيع في اللّغة العربية‪.‬‬
‫السياق أثناء تعرضهم لقوله تعالى‪:‬‬
‫ومن أشهر انتقاداتهم للقرآن في هذا ِّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬باروخ سبينوزا‪ ،‬رسالة في الالهوت والسياسة‪ ،‬ص‪ 211‬ــ ‪.285‬‬
‫(‪ )2‬موريس بوكاي‪ ،‬التوراة واإلنجيل والقرآن والعلم‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫(‪ )3‬جولد زيهر‪ ،‬العقيدة والشريعة في اإلسالم‪ ،‬ص‪.81 ،77‬‬

‫‪521‬‬
‫اتلناقض واالضطراب‬

‫{ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ}(‪.)5‬‬
‫فسروا القرآن على وجه يحمل الخطأ في ال َّتأويل‪ ،‬بأن محمدا قد‬ ‫فقد ّ‬
‫ارتبك عليه األمر فجعل من مريم أم المسيح ‪ ‬هي أخت هارون وموسى‪.‬‬
‫مع ما تثبته الحقائق التاريخية من الفارق ال ّزمني بين االثنين‪.‬‬
‫الشبهة برزت كصدى آلراء اليهودي يوسف مورفيتش(‪ .)2‬حتى‬ ‫وهذه ّ‬
‫والمعول عليها كثيرا في االحتجاج بمسألة‬
‫ّ‬ ‫الشبهات المعتمدة‬
‫أضحت من ّ‬
‫تناقض القرآن الكريم(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة مريم‪ ،‬آية ‪.27‬‬
‫(‪ )2‬جوزيف مورفيتش (‪ 5871‬ــ ‪5735‬م) ‪ JOSEPH MOROVITZ‬مستشرق ألماني يهودي‪،‬‬
‫ولدعام ‪ ،5871‬وتعلم في جامعة برلين‪ ،‬وعين مدرسا بنفس الجامعة سنة ‪5712‬م‪،‬‬
‫واشتغل بصفة أستاذ العربية في جامعة عليجرة بالهند من سنة ‪ 5717‬إلى ‪ .5751‬كمتا‬
‫اشتغل أمينا للنقوش اإلسالمية بالحكومة الهندية البريطانية‪ .‬وكان ثمرة هذا العمل أنه نشر‬
‫مجموعة >النقوش الهندية اإلسالمية< وعاد إلى ألمانيا في ‪ .5751‬وعين مدرسا للغات‬
‫السامية في جامعة فرانكفورت من سنة ‪ 5751‬إلى وفاته عام ‪5735‬م‪ .‬وكان عضوا في‬
‫مجلس إدارة الجامعة العبرية في القدس منذ إنشائها سنة ‪ .5721‬وهو الذي أنشأ قسم‬
‫الدراسات الشرقية فيه‪ ،‬وصار مديرا له‪ .‬كما اقترح قيام هذا القسم بجمع كل الشعر العربي‬
‫القديم (الجاهلي وأوائل اإلسالم)‪ .‬وكانت رسالته للدكتوراه األولى في ‪ 5878‬عن كتاب‬
‫>المغازي< للواقدي‪ .‬وتولى تحقيق جزأين من أجزاء طبقات ابن سعد‪ .‬وترتكز اهتماماته‬
‫على الدراسات المتعلقة بالقرآن والسيرة النبوية‪ .‬وأهم نتائجه في هذا كتابه >مباحث قرآنية<‬
‫(‪ .)5721‬ومنهجه في التحليل التفصيلي للغة القرآن‪ ،‬لكنها تحليالت ثبت فيها مغاالة‬
‫وافتعال‪ ،‬مما شكك الباحثين في دراسته هذه‪ .‬واستعان في عمله هذا بمعاني األلفاظ‬
‫القرآنية كما تستنبط من الشعر الجاهلي‪.‬‬
‫انظر‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص‪ .125‬ونجيب العقيقي‪،‬‬
‫المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.133 ،132‬‬
‫(‪ )3‬عبد الرحمان بدوي‪ ،‬دفاع عن القرآن ضد منتقديه‪ ،‬ترجمة كمال جار اهلل‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫الجيل‪ ،‬ط‪5777 ،5‬م) ص‪،511 ،517‬‬

‫‪525‬‬
‫اتلناقض واالضطراب‬

‫وإننا نر ُّد هذا الطعن من وجوه أربعة‪:‬‬


‫ــ لم تثر هذه القضية في حياة النبي ‪ ‬لسبب بسيط‪ ،‬وهو أن‬
‫مسيحيي المدينة لم يروا في اآلية يا أخت هارون أي مشكلة‪ .‬ألنهم فهموا أنها‬
‫تعني‪ :‬يا منحدرة من نسل هارون‪ .‬وهذا ما اعتاده العرب من تعبيرات وتعارفوا‬
‫عليها‪ .‬مثل‪ :‬يا أخا بني فالن‪ .‬بمعنى‪ :‬يا من انحدر من ساللة فالن‪ .‬ولم تكن‬
‫قد تسربت إلى مخيلتهم تلك الفترة الزمنية‪ ،‬والتي أشار إليها المستشرقون من‬
‫أن محمدا لم يكن يعرف أن هناك فترة زمنية طويلة بين هارون ومريم أم‬
‫عيسى‪ .‬وحتى اليهود الذين كانوا يقيمون معهم لم يثبتوا هذه المشكلة مع‬
‫الرسول ‪ ‬وهم الذين كانوا يتصيدون الفرصة إلحراجه‪.‬‬
‫وهناك أمثلة في القرآن الكريم‪ ،‬وفي اللّغة العربية تؤيد نفس المعنى‬
‫المشار إليه‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫نقرأ في القرآن الكريم القرآن الكريم‪{ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ}(‪.)5‬‬
‫ولهذا يترجم بالشير كلمة أخاهم بمعنى ابن قبيلتهم‪ .‬وهذا مثال واضح‬
‫مقتبس من القرآن نفسه‪ ،‬ليبين أن كلمة >أخ< أو >أخت< يمكن أن تستعمل‬
‫بمعنى عضو في القبيلة‪ ،‬أو واحد منهم(‪.)2‬‬
‫الحجاج ال ّثقفي‪ :‬أخ شقيق‪ ،‬ألنه من قبيلة ثقيف(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫ويقال أحيانا عن‬
‫ومن المتعارف عليه اليوم أيضا في مقاالت الصحف القول‪ :‬يا أخا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة هود‪ ،‬آية ‪.11‬‬
‫(‪ )2‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.513‬‬
‫(‪ )3‬الجاحظ‪ ،‬الرسائل‪ ،‬تحقيق عبد السالم محمد هارون‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الجيل‪ ،‬ط‪،5‬‬
‫‪5775‬م) ج‪ ،5‬ص‪.217‬‬

‫‪522‬‬
‫اتلناقض واالضطراب‬

‫العرب‪ ،‬بمعنى يا أحد أعضاء األمة العربية‪ .‬وبإمكاننا أن نعثر على العديد من‬
‫الشواهد في هذا المجال في أعمال العرب في كل العصور‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ومع هذا يحق للباحث أن يستفسر عن السبب والحكمة من نداءات‬
‫القرآن الكريم لمريم في هذا الموضوع بالذّ ات يا أخت هارون؟ اإلجابة على ما‬
‫يكاد يجمع عليه المفسرون من أن األمر هنا يقتضي توبيخا يوجه إلى مريم ألنها‬
‫وضعت طفال دون أن تتزوج‪ ،‬وهذا التوبيخ يكون أكثر قسوة إذا كانت من‬
‫عائلة مقدسة‪.‬‬
‫فكلمة >هارون< هنا جاءت لتذكرها بخطورة ما اقترفت من اإلثم‪ ،‬فهي‬
‫تنتسب إلى بيت النبوة‪ ،‬فمن ثم كان التوبيخ معبرا وبليغا‪ .‬وهذا يتوافق مع‬
‫البالغة القرآنية‪ .‬والتي يعد اإلعجاز أهم عناصرها‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫ومن أجل ذلك لم تثر عبارة >يا أخت هارون< في زمن محمد‬
‫أي مشكلة ال من قبل اليهود وال النصارى وال المسلمين‪ ،‬ألن جميعهم فهموه‬
‫بهذا المعنى‪ ،‬أي منحدرة من نسل هارون(‪.)5‬‬
‫إن المتتبع لخيوط هذه المؤامرة ليجد أنها قديمة وبدايتها كانت اسرائيلية‬
‫ويتجلى ذلك في ما ذكره محمد بن كعب القرظي الذي ينحدر من بني قريظة‬
‫حين زعم بأن مريم أخت هارون أما وأبا‪ ،‬وهي أخت موسى‪ .‬وقد اتبعت نهج‬
‫موسى ودانت بشريعته‪.‬‬
‫وقد تصدى ابن كثير لنقض هذا الرأي بقوله‪« :‬ألن اهلل يقول في كتابه أنه‬
‫أرسل عيسى بعد الرسل مما يعني أن عيسى كان آخر المرسلين» وليس بعده‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.511 ،511‬‬

‫‪523‬‬
‫اتلناقض واالضطراب‬

‫إال محمد ‪.)5( ‬‬


‫ثم يضيف قائال‪« :‬وإن افترضنا جدال صحة ما ادعاه محمد بن كعب‬
‫اليهودي فإن يكون المسيح ‪ ‬من األنبياء والرسل إال محمد‪ ،‬ويكون‬
‫بذلك قبل سليمان بن داود(‪ ،)2‬ألن اهلل بين بأن داود كان بعد موسى كما‬
‫صرحت بذلك اآلية الكريمة {ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ}(‪.)3‬‬
‫وقد ع َّزز محمد بن كعب القرظي رأيه هذا بما وجده مكتوبا في ال ّتوراة‬
‫بعد خروج موسى وبني إسرائيل من البحر وغرق فرعون وقومه‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫«عندئذ قامت مريم ابنة عمران وأخت موسى وهارون النبيئين بالضرب على‬
‫الدف هي ونساء أخريات معها يسبحون اهلل ويشكرونه على فضله الذي خص‬
‫به بني إسرائيل»(‪ ،)1‬وهكذا يصرح القرظي بقوله أن مريم هي أم عيسى‬
‫‪ ،‬وهذا مزلق خطير جدا‪.‬‬
‫ال خالف في أن أم عيسى ‪ُ ‬تسمى مريم‪ ،‬وال عجب أن يكون من‬
‫عادات بني إسرائيل تسمية أبنائهم بأسماء أنبيائهم وصالحيهم‪.‬‬
‫يكشف ابن كثير عن بيان هذا الخليط المزعوم بين مريم أخت‬
‫ُ‬ ‫وهكذا‬
‫موسى وهارون ومريم أم عيسى‪ ،‬وهذا المفتري ليس إال يهوديا اسمه محمد بن‬
‫كعب القرظي‪ ،‬الذي لم يأل جهدا في تطويع النصوص وتحريفها عن مدلولها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫التفسير‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.113 ،112‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.113‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.211‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫سفر الخروج‪ ،‬اإلصحاح ‪ ،51‬فقرتان ‪.25 ،21‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪521‬‬
‫اتلناقض واالضطراب‬

‫الصريح ليثبت زعمه(‪.)5‬‬


‫ونحن بدورنا نستغرب في موقف هذا اليهودي العالم بأسفار التوراة‬
‫والمستدل بنصوصها‪ ،‬كيف ينخدع بهذه الصورة‪ ،‬ويخلط بين مريم أخت‬
‫هارون وموسى‪ ،‬ومريم أم عيسى‪ ،‬ويخالف صريح كتابه المقدس في هذا‬
‫الشأن‪ .‬ال يمكن أن نجد مبررا لذلك إال أن األمر إذا كان يتعلق بتشكيك‬
‫الناس في المصدر اإللهي للق‪ ،‬فإن كل شيء يهون‪.‬‬
‫ومع أن المستشرق أدريان رونالد(‪ )1‬أجهد نفسه في العثور على أعذار‬
‫للمستشرقين الذين تناولوا هذه القضية‪ ،‬وربط ذلك بجهلهم للغة العربية‪،‬‬
‫ولكنه لم يجد هذا المستشرق ب ّدا من االعتراف بأن هذا األمر كان تحامال‬
‫خطيرا من قبلهما على القرآن‪ ،‬تغذيه األحقاد لدينية الكامنة في نفوسهم‪،‬‬
‫فيقول‪« :‬ولنتكلم بصراحة‪ ،‬فإننا ليس لدينا عن ال ّدين المحمدي إال أكاذيب‪،‬‬
‫وهذا ما دفعني التخاذ قرار ليس فقط لقول الحقيقة باختصار فيما يخص‬
‫العقيدة‪ ،‬ولكن أيضا لتصحيح بعض ما قيل من خطأ في هذا الصدد»(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬دفاع عن القرآن ضد منتقديه‪ ،‬صفحات ‪.511 ،511‬‬
‫(‪ )2‬أدريان رونالد ‪ 5171( ADRIANNS RELENDNS‬ــ ‪ )5758‬مستشرق هولندي‪ ،‬ولد‬
‫عام ‪ 5171‬ومات عام ‪5758‬م‪ .‬ولقد اتصف برأيه الموضوعي جدا تجاه اإلسالم والنبي‬
‫بعد هذا الطوفان العظيم من الحاقدين‪ ،‬والذين تتابعوا من القرن الثالث عشر‪ ،‬وحتى من‬
‫قبله وإلى نهاية القرن السابع عشر‪ ،‬ويعتبره عبد الرحمن بدوي بأنه أول أوروبي حاول تبرئة‬
‫اإلسالم وكذلك >الجواهر العربية< وحقق كتاب >تعليم المتعلم< لبرهان الدين الزرنوجي‪،‬‬
‫وترجمه إلى الالتينية‪ ،‬وقد اهتم روالند أيضا بالنفوس التي عثر عليها في فلسطين وكتب‬
‫كتابا في هذا الفن بعنوان >فلسطين موضحة بحسب اآلثار القديمة عام ‪.<5751‬‬
‫انظر‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص‪ .317‬ونجيب العقيقي‪،‬‬
‫المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.311‬‬
‫(‪ )3‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬دفاع عن القرآن ضد منتقديه‪ ،‬ص‪.511‬‬

‫‪521‬‬
‫اتلناقض واالضطراب‬

‫وتبعا لما تقدم يحاول االستشراق اال ّدعاء زورا وبهتانا بأ ّن القرآن يعج‬
‫بتناقضات كثيرة في نصوصه‪ ،‬وذلك لنزع صفة األلوهية منه‪ ،‬ويسوق األمثلة‬
‫الكاذبة عن ذلك‪.‬‬
‫وأضحى هذا األمر عاديا في نظرهم يتوافق مع المصدر البشري وما‬
‫يختص به من ضعف وقصور وكثرة الخطأ‪ ،‬وما إلى ذلك مما هو من صفات‬
‫البشر‪.‬‬
‫ومن غير المستغرب واألمر كذلك‪ ،‬أن تثور احتجاجات ال تستند إلى‬
‫دليل‪ ،‬فالمستشرق اليهودي دافيد كونستلنجر غاضب محتج على اسم آزر‬
‫الذي أطلقه محمد ‪ ‬خطأ على أب إبراهيم‪ ،‬ألن المصادر اليهودية ال‬
‫تعترف بآزر أبا‪ ،‬بل خادما إلبراهيم(‪.)5‬‬
‫وباإلضافة إلى إنكار كونستلنجر ونولدكه هذه النسبة واعتبرت شطحة‬
‫من ذاكرة الرسول‪ ،‬ذهبا إلى االعتقاد بأن هذه اآلية المدنية إنما تعود إلى الفترة‬
‫المكية‪.‬‬
‫وبنفس المنهج عارض االستشراق ورود لفظة >عزير< في القرآن‪ ،‬وأنها‬
‫تلفيق لشيء لم يحدث من قبل قدماء اليهود‪ ،‬واسم >عزير< هو >أوزوريس<‬
‫كما يتلفظ به اإلفرنج‪ ،‬أو >عوزر< كما ينطق به قدماء المصريين‪.‬‬
‫وقد كان قدماء المصريين يعتقدون في عوزر أو أزوريس أنه ابن اهلل بعد‬
‫أن تركوا عقيدة ال ّتوحيد‪ ،‬وقد أخذ هذه العقيدة عنهم بنو إسرائيل في دورهم‬
‫أدوار حلولهم في مصر القديمة‪ ،‬وصار اسم أوزيريس أو عوزر من األسماء‬
‫(‪)2‬‬
‫يسمون أوالدهم بهذا االسم الذي ق ّدسوه كفرا‪ ،‬فعاتبهم‬
‫المقدسة ‪ ،‬وصاروا ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عمر لطفي القاسم‪ ،‬المستشرقون والقرآن‪ ،‬ص‪.555‬‬
‫(‪ )2‬كان أثر المصريين على الديانة اليهودية واضحا‪ ،‬وقد أكد المؤرخ بريستد بأن عقيدة اليهود=‬

‫‪521‬‬
‫اتلناقض واالضطراب‬

‫اهلل على ذلك في القرآن وذكر اليهود بما كان عليه آباؤهم(‪.)5‬‬
‫ظل االستشراق‪ ،‬يتبجح‬
‫وبفضل هذا المنهج القاصر والذي يخونه ال ّدليل ّ‬
‫في نقده للقرآن وإلصاق تهمة االضطراب والتناقض في نصوصه‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= مفعمة بالعقائد المصرية‪ ،‬وأن الفكر المصري يعد مصدرا رئيسا للكتاب المقدس‪ .‬وقد اتفق‬
‫علماء اآلثار المصرية من نقاد الكتاب المقدس على أن أدب التوراة مدين في معظمه‬
‫لألدب المصري‪ .‬فالمزمور الرابع والتسعون مثال‪ ،‬مستوفى بصورة جلية من المعاني التي‬
‫ذكرها أخناتون في قصيدته حول الشمس‪.‬‬
‫انظر بالتفصيل‪ :‬بريستد‪ ،‬فجر الضمير‪ ،‬ص‪ .373‬وأندريه إيمار‪ ،‬وجانين أوبوابه‪ ،‬تاريخ‬
‫الحضارات العامة‪( ،‬الشرق‪ ،‬اليونان القديمة) ج‪ ،5‬ص‪.217 ،218‬‬
‫(‪ )5‬عمر لطفي القاسم‪ ،‬المستشرقون والقرآن‪ ،‬ص‪.552 ،555‬‬

‫‪527‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫‪5‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫يعتقد المسلمون اعتقادا جازما بالمصدر اإللهي للقرآن الكريم‪ .‬والذي‬


‫الشعائر ال ّتعبدية التي ال مجال‬
‫أنزل على النبي ‪ ،‬وهذا االعتقاد من ّ‬
‫للشك فيها‪.‬‬
‫جهد المستشرقون في محاولة ال ّتشكيك في المصدر اإللهي للقرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وسعوا بكل وسيلة إلرجاع مصادر القرآن إلى عدة عوامل داخلية‬
‫وخارجية حاولوا البرهنة عليها ما استطاعوا‪ .‬والبحث مستمر عن مصادر دينية‬
‫قديمة للقرآن الكريم‪.‬‬
‫ظل يتدفق خالل النصف‬‫والمؤكد أن سيل الدراسات حول هذا الموضوع ّ‬
‫ال ّثاني من القرن ال ّثامن عشر‪ ،‬والنصف األول من القرن ال ّتاسع عشر‪ .‬وهي‬
‫مرحلة ال ّزخم الفعلي لحركة االستشراق بكل اللّغات األوروبية‪.‬‬
‫خاصة‪،‬‬
‫وقد شملت األبحاث كل ما يرتبط بقصص القرآن الكريم بصفة ّ‬
‫السماوية من نظائر متشابهة‪.‬‬
‫بكل ما ورد في األديان ّ‬
‫ومقارنتها ِّ‬
‫وسنحاول تتبع مزاعمها والر ِّد عليها‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪528‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫املطلب األول‪ :‬الزّعم باستقاء القرآن الكريم‬


‫من التوراة واإلجنيل‬

‫يزعم المستشرقون بأ ّن القرآن الكريم نسخة محرفة من ال ّتوراة واإلنجيل‪،‬‬


‫فاإلسالم جاء متأخرا؛ فالب ّد أن يكون قد اقتبس كل عقائده وأحكامه من هذه‬
‫الكتب المقدسة‪ ،‬ثم ظ ّنوا أن محمدا البد وأن يكون قد تعرف على بعض‬
‫اليهود والنصارى وتتلمذ عليهم‪ .‬وأقصى ما يقيمه هؤالء من أدلّة على هذه‬
‫الفرية هذا ال ّتشابه في بعض القصص الواردة في القرآن والتي أشارت إليها‬
‫التوراة واإلنجيل‪.‬‬
‫ومع بداية القرن ال ّتاسع عشر أصبح لهذا النوع من ال ّدراسة سمات تبدو‬
‫كتب لهذا الغرض؛ وهي في معظمها ذات‬ ‫وخ ِّصصت ٌ‬ ‫عليها في مظاهرها‪ُ ،‬‬
‫اتجاه يهودي أو متعلقة باليهودية‪ ،‬تتزعمها األبحاث التالية(‪.)5‬‬
‫ــ كتاب >ماذا استفاد محمد من اليهودية< بون سنة ‪5833‬م‪ .‬ليبزغ سنة‬
‫‪5712‬م‪ .‬للحبر اليهودي إبراهيم جايجر‪.‬‬
‫ــ فرقة السامريين في القرآن‪ ،‬وكتاب التوراة في القرآن‪ .‬لجوزيف‬
‫ماليفي(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬دفاع عن القرآن ضد منتقديه‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫(‪ )2‬يوسف ماليفي ‪ 5827( JOSEPH MALEVY‬ــ ‪ )5727‬مستشرق فرنسي من أصل‬
‫يهودي‪ ،‬ولد في تركيا سنة ‪5827‬م وأتقن اللغة العبرية‪ ،‬وبدأ حياته مدرسا للعبرية في=‬

‫‪527‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫ــ العنصر اليهودي في القرآن‪ .‬عام ‪5878‬م‪ .‬ومقالة في تفسير القرآن‪ ،‬سنة‬
‫‪5881‬م‪ .‬وأبحاث جديدة في تقسيم نظم القرآن سنة ‪5712‬م لهيرشفيلد(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= أدرنة‪ ،‬ثم في بوخارست برومانيا‪ .‬وفي سنة ‪ 5838‬سافر إلى الحبشة برعاية األليانس‬
‫اليهودية العالمية من أجل دراسة ساللة جماعة الفالشا‪ .‬وهم جماعة من اليهود يرجعون ــ‬
‫فيما يزعمون ــ بأصولهم إلى أيام الملك سليمان بن داود‪ .‬وعاد من الرحلة يؤكد أن هذه‬
‫الجماعة يهودية الديانة‪ ،‬مما أدى إلى جمع التبرعات لهم من جانب الجاليات اليهودية في‬
‫العالم‪ .‬وكلف سنة ‪ 5817‬من قبل أكاديمية النقوش واآلداب بفرنسا بالقيام برحلة أثرية‬
‫الستكشاف جنوب الجزيرة العربية بحثا عن النقوش السبئية‪ .‬وهناك تنقل مستخفيا في زي‬
‫رباني من القدس يجمع الصدقات لفقراء اليهود‪.‬‬
‫وكان ماليفي صهيونيا شديد التعصب للديانة اإلسرائيلية‪ .‬وفي هذا الصدد أسهم بالعديد من‬
‫المقاالت الصهيونية مثل >ما ــ نجيد< و>ماليفون<‪ .‬وقد جمعت هذه المقاالت ــ وهي بالنثر‬
‫حينا وبالشعر حينا آخر ــ في كتاب بعنوان >محبرت مليظة< ونشر عام ‪5871‬م‪ .‬وتدل‬
‫عناوين قصائده على بغضه المقيت للصهيونية‪ ،‬مثل أدمت اقونا >أرض أجدادي< و>في‬
‫سبيل تجديد العبرية<‪ .‬ترجم إلى العبرية قصائد مهمة‪ .‬وفي مقال نشر في مجلة >ما ــ‬
‫مجندا< سنة ‪5815‬م اقترح إنشاء جمعية باسم >مرباي النشون< لرفع شأن اللغة العربية‬
‫وتحديثها‪ ،‬وما حققته إسرائيل فيما بعد باسم >أكاديمية اللغة العبرية<‪.‬‬
‫انظر‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص‪.112 ،115‬‬
‫(‪ )5‬هرشفيلد ‪ HARTWI HIRAHFELD‬مستشرق يهودي شديد الحقد على اإلسالم‪ .‬ولد‬
‫في بورن بألمانيا عام ‪ ،5831‬وحصل على الدكتوراه األولى من جامعة ستراسبورغ في سنة‬
‫‪ ،5878‬ثم هاجر إلى إنكلترا سنة ‪5887‬م‪ ،‬وقام بالتدريس بها‪ .‬ثم عين في سنة ‪،5715‬‬
‫ثم درس بجامعة لندن اللغة العربية واعتنى بالنقوش‪ ،‬ورقي أستاذا في سنة ‪5721‬م‪.‬‬
‫وكانت رسالته التي حصل بها على الدكتوراه من جامعة ستراسبورغ سنة ‪ 5878‬بعنوان‬
‫>العناصر اليهودية في القرآن الكريم< ثم تطرق إلى نفس الموضوع في كتاب آخر بعنوان‬
‫>إسهامات في إيضاح القرآن< يتحدث عنه بدوي بقوله‪« :‬وبالجملة فإن العمى العلمي ال‬
‫يمكن أن يبلغ بباحث ما بلغ عند هذا الرجل»‪.‬‬
‫انظر‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص‪.117‬‬

‫‪531‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫ــ دراسات قرآنية‪ ،‬سنة ‪ 5721‬للمستشرق اليهودي يوسف موروفتش‪ ،‬وقد‬


‫تأثَّر به تلميذُه هينرش اشباير ‪ HINRICH SPEYER‬الذي أدلى بدلوه في هذا‬
‫الباب فكتب >قصص التوراة في القرآن الكريم< وفيه قارن بين قصص األنبياء كما‬
‫وردت في القرآن والمصادر اليهودية والمسيحية وخصوصا السريانية(‪.)5‬‬
‫ــ األسماء اليهودية الحقيقية ومشتقاته في القرآن‪ .‬وهي حولية كلية‬
‫االتحاد العبري(‪.)2‬‬
‫أما دراسة رودلف فلهلم >صلة القرآن باليهودية والمسيحية< فتمثل‬
‫خالصة آراء االستشراق اليهودي والمسيحي في هذا المجال‪ .‬فقد جمع كل‬
‫األفكار وراح يزعم بأن القرآن من عمل محمد وتفكيره‪ .‬ثم يعمل على التنقيب‬
‫عن المصادر التي تساعده في هذا االدعاء فلم يظهر بشيء يوثق به‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫مضطرون أن نفترض أن اليهودية والمسيحية قد عرفتا السبيل على نحو ما‬ ‫ّ‬ ‫«إنا‬
‫إلى مكة التي يعنينا أمرها كثيرا ألنها موطن محمد‪ .‬وإن لم يكن ثم ما يثبت أنه‬
‫كان يهود أو مسيحيون في عهد محمد‪ .‬ومن العسير أن ننطق أنه كان بها كثير‬
‫منهم‪ .‬وإال احتفظت لنا السير بأنباء أكثر إسهابا عما تنامى إلينا»(‪.)3‬‬
‫يقرر باألدلة التاريخية خلو مكة من أتباع هاتين ال ّديانتين‪ ،‬ألن‬
‫وبهذا ّ‬
‫األخبار التي وصلته ليس فيها ما يدل على أنه كان بها من يمكن أن يتعلم منه‬
‫محمد هذا القرآن‪.‬‬
‫ثم لجأ إلى فكرة أخرى‪ ،‬هي أن مكة ملتقى ال ّتجار بين بالد العرب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.125‬‬
‫(‪ )2‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬دفاع عن القرآن ضد منتقديه‪ ،‬ص‪.28 ،27‬‬
‫(‪ )3‬فلهلم رودلف‪ ،‬صلة القرآن باليهودية والمسيحية‪ ،‬ترجمة‪ :‬عصام الدين حنفي ناصف‪،‬‬
‫(بيروت‪ :‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ )5771 ،‬ص‪.7‬‬

‫‪535‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫وسوريا والعراق‪ ،‬وإن لتجارها صالت تجارية في الجنوب والشمال‪ .‬فال ريب‬
‫أنهم قد اطلعوا على معتقدات حرفائهم(‪.)5‬‬
‫ويشعر رودلف بضعف مستنده فيتساءل عما إذا كان العرب الجاهليون‬
‫قبل محمد قد عرفوا أفكارا يهودية أم مسيحية؟ ويجيب‪« :‬إنا لنجد أنفسنا لسوء‬
‫الحظ واقفين في هذا المجال على أرض متمورة ــ غير مستقرة ــ إذ ليس هناك‬
‫أدلة تمدنا بذلك‪ ،‬ثم يشير إلى أن كتب التاريخ اإلسالمي أوردت أسماء‬
‫أشخاص يعزى إليهم أنهم كانوا معلمي محمد»(‪.)2‬‬
‫وهو هنا غير صادق أيضا‪ ،‬إذ لو كان كذلك لذكر هذه الكتب التي أشار‬
‫إليها‪ ،‬والمؤكد أنه ال يوجد كتاب إسالمي فيه شيء من هذا‪ .‬أما األشخاص‬
‫الذين يكون الرسول قد التقى بهم‪ ،‬فهم من الحنفاء الموحدين‪ ،‬وقد التقى بهم‬
‫الرسول ‪ ‬وهو صبي‪ ،‬فبشروه بالنّبوة لما رأوا من عالمات‪ ،‬ومنهم‬ ‫ّ‬
‫بحيرا الراهب وورقة بن نوفل‪.‬‬
‫والسؤال‪ :‬هل يتصور عاقل أن طفال ال يتجاوز تسع سنوات أو اثنتي‬
‫عشرة سنة يلتقي براهب مثل بحيرا فيتعلم منه ويلقنه عقيدته وديانته في بضع‬
‫ساعات؟‬
‫هذه خالصة ما ذهب إليه رودلف فلهلم وردده الكثير من المستشرقين‪،‬‬
‫وقد اتخذت هذه األبحاث ثالثة مناحي‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ يؤكد كل هؤالء اليهود أن محمدا باعتباره مؤلفا للقرآن اقتبس أغلب‬
‫القصص وعددا كبيرا من الصور البيانية‪ ،‬وكذلك الحكم واألمثال من الكتب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.8‬‬

‫‪532‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫المقدسة‪ ،‬أو شبه المقدسة لدى اليهود والنصارى‪.‬‬


‫الزعم جدال‪ ،‬فالبد أن محمدا يعرف العبرية والسريانية‬‫ولكي نفترض هذا ّ‬
‫واليونانية‪ ،‬والبد أنه بحوزته مكتبة زاخرة بالكتب القديمة تشتمل على كل األسفار‬
‫المقدسة واألناجيل المختلفة وقرارات المجامع الكنسية‪ .‬هل يمكن أن يعقل‬
‫هذا الكالم الشاذ لهؤالء الكتاّب‪ ،‬وهو كالم مردود الفتقاره لديل يستند إليه‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ ترديد القول بأن في القرآن انتحاال‪ ،‬ويحدث ذلك عندما يتوافق القرآن‬
‫مع الكتب المقدسة في ذكر بعض الحقائق‪ ،‬وكأنه يجب على القرآن حتى‬
‫يكون بريئا من انتحال أن يقول أشياء مخالفة لما سبق‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ أنه بمجرد العثور على كلمة أو كلمتين متشابهتين بين القرآن وأي‬
‫جزء من التوراة أو اإلنجيل‪ ،‬فإنهم ينتهون إلى النتيجة المسبقة بافتراض اقتباس‬
‫الالحق عن السابق‪ .‬ويعد هيرشفيلد زعيم هذا االتجاه(‪.)5‬‬
‫ولعل من القرائن التاريخية والتي تثبت استحالة تلفيق مادة القرآن من‬
‫عناصر الثقافة اليهودية والمسيحية هي‪:‬‬
‫أ ــ أُ ّمية الرسول ‪ ‬وعدم معرفته للكتابة والقراءة باللغة العربية‬
‫فضال عن أن يحسن لغة أخرى‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ}(‪.)2‬‬
‫أقر بها المستشرقون المنصفون‪ ،‬يقول هنري دي‬‫هذه حقيقة تاريخية ثابتة ّ‬
‫كاستر الكونت(‪« :)3‬وأما مسألة الوحي بالقرآن فهي أكثر إشكاال وأكبر تعقيدا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬دفاع عن القرآن ضد منتقديه‪ ،‬صفحات ‪ 28‬ــ ‪.27‬‬
‫(‪ )2‬سورة العنكبوت‪ ،‬آية ‪.18‬‬
‫(‪ )3‬دي كاستري الكونت ‪ 5811( CASTRIAS. A‬ــ ‪ )5727‬مستشرق فرنسي‪ ،‬عمل مقدما=‬

‫‪533‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫ألن الباحثين لم يهتدوا إلى حلها حال مرضيا‪ ،‬والعقل يحار كيف يتأ ّتى أن‬
‫تصدر تلك اآليات عن رجل أمي‪ ،‬وقد اعترف الشرق قاطبة بأنها آيات يعجز‬
‫فكر اإلنسان عن اإلتيان بمثلها لفظا ومعنى»(‪.)5‬‬
‫ولذلك نجد هيرشفيلد يفتضح أمره عندما أورد بأن محمدا قد ا ّطلع على‬
‫ما كتبه اليهود بالعربية والعبرية‪ ،‬وحسب قول هورفيتش البد أن محمدا كان‬
‫يتقن اآلرامية(‪.)2‬‬
‫يصر‬
‫ومع اعتراض المستشرق مونتجمري وات على هذه اآلراء‪ ،‬إال أنه ّ‬
‫الرسول ‪ ‬لم يسلم من ال ّتأثير اليهودي‬ ‫في عناد ومكابرة بأن ّ‬
‫الرسول‪ ،‬وينفي عنه معرفة القراءة‬ ‫بأمية ّ‬
‫والمسيحي‪ ،‬فهو في نقاشه يقر ّ‬
‫والكتابة‪ ،‬وبذلك يؤ ّكد عدم اطالعه على الكتب المقدسة مباشرة‪ ،‬وإن كان‬
‫الرسول تلقى تعاليمهم شفاها(‪.)3‬‬
‫يغلب عليه الظن بأن ّ‬
‫وقد ر ّدد هذا الكالم المستشرق نولدكه‪ ،‬وإن ك ّنا نستغرب هذا الرأي‬
‫الذي ال يستند إلى دليل(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= في الجيش‪ .‬ومن آثاره‪ :‬مصادر غير منشورة عن تاريخ العرب‬
‫(باريس ‪ )5711‬ومن أبحاثه‪ :‬األشراف السوريون ‪ 5725‬ومسك النقود في المحمدية‬
‫‪ 5722‬وفتح المنصور للسودان عام ‪.5715‬‬
‫انظر‪ :‬نجيب العقيقي‪ ،‬المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.251‬‬
‫(‪ )5‬هنري دي كاسترو‪ ،‬اإلسالم خواطر وسوائح‪ ،‬ترجمة أحمد فتحي زغلول باشا‪( ،‬القاهرة‪:‬‬
‫مطبعة السعادة) ص‪.58‬‬
‫(‪ )2‬عبد الرحمان بدوي‪ ،‬دفاع عن القرآن ضد منتقديه‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪)3‬‬
‫(‪ )1‬ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪،311‬‬
‫‪.311‬‬

‫‪531‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫أيعقل أن تنقل هذه الروايات الشفوية من الكتاب المقدس إلى محمد‬


‫‪ ‬منظمة مرتبطة ومفصلة ال يشوبها خالف أو تناقض؟‬
‫الرواة البد أن يحدث تضاربا فيما‬‫إن نقل هذه ال ّتعاليم جميعها عن طريق ّ‬
‫الصارخ في‬‫بينهم في نقل هذه الروايات‪ .‬وهذا فضال عن ال ّتناقض وال ّتعارض ّ‬
‫فقرات الكتاب المقدس الذي تؤكده ال ّدراسات النّقدية الحديثة‪.‬‬
‫وبهذا ال تستقيم نتائج من أنكر اقتباس محمد من الكتب المقدسة كتابة‬
‫وإثباتها واإلقرار بنا شفاها‪.‬‬
‫ويذهب مالك بن نبي بعيدا إلى حد االفتراض‪ ،‬ويعمد إلى مناقشته‬
‫بأسلوب هادئ ورصين بقوله‪« :‬فإذا كان هذا المصدر الشفهي غير المكتوب‬
‫لكي يكون في متناول أمي‪ ،‬وربما كان هناك في هذه الحالة ملقن ما يهمس إليه‬
‫ــ دون علمه ــ بكل ما يتصل بدعوته‪ ،‬وإن الطابع الخاطئ الفتراض كهذا ليقف‬
‫في مواجهة واقعين ال يقبالن المناقشة‪ ،‬هما القيمة القرآنية‪ ،‬وقيمة الذات‬
‫المحمدية‪ .‬وهكذا ينتهي بنا الغرض إلى تناقض تاريخي ونفسي»(‪.)5‬‬
‫أما ما ذهب إليه مالك بن نبي في معرض استدالله بعدم اقتباس الرسول‬
‫من الكتاب المقدس‪ ،‬وأرجع ذلك إلى تدني المستوى ال ّثقافي لليهود‪ ،‬وأنهم‬
‫لم يكونوا أكثر حظا من أولئك العرب في شبه الجزيرة العربية(‪.)2‬‬
‫إن هذا الرأي في اعتقادنا يجانبه الصواب من وجوه عدة‪ ،‬أهمها أن‬
‫القرآن الكريم ــ كما مر بنا ــ خاطب اليهود في أكثر من مناسبة‪ ،‬وهو يشير إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬الظاهرة القرآنية‪ ،‬ترجمة الدكتور عبد الصبور شاهين‪( ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪)5778 ،1‬‬
‫ص‪.215‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.218‬‬

‫‪531‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫الرسول محمد ‪ ،‬كما هو‬ ‫علمهم بالكتاب‪ ،‬وح ّثهم على تصديق ّ‬
‫منصوص عليه في ال ّتوراة‪ .‬فكيف يأمرهم اهلل بذلك وهم ال علم لهم بما حوته‬
‫ال ّتوراة؟ أم يعقل أنه يخاطب يهودا غير يهود شبه الجزيرة العربية؟ وكيف نفسر‬
‫الرسول ‪ ‬في‬ ‫ذلك الجدال الفكري االستفزازي من قبل اليهود تجاه ّ‬
‫أكثر من مناسبة؟ وماذا تمثل لنا تلك ال ّتفاسير المأثورة عن الصحابة والتابعين‪،‬‬
‫والتي ال تكاد تخلو من ذكر لإلسرائيليات؟ وماذا كنت تعني تلك األسئلة التي‬
‫تطرح على مسلمي أهل الكتاب‪ ،‬كعبد اهلل بن سالم‪ ،‬وكعب األحبار‪ ،‬وغيرهما‬
‫من قبل الصحابة؟‬
‫‪ 2‬ــ عدم وجود ترجمة عربية لل ّتوراة واإلنجيل قبل عصر محمد لعدم‬
‫وجود ا ّتصال علمي بالمعنى المفهوم بين العرب واليهود والنصارى إال في‬
‫أواخر القرن الثاني للهجرة تقريبا‪ ،‬عند البدء في نقل كتب األوائل إلى اللغة‬
‫العربية‪ .‬ومع ذلك فإننا نسلم بوجود تراجم نادرة محصورة بين اليهود‬
‫والنصارى الذين عاشوا في البالد العربية‪ .‬ليسهل عليهم معرفة دينهم إذا تعذر‬
‫عليهم قراءتها باللغات األصلية‪.‬‬
‫ولقد أكَّدت األبحاث المسيحية عدم وجود ترجمة عربية للكتاب‬
‫الرابع الهجري‬‫الرسول‪ ،‬فمن المؤكد أن اإلنجيل حتى القرن ّ‬
‫المقدس في عصر ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫لم تكن قد وضعت له ترجمة عربية‪ ،‬بدليل أن أبا حامد الغزالي في نقده‬
‫للمسيحية لم يجد لها مصدرا إنجيليا إال مخطوط قبطي من أجل تحرير رده(‪.)2‬‬
‫وبغض النظر عن ذلك كله‪ ،‬ونصدق بما ذهب إليه االستشراق في هذا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬انظر كتابه‪ :‬الرد الجميل على ألوهية المسيح‪ ،‬تحقيق محمد عبد اهلل الشرقاوي‪( ،‬القاهرة‪:‬‬
‫دار الهداية‪ ،‬ط‪5781 ،2‬م)‪.‬‬
‫(‪ )2‬مالك بن نبي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.218‬‬

‫‪531‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫المجال‪ ،‬فكيف يمكن تفسير سكوت اليهود على اقتباس الرسول من كتابهم‬
‫المقدس كل هذه التعاليم والمرويات وعدم احتجاجهم على ذلك في عصره؟‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن األب شدياق ‪ R.P.CHEDIC‬في معرض ترجمته‬
‫لكتاب أبي حامد الغزالي بحث عن المصادر اإلنجيلية التي استخدمها‪ ،‬فذكر‬
‫نص مسيحي ترجم إلى العربية كان مخطوطا بمكتبة القديس بطرسبرج‬‫بأن أول ّ‬
‫كتب حوالي ‪5111‬م بيد رجل يدعى ابن العسال(‪.)5‬‬
‫وهكذا لم تكن توجد ترجمة عربية لإلنجيل في عصر الغزالي‪ ،‬فكيف‬
‫يمكن أن تكون موجودة في العصر الجاهلي؟ وكيف يمكن أن توجد ترجمة‬
‫عربية للتوراة وهي أقدم من اإلنجيل بزمن طويل؟‬
‫كما ا ّدعى االستشراق بأن عملية اقتباس القرآن الكريم لتعاليم التوراة‬
‫واإلنجيل قد ّتمت باستعانة محمد ‪ ‬براهب كان يعلم محمدا سرا‪.‬‬
‫ر َّوج لهذه الفكرة كلُّ من القديس يوحنا ال ِّدمشقي‪ ،‬واليهودي إبراهيم جيجر‪.‬‬
‫وسرعان ما انتشرت في األوساط االستشراقية‪ .‬وقد ربط بعض المستشرقين‬
‫بين هذا الراهب وبين بحيرا‪ ،‬فنسجوا حوله األساطير والخرافات(‪.)2‬‬
‫ومع تعويل أغلب المستشرقين على قصة المقابلة التي ّتمت بين محمد‬
‫الشام وتضخيم شأنها‪ ،‬فإنه ال يوجد سند صحيح لهذه القصة(‪.)3‬‬
‫الراهب في ّ‬
‫وهذا ّ‬
‫وهذا ما يعترف بعض المحققين به‪« ،‬بأن ال ّنصوص ال ّتاريخية للعرب تؤكد ذلك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬محمد عبد اهلل الشرقاوي‪ ،‬االستشراق في الفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬ص‪.77 ،71‬‬
‫(‪ )3‬ينفي الشيخ محمد الغزالي وجود أنباء تصف هذه الرحلة في السنن الصحاح‪ ،‬انظر‪ :‬محمد‬
‫الغزالي‪ ،‬فقه السيرة‪ ،‬ص‪.18‬‬

‫‪537‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫الراهب السوري‪ ،‬إال أنها مجرد قصة من نسج الخيال»(‪.)5‬‬


‫ال ّدور المسند إلى هذا ّ‬
‫الراهب لم يكن له أثر في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬لو لم‬ ‫والمؤكد أن هذا ّ‬
‫يذكره مؤرخو السيرة النبوية‪ ،‬فهم مصدر كل ما روي عنه‪ .‬وأقصى ما يروونه‬
‫عنه أن هذا الشخص هو راهب متعبد عاش في ديره على أطراف الجزيرة‬
‫الشام‪ .‬وفي أغلب الظروف‬ ‫العربية‪ ،‬وكان ديره يقع في طريق تجارة قريش إلى ّ‬
‫تأوي إليه القوافل التجارية للراحة ووعثاء السفر‪ ،‬فيحسن ضيافتها‪ .‬وأن‬
‫عمه أبو طالب في‬ ‫الرسول ‪ ‬لما بلغ اثنتي عشرة سنة من عمره خرج ُّ‬ ‫ّ‬
‫تهيأ لذلك تعلَّق به محمد ‪ّ ‬‬
‫فرق له‬ ‫قافلة تجارية إلى الشاّم‪ ،‬ولما َّ‬
‫عمه‪ ،‬واصطحبه معه وهو غالم صغير‪ .‬وعندما حلَّت القافلة بدير الراهب‬
‫الرسول‬
‫تفرس هذا الراهب في ّ‬ ‫للراحة أحضر لهم الراهب بحيرا طعاما‪ ،‬وقد َّ‬ ‫ّ‬
‫الرسول‬‫‪ ‬ورأى معالم النبوة في وجهه وبين كتفيه‪ ،‬ثم تو َّجه إلى ّ‬
‫فتيقن بحيرا أن هذا‬ ‫‪ ‬بأسئلة عن حاله في قومه‪ ،‬ورسول اهلل يجيبه‪َ ،‬‬
‫عمه من كيد اليهود له‪ ،‬وأمره بالعودة به‬‫الغالم سيكون له شأن كبير‪ ،‬فح َّذر َّ‬
‫إلى مكة حين ينتهي من مهامه التجارية(‪.)2‬‬
‫كل ما ذكره المؤرخون‪ .‬لكن المستشرقين عمدوا إلى تأويل هذه‬ ‫هذ ُّ‬
‫األخبار وأضافوا إليها أخبارا بال سند‪ .‬منها‪:‬‬
‫الراهب‪ ،‬فقد ظلَّ‬
‫الرسول ‪ ‬كانت له عالقة وطيدة بهذا ّ‬ ‫ــ أن ّ‬
‫يتردد عليه إبان سفره للتجارة‪ ،‬وأنه استقى منه الكثير من الوصايا واألخبار‬
‫الدينية(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.331‬‬
‫(‪ )2‬ابن هشام‪ ،‬السيرة النبوية‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ 211‬ــ ‪.217‬‬
‫(‪ )3‬ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.331‬‬

‫‪538‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫والسؤال الملح هو‪ :‬هل يتصور عاقل أن صبيا ال يتجاوز سنه اثنتي عشرة‬
‫سنة يلتقي براهب مثل بحيرا‪ ،‬فيتعلم منه ويلقنه عقيدته وديانته في مدة زمنية‬
‫قصيرة؟‬
‫الرسول به والمكوث معه‬
‫وكيف ال يالحظ مرافقوه من تجار قريش التقاء ّ‬
‫ّأياما وليالي طويلة‪ .‬وهو يغترف من معين هذا الراهب ال ّديني؟‬
‫وإذا كان هذا األمر معروفا‪ ،‬فكيف يخفى على قريش وهي التي تسعى‬
‫دائما لتشويه صورته في أوساط أتباعه؟‬
‫إن ال ّتشابه الذي يبدو بين القرآن والكتب المقدسة ال يُعزى إلى عمليات‬
‫نهب على األديان من قبل محمد‪ ،‬كما يزعم المستشرقون‪ ،‬والمؤكد أن ما‬
‫السياق القرآني من بعض أقوال التوراة فهو إلى الوحي اإللهي أقرب‪.‬‬ ‫يوافق ّ‬
‫وإن القرآن حسم ذلك حين قال‪{ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ‬
‫ﮑ}(‪.)5‬‬
‫السماوية‬
‫ومن هنا فإن أي بحث يحاول أن يبرز أوجه ال ّتشابه بين الكتب ّ‬
‫فهو يدور في فلك اآلية السابقة حين أقرت وحدة وحي السماء‪ ،‬وفي نفس‬
‫الوقت يؤكد نبوة الرسول ‪ ،‬وصدق ما أخبر به‪ .‬ومنه فإن أي تشابه‬
‫قد يالحظ بين هذه الكتب فإنه يعبر صراحة عن وحدة المصدر‪.‬‬
‫ومع هذا فإن القرآن يخالف هذه الكتب في وجوه كثيرة‪ ،‬فهو أحيانا يزيد‬
‫عليها أمورا يجهلها أهل الكتاب‪ ،‬وأخرى يصحح لهم كثيرا من األخطاء‪ .‬فقد‬
‫اشتمل على قصص لم تذكر في كتبهم المقدسة كقصة ابن نوح وكفره وغرقه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة الشورى‪ ،‬آية ‪.53‬‬

‫‪537‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫بالطوفان‪ ،‬وحادثة إضرام النار إلحراق إبراهيم وحفظ اهلل له‪ ،‬وقصة إيمان‬
‫امرأة فرعون‪ ،‬ونجاة هذا األخير بجسده بعد موته غرقا‪ .‬وتكليم المسيح للناس‬
‫في المهد‪ ،‬وإنزال المائدة وغير ذلك مما ال يعرفه أهل الكتاب‪.‬‬
‫صححه القرآن من معلومات خاطئة أن ذبيح إبراهيم كان إسماعيل‬
‫ومما ّ‬
‫وليس إسحاق‪ ،‬وأن الذي صنع العجل لبني إسرائيل في غياب موسى هو‬
‫وقرر‬
‫السامري‪ ،‬وليس هارون‪ .‬كما نفى رؤية موسى لذات اهلل جل جالله‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫الرؤية في الدنيا‪ ،‬ونفي أيضا صلب المسيح ‪ ‬وإنما الذي‬ ‫عدم إمكانية ّ‬
‫صلب إنما هو من شبه لهم(‪.)5‬‬
‫فإذا كان محمد قد استقى هذه المعلومات من كتب اليهود والنصارى‪،‬‬
‫فلماذا هذه الزيادات؟ ولماذا خطأهم القرآن في بعض ما ذكروه؟ أما كان‬
‫األولى موافقتهم فيما قالوا؟‬
‫وكيف إذا كان االختالف بين القرآن والتوراة في بعض الحقائق‬
‫التاريخية وتأتي الوثائق الثانية لتؤكد صحة القرآن الكريم‪.‬‬
‫فمثال نجد في التوراة في معرض حديثها عن عبور بني إسرائيل البحر‬
‫األحمر؛ فإنها أشارت إلى غرق فرعون وجنوده‪ .‬أما الرواية القرآنية فقد أتمت‬
‫هذا المشهد بتفصيل دقيق يتمثل في النجاة البدنية لفرعون(‪ )2‬الذي نجا‬
‫بأعجوبة من الغرق‪ .‬وتأتي الدراسات المصرية القديمة لتهاجم وتنقض الرواية‬
‫ال ّتوراتية‪ ،‬مؤكدة أن تاريخ ملوك مصر لم يسجل اختفاء فرعون المعاصر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬انظر هذه المناقشات‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح‪ ،‬مطابع المجد‬
‫التجارية‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.213 ،212‬‬
‫(‪ )2‬انظر سورة يونس‪ ،‬آية ‪.75‬‬

‫‪511‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫لموسى في البحر األحمر(‪.)5‬‬


‫ولعل من الواجب أخيرا أن نسجل ما أع َّده موريس بوكاي حين قارن‬
‫بين روايات القرآن وروايات ال ّتوراة واإلنجيل‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق بقصة‬
‫الخلق‪ ،‬وأثبت أن اآليات القرآنية توافق الحقائق العلمية؛ بينما تعارض الكتب‬
‫المقدسة األخرى هذه الحقائق(‪.)2‬‬
‫يتضح مما سبق أن حرص المستشرقين ال َّدائب على تصيِّد ال ّنظائر‬
‫والمتشابهات‪ ،‬واتخاذها ذريعة لل ّتشهير بتبعية مزعومة للقرآن لغيره من الكتب‬
‫المقدسة أمر مرفوض‪ ،‬ألن ال ّتشابه حدث في أشياء مشتركة بين البشر؛‬
‫والذاكرة اإلنسانية واحدة‪.‬‬
‫وإن الطفرة العلمية المعاصرة التي حدثت في ال ّدراسات التاريخية نتيجة‬
‫فكها لكثير من الرموز اللغوية القديمة كشفت بأن قصص األنبياء واألمم التي‬
‫وردت في التوراة قد سبق ذكرها في كتب موغلة في القدم(‪.)3‬‬
‫إن االضطراب والتناقض الملحوظ في نصوص التوراة واإلنجيل‪،‬‬
‫ووحدة الموضع التي طبعت نصوص القرآن الكريم أدت إلى االعتقاد باستحالة‬
‫أخذ القرآن عن هذه الكتب المقدسة‪.‬‬
‫فالتوراة مثال ال يجد المحقق اليهودي سبينوزا بدا من االعتراف بهذا‬
‫الصارخ بين فقراتها ونصوصها‪ ،‬وتبعا لذلك ّقرر بأن موسى يستحيل‬
‫ال ّتناقض ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬مالك بن نبي‪ ،‬الظاهرة القرآنية‪ ،‬ص‪ 212‬ــ ‪.211‬‬
‫(‪ )2‬موريس بوكاي‪ ،‬التوراة واإلنجيل والقرآن والعلم‪ ،‬ص‪ 521‬ــ ‪.527‬‬
‫(‪ )3‬وول ديورانت‪ ،‬قصة الحضارة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ 318‬ــ ‪ .317‬بريستد‪ ،‬فجر الضمير‪ ،‬ص‪ 11‬ــ‬
‫‪.71‬‬

‫‪515‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫أن يكون كاتب التوراة(‪.)5‬‬


‫لقد أثارت االختالفات والتناقضات البارزة في نصوص التوراة الحالية‬
‫انتباه كثير من الباحثين قديما وحديثا‪ ،‬ومع االعتراف بوجود دراسات نقدية‬
‫سابقة إلثبات تعدد مصادر التوراة وابتعادها عن أصلها الموحى به‪ ،‬إال أن‬
‫يوليوس فلهاوزن(‪ )2‬أضاف إلى ال ّنقد السابق لل ّتوراة عملية الربط بين المصادر‬
‫ومراحل تطور ال ّديانة اليهودية‪ ،‬فعمل على ترتيب المصادر وفق عالقتها بتاريخ‬
‫الديانة‪ .‬وبهذا دخلت عملية النقد مرحلة جديدة وخطيرة كان لها عظيم األثر‬
‫على حركة نقد التوراة بشكل عام‪ ،‬وجعلت من فلهاوزن أعظم ناقد للتوراة في‬
‫عصرنا الحديث‪.‬‬
‫إن المصادر التي أعانت على كتابة التوراة أربعة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫اإللوهيمي واليهوي والكهنوتي والتثنوي‪ ،‬وكل منها له خصائصه ومميزاته‬
‫مس هذا الخالف جوانب متعددة‪ ،‬منها القصص‪،‬‬ ‫التي تختلف عن اآلخر‪ ،‬وقد َّ‬
‫العقائد‪ ،‬واألحكام‪ ،‬وحتى األسلوب‪ .‬ويتع َّدى هذا الخالف إلى تاريخ‬
‫كتابتها(‪.)3‬‬
‫ولذا نسأل المستشرقين من أي مصدر أخذ القرآن التعاليم؟ أم إنه لم‬
‫يفرق بين هذه المصادر‪ .‬ولماذا لم يبرز االختالف والتناقض في القرآن؟ شأنه‬
‫شأن تعدد المصادر في التوراة؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬باروخ سبينوزا‪ ،‬رسالة في الالهوت والسياسة‪ ،‬ص‪.275‬‬
‫(‪ )2‬فلهوزن يوليوس (‪ 5811‬ــ ‪ WENIHAUSEN )5758‬مؤرخ اليهودية ألماني الجنسية‪.‬‬
‫انظر‪ :‬عبد الرحمان بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص‪.117 ،118‬‬
‫(‪ )3‬محمد خليفة حسن أحمد‪ ،‬عالقة اإلسالم باليهودية‪ ،‬ص‪ 21‬ــ ‪.38‬‬

‫‪512‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫وكذلك الحال فيما يخص األناجيل‪ ،‬فأغلب ال ّنصارى يتفقون على‬


‫االعتقاد بأن إنجيل المسيح فقد‪ ،‬وأن المصادر التاريخية تثبت بأنه خالل القرن‬
‫األول الميالدي برزت أكثر من مائة إنجيل دونها أتباع المسيح(‪ )5‬والمقربون‬
‫مسه ال َّتحريف وال َّتزوير‪ .‬وحتى‬
‫منه‪ .‬وال شك أن إنجيله كان موجودا‪ ،‬ولكنه َّ‬
‫هذه األناجيل المعترف بها عند النَّصارى متعارضة فيما بينها‪ ،‬بل يختلف‬
‫اإلنجيل مع نفسه في بعض الموضوعات‪.‬‬
‫والسؤال الذي يتبادر إلى الذِّهن‪ :‬ما هو اإلنجيل الذي يقتبس منه‬
‫القرآن؟ ولماذا لم نعثر فيه على ذلك االختالف وال َّتناقض الذي تعج به فقرات‬
‫اإلنجيل؟‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ول ديورانت‪ ،‬قصة الحضارة‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.357‬‬
‫موريس بوكاي‪ ،‬التوراة واإلنجيل والقرآن والعلم‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫‪513‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫املطلب الثاني‪ :‬املؤثِّرات اجلاهلية‬

‫جهود االستشراق في محاولة ر ِّد القرآن إلى مصادر يهودية‬ ‫ُ‬ ‫لم تقتصر‬
‫ومسيحية فحسب‪ ،‬بل تع ّدت إلى أن النبي ‪ ‬لفَّق مادة القرآن من‬
‫السائدة في البيئة العربية آنذاك‪ .‬تولَّى جولد زيهر ال ّدفاع عن‬
‫األفكار والعادات ّ‬
‫هذا ال ّزعم‪ ،‬وال يعنيه أنه يسوق في ذلك أساطير وخرافات ال تستند إلى دليل‬
‫أمية‬
‫تاريخي للبرهنة على رأيه فقد ا َّدعى زورا بأن مصدر القرآن الكريم هو شعر ّ‬
‫يقرون بال ّتوحيد؛ كورقة بن‬‫بن أبي الصلت‪ ،‬أو مستقى من الحنفاء الذين ّ‬
‫نوفل(‪.)5‬‬
‫ولبيان ذلك نؤكد الحقائق التاريخية التي تنير ا ّلسبيل وترفع اللّبس عن‬
‫هذا األمر‪.‬‬
‫أقر العادات واألعراف الصالحة وأبقاها‪ ،‬وأنكر الفاسد منها‬
‫إن اإلسالم َّ‬
‫وألغاها‪ ،‬استجابة للفطرة التي فطر اهلل النفس البشرية عليها‪ ،‬فال تبديل لخلق‬
‫بالضرورة يكون قد اقتبس منها‪ ،‬فإن‬‫أقر بعض األعراف أنه ّ‬ ‫اهلل‪ ،‬وليس ألنه َّ‬
‫منبع الخير واحد‪.‬‬
‫أما ال ّزعم بأن القرآن قد أخذ من الموحدين الحنفاء فإنه ال خالف بأن‬
‫عقيدة هؤالء القوم يكتنفها الغموض‪ ،‬خاصة إذا تعلق األمر بوجود اهلل‬
‫ووحدانيته‪ .‬وليس هناك كتاب معين يتبعون أحكامه(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬جولد زيهر‪ ،‬العقيدة والشريعة في اإلسالم‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )2‬محمد إبراهيم الفيومي‪ ،‬التاريخ الديني الجاهلي‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العربي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪5151‬هـ‪5771/‬م) ص‪.318‬‬

‫‪511‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫والمؤكَّد أ َّن ما أُثر عنهم من أعراف وعادات يغلب عليها الطَّابع‬


‫وقوم تلك هي عقائدهم وبهذه‬ ‫ٌ‬ ‫األخالقي أكثر من الطابع ال ِّديني والفكري‪.‬‬
‫البساطة يستحيل أن تكون شرائعهم وتصرفاتهم من المصادر األصلية للقرآن‬
‫شرعت لتنظيم‬ ‫الكريم‪ ،‬الذي يضم بين دفتيه تعاليم وأحكاما واضحة بيِّنة‪ّ ،‬‬
‫البشرية في عبادتها ومعامالتها‪ .‬وال يمكن االعتقاد بأن المجتمع العربي كان‬
‫على درجة عالية من التدين‪.‬‬
‫وبذلك ال يمكن ال ّتسليم بما ذهب إليه من أن الجزيرة العربية عرفت‬
‫الوحدانية قبل مجيء بعثة الرسول ‪ ،‬وأن ما جاء به محم ٌد ليس إال‬
‫امتدادا للحركة ال ِّدينية التي كانت سائدة في عصره‪ ،‬وهي حركة الحنفاء‪.‬‬
‫إن االستشراق يغض الطّرف عن حقائق ثالث‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ أن تعاليم الحنفاء تتصف بالغموض واإلبهام‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ إن الحنفاء يمثلون ثلة قليلة العدد بحيث لم يكن لهم ذلك التأثير‬
‫الف ّعال على البيئات التي كانوا يعيشون فيها(‪.)5‬‬
‫بالسيف والقلم‪،‬‬
‫‪ 3‬ــ ال مراء بأن بعضهم قد تصدى للدعوة اإلسالمية ّ‬
‫الصلت‪ .‬إذ لو كانت عقيدتهم مما حواه القرآن لما تمكّن‬
‫أمية بن أبي ّ‬
‫مثل ّ‬
‫العداء من نفوسهم(‪.)2‬‬
‫وبهذا تتالشى كل دعوة من هذا القبيل ألنها ال تستند على أساس علمي‬
‫صحيح‪.‬‬
‫أقر به‬
‫خص بها محمد ‪ ،‬وهذا ما َّ‬
‫إن القرآن الكريم معجزة َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.311‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.317‬‬

‫‪511‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫العرب أنفسهم(‪ .)5‬وإننا نجد اليوم ال ِّدراسات االستشراقية مع تحاملها على‬


‫القرآن ــ كما سبق وأن ذكرنا ــ إال أنه إذا تعلَّق األمر بلغة القرآن فإن الكل‬
‫يخرص‪.‬‬
‫في البداية يتبجح المستشرق بالشير بقوله‪« :‬إن القرآن لم ينقل ولم يد َّون‬
‫الشعرية العامية التي كانت‬ ‫باللهجة الخاصة بمكة‪ ،‬بل بلغة قريبة من اللغة ِّ‬
‫قبلت كلغة للسحر منذ قرون‪ ،‬ورفعت إلى رتبة لغة دينية بسبب استعمالها في‬
‫الوحي القرآني»(‪.)2‬‬
‫يقر بالشير بإمكانية أخذ القرآن من الشعر القديم‪ ،‬ولكنه يتراجع‬ ‫وبهذا ُّ‬
‫بسرعة مذهلة عن هذا الهراء في موضع آخر فيناقض كالمه كله‪ ،‬ويبين أن لغة‬
‫القرآن هي التي ف َّجرت اللغة العربية لإلبداع‪ .‬ويقول‪« :‬لقد كان للواقعة القرآنية‬
‫دور أساسي في تفتح النظريات ال ّنحوية‪ ،‬وفي تأليف الدراسات في اللغة‬
‫وتاريخها»(‪ .)3‬ويضيف قائال‪« :‬وال نبالغ إذا قلنا بأن علم البيان العربي كان‬
‫منطلقه من القرآن‪ ،‬ومن األبحاث التي أثارها اإلعجاز‪ ،‬هذا األخير الذي يجب‬
‫على كل مؤمن أن يكتشفه في نفسه‪ ،‬ويحس بالرسالة القرآنية‪ ،‬إذ إنها تكون‬
‫التحديد من وجه ما معجزة تجددت طول دعوة محمد»(‪.)1‬‬
‫إذن كيف يتفق القول بأن القرآن كتب بلغة شعرية قديمة من جهة‪،‬‬
‫واالعتراف بأنه معجزة لغوية خص بها محمد من جهة أخرى؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬تحقيق محمود محمد شاكر‪( ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬ ‫(‪)5‬‬
‫الخانجي‪ ،‬ط‪5151 ،2‬هـ‪5787/‬م) ص‪.388‬‬
‫بالشير‪ ،‬القرآن تاريخه وتدوينه وترجمته‪ ،‬ص‪.73‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.77 ،71‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.511‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪511‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫لكن بالشير يؤكد األمر األخير فيقول‪« :‬إن القيمة األدبية للرسالة التي‬
‫تبلغها العرب عن محمد‪ ،‬قد تجلّت من غير أن يخالطها أي شيء دنيوي‪ ،‬كأجمل‬
‫أثر أدبي كان يمكن تصوره»‪ .‬ولم يخف بالشير أثر القرآن حتى على غير العربي‪،‬‬
‫السامع الذي ال ينطق بالضاد»(‪.)5‬‬
‫فيقول‪« :‬ثم إن لهذه الميزة تأثرا حتى على َّ‬
‫المكية‪ ،‬وبين بأن‬
‫ّ‬ ‫السياق تح ّدث المستشرق رودنسون عن اآليات‬
‫وفي هذا ِّ‬
‫أسلوبها من النثر لم يكن معهودا لدى العرب قبل اإلسالم‪ .‬وهذه الخاصية‬
‫استخدمها علماء الكالم المسلمون كدليل قاطع على صحة القرآن ومصدره‬
‫اإللهي(‪.)2‬‬
‫إن هذا األسلوب القرآني الجديد الذي لم يشهد له العرب نظيرا من‬
‫قبل‪ ،‬ال يمكن تفسيره إال بالمعجزة القرآنية ال ّدالة على صدق الرسول فيما‬
‫يخبر به عن ربه عامة‪ ،‬وأنه قد تحدى بهذا األسلوب جهابذة اللغة وفرسان‬
‫البيان من العرب على أن يأتوا بمثله‪.‬‬
‫وهذا ما يعترف به المفكر جان جاك روسو حين يقول‪« :‬من النّاس من‬
‫يتعلم قليال من العربية ثم يقرأ القرآن ويضحك منه‪ ،‬ولو أنه سمع محمدا يمليه‬
‫على الناس بتلك اللغة الفصحى الرقيقة وصوته المشبع المقنع‪ ،‬والذي يطرب‬
‫اآلذان ويؤثر في القلوب‪ ،‬والتفت إلى أنه كلما بدت أحكامه أيدها بقوة البيان‬
‫وما أوتيه من بالغة اللسان لخر ساجدا على األرض‪ ،‬وناداه‪ :‬أيها الرسول خذ‬
‫بأيدينا إلى مواقف الشرف»(‪.)3‬‬
‫خالصة القول‪ ،‬إن مزاعم المستشرقين باطلة‪ ،‬وال تستند إلى سند قويم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.515‬‬
‫(‪ )2‬ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.121‬‬
‫(‪ )3‬هنري دي كاسترو‪ ،‬اإلسالم خواطر وسوائح‪ ،‬ص‪.57‬‬

‫‪517‬‬
‫املؤثرات ادلينية السابقة‬

‫وإن افتراءهم بأن القرآن الكريم ال يعدو أن يكون مجموعة من القصاصات‬


‫أخذت من ال ّتوراة واإلنجيل والشعر‪ ،‬أمر مردود لعدم وجود أي برهنة عليه‪،‬‬
‫إال من حيث أنه يم ّثل تأثير اسرائيلي حاكها جولد زيهر وتالميذه‪.‬‬
‫ولقد كشف عن هذه المؤامرة المستشرق تورأندرا حين اعترض على هذا‬
‫المهمة الكبرى للمستشرقين ال ّدارسين‬
‫ّ‬ ‫االتجاه وقال في سخرية الذعة‪« :‬كأن‬
‫الرسول بتأثير روح البيئة المحيطة به‬
‫لشخص الرسول هي محاولة فهم كيف أن ّ‬
‫أشتاتا عديدة شديدة التنافر في كل واحد هو القرآن»(‪.)5‬‬
‫ويؤكد ‪ J. FYECK‬على هذه الظّاهرة العدوانية التي تطبع المستشرقين فيما‬
‫يتعلق بهذا الموضوع‪ ،‬قائال‪« :‬لقد صبغ الجدل المضاد لإلسالم في الغرب صورة‬
‫السواد‪ ،‬ولقد طغت أحكامهم على المجال كله‪ ،‬ولقد أضاف‬ ‫محمد بلون حالك ّ‬
‫مستشرقو القرن ال ّتاسع عشر لحنا جديدا إلى عزف هذه الجوقة‪ ،‬وذلك بتأكيدهم‬
‫على تبعية محمد واعتماده على األديان السابقة الموحى بها»(‪.)2‬‬
‫الصحة‪ ،‬ثم‬
‫واعتبرت موضةٌ تقليديةٌ بين المستشرقين ال أساس لها من ّ‬
‫المهمة التي قام بها اليهودي ‪ W. C. CAVORRY‬ثم يقول‪:‬‬
‫َّ‬ ‫يشرح ‪ J. FYECK‬أن‬
‫بالرغم من ذلك فإ ّنهما قد رجعا إلى الطريق االستشراقي القديم‪ ...‬عازمين‬‫« ّ‬
‫على إرجاع المبادئ اإلسالمية بشكل كلّي إلى األديان ال ّتوحيدية السابقة‪،‬‬
‫سواء أكانت يهودية أم مسيحية‪ .‬ولقد رأى ‪ TORRY‬أن محمدا لم يكن أكثر‬
‫من تلميذ أو حواري في المجتمع اليهودي»(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد عبد اهلل الشرقاوي‪ ،‬االستشراق في الفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬ص‪.81 ،81‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪518‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫‪5‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫علماء اإلسالم‬
‫ُ‬ ‫أولَى المسلمون القرآن الكريم عناي ًة فائقة‪ .‬وقد رص َد‬
‫كل آية وسبب نزولها‬‫مراحل نزول القرآن من حيث ال ّزمان والمكان‪ ،‬فتتبعوا ّ‬
‫تدرج‬
‫الضبط وال ّتحري هو بيان ومعرفة ّ‬ ‫وزمن نزولها‪ ،‬وغرضهم من هذا ّ‬
‫األحكام الشرعية‪.‬‬
‫انجر عن ذلك التباين واالختالف ــ الذي قد يبدو للمستشرقين ــ في‬ ‫َّ‬
‫أسلوب القرآن بين القسم المكّي والقسم المدني منه إلى االعتقاد بأن القرآن قد‬
‫خضع لظروف بشرية مختلفة؛ شخصية وسياسية واجتماعية‪ ،‬تركت بصماتها‬
‫على أسلوب القرآن وطريقة عرضه وموضوعاته(‪.)5‬‬
‫تبعا لذلك طفق االستشراق في إعادة ترتيب القرآن الكريم بطريقة جديدة‬
‫تحذو حذو التوراة في ذلك‪ ،‬والعدول عما أجمع عليه المسلمون وتعارفوا‬
‫عليه‪ ،‬وما نقل إليهم بالتواتر‪.‬‬
‫ويجدر بنا قبل الحديث عن هذه الرؤية االستشراقية في ترتيب القرآن‬
‫ومناقشتها‪ ،‬أن نكشف النقاب عن دور االستشراق اليهودي في هذا المجال‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬جولد زيهر‪ ،‬العقيدة والشريعة في اإلسالم‪ ،‬صفحات ‪ 51‬ــ ‪.51‬‬

‫‪517‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫املطلب األول‪ :‬نولدكه وترتيب القرآن الكريم‬

‫حظي كتاب نولدكه >تاريخ القرآن< باهتمام بالغ في األوساط االستشراقية‪.‬‬


‫تبوأ مؤلفه منزلة علمية رفيعة‪ ،‬وأضحى كتابه مصدرا مهما في الدراسات‬
‫القرآنية ال يمكن ألي باحث االستغناء عنه‪ ،‬فهو عرص مفصل لكل المسائل‬
‫والموضوعات التي تتعلق بالقرآن‪ .‬يصفه المستشرق بارت قائال‪« :‬من يريد‬
‫االشتغال علميا بالقرآن على أي نحو‪ ،‬أن يعتمد على كتاب نولدكه تاريخ‬
‫القرآن‪ ،‬وذلك الكتاب الذي سيظل حافظا لقيمته على مر األيام»(‪.)5‬‬
‫سرت بسرعة مذهلة في األوساط‬ ‫إن نظرية نولدكه في هذا الكتاب َ‬
‫مست ال ِّدراسات القرآنية سواء‬
‫االستشراقية بصفة عامة‪ ،‬وكانت طفرة جديدة َّ‬
‫تعلق األمر بالمستشرقين أو باحثين مسلمين‪ ،‬وتبعا لهذه المكانة التي تبوأتها‬
‫هذه النّظرية في الدراسات االستشراقية تقلّد صاحبها وسام الشرف بإطالق‬
‫لقب شيخ االستشراق عليه(‪.)2‬‬
‫فمن يكون تيودور نولدكه هذا؟ ولم ُش ّرف بلقب شيخ المستشرقين(‪)3‬؟‬
‫خلفي ُة هذا ال َّتكريم؟ وهل ق َّدم للقرآن ــ كما يزعم المستشرقون ــ خدمات‬
‫َ‬ ‫ما‬
‫معتبرة؟ وما هي عالقته بالمستشرقين اليهود؟‬
‫ولد نولدكه عام ‪5831‬م في هامبورج بألمانيا‪ .‬أيقظ فيه والده كعالم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬رودي بارت‪ ،‬الدراسات العربية واإلسالمية في الجامعات األلمانية‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫(‪ )2‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪511‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫فكرس حياته لفك رموز‬ ‫للّغات القديمة رغبة جامحة لعلوم األقدمين ولغاتهم‪َّ ،‬‬
‫اللّغات القديمة‪ .‬فقد شغف منذ نعومة أظفاره بدراسة اللّغة العربية‪ ،‬فأتقنها‬
‫بوسائل خاصة دون استعانة من أحد‪ ،‬حتى منحت له شهادة تقدير تعفيه من‬
‫دراستها بالمدرسة(‪.)5‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك عكف على دراسة اللّغات السامية القديمة والفارسية‬
‫والتركية والسنسكريتية‪ ،‬وقد اجتاز المسابقة العلمية بجدارة‪ ،‬واعتبر كتابه‬
‫أطروحة للدكتوراه‪ .‬أما عنوان الكتاب فكان حول نشوء وتركيب السور القرآنية‬
‫عام ‪5811‬م‪ ،‬وما لبث أن ح ّقق في بعض القضايا الفكرية الواردة فيه‪ ،‬وأطلق‬
‫عليه اسم تاريخ القرآن‪.‬‬
‫ُع ّين أستاذا للغات السامية القديمة والتاريخ اإلسالمي في جوتنجن عام‬
‫السامية والسنسكريتية‪ ،‬ثم اآلرامية عام ‪5811‬م‪،‬‬
‫ودرس التوراة واللّغات ّ‬
‫‪5815‬م‪َّ ،‬‬
‫وعيِّن أستاذا للغات الشرقية في ستراسبورغ من عام ‪5872‬م إلى ‪5721‬م‪ .‬فجعل‬ ‫ُ‬
‫الشرقية في ألمانيا‪.‬‬
‫منها مركزا للدراسات َّ‬
‫وقد خلَّف كتبا ودراسات ال تحصى‪ ،‬شملت اللّغات القديمة وال ّديانات‬
‫السماوية‪ ،‬وفي مقدمتها المؤلفات المختصة بالعهد القديم وتاريخ القرآن‪.‬‬ ‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫المنية عن عمر يناهز أربعا وتسعين سنة ‪.‬‬
‫ووافته َ‬
‫لينم عن ذلك‬
‫إن هذا العرض المقتضب لمواهب ومؤهالت نولدكه ّ‬
‫وسعة اطالعه‪ ،‬وإنه يُمثِّل حلقة وصل بين ال ِّدراسات القديمة‬
‫ال ّتنوع في ثقافته َ‬
‫والمعاصرة‪ .‬وبهذا انتزع كل اإلعجاب والعرفان من قبل المستشرقين‪ .‬فقد أثنى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عمر لطفي العالم‪ ،‬المستشرقون والقرآن‪ ،‬ص‪.517‬‬
‫(‪ )2‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص‪ 171‬ــ ‪.178‬‬

‫‪515‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫عليه بارت بقوله‪« :‬لم يكن لنولدكه ما لرجال غيره‪ ...‬من موهبة التأمل‬
‫الفلسفي‪ ،‬بل كان يهتم أول ما يهتم بفهم الوقائع وتحليلها‪ .‬وقد قال عن نفسه‬
‫إنه يتبع المدرسة العقلية‪ .‬ويصح أن نقول عنه إنه كان يتبع الوضعية‪ .‬وهو في‬
‫كل نشرياته يعالج األمور كلها على نحو موضوعي خالص يلتزمه أشد االلتزام‪،‬‬
‫ويعبر عما يريد بعبارات واضحة‪ .‬وإذا ح َّدث بشيء صدق وأخلص‪ .‬فإذا‬
‫كلية بدون أن يقول فيه‬
‫صادف أمرا لم يكن متأكدا منه أبان عن ذلك‪ ،‬أو تركه َ‬
‫ضل قط من انضوى لقيادته العلمية»(‪.)5‬‬
‫رأ ًيا‪ .‬فما َّ‬
‫ال شك أن نولدكه كان ذا موهبة فذّ ة وعبقرية نادرة‪ ،‬وظاهرة استشراقية‬
‫فريدة من نوعها خالل القرن التاسع عشر للميالد‪ .‬وإن كنا ال نغمط الرجل‬
‫ح ّقه في تضلعه في اللّغات القديمة‪ ،‬فإننا ال ننكر تجنيه في دراسته على القرآن‬
‫الكريم‪ .‬وسنزيح ال ّنقاب عن ذلك في مناقشتنا ألفكاره‪ ،‬مع بيان أن محاولة‬
‫وضع ترتيب معاصر للقرآن الكريم يخالف به ما تعارف عليه المسلمون‬
‫وأجمعوا عليه‪ ،‬باإلضافة إلى أنه لم يكن في جوهره أمرا جديدا‪ ،‬بل هو ترديد‬
‫ومحاكاة لما ردده المستشرقون من قبله‪ .‬ولم يضف في هذا الباب إال ما تعلق‬
‫بالشرح والتفصيل‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬رودي بارت‪ ،‬الدراسات العربية واإلسالمية في الجامعات األلمانية‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫‪512‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫املطلب الثاني‪ :‬الرتتيب املعاصر للقرآن الكريم‬

‫رفض نولدكه الترتيب القرآني على الطريقة اإلسالمية المتواترة‪ ،‬وسلك‬


‫منهجا آخر في ترتيبه يعتمد على أسلوب القرآن وطريقة عرضه للموضوعات(‪.)5‬‬
‫وطبقا لما تقدم أورد أربعة أقسام للقرآن الكريم‪ .‬هي‪:‬‬
‫السور القصار‪،‬‬
‫‪ 5‬ــ بيان القرآن الذي نزل في مكة‪ .‬وهنا يتم التركيز على ّ‬
‫ووحدة أسلوبها‪ ،‬واختصار معانيها‪ ،‬وخلوها من األحكام والشرائع‪.‬‬
‫الرسول‬
‫‪ 2‬ــ انصب على ترتيب القرآن من حيث الظّروف التي دفعت ّ‬
‫إلى مواجهة معارضيه‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ اعتمد على ترتيب القرآن الكريم من حيث تركيزه على العبادات‬
‫والمعامالت واألحكام والشرائع‪ ،‬وبيان األوامر والنواهي‪ ،‬وعالقة المسلمين‬
‫بأهل الكتاب من اليهود والنصارى‪.‬‬
‫السور الطّوال(‪.)2‬‬
‫التركيز على ّ‬
‫‪ 1‬ــ بيان القرآن الذي نزل بالمدينة‪ .‬وهنا يتم ّ‬
‫وبعد أن يسرد نولدكه هذه األقسام‪ ،‬يعمد إلى ترتيب القرآن من خاللها‪.‬‬
‫والمؤكد أن هذا الترتيب الذي أورده نولدكه لم يضف كثيرا عما ق ّدمه من قبله‬
‫المستشرقون اليهود من أبحاث في هذا الباب‪ ،‬أمثال إبراهيم جايجرو وجولد‬
‫زيهر وجوستاف فايل‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫(‪ )2‬ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.117‬‬
‫وبالشير‪ ،‬القرآن‪ ،‬نزوله تدوينه ترجمته وتأثيره‪ ،‬ص‪ 21‬ــ ‪.27‬‬

‫‪513‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫فالمستشرق األول باركه نولدكه في كتابه تاريخ القرآن‪ ،‬وأثنى عليه في‬
‫ذكية م َّهدت له الطَّريق‬
‫ر ِّده نصوص القرآن إلى التوراة‪ ،‬ووصفها بمالحظات َّ‬
‫لعرض نظريته(‪.)5‬‬
‫أما جوستاف فايل فهو المهندس الحقيقي لهذه النظرية بال منازع‪ ،‬هذا ما‬
‫يكشف عنه بارت تلميذ نولدكه حين أوضح بأن لهذا اليهودي كتابا بعنوان‬
‫السور المكية ألول مرة إلى ثالث مجموعات‪،‬‬ ‫قسم فيه ّ‬ ‫مدخل إلى القرآن‪َّ ،‬‬
‫تقسيما أخذ عنه نولدكه فيما بعد‪ ،‬وما أضافه نولدكه فهو القسم الرابع في بيان‬
‫القرآن الذي نزل بالمدينة(‪.)2‬‬
‫مهد السبيل الذي قام به نولدكه وتبنته‬
‫الترتيب ال َّزمني أن ّ‬
‫لقد كان لهذا َ‬
‫المدرسة االستشراقية فيما بعد لمستشرقين وباحثين عرب الستنباط أخطر‬
‫النتائج في مجال العلوم القرآنية‪ ،‬وجعلوا منه أكبر مدخل للطّعن في المصدر‬
‫اإللهي القرآني‪ .‬يقول ساسي سالم الحاج‪« :‬وكان من نتائج ترتيب المدرسة‬
‫األلمانية للقرآن ترتيبا موضوعيا إيراد لشبهات عديدة من عدم صحة النّص‬
‫الرسول‪،‬‬‫الشخصية والموضعية التي واجهت ّ‬ ‫القرآني‪ ،‬وتأثر اآليات بالظّروف ّ‬
‫والتي حاول من خاللها مجابهة معارضيه وأعدائه‪ ،‬بحيث اعتبرت هذه‬
‫الرسول وهو يحاول نشر‬ ‫المدرسة أن القرآن ما هو إال صدى فعلي آلمال وآالم ّ‬
‫دعوته بين قومه‪ ،‬والحلول التي يبتكرها في مواجهة المشكالت التي تواجهه‪،‬‬
‫الشرك والكتب‬ ‫واإليديولوجيات الجديدة التي يحاول تثبيتها في مواجهة ّ‬
‫السماوية المق ّدسة»(‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عمر لطفي العالم‪ ،‬المستشرقون والقرآن‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫(‪ )2‬رودي بارت‪ ،‬الدراسات العربية واإلسالمية في الجامعات األلمانية‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫(‪ )3‬ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.118‬‬

‫‪511‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫ومع ما تنطوي عليه هذه ال ّنظرية من ال ّتشكيك في صحة القرآن الكريم‪،‬‬


‫عمل نولدكه من قبل‬
‫ظي به ُ‬
‫فإننا نستغرب من ذلك اإلكبار والتنويه الذي ُح َ‬
‫الباحثين العرب والمسلمين‪ ،‬فهذا ابن عبد اهلل يُصنِّف ما كتبه هذا المستشرق‬
‫أهم مؤلفات الغربيين في تاريخ القرآن‪ ،‬ثم يشير إلى أن منهجه في كشف‬ ‫ضمن ّ‬
‫السور كان قديما(‪.)5‬‬
‫تاريخ ّ‬
‫المتجردة حين قال‪« :‬حاول ــ‬
‫ّ‬ ‫أما ميشال جحا فقد قلَّده وِسام المنهجية‬
‫نولدكه ــ في كل ما كتب أن يكون مثال العالم المتجرد العقالني فلم يتجن في‬
‫أبحاثه على اإلسالم‪ ،‬ولم يحاول أن ي ّدعى معرفة أشياء ولم يكن يعرفها‪،‬‬
‫ولهذا جاءت آراؤه واضحة جلية وخاضعة لصفة التجرد؛ وبعيدة عن الهوى‬
‫والتضليل»(‪.)2‬‬
‫بعض الباحثين المسلمين منزلة رفيعة تجعل منه رمزا للعقالنية‬
‫ُ‬ ‫وقد َّبوأه‬
‫الصارمة في الدراسات اإلسالمية(‪.)3‬‬
‫االستشراقية والمنهجية العلمية ّ‬
‫لم يقتصر األمر على ال ّتنويه واالفتتان بآرائه في هذا المجال‪ ،‬فسرعان ما‬
‫رضخ بعض من المفكرين المسلمين ألفكاره‪.‬‬
‫وأسفر عن ذلك العديد من ال ِّدراسات القرآنية التي تلقي بالالَّئمة على‬
‫ال ِّدراسات اإلسالمية األصلية من ناحية‪ ،‬وتختفي وراء تسميات ُتضفي على‬
‫نفسها الطّابع العلمي من ناحية أخرى‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ابن عبد اهلل‪ ،‬تاريخ القرآن‪ ،‬تحقيق محمد عبد الرحيم‪( ،‬دمشق‪ ،‬دار الحكمة)‪ ،‬ص‪،583‬‬
‫‪.581‬‬
‫(‪ )2‬لطفي العالم‪ ،‬المستشرقون والقرآن‪ ،‬ص‪.211‬‬
‫(‪ )3‬نجيب العقيقي‪ ،‬المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.381‬‬

‫‪511‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫وفي مقدمة هذه ال ِّدراسات ما خطَّه محمد أركون في تناوله لل ّنص القرآني‬
‫والشخصية‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫حين أخضع النَّص المقدس للظّروف ال ّزمانية والمكانية ّ‬
‫«ونحن في قراءتنا للقرآن‪ ،‬ينبغي أن نستكشف المعنى االلتزامي لكلماته»(‪.)5‬‬
‫للرسول‬
‫الشخصية ّ‬ ‫السور المدنية بأنها تمثل ال ّتجربة ّ‬ ‫واعتبر أركون ّ‬
‫السور‬
‫‪ ‬في المدينة‪ .‬وقد حاول أن يمس من الطابع القدسي لهذه ّ‬
‫والشك والقلق واألمل والمعارضة المضادة‬ ‫فيقول‪« :‬وفيه نلمح آثار التردد ّ‬
‫والهزائم واالنتصارات التي وافقت االنبثاق التاريخي البطيء والصعب لطائفة‬
‫المسلمين‪ ،‬ولكنه استطاع أن يتوصل إلى خلع رداء ال ّتصعيد وال ّتسامي‬
‫والروحانية وال ّتعالي‪ ،‬وربما ال ّتنزيه في بعض الحاالت»(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫ولإلنصاف فإن أركون لم يخف انبهاره وتأثره بالمدرسة األلمانية في هذا‬
‫المجال‪ ،‬فهي التي دفعت ق ُدما هذا النّوع من ال ِّدراسات القرآنية(‪.)3‬‬
‫وسار على نفس المنوال محمد شحرور‪ ،‬ولكن بشيء من التعمق‬
‫والتفصيل‪ ،‬وهو الذي لم يجد حرجا في القول بأن مصطلح الفرقان الذي ورد‬
‫في القرآن‪ .‬يعني الوصايا العشر التي أنزلت على موسى ‪ ،‬وبهذا أسدى‬
‫الشيخ البوطي هذه اآلراء مبرزا‬
‫ُ‬ ‫خدمة جليلة للفكر اليهودي(‪ .)1‬وقد فنَّد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الفكر العربي‪ ،‬ترجمة عادل العوا‪( ،‬الجزائر‪ :‬د‪ .‬طـ‪5882 ،‬م)‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫محمد أركون‪ ،‬اإلسالم‪ ،‬األخالق والسياسة‪ ،‬ترجمة هاشم صالح‪( ،‬بيروت‪ :‬مركز اإلنماء‬ ‫(‪)2‬‬
‫القومي‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫محمد أركون‪ ،‬الفكر اإلسالمي‪ ،‬نقد واجتهاد‪ ،‬ترجمة هاشم صالح‪( ،‬الجزائر‪ :‬المؤسسة‬ ‫(‪)3‬‬
‫الوطنية للكتاب‪5773 ،‬م)‪ ،‬ص‪ .82‬ومحمد أركون‪ ،‬الفكر اإلسالمي‪ ،‬قراءة علمية‪،‬‬
‫ترجمة هاشم صالح‪( ،‬بيروت‪ :‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬ط‪ ،2‬سنة ‪5771‬م)‪ ،‬ص‪.211‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.172 ،175‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪511‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫الخلفية اليهودية لهذه الدراسة(‪.)5‬‬


‫ويستغرب الشيخ الغزالي من موقف بعض المفكرين المسلمين الذين‬
‫ير ّددون هذه األفكار االستشراقية‪ ،‬ثم ينسبونها إليهم دون حياء‪ .‬فيذكر في‬
‫معرض نقده لمرجليوث اليهودي في مسألة المكِّي والمدني بأنه «ليس‬
‫المضحك أن يتورط مستشرق يهودي في هذه الغفلة لشدة رغبته في القول بأن‬
‫قرآن المدينة يغاير قرآن مكة‪ .‬وإنما المضحك أن يتبنى ال ّدكتور طه حسين هذا‬
‫الشعر الجاهلي‪ ،‬بعد أن يخيل للناس أن‬ ‫البهتان ويخرجه في كتاب ألفه عن ّ‬
‫هذا الفكر هو نتاج عقله الخاص‪ ،‬وليس نقال عن مستشرق يهودي»(‪.)2‬‬
‫يتضح مما سبق ذكره أن موضوع المكي والمدني في ال ِّدراسات القرآنية‬
‫قد وجد له مرتعا خصبا في محاولة ترتيب القرآن زمنيا من قبل المستشرقين‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ماهر المنجد‪ ،‬اإلشكالية المنهجية في الكتاب والسنة‪ ،‬دراسة نقدية‪( ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪،‬‬
‫ط‪5771 ،5‬م)‪ ،‬ص‪ .1‬نقال عن‪ :‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬الخلفية اليهودية لشعار‬
‫قراءة معاصرة‪ ،‬مجلة نهج اإلسالم‪ ،‬دمشق‪ ،‬العدد ‪ ،12‬سنة ‪5771‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬محمد الغزالي‪ ،‬دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين‪ ،‬ص‪.17 ،18‬‬

‫‪517‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫املطلب الثالث‪ :‬مسألة املكي واملدني يف القرآن الكريم‬

‫إن موضوع المكي والمدني في القرآن الكريم من جملة األبحاث القرآنية‬


‫التي احت َدم حولها ال ّنقاش والجدل‪.‬‬
‫و ُتثار الشبه ُة هنا من ال ّتباين واالختالف الذي يبدو بين القسم المكِّي من‬
‫القرآن والقسم المدني منه‪ .‬هذا االختالف مر ّده إلى طبيعة وظروف الدعوة‬
‫المحمدية‪ ،‬ويعكس طبيعة البيئة التي وجد فيها الرسول ‪ .‬ومن ثم‬
‫تأتي ال ّنصوص القرآنية مجسدة لهذا الواقع ومعبرة عنه‪.‬‬
‫الشبهة يجدر بنا تسليط الضوء على أمرين أساسيين لما‬
‫ض هذه ّ‬ ‫ولدح ِ‬
‫لهما من عالقة عضوية بهذا الجانب‪ .‬يرتبط األول باألسلوب القرآني‪ ،‬وينصب‬
‫األمر الثاني على الموضوعات التي تعرض لها القرآن‪ .‬وهذا في كل من القسم‬
‫المكي والقسم المدني‪.‬‬

‫أوال‪ :‬األسلوب القرآني‪:‬‬


‫ذكر جولد زيهر بأن أسلوب القرآن المكي يمتاز عن القسم المدني بطابع‬
‫والسباب‪ ،‬وهذا يعني أن محمدا تأثر بالبيئة التي ترعرع فيها‪،‬‬
‫الشدة والعنف ّ‬‫ّ‬
‫تتسم بالغلظة والجهل‪ .‬ولذلك يتالشى هذا الطّابع عن القرآن عندما‬
‫ُ‬ ‫والتي‬
‫يستقر محمد بالمدينة المنورة حين تأثر بحضارة أهل الكتاب من اليهود‬
‫والنصارى(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬جولد زيهر‪ ،‬العقيدة والشريعة‪ ،‬ص‪.51 ،51‬‬

‫‪518‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫ويمكن مناقشة هذا الزعم بما يلي‪:‬‬


‫والشدة‪ .‬ألن القرآن‬
‫ــ لم ينفرد القرآن الذي نزل بمكة وحده بطابع العنف ّ‬
‫الذي نزل بالمدينة ال يختص أيضا ــ كما قد يفهم من الزعم ــ باألسلوب الهادئ‬
‫ال ّلين‪ .‬بل ي ّتسع ذلك ليشمل اآليات المكية‪ .‬واألمثلة من هذا القبيل ال حصر‬
‫لها‪.‬‬
‫بالشدة والعنف‪ ،‬قوله تعالى‪:‬‬
‫فمن القسم المدني الذي اتسم ّ‬
‫{ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ}(‪.)5‬‬
‫كما نجد في القسم المكي لينا و ِرقّة‪ ،‬كما َو َ‬
‫رد في قوله تعالى‪{ :‬ﮤ‬
‫ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬
‫ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ}(‪.)2‬‬
‫والشتم‪ ،‬ألن القرآن نفسه نهى عن ذلك‬
‫السباب ّ‬
‫ــ ُخ ُلو القرآن الكريم من ّ‬
‫حيث قال تعالى‪{ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ}(‪.)3‬‬
‫والشتم في سورة المسد أو التكاثر‪ ،‬كما‬
‫السب ّ‬ ‫وال نعثر على أي نوع من ّ‬
‫يزعم المستشرقون‪ ،‬وإنما تحوي إنذارا ووعيدا بالمصير الذي يؤول إليه أبو‬
‫لهب والمشركون(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.21‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫سورة الزمر‪ ،‬آية ‪.13‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سورة األنعام‪ ،‬آية ‪.518‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫محمد باقر الحكيم‪ ،‬المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن‪( ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة األعلمي‬ ‫(‪)1‬‬
‫للمطبوعات‪ ،‬ط‪ ،)5781 ،5‬ص‪.18‬‬

‫‪517‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫السور واآليات في القسم المكي‪ .‬زعم‬‫ــ األسلوب القرآني يمتاز بقصر ّ‬


‫المستشرقون أن القسم المكي يتسم بقصر سوره وآياته‪ ،‬وبالمقابل فإن القسم‬
‫المدني ورد بشيء من ال ّتفصيل واإلسهاب‪ ،‬فسورة البقرة وآل عمران والنساء‬
‫السور الطّوال‪.‬‬
‫وغيرها من ّ‬
‫الصلة بين القسم المكِّي والقسم المدني‪ ،‬وتأثرهما‬
‫وتبعا لذلك أثبتوا انقطاع ّ‬
‫بالبيئة التي كان يعيشها محمد ‪ ،‬فإن مجتمع مكة لما كان مجتمعا‬
‫بدويا وأميا لم يكن بقدرة الرسول ال ّتبسط في شرح المفاهيم وتفصيلها‪ ،‬وإنما‬
‫اكتسب القدرة على ذلك عندما اختلط بالمثقفين اليهود في يثرب(‪.)5‬‬
‫ونناقش هذه الشبهة بما يلي‪:‬‬
‫ــ إن القصر واالقتضاب في السور المكية ليس مختصا بالقسم المكي‪،‬‬
‫بل يحوي القسم المدني سورا قصيرة ومقتضبة أيضا‪ ،‬كسورة النصر‪ ،‬والزلزلة‬
‫والبينة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫كما أ ّن ال ّتفصيل واإلطناب ال يخص القسم المدني فحسب‪ ،‬بل توجد‬
‫في القسم المكي أيضا سور طويلة كاألنعام واألعراف‪.‬‬
‫وقد يقصد من اختصاص المكّي بالقصر واإلطناب أن هذا الشيء هو‬
‫الغالب فيه‪ ،‬ومع هذا ال يصح أن يستشهد به على انقطاع الصلة بين القسمين‬
‫المذكورين في القرآن الكريم‪ ،‬ألنه يكفي في تأكيد هذه الصلة أن يأتي القرآن‬
‫المفصلة في القسم المكي كدليل على القدرة والتمكن‬
‫ّ‬ ‫السور الطّويلة‬
‫ببعض ّ‬
‫من االرتفاع إلى مستوى التفصيل في المفاهيم والموضوعات‪.‬‬
‫السور المدنية وبالعكس‪ ،‬وفي‬
‫مكية أثبتت في ّ‬
‫باإلضافة إلى وجود آيات ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.71‬‬

‫‪511‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫كل من الحالتين نجد ال ّتالحم واالنسجام في السورة وكأنها نزلت دفعة واحدة‪.‬‬
‫ّ‬
‫األمر الذي يدل بوضوح على وجود الصلة ال ّتامة بين القسمين(‪.)5‬‬
‫ــ أثبتت ال ّدراسات اللّغوية على أن اإليجاز يعتبر ثمرة من ثمار القدرة‬
‫الخارقة على التعبير‪ .‬ولذلك ُع ّد من مظاهر اإلعجاز القرآني‪ .‬وبهذا تح َّدى‬
‫بالسورة القصيرة‬
‫القرآن العرب بأن يأتوا بسورة من مثله‪ ،‬حيث يكون ال ّتحدي ّ‬
‫أسمى وأبلغ منه بسورة مفصلة(‪.)2‬‬

‫ثانيا‪ :‬موضوعات القرآن‪:‬‬


‫زعم المستشرقون أن القسم المكي لم يتناول في موضوعاته الجانب‬
‫َ‬
‫ال ّتشريعي من أحكام وأنظمة‪ ،‬وبالمقابل تناول القسم المدني هذا الجانب‬
‫بشيء من اإلسهاب والتفصيل‪.‬‬
‫الرسول بالبيئة ومالبسات الظروف االجتماعية‬
‫وتبعا لذلك استنتجوا تأثر ّ‬
‫بها‪ .‬فمجتمع مكة كان متقوقعا على نفسه‪ ،‬ولم يكن قد انفتح على معارف‬
‫اليهود والنصارى وتشريعاتهم‪ .‬على خالف مجتمع المدينة المتفتح أمام الثقافة‬
‫اليهودية والمسيحية(‪.)3‬‬
‫ونرد على هذه الشبهة بما يلي‪:‬‬
‫لم يهمل القسم المكي جانب ال ّتشريع‪ ،‬فقد اعتنى بالمقاصد الكلية‬
‫للشريعة‪ .‬كما جاء في قوله تعالى‪{ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )3‬جولد زيهر‪ ،‬العقيدة والشريعة في اإلسالم‪ ،‬ص‪.52 ،55‬‬

‫‪515‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ‬
‫ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬
‫ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ}(‪.)5‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك نجد في سورة األنعام المكية مناقشة ثرية ألحكام‬
‫أهل الكتاب وتشريعاتهم‪ .‬أال يع ّد هذا شاهدا على معرفة القرآن الكريم بهذه‬
‫ال ّتشريعات وغيرها مسبقا؟‬
‫ــ ُخ ُلو القسم المكي في مادته من األدلّة والبراهين‪:‬‬
‫ذكر المستشرقون أن القسم المكِّي لم تعرض فيه العقيدة مع ّززة باألدلّة‬
‫والحجج‪ ،‬على خالف القسم المدني الذي يزخر بالحجج والبراهين على‬
‫ذلك‪.‬‬
‫بعضهم على هذا ال ّزعم في اال ّدعاء بتأثر القرآن بظروف البيئة‪ ،‬إذ‬
‫واستند ُ‬
‫عجزت الظّاهرة القرآنية عن تناول هذا الجانب‪ ،‬وذلك لتدني المستوى ال ّثقافي‬
‫للرسول بمكة في مجتمع األميين(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫حل الرسول بالمدينة واتصل باليهود والنصارى‪ ،‬مما‬
‫وبالمقابل عندما َّ‬
‫سمح له باالستفادة من معارفهم(‪ .)3‬فارتفع مستواه الثقافي وانعكس ذلك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة األنعام‪ ،‬آيتان ‪.512 ،515‬‬
‫(‪ )2‬جولد زيهر‪ ،‬العقيدة والشريعة في اإلسالم‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫(‪ )3‬يزعم بعض من المستشرقين بأن النبي ‪ ‬كان في العهد المكي منسجما متضامنا مع‬
‫أهل الكتاب‪ ،‬وكأنه واحد منهم‪ .‬ولم ينجم بينه وبينهم خالف وجدال‪ .‬في حين أن اآليات‬
‫حسب زعمه تشير إلى خالف وجدال بينه وبينهم يقتضي أن تكون الحالة هزة مدنية‪= .‬‬

‫‪512‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫إيجابيا على القرآن‪ .‬فأضحت تعاليمه مدعمة باألدلة والبراهين من جهة‪.‬‬


‫ومحاولة منه السترضاء اليهود من جهة أخرى(‪.)5‬‬
‫إن هذا الكالم ليس إال ضربا من التجني على الحقيقة من حيث إن‬
‫القسم المدني لم يخل من األدلة على عرض العقيدة‪ ،‬فقد تناولها في أكثر من‬
‫والشواهد القرآنية على ذلك كثيرة‪ .‬أهمها ما استدل به القرآن على‬
‫سورة‪ّ ،‬‬
‫التوحيد‪.‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ}(‪.)2‬‬
‫ومن براهينه على البعث والجزاء قوله تعالى‪{ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ}(‪.)3‬‬
‫والجدير بالذّ كر أن اهتمام علماء اإلسالم القدامى بموضوع المكِّي‬
‫والمدني من القرآن كان يندرج ضمن االستفادة من تدرج األحكام الشرعية‪،‬‬
‫وال ّتطلع إلى مدى تجاوبها مع البيئة العربية‪ ،‬وال ّتعرف على أساليبها المتنوعة‪.‬‬
‫وإن بدا للبعض تباينا في األسلوب‪ ،‬أو اختالفا في الخطاب‪ ،‬جعلوا منه معينا‬
‫ال ينضب في تنوع أساليب الخطابة فيه‪ ،‬ومراعاتها للظروف المختلفة‪.‬‬
‫إن القرآن نزل في بيئة محددة لها مميزاتها‪ ،‬ويخاطب أقواما لعهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= انظر‪ :‬محمد عزة دروزة‪ ،‬القرآن والمبشرون‪( ،‬بيروت‪ :‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪5772‬م)‪ ،‬ص‪.552‬‬
‫(‪ )5‬محمد الغزالي‪ ،‬دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين‪ ،‬ص‪ 11‬ــ ‪.18‬‬
‫(‪ )2‬سورة المؤمنون‪ ،‬آية ‪.75‬‬
‫(‪ )3‬سورة ق‪ ،‬آيتان ‪ 7‬ــ ‪.51‬‬

‫‪513‬‬
‫الرتتيب الزمين للقرآن الكريم‬

‫خصائصهم الدينية والسياسية واالجتماعية‪ .‬ومن المعقول أن يحاور القرآن‬


‫هؤالء طبقا لما تعارفوا عليه من سنن الكون والحياة‪ .‬فحوار القرآن للمشركين‬
‫العرب يراعى فيه بساطة وسذاجة العربي البدوي‪ ،‬بخالف حواره للمجتمع‬
‫الجديد في يثرب‪ ،‬والذي بدأ في التشكل وهو محاط بأهل الكتاب‪ ،‬وما‬
‫يدخرونه من معارف وثقافات‪ .‬فطبيعة هذا المجتمع تحبذ خطايا جديدا يتالءم مع‬
‫تحديات الواقع الجديد‪.‬‬
‫هذا ما يوضحه سالم ساسي الحاج في قوله‪« :‬إن القرآن يمثل البيئة العربية‬
‫بأخالطها وأوشابها وتضارب ال ِق َيم فيها‪ ،‬إال أن صحة ال ّنص القرآني وألوهية‬
‫بالرغم من االختالف الظّاهري في اآليات القرآنية‬‫الشك‪ّ ،‬‬‫مصدره ال يتطرق إليها ّ‬
‫المكية واآليات المدنية شكال وموضوعا»(‪.)5‬‬
‫يتضح مما سبق أن المستشرقين اليهود قد استب ّد بهم ال ّتعصب المقيت في‬
‫هذا ال ّزعم والخلط في األلفاظ‪ ،‬والغرور الذي يغذيه الحقد ال َّدفين حتى أفقدهم‬
‫المنهجية العلمية الصارمة‪ .‬يصفهم الشيخ محمد الغزالي‪ ،‬قائال‪« :‬إن المستشرقين‬
‫اليهود‪ ،‬أمثال مارجليوث وجولد زيهر‪ ،‬ومن حذا حذوهم‪ ،‬مغرقون في اإلفك‬
‫حين يتهمون محمدا بأنه ألف القرآن‪ .‬وعندما يجسم لهم هواهم شيئا اسمه‬
‫االختالف بين القرآن المكي والمدني‪ ،‬إن ال خالف إال في رؤوس القوم‪ ،‬ومن‬
‫تبعوهم بغرور من الباحثين»(‪.)2‬‬
‫**‬ ‫**‬ ‫**‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،2‬صفحات‬
‫‪ 117‬ــ ‪.111‬‬
‫(‪ )2‬محمد الغزالي‪ ،‬دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪511‬‬
‫مناهج االسترشاق املعارص‬
‫يف دراسة السنة انلبوية‬
‫مناهج االسترشاق املعارص يف السنة انلبوية‬

‫والشبهات حول‬ ‫الشكوك ّ‬ ‫لم تنحصر محاوالت االستشراق في إثارة ّ‬


‫السنة‬
‫المصدر األول للفكر اإلسالمي؛ القرآن الكريم‪ ،‬فحسب‪ .‬بل تع َّدت إلى ّ‬
‫النّبوية لما لها من أهمية كبرى باعتبارها المصدر الثاني الذي يستقي منه ال ّتشريع‬
‫اإلسالمي أحكامه‪.‬‬
‫صحت روايتها‬‫حجيتها‪ ،‬ويجب العمل بمقتضاها إذا ّ‬ ‫وهي بهذه الميزة لها ّ‬
‫حجيتها ما ورد في القرآن الكريم من األمر‬
‫عن الرسول ‪ .‬واألصل في ّ‬
‫بوجوب طاعة الرسول‪ ،‬وجعل طاعة اهلل مقرونة بطاعة الرسول ال تنفك عنها‪.‬‬
‫لقوله تعالى‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ}(‪ .)5‬وقوله أيضا‪ { :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}(‪ .)2‬هذا‬
‫فضال عن أن اهلل تعالى قد ربط النَّجاح والفالح في الدنيا واآلخرة باتباع أوامر‬
‫الرسول ‪ ‬واجتناب مناهيه‪ .‬فقال‪{ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ‬
‫ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ‬
‫ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ}(‪.)3‬‬
‫جية الس ّنة واعتبارها‬
‫السياق كثيرة‪ ،‬وكلها تؤ ّكد على ُح َ‬
‫واآليات في هذا ّ‬
‫السنة وإجماع‬ ‫بحجية ّ‬‫ّ‬ ‫مصدرا أساسيا لل ّتشريع اإلسالمي‪ .‬ومع هذا اإلقرار‬
‫المسلمين على ذلك؛ فإننا ال ننفي تنوع أسانيدها وتباين طرق ثبوتها عن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة النساء‪ ،‬آية ‪.71‬‬
‫(‪ )2‬سورة األحزاب‪ ،‬آية ‪.75‬‬
‫(‪ )3‬سورة األعراف‪ ،‬آية ‪.517‬‬

‫‪517‬‬
‫مناهج االسترشاق املعارص يف السنة انلبوية‬

‫التمييز بين‬
‫ُ‬ ‫الرسول‪ .‬وتسرب العديد من ال ّتحريف والوضع إليها‪ ،‬حتى أضحى‬
‫العامة من المسلمين‪.‬‬
‫مستعصيا على ّ‬
‫ً‬ ‫الصحيح والموضوع أمرا‬
‫علماء اإلسالم إلى صيانتها ودفع ال َّدخيل عنها‪ ،‬ونتج‬
‫ُ‬ ‫من أجل ذلك نهض‬
‫السنة المتواترة والسنة المشهورة وس ّنة اآلحاد‪.‬‬
‫عن تلك الجهود تقسيمها إلى ّ‬
‫حجيتها في تقرير األحكام‬‫وقد استند هذا التقسيم إلى روايتها الستظهار مدى ّ‬
‫ال ّتعبدية والعملية(‪.)5‬‬
‫الرسول ‪ ‬ذاته‪،‬‬ ‫وهناك تقسيم آخر يعتمد على كيفية صدورها عن ّ‬
‫الرسول شفاهة وسمعها منه‬
‫فهي ّإما أن تكون س ّنة قولية‪ ،‬كاألحاديث التي قالها ّ‬
‫الرسول كالوضوء‬
‫الصادرة عن فعل ّ‬‫أصحابه‪ ،‬وإما أن تكون س ّنة عملية‪ ،‬وهي ّ‬
‫والصالة والصيام‪ ،‬وقلّده أصحابه في ذلك‪ ،‬أو أن تكون تقريرية كأن يعلم‬
‫الرسول بقول أو فعل فال ينكره وال ينهى عنه(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫نص‬
‫السنة إال إذا لم يوجد في القرآن ٌ‬
‫وتبعا لذلك فإنه ال يمكن اللّجوء إلى ّ‬
‫يوضح ذلك‪ ،‬ألن ثبوتها غالبا ما يكون ظنيا‪ ،‬وثبوت الكتاب قطعي‪ .‬ومن ثم فإن‬
‫منزلتها من القرآن بالنسبة لألحكام الواردة فيهما فإنها ترد على عدة وجودـ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ــ أن تأتي موافقة لما نص عليه الكتاب‪ ،‬ومطابقة لما دلّ عليه من‬
‫األحكام‪ ،‬فتكون مؤكدة بذلك للكتاب أو مقررة له‪.‬‬
‫ــ أن تأتي شارحة لما جاء في الكتاب ومبينة لما ورد فيه من نصوص‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد بن مطر الزهراني‪ ،‬تدوين السنة النبوية‪ ،‬نشأته وتطوره من القرن األول إلى نهاية‬
‫القرن التاسع الهجري‪( ،‬الرياض‪ :‬دار الهجرة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪5157 ،5‬هـ‪5771/‬م)‪،‬‬
‫ص‪.13‬‬
‫(‪ )2‬نور الدين عتر‪ ،‬منهج النقد في علوم الحديث‪( ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪5785 ،3‬م)‪،‬‬
‫ص‪.27‬‬

‫‪518‬‬
‫مناهج االسترشاق املعارص يف السنة انلبوية‬

‫بحاجة إلى بيان‪ .‬وهي في هذه الحالة إما أن تأتي مفسرة لنصوص الكتاب‬
‫المجملة‪ ،‬أو مخصصة للعام منها‪ ،‬أو مقيدة لمطلقه‪.‬‬
‫السنة بحكم جديد سكت عنه القر آن‪ ،‬كثبوت ميراث الجدة‪،‬‬
‫ــ وقد تأتي ّ‬
‫ووجوب صدقة الفطر‪ ،‬ورجم الزاني المحصن‪ ،‬وغيرها من األحكام(‪.)5‬‬
‫وتبعا لهذه المكانة الرفيعة التي تتبوؤها الس ّنة في الفكر اإلسالمي‪ ،‬لم‬
‫يدخر االستشراق جهدا في محاوالته لتزييف صورتها والطعن في ثبوتها‪.‬‬
‫السنة‪ ،‬وما ينطوي‬‫إن غزارة األبحاث االستشراقية فيما يتعلق بموضوع ّ‬
‫تحتها من مخاطر ينبغي أن يسترعي انتباه الباحثين المسلمين‪ ،‬لما لها من تأثير‬
‫على كثير من الدراسات اإلسالمية المعاصرة‪.‬‬
‫بالسنة من أبحاث‪،‬‬
‫لقد حفلت الدراسات االستشراقية بجل ما يتصل ّ‬
‫ولكن بمناهج غير محايدة تنم عن نظرة أحادية قاصرة‪ .‬ومن هنا كانت خطورة‬
‫هذه المواضيع وحساسيتها‪.‬‬
‫السنة‪،‬‬
‫والالَّفت لالنتباه أن المستشرقين أسهبوا كثيرا في حديثهم عن ّ‬
‫وتشعبت بهم الدراسة في هذا المجال‪ ،‬ولذلك سنقتصر على ما يتصل بموضع‬
‫السنة‬
‫بحثنا‪ ،‬ألن كل شبهاتهم تصب في مصب واحد‪ ،‬وهو التشكيك في ّ‬
‫النبوية؛ سواء ما تعلق بحجيتها أم ثبوتها‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬مصطفى السباعي‪ ،‬السنة ومكانتها في التشريع اإلسالمي‪( ،‬دمشق‪ :‬المكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫ط‪5781 ،1‬م)‪ ،‬ص‪.381 ،377‬‬

‫‪517‬‬
‫تفريغ السنة من مضمونها‬

‫‪5‬‬
‫تفريغ السنة من مضمونها‬

‫لم ينكر جولد زيهر سلطان السنة ومكانتها في نفوس المسلمين باعتبارها‬
‫أمال مرشدا وهاديا لهم‪ ،‬وأن هذا السلطان في حد ذاته قديم قدم اإلسالم(‪.)5‬‬
‫لكنه بدأ يشكك في حجيتها عن طريق تفريغ السنة من محتواها‪ ،‬حيث عزا‬
‫العديد من نصوصها إلى مصادر خارجية ال عالقة لها بالرسول ‪،‬‬
‫وللتدليل على ذلك دعا إلى ضرورة التمييز والفصل بين مصطلح السنة ومصطلح‬
‫الحديث(‪.)2‬‬
‫وقد أجهد المستشرق نفسه في إيراد العديد من الفوارق الجوهرية ــ حسب‬
‫زعمه ــ وتتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫عر َف الحديث بأنه الخبر الشفهي المروي عن الرسول ‪ ،‬في‬ ‫ــ َّ‬
‫عرفها بأنها ترتبط بغرض ديني أو شرعي‪ ،‬بصرف ال ّنظر عن وجود‬
‫حين أ َّن الس ّنة َّ‬
‫روايات شفهية لها من عدمه(‪.)3‬‬
‫ويستمر جولد زيهر في بيان الفرق بين الحديث والس ّنة فيقول‪« :‬إن أي‬
‫الضروري أن يتوافق‬ ‫قاعدة توجد في حديث ما‪ ،‬تعد س ّنة‪ ،‬ولكن ليس من ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬جولد زيهر‪ ،‬العقيدة والشريعة في اإلسالم‪ ،‬ص‪.15 ،11‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪571‬‬
‫تفريغ السنة من مضمونها‬

‫الحديث مع الس ّنة أو يمنحها ال ّتصديق‪ ،‬بل إ ّن العكس هو الصحيح‪ .‬فإنه من‬
‫الممكن أن يتعارض الحديث مع الس ّنة‪ ،‬ومن واجب الفقهاء والبارعين والباحثين‬
‫إيجاد حلول توفيقية لهذا التناقض»(‪.)5‬‬
‫وهنا نستغرب من الخلط الذي تورط فيه المستشرق اليهودي حين يميز‬
‫بين الحديث الذي هو ضبط نظري‪ ،‬والس ّنة التي هي خالصة لقواعد علمية‪.‬‬
‫فال َّتفريق بين الحديث والس ّنة كما زعم هذا المستشرق يكتنفها الغموض‪ ،‬فهو‬
‫يطلق على الحديث اإلبالغ الشفهي من النبي؛ أي أن أقوال الرسول ‪‬‬

‫فحسب يمكن أن يطلق عليها مصطلح الحديث‪ ،‬وال يدخل في هذا السياق‬
‫أعماله وتقريراته‪ .‬وبالمقابل فإن الس ّنة تطلق على أعمال الرسول وأعمال الصحابة‬
‫األوائل فقط‪.‬‬
‫فقد تبين مما سبق بأن جولد زيهر وقع في تناقض صارخ في تعريفه‬
‫للحديث والس ّنة‪ .‬وقد بنى على ذلك فروقا تتسم بالغموض واإلبهام‪ .‬ولذلك‬
‫نجده يناقض نفسه في مفهوم الحديث في تعريف آخر حيث قال‪« :‬إن الحديث‬
‫تتجلى فيه جهود األمة اإلسالمية في عملها الشخصي الخالص‪ ،‬ونرى ذلك كله‬
‫من األمثلة الكثيرة لألغراض التي لم تكن موجودة في القرآن‪ .‬ذلك بأنه لم تندمج‬
‫في الحديث أمور القانون والعادات والعقائد واألفكار السياسية‪ ،‬بل لقد لف فيه‬
‫الشخصي‪ ،‬وكذلك األمور الغريبة عنه»(‪.)2‬‬‫كل ما يملكه اإلسالم من محصوله ّ‬
‫إن أسلوب االلتواء الذي يلتجئ إليه جولد زيهر كلما أحسن بضعف‬
‫مستنده هو الذي يدفعه ليناقض أقواله‪ ،‬فقد نقل عنه أنه قال‪« :‬إن المح ِّدثين يَرون‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.172‬‬
‫‪GOLD ZIHER, ETUDE SUR LA TRADITION ISLAMIC, PARIS, 4891, P41.‬‬
‫(‪ )2‬جولد زيهر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪575‬‬
‫تفريغ السنة من مضمونها‬

‫أن الحديث والس ّنة شيء واحد»(‪ .)5‬باإلضافة إلى أنه عارض نفسه في تعريفه‬
‫للس ّنة‪ ،‬فأحيانا يحاصرها في أعمال الرسول وأعمال الصحابة‪ ،‬وأحيانا يطلقها‬
‫على األوامر الشرعية واإلقرارات الضمنية أو األعمال التي يتسلل إليها الشك‪.‬‬
‫وعلى هذا النهج سلك تلميذه شاخت >‪ ،<Schacht‬فاألحاديث عنده ال‬
‫تمثل الس ّنة‪ ،‬بل هي تدوين الس ّنة بالوثائق‪ .‬وطبقا لهذا لخلط بين الس ّنة والحديث‬
‫انبثقت مغالطات كثيرة‪ ،‬منها ما طلع علينا به شاخت اليهودي بنظرية عرفية ال‬
‫تستند إلى دليل علمي مفادها أن المسلمين قبل اإلمام الشافعي بجيلين كان‬
‫الرجوع إلى أحاديث الصحابة والتابعين هو القاعدة‪ .‬وكان الرجوع إلى أحاديث‬
‫النبي صى اهلل عليه وسلم هو االستثناء‪ .‬فلما جاء اإلمام الشافعي جعل االستثناء‬
‫هو القاعدة‪ .‬ثم يستنتج بأن األحاديث أو اآلثار الواردة عن الصحابة والتابعين‬
‫جاءت أسبق من األحاديث عن النبي ‪.)2( ‬‬
‫إن هذا ال ّتلفيق وال ّتحوير في األلفاظ الذي يطبع آراء المستشرقين في‬
‫التمييز بين الحديث والسنّة يكشف عن مؤامرة دنيئة على السنّة النبوية‪ ،‬يقذف‬
‫الرسول اتفق‬
‫الشك في ثبوتها باعتبار أنه ليست هناك أخبار أو مرويات ثابتة عن ّ‬ ‫ّ‬
‫المسلمون عليها‪ ،‬وإنما الس ّنة ال تعدو أن تكون أخبارا متناثرة تعدم االتفاق على‬
‫مصدرها‪.‬‬
‫وقد كان لهذه اآلراء االستشراقية األثر البارز في بعض الكتابات اإلسالمية‬
‫المعاصرة‪ .‬وهذا ما نجده عند كل من محمد أديب صالح‪ ،‬ومحمد عجاج‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عجيل نسيم النسمي‪ ،‬المستشرقون ومصادر التشريع اإلسالمي‪( ،‬الكويت‪ :‬جامعة الكويت‪،‬‬
‫‪5111‬هـ‪5781/‬م)‪ ،‬ص‪ .83‬نقال عن‪:‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.81‬‬

‫‪572‬‬
‫تفريغ السنة من مضمونها‬

‫الخطيب(‪ ،)1‬ومحمود شحرور‪ .‬هذا األخير الذي يرى بأن أسس ال ّتشريع‬
‫اإلسالمي هي الكتاب والسنّة فقط وليس الكتاب والحديث(‪.)2‬‬
‫ولقد ذهبت بعض اآلراء إلى ح ِّد القول بأن كثيرا من الناس ال يفرقون‬
‫بينهما ويجعلونهما في منزلة واحدة(‪.)3‬‬
‫وإن كنا نأسف لهذا االقتباس من األبحاث اليهودية بدون تمحيص‪ ،‬فإننا‬
‫نسأل الباحثين المسلمين‪ :‬أين تجدون هذه الفروق في الكتب اإلسالمية‬
‫األصيلة؟‬
‫إننا لم نجد من تعرض لها من السلف إال ما ورد من قول عبد الرحمن بن‬
‫مهدي‪« :‬إن سفيان ال ّثوري إمام في الحديث‪ ،‬وليس بإمام في الس ّنة‪ .‬واألوزاعي‬
‫إمام في السن ة وليس بإمام في الحديث‪ .‬ومالك إمام فيهما جميعا»(‪.)1‬‬
‫ومن أجل رفع اللبس عن هذا القول ناقش علماء اإلسالم ذلك بقولهم بأن‬
‫الس ّنة كما وردت عند عبد الرحمن بن مهدي فهي القدرة على استنباط األحكام‪،‬‬
‫أما علم الحديث فهو معرفة الطرق والعلل والصحة والضعف‪ .‬فاإلمامان‬
‫األوزاعي والثوري يشتركان في معرفة السنّة والحديث‪ ،‬ولكن المدقق ألحوالهما‬
‫يجد أن األوزاعي أرسخ قدما في استنباط األحكام وتخريج الفروع وتقعيد‬
‫القواعد من األحاديث‪ .‬وبالمقابل فإن الثوري أعلى كعبا في معرفة طرق الحديث‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫محمد الطاهر الجوابي‪ ،‬جهود المحدثين في نقد متن الحديث النبوي الشريف‪( ،‬تونس‪:‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫مؤسسة عبد الكريم بن عبد اهلل)‪ ،‬ص‪ 17‬ــ ‪.71‬‬
‫محمد شحرور‪ ،‬الكتاب والقرآن‪ ،‬قراءة معاصرة‪ ،‬ص‪.118‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫محمد الطاهر الجوابي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.71‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني‪ ،‬شرح الزرقاني على موطأ اإلمام مالك‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫(بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪5155 ،5‬هـ‪5771/‬م)‪ ،‬ص‪.1‬‬

‫‪573‬‬
‫تفريغ السنة من مضمونها‬

‫وصحته أو ضعفه‪ .‬فلذا وصف األوزاعي بأنه أعلم بالس ّنة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫وأسانيده وعلله‬
‫ووصف الثوري بأنه أعلم بالحديث‪ ،‬في حين أن االثنين يشتغالن بالحديث‪.‬‬
‫ولما كان اإلمام مالك قد جمع بين االستنباط ومعرفة الحديث رواية ودراية؛‬
‫وصفه بأنه إمام فيهما جميعا‪.‬‬
‫السابقون من‬
‫الجوابي بأن مسألة ال ّتفريق لم يتطرق إليها ّ‬
‫وتبعا لذلك أكد َّ‬
‫العلماء‪ ،‬وإنما برزت في الفكر اإلسالمي المعاصر‪ .‬فبعضهم أشار إليها دون‬
‫تفصيل‪ ،‬والبعض اآلخر عدها مسألة جوهرية(‪.)5‬‬
‫ي ّتضح مما سبق أ ّنه إذا كان هناك من تباين بين مفهوم الس ّنة والحديث‪ ،‬فال‬
‫يتع ّدى ح ّد اإلطالق اللّغوي للكلمتين باعتبار الجانب الغالب عليهم في‬
‫ال ّتخصص‪ ،‬وقد يحدث اختالف حول مصطلح واحد عند المختصين أنفسهم‪.‬‬
‫فالس ّنة مثال في االصطالح تختلف في معناها من علم آلخر‪.‬‬
‫يعرف المح ِّدثون الس ّنة بأنها كل ما أثر عن النبي ‪ ‬من قول أو فعل‬
‫أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية أو سيرة‪ ،‬سواء أكان ذلك قبل البعثة أم‬
‫بعدها(‪.)2‬‬
‫كل ما ثبت عن النبي ‪ ‬ولم يكن من باب‬
‫ويعرفها الفقهاء بأ ّنها ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫الفرض وال الواجب‪ .‬أو ما قابل البدعة ‪.‬‬
‫الرسول ‪ ‬من قول أو‬
‫ويعرفها علماء األصول بأنها كل ما ثبت عن ّ‬
‫فعل أو تقرير مما يصلح أن يكون دليال لحكم شرعي(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫محمد الطاهر الجوابي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 17‬ــ ‪.71‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫مصطفى السباعي‪ ،‬السنة ومكانتها في التشريع اإلسالمي‪ ،‬ص‪.18 ،17‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪571‬‬
‫تفريغ السنة من مضمونها‬

‫الرسول من حيث‬ ‫وأما الحديث فإن تعريفه من حيث موضوعه وهو ذات ّ‬
‫إنه رسول اهلل‪ ،‬هو علم يعرف به أقوال رسول اهلل وأفعاله وتقريراته‪ .‬أو هو كل ما‬
‫وعلم‬
‫ُ‬ ‫أضيف إلى النبي من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خلقي أو خلقي(‪.)5‬‬
‫الحديث يختلف تعريفه بالنظر إليه باعتبارات معينة تتعلق بالرواية أو الدراية‪.‬‬
‫الرواية‪ ،‬فهو علم يشتمل على أقوال الرسول وأفعاله وروايتها‬
‫فمن ناحية ّ‬
‫وضبطها وتحرير ألفاظها‪.‬‬
‫الرواية وشروطها وأنواعها‬
‫ومن جهة ال ّدراية فهو علم يعرف منه حقيقة ِّ‬
‫فالرواية‬
‫وأحكامها‪ ،‬وحال الرواة وشروطهم‪ ،‬وأصناف المرويات وما يتعلق بها‪ّ .‬‬
‫عبارة عن نقل الس ّنة ونحوها‪ ،‬وإسناد ذلك إلى من عزي إليه من أخبار أو غير‬
‫ذلك(‪.)2‬‬
‫ومن هنا يتضح بأن موضوع الحديث هو موضوع الس ّنة النبوية‪ ،‬فيدور‬
‫كالهما حول محور واحد‪ ،‬وينتهيان أخيرا إلى المصطفى ‪ ،‬فالحديث‬
‫مرادف للس ّنة في ش َّتى المآالت واألحوال‪ .‬يقول عمر بن حسن عثمان فالتة‪« :‬إن‬
‫المح ِّدثين جعلوا الحديث مرادفا للس ّنة‪ ،‬فتعريفه هو تعريف الس ّنة‪ .‬كما أن‬
‫األصوليين نظروا هذه النظرة للحديث فجعلوه مرادفا للس ّنة حسب اصطالحها‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وعرفوه أيضا حسب تعريف الس ّنة»‬
‫يدل هذا على تهافت ما زعمه المستشرقون ومن تبعهم من المسلمين‪ ،‬من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬نور الدين عتر‪ ،‬منهج النقد في علوم الحديث‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫(‪ )2‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي‪ ،‬تحقيق عبد الوهاب عبد‬
‫اللطيف‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )3‬عمر بن حسن عثمان فالتة‪ ،‬الوضع في الحديث‪( ،‬بيروت‪ :‬مكتبة الغزالي‪5115 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪5785‬م)‪ ،‬صج‪ ،5‬ص‪.12‬‬

‫‪571‬‬
‫تفريغ السنة من مضمونها‬

‫والصحابة‬‫أن الس ّنة في مفهومها الشرعي هي كل ما أُثر عن الرسول ‪ّ ‬‬


‫وال ّتابعين‪ .‬فإن ذلك لم يقل به أح ٌد من علماء اإلسالم(‪ .)5‬و ُتبين كذلك أن ال ّتباين‬
‫واالختالف بين الس ّنة والحديث أمر ُمل ّفق وليس صحيحا‪ .‬فالغرض منه هو‬
‫محاولة تفريغ الس ّنة من مضمونها‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬أما ما ورد عند البعض من حيث اعتبار أقوال الصحابة أو التابعين من الحديث والسنة‬
‫النبوية فذلك ال يتحدد بنطاق االستعمال اللغوي واالصطالحي الذي يدخل ضمن إطار‬
‫التأسي بهم‪ ،‬ولكن ال يعني ذلك ما أقره المستشرقون من أن بعض أقوال الصحابة أو‬
‫التابعين قد اختلطت بأقوال الرسول ‪ ‬بحيث يتعذر معرفتها‪ .‬فذلك ما الذي لم يقل‬
‫به أحد من علماء اإلسالم‪.‬‬

‫‪571‬‬
‫ُّ‬
‫تطور السنة‬

‫‪5‬‬
‫ُّ‬
‫تطور السنة‬
‫يسعى االستشراق جاهدا لتجريد السنّة من قُدسيتها وتأثيرها‪ ،‬وال َّته ِوين من‬
‫أهميتها كمصدر تشريعي ثان بعد القرآن الكريم‪.‬‬
‫يزعم المستشرقون بأن الس ّنة لم تظفر بهذه األهمية إال بعد فترة طويلة‬
‫الرسول ‪ ،‬وهي بذلك ليست أمرا توقيفيا من اهلل‪ ،‬وال‬ ‫بعيدة عن عصر ّ‬
‫تعدو أن تكون وليدة آراء فقهية تشكلت ِطبقا لظروف معينة(‪.)5‬‬
‫وقد أسهم في ذلك ما يلي‪:‬‬
‫الرغبة الشديدة من قبل جمهور غفير من المسلمين الذين اعتنقوا هذا‬ ‫‪ 5‬ــ ّ‬
‫ال ّدين الجديد ولكنهم لم يلتقوا بالرسول لمعرفة أقواله وأفعاله‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ بروز مشكالت جديدة في أقطار إسالمية بعيدة عن الحجاز‪ ،‬مع تعذر‬
‫إيجاد حلول لها وفق القرآن الكري وحده لعدم مواكبته لهذا الواقع الجديد‬
‫والمتغير‪.‬‬
‫الرسول‪ ،‬فقد‬‫أسهم هذان األمران في تحفيز الفقهاء على تجميع كل ما أثر عن ّ‬
‫كان طالب الحديث يقطعون الفيافي والقفار للبحث والتنقيب عن أقواله وأفعاله‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬فنسنك وآخرون‪ ،‬دائرة المعارف اإلسالمية‪ ،‬ترجمة أحمد الشنتناوي وآخرون‪( ،‬القاهرة‪:‬‬
‫مطبعة مصر‪5312 ،‬هـ‪5733/‬م)‪ ،‬ج‪ ،‬ص‪ 335‬ــ ‪ .332‬وعجيل جاشم النشمي‪،‬‬
‫المستشرقون ومصادر التشريع اإلسالمي‪ ،‬ص‪.77‬‬

‫‪577‬‬
‫ُّ‬
‫تطور السنة‬

‫والرغبة في إرضاء‬
‫ولهذا كثرت األحاديث ألن الطّلب عليها كان شديدا‪ّ ،‬‬
‫الطالبين لها كان كبيرا(‪.)5‬‬
‫وبالرغم من كثرة الطّلب على الحديث وتدوينه‪ ،‬فقد كان هناك من يعارض‬ ‫ّ‬
‫ذلك‪ ،‬وال يعطي للس ّنة ما تملكه من شرعية‪ .‬وهكذا احت َدم النِّقاش بين‬
‫االتجاهين حتى تف ّتقت عبقري ُة اإلمام الشافعي بانتصار أهل الحديث على أهل‬
‫بسلطتها ال ّتشريعية بعد القرآن‪.‬‬
‫الرأي‪ .‬ومن هذه المرحلة فقط؛ اعترف للس ّنة ُ‬
‫الرسول ‪،‬‬ ‫رفض جولد زيهر نسبة الحيِّز األكبر من الحديث إلى ّ‬
‫بل عزاه إلى آثار علماء اإلسالم في القرنين األول والثاني(‪ .)2‬وقد تسلَّلت هذه‬
‫اآلراء بسرعة مذهلة إلى العقلية اإلسالمية‪ ،‬ولقيت الحظوة عند فريق من‬
‫المسلمين‪ .‬فقد نقل عن حسين أحمد أمين بصورة غير معلنة كثيرا من هذه اآلراء‬
‫في هذا الموضوع‪ .‬منها قوله‪« :‬لجأ الفقهاء والعلماء إلى تأييد كل رأي يرونه‬
‫صالحا ومرغوبا فيه بحديث يرفعونه إلى النبي»(‪ .)3‬ثم يضيف قائال‪« :‬وقد هدأ‬
‫من روع الفقهاء وطمأن ضمائرهم إذ ينقلون عن النبي اعتقادهم أنهم يخدمون‬
‫بذلك دين اإلسالم حيال االتجاهات الدنيوية الخالصة لحكم األمويين»(‪ .)1‬أما‬
‫والصحابة لم يعتبروا في وقت من األوقات أن‬
‫شحرور فيقول‪« :‬لنالحظ أن النّبي ّ‬
‫األحاديث النبوية هي وحي»(‪.)1‬‬
‫إ ّننا نجهل المصادر التاريخية التي استقى منها هؤالء الباحثون المسلمون‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فنسنك وآخرون‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.332‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫جولد زيهر‪ ،‬العقيدة والشريعة في اإلسالم‪ ،‬ص‪.11 ،12‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫حسين أحمد أمين‪ ،‬دليل المسلم الحزين‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫محمد شحرور‪ ،‬الكتاب والقرآن‪ ،‬قراءة معاصرة‪ ،‬ص‪.111‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪578‬‬
‫ُّ‬
‫تطور السنة‬

‫آراءهم‪ .‬اللَّهم إال إذا تعلّق األمر بالمصادر االستشراقية التي كان لها دور بارز في‬
‫استمالتهم والتأثير عليهم‪.‬‬
‫وإننا نتعجب من هذا اإلصرار والعناد من قبل االستشراق على جعل السنة‬
‫تواكب الواقع وتستجيب لظروفه‪ ،‬بغض النظر عما يمكن أن ينطوي عليه هذا‬
‫الواقع من سلبيات‪ .‬واألدهى من ذلك أن أطلق بعض المستشرقين لخيالهم‬
‫العنان‪ ،‬وراحوا يجعلون من مشنا اليهود التي ابتدعها الحاخامات ونسبوها إلى‬
‫كالم موسى الشفوي شبيها بالس ّنة النبوية في اإلسالم‪ .‬بل إن بعضهم ليغلو في‬
‫ذلك حتى يزعم أن الس ّنة مدينة في أكثر نصوصها إلى ال ّتلمود(‪ .)5‬مع أن الحقائق‬
‫التاريخية الثابتة تؤكد أن اليهود تعمدوا إخفاءه عن الجوييم‪ ،‬ومنع تداوله في‬
‫مختلف األمم‪ .‬ونحن بدورنا نتحدى المستشرقين اليهود أن يوردوا لنا دليال‬
‫واحدا على ذكر التلمود في المصادر اإلسالمية التراثية‪.‬‬
‫فالمؤكد أن من أقدم اإلشارات والتلميحات التي أوردتها المصادر‬
‫اإلسالمية عن التلمود تلك التي تعزى إلى كالم ابن حزم (المتوفى سنة‬
‫(‪)2‬‬
‫معولهم وعمدتهم‬
‫‪111‬هـ‪5113/‬م) في كتابه الفصل حيث قال‪« :‬وال َّتلمود هو ّ‬
‫في فقههم وأحكام دينهم وشريعتهم‪ .‬وهو من أقوال أحبارهم بال خالف من أحد‬
‫منهم»(‪.)3‬‬
‫السموأل المغربي(‪ )1‬في كتابه >إفحام اليهود< معلومات أكثر تفصيال‬
‫وذكر ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫جولد زيهر‪ ،‬العقيدة والشريعة في اإلسالم‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫ابن خلكان‪ ،‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.328‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.321‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اسمه العبراني‪ ،‬شموائيل بن يهوذا بن آبون‪ .‬وبعد أن شرح اهلل صدره لإلسالم‪ ،‬تخلى عن‬ ‫(‪)1‬‬
‫هذا االسم‪ .‬وتمسك باسمه العربي‪> ،‬السموأل بن يحي المغربي< أصله من األندلس‪ .‬تشبع=‬

‫‪577‬‬
‫ُّ‬
‫تطور السنة‬

‫عن ال ّتلمود‪ ،‬وهو من أحبار اليهود؛ أسلم وتوفي سنة ‪171‬هـ(‪.)5‬‬


‫والجدير بالذكر أن أول ترجمة لبعض فقرات ال ّتلمود قد ّتمت في األندلس‬
‫زمن الخليفة الحكم الثاني‪ ،‬حاكم قرطبة (‪ 311‬ــ ‪311‬هـ‪ 715/‬ــ ‪771‬م)‪.‬‬
‫وكان هو الذي كلَّف الحاخام يونس بن موسى بترجمته إلى العربية‪ .‬فترجمه‬
‫وأطلق عليه >المكسو في الكيس< ‪ CLOD IN SACK‬أن التلمود قد ألبس ثوبا‬
‫دنيئا حين كشف عن أسراره العظيمة(‪.)2‬‬
‫يتضح مما سبق ذكره أن وظيفة الس ّنة تختلف عن وظيفة ال ّتلمود‪ .‬هذا‬
‫األخير الذي ابتدعه حاخامات اليهود تحت وطأة معاناة الشتات وال ّتشرد‪ .‬حينئذ‬
‫برزت الحاجة الملحة إلى إيجاد قوانين وأحكام جديدة تس ّد حاجة الشعب‬
‫اليهودي‪ ،‬وتتكيف مع ظروفه الخاصة‪ .‬أما وظيفة الس ّنة النبوية فتندرج في ضبط‬
‫هذا الواقع وتحكمه بكل ما فيه من عادات وأعراف وغيرها‪ .‬وال تكون خاضعة‬
‫لها‪ ،‬فهي بهذا تنص على قواعد ومبادئ ثابتة غير قابلة للتطور والتغير‪ .‬فالس ّنة‬
‫هي المعيار ألي تطور أو غيره(‪.)3‬‬
‫وإننا نستغرب مع مصطفى السباعي كيف يجرؤ متخصص في ال ّدراسات‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= بفنون الحكمة منذ نعومة أظفاره‪ .‬وقد برع في الحساب والهندسة‪ .‬وله في ذلك مصنفات‪.‬‬
‫منها كتاب المثلث القائم الزاوية‪ ،‬وصنف مسبارا في مساحة الجواهر المختلفة الستخراج‬
‫مقدار مجهولها‪ ،‬وكتب في الطب‪ .‬وأسلم فحسن إسالمه‪ .‬وصنف كتابا في إظهار معايب‬
‫اليهود‪ .‬وكذب دعاويهم في التوراة‪ .‬وقد توفي قريبا من سنة ‪171‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬السموأل بن يحي المغربي‪ ،‬إفحام اليهود‪ ،‬تحقيق محمد عبد الشرقاوي‪( ،‬القاهرة‪:‬‬
‫دار الهداية‪ ،‬ط‪5111 ،5‬هـ‪5781/‬م)‪ ،‬ص‪.21 ،57‬‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫(‪ )2‬محمد عبد اهلل الشرقاوي‪ ،‬الكنز المرصود في فضائح التلمود‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫(‪ )3‬محمد الغزالي‪ ،‬دفاع عن العقيدة والشريعة‪ ،‬ص‪.77 ،78‬‬

‫‪581‬‬
‫ُّ‬
‫تطور السنة‬

‫فالرسول‬
‫الشواهد ال ّتاريخية تكذبه‪ّ .‬‬
‫اإلسالمية على إصدار مثل هذا ال ّزعم مع أن ّ‬
‫أرسى القواعد الكاملة لبنيان‬
‫َ‬ ‫‪ ‬لم يلتحق بالرفيق األعلى إال وقد‬
‫اإلسالم‪ ،‬بما س ّنه من سنن وشرائع شاملة‪ .‬وكان من أواخر ما نزل عليه‬
‫‪ ‬من كتاب اهلل‪ ،‬قوله تعالى‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬
‫ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ‬
‫ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ‬
‫ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ}(‪ )5‬وذلك يؤكد كمال اإلسالم وتمامه(‪.)2‬‬
‫إن الس ّنة تضطلع بوظيفة محددة منذ نزول القرآن هي التي ح ّددت مكانتها‬
‫السامية‪ ،‬ولم تخضع لل ّتطور الذي تحدث عنه االستشراق‪ ،‬فقد خاطب القرآن‬ ‫ّ‬
‫الرسول ‪ ‬بقوله‪{ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}(‪.)3‬‬
‫ومنذ نزول هذه اآلية بين اهلل تعالى مكانة الس ّنة في ال ّتشريع‪ .‬ولرفع اللّبس‬
‫أكثر ينبغي تأكيد أمرين أساسيين‪:‬‬
‫كان اإلسالم ناضجا تاما‪ ،‬ال طفال‬ ‫‪‬‬ ‫الرسول‬
‫‪ 5‬ــ أنه مع وفاة ّ‬
‫يافعا‪ ،‬كما يدعي االستشراق‪.‬‬
‫ظل الفتوحات اإلسالمية واجهتهم‬
‫‪ 2‬ــ ال خالف في أن المسلمين في ِّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة المائدة‪ ،‬آية ‪.3‬‬
‫(‪ )2‬مصطفى السباعي‪ ،‬السنة ومكانتها في التشريع اإلسالمي‪ ،‬ص‪.578‬‬
‫(‪ )3‬سورة النحل‪ ،‬آية ‪.11‬‬

‫‪585‬‬
‫ُّ‬
‫تطور السنة‬

‫جزيئات وحوادث لم يفصل فيها القرآن أو الس ّنة‪ ،‬فأعملوا فيها آراءهم قياسا‬
‫واستنباطا حتى وضعوا لها األحكام‪ .‬وهم في ذلك ملتزمون بالمقاصد الشرعية‬
‫تقر‬
‫الكبرى‪ ،‬لم يخرجوا عن دائرة اإلسالم وتعاليمه‪ .‬والحقائق ال ّتاريخية ال ّثابتة ّ‬
‫فالسباعي يؤكد بأنه مما يُغني الباحث أن يعلم مدى نضوج اإلسالم في‬ ‫بذلك‪ِّ .‬‬
‫عصره األول أن عمر بن الخطاب بسط نفوذه على مملكتي كسرى وقيصر‪ ،‬مع ما‬
‫يزخران به من رصيد حضاري رفيع‪ ،‬فاستطاع أن يسوس أمورهما‪ .‬أترى لو كان‬
‫اإلسالم طفال‪ ،‬كيف كان يستطيع عمر الفاروق أن ينهض بهذه المسؤولية‬
‫ويسوس ذلك الملك العريض‪ ،‬ويضع له من النظم والقوانين ما جعله ينعم‬
‫باألمن والرخاء‪ ،‬ما لم ينعم بهما في ملكيهما السابقين(‪)5‬؟‬
‫وال خالف بين المؤرخين في أن المسلمين في مختلف أصقاع العالم التي‬
‫حلّوا بها كانوا يتعبدون عبادة واحدة ويتعاملون بـأحكام متطابقة‪.‬‬
‫وهكذا حصل االتفاق واالتحاد في العبادة والمعامالت والعادات‪ .‬وال‬
‫يمكن ذلك لو لم يكن لهم قبل خروجهم من جزيرة العرب نظام تام ناضج‪،‬‬
‫استقوا منه أسس حياتهم في مختلف مناحيها‪ .‬ولو كان الحديث أو القسم األكبر‬
‫منه جاء نتيجة للتطور الديني في القرنين األول والثاني لترتب عن ذلك التناقض‬
‫واالختالف في العبادة بين األقطار اإلسالمية‪ .‬فكيف يحصل االتحاد في العبادة‬
‫والتشريع مع هذا البعد الشاسع بينها(‪)2‬؟‬
‫إن األحاديث الصحيحة المتواترة وال ّثابتة سندا ومتنا هي التي تتبوأ مرتبة‬
‫الرسول ‪‬‬ ‫ال ّتشريع القرآني‪ ،‬كما أننا ال ننكر وضع أحاديث كثيرة على ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬مصطفى السباعي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.571‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪582‬‬
‫ُّ‬
‫تطور السنة‬

‫الصحيح من‬‫ليس لها أساس من الصحة‪ .‬والواجب ال ّديني يفرض علينا بيان ّ‬
‫السقيم حتى نفرق بينهما‪ ،‬وتكون الحجة لألحاديث الصحيحة‪ ،‬ونطرح ما عداها‬
‫ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫من األحاديث الموضوعة ‪.‬‬
‫المهمة‪ ،‬خاصة‬
‫ّ‬ ‫والمؤ ّكد أن علماء اإلسالم قديما قد َتولُّوا االضطالع بهذه‬
‫بعد وضعهم لعلم الجرح والتعديل‪ ،‬ولذلك يقع االستشراق في الخطأ عندما‬
‫يزعم أن حركة الوضع كانت استجابة لرغبة المدارس الفقهية المختلفة لتدعيم‬
‫مواقفها‪.‬‬
‫ولإلشارة فإن الخالفات السياسية التي نشبت بين المسلمين في أواخر‬
‫خالفة عثمان كانت سببا مباشرا في وضع الحديث‪ .‬وقد أشار علماء اإلسالم إلى‬
‫ذلك‪ ،‬فاإلمام مالك بن أنس يسمي العراق دار الضرب‪ ،‬أي تضرب فيها‬
‫األحاديث وتخرج إلى الناس‪ ،‬كما تضرب الدراهم وتخرج للتعامل(‪.)2‬‬
‫وباإلضافة إلى الخالفات السياسية‪ ،‬فإن هناك أسبابا أخرى كان لها أثر في‬
‫اتساع دائرة األحاديث الموضوعة‪ ،‬في طليعتها دور حركة الزندقة في إدخالها‬
‫لكثير من األحاديث الموضوعة‪.‬‬
‫ضع‬
‫ألم يعترف الزنديق عبد الكريم بن أبي العوجاء حين قُ ِّدم للقتل بأنه َو َ‬
‫أربع َة آالف حديث يحرم فيها الحالل ويحلّل فيها الحرام؟ وقد استشعر بعض‬
‫الخلفاء العباسيين بما تنطوي عليه أفكار هذه الحركة من أخطار محدقة على‬
‫علوم الحديث خاصة‪ ،‬فتعقبوهم قتال وتنكيال(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد الغزالي‪ ،‬دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين‪( ،‬مصر‪ :‬المنصورة‪ ،‬دار الوفاء‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪5153 ،3‬هـ‪5772/‬م)‪ ،‬ص‪.31 ،27‬‬
‫(‪ )2‬مصطفى السباعي‪ ،‬السنة ومكانتها في التشريع اإلسالمي‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.81 ،81‬‬

‫‪583‬‬
‫ُّ‬
‫تطور السنة‬

‫والمالحظ أن االستشراق لم يتطرق إليها من قريب وال من بعيد‪ ،‬كما أنه‬


‫عما ق ّدمه علماء اإلسالم من جهود‬
‫ال يمكن للباحث المنصف أن يغض الطرف ّ‬
‫علمية في سبيل المحافظة على السنة وتمييز صحيحها من سقيمها‪ .‬وإن المنهج‬
‫الذي سلكوه هو أدق منهج في ال ّنقد وال ّتمحيص‪ .‬حتى إننا نستطيع أن نؤكد بأن‬
‫علماء الحديث هم َأول من أرسوا قواعد النقد العلمي ال ّدقيق لألخبار والمرويات‬
‫بين أمم األرض جميعا‪ .‬ولذلك أثمرت هذه الجهود نهضة علمية رائدة‪.‬‬
‫ولقد أشاد بهذا الفن جمهور كبير من الباحثين الغربيين‪ .‬يقول ألوس سبلنجر‬
‫‪« :A. SPLENGER‬لم تكن فيما مضى أمة من األمم السالفة‪ ،‬كما أنه ال توجد اآلن‬
‫أمة من األمم المعاصرة أتت في علم أسماء الرجال بمثل ما جاء به المسلمون في‬
‫العلم العظيم الخطير الذي يتناول أحوال خمسمائة ألف رجل وشؤونهم»(‪.)5‬‬
‫تحراها المح ِّدثون في كتبهم‬
‫أما موريس بوكاي فيوضح تلك ال ّدقة التي َّ‬
‫منصبا أوال على دقّة‬
‫ًّ‬ ‫همهم األول في عملهم العسير في مدوناتهم‬ ‫قائال‪« :‬كان ّ‬
‫الضبط لهذه المعلومات الخاصة بكل حادثة في حياة محمد ‪ ،‬وبكل‬ ‫ّ‬
‫والضبط لمجموعات‬ ‫قول من أقواله‪ .‬ولل ّتدليل على ذلك االهتمام بال ّدقة ّ‬
‫األحاديث المعتمدة‪ ،‬فإنهم قد نصبوا على أسماء الذين نقلوا أقوال النبي‬
‫بالصعود في اإلسناد إلى األول من أسرة النبي ‪ ،‬وذلك‬ ‫وأفعاله‪ .‬وذلك ّ‬
‫الرواة غير‬
‫الراوي في جميع سلسلة الرواية‪ ،‬واالبتعاد عن ّ‬
‫بغية الكشف عن حال ّ‬
‫الراوي‬
‫السيرة وصدق ا ّلرواية‪ ،‬ونحو ذلك من دالئل ضعف ّ‬ ‫المشهود لهم بحسن ّ‬
‫الموجبة لعدم االعتماد على الحديث الذي روي عن طريقه‪ .‬وهذا ما انفرد به‬
‫علماء اإلسالم في كل ما يروى عن نبيهم»(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد صدر الحسن الندوي‪ ،‬المستشرقون والسنة النبوية‪ ،‬من كتاب‪ :‬اإلسالم‬
‫والمستشرقون‪( ،‬جدة‪ :‬عالم المعرفة للنشر والتوزيع‪5111 ،‬هـ‪5781/‬م)‪ ،‬ص‪.131‬‬
‫(‪ )2‬موريس بوكاي‪ ،‬التوراة واإلنجيل والقرآن والعلم‪ ،‬ص‪.271‬‬

‫‪581‬‬
‫ُّ‬
‫تطور السنة‬

‫ولذلك يُ ّقرر ابن خلدون أن األحاديث قد تميزت مراتبها لهذا العهد بين‬
‫تنبه لها أئمة الحديث وجهابذته‪،‬‬
‫صحيح وحسن وضعيف ومعلول وغيرها‪ .‬وقد ّ‬
‫فبينوا طرقها وأسانيدها‪ ،‬بحيث لو روي حديث بغير سنده وطريقه يفطنون إلى أنه‬
‫قد قلب عن وصفه(‪.)5‬‬
‫يقرر الشيخ الغزالي بأن أحدا من العظماء لم تغربل آثاره‬ ‫والمؤكد كما ّ‬
‫السنن بعد هذا‬
‫بموازين أدق مما صنع علماء اإلسالم مع نبيهم‪ .‬ولو رفضت ّ‬
‫الفحص العلمي العادل لوجب أن تسقط من التاريخ كل اآلثار األدبية والسياسية‬
‫لساسة الدنيا وقادتها وأدبائها وعلمائها‪ ،‬ألنها أولى باإلنكار من التراث الديني‬
‫لمحمد‪ .‬فإن طرق اإلثبات هنا أقوى من طرق اإلثبات في أي مجال آخر مما‬
‫تعارف ال ّناس على قبوله(‪.)2‬‬
‫طبق هذا المنهج الصارخ لل ّتحقيق في اآلثار‬
‫إننا نسأل هنا جولد زيهر لو َّ‬
‫اليهودية ما عساه أن يجيب؟‬
‫إن ال ّتاريخ لم ير ِو عن ّأمة من األمم أنها اعتنت بآثار نبيها وغربلتها‪،‬‬
‫أدق القوانين العلمية لقبولها مثلما فعل المسلمون بميراث محمد‬‫وسنَّت لذلك ّ‬
‫‪ ‬من قول أو فعل‪ .‬وليس في دين من األديان‪ ،‬وال مذهب من المذاهب‬
‫هذا ال ّتوثيق في األخبار‪.‬‬
‫تغض الطرف‬
‫ّ‬ ‫ومع هذه الحقيقة ال ّتاريخية ال ّناصعة إال أن ظاهرة االستشراق‬
‫وتصر على فتح جبهة أخرى لزرع شكوكها‪ .‬ولذلك نجد جولد زيهر‬ ‫ّ‬ ‫عن هذا كلّه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص‪.371‬‬
‫(‪ )2‬محمد الغزالي‪ ،‬نظرات في القرآن الكريم‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب الحديثة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪5383‬هـ‪5713/‬م)‪ ،‬ص‪.582‬‬

‫‪581‬‬
‫ُّ‬
‫تطور السنة‬

‫وشاخت وغيرهما يطلعون بشبهة أخرى‪ ،‬والغرض منها دائما هو التهوين من شأن‬
‫حركة النقد عند علماء الحديث بزعمهم أن حركة النّقد اقتصرت على األسانيد‬
‫دون المتون‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫‪581‬‬
‫نظرية نقد منت احلديث‬

‫‪5‬‬
‫نظرية نقد منت احلديث‬
‫أثنى المستشرقون على جهود علماء اإلسالم في نقد الرواة وتتبع‬
‫يعول عليها في تمييز‬
‫الصارمة التي ّ‬
‫األسانيد‪ ،‬واعتبروها من اإلنجازات العلمية ّ‬
‫السقيم فيما يخص األخبار التاريخية‪.‬‬
‫الصحيح من ّ‬
‫ّ‬
‫ومن أجل تشويه هذا العمل ال ّدؤوب طفق االستشراق إلى اال ّدعاء بأن هذا‬
‫الجهد كان من أجل إخفاء التناقضات الواردة في متن الحديث‪.‬‬
‫يقول جولد زيهر‪« :‬إنه ما دام ال ّنقد الخارجي للحديث صحيحا‪ ،‬وما دامت‬
‫سلسلة األسانيد متصلة غير منقطعة‪ ،‬وأن الرواة جديرون بالثقة والصدق‪،‬‬
‫فالحديث صحيح‪ .‬وال يجرؤ أحد على القول إن اإلسناد غير صحيح؛ حتى وإن‬
‫احتوى المتن على أمور منافية للمنطق والتاريخ»(‪.)5‬‬
‫أما شاخت فيصرح قائال‪« :‬إن المسلمين تخلصوا من المتناقضات التي‬
‫ظهرت بالطبع في الحديث أكثر من ظهورها في القرآن‪ ،‬بنفس الوسيلة التي‬
‫اتبعوها في التخلص من المتناقضات التي وردت في القرآن‪ .‬وكذلك عن طريق‬
‫نقد األسانيد‪ .‬ومن المهم أن نالحظ أنهم أخفوا نقدهم لمادة الحديث وراء‬
‫نقدهم لإلسناد نفسه»(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.115‬‬
‫(‪ )2‬دائرة المعارف اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.277‬‬

‫‪587‬‬
‫نظرية نقد منت احلديث‬

‫ويذهب كتاب دائرة المعارف اإلسالمية إلى نفس آراء المستشرقين‪ ،‬بأن‬
‫مادة الحديث المروي كانت في الواقع أصل التنازع‪ .‬وإذا كانت ال ّثقة بالمح ّدثين‬
‫هي محل النزاع‪ ،‬فاألرجح أن ما وقع في موضوع الحديث من هوى هو الذي كان‬
‫يثير المعارضة دائما‪ .‬فالحكم النهائي لم يكن الغرض منه قيمة المحدث‪ ،‬وإنما‬
‫كان الغرض منه الحكم على مادة الروايات التي يرويها(‪.)5‬‬
‫وقد روى هذا الزخم بعض الكتاب المسلمين‪ ،‬وفي طليعتهم محمود أبو‬
‫رية(‪ )1‬وأحمد أمين‪ .‬هذا األخير الذي يتبجح بالقول بأن علماء المسلمين عنوا‬
‫بنقد األسانيد أكثر مما عنوا بنقد المتن‪ .‬فقل أن تظفر منهم بنقد في هذه المسائل‬
‫األربع التالية‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ هل يتفق ما نسب إلى النبي ‪ ‬مع الظّروف والمالبسات التي‬
‫قيل فيها؟‬
‫‪ 2‬ــ هل الحوادث التاريخية تؤكده؟‬
‫‪ 3‬ــ هل الحديث نوع من التعبير الفلسفي يخالف المألوف من تعبير‬
‫الرسول؟‬
‫‪ 1‬ــ هل الحديث أشبه بشروطه وقيوده بمتن الفقه(‪)3‬؟‬
‫هذه أمارات أربع وضعها أحمد أمين ليبرهن على صحة زعمه‪ .‬فعلينا أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ردود‪ :‬محمد محمد أبو شهبة‪ ،‬دفاعا عن السنة ورد شبهة المستشرقين والكتاب‬
‫المعاصرين‪( ،‬بيروت‪ :‬مكتبة صيدا)‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )3‬أحمد أمين‪ ،‬فجر اإلسالم‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‪5777 ،55‬م)‪ ،‬ص‪.257‬‬
‫وأحمد أمين‪ ،‬ضحى اإلسالم‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬د‪ .‬ط)‪ ،‬ص‪.535 ،531‬‬

‫‪588‬‬
‫نظرية نقد منت احلديث‬

‫نبحث في هذه المقاييس‪ ،‬ونكشف عن مدى صحتها أو بطالنها‪.‬‬


‫‪ 5‬ــ أما عن قوله إنهم لم يحققوا فيما نسب إلى الرسول ‪ ‬هل‬
‫يتفق مع الظروف التي قيل فيها أم ال؟‬
‫إن هذا ال ّزعم ال يستند إلى دليل ألنهم جعلوا ذلك من عالمات الوضع في‬
‫المتن‪ .‬ومن أمثلة ذلك طرح حديث وضع الجزيرة على أهل خيبر ورفع عنهم‬
‫الكلفة بشهادة سعد بن معاذ‪ ،‬وكتابة معاوية بن أبي سفيان‪ .‬مع أن ال ّثابت في‬
‫التاريخ اإلسالمي أن الجزية لم تكن معروفة وال مشروعة في عام خيبر‪ .‬وإن آية‬
‫الجزية نزلت بعد عام تبوك‪ .‬وهذا فضال عن أن سعد بن معاذ توفي قبل ذلك في‬
‫غزوة الخندق‪ .‬وأن معاوية أسلم زمن الفتح‪ .‬فالحقائق التاريخية ترد هذا‬
‫الحديث وتحكم عليه بالوضع(‪.)5‬‬
‫‪ 2‬ــ وأما قوله هل الحوادث التاريخية تؤيده أو تكذبه؟‬
‫فإنهم جعلوا ذلك من عالمات الوضع‪ ،‬فقد ر ّدوا حديث وضع الجزية على‬
‫خيبر ألن الحوادث ال ّتاريخية تعارضه‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ وأما قوله أن يكون الحديث مشابها للتعبير الفلسفي‪ ،‬ويخالف بذلك‬
‫المألوف من تعبير الرسول ‪ ،‬فإن ذلك داخل تحت ركاكة اللّفظ‪ .‬يقول‬
‫ابن دقيق العيد‪« :‬كثيرا ما يحكمون بذلك ــ أي بالوضع ــ باعتبار أمور ترجع إلى‬
‫المروي‪ ،‬يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظ النبي وما ال يجوز»(‪ .)2‬فهذا هو‬
‫السهل عليهم أن ير ّدوا حديثا فلسفيا لم يكن مألوفا من النبي‬
‫شأنهم‪ .‬لذلك فمن ّ‬
‫أن يقول مثله‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬مصطفى السباعي‪ ،‬السنة ومكانتها في التشريع اإلسالمي‪ ،‬ص‪.511‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.271‬‬

‫‪587‬‬
‫نظرية نقد منت احلديث‬

‫وأما أن الحديث بشروطه وقيوده شبيه بمتون الفقه‪ ،‬فقد وضع‬ ‫‪ 1‬ــ ّ‬
‫المح ّدثون شرطا لصحة الحديث أن ال يكون المروي موافقا لمذهب الراوي‬
‫المتعصب‪ .‬أو يتحدث عن مناقب األئمة األربعة‪ .‬فقد رفضوا أحاديث كثيرة في‬
‫العقائد والفقه ألنها تؤيد مذاهب أصحابها من الرواة‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك >المضمضة واالستنشاق للجنب ثالثا فريضة< ومثل >إذا‬
‫كان في الثوب قدر الدراهم من الدم غسل الثوب وأعيدت الصالة<‪ .‬وأمثال هذه‬
‫األحاديث كثيرة حكم عليها المحدثون بالوضع(‪.)5‬‬
‫السنة خمسة شروط لقبول األحاديث النبوية‪ .‬ثالثة منها‬
‫لقد وضع علماء ّ‬
‫السند‪ ،‬واثنان في المتن‪.‬‬
‫في ّ‬
‫الراوي واعيا يضبط ما يسمع ويحكيه بعد‬
‫السند أن يكون ّ‬
‫‪ )5‬يشترط في ّ‬
‫ذلك طبق األصل‪.‬‬
‫‪ )2‬ينبغي توفر الخلق المتين والضمير الحي الذي يرفض أي تزوير‪.‬‬
‫الرواة‪ .‬فإن اختلتا في راو‬
‫‪ )3‬وهاتان الصفتان يجب أن تطردا في سلسلة ّ‬
‫واحد أو اضطربت إحداهما فإن الحديث يسقط عن درجة الصحة‪.‬‬
‫وبعد فحص السنّة المقبول ننظر إلى المتن الذي جاء به‪ ،‬أي إلى نص‬
‫الحديث نفسه‪.‬‬
‫‪ )1‬فيجب أال يكون شاذا‪.‬‬
‫‪ )1‬وأال يكون به علّة قادحة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫وانظر بالتفصيل‪ :‬عمر بن حسن عثمان فالتة‪ ،‬الوضع في الحديث‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.73‬‬

‫‪571‬‬
‫نظرية نقد منت احلديث‬

‫الراوي الثقة من هو أوثق منه‪ .‬والعلّة القادحة عيب‬


‫والشذوذ أن ال يخالف ّ‬‫ّ‬
‫يبصره المحققون فيردوه به(‪.)5‬‬
‫هذه ضوابط إجمالية شاملة‪ ،‬تتفرع عنها مقاييس تفصيلية عديدة‪ ،‬تصل عند‬
‫تخص المتن فحسب‪ .‬وقد أفرد علماءُ الحديث‬ ‫بعضهم إلى تسع وثالثين‪ّ ،‬‬
‫مؤلّفات ُتعنى بهذه المقاييس ال ّتفصيلية‪ .‬منهم الجوزقاني في كتابه >األباطيل<‪،‬‬
‫وابن بدر الموصلي في كتابه >المغني عن الحفظ والكتاب<‪ ،‬وابن القيم في كتابه‬
‫>المنار المنيف<(‪.)2‬‬
‫فصلوا فيها تقوم حينا على‬ ‫الفت لالنتباه أن هذه الضوابط التي ّ‬ ‫وال ّ‬
‫اعتبارات عقلية صرفة‪ ،‬وحينا على معان أدبية‪ ،‬وحينا تخضع إلى أحكام شرعية‬
‫تعرض الشيخ محمد الغزالي إلى هذه المقاييس أردف قائال‪:‬‬ ‫متواترة‪ .‬وبعد أن ّ‬
‫«هذه الشروط ضمان كاف لدقة ال ّنقل وقبول اآلثار‪ ،‬بل ال أعرف في تاريخ ال ّثقافة‬
‫اإلنسانية نظيرا لهذا ال ّتأصيل وال ّتوثيق‪ .‬والمهم هو إحسان ال ّتطبيق‪ ...‬وقد َتوفر‬
‫للسنّة المحمدية علماءٌ أولُو غيرة وتقوى‪ ،‬بلغوا بها المدى‪ ،‬وكانت غربلتهم‬
‫لألسانيد مثار ال ّثناء واإلعجاب‪ ،‬ثم انضم إليهم الفقهاء في مالحظة المتون‬
‫واستبعاد الشاذ والمعلول»(‪.)3‬‬
‫وقد اعتبر العلماء نقد متن الحديث في ضوء القرآن أساسا لمحاكمة الكتب‬
‫الصحاح‪ .‬ويبدو هذا واضحا في مناقشة الغزالي لموقف عائشة عندما سمعت‬ ‫ِّ‬
‫حديث النبي ‪ ‬أن الميت يُعذّ ب ببكاء أهله عليه‪ .‬حيث يقول‪« :‬لقد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد الغزالي‪ ،‬السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‪ ،‬ط‪،55‬‬
‫‪5771‬م)‪ ،‬ص‪.57 ،58‬‬
‫(‪ )2‬عمر فالتة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫(‪ )3‬محمد الغزالي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.57‬‬

‫‪575‬‬
‫نظرية نقد منت احلديث‬

‫أنكرته وحلفت أن الرسول ما قاله‪ ،‬وقالت بيانا لرفضها إياه‪ :‬أين منكم قول اهلل‬
‫سبحانه‪{ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ}(‪ .)5‬إنها ترد ما يخالف القرآن بجرأة وثقة‪ .‬ومع‬
‫الصحاح‪ .‬بل إن ابن‬‫مثبتا في ّ‬
‫ذلك فإن هذا الحديث المرفوض من عائشة ما يزال ّ‬
‫كرره في بضعة أسانيد‪ .‬وقد ّنوه الشيخ بهذا المنهج السليم‬‫سعد في طبقاته الكبرى ّ‬
‫الصحاح إلى‬‫بالصحابة في محاكمة ِّ‬‫يتأسون ّ‬‫الذي تبناه أئمة الفقه اإلسالمي وهم ّ‬
‫نصوص الكتاب الكريم الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه(‪.)2‬‬
‫يتضح مما سبق أن الحكم بسالمة المتن يتطلب معرفة دقيقة بالقرآن الكريم‪،‬‬
‫وإحاطة بداللته القريبة والبعيدة‪ ،‬ومعرفة أخرى بشتى المرويات المنقولة‪ ،‬إلمكان‬
‫الموازنة وال ّترجيح بين بعضها والبعض اآلخر‪« .‬والواقع أن عمل الفقهاء ُم ّتمم لعمل‬
‫المح ّدثين‪ ،‬وحارس للس ّنة من أي خلل يتسلل عن ذهول أو تساهل»(‪.)3‬‬
‫والجدير بالذكر أن االستشراق أفلح في تحقيق أغراضه ال ّدنيئة من أجل‬
‫إبعاد جمهور من المسلمين من المصدر الثاني للشريعة اإلسالمية‪ ،‬وهي الس ّنة‬
‫النبوية‪ ،‬عن طريق هذه الشبهات المل ّفقة زورا وبهتانا‪ .‬وهذا ما يتجلى في تبني‬
‫العديد من الباحثين المسلمين ــ كما سبق وأن ّبينا ــ ألطروحته التي تتصادم مع‬
‫إجماع علماء اإلسالم‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬بروز تيار في العالم العربي يعمل ما في وسعه لطرح‬
‫الس ّنة وإبعادها‪ .‬فهناك من يدعون االنتماء إلى اإلسالم‪ ،‬نفوا الس ّنة بكاملها؛‬
‫يسمون أنفسهم القرآنيين‪ ،‬أو أهل القرآن‪.‬‬
‫المتواتر منها واآلحاد‪ .‬وهؤالء الذين ّ‬
‫ويقطن معظمهم في الشرق‪ .‬ومنهم ثلّة في بعض البالد العربية‪ .‬وقد ظهرت هذه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة األنعام‪ ،‬آية ‪.511‬‬
‫(‪ )2‬محمد الغزالي‪ ،‬السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث‪ ،‬ص‪ 25‬ــ ‪.23‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.57‬‬

‫‪572‬‬
‫نظرية نقد منت احلديث‬

‫ومؤسس هذا المذهب اسمه‬ ‫ّ‬ ‫الجماعة في القارة الهندية وفي منطقة الهور‪.‬‬
‫عبد اهلل بن عبد اهلل الجركالوي‪ ،‬وقد ألّف عدة رسائل كلها باللغة األوردية(‪،)5‬‬
‫وقد ّقيض اهلل بعض علماء الهند وباكستان للر ّد عليه(‪.)2‬‬
‫ثم ا ّتسعت دائر ُة هذه الفرقة إلى إيجاد مجموعة أخرى تنادي برد الس ّنة‬
‫مطلقا‪ ،‬واالقتصار على القرآن‪ .‬وكان على رأس هذه المدرسة سيد أحمد خان‬
‫وعبد اهلل جكر ألوي وأحمد الدين اآلمر تسري‪ ،‬وآخرين‪ .‬ثم جاء غالم أحمد‬
‫برويز فأنشأ جمعية باسم (أهل القرآن)‪ ،‬كما أصدر مجلة شهرية‪ ،‬ونشر عدة كتب‬
‫في هذا الصدد(‪.)3‬‬
‫قلم محمد الغزالي لل ّدفاع عن الس ّنة والر ّد على منكري حجيتها‬
‫انبرى ُ‬ ‫وقد َ‬
‫فيقول‪« :‬إن الس ّنة النبوية تواجه هجوما شديدا في هذه األيام‪ ،‬وهو هجوم خال من‬
‫العلم ومن اإلنصاف‪ ،‬وقد تألفت بعض جماعات شاذة تدعى االكتفاء بالقرآن‬
‫تم لهذه الجماعات ما تريد ألضاعت القرآن والسنّة جميعا‪ ،‬فإن‬ ‫وحده‪ .‬ولو ّ‬
‫القضاء على الس ّنة ذريعة للقضاء على ال ّدين كلّه»(‪.)1‬‬
‫إننا نستغرب من بعض المثقفين المسلمين أن يستبيحوا ألنفسهم نقل أخبار‬
‫المستشرقين دون تمحيص وتحقيق‪ .‬واألدهى من ذلك الترويج بالقول والقلم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫خليل إبراهيم مال خاطر‪ ،‬شبهات حول السنة ودحضها‪ ،‬ضمن محاضرات ملتقى الفكر‬ ‫(‪)5‬‬
‫اإلسالمي السادس عشر‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.211‬‬
‫كتب في الرد على هذه الجمعية كتب كثيرة‪ ،‬وأغلبها باللغة األوردية‪ .‬ومن أجود ما ألف‬ ‫(‪)2‬‬
‫فيها كتاب >القرآنيون وشبهاتهم حول السنة< رسالة ماجستير تقدم بها خادم حسين بخش‬
‫إلى قسم العقيدة في جامعة أم القرى‪.‬‬
‫انظر‪ :‬محمد بن مطر الزهراني‪ ،‬تدوين السنة النبوية‪ ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.12 ،15‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫محمد الغزالي‪ ،‬دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين‪ ،‬ص‪.21‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪573‬‬
‫نظرية نقد منت احلديث‬

‫سميات القراءة العلمية للنصوص‪.‬‬


‫ألفكارهم وال ّتحمس إلذاعتها تحت ُم َ‬
‫يقول رشدي فكار‪« :‬ومن المحزن حقا أننا وجدنا بعض ال ّنفايات من‬
‫المثقفين العرب والمسلمين الذين ال يحملون من االنتماء إلى هذه األمة إال‬
‫مجرد االسم‪ ،‬ثم يستبيحون ألنفسهم أن يضعوا أنفسهم في خدمة هؤالء‬
‫المستشرقين لقاء حفنة من مال‪ ،‬وأن يبسطوا لهم بعض القضايا‪ ،‬ويعاونوهم في‬
‫دراستهم المقنعة السوداء‪ ،‬باعتبارهم من أبناء اللغة العربية السابرين ألغوارها‪.‬‬
‫تلك اللغة الصعبة التي تستغلق على عقول المستشرقين مهما خبروها‪ ..‬لقد تنكّر‬
‫هؤالء المثقفون العمالء ألمتهم وعقيدتهم‪ ،‬ووظفوا قدراتهم لصالح أصحاب‬
‫المآرب‪ ،‬وأصحاب القلوب المريضة من المارقين المضللين المزيفين»(‪.)5‬‬
‫يتبين مما سبق أن اال ّدعاء بتقصير المسلمين في نقد متن الحديث كالم غير‬
‫صحيح وال يستند إلى دليل يقويه‪ ،‬وال يعد نقدا علميا لصناعة المح ّدثين‬
‫وعلومهم‪ .‬فالمح ّدثون تتبعوا تاريخ كل راو‪ ،‬حتى تعرفوا على سيرته وصدقه أو‬
‫كذبه‪ ،‬وحفظه أو غلطه‪ ،‬ثم حكموا عليها بما انكشف لهم‪ .‬وتناولوا كل راو فنفوا‬
‫عن روايته الخطأ غير المقصود‪ ،‬وردوا ما كان فيه شبهة العمد إلى رواية شيء ال‬
‫أصل له‪ .‬وقارنوا الروايات بعضها ببعض‪ ،‬فنقدوا السند وفحصوا المتن‪.‬‬
‫والمؤ ّكد أن الجهود المبذولة في نقد المتن ال تقل شأنا عنها في نقد‬
‫بالسند لم تقصد لذاتها وإنما قصد منها الحكم على‬
‫السند‪ .‬وأن العناية الفائقة ّ‬
‫ّ‬
‫الراوي فحسب؛ بل تشمل‬ ‫صحة الحديث ال تقتصر على عدالة ّ‬
‫المتن نفسه‪ ،‬ألن ّ‬
‫انسجامه مع ما ثبت يقينا من حقائق الدين‪ ،‬فأي شذوذ فيه أو علة قادحة يخرجه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬حسين البكري‪ ،‬رشدي فكار في حوار متواصل حول قضايا المسلمين‪( ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬
‫وهبة‪ ،‬ط‪ ،)5788 ،5‬ص‪.22 ،25‬‬

‫‪571‬‬
‫نظرية نقد منت احلديث‬

‫من نطاق الحديث الصحيح(‪.)5‬‬


‫الشرسة التي ش ّنتها الجهاالت االستشراقية‬
‫استعرضنا فيما سبق تلك الهجمة ّ‬
‫على القرآن والسنة باعتبارهما المصدرين األساسيين للفكر اإلسالمي‪ ،‬وهي بهذا‬
‫تعد امتدادا لمؤامرة متجذرة في القدم تنم عن روح ثأرية وانتقامية على كل ما هو‬
‫أصيل‪.‬‬
‫إننا سجلنا في هذا الفصل افتتان ثلة من الباحثين المسلمين بهذه اآلراء‬
‫التي استحوذت على عقولهم‪ ،‬فطفقوا يرددونها كالببغاء؛ تحت مظلة الحداثة‬
‫والعصرنة‪.‬‬
‫وال يمكن إنكار ما حققه االستشراق من تشويش على جمهرة من‬
‫المسلمين فتنكرت لحجية الس ّنة النبوية‪ ،‬وتمخض عن ذلك بروز تيار إسالمي‬
‫طرح الس ّنة جملة وتفصيال‪.‬‬
‫الفت لالنتباه أن الشبهات التي حفلت بها ال ّدراسات االستشراقية حول‬
‫وال ّ‬
‫القرآن والس ّنة عديدة ومتشعبة‪ ،‬وأنه يتعذر علينا حصرها في هذه الدراسة حتى ال‬
‫نخرج عن نطاق بحثنا‪.‬‬
‫وحسبنا في ذلك أننا كشفنا ال ّنقاب عن مصدرها ال ّديني ومقصدها في‬
‫ال ّتشكيك في الوحي اإللهي‪ .‬وفي ثنايا مناقشتنا لهذه الشبهات ّبينا بأن مزاعمهم‬
‫باطلة ال تستند إلى سند قويم‪ ،‬وأن افتراءهم بأن القرآن الكريم ال يعدو أن يكون‬
‫مجموعة من القصاصات جمعت من التوراة واإلنجيل والشعر؛ أمر مردود‪.‬‬
‫حجيتها وثبوتها أمر مرفوض‬‫والحال كذلك بال ّنسبة للسنّة النبوية‪ ،‬فالطّعن في ّ‬
‫لعدم وجود أي برهنة عليه‪ ،‬إال من حيث أنه يُم ّثل مؤامرة حاكها االستشراق‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد الغزالي‪ ،‬ليس من اإلسالم‪( ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪5775 ،1‬م)‪ ،‬ص‪.11 ،37‬‬

‫‪571‬‬
‫مناهج االسترشاق املعارص‬
‫يف العلوم اإلسالمية‬
‫مناهج االسترشاق املعارص يف العلوم اإلسالمية‬

‫لم تنحصر محاوالت التشكيك والطعن في مصادر الفكر اإلسالمي‬


‫األصلية من القرآن الكريم والسنة النبوية‪ ،‬ولكن حمالت التشكيك والتشويه‬
‫شملت مناحي الفكر اإلسالمي المختلفة‪ ،‬وأخص بالذكر دعائم العلوم‬
‫اإلسالمية من عقيدة وشريعة وتاريخ‪.‬‬
‫فالعقيدة اإلسالمية باعتبارها تمثل جوهر الدين وروح اإلسالم‪ ،‬تعرضت‬
‫لشتى االتهامات‪ ،‬سواء من حيث حدتها أم من حيث تنوعها‪.‬‬
‫ولم يسلم الفقه اإلسالمي من هذه الهجمات االستشراقية المعادية‪ ،‬فهو‬
‫يمثل مادة اإلسالم ومخزونه‪ ،‬بما يزخر به من أحكام وقواعد ال تضاهيها‬
‫مثيالتها في القوانين األخرى‪.‬‬
‫وحتى التاريخ اإلسالمي لم ينج من هذه الحمالت باعتباره النموذج‬
‫التطبيقي الحي لإلسالم في أرض الواقع‪.‬‬
‫وفي ثنايا عرضنا للشبهات التي أثارها المستشرقون الجدد حول العلوم‬
‫اإلسالمية‪ ،‬أشرنا إلى تلك الشبهات القديمة‪ ،‬والتي ال زالت تثار‪ ،‬وتبث‬
‫سمومها في الفكر اإلسالمي المعاصر‪.‬‬
‫وتبعا لما سبق تضمن الباب الثالث ثالثة فصول‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬االستشراق المعاصر والعقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬االستشراق المعاصر والفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬االستشراق المعاصر والتاريخ اإلسالمي‪.‬‬
‫**‬ ‫**‬ ‫**‬
‫‪577‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫‪5‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫العقيدة اإلسالمية تعرضت لشتى االتهامات‪ ،‬حيث واجهت الحمالت ما‬


‫لم تواجهه أي عقيدة أخرى‪ ،‬وذلك سواء من حيث حدة هذه االتهامات‬
‫ونوعيتها‪ ،‬أو من حيث تنوعها واستمرارها عبر التاريخ‪.‬‬
‫ولبه‪ .‬فاالهتمام بها إنما‬
‫وال غرابة فالعقيدة اإلسالمية تمثل أصل الدين ّ‬
‫هو االهتمام بجوهر الدين‪ ،‬وبذلك تعددت الشبه الموجهة إلى هذه العقيدة‪،‬‬
‫حتى إنها لم تسلم منها مسألة من مسائلها‪.‬‬
‫نلم شتاتها‬
‫ومع شمولية هذه الشبهات وتنوعها والتي يصعب علينا أن ّ‬
‫المتفرق إال أننا عمدنا إلى التركيز على تلك الشبهات القديمة التي بثها بعض‬
‫اليهود في الفكر العقدي اإلسالمي‪ ،‬وال زالت قابعة فيه‪ ،‬لم يكد يتخلص‬
‫منها‪ ،‬حيث انتقلت إليها في فترات مختلفة‪ ،‬واعتنقتها فرق ومذاهب‪.‬‬
‫ويستمر المخطط في محاربة العقيدة عبر التاريخ‪ ،‬ليصل إلى ترويج‬
‫النـزعة المادية باعتبارها الوسيلة الحديثة األكثر حدة في تقويض العقيدة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫وتبعا لذلك جاءت الدراسة لتغطي التحديات‪ ،‬سواء القديمة والمتجددة‬
‫أم المعاصرة‪ ،‬ألن االستشراق المعاصر استعان بالتحيات القديمة وكساها‬
‫بثوب جديد‪.‬‬
‫‪211‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫املطلب األول‪ :‬التحديات القدمية واملتجددة‬

‫أوال‪ :‬التشبيه والتجسيم‪:‬‬


‫إن أخطر ما واجهته العقيدة اإلسالمية من تحديات‪ ،‬ما له عالقة أسا ًسا‬
‫بالذات اإلةيهل وموضوعاتها‪ .‬لقد استشرت فكرة التشبيه والتجسيم الفكر‬
‫العقدي لتلحق تشوهات بالغة الخطورة بالتصور السليم للذات اإلةيهل‪ ،‬ليتم‬
‫يروج لهذه الفكرة المبتدعة في المجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫كل هذا في وجود من ّ‬
‫حي ًزا‬
‫فما المقصود من هذه الفكرة؟ وما هو مصدرها؟ وكيف وجدت لها ّ‬
‫في الدراسات اإلسالمية؟ وما مدى خطورتها في فكرنا المعاصر؟‬
‫يقصد بالتشبيه والتجسيم االعتقاد بأن اهلل تعالى جسم‪ ،‬أو في هيئة‬
‫األجسام‪ ،‬حيث يتزحزح اهلل عن سموه فينـزل إلى منـزلة المخلوقات‪ ،‬فتجري‬
‫عليه األحكام كما تجري على مخلوقاته‪ ،‬ويصير مماثال لها في أوصافه وأفعاله‬
‫واهتماماته(‪.)5‬‬
‫أما عن مصدر هذه العقيدة‪ ،‬فإن تاريخ األديان ال يُمدنا بمعلومات دقيقة‬
‫في هذا المجال‪ ،‬وأقصى ما يقدمه أن هذه الفكرة وجدت لها صدى في معظم‬
‫الديانات بما فيها الديانة اليهودية‪ ،‬مع التأكيد بأن هذه األخيرة كانت معبرا‬
‫لدخول هذه العقيدة إلى الفكر العقدي اإلسالمي كما سنبينه في حينه‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عبد المجيد عمر النجار‪ ،‬مباحث في منهجية الفكر اإلسالمي‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪1991 ،1‬م)‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪215‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫‪ 1‬ــ التشبيه والتجسيم في الديانة اليهودية‪:‬‬


‫عرفت الديانة اليهودية عقيدة التجسيم والتشبيه كما يصرح بذلك كتابهم‬
‫جسدت الذات اإلةيهل في هيئة بشرية يعتريها‬ ‫المقدس‪ ،‬فأسفار العهد القديم ّ‬
‫الضعف والنقص‪ ،‬وغيرها من األحوال التي تقع على النفس اإلنسانية‪.‬‬
‫ُ‬
‫والمتفحص لصفات اإلله في التوراة يجدها مرآة تعكس فيها ميول بني‬
‫إسرائيل ورغباتهم‪ ،‬فهو يتصف بما يتصفون به من غدر وعنف ونزوع إلى‬
‫طل علينا كزعيم عصابة‬
‫السلب والنهب واالستيالء على ثروات الغير‪ .‬وأحيانا يُ ّ‬
‫يدافع عنهم ويحميهم ويحرضهم على سفك الدماء وقتل األبرياء‪ ،‬واغتصاب‬
‫األرض والشعوب(‪.)5‬‬
‫تصور يعقوب في هيئة إنسان صارع الرب حتى الفجر‪ ،‬ولم‬‫فهذه التوراة ّ‬
‫يتمكن الرب من هزيمة يعقوب إال بعد أن كسر فخذه(‪ .)2‬لقد كان عبد الغفور‬
‫فرب إسرائيل هنا عاجز‪ ،‬يصارع أحد‬
‫عطار محقًّا في تعليقه على ذلك بقوله‪ّ > :‬‬
‫خلقه وينهزم‪ ،‬ويتوسل أن يطلقه‪ .‬فأي رب الموصوف بصفات خلقه؟ أي رب‬
‫هذا العاجز الذي ال يقدر على إنسان ضعيف خواف؟<(‪.)3‬‬
‫وقد التجأ بعض اليهود إلى تأويل النصوص من أجل تبرير هذه الحادثة‪،‬‬
‫فالذي صارع يعقوب هو ملك وليس اإلله‪ ،‬إال أن ابن حزم وقف بالمرصاد‬
‫لهذا الزعم الموهوم بقوله‪> :‬فثبتوا على أن نص التوراة أن يعقوب صارع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬صفوت حامد مبارك‪ ،‬بحوث في األديان‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار أبو المجد للطباعة‪1946 ،‬م)‪،‬‬
‫ص ‪.119‬‬
‫(‪ )2‬سفر التكوين‪ ،‬اإلصحاح‪ ،11 ،‬فقرة ‪ 11‬ــ ‪.19‬‬
‫(‪ )3‬أحمد عبد الغفور عطار‪ ،‬الديانات والعقائد في مختلف العصور‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.101‬‬

‫‪212‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫الوهيم‪ ،‬وقال‪> :‬إن لفظ الوهيم يعبر عن الملك‪ ،‬فإنما صارع ملكا من المالئكة‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬لهم‪ :‬سياق الكالم يعطل ما تقولون‪ ،‬ضرورة أن فيه >كنت قويا على اهلل‬
‫فكيف على الناس< وفيه أن يعقوب قال‪> :‬رأيت اهلل مواجهة وسلمت‬
‫نفسي<(‪ .)5‬وال يمكن أن يعجب من سالمة نفسه إذا رأى الملك؟!‬
‫وال يبلغ من مس الملك ــ كما نص يعقوب ــ أن يحرم على بني إسرائيل‬
‫سمى الموضع بذلك‬ ‫أكل عروق الفخذ في األبد من أجل ذلك‪ ،‬وفيه أنه ّ‬
‫>فينئيل< ألنه قابل فيه ايل‪ ،‬وهو اهلل عز وجل بال احتمال عندكم<‪.‬‬
‫ثم لو كان ملَكا لكان أيضا من الخطأ تصارع نبي وملَك لغير معنى‪ ،‬فهذه‬
‫صفة المتحدين في العنصر‪ ،‬ال صفة المالئكة واألنبياء<(‪.)2‬‬
‫إن بروز عقيدة التشبيه والتجسيم في نصوص العهد القديم جلية‪ ،‬فقد‬
‫يطلع الرب على اليهود في صورة عمود سحاب(‪ ،)3‬وأنه أحيانا يسكن في‬
‫التابوت ومنه يكلم موسى(‪.)1‬‬
‫هذا فضال عن تقمصه لصفات البشر‪ ،‬فتلتصق به أفعال اإلنسان وحركاته من‬
‫المشي والمصارعة(‪ ،)5‬والندم(‪ ،)1‬والجهل(‪ .)7‬وهذا أشنع أنواع التشبيه والتجسيم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يت نفسي<‪ .‬سفر‬
‫النص كما في التوراة الحالية‪> :‬ال في نظرات اهلل وج ًها لوجه‪ ،‬ونُ ّج ُ‬ ‫(‪)5‬‬
‫التكوين‪ ،‬اإلصحاح ‪ ،11‬فقرة ‪.10‬‬
‫ابن حزم‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.111‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سفر الخروج‪ ،‬اإلصحاح ‪ 11‬فقرة‪ 19 :‬ــ ‪.11‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫سفر الخروج‪ ،‬اإلصحاح ‪ 11‬فقرة‪ 11 :‬ــ ‪.11‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سفر الخروج‪ ،‬اإلصحاح ‪ 11‬فقرة‪.19 :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سفر التكوين‪ ،‬اإلصحاح ‪ 6‬فقرة‪ 1 :‬ــ ‪.1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سفر الخروج‪ ،‬اإلصحاح ‪ 11‬فقرة‪ 11 :‬ــ ‪.11‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪213‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫بعد هذا العرض اإلسالمي لجنوح الديانة اليهودية نحو التشبيه والتجسيم‬
‫ينبغي علينا أن نتعرف على كيفية تسرب مثل هذه األفكار إلى الفكر العقدي‬
‫اإلسالمي(‪.)5‬‬

‫‪ 1‬ــ المشبهة والمجسمة في الفكر العقدي اإلسالمي‪:‬‬


‫إن الفكر العقدي في عصر الرسول ‪ ‬وفي عصر الصحابة لم‬
‫يتزعزع عن اإلطار الذي خطه القرآن الكريم‪ ،‬حيث التزم بما نصت عليه‬
‫اآليات القرآنية من وصف اهلل عز وجل دون التشبيه والتجسيم وال تعطيل‪ ،‬ولم‬
‫يقع أي التباس في هذه المسألة(‪ ،)2‬مما حدا بالمفكر محمد البهي إلى القول‬
‫بأن موضوع التفكير اإلسالمي في تلك المرحلة كانت تغذيه أربعة روافد‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ فباعتبار ذاته وصف بصفات الكمال والجمال‪ ،‬بأنه األول الذي ليس‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬يتفق الباحثون المسلمون على أن التشبيه والتجسيم أصيالن في الديانة اليهودية‪ ،‬وإن كان‬
‫هذا ال يمنع من وجود نزعة تنـزيهية حافظت على أصولها النقية للتوحيد‪ ،‬ولكنها ظهرت‬
‫بصفة محتشمة‪ .‬وقد حمل لواء التنـزيه بعض الفرق اليهودية قليلة الشهرة مثل فرقة‬
‫السامريين‪ ،‬وفرقة المقاربة‪ ،‬وهما من أشهر الفرق اليهودية قوال بأن للتوراة ظاهرا وباطنا‪،‬‬
‫وتنـزيال وتأويال‪ ،‬وخالفوا بتأويالتهم المجازية جمهور اليهود في التشبيه والتجسيم‪.‬‬
‫أما موقفهم من النصوص التوراتية التي تحدثت عن مجيء الرب وطلوعه في السحاب‪،‬‬
‫وكتابة التوراة بيده‪ ،‬واستوائه على العرش‪ ،‬فقد حملوا ذلك كله على ملَك اختاره اللـه‬
‫وقومـه على جميع الخالئق‪.‬‬ ‫ّ‬
‫انظر‪ :‬محمد األنور السنهوتي‪ ،‬دراسات نقدية في مذاهب الفرق الكالمية‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار‬
‫الثقافة العربية‪5771 ،‬م)‪ ،‬ص ‪ .312‬ــ حسن ظاظا‪ ،‬الفكر الديني اإلسرائيلي‪ ،‬ص‪،217‬‬
‫‪.218‬‬
‫(‪ )2‬أحمد عبد الرحيم السايح‪ ،‬علم العقيدة بين األصالة والمعاصرة‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار الطباعة‬
‫المحمدية‪ ،‬ط‪ )1990 ،1‬ص‪.16 ،11‬‬

‫‪211‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫قبله شيء واآلخر الذي ليس بعده شيء والظاهر والباطن‪ ،‬وهو قيوم بذاته‬
‫واحد ال شريك له‪ ،‬حي متعال‪ ،‬كما أنه متصف بالغنى المطلق‪ ،‬وبالقدرة‬
‫الكاملة وهو السميع البصير القدوس‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ من حيث صلته بالمخلوقين‪ ،‬فقد تحدث عنه القرآن بأنه الخالق‬
‫والمبتدئ‪ ،‬والمعيد والبارئ‪ ،‬والمصور والمحيي والمميت‪ ،‬والملك القدوس‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ من حيث عالقته باإلنسان فقد وصف بأنه الرحمن الرحيم‪ ،‬والغافر‬
‫والعفو والحليم والشكور والصبور‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ 1‬ــ من حيث عالقة اإلنسان به‪ ،‬فقد وصف بأنه المهيمن‪ ،‬والهادي‬
‫والوكيل‪ ،‬والولي والوهاب‪ ،‬والرزاق والمجيب والمغني يبسط الرزق لمن‬
‫يشاء(‪.)5‬‬
‫بفضل هذه األساسيات األربعة غدت العقيدة اإلسالمية مكتملة األصول‬
‫عند الصحابة واستمر األمر هكذا عند التابعين دون أن يعتريهم أدنى شك وريب‬
‫مما ورد في هذا المقام‪.‬‬
‫وبعد انقضاء فترة الخالفة الرشيدة بدأت بوادر الخالف في الفكر‬
‫وصاحب ذلك‬
‫َ‬ ‫العقدي تطفو على السطح‪ ،‬خاصة في مسألة الذات والصفات‪،‬‬
‫دخول بعض اآلراء واألفكار والفلسفات عن طريق الذي دخلوا في اإلسالم‬
‫من يهود ونصارى ومجوس وغيرهم‪.‬‬
‫وللباحث أن يتساءل عن الجهة التي صدر منها القول بالتشبيه والتجسيم‪،‬‬
‫في الفكر العقدي اإلسالمي‪ ،‬وما عالقة ذلك كله باليهود ومخططاتهم؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد البهي‪ ،‬الجانب اإللهي من التفكير اإلسالمي‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪ .‬ط)‬
‫‪1191‬م‪1911/‬م)‪ ،‬ص‪10‬‬

‫‪211‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫يميل معظم الباحثين القدامى إلى أن الروافض‪ ،‬ومنهم السبئية والهشامية هم‬
‫أول جهة صدر عنها القول بالتشبيه والتجسيم في الفكر العقدي اإلسالمي(‪.)5‬‬
‫علي كرم اهلل وجهه‬
‫فالسبئية يتزعمها رجل اسمه عبد اللـه بن سبإ‪ ،‬نفاه ّ‬
‫إلى المدائن بعد مقالته الشنيعة في علي >أنت أنت<‪ .‬وكان يقول في اليهودية‬
‫وصي موسى ‪ ‬مثل ما قاله في علي بن‬ ‫ّ‬ ‫نفس المقالة في يوشع بن نون‪،‬‬
‫أبي طالب(‪.)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أما الهاشمية فهي تنسب إلى هشام بن الحكم ‪ ،‬وقد قال بأن اهلل ‪‬‬
‫جسم‪ ،‬فيذكر البغدادي بأن هشام بن الحكم قد زعم >أن معبوده جسم ذو ح ّد‬
‫ونهاية‪ ،‬وأنه طويل‪ ،‬عريض‪ ،‬عميق‪ ،‬وأن طوله مثل عرضه‪ ،‬وعرضه مثل‬
‫عمقه‪ ،‬ولم يُبت طوال غير الطويل‪ ،‬وال عرضا غير العريض‪ ،‬وقال‪ :‬ليس ذهابه‬
‫في جهة الطول أزيد على ذهابه في جهة العرض<(‪ .)1‬ويذهب إلى القول أيضا‬
‫بأنه ثور كالسبكية الصافية‪ ،‬له لون ورائحة وطعم‪ ،‬وأن لونه طعمه‪ ،‬وطعمه‬
‫رائحته‪ .‬وزعم أخيرا بأنه هو اللون والطعم والرائحة‪ .‬ثم ينتقل إلى تحديد‬
‫مكانه سبحانه وتعالى ومقدار طوله‪ ،‬فذكر أنه قبل المكان‪ ،‬ثم خلق المكان‪،‬‬
‫وذلك بأن تحرك فحدث مكانه‪ ،‬فصار فيه وهو العرش‪ ،‬وأن طوله سبعة أشبار‬
‫بشبر نفسه(‪.)1‬‬
‫لقد انتشرت هذه األقوال الشنيعة الملفقة من قبل بعض اليهود في أوساط‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عبد القادر البغدادي‪ ،‬ال َفرق بين ال ِف َرق‪ ،‬ص ‪.111 ،111‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫انظر الباب األول‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫هشام بن الحكم من الروافض‪ ،‬وهو مشبِّـه من أصحاب جعفر الصادق‪ .‬عبد القادر‬ ‫(‪)3‬‬
‫البغدادي‪ ،‬ال َفرق بين ال ِف َرق‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫عبد القادر البغدادي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪61‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪211‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫الدهماء من عوام المسلمين فانجذبوا إليها بعد أن صاغتها اإلسرائيليات في‬


‫قوالب قصصية مثيرة استهوت عقولهم وباتوا يتنصتون لها فانجر عن ذلك بروز‬
‫فرق غالت في التجسيم والتشبيه(‪ ،)5‬مثل الكرامية(‪ ،)2‬واليونسية(‪.)3‬‬
‫ومع اتفاق هذه الفرق على مقالة التشبيه والتجسيم إال أن آراءهم اختلفت‬
‫حول ماهية التشبيه والتجسيم‪ ،‬فر ّدها البغدادي إلى فريقين رئيسين‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ فريق يشبه ذات الباري بذات غيره‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ فريق آخر يشبه صفاته بصفات غيره‪.‬‬
‫وكل فريق من هذين الفريقين مفترق على طوائف شتى(‪.)1‬‬
‫تب ًعا لما تقدم‪ ،‬تبرز الذات اإلةيهل في أبشع وأفظع صورة يقدمها أناس ــ‬
‫ال خالف ــ في أنهم اغترفوا من معين اليهودية‪ ،‬فاليهود ال يأبهون بعقيدة أو‬
‫دين‪ .‬هذا فضال عن نزعتهم المتأصلة في تشويه العقيدة اإلسالمية وإلحاق‬
‫الضرر بها‪.‬‬
‫والمؤسف له أن نجد مثال هذه األوهام ضمن الموضوعات الرئيسية في‬
‫علم الكالم‪ ،‬والتي شغلت الفكر العقدي ردحا من الزمن‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشهرستاني‪ ،‬الملل والنحل‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.96 ،91‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫الكرامية‪ ،‬فرقة بخراسان تحوي ثالث جماعات‪ :‬حقائقية‪ ،‬وطرائقية‪ ،‬وإسحاقية‪ .‬لكن‬ ‫(‪)2‬‬
‫هذه الجماعات الثالث‪ ،‬ال يك ّفر بعضها بعضا‪ .‬أنظر‪ :‬عبد القادر البغدادي‪ ،‬المصدر‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫القمي‪ ،‬وكان في اإلمامة‪ ،‬يونس هذا في باب‬
‫اليونسية‪ :‬هؤالء أتباع يونس عبد الرحمن ّ‬ ‫(‪)3‬‬
‫التشبيه‪ ،‬فزعم أن اهلل عـز وجل يحمله حملة عرشه‪ .‬أنظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ 111‬ــ ‪.110‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪217‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫ثانيا‪ :‬الرجعة واملهدية‪:‬‬


‫‪ 1‬ــ الرجعة والمهدية في الفكر العقدي اإلسالمي‪:‬‬
‫إذا جاز لنا القول بأن مسألة التشبيه والتجسيم التي خصت مسألة‬
‫اإللهيات خالل فترة زمنية محددة‪ ،‬ثم بدأ هذا الفكر يتخلص منها تدريجيا‪،‬‬
‫فاألمر غير ذلك فيما يتعلق بمسألة الرجعة والمهدية‪ ،‬والتي خصت مسألة‬
‫النبوة‪ ،‬حيث عانى من سمومها الفكر العقدي وال زال‪.‬‬
‫حيـزا وافرا في الدراسات العقدية‬
‫لقد احتلت هذه المسألة وال زالت‪ّ ،‬‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫إن قضية النبوة تحتل الصدارة إلى جانب اإللهيات في الفكر العقدي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وذلك من حيث أن التصديق بها مفتاح لإليمان بحقائق الدين كله‪،‬‬
‫فإذا ما لحقها اضطراب فإن الضرر بالعقيدة سيكون بالغا‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك عمد المستشرقون المعاصرون إلى توجيه سمومهم لها‬
‫بعد اإللهيات(‪.)5‬‬
‫وللباحث أن يسأل عن مفهوم المهدية والرجعة؟ وما هو مصدرها؟‬
‫وكيف تسللت إلى الفكر العقدي اإلسالمي؟ وفيم يتمثل خطرها اآلن في‬
‫فكرنا اإلسالمي؟‬
‫المقصود من الرجعة والمهدية أن النبي أو اإلمام يتغيب عن الناس‬
‫والعالم حقبة من الزمن‪ ،‬ولكنه ال بد أن تكون له يوما رجعة يقيم فيها العدل‬
‫ويكون مؤيدا فيما يأتي به بوحي إلهي(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عبد المجيد عمر النجار‪ ،‬مباحث في منهجية الفكر اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.44‬‬

‫‪218‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫وتستمد أصولها من االعتقاد برجعة عزير وهارون‪ .‬يشير إلى ذلك‬


‫الشهرستاني‪ ،‬قائال‪> :‬وأما جواز الرجعة فإنما وقع لهم من أمرين‪ ،‬أحدهما‬
‫حديث عزير عليه السالم‪ ،‬إذ أماته اهلل مائة عام ثم بعثه‪ ،‬والثاني حديث هارون‬
‫عليه السالم إذ مات في التيه‪ ،‬وقد نسبوا إلى موسى قتله‪ ،‬قالوا‪ :‬حسده‪ ،‬ألن‬
‫اليهود كانت إليه أميل منهم إلى موسى‪ .‬واختلفوا في حال موته‪ ،‬فمنهم من‬
‫قال‪ :‬مات وسيرجع‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬غاب وسيرجع<(‪.)5‬‬
‫ال ينكر المستشرق >جولد زيهر< بأن هذه الفكرة دخيلة على الفكر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فيقول‪> :‬وفكرة الرجعة ذاتها ليست من وضع الشيعة‪ ،‬أو من‬
‫عقائدهم التي اختصوا بها‪ ،‬ويُحتمل أن تكون تسربت إلى اإلسالم عن طريق‬
‫المؤثرات اليهودية والمسيحية‪ .‬فعند اليهود والنصارى أن النبي إيليا(‪ )2‬قد ُرفع‬
‫إلى السماء‪ ،‬وأنه ال بد أن يعود إلى األرض في آخر الزمان إلقامة دعائم الحق‬
‫والعدل‪ ،‬وال شك أن إيليا هو األنموذج األول ألئمة الشيعة‪ ،‬المختفين‬
‫الغائبين(‪ )3‬الذين يحيون ال يراهم أحد‪ ،‬والذين سيعودون يوما كمهديين‬
‫منقذين للعالم‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الذين يرتقبون رجعة محمد بن‬ ‫فباإلضافة إلى السبئية نجد الكيسانية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشهرستاني‪ ،‬الملل والنحل‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.111‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫إيليـا‪ :‬اسم عبري‪ ،‬ومعناه‪ :‬إلهي يهوه‪ ،‬والصيغة اليونانية لهذا االسم هي‪ :‬إلياس‪ ،‬وتستعمل‬
‫ّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫أحيانا في العربية‪ ،‬وهو نبي عظيم عاش في المملكة الشمالية‪ ،‬وكان عادة يلبس ثوبا‬
‫ممسوحا ومنطقة من الجلد‪ ،‬وكان يقضي جل وقته في البرية‪ ،‬وقد نسبت إليه معجزات‬
‫وخوارق كثيرة‪ ،‬وقد وردت آخر إشارة إلى إيليا في العهد القديم‪ ،‬والتي فحواها أن الرب‬
‫سيرسل إيليا النبي قبل يوم الرب العظيم‪ ،‬ويترك بعض اليهود متجرا خاليا على مائدة‬
‫الفصح إليليا‪ .‬انظر‪ :‬قاموس الكتاب المقدس‪ ،‬ص ‪ 111‬ــ ‪.111‬‬
‫جولدزيهر‪ ،‬العقيدة والشريعة في اإلسالم‪ ،‬ص ‪.191‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫كرم اهلل وجهه‪ ،‬وقيل بأنه تلميذ=‬
‫علي بن أبي طالب ّ‬
‫فرقة الكيسانية‪ :‬أصحاب كيسان‪ ،‬مولى ّ‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪217‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫الحنفية(‪ ،)5‬عند المتعصبين حيث يعتقدون فيه اعتقادا خاصا فوق الطبيعة‬
‫البشرية‪ ،‬فهو لم يمت‪ ،‬وأنه في جبل رضوى بين أسد ونمر يحفظانه‪ .‬وعنده‬
‫عينان ّنضاختان يجريان بماء وعسل‪ .‬وأنه يعود بعد الغيبة فيمأل األرض عدال‬
‫كما ُملئت جورا(‪.)2‬‬
‫وإلى جانب هؤالء تأتي فرقة المحمدية(‪ ،)3‬وهم من األمامية ينتظرون‬
‫عودة >محمد بن عبد اهلل< بن الحسن بن علي بن أبي طالب‪ ،‬وهو حي في‬
‫جبل حاجز من ناحية نجد‪ ،‬إلى أن يؤذن له بالخروج‪.‬‬
‫وزعم البعض بأنه هو المهدي المنتظر‪ .‬ودليلهم في ذلك أن اسمه محمد‬
‫كاسم الرسول ‪ ،‬واسم أبيه عبد اهلل كاسم أب الرسول ‪.‬‬
‫وقد نشب خالف حاد فيما بينهم بعد مقتله‪ ،‬فأقر فريق بقتله‪ ،‬وبذلك‬
‫تبرؤوا منه ألنه قُتل‪ ،‬وما ملك األرض‪ .‬والفريق الثاني قال بأنه غاب وهو في‬
‫جبل حاجز‪ ،‬وسيعود حين يؤمر بالخروج‪ .‬وعندما يأتي يملك األرض‪ ،‬و ُتعقد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= للسيد محمد بن الحنفية‪ ،‬يعتقدون فيه اعتقادا متطرفا‪ ،‬حتى حملهم ذلك على تأويل‬
‫األركان الشرعية من الصالة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك على رجال‪ ،‬فحمل بعضهم‬
‫على ترك القضايا الشرعية بعد الوصول إلى طاعة الرجل‪ ،‬وحمل بعضهم على ضعف‬
‫االعتقاد بالقيامة‪ ،‬وحمل بعضهم على القول بالتناسخ والحلول والرجعة بعد الموت‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الشهرستاني‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪1 ،‬ص ‪.111‬‬
‫(‪ )5‬محمد بن الحنفية‪ ،‬هو أبو القاسم‪ ،‬ويقال‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن علي بن أبي طالب‪ .‬كان‬
‫عالما شجاعا‪ .‬توفي سنة ‪41‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬عبد القادر البغدادي‪ ،‬ال َفرق بين ال ِف َرق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫(‪ )2‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫(‪ )3‬فرقة المحمدية‪ :‬قالت بإمامة محمد بن عبد اهلل بن الحسن‪ ،‬انظر‪ :‬أبو الحسن األشعري‪،‬‬
‫مقاالت اإلسالميين‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.91‬‬

‫‪251‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫له البيعة في مكة بين الركن والمقام(‪.)5‬‬


‫ومن الذين قالوا بالرجعة فرقة االثنا عشرية(‪ ،)2‬بأن الثاني عشر من‬
‫أئمتهم دخل في سرداب بدارهم في الجلة‪ ،‬وتغيب حين تم اعتقاله مع أمه‪،‬‬
‫وغيبته هناك‪ ،‬وأنه يظهر في آخر الزمان ليمأل األرض عدال(‪.)3‬‬
‫وقد يتطرف البعض في اإلمام‪ ،‬هو الذي يرد إليه علم الساعة‪ ،‬وال يغيب‬
‫عن الخلق‪ ،‬وسيخبرهم بأحوالهم يوم الحساب‪.‬‬
‫وبهذا غال البعض إلى حد القول بحلول الجزء اإللهي في هؤالء األئمة‪.‬‬
‫فقد ذكر البغدادي >أصنافا من الحلولية‪ ،‬فمنهم السبئية التي زعمت بحلول‬
‫علي‪ ،‬والبيانية(‪ )1‬ادعت أن روح اهلل انتقلت بين األنبياء واألئمة‬
‫روح اهلل في ّ‬
‫علي‪ ،‬ثم انتقلت إلى محمد بن الحنفية‪ ،‬ثم استقرت عند ابن‬ ‫حتى انتهت إلى ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫فرقة االثنا عشرية‪ :‬ويذكرونها باسم ال َقطعية‪ ،‬وهؤالء ساقوا اإلمامة من جعفر الصادق إلى‬ ‫(‪)2‬‬
‫ابنه موسى‪ ،‬وقطعوا بموت موسى وزعموا أ‪ ،‬اإلمام بعده سبط محمد بن الحسن الذي هو‬
‫سبط علي بن موسى الرضا‪ ،‬كما يقال لهم االثنا عشرية لدعواهم أن اإلمام المنتظر هو‬
‫كرم اهلل وجهه‪ .‬وهو الواجب طاعته‪ ،‬وإن كان‬‫الثاني عشر من نسبه إلى علي بن أبي طالب ّ‬
‫غائبا‪.‬‬
‫انظر‪ :‬عبد القادر البغدادي‪ ،‬ال َفرق بين ال ِف َرق‪ ،‬ص ‪ 61‬ــ ‪61‬‬
‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫فرقة البيانية‪ :‬هم من الغالة‪ ،‬هؤالء أتباع بيان بن سمعان التميمي‪ ،‬وهم الذين زعموا أن‬ ‫(‪)1‬‬
‫اإلمامة صارت من محمد بن الحنفية إلى ابنه أبي هاشم ثم عبد اهلل بن محمد ثم صارت‬
‫من أبي هاشم إلى بيان بن سمعان بوصية إليه‪ ،‬واختلف هؤالء في بيان زعيمهم‪ ،‬فمنهم من‬
‫نبيا وأنه نسخ بعض شريعة محمد‪ ،‬ومنهم من تطرق فيه إلى درجة األلوهية‪ ،‬وبهذا‬ ‫ع ّده ّ‬
‫تخرج عن دائرة اإلسالم لدعواها ألوهية زعيمها بيان‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ 111‬ــ ‪.114‬‬

‫‪255‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫هشام‪ ،‬ثم حلّت بعده في بيان بن سمعان(‪.)5‬‬


‫(‪)2‬‬
‫علي‬
‫وكذلك الجناحية ‪ ،‬بعضها حلولية لدعواها أن روح اإلله حلت في ّ‬
‫وأوالده‪ ،‬ثم صارت عند عبد اهلل بن معاوية بن عبد اهلل بن جعفر‪.‬‬
‫والخطابية(‪ )3‬كلها حلولية‪ ،‬لزعمها حلول روح اإلله في جعفر الصادق‪،‬‬
‫وبعده في ابن الخطاب األسدي‪ .‬وكذلك زعمها ابن الحسن والحسين‬
‫وأوالدهما أبناء اهلل وأقرباءه‪.‬‬
‫وكذلك الشريعية منهم حلولية‪ ،‬لدعواها بأن روح اإلله صارت في خمسة‬
‫أشخاص‪ ،‬الرسول ‪ ،‬وعلي وفاطمة‪ ،‬والحسن والحسين‪ .‬ولدعواها أن‬
‫هؤالء األشخاص الخمسة آلهة(‪.)1‬‬
‫وال يمكن للباحث إال أن يعترف أن هناك دراسات موثقة تثبت عدم‬
‫وجود ذلك‪ ،‬وما أوردناه فقط من أجل ذكر األخبار المتداولة عند المؤرخين‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بيان بن سمعان التميمي‪ ،‬ظهر بالعراق في أوائل القرن الثاني من الهجرة‪ ،‬وادعى أول األمر‬ ‫(‪)5‬‬
‫عل‪ ،‬ثم في محمد بن الحنفية ثم في ابنه هشام‪ ،‬ثم في بيان نفسه‪،‬‬ ‫حل في ّ‬ ‫أن جز ًءا إلهيا ّ‬
‫وصلب‪.‬‬‫ثم غالى في ذلك فادعى النبوة‪ ،‬وما زال على ذلك حتى قُتل ُ‬
‫انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫فرقة الجناحية‪ ،‬منهم حلولية‪ ،‬لدعواها أن روح اإلله دارت في علي وأوالده‪ ،‬ثم صارت‬ ‫(‪)2‬‬
‫إلى عبد اهلل بن معاوية بن عبد اهلل بن جعفر‪ ،‬وكفرت بالقيامة والجنة والنار‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫علي إلى‬
‫فرقة الخطابية‪ ،‬أتباع أبي الخطاب األسدي‪ ،‬وهؤالء يرون اإلمامة كانت في أوالد ّ‬ ‫(‪)3‬‬
‫أن انتهت إلى جعفر الصادق‪ .‬وزعيم هذه الفرقة كان بالكوفة في أيام المنصور يدعو إلى‬
‫عبادة جعفر الصادق‪ ،‬ولكن المنصور أرسل جيشا فضوا عليه وعلى فرقته‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫عبد القادر البغدادي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪ 41‬ــ ‪.41‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪252‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫مع أخذ بعين االعتبار تطرف بعض المفكرين لبعض الآلراء وأحيانا االنتصار إلى‬
‫فرقهم ورمي الفرق األخرى بالضالل وهذا مما ينبغي أن يلتفت إليه الباحث‪،‬‬
‫ألننا ما قصدناه هنا ليس إلقاء التهم جزافا وإنما رصد بعض اآلراء التاريخية‬
‫والتي ال يمكن القفز عليها‪ ،‬ونستحث الباحثين للتدقيق في هذه المسائل‪.‬‬
‫والمؤكد أن فكرة الرجعة ال يشك باحث في صلتها بالفكر اليهودي إن‬
‫لم تكن أصل من أصول ديانتهم‪ ،‬وما عقيدة الماشيح في الديانة اليهودية إال‬
‫ترديد لهذه النظرة‪ ،‬ويمكن دراسة مدى تأثيرها على الفرق اإلسالمية‪ ،‬وهذا‬
‫التأثير ال نستبعده وخاصة لتلك الصالت التي وجدت بين اليهود والمسلمين‬
‫كما سبق وأن مهدنا عندما تحدثنا عن اإلسرائيليات في الفكر اإلسالمي‪ ،‬قد‬
‫تكون شقت طريقها إلى العالم اإلسالمي‪ .‬وتبدو هذه الصلة أكثر حين التحمت‬
‫هذه الفكرة بفكرة المهدي المنتظر‪ ،‬التي ساء فهمها‪ ،‬فأفرزت أخطارا ال زال‬
‫الفكر اإلسالمي يعاني من ويالتها‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ التفسير الخاطئ لفكرة المهدي المنتظر‪ ،‬وأثرها في الفكر اإلسالمي‪:‬‬
‫يتبوأ المهدي المنتظر في المأثورات اإلسالمية مكانة المصلح الديني‬
‫الذي يعيد لإلسالم نقاءه ويجدد مجده(‪.)5‬‬
‫وقد تلقفت الفرق اإلسالمية قديما هذه الفكرة وأقامت عليها تصورات‬
‫ذهنية اتسع لها التأويل والتخريج لألحاديث النبوية‪ ،‬فذهب فيها مذاهب شتى‪،‬‬
‫وبالتالي تعددت صور المهدي‪ ،‬وتباينت شروطه وأهدافه‪ .‬وبالغ غالة الشيعة‬
‫حتى انتهوا بالمهدي إلى مقام النبوة(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد إبراهيم أبو سليم‪ ،‬الحركة الفكرية في المهدية‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1941‬م) ص‪.1‬‬
‫(‪ )2‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص‪.111‬‬

‫‪253‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫لم يحسم الخالف الحاد بين العلماء المسلمين حول صحة مضمون هذه‬
‫الفكرة فمنهم من ينكرها ويعده دخيلة على الفكر اإلسالمي‪ ،‬ومنهم من يؤيدها‬
‫ويدلل على صحتها‪ .‬وليس في وسعنا أن نسترسل في إثبات هذه الفكرة أو‬
‫نفيها‪ ،‬فقد يُخرجنا ذلك عن هدفنا المنشود‪ ،‬وحسبنا أن نكشف عن االنحراف‬
‫الذي وقع في تفسير هذه الفكرة‪ ،‬ــ إن صحت ــ وعن دور اليهود في هذا‬
‫الشأن‪.‬‬
‫عالوة على ذلك ال يمكن بأية حال التوهين من شأن المناوئين لهذه‬
‫الفكرة من علماء العصر الحديث‪ ،‬مما قد يدفع بالدارسين إلى التعمق في‬
‫دراسة هذه المسألة حتى يرفع االلتباس‪.‬‬
‫فمن اآلراء الجريئة في هذا المجال ما ينسب إلى الشيخ عبد اهلل بن زيد‬
‫رئيس الشؤون الدينية للمحاكم الشرعية بدولة إذ أصدر كتابا بعنوان >ال مهدي‬
‫ينظر بعد الرسول محمد خير البشر<‪ .‬وقد علل ذلك بتعارض األحاديث فيما‬
‫بينها حول هذا الموضوع(‪.)5‬‬
‫وسار على نفس المنهج عبد المنعم النمر حيث انتهى إلى أن فكرة‬
‫المهدي المنتظر فكرة باطلة‪ ،‬وهي مدسوسة على المسلمين‪ ،‬مستعينا في ذلك‬
‫بتمحيص األحاديث المروية في هذا الباب‪ ،‬فوجدها أحاديث ضعيفة(‪.)2‬‬
‫ولإلشارة فإن ابن خلدون جمع هذه المأثورات وشكك في صحتها وعلّق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد محمد زغروت‪ ،‬أثر الفكر اليهودي في كتابة التاريخ اإلسالمي‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار‬
‫مهدي ينتظر‬
‫ّ‬ ‫التوزيع والنشر اإلسالمية‪1946 ،‬م)‪ ،‬ص‪ .11‬نقال عن‪ :‬عبد اهلل بن زيد‪ ،‬ال‬
‫بعد الرسوم محمد خير البشر‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ .14‬نقال عن‪ :‬عبد المنعم النمر‪ ،‬الشيعة‪ ،‬المهدي‪ ،‬الدروز‪ ،‬ص‪ 119‬ــ‬
‫‪.101‬‬

‫‪251‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫عليها بقوله >فهذه جملة األحاديث التي خرجها األئمة في شأن المهدي‬
‫وخروجه آخر الزمان‪ ،‬وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إال القليل‬
‫واألقل منه<(‪.)5‬‬
‫أما الشيخ رشيد رضا فقد خطا خطوة جريئة في رده على فكرة الرجعة‬
‫بصفة عامة في سياق حديثه عن رفع المسيح ‪ ،‬حيث شكك في صحة‬
‫األحاديث والمأثورات التي رويت حول نزول المسيح ورجعته‪ ،‬فأدرجها ضمن‬
‫أخبار اآلحاد‪ ،‬وال تبلغ درجة التواتر‪ ،‬وهي ال توجب االعتقاد‪ .‬والمسألة هنا‬
‫اعتقادية‪ ،‬يقول رشيد رضا‪> :‬إذن‪ ،‬حديث الرفع والنـزول في آخر الزمان فيه‬
‫تخريجان‪ ،‬أحدهما أنه حديث آحاد متعلق بأمر اعتقادي‪ ،‬ألنه من أمور الغيب‪،‬‬
‫واألمور االعتقادية ال يؤخذ فيها إال بالقطعي‪ ،‬ألن المطلوب فيها اليقين‪،‬‬
‫وليس في الباب حديث متواتر‪ ،‬وثانيها تأويل نزول عيسى وحكمه في األرض‬
‫بغلبة روحه ورسالته على الناس‪ ،‬وهو ما غلب في تعليله من األمر بالرحمة‬
‫والمحبة والسلم واألخذ بمقاصد الشريعة‪ ،‬دون الوقوف عند ظواهرها‬
‫والتمسك بقشورها دون لبابها<(‪.)2‬‬
‫وقد أنكر رشيد رضا وجود المسيح الدجال كشخص ثم نزول عيسى‬
‫لقتله‪ ،‬وأن الدجال رمز للخرافات واألساطير والدجل‪ ،‬والتي تندثر عندما تطبق‬
‫األحكام الشرعية على وجهها الصحيح‪ ،‬فيكفي البشرية القرآن والسنة(‪.)3‬‬
‫لم ينفرد رشيد رضا بهذه اآلراء‪ ،‬بل نجد صداها في بعض الكتابات‬
‫اإلسالمية المعاصرة‪ ،‬ويبدو أنه تيار بدأ يتعاظم بعد اآلثار السلبية التي خلفتها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫(‪ )2‬محمد رشيد رضا‪ ،‬تفسير المنار‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪ .‬ت)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )3‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ 111‬ــ ‪.114‬‬

‫‪251‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫فكرة الرجعة والمهدية من جراء السقوط في براثن التواكل والكسل وتعطيل‬


‫الفعاليات اإلسالمية من أي دور يمكن أن تقوم به في انتشال األمة من هذا‬
‫الواقع المتردي‪ ،‬بانتظارها لمهدي منتظر يفك أسرها‪.‬‬

‫‪ 1‬ــ التفسير الخاطئ لفكرة المهدي المنتظر وأثرها في الفكر اإلسالمي‪:‬‬


‫لقد كان للتفسير الخاطئ لفكرة المهدي المنتظر نتائجه الوخيمة على‬
‫الفكر اإلسالمي قديما‪ ،‬وال زالت هذه النتائج تنفث سمومها في هذا الفكر في‬
‫عصرنا الحاضر‪ ،‬نلخصها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ أسهم هذا التفسير الخاطئ لفكرة المهدي المنتظر في تشكيل‬
‫منظومة دينية‪ ،‬التحمت فيها األبعاد العقدية والسياسية على أيدي بعض الفرق‬
‫حتى باتت من عقائدهم األصلية‪.‬‬
‫ولإلشارة فإن هذه الفكرة ألسباب سياسية ومذهبية‪ ،‬استهوت الكثيرين‬
‫من العوام‪ ،‬فسرت بسرعة مذهلة في أوساط الناس‪ ،‬مما فتح على المسلمين‬
‫عهدا جديدا من التناحر والتخاصم‪.‬‬
‫يعلق أحمد أمين على ذلك قائال‪> :‬فنرى من هذا أن عقيدة المهدي‬
‫فشت في العلويين واألمويين والعباسيين‪ ،‬وأخذت عند كل منهم لونا‬
‫خالصا<(‪.)5‬‬
‫وغدا انقسام المسلمين إلى فرق دينية من أول مظاهر هذا التفسير‬
‫الخاطئ للمهدية‪ .‬وليس من شك كما يعترف أحد أعالم الشيعة اإلمامية‬
‫ملحا ورئيسيا في اتساع رقعة‬
‫>محمد جواد مغنية< بأن هذه المسألة كانت عامال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ضحى اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.111‬‬

‫‪251‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫الخالف بين المسلمين(‪.)5‬‬


‫لقد بلغ التناحر أوجه واستفحل خطره حين رفضت فرقة الزيدية(‪ )2‬من‬
‫اليمن الخضوع للدولة العثمانية‪ ،‬التي كانت تمثل الخالفة اإلسالمية‪ ،‬بحجة‬
‫أن وجوب إقامة إمام لها(‪.)3‬‬
‫‪ 2‬ــ إطالق العنان لتفشي الخالفات واألساطير في أوساط العوام من‬
‫المسلمين بسبب ما أحيط بشخص المهدي من رهبة وقداسة‪ ،‬مما أضفى جوا‬
‫مليئا بالخوارق والكرامات‪.)1(.‬‬
‫ولما كان من طبع العوام توق للغريب‪ ،‬والتهافت على العجيب‪ ،‬فإنهم‬
‫ملوثا‪ ،‬مكّن فيه لإلسرائيليات أن تضطلع‬
‫شغفوا بهذه المرويات مما أفرز جوا ّ‬
‫بدورها في تضليل عقول الناس‪ ،‬وبذلك غصت العقول بمآثر وبطوالت مهدت‬
‫لبروز باب كبير في مصنفات المسلمين عرفت بالمالحم‪ .‬وكان في معظمها‬
‫أثره الخطير في تخريب العقول وخضوعها لألوهام‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ القدح في عقيدة من عقائد اإلسالم الثابتة‪ ،‬وهي اإليمان بمحمد خاتم‬
‫األنبياء والمرسلين‪ ،‬وأنه ال نبي وال رسول بعده‪ .‬وقد صدق عبد المجيد النجار‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫معالم الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬نظرات في التصوف والكرامات‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الهالل‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪1941‬م)‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫الزيدية‪ ،‬أقرب فرق الشيعة من أهل السنة والجماعة‪ ،‬حيث تتصف باالعتدال واالبتعاد عن‬ ‫(‪)2‬‬
‫التطرف‪ ،‬كما أن نسبتها ترجع إلى مؤسسها زيد بن علي زيد العابدين (‪ 40‬ــ ‪110‬هـ) الذي‬
‫صاغ نظرية شيعية متميزة في السياسة والحكم‪ ،‬جاهد من أجلها وقُتل في سبيلها‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الموسوعة الميسرة في األديان والمذاهب المعاصرة‪( ،‬الرياض‪ ،‬الندوة العالمية‬
‫للشباب اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬ط‪1941 .‬م) ص‪.111‬‬
‫مجلة المنار‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عدد‪ 1‬مارس ‪1904‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬مجلد‪ ،11‬ص‪ 116‬ــ ‪.111‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أحمد أمين‪ ،‬ضحى اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.111‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪257‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫حين اعتبر أن أخطر ما أفرزته هذه المعتقدات هو فكرة استمرارية الوحي بعد‬
‫محمد‪ .‬وهو ما يخالف ركنا إسالميا أصيال‪ ،‬هو أن الرسول خاتم األنبياء‬
‫والمرسلين(‪.)5‬‬
‫وتبرز خطورة هذه الفكرة فيما آل إليه األمر من ظهور العديد من‬
‫النبوءات في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬وما أحيط حولهم من أخبار ومرويات وجلها‬
‫من نسج الخيال واألوهام‪ .‬فمن مزاعمهم أن المهدي يملك القسطنطينية‪،‬‬
‫وسيفتح رومية وأنطاكية‪ ،‬وأخبار عن فتح األندلس(‪ ،)2‬وبلغ الخطر أوجه من‬
‫جراء قيام الثورات المتتالية في تاريخ المسلمين‪.‬‬
‫ففي كل عصر يطل إمام أو أئمة كلهم يدعي أنه المهدي المنتظر‪.‬‬
‫وتؤازره جماعة من الناس‪ ،‬كالذي كان من المهدي زعيم الدولة الفاطمية(‪.)3‬‬
‫ومهدي السودان(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬مباحث في منهجية الفكر اإلسالمي‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫(‪ )2‬أحمد أمين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص ‪ 111‬ــ ‪111‬‬
‫(‪ )3‬أحمد أمين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫(‪ )1‬مهدي السودان‪ :‬هو محمد أحمد بن عبد اهلل المهدي‪ ،‬من السودان‪ ،‬ينتسب إلى أسرة‬
‫تعرف باألشراف‪ ،‬ولد حوالي سنة ‪1160‬هـ‪1411 ،‬م‪ ،‬وقد أظهر شغفا شديدا بالعلم وميال‬
‫التدين‪ ،‬وقد اشتهر بين أقرانه بالزهد والتقوى والورع‪ ،‬ويبدو أن هذه الصفات قد‬
‫طبيعيا إلى ّ‬
‫جلبت له نوعا من االحترام والتقدير‪ ،‬وفي عام ‪1441‬م أصدر فتواه بإعالن الجهاد ضد‬
‫الكفار والمستعمرين اإلنكليز‪ .‬وأخذ يعمل على بسط نفوذه في جميع أنحاء غرب‬
‫السودان‪ ،‬ثم اعتكف أربعين يوما في غاره بجزيرة آبـا‪ ،‬وفي غرة ‪ 19‬يونيو ‪1441‬م أعلن‬
‫للفقهاء والمشايخ واألعيان أنه المهدي المنتظر الذي سيمأل األرض عدال‪ ،‬كما ملئت جورا‬
‫وظلما‪.‬‬
‫قابل قوة الحكومة التي أرسلت إلخماد حركته في أغسطس ‪1441‬م‪ .‬وحقق انتصارا د ّعم=‬

‫‪258‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫يعبر أحمد أمين عن هذا الواقع بمرارة قائال‪> :‬ولو أحصينا عدد من‬
‫خرجوا في تاريخ اإلسالم وادعوا المهدية‪ ،‬وشرحنا ما قاموا به من ثورات‪،‬‬
‫وما سببوا من تشتيت الدولة اإلسالمية وانقسامها‪ ،‬وضياع قوتها لطال بنا‬
‫القول‪ ،‬ولم يكفنا كتاب مستقل<(‪.)5‬‬
‫ومما يؤيد كالم أحمد أمين‪ ،‬أن البابية والبهائية‪ ،‬كانتا ثمرتين فاسدتين‬
‫من ثمار هذا التفسير الخاطئ(‪.)2‬‬
‫‪ 1‬ــ االنحراف الفكري الذي لحق ببعض المتصوفة من جراء تعلقهم‬
‫بفكرة المهدية‪ ،‬حيث أعادوا صياغتها في قالب يتفق ومملكتهم الروحية‪.‬‬
‫يع ّد محيي الدين بن عربي من أشهر المتصوفة الذين أسهبوا في الحديث‬
‫عن فكرة المهدي المنتظر في كتابه >الفتوحات المكية<‪ ،‬حيث أفرد لها بابا‬
‫خاصا هو >عنقاء مغرب<‪ .‬أورد فيه ابن عربي النبوءات وما يشبه التنجيم يعلي‬
‫من شأن المهدي‪ ،‬فينـزله منـزلة تقربه من النبوة‪.‬‬
‫يعطي ابن عربي صورا مثالية للمهدي المنتظر‪ ،‬فهو قطب صوفي كبير‪،‬‬
‫يدبر األمر في كل عصر‪ ،‬وهو عماد السماء‪ ،‬ولواله الضطربت قوانين الكون‪.‬‬‫ّ‬
‫ويلي القطب النجباء‪ ،‬وهم اثنا عشر نقيبا وقف عدد بروج الفلك في كل‬
‫زمان‪ .‬وكل نقيب عالم بخاصية برج وبما أودع اهلل في مقامه من أسرار‪ ،‬وعنده‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= موقفه ودعواه‪ .‬مما جعله يستولي على الخرطوم عام ‪ .1441‬ثم بدأ في تأسيس دولته ببناء‬
‫مسجده الخاص‪ .‬وفي ‪ 11‬يونيو ‪ 1441‬توفي المهدي بعد أن أسس أركان دولته‪ .‬ودفن في‬
‫المكان الذي قبض فيه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الموسوعة الميسرة في األديان والمذاهب المعاصرة‪ ،‬ص‪ 161‬ــ ‪.161‬‬
‫(‪ )5‬محمد محمد زغروت‪ ،‬أثر الفكر اليهودي في كتابة التاريخ اإلسالمي‪40 ،‬‬
‫(‪ )2‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص ‪ 111‬ــ ‪.111‬‬

‫‪257‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫علوم الشرائع‪ ،‬وأن إبليس مكشوف عندهم(‪.)5‬‬


‫يطل علينا ابن عربي بنظام متناسق في صورة مملكة مثالية‪ ،‬قوامها‬
‫األولياء والصالحون يترأسها المهدي خاتم األولياء‪ ،‬وأننا نجد صدى هذه‬
‫اآلراء عند مهدي السودان‪ ،‬وبذلك تكاد تكون دولته نموذجا تطبيقيا لما تخيله‬
‫ابن عربي‪ .‬وقد سار على نفس المنوال العديد من المتصوفة(‪.)2‬‬
‫وغالى بعضهم في ذلك وأفرطوا في تأويل النصوص واستعملوا الرموز‬
‫مهد السبيل لنفوذ الفكر اليهودي في العديد من تعاليمهم‪.‬‬
‫واإلشارات مما ّ‬
‫ومما يدعم ذلك أن بعض مصنفات المتصوفة وردت إلينا مفعمة بما‬
‫يتداوله اليهود من أساطير وخرافات‪ ،‬وبرموزهم الخاصة التي يستعملونها في‬
‫محافلهم الماسونية‪ ،‬مثل اسم اإلله األعظم الذي يمثل النجمة السداسية(‪ .)3‬لقد‬
‫أورد الصوفي >محمد عبد اهلل الكاسي< في رسالته قائال‪ ..> :‬ولكن من حيث‬
‫الوجه الرحماني المقدس‪ ،‬فقد أخذ نبي اهلل داود ‪ ‬الرسم الرحماني‬
‫السداسي العرش االسم األعظم >اهلل‪ ...‬رحمن< والذي صورته هكذا‪ :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬أحمد أمين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )2‬محمد إبراهيم أبو سليم‪ ،‬الحركة الفكرية في المهدية‪ ،‬ص‪ 1‬ــ ‪.1‬‬
‫(‪ )3‬نجمة داود‪ ،‬النجمة اليهودية‪ ،‬النجمة السداسية‪ :‬تعتبر هذه النجمة من أكثر الشعارات داللة‬
‫من الناحيتين الدينية والسياسية‪ .‬وهي ليست لها جذور يهودية أو عبرية‪ .‬ولكنها وجدت‬
‫على جدران المعابد القديمة مع عدد من النجوم الخماسية‪ .‬والبعض أطلق عليها خاتم‬
‫سليمان‪.‬‬
‫والتلمود يذكر أن خاتم سليمان كان محفورا بنجمة سداسية رم ًزا للسيادة على الشياطين‪.‬‬
‫ويقال إنها كانت محفورة على درع الملك داود‪ .‬ولذلك فهي نجمة داود‪.‬‬
‫انظر‪ :‬هارفي لوتسك‪ ،‬عادات وتقاليد اليهود‪ .‬ترجمة مصطفى الرز (القاهرة‪ ،‬دار سلمى‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪1991 ،1‬م) ص‪.14‬‬

‫‪221‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫وإلى جانب ذلك وردت بعض الطالسم لمريدين‪ ،‬وهي طالسم ملوثة‬
‫بالفكر اليهودي التلمودي(‪.)5‬‬
‫‪ 1‬ــ واعتقاد فريق من المسلمين برجعة األئمة وانتظارهم المهدي‪،‬‬
‫عطّلهم عن إصالح واقعهم وأصابهم بما يشبه الشلل‪ ،‬وذلك بترقب وانتظار‬
‫ذلك اليوم الموعود‪ .‬ولقد ع ّدها األستاذ شفيق منير >من التحديات التي‬
‫يواجهها الفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬وذلك مما دفع باألبحاث اإلسالمية‬
‫المعاصرة أن تدعو اإلنسان المسلم لتحمل مسؤوليته في امتالك مصيره ونفض‬
‫غبار التواكل والكسل عن كاهله‪ ،‬واألخذ بزمام المبادرة<(‪.)2‬‬
‫كون الصوفية مملكة باطنية وراء المملكة‬‫يقول أحمد أمين‪> :‬وهكذا ّ‬
‫الظاهرية اتخذوا فيها فكرة المهدي‪ ،‬وغيروا ألفاظها‪ ،‬وكملوا نظامها‪ ،‬وكلها‬
‫نسيج في الخيال‪ ،‬وجري وراء أوهام‪ ،‬كلها شعر‪ ،‬ولكنه ليس شعرا لذيذا‪ ،‬بل‬
‫هو شعر أفسد على الناس عقائدهم وأعمالهم‪ ،‬وأبعدهم عن المنطق في‬
‫التصرف في شؤون الحياة‪ ،‬وقعد بهم عن المطالبة بإصالح الحكم وتحقيق‬
‫العدل‪ ،‬فكانوا يهيمون في أودية الخيال‪ ،‬والحكام يهيمون في أودية الفساد‪.‬‬
‫وكأنهم تواضعوا على ذلك‪ ،‬فالحاكم يفسد‪ ،‬والشعب يحلم‪ ،‬وحالة األمة‬
‫تسوء<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد محمد زغروت‪ ،‬أثر الفكر اليهودي في كتابة التاريخ اإلسالمي ص‪ 101‬ــ ‪.101‬‬
‫نقال عن محمود ثابت الشاذلي‪ ،‬الماسونية ص‪ .10‬نقال عن محمد عبد اهلل محمد عبد اهلل‬
‫الكاسي‪ ،‬الرسالة في وقوع إشارة الرسم الخامس األكرم على عبارة اسم اهلل األعظم‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفكر اإلسالمي المعاصر والتحديات >ثورات‪ ،‬حركات‪ ،‬كتابات< (الكويت‪ ،‬دار القلم‪،‬‬
‫ط‪1991 ،1‬م) ص‪.61‬‬
‫(‪ )3‬ضحى اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.116‬‬

‫‪225‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫وفي األخير ينبغي التذكير بأن هذه المالبسات التي رافقت هذه الفكرة‬
‫إنما نتجت من تالحم فكرة المهدية والرجعية التي قال بها الفكر اليهودي‬
‫التلمودي‪.‬‬
‫هذه أهم التحديات اليهودية التلمودية القديمة التي واجهت الفكر‬
‫العقدي اإلسالمي‪ ،‬وال زالت تبث سمومها في هذا الفكر إلى عصرنا الحالي‬
‫عن طريق إحيائها من جديد من قبل لفيف من المستشرقين المعاصرين‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪222‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫املطلب الثاني‪ :‬التحديات املعاصرة‬

‫عمل المخطط االستشراقي على تطوير أسلوبه‪ ،‬في محاوالته لتقويض‬


‫العقيدة اإلسالمية‪ ،‬حيث لم تنحصر هذه المحاوالت في تشويه العقيدة في‬
‫نفوس أتباعها عن طريق بث بعض الخرافات واألباطيل فحسب‪ ،‬بل امتد‬
‫خطرها إلى إنكار العقيدة أصال‪ ،‬وإبطالها بدعوى تفشي فكرة النـزعة المادية‬
‫وإخضاع الدراسات واألبحاث لها‪.‬‬
‫ولذلك نطرح األسئلة اآلتية‪:‬‬
‫ما هي عالقة النـزعة المادية بالفكر اليهودي التلمودي قديما وحديثا؟‬
‫وكيف أخذ المشروع على عاتقه توظيف الفكر المادي في محاوالته‬
‫لمسخ العقيدة اإلسالمية وإنكارها؟‬
‫وما هي األخطار التي واجهتها العقيدة من جراء ذلك؟‬

‫أوال‪ :‬الرتويج للتفسري املادي‪:‬‬


‫مع أن التفسير المادي يعد نتاجا للفكر الحديث إال أننا نجد له جذورا‬
‫في الفكر اليهودي القديم‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ جذور النـزعة المادية في الديانة اليهودية التلمودية‪:‬‬
‫أفلحت الديانة اليهودية في عصر موسى ‪ ‬في إزاحة الفكر الديني‬
‫الطبيعي الذي خيم على الساحة الدينية آنذاك‪ ،‬والذي ارتبطت أركانه بالطبيعة‪،‬‬

‫‪223‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫والمستمد لتطوراته منها‪ ،‬حيث برزت عناصر الطبيعة المختلفة كآلهة تعبد من‬
‫دون اهلل كالماء والنار(‪.)5‬‬
‫أقام موسى ‪ ‬الذي طبع الديانة األولى بتعاليمه دعوته على عبادة‬
‫اهلل الواحد القهار الذي ال تدركه األبصار‪ ،‬ونهاهم عن الشرك‪ ،‬فبدت الطبيعة‬
‫في دعوة موسى كقوة مخلوقة بعد أن كانت خالقة‪ ،‬وبدأت عقيدة تشرق ويمأل‬
‫نورها اآلفاق بفضل موسى ‪.‬‬
‫والمؤسف له أن الديانة لم تحافظ على صفائها‪ ،‬فقد مسها التحريف‬
‫والتزوير‪ ،‬وتسللت إليها أفكار جديد أعطتها لونا جديدا غير ذلك اللون األول‪،‬‬
‫الذي ُعرفت به إبان موسى ‪ ،‬حيث طغت النـزعة المادية على جميع‬
‫تعاليم الديانة اليهودية‪ ،‬وبذلك دخلت الديانة عهدا جديدا استبعد فيه المصدر‬
‫األعلى وحل محله التفسير الطبيعي الوضعي‪.‬‬
‫وبذلك انغمس اليهود في المادية المفرطة‪ .‬وقد وصفهم أبو زهرة قائال‪:‬‬
‫>فعكفوا على المادة واستغرقتهم‪ ،‬واستولت على أهوائهم ومشاعرهم‪ ،‬حتى‬
‫لقد كانوا نساك وسدنة الهيكل عندهم‪ ،‬وقد فاتهم العمل على كسب المال من‬
‫أبوابه الدنيوية‪ ،‬يجمعون المال من نذور الهيكل والقرابين التي يتقرب بها‬
‫الناس‪ ،‬ويحرصون على ذلك أشد الحرص‪ ،‬ولم يكتفوا بذلك‪ ،‬بل أصبح‬
‫التفسير المادي يطبع ديانتهم فزعموا أن اإلنسان جسم ال روح فيه‪ ،‬وأنه ليس‬
‫إال تلك األعضاء والعناصر التي يتكون منها<(‪.)2‬‬
‫مس ركنين أساسيين‪:‬‬
‫وبذلك أصيبت الديانة اليهودية بتصدع عنيف‪ّ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد خليفة حسن أحمد‪ ،‬دراسات في تاريخ وحضارات الشعوب السامية القديمة‪،‬‬
‫ص‪.149‬‬
‫(‪ )2‬محاضرات في النصرانية‪( ،‬الجزائر‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬دار الشهاب‪ ،‬د‪ .‬ط‪1949 .‬م) ص‪.91‬‬

‫‪221‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫* األلوهية‪:‬‬
‫إن قضية األلوهية سواء اتجهت للوحدانية أو للتعدد‪ ،‬لم تكن شديدة‬
‫التغلغل في نفوس بني إسرائيل‪ ،‬فقد كانت المادية والتشبث بالمنفعة الدنيوية‬
‫من أكثر ما يستهوي أفئدتهم ويستدعي اهتمامهم‪ ،‬فالمتفحص لصفات اهلل في‬
‫العهد القديم‪ ،‬ــ كما سبق وأن ذكرنا ــ يجدها مرآة تعكس ميول بني إسرائيل‬
‫وصفاتهم ورغباتهم‪ ،‬فهو يتصف بما يتصفون به من غدر وعنف وميل إلى‬
‫السلب والنهب واالستيالء على خيرات اآلخرين‪ ،‬إلى جانب ذلك هو أقرب‬
‫إلى زعيم عصابة ينتصر ألفراد عصابته‪ ،‬ويدافع عنهم ويحرضهم على سفك‬
‫الدماء وقتل األبرياء واغتصاب األرض والشعوب‪.‬‬
‫وتبعا لذلك لم تثبت قضية األلوهية على نسق واحد عبر تاريخهم‪ ،‬بل‬
‫اعتراها التغيير طيقا لميول اليهود ورغباتهم‪ .‬لذلك نجد اإللهة في صورته‬
‫الجديدة يتجسد في تربة فلسطين‪.‬‬
‫يعلق أحمد شلبي على ذلك بقوله‪> :‬إن اليهود لم يعرفوا اإلله الحق في‬
‫أكثر تاريخهم‪ ،‬وهم اآلن يتغذون تراب فلسطين إل ًها لهم‪ .‬إن تراب فلسطين‬
‫رمز للمادة التي تحكمت في الفكر اليهودي على مر التاريخ<(‪.)5‬‬

‫* عقيدة اليوم اآلخر‪:‬‬


‫تبوأت عقيدة اليوم اآلخر الصدارة على جانب األلوهية في دعوة موسى‬
‫‪ ،‬فقد ذكر القرآن الكريم أن عقيدة اليوم اآلخر كانت من العقائد األولى‬
‫التي أوحيت إلى موسى ‪ ،‬منذ أول اتصال له بالوحي اإللهي‪ .‬يقول‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬اليهودية‪ ،‬ص‪.191‬‬

‫‪221‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫تعالى‪{ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﭑﭒﭓﭔ‬
‫ﭕﭖ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ}(‪.)5‬‬
‫تدل هذه اآليات على أن اإليمان بالبعث بعد الموت واليوم اآلخر كان‬
‫ركنا أصيال في دين موسى ‪ ،‬ولكن األمر عكس ذلك في التوراة‪،‬‬
‫فالمتفحص لفقراتها ال يكاد يعثر على ذكر لليوم اآلخر‪ ،‬كما تنعدم فيها‬
‫اإلشارة إلى الجزاء األخروي‪ .‬وأقصى ما تقدمه التوراة أن الجزاء فيها دنيوي‬
‫بحت‪ ،‬فمن اعتنق الديانة اليهودية والتزم بتعاليمها‪ ،‬فإنه يثاب على ذلك‪،‬‬
‫وثوابه في هذه الحياة الدنيا‪ ،‬ومن جحد واستكبر فإنه يعاقب على ذلك‪،‬‬
‫وعقابه إنما يكون في هذه الحياة الدنيا(‪.)2‬‬
‫مما ال شك فيه أن الحديث عن اليوم اآلخر قد حذف من التوراة عم ًدا‪،‬‬
‫بعد أن انغمس بنو إسرائيل في المادية المفرطة وركنوا إلى ملذات هذه الحياة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة طه‪ ،‬اآليات‪ 9 :‬ــ ‪11‬‬
‫(‪ِ )2‬سفر الالويين‪ ،‬اإلصحاح ‪ ،16‬فقرة‪ 1‬ــ ‪.11‬‬
‫وسفر التثنية‪ ،‬اإلصحاح ‪ ،14‬فقرة‪ 1 :‬ــ ‪.11‬‬
‫ولإلشارة فإن القرآن الكريم يتضمن آيات تشير إلى الجزاء الدنيوي ثوابا وعقابا‪ ،‬ولكن إلى‬
‫جانب الجزاء الدنيوي‪ ،‬هناك جزاء أخروي في النعيم المقيم أو في العذاب األليم‪ .‬ومن‬
‫اآليات التي تتحدث عن الجزاء الدنيوي هذه اآليات‪{ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ}‬
‫(سورة النحل‪ :‬آية ‪ .)91‬وكذلك قوله تعالى‪{ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ} (سورة طه‪ ،‬آية ‪)11‬‬

‫‪221‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫الدنيا‪ .‬ويصدق فيهم قوله تعالى‪{ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ}(‪.)5‬‬


‫من تصدع داخلي عنيف‬ ‫‪‬‬ ‫هكذا كانت الديانة اليهودية بعد موسى‬
‫ه ّز عقائدها من األصول واألركان‪.‬‬
‫ولنا أن نسأل‪ :‬كيف حدث كل هذا االنقالب في الديانة؟ ومن أين‬
‫تسللت إليها هذه النـزعة المادية‪ ،‬وهي الرسالة السماوية التي أعلت من شأن‬
‫التوحيد؟‬
‫يُعزى هذا التحول الذي مس الديانة اليهودية إلى إهمال اليهود للمصدر‬
‫الحقيقي للعقيدة وهو الوحي‪ ،‬وانسياقهم خلف مصادر أخرى نتيجة لألحداث‬
‫التي حلت بهم‪ ،‬سواء في مصر أم فلسطين أم في بابل‪.‬‬
‫ففي مصر احتكوا بالشعب المصري‪ ،‬وحدث تبادل ثقافي بينهم‪ ،‬حيث‬
‫أكد المؤرخ >جيمس هنري بريستد< بأن عقيدة اليهود مفعمة بالعقائد األجنبية‬
‫خاصة المصرية القديمة‪ ،‬وأن الفكر المصري يعد مصدرا رئيسيا للكتاب‬
‫المقدس(‪.)2‬‬
‫لذلك يتفق علماء اآلثار المصرية من نقاد الكتاب المقدس على أن أدب‬
‫التوراة مدين في معظمه لألدب المصري‪ ،‬فالمزمور الرابع والتسعون مثال‪،‬‬
‫مستوحى بصورة جلية من المعاني التي ذكرها أختانون في قصيدته حول‬
‫الشمس(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.96‬‬
‫(‪ )2‬فجر الضمير‪ ،‬ترجمة سليم حسن‪( ،‬مصر‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت) ص‪.111‬‬
‫(‪ )3‬أندريه إيمار وجايين أوبوايه‪ ،‬تاريخ الحضارات العامة >الشرق واليونان القديمة< ترجمة ــ م‬
‫ــ دافر‪ ،‬وفؤاد ج ــ أبو ريحان‪( .‬بيروت‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬ط‪1941 ،1‬م)‪ ،‬ص‪ 164‬ــ‬
‫‪.169‬‬

‫‪227‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫إلى جانب ذلك تأثر اليهود بالفكر البابلي حين دخولهم أرض فلسطين(‪،)5‬‬
‫واحتكاكهم بقبائل أكثر تحضرا منهم‪ ،‬وقد أشار العقاد إلى هذا قائال‪> :‬وكذلك‬
‫اعتمد اليهود على الكنعانيين في شؤون الثقافة والفن‪ ،‬ولم ينته اعتمادهم‬
‫عليهم عند مطالب التجارة والصناعة‪ ،‬فنقلوا عنهم الكتابة وأوزان الشعر‬
‫وأناشيد الصلوات‪ ،‬وحدث غير مرة أنهم تركوا عقائدهم وتحولوا عنها إلى‬
‫عقائد الكنعانيين<(‪.)2‬‬
‫ولقد سلّطت الدراسات األثرية الضوء على نصوص بابلية دينية‪ ،‬تسللت‬
‫إلى الديانة اليهودية‪ ،‬وخاصة منها قصة الخليقة‪ .‬وهي نصوص تعود إلى زمن‬
‫يسبق عودة اليهود إلى فلسطين(‪.)3‬‬
‫ويعزو بعض الباحثين لفظ >يهوه< كما هو مذكور عند اليهود وفي صيغ‬
‫مختلفة‪ ،‬ال يتصل بالعبرية(‪ ،)1‬بل باللغة الكنعانية‪ ،‬وحتى عقيدة المسيح‬
‫المخلص‪ ،‬والتي برزت في الفكر اليهودي في وقت متأخر‪ ،‬وميزت الديانة‬
‫خاصة إبان عصر المسيح‪ ،‬لم تظهر إال بعد سقوط مملكة اليهود‪ ،‬وأسرهم في‬
‫بابل ثم خضوعهم للفرس‪ ،‬مما دفع كثيرا من الباحثين إلى االعتقاد بأن فكرة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬دخول البابليين إلى أرض فلسطين تعود حين أغار بختنصر ملك بابل على فلسطين عام‬
‫‪ 196‬ق‪ .‬م‪ .‬فأزال عرش بني إسرائيل وأخذ الكثير منهم إلى بابل‪ ،‬فظلوا في األسر زهاء‬
‫خمسين سنة‪.‬‬
‫انظر‪:‬‬

‫(‪ )2‬حياة المسيح‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار الهالل‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت)‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫(‪ )3‬فؤاد حسنين علي‪ ،‬التوراة الهيروغليفية‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار الكتاب العربي للطباعة والنشر‪ ،‬د‪.‬‬
‫ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت)‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 6‬ــ ‪.1‬‬

‫‪228‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫المنقذ المخلص مستعارة من الديانة الزرادشتية(‪.)5‬‬


‫هكذا دخلت الديانة اليهودية عهدا جديدا فتحت فيه األبواب على‬
‫مصاريعها لدخول األفكار واآلراء المختلفة‪ ،‬وبدأت الديانة تبتعد عن جذورها‪.‬‬
‫وقد بلغ األمر ذروته عند تعاطي اليهود للفكر اليوناني الذي حمل معه النـزعة‬
‫المادية إلى الديانة اليهودية‪.‬‬
‫ليس من شك في أن األفكار اليونانية قديما انتشرت في كل جهات‬
‫العالم‪ ،‬فاستهوت عقول المثقفين اليهود بعد أن ابتعدت اليهودية عن جذورها‪،‬‬
‫فبدأوا في تقليد اليونانيين في جميع المظاهر فرفضوا الختان‪ ،‬ولبسوا ثيابهم‬
‫على الطريقة اليونانية‪ ،‬وحتى كتابهم المقدس لم يسلم من التأثير كما يتضح‬
‫جليا في ِس َفري الجامعة والحكمة‪ .‬ويبدو من مؤلف السفر األخير أنه ملم‬
‫بالفلسفة اليونانية‪ ،‬خاصة عن مفهوم اآللهة التي ال تتصل مباشرة بالعالم‪ .‬وبرز‬
‫فالسفة يهود جهدوا في التوفيق بين الفلسفة اليونانية والديانة اليهودية أشهرهم‬
‫>فيلون(‪ <)2‬الذي ل ُ ّقب بأفالطون اليهود(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد خليفة حسن أحمد‪ ،‬دراسات في تاريخ وحضارات الشعوب السامية القديمة‪،‬‬
‫ص‪.11‬‬
‫(‪ )2‬فيلون ‪ :Philo judaens‬أول فيلسوف يهودي جمع بين الفلسفة والالهوت‪ ،‬ويعد الهوتيا‬
‫أكثر مما يعد فيلسوفا‪ ،‬فاألصل عنده هو الدين ولم يكن الفلسفة‪ .‬ينفرد فيلون عمن سبقه‬
‫من الباحثين اليهود بأننا نجد لديه المسألة الدينية قد وقعت ألول مرة في صيغة فلسفية‪.‬‬
‫المبادئ العقلية التي تقوم عليها الحقيقة الدينية‪ .‬وقد جهد طول حياته لرفع االلتباس الذي يقع‬
‫في فهم نصوص الكتاب المقدس‪ ،‬ومحاولة إخضاع العلوم الفلسفية لخدمة ديانته اليهودية‪.‬‬
‫وبذلك عرف عنه التفسير الرمزي للنصوص الدينية‪ .‬وقد ظهر في عصر المسيح عليه السالم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة الفلسفة‪( ،‬بيروت‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات‬
‫والنشر‪ ،‬ط‪1941 ،1‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 119‬ــ ‪.114‬‬
‫(‪ )3‬اندريه إيماروجانين‪ ،‬أوبوايه‪ ،‬تاريخ الحضارات العامة‪> .‬الشرق واليونان القديمة<‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص‪ 144‬ــ ‪.149‬‬

‫‪227‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫يقول أحمد أمين‪> :‬وكان بين الوثنية اليونانية واليهودية نزاع شديد في‬
‫الشرق‪ ،‬وحظر كثير من اليهود أن يتعلموا اللغة اليونانية‪ ،‬ويتكلموا بها‪ ،‬وكان‬
‫هذا النزاع في نوع الحياة االجتماعية والثقافية وفي الدين‪ ،‬فاضطر كثير من‬
‫اليهود أن يبدلوا حياتهم وأنظارهم نحو الحياة اليونانية<(‪.)5‬‬
‫وبذلك تناسى اليهود دينهم ولغتهم‪ ،‬حتى أصبحوا في حاجة إلى ترجمة‬
‫يونانية للعهد القديم‪ ،‬والمعروفة باسم السبعينية(‪.)2‬‬
‫وتأتي النـزعة المادية في طليعة األفكار التي وجدت قابلية للنفوذ في‬
‫عقول المثقفين اليهود‪ ،‬حيث برزت هذه النـزعة المادية في جميع مرافق الحياة‬
‫الفكرية لليونان‪ ،‬من علم وفن ودين وسياسة‪ ،‬لدرجة اعتبار اهلل والنفس وحتى‬
‫الصفات أجساما مصنفة ضمن الكائنات الحية(‪.)3‬‬
‫وبمرور الوقت ترسخت النـزعة المادية في الفكر اليهودي حيث أرسى‬
‫عليها قواعده وأقام أنظمة متعددة من السلطة الروحية‪.‬‬
‫بعد هذا العرض للظروف والمالبسات التي واكبت تغلغل النـزعة المادية‬
‫في الفكر اليهودي‪ ،‬للباحث أن يطرح جملة من األسئلة‪:‬‬
‫كيف تم توظيف هذه النـزعة من قبل بعض المستشرقين في توجيه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ضحى اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.110‬‬
‫(‪ )2‬الترجمة السبعينية‪ :‬هي الترجمة اليونانية للتوراة‪ .‬ويذكر المؤرخون أن بطليموس الثاني‬
‫فيالدلفوس (‪ 141‬ــ ‪ 111‬ق‪ .‬م‪ ).‬أمر الحاخام األكبر الياعازار بتحقيق رغبته في ترجمة‬
‫التوراة إلى اليونانية مع اثنين وسبعين عالما‪ ،‬فترجموا العهد القديم إلى اليونانية في اثنين‬
‫وسبعين يوما‪ .‬لذلك أطلق على هذه الترجمة السبعينية‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فؤاد حسنين علي‪ ،‬التوراة الهيروغليفية‪ ،‬ص ‪ 16‬ــ ‪.11‬‬
‫(‪ )3‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة الفلسفة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.111‬‬

‫‪231‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫سمومها إلى العقيدة اإلسالمية؟‬


‫وكيف تسربت إلى المجتمع اإلسالمي مع ما تحمله من كفر صريح؟‬
‫ثم هل أدخلها المستشرقون تحت شعارات براقة تخفيها تيارات‬
‫وإيديولوجيات مختلفة؟‬
‫وماذا لحق بالعقيدة اإلسالمية من جراء ذلك؟‬
‫لإلجابة عن هذه األسئلة ينبغي التذكير بأن النـزعة المادية شقت طريقها‬
‫إلى العديد من التيارات والمذاهب في العصر الحديث(‪.)5‬‬
‫وحسبنا هنا أن نعرج على الشيوعية ‪ ،communism‬التي أضحت معوال‬
‫رئيسيا في محاربة العقيدة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ 1‬ــ التفسير المادي ومشروعه في تقويض العقيدة اإلسالمية‪:‬‬


‫* مفهوم التفسير المادي‪:‬‬
‫ينسب التفسير المادي لألحداث التاريخية إلى اليهودي األلماني كارل‬
‫ماركس‪ ،‬الذي أقامه على مبدأ الصراع بين الطبقات المتفاوتة‪ ،‬والذي يستمر‬
‫حتى يبرز المجتمع الالطبقي‪ ،‬عند ذلك ينتهي الصراع‪.‬‬
‫وينطلق ذلك التفسير من خالل النمط االقتصادي السائد في المجتمع‪،‬‬
‫إذ إنه يربط جميع أنماط الحياة باإلنتاج المادي‪ ،‬الذي يتمخض عنه بالضرورة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫طوروا أبعادها‬
‫وتحمس لها فيما بع ُد كثيرون‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )5‬نظرية التطور التي جاء بها شفارلس داروين‪،‬‬
‫الفلسفية‪ ،‬مبنية أساسها على المنهج المادي‪.‬‬
‫والوجودية التي من أشهر أعالمها في هذا العصر جول بول سارتر‪ ،‬هي فلسفة مادية ملحدة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬عبد المجيد عمر النجار‪ ،‬مباحث في منهجية الفكر اإلسالمي‪ ،‬ص‪.111‬‬

‫‪235‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫تطور حتمي نحو طور معين من أطوار الحضارة اإلنسانية(‪.)5‬‬


‫وكنتيجة لهذا فإننا نستطيع القول بأن التفسير المادي يُعنَى بدراسة‬
‫الوقائع التاريخية‪ ،‬على أنها أفعال وردود أفعال متبادلة‪ ،‬بين أفراد اإلنسان أو‬
‫المجتمعات في عالم مغلق‪ ،‬هو كل ما يوجد‪ ،‬ومنه‪ ،‬فالتفسير المادي للتاريخ‬
‫يسقط من التاريخ أو من حياة األفراد والجماعات أي عنصر‪ ،‬يجاوز اإلنسان‬
‫أو يستند إلى مبادئ روحية أو غيبية‪.‬‬
‫وبتعبير أدق‪ ،‬فإن التفسير المادي يهتم بتفسير األحداث التاريخية‪،‬‬
‫تفسيرا ماديا‪ ،‬ينكر الوحي واأللوهية‪ ،‬كحقائق فاعلة‪ ،‬أثرت وتؤثر في التاريخ‬
‫وتطوره‪.‬‬
‫ومنه استند التفسير المادي إلى جملة ركائز‪ ،‬حددت معالمه واتجاهاته‪.‬‬
‫‪ o‬الصناعة الحقيقية للتاريخ يقوم بها الشعوب فقط‪ ،‬فهم القوة الفاعلة‬
‫والحاسمة في التطور االجتماعي‪ ،‬وبصفة خاصة الطبقة الكادحة العاملة‪.‬‬
‫‪ o‬صناعة التاريخ ال تتحقق وفق إدارة واختيار الشعوب‪ ،‬بل تتحقق‬
‫طبقا للظروف الموضوعية‪ ،‬كحال اإلنتاج المحددة والمعينة بالظروف‬
‫التاريخية‪.‬‬
‫‪ o‬اإلنتاج المادي والوضع االقتصادي يحددان مسار التطور االجتماعي‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬إسماعيل سفر‪ ،‬وعارف دليلة‪ ،‬تاريخ األفكار االقتصادية‪( ،‬دمشق‪ ،‬منشورات جامعة‬
‫دمشق‪ ،‬ط‪1000 ،10‬م)‪ ،‬ص‪ 101‬ــ ‪.106‬‬
‫ــ محمد كمال إبراهيم جعفر‪ ،‬في الدين المقارن‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار الكتب الجامعية‪ ،‬د‪ .‬ط‪.‬‬
‫‪1910‬م)‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫ــ محمد قطب‪ ،‬اإلنسان بين المادية واإلسالم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار الشروف‪ ،‬ط‪1991 ،1‬م)‪،‬‬
‫ص‪.11‬‬

‫‪232‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫‪ o‬نجاح وتفاقم الشعوب في صناعة تاريخها مرتبط أصال بتقدمها المادي‪.‬‬


‫ومن النتائج المترتبة عن هذه الركائز إسقاط األلوهية وإلغاء الدين كله‬
‫واعتباره أفيون الشعوب(‪.)5‬‬

‫* خطر التفسير المادي على العقيدة اإلسالمية‪:‬‬


‫عمد االستشراق المعاصر إلى توظيف التفسير المادي في محاوالته‬
‫لمسخ العقيدة اإلسالمية‪ .‬تتمثل هذه األخطار فيما يلي‪:‬‬
‫محاولة فرض المادية على تفسير الفكر اإلنساني عامة والفكر اإلسالمي‬
‫خاصة‪ ،‬فالمادية حملت معها معارضة شديدة للوحي اإللهي والغيبيات‬
‫والروحانيات‪ ،‬وكل ما يتصل بالعقيدة اإلةيهل‪ .‬فمن المعلوم أن عصر التنوير‬
‫الذي شهده الغرب في العصر الحديث أطلق على الدور الذي قامت به‬
‫الفلسفة المادية في هدم كل ما يتصل بالمسيحية وتحرير الفكر من أغاللها(‪.)2‬‬
‫يعتقد >أنور الجندي< أن هذا االنقالب الفكري الذي حدث في عصر‬
‫التنوير كان مؤشرا حقيقيا لبداية الغطرسة المادية اليهودية‪ ،‬فيقول‪> :‬وكان هذا‬
‫هو بداية السيطرة التلمودية الصهيونية على الفكر الغربي المسيحي‪ ،‬ونقله إلى‬
‫مجال المادية‪ ،‬حيث ارتفعت الدعوات بأن ال حاجة لعقل اإلنسان بأن يرجع‬
‫إلى الوحي<(‪.)3‬‬
‫لم تسلم العقيدة اإلسالمية من هذه الحملة الشرسة التي تعمل على قلع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد كمال إبراهيم جعفر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫(‪ )2‬المخططات التلمودية الصهيونية اليهودية في غزو الفكر اإلسالمي‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار‬
‫االعتصام‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت‪ ،).‬ص‪.119‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.160‬‬

‫‪233‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫العقيدة من جذورها‪ ،‬حيث برزت طالئع من المستشرقين الصهاينة الماركسيين‪،‬‬


‫الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية تشويه هذه العقيدة‪ ،‬تتمثل أصال في إقحام‬
‫الفلسفة المادية في الدراسات العقدية‪ ،‬يأتي في طليعة هؤالء المستشرق‬
‫اليهودي‪ ،‬ماكسيم رودنسون‪ ،‬وهو من أشهر الماركسيين تخصصا في دراسة‬
‫العقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫ومن أجل القيام برسالته التضليلية على أكمل وجه‪ ،‬اضطر أن يلبث‬
‫ستين عاما وهو ينقب في جذور الفكر اإلسالمي وعقائده‪ ،‬كما عاش في‬
‫أوساط المسلمين ما يقارب سبع سنوات كاملة دون انقطاع يدرس العقيدة‬
‫وتاريخ الفكر اإلسالمي باللغة العربية(‪.)5‬‬
‫لم يتنكر رودنسون لماركسيته‪ ،‬بل يلح في أكثر من موضع على ضرورة‬
‫إخضاع الدراسات اإلسالمية للنـزعة المادية(‪ .)2‬والفكرة األساسية التي يروجها‬
‫رودنسون وأمثاله تتمحور حول تجريد اإلسالمي من أي بعد عقائدي‪ ،‬فليس‬
‫للعقيدة دور في شحذ الهمم وإثارة الوجدان عند المسلمين‪ .‬يتبجح بذلك قائال‪:‬‬
‫>ويجب التأكيد مع ذلك‪ ،‬ونكرر مرة أخرى على أن المرجعية هي اإلسالم‬
‫وليست إلى اهلل‪ ،‬وحتى ولو كان الرمز المتكرر الشفهي لإليمان باإلسالم هو‬
‫التكبير واألذان‪ ،‬أي النداء الذي صار شهيرا في كل مكان‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬إنه نوع من‬
‫الهتاف الطقسي‪ ،‬يلفظ مثال ليسجل اإلعجاب أمام حدث استثنائي‪ ،‬وال يتضمن‬
‫بالضرورة من فكر اإلله أكثر من طريقتنا في التأكيد بعلم اهلل أن<؟؟ ولكن‬
‫خالفا لهذه الصيغة األخيرة‪ ،‬فهو يتضمن كثيرا من االلتصاق باإلسالم(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬مكسيم رودنسون‪ ،‬اإلسالم سياسة وعقيدة‪ ،‬ترجمة أسعد صقر‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار عطية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1996‬م)‪ ،‬ص‪ 1‬ــ ‪.4‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.104‬‬

‫‪231‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫يتضح مما سبق ذكره أن المستشرق يلقي الكالم على عواهنه دون أن‬
‫يدلل على شيء مما يذكره‪ ،‬وأقصى ما يقدمه‪ ،‬هو الزعم بأن اإلسالم تطغى فيه‬
‫األعمال التطبيقية من شرائع وأحكام على الجوانب االعتقادية‪ ،‬من إيمان‬
‫وروحانيات‪ .‬وإلى مثل هذا الرأي يذهب المستشرق اليهودي شاخت(‪.)5‬‬
‫إن هذا الحكم ينطبق من وجهة نظر الديانة المسيحية‪ ،‬التي تخاطب‬
‫وجدان الناس دون أعمالهم‪ .‬والحقيقة أن هذا شأن المسيحية‪ ،‬فمن المعلوم أن‬
‫هذه الديانة قامت على أنقاض الديانة اليهودية‪ ،‬فالمسيح عندما بعث لم يبلغ‬
‫عبر عنه شارل‬‫اليهودية إنما جاء ليرجع اليهودية إلى صفائها األول‪ ،‬هذا ما ّ‬
‫جينـز في قـوله‪> :‬إنما يبدو لنا عملها كرد فعل ضد التعصب الضيق للشريعة‬
‫اليهودية<(‪ .)2‬حيث انتهت الديانة اليهودية في عصر المسيح إلى الجمود عند‬
‫المظاهر واألشكال والجنوح إلى المادية المفرطة‪.‬‬
‫أما اإلسالم فهو خاتم األديان‪ ،‬فلم تقتصر وظيفته على جانب دون آخر‪،‬‬
‫فاإلسالم جاء بنوعين من التكاليف‪:‬‬
‫أ‪ .‬التكاليف القلبية‪ :‬وهي ممثلة في العقائد التي تقررت في الدين‪.‬‬
‫والتصديق بها في القلب‪ ،‬واالعتقاد في األنفس مع اإلقرار باأللسنة‪ ،‬وهذا هو‬
‫ست‪ّ ،‬بينها الرسول ‪ ‬في‬ ‫اإليمان في اإلسالم الذي يكون من قواعد ّ‬
‫حديث حين سئل عن اإليمان فقال‪> :‬أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬شاخت وبوزورث‪ ،‬تراث اإلسالم‪ ،‬ترجمة محمد زهير السمهوري‪ ،‬تحقيق شاكر مصطفى‪،‬‬
‫(الكويت‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬أغسطس‪ ،‬آب‬
‫‪1914‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 19‬ــ ‪.10‬‬
‫(‪ )2‬شارل جينبر‪ ،‬المسيحية نشأتها وتطورها‪ ،‬ترجمة عبد الحليم محمود‪( ،‬بيروت‪ ،‬منشورات‬
‫المكتبة العصرية‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت)‪ ،‬ص‪.110‬‬

‫‪231‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫واليوم اآلخر والقدر خيره وشره<(‪.)5‬‬


‫ووردت إلينا هذه المبادئ بصفة مجملة وشاملة ال يعتريها نقص وال‬
‫التباس‪ .‬فمن طبيعة المبادئ العقائدية التركيز والشمول‪.‬‬
‫ب‪ .‬التكاليف البدنية‪ :‬تتضمن القواعد التشريعية التي تحكم جميع أفعال‬
‫المسلمين‪ ،‬والعلم الذي يتناولها هو الفقه‪ ،‬ومن طبيعته تطبيق األحكام في‬
‫الحياة العملية التعدد والتفصيل والتنوع‪.‬‬
‫ولإلشارة فإنه مع تهافت مثل هذه اآلراء االستشراقية المعاصرة إال أنها‬
‫شقت طريقها إلى الدراسات االستشراقية في الغرب‪ ،‬وباتت حجر عثرة في‬
‫انتشار العقيدة اإلسالمية في هذه البقاع‪ ،‬عالوة على انبهار العديد من الباحثين‬
‫المسلمين بها‪.‬‬
‫ج‪ .‬كان لالنبهار الذي حظي به المنهج المادي عند المفكرين والمثقفين‬
‫الغربيين أثره البارز‪ ،‬في استدراج أجيال من الكتاب والمفكرين المسلمين إلى‬
‫األخذ بالمضمون اإليديولوجي لهذا المنهج‪.‬‬
‫وبرزت أسماء عديدة في هذا المجال‪ ،‬ولعل أشهرها حسين مروة الذي‬
‫راح يردد دون تمحيص آراء الماركسية في دراستها للفكر اإلسالمي وإخضاعه‬
‫للنـزعة المادية‪ .‬ولذلك جاء كتابه الضخم >النـزعات المادية في الفلسفة‬
‫العربية اإلسالمية< مفعما بمثل هذه اآلراء‪ .‬ويصرح بذلك في مقدمة كتابه‬
‫قائال‪> :‬إن المنهج المادي التاريخي وحده القادر على كشف تلك العالقة‬
‫ورؤية التراث في حركيته التاريخية‪ ،‬واستيعاب قيمه‪ ،‬وتحديد ما ال يزال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اإليمان‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار الكتاب المصري‪ ،‬د‪ .‬ط‪1119 .‬هـ‪1911/‬م)‪،‬‬
‫مج‪ ،1‬ص‪ 11‬ــ ‪.14‬‬

‫‪231‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫يحتفظ منها بضرورة بقائه وحضوره في عصرنا كشاهد على أصالة العالقة‬
‫الموضوعية بين العناصر التقدمية والديمقراطية من تراثنا الثقافي<(‪.)5‬‬
‫ويذهب حسين مروة بعيدا في ماديته‪ ،‬إلى درجة االدعاء بأن القيامة‬
‫تمثل الشكل الميتافيزيقي‪ ،‬للتعبير عن تطلع الجماهير الفقراء إلى التعويض عن‬
‫سوء حالهم المادية من جهة إلى االقتصاص من الفئات العليا التي تمتاز‬
‫بالثراء(‪.)2‬‬
‫كما نجد أن حسن حنفي ال يجد حرجا في التصريح بانبهاره بآراء وأفكار‬
‫رودنسون فيضعه في منـزلة العلماء المنصفين في دراسة التراث اإلسالمي‪ ،‬بل‬
‫يقترح أن تكون كتبه مصدرا رئيسيا للفكر اإلسالمي‪.‬‬
‫والغريب أن حنفي يعيب على المستشرق إلقاء تبعة ما حدث للمسلمين‬
‫من تخلف إلى الدين اإلسالمي(‪.)3‬‬
‫ونحن نسأل حسن حنفي كيف تكون كتب المستشرق رودنسون مرجعا‬
‫علميا للطالب في الدراسات اإلسالمية مع ما تحمله من سموم حول اإلسالم؟‬
‫وهكذا غدا المنهج المادي سمة بارزة للدراسات العلمية الجادة وما‬
‫عداها ال يعدو أن يكون ضروبا من األوهام والخرافات‪.‬‬
‫وبذلك انتشرت النـزعة المادية واإللحادية في العالم اإلسالمي‪ ،‬وتسللت‬
‫إلى العديد من المناهج الدراسية مواد في المدارس والجامعات وقد تزينت بأزياء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬حسين مروة‪ ،‬النـزعات المادية في الفلسفة العربية اإلسالمية‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1941‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.6‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.114‬‬
‫(‪ )3‬قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر‪( ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬ط‪ ،)1944 ،1‬ص‪.114‬‬

‫‪237‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫براقة‪ ،‬مثل‪ :‬المنهج العلمي‪ ،‬العصرنة‪ ،‬العلمانية(‪ .)5‬وقد جند لالضطالع بهذا‬
‫الدور جحافل من الباحثين مدعمين من قبل المتربصين بهذا الدين‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬استغالل الشيوعية‪:‬‬


‫‪ 1‬ــ الشيوعية والبنية المادية اليهودية‬
‫أفلحت اآلراء المعادية لإلسالك في تطويع الشيوعية لخدمة مآربه‪ ،‬هذا‬
‫ما تشهد به الحقائق اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ .‬من المؤكد تاريخيا ارتباط المصالح الصهيونية بالفكر الشيوعي في‬
‫المراحل المبكرة في التاريخ‪ ،‬كما يدلل على ذلك محمد زغروت قائال‪> :‬فإذا‬
‫ما عرفنا أن فكرة الشيوعية تقوم على اإلباحية المطلقة في كل شيء من خالل‬
‫شيوعية الجميع في الرزق والممتلكات‪ ،‬ومع فكرة إلحادية تخريبية تؤدي إلى‬
‫هدم الشعوب‪ ،‬إذا عرفنا ذلك أدركنا أن رواد فكرة الشيوعية أصابع يهودية‬
‫تحركها‪ ،‬فقد حركتها على يد مزدك في القرن الخامس قبل الميالد‪ ،‬كما بعثتها‬
‫على أيدي القرامطة الذين يعدون من أشهر جمعيات اليهود الماسونية التي‬
‫استغلت بها اليهود عميان الفرس‪ ،‬وجهال العرب في إثارة الطبقات الفقيرة‬
‫ضد األغنياء(‪.)2‬‬
‫أما في العصر الحديث فلم تقتصر الحقائق على كشف تورط الشيوعية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تعج بكتب عديدة تدعم هذه األفكار وتدافع عنها‪ :‬انظر مثال‪:‬‬
‫(‪ )5‬المكتبة العربية ّ‬
‫عزيز العظمة‪ ،‬العلمانية من منظور مختلف‪( ،‬بيروت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1991‬م)‪ .‬الدين والمجتمع العربي‪( ،‬بيروت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1990‬م)‪ ،‬ص‬
‫(‪ )2‬محمد محمد زغروت‪ ،‬أثر الفكر اليهودي في كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪238‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫في خدمة المصالح الصهيونية فحسب‪ ،‬بل األدهى من ذلك تبني بعض الرموز‬
‫الصهيونية لفكر الشيوعية في العالم وتطويعها لخدمة أغراضهم‪.‬‬
‫ففي عام ‪ 5728‬انعقد في نيويورك مؤتمر أشرفت عليه جمعية النورانيين‬
‫الماسونية‪ ،‬وقد شارك فيه مجموعة من اإللحاديين والماديين وغيرهم من‬
‫الحركات التخريبية األولى‪ ،‬وانطوى الكل تحت لواء منظمة عالمية تعرف‬
‫بالشيوعية‪ ،‬وكان الهدف من هذه المنظمة العالمية إثارة الحروب وتأجيج‬
‫الصراعات في المستقبل(‪.)5‬‬
‫ب‪ .‬إن المنطلقات الفكرية األولى للشيوعية تستمد أصولها من أفكار موسى‬
‫هس (‪ )MOSES HESS‬الذي يعد المنشئ األول لفكرة الصهيونية في كتابه >روما‬
‫والقدس< الصادر عام ‪5812‬م‪ ،‬والذي تنبأ فيه بقيام دولة يهودية بفلسطين‪.‬‬
‫لم يخف ماركس تأثره وانبهاره بأفكار >هس<‪ ،‬فقد كان بين الرجلين‬
‫صلة حميمة جمعت بينهما وحدة األفكار واألهداف(‪.)2‬‬
‫ج‪ .‬وللتذكير ــ كما سبق وأن أشرنا ــ أن الفكر الماركسي ينحدر من‬
‫المصادر التلمودية‪ ،‬فقول ماركس‪ ،‬بأن العالم مادي‪ ،‬هو ترديد لما ورد في‬
‫التلمود(‪ )3‬الذي يقوم عرضه للطبيعة والمجتمع على المادة‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أن ماركس عندما يجعل الصراع أساسا للمنظومة‬
‫الشيوعية يتطابق أصال مع الخطاب العام الذي يسود التوراة‪ ،‬حتى أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬وليام غاي كار‪ ،‬أحجار على رقعة الشطرنج‪ ،‬ترجمة سعيد جزائرلي‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫النفائس‪ ،‬ط‪1910 ،1‬م)‪ ،‬ص‪ 11‬ــ ‪.16‬‬
‫(‪ )2‬أحمد عبد الغفور عطار‪ ،‬الشيوعية في اإلسالم‪( ،‬مكة المكرمة‪ ،‬دار األندلس‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1940‬م)‪ ،‬ص‪ 111‬ــ ‪.114‬‬
‫(‪ )3‬محمد عبد اهلل الشرقاوي‪ ،‬الكنـز المرصود في فضائح التلمود‪ ،‬ص‪.196‬‬

‫‪237‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫باكونين(‪ )5‬الروسي‪ ،‬صاحب االتجاه الفوضوي(‪ )2‬أنزل ماركس منـزلة النبي‬


‫موسى ‪ ‬في العصر الحديث‪ ،‬ولذلك يحذر باكونين من الخطورة الفكر‬
‫الماركسي‪ ،‬ألنه يعده امتدادا لبعض من المفكرين اليهود المتعصبين(‪.)3‬‬
‫فماركس عندما ينادي باألممية‪ ،‬ويكافح من أجلها‪ ،‬فإنه يبتغي منها أن‬
‫تكون مواطنة عالمية‪ ،‬تذوب فيها كل االنتماءات وهي بذلك تخدم األغراض‬
‫اليهودية في تلك الحقبة‪ ،‬حيث تجعل من كل الناس يهودا بال انتماء ألي من‬
‫المجتمعات‪ ،‬أو الدول التي يعيشون بين ظهرانها‪ ،‬وبالمقابل يدعو إلى‬
‫دكتاتورية البروليتاريا‪ ،‬والتي لم تكن سوى دكتاتورية شعب اهلل المختار التي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬باكونين‪ ،‬ميخائيل ألكسندروفيتش‬

‫ثوري روسي أرستقراطي المولد‪ ،‬واضع إيديولوجية المذهب الفوضوي‪ ،‬كان ذا نزعة‬
‫تلفيقية‪ ،‬عاش باكونيس خالل األعوام من ‪ 1416‬إلى ‪ 1410‬في موسكو‪ ،‬حيث درس‬
‫هيجل وفسر فلسفته بروح محافظة في مقدمته لترجمة كتاب >أحاديث هيجل في‬
‫الجيمنازوم< واشترك في ثورة ‪ 1414‬ــ ‪ 1410‬في براغ ودردسن‪ .‬وعندما رجع إلى روسيا‬
‫وفر عام ‪ ،1461‬وأمضى الستينات والسبعينات في‬ ‫سجن عام ‪ ،1411‬ونفي إلى سيبريا‪ّ .‬‬
‫أروبا الغربية‪ .‬وناضل ضد الماركسية ف >األممية األولى< والتي طرد منها عام ‪.1411‬‬
‫ومات بعد ذلك بأربع سنوات في برن‪.‬‬
‫م‪ .‬روزنتال‪ ،‬وب‪ .‬يودين‪ ،‬الموسوعة الفلسفية‪ ،‬ترجمة سليم كرم‪( .‬بيروت‪ ،‬دار الطليعة‪،‬‬
‫ط‪ ،)1941 ،6‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )2‬الفوضوية‪ :ANARCHISM ،‬اتجاه اجتماعي سياسي للبرجوازية الصغيرة‪ ،‬معا ٍد لكل سلطة‪،‬‬
‫بما في ذلك دكتاتورية الطبقة العاملة (البروليتاريا)‪ .‬ويضع مصالح الملكية الخاصة الصغيرة‬
‫في مقابل تقدم المجتمع القائم على اإلنتاج الواسع النطاق‪ .‬ويربتط ظهور هذا االتجاه بأسماء‬
‫سميث‪ ،‬وبرودون‪ ،‬وباكونين‪ .‬ويطالب الفوضويون بإلغاء الدولة‪ .‬فوراء الفوضوية اليوم بعض‬
‫التأثير في إسبانيا وإيطاليا وأمريكا الجنوبية‪ .‬ــ المرجع السابق‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )3‬عبد المنعم الحنفي موسوعة فالسفة ومتصوفة اليهودية‪ ،‬ص‪.194‬‬

‫‪211‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫تحدث عنها العهد القديم‪.‬‬


‫كما يعكس اهتمام ماركس بالنواحي االقتصادية االهتمام الصهيوني العام‬
‫بالمال‪ ،‬ولذلك طلع علينا كتابه الرسمي يحمل عنوان >رأس المال<(‪.)5‬‬
‫د‪ .‬إن فكرة النعيم المنشود التي تتطلع إليه الماركسية نجد له صدى في‬
‫الفكر الصهيوني المعاصر‪ ،‬حيث توافقه مع أسطورة الفردوس األلفي الذي‬
‫سيغمر العالم بعد ألفي عام‪ .‬يقول العقاد‪> :‬إن المادية الماركسية بقية من‬
‫الخرافات اإلسرائيلية على ما فيها من الترقيع والتفكير الساذج والنتائج التي ال‬
‫تستلزمها المقدمات‪ ،‬فإذا ما رجعنا إلى الظواهر المادية‪ ،‬فهناك خرافة النعيم‬
‫األلفي‪ ،‬التي امتألت بها األساطير اإلسرائيلية‪ ،...‬ولم يفلت كارل ماركس‬
‫من أوهامها على الرغم من صيحاته باسم العلم‪ .‬والنعيم األلفي خرافة‬
‫إسرائيلية تقول‪ :‬إن العالم سيخرب بعد ألفي سنة‪ ،‬ثم يخرج من في القبور من‬
‫أبناء إسرائيل فيغمرونه في نعيم مقيم‪ ،‬ال تبديل فيه وال تأخير وال تقديم‪ .‬إن‬
‫هذا النعيم األلفي هو ميراث اليهودي الملحد كارل ماركس‪ ،‬من أساطير‬
‫اليهود الخرافية<(‪.)2‬‬
‫نصت المقررات السرية لحكماء صهيون في توصياتها‪ ،‬على وجوب‬ ‫ه‪ّ .‬‬
‫دعوة مختلف األمم إلى الشيوعية‪ ،‬لما فيه من خدمة ألغراض ومآرب‬
‫صهيونية‪ .‬ويمكن التذكير بأن هناك من يشكك في مثل هذه البروتوكالت حتى‬
‫من قبل المفكرين العرب وعلى رأسهم المفكر الدكتور عبد الوهاب المسيري‬
‫رحمه اهلل‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 194‬ــ ‪.199‬‬
‫(‪ )2‬محمد محمد زغروت‪ ،‬أثر الفكر اليهودي في كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص‪ .41‬نقال عن‪:‬‬
‫عباس محمود العقاد‪ ،‬الشيوعية واإلنسانية في شريعة اإلسالم‪ ،‬ص‪.111‬‬

‫‪215‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫جاء في البروتوكول الثاني >ال تظنوا أن أقوالنا هذه ثرثرة جوفاء‪ ،‬تفكروا‬
‫واذكروا نجاح دارون وماركس ونتشه‪ ،‬فنحن الذين أوجدناهم‪ .‬وتعلمون‬
‫جميعا ما كان لسموم هذه المذاهب من أثر في أخالق الجوييم وعقولهم<(‪.)5‬‬
‫ومما يؤكد ذلك ما ورد في البروتوكول الثالث‪> :‬وفي هذه الحال نتقدم‬
‫إلى العمال في زي محرريه ومنقذيه من الظلم والكرب اللذين يحطمانه حطما‪،‬‬
‫وندعوهم إلى االنتظام في صفوف جنودنا من االشتراكيين والفوضويين‬
‫والشيوعيين الذين نحتضنهم متظاهرين بأننا نقدم للعمال المساعدة المتواصلة‬
‫التي تقتضيها شريعة األخوة اإلنسانية التي تبشر بها ماسونيتنا العظيمة<(‪.)2‬‬
‫وليس أدل على ذلك من أن الصهاينة شكلوا الطالئع األولى للمنظمات‬
‫الشيوعية في العالم(‪.)3‬‬
‫لذلك نلمس دور الصهيونية البارز في دفع الثورة الشيوعية‪ ،‬فعندما‬
‫انتصرت الثورة البلشفية أبادت المسلمين والمسيحيين واستباحت ممتلكاتهم‪،‬‬
‫فهدمت المساجد والكنائس‪.‬‬
‫يقولك وليام غاي كار‪> :‬لقد كان هؤالء الكهنة المزيفون وحراس النقود‬
‫وهم يستعملون الشيوعية اليوم كأداة عمل للمضي لمخططاتهم السرية للسيطرة‬
‫النهائية على العالم<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بروتوكوالت حكماء صهيون‪ ،‬ترجمة أحمد عبد الغفور عطار‪( ،‬مكة المكرمة‪ ،‬دار‬ ‫(‪)5‬‬
‫األندلس‪ ،‬ط‪1100 ،4‬هـ‪1940/‬م)‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مصطفى محمود‪ ،‬المؤامرة الكبرى‪( ،‬القاهرة‪ ،‬كتاب اليوم‪ ،‬دار أخبار اليوم‪ ،‬العدد‪،)116‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ص‪.11‬‬
‫أحجار على رقعة الشطرنج‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪212‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫‪ 1‬ــ خطر الشيوعية على العقيدة اإلسالمية‪:‬‬


‫بلغ خطر الشيوعية أوجه عندما أعلنت صراحة على نشر اإللحاد في‬
‫العالم اإلسالمي‪ ،‬ولقد كانت سابقة خطيرة في تاريخ المسلمين‪ ،‬حيث‬
‫تتشكل ألول مرة في أوساطهم جماعات تدعو جهارا لإللحاد وترك العقيدة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫وكما أن الشيوعية في الغرب قد تصهينت وباتت مطية يركبها الصهاينة‬
‫لتحقيق مآربهم فكذلك األمر بالنسبة للشيوعية في العالم اإلسالمي‪.‬‬
‫ومع أنه من المفروض كما يذكر حبنكة الميداني أن تكون الشعوب‬
‫العربية أبعد الشعوب عن التأثر بالحركات اليهودية باعتبار موقفهم من قضية‬
‫فلسطين‪ ،‬فإننا نجد أن األحزاب الشيوعية قد كانت طالئعها يهودية بحتة‪ ،‬هذا‬
‫بالرغم من أن هذه األحزاب دعت إلى إقامة دولة يهودية(‪ .)5‬واألدهى من ذلك‬
‫أن منها ما كان امتدادا للحزب الشيوعي اليهودي(‪.)2‬‬
‫والمؤكد كما يذكر محمد أمخزون بأن الحركة الشيوعية في العالم‬
‫العربي‪ ،‬إنما أنشأها اليهود التلموديون الذين كانوا أنشط العناصر داخل هذه‬
‫الحركة‪ .‬وفي تلك الفترة بالذات من تاريخ قيام األحزاب الشيوعية في العالم‬
‫العربي‪ ،‬أخذت بعض الدوائر تنشر في األجواء السياسية شرعية حق اليهود‬
‫القومي في فلسطين لتلتقي هذه النظرة التي يعمل الشيوعيون على ترويجها مع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬مكايد يهودية عبر التاريخ‪ ،‬ص ‪.161‬‬
‫وانظر‪ :‬محمد الغزالي‪ ،‬اإلسالم في وجه الزحف األحمر‪( ،‬الجزائر‪ ،‬تزيوزو‪ ،‬دار اإلسالم‪،‬‬
‫د‪ .‬ط‪1991 .‬م)‪ ،‬ص ‪ 146‬ــ ‪.149‬‬
‫(‪ )2‬عبد اهلل التل‪ ،‬األفعى اليهودية في معاقل اإلسالم‪( ،‬الجزائر‪ ،‬البليدة‪ ،‬قصر الكتاب‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1949‬م)‪ ،‬ص‪.161‬‬

‫‪213‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫النظرة الصهيونية واألهداف التي تعمل لها(‪.)5‬‬


‫يسوق لنا المؤرخ اليهودي صموئيل أتينجر أمثلة على ذلك‪ ،‬منها أن‬
‫ليهود شمال إفريقيا دورا بارزا في نشر الفكر الشيوعي في أوساط هذه البلدان‪،‬‬
‫فمؤسس الحزب الشيوعي المغربي يهودي‪ ،‬وضم هذا الحزب في عام ‪5718‬‬
‫حوالي ستة آالف عضو‪ ،‬كان منهم خمسمائة يهودي(‪.)2‬‬
‫كما أشار المؤرخ اليهودي إلى األعداد الكبيرة من اليهود التي انضمت‬
‫إلى صفوف الحزب الشيوعي بالعراق‪ ،‬وجذب هذا الحزب الذي تأسس عام‬
‫‪ 5721‬اليهود إلى صفوفه لتأييد قرار التقسيم الصادر عام ‪ ،5717‬والداعي إلى‬
‫إقامة دولة يهودية‪ ،‬ومعارضة الحزب وتأييده للحل السلمي‪.‬‬
‫ويضيف المؤرخ بأن المثقفين من اليهود في العالم العربي وإيران‬
‫انخرطوا في صفوف األحزاب اليسارية(‪ .)3‬ونحن نتساءل‪ :‬كيف يرجى أن‬
‫تحرر هذه األحزاب المجتمعات اإلسالمية من براثن الجهل والتخلف؟ وكيف‬
‫يمكن لها أن تنهض باألمة؟ وهي التي ارتمت في أحضان الصهيونية‪ ،‬وسلمت‬
‫لهم مقاليد أمرها بتنفيذ تعاليمهم وخططهم في محاربة العقيدة اإلسالمية؟‬
‫لكن ال ندعي بأننا نتهم كل من كان ينتمي لهذه األحزاب أنه متصهين‪،‬‬
‫فمما ال شك فيه أن هناك خيريين استهوتهم مبادئ الشيوعية في إعطاء الحق‬
‫للعمال ومقاومة اإلقطاعيين وقد شكلوا معارضة حقيقية في وجه الديكتاتوريات‪،‬‬
‫ولكن أكثر هؤالء ال يعرف عالقتها بالصهيونية‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬من تاريخ األحزاب الشيوعية العربية وموقفها من قضية فلسطين‪ ،‬مجلة البيان‪ ،‬لندن‪،‬‬
‫عدد‪ ،49‬السنة العاشرة‪ ،‬يونية ‪1991‬م‪ ،‬ص ‪ 14‬ــ ‪.10‬‬
‫(‪ )2‬اليهود في البلدان اإلسالمية‪ 1410> ،‬ــ ‪ ،<1910‬ص ‪.111‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.61‬‬

‫‪211‬‬
‫االسترشاق املعارص والعقيدة اإلسالمية‬

‫وفي األخير ينبغي التذكير بأن النـزعة المادية كانت سالحا شرسا في‬
‫محاولته لتقويض العقيدة اإلسالمية‪ ،‬لذلك ينبغي أن نقف عند حقيقة الشيوعية‬
‫ليس باعتبارها نشاطا سياسيا فحسب‪ ،‬أو حركة اجتماعية واقتصادية‪ ،‬وإنما هي‬
‫حركة شاملة لإلنسان والوجود والتاريخ‪ ،‬تنطوي على أهداف مبيتة‪.‬‬
‫تبعا لما سبق يتبين أن ترويج الفكر المادي واصطحابه لفكرة اإللحاد يعد‬
‫قمة التضليل اإليديولوجي الذي اجتاح العقيدة اإلسالمية‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫‪211‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫‪5‬‬
‫مناهج االسترشاق املعارص‬
‫يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫ال خالف عند فقهاء اإلسالم بأن كل ما يصدر عن اإلنسان من عبادات‬


‫ومعامالت له في الشريعة اإلسالمية حكم يستند إليه ويعتمد عليه‪ ،‬وأن هذه‬
‫األحكام التي تضبط هذه القضايا الدينية أو الدنيوية قد نص عليها القرآن‬
‫الكريم وبينتها السنة النبوية‪ ،‬فإذا لم تكن هذه األحكام واضحة الداللة في‬
‫هذين المصدرين األساسيين‪ ،‬بحث المجتهدون حلوال تستند إليها بعد استفراغ‬
‫الوسع وبذل الجهد الستنباط هذه األحكام من أدلتها التفصيلية‪.‬‬
‫وإذا كان الفقه اإلسالمي بمصادره ووسائله يتسع ألن يُخضع كل جديد‬
‫نافع لقواعده‪ ،‬وكفيل بأن يأخذ بيد المؤمنين به ويجعلهم خير أمة‪ ،‬وبهذا‬
‫وردت إلينا أحكامه منظمة ومنسجمة ال تضاهيها قوانين أخرى مهما بلغت‬
‫شأوا في التقدم والرقي‪.‬‬
‫تبعا لذلك لم يأل المخطط االستشراقي المعاصر جهد في الطعن في‬
‫الفقه اإلسالمي‪ ،‬حيث بدأ بالتشكيك في أصالة مصدره‪ ،‬وأفضى في آخر‬
‫المطاف إلى الدعوى بعدم تطبيق أحكامه في الواقع المعاصر‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪211‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫املطلب األول‪ :‬التشكيك يف أصالة الفقه اإلسالمي‬

‫أوال‪ :‬عالقة هذه الفرضية باالستشراق املعاصر‪.‬‬


‫إن مسألة التشكيك والطعن في أصالة اإلسالم التي تولى مهمتها العديد‬
‫من المستشرقين لم تقتصر على مصدريه القرآن الكريم والسنة النبوية‪ ،‬بل‬
‫تعدت لتشمل الفقه اإلسالمي‪ .‬هذا األخير الذي ظل يمثل مصدر ازعاج‬
‫لهؤالء المتأخرين‪ ،‬لما ينفرد به عن الشرائع السماوية والوضعية من حيث‬
‫شمولية نظامه وواقعية أحكامه وقوة حجته‪.‬‬
‫ومع أن شبهة كهذه لم يتورط فيها المتضلعون في الدراسات القانونية‪،‬‬
‫إال أنها حظيت باهتمام بالغ من قبل ثلة من المستشرقين الذين ظلوا يرددون‬
‫بأن المصادر الدينية والقانونية السابقة‪ ،‬كان لها تأثير مباشر على الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فإليها يعزى ذلك الثراء والتنوع الذي طبع مسائله مما جعل من‬
‫الفقه اإلسالمي مصدرا دائم العطاء وافر اإلنتاج‪.‬‬
‫حمل لواء فكرة استعارة الفقه اإلسالمي من المصادر األجنبية المستشرق‬
‫اليهودي >جولد زيهر<‪ ،‬ويهمنا هنا أن نشير إلى المصدر الروماني وحده‪ ،‬ألنه‬
‫الوحيد الذي تبوأ الصدارة في أبحاث المستشرقين فيما بعد(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬لإلشارة فإن استعارة الفقه اإلسالمي من المصادر األجنبية التي نادى بها جولدزيهر ال تقتصر‬
‫على الفقه الروماني‪ ،‬بل تع ّدت إلى الدين المجوسي واليهودي‪ ،‬ولكن ليس لها شواهد‬
‫تاريخية تستند إليها وكذلك لم يلتفت إليها الباحثون فيما بعد‪ .‬وللتذكير فإننا أشرنا في الباب‬
‫وبي ّنـا زيفها وبطالنها‪.‬‬
‫الثاني إلى شبهة استقاء القرآن الكريم نصوصه من العهد القديم‪ّ ،‬‬
‫‪217‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫إلى جانب جولد زيهر‪ ،‬تتسع القائمة لتشمل آخرين كشاخت‪ ،‬سانتالنا(‪،)5‬‬
‫وال مبير(‪ .)2‬وأفرط بعضهم في هذا االتجاه إلى درجة تدعو إلى االستصغار‪،‬‬
‫فزعموا أن الفقه اإلسالمي ليس إال القانون الروماني لإلمبراطورية الشرقية‪،‬‬
‫مسايرا مع الظروف السياسية في المناطق العربية‪.‬‬
‫كما زعموا أن العرب لم يضيفوا جديدا إلى القانون الروماني‪ ،‬سوى‬
‫بعض األخطاء‪ ،‬وغير ذلك من عبارات تعسفية فيها تج ٍّن كبير على الحقيقة‬
‫واإلنصاف‪ ،‬يدل على الخبث وفساد الطوية(‪.)3‬‬
‫(‪)1‬‬
‫بأن جولد زيهر‬ ‫ففي هذا يمكن فهم عبارة المستشرق فيتز جيرالد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سانتالنا دافييد‪ 1411( DAVID SANTALIANA ،‬ــ ‪ .)1411‬أحد المستشرقين‬ ‫(‪)5‬‬
‫المختصين في الفقه المالكي‪ ،‬ولد في تونس عام ‪1441‬م‪ ،‬من أسرة يهودية ذات أصل‬
‫إسباني قديم‪ ،‬نزحت إلى تونس واستقرت بها‪ ،‬لكنها كانت تحمل الجنسية االنجليزية‪.‬‬
‫وكان أبوه قنصال لبريطانيا العظمى في تونس‪ .‬وفي عام ‪1440‬م التحق بكلية الحقوق في‬
‫جامعة روما‪ .‬طالما حصل على الجنسية اإليطالية‪ ،‬ثم بعد ذلك اشتغل بالمحاماة‪ ،‬ثم أسهم‬
‫في وضع القوانين التونسية مع مجموعة من رجال القانون‪ .‬وكان هو العضو الوحيد‬
‫المختص في الشريعة اإلسالمية‪ .‬وكانت ثمرة عمله مؤلفه الضخم‪ ،‬بعنوان >القانون المدني‬
‫والتجاري التونسي< والذي لبث في إعداد ثالث سنوات‪.‬‬
‫انظر‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة االستشراق‪ ،‬ص‪ 111‬ــ ‪.111‬‬
‫المبيـر ‪ 1444( LAMBEAR. EJ‬ــ ‪ )1961‬أستاذ في السوربون‪ ،‬وعضو بمجمع الكتابات‬ ‫(‪)2‬‬
‫واآلداب‪ ،‬من أثاره‪ :‬العمارة اإلسالمية في القرن العاشر في قرطبة وطليطلة‪ .‬والفن‬
‫اإلسالمي بإسبانيا المسيحية في العصر الوسيط‪.‬‬
‫انظر‪ :‬نجيب العقيقي‪ ،‬المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 194‬ــ ‪.199‬‬
‫بدران أبو العينين بدران‪ ،‬الشريعة اإلسالمية تاريخها‪ ،‬ونظرية الملك والعقود‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫(اإلسكندرية‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت) ص‪.11‬‬
‫ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.191‬‬
‫=‬ ‫س‪ .‬فيتز جيرالد ‪ S. FITZ GERALD‬مستشرق انجليزي‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪218‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫اليهودي أعظم هؤالء شأنا في إثارة هذا الموضوع‪ ،‬وتعزى إليه الكثير من‬
‫اآلراء في هذا الشأن‪ ،‬وأن أبحاثه لقيت رواجا كبيرا‪ ،‬مع أنه لم يكن من‬
‫المتخصصين في العلوم القانونية‪.‬‬
‫ليس صحيحا ما ذكره فيتز جيرالد بأن جولد زيهر تراجع عن آرائه في‬
‫هذه المسألة في كتابه األخير >العقيدة والشريعة في اإلسالم<‪ ،‬فالحقيقة أن‬
‫جولد زيهر لم يحد عن هذه اآلراء في كتاباته‪ ،‬وظل متمسكا بها(‪.)5‬‬
‫فالمؤكد أن جولد زيهر نشر في سنة ‪ 5881‬في مجلة علمية مجرية مقالة‬
‫باللغة المجرية‪ ،‬تحمل عنوان أصل القانون المحمدي‪ ،‬وترجمت هذه المقالة‬
‫إلى اللغة اإلنجليزية‪ ،‬ونشرت في الواليات المتحدة األمريكية عام ‪ 5717‬في‬
‫مؤلف إنجليزي اسمه تاريخ المؤرخين عن العالم حيث وردت المقالة بعنوان‬
‫دون جولد زيهر في هذه المقالة بعض أفكاره‪ ،‬مع‬ ‫مبادئ القانون في اإلسالم‪ّ ،‬‬
‫رصده ألمثلة متشابهة بين القانون الروماني والفقه اإلسالمي‪ ،‬وزعم أن تلك‬
‫المتشابهات ال بد أن تكون مستعارة استعارة مباشرة‪ .‬كما أورد العديد من‬
‫المتشابهات في مقاالته النموذجية لموسوعة إسالمية‪ ،‬والتي تشرت في عام ‪،5877‬‬
‫ثم ألحقت بعد وفاته عند تحقيق مشروعه في دائرة المعارف اإلسالمية(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= آثاره‪ :‬ترجمة رباعيات عمر الخيام‪ .‬وقد ترجم منها ‪ 11‬قصيدة في شعر انجليزي رائع‪.‬‬
‫ألّف كتابا عن المغاربة وإسبانيا وشمال افريقيا‪.‬‬
‫انظر‪ :‬نجيب العقيقي‪ ،‬المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )5‬مجموعة دراسات لخمسة من العلماء المختصين‪ .‬هل للقانون الروسي تأثير على الفقه‬
‫اإلسالمي‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار البحوث العلمية‪ ،‬ط‪1911 ،1‬م)‪ ،‬ص‪ 111‬ــ ‪ .111‬نقال عن‪:‬‬
‫س‪ .‬فيتز جيرالد‪ ،‬ال َّد ْين المزعوم للقانون الروسي على القانون اإلسالمي‪ ،‬ترجمة محمد‬
‫العوا‪ ،‬نشر في مجلة القانون الفصلية‪ ،‬ج‪ ،61‬عدد يناير‪.1911‬‬
‫سليم ّ‬
‫(‪ )2‬هل للقانون الروسي تأثير على الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪ 111‬ــ ‪.111‬‬

‫‪217‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫ولم يعدل عن أفكاره في كتابه األخير العقيدة والشريعة في اإلسالم كما‬


‫توهم فيتر جيرالد‪ ،‬بل ظل متمسكا بآرائه إلى النهاية‪.‬‬
‫أما أنه لم يول هذا الجانب أهمية في كتابه األخير‪ ،‬فهذا يعود إلى أن‬
‫الكتاب المشار إليه لم يكن مخصصا لمصادر الفقه اإلسالمي وتطوره‪ ،‬علما أنه‬
‫لم يتنكر آلرائه السابقة‪ ،‬وال زالت مبثوثة في كتابه األخير(‪ ،)5‬وكذلك‬
‫الموسوعة اإلسالمية الصادرة عام ‪5715‬م‪ ،‬وإلى ذلك يشير شاخت بأن جولد‬
‫زيهر قد أثار مسألة التشابه بين الفقه اإلسالمي والقانون الروماني في العديد من‬
‫أبحاثه(‪ .)2‬وشاخت نفسه يعتبر هذه المسألة من المسلمات التي ال شك فيها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬شبهة استعارة الفقه اإلسالمي من القانون الروماني‬


‫إن مناقشة هذه الشبهة والمثيرة للجدل تنطلق أصال من اإلجابة على‬
‫األسئلة اآلتية‪:‬‬
‫هل تأثر الفقه اإلسالمي بالقانون الروماني الذي احتك به في كثير من البالد‬
‫التي فتحها اإلسالم‪ ،‬وبخاصة في الشام ومصر؟ وهل هذا يعني أن معظم األحكام‬
‫الفقهية بينت على األعراف الرومانية والتي كانت سائدة في هذه األقاليم؟‬
‫وما هي هذه األحكام المتشابهة إن وجدت؟‬
‫وكيف تسربت على الفقه اإلسالمي؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬جولدزيهر‪ ،‬العقيدة والشريعة في اإلسالم‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.190‬‬
‫(‪ )2‬جوزيف شاخت‪:‬‬

‫‪211‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫لإلجابة عن هذه األسئلة ينبغي التطرق إلى ما يلي‪:‬‬


‫‪ 1‬ــ انتشار القوانين الرومانية في البالد الشرقية‪.‬‬
‫عند تتبع حجج القائلين بتفشي القوانين الرومانية وبسط سلطانها على‬
‫المناطق الشرقية نجدها تتلخص في اثنتين‪:‬‬
‫خضوع الشعوب الشرقية للقوانين الرومانية‪:‬‬
‫من أجل تثبيت مدعاهم‪ ،‬يتذرع أصحاب هذا االتجاه بأن الحقوق‬
‫الرومية طبقت على الشعوب الشرقية‪ ،‬خاصة في الشام وفي مصر‪ ،‬في ظل‬
‫اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬التي كانت باسطة نفوذها قبل مجيء الدين اإلسالمي‪،‬‬
‫وبمرور الوقت أضحت هذه القوانين من أعراف هذه البالد وتقاليدها‪ ،‬وعندما‬
‫فتح اإلسالم هذه المناطق التقى بهذه القوانين فتسربت إليه بطرق خفية وأعطته‬
‫صورة أكثر نضجا وتألقا‪.‬‬
‫يبدو أن بلورة هذه الفكرة وصياغتها قد تمت على يد المستشرق اليهودي‬
‫شانتيالنا في مقدمته على مشروع القانون المدني والتجاري التونسي‪ ،‬المطبوع‬
‫سنة ‪ 5871‬في تونس‪ ،‬كما حذا حذوه حافظ صبري في كتابه المقارنات‬
‫والمقابالت المطبوع سنة ‪ 5712‬في مصر(‪.)5‬‬
‫وينضم إليهما شاخت الذي يشيد بدور المثقفين ثقافة إغريقية‪ ،‬والذين‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أسهموا في نقل األفكار القانونية الرومانية إلى المسلمين ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬مجموعة دراسات لخمسة من العلماء المختصين‪ .‬هل للقانون الروسي تأثير على الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ص‪ .90‬نقال عن محمد معروف الدواليبي‪ ،‬الحقوق الروسية وأثرها في التشريع‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫(‪ )2‬شاخت وبوزورث‪ ،‬تراث اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 11‬ــ ‪.11‬‬

‫‪215‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫ونحن بدورنا نسأل شاخت‪ :‬لماذا أحجم عن ذكر أسماء هؤالء‬


‫المثقفين؟ وفيم تتمثل إسهاماتهم؟‬
‫لقد حاول أصحاب هذا االتجاه أن يسوقوا المبررات التي تؤيد‬
‫فرضيتهم‪ ،‬إال أنها ال تصمد أمام الشواهد التاريخية الثابتة‪ ،‬والتي تتمثل فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫طبقت القوانين الرومية على المواطنين من سكان روما‪ ،‬وامتد نفوذها‬
‫إلى جميع األثينيين من سكان إيطاليا دون غيرهم من شعوب اإلمبراطورية‬
‫األجانب‪.‬‬
‫ينتصر المؤرخ اإليطالي نالينو(‪ )5‬إلى هذا الرأي‪ ،‬ويعززه بشهادة المؤرخ‬
‫تيودوريتو ‪ Theodorito‬من النصف األول للقرن الخامس للميالد‪ ،‬الذي‬
‫يقول‪> :‬إنه توجد أقوام في أقصى حدود اإلمبراطورية رغم أنهم خاضعون‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬نالينو‪ 1411( Carlo Alfonso Nalino :‬ــ ‪)1914‬‬
‫مستشرق إيطالي مشهور‪ ،‬ولد بمدينة تورينو‪ ،‬وكان له منذ طفولته ولع شديد بدراسة اللغات‬
‫والجغرافيا‪ ،‬فبدأ دراسة اللغة العربية دون أستاذ‪ ،‬وتمكن منها‪ ،‬ودرس العبرية والسريانية‪.‬‬
‫ثم رحل إلى جامعة تورينو‪ ،‬فتتلمذ على يد المستشرق إيتالو‪ُ .‬عرف نالينو بالدقة‬
‫واالستقصاء والعناية بدقيق المسائل‪ .‬وهو منهج رصين تميزت به مباحثه‪ ،‬وتبعا لمكانته‬
‫العلمية اعترف له العلماء بمكانته في دراسة الفكر العربي‪ ،‬ولذلك عهدت إليه دائرة‬
‫المعارف اإلسالمية بكتابة المواد الخاصة بتاريخ الفلك عند العرب‪.‬‬
‫ومن آثاره‪ :‬مهد اإلسالم‪ .‬كما رتب القرآن على طريقة نولدكه‪،‬‬
‫وقد أسندت إليه مجموعة من الوظائف أهمها‪:‬‬
‫أستاذ كرسي اللغة العربية في المعهد الشرقي‪ ،‬من ‪ 1491‬إلى ‪.1901‬‬
‫مدير اللجنة المختصة بتنظيم المخطوطات العثمانية‪.‬‬
‫مدير معهد الشرق‪.‬‬
‫انظر‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة االستشراق‪ ،‬ص ‪ 191‬ــ ‪.141‬‬

‫‪212‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫لحكم الرومان‪ ،‬فإن القانون الرومي ال يطبق عليهم‪ ،‬ومنهم قبائل عربية<(‪.)5‬‬
‫ظلت شعوب سوريا والعراق ومصر خاضعة ألحكام وقوانين شرقية غاية‬
‫في الرقي‪ ،‬كلدانية ومصرية أضفت عليها الطابع الشرقي(‪.)2‬‬
‫يتضح مما سبق أن البالد التي يفترض فيها حصول االحتكاك بين الفقه‬
‫اإلسالمي والقانون الروماني أيضا هو مصر وسوريا‪ ،‬وقد ّبينّا أن هذه البالد‬
‫ظلت معتبرة من البالد األجنبية‪ ،‬ولم يتمتع سكانها بالحقوق الرومانية‪.‬‬

‫‪ 1‬ــ المدارس القانونية الشرقية‪:‬‬


‫كان لوجود مدرستين قانونيتين في كل من اإلسكندرية وبيروت دور بارز‬
‫في إثارة حفيظة بعض المستشرقين المعاصرين‪ ،‬فقد أشار هؤالء إلى‬
‫االمتيازات التي خصت بها هاتان المدرستان في ظل الحكم الروماني‪ ،‬مما‬
‫جعل منهما مركزين فكريين يلتجئ إليهما المفكرون والباحثون‪ ،‬مما يفترض‬
‫استفادة الفقهاء من هذين المركزين(‪.)3‬‬
‫ال خالف في أن اإلسكندرية كانت مركز إشعاع للثقافة والعرفان‪ ،‬ومأوى‬
‫يلتجئ إليه العلماء‪ ،‬بحكم السمعة العلمية التي تتمتع بها المدرسة القانونية‬
‫الرومانية هناك‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك ما تزخر به المدينة من مكتبة راقية تحوي كتبا نفيسة في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬مجموعة دراسات لخمسة من العلماء المختصين‪ .‬هل للقانون الروسي تأثير على الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ص‪ .11‬نقال عن نالينو‪ ،‬نظرات في عالقات الفقه اإلسالمي بالقانون الرومي‪،‬‬
‫ترجمة‪ :‬محمد حميد اهلل‪.‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 96‬ــ ‪.61‬‬

‫‪213‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫شتى العلوم والفنون‪.‬‬


‫والمؤسف له أن األمر لم يستقر على هذا المجال فبموجب دستور‬
‫جوستنيان(‪ )5‬الصادر في ‪ 51‬ديسمبر سنة ‪133‬م‪ ،‬أغلقت المدرسة أبوابها‪،‬‬
‫ولم تعد مركزا لتدريس العلوم القانونية منذ ذلك التاريخ‪.‬‬
‫وبعد أن سقطت اإلسكندرية في أيدي الفاتحين المسلمين عام ‪115‬م‪،‬‬
‫كانت هذه المدرسة قد توقف بها كل نشاط فكري‪ ،‬منذ ما يزيد على قرن من‬
‫الزمان(‪.)2‬‬
‫فإذا أخذنا في االعتبار أن الفقه اإلسالمي اكتمل ونضج في القرن الثاني‬
‫الهجري‪ ،‬فتكون هذه المدرسة قد توقفت عن نشاطها لمدة تزيد على قرنين من‬
‫الزمان‪ ،‬فكيف يعقل أن يكون هناك تأثير مباشر على الفقه اإلسالمي من قبل‬
‫القانون الروماني؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬جوستنيان ‪ ،Justinien‬تولى حكم اإلمبراطورية الشرقية سنة‪111‬م‪ ،‬وكانت عاصمتها‬
‫القسطنطينية‪ ،‬ولبث في الحكم نحو ‪14‬سنة‪ .‬حتى توفي سنة ‪161‬م‪ .‬وفي عهده كانت مصر‬
‫وبالد األناضول في آخر حدود أرمينية‪ ،‬ثم بالد سوريا ولبنان وفلسطين كلها ما زالت‬
‫داخلة تحت الحكم الروماني‪ .‬وقد وجه اهتمامه لعلم فقه القوانين‪ .‬ففي سنة ‪ 111‬نشر‬
‫مدونته‪ ،‬كما نشر أحكام الفقه الروماني وقواعده في مجموعة سماها المستصفى أو‬
‫المهذّ ب‪ .‬وقد أصدر مراسيم بعد سنة ‪ 111‬وأطلق عليها اسم >المراسيم الجديدة< تمييـ ًزا‬
‫لها عن مدونته‪ ،‬والمراسيم األخرى الصادرة قبل مدونته‪.‬‬
‫ويحظى جوستنيان بتقدير كبير عند القانونيين‪ ،‬ألنه ُوفّق في جمع القديم وتدوينه وحفظه من‬
‫الضياع والتلف‪.‬‬
‫انظر‪ :‬جوستنيان‪ ،‬المدونة‪ .‬ترجمة عبد العزيز فهي‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار الكتاب المصري‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1916‬م) مقدمة المترجم‪.‬‬
‫(‪ )2‬بدران أبو العينين بدران‪ ،‬الشريعة اإلسالمية تاريخها ونظرية الملكية والعقود‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪211‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫كما ال يمكن الحديث عن وجود مكتبة زاخرة في اإلسكندرية بعد الفتح‬


‫اإلسالمي‪ ،‬ألنها تعرضت للتلف بالحريق مرات عديدة‪ ،‬أولها عام ‪ 17‬ق‪ .‬م‪.‬‬
‫عندما أراد >يوليوس< القيصر نقلها إلى روما‪ .‬والثانية عام ‪272‬م‪ ،‬في حكم‬
‫اإلمبراطور أوريليا ‪ Aurelian‬عام ‪375‬م‪ ،‬بأمر من الراهب ثيوفيل ‪.)5(Theophile‬‬
‫فهل يعقل أن نسلّم بفرضية اطالع الفقهاء المسلمين على القانون الروماني من‬
‫خالل هذه المكتبة؟ ناهيك عن جهلهم باللغة اليونانية؟‬
‫وللتذكير فإن مصر لم تعرف نشوء المدارس الفقهية الكبرى‪ ،‬حيث ظلت‬
‫الحجاز والمدينة محضنا لكبرى المذاهب‪ .‬والمذهب الوحيد الذي نشأ في‬
‫مصر هو مذهب الشافعي الجديد‪ ،‬الذي كان عبارة عن تحويل لمذهبه القديم‬
‫ليكون متماشيا مع الظروف التي تشهدها مصر‪ ،‬وهو مذهب إسالمي خالص ال‬
‫أثر للتأثيرات الرومانية فيه‪ ،‬هذا فضال عن أن الشافعي فيما صدر عنه من آراء‬
‫كان يجنح إلى مدرسة المدينة(‪.)2‬‬
‫وإذا لم يكن لمدرسة اإلسكندرية أي أثر في تسريب القانون الرومي إلى‬
‫الفقه اإلسالمي‪ ،‬فهل بإمكان مدرسة بيروت أن تضطلع بهذا الدور؟‬
‫فالثابت تاريخيا أن مدرسة الحقوق ببيروت‪ ،‬لم تكن موجودة إبان الفتح‬
‫اإلسالمي‪ ،‬حيث اندثرت المدينة بكاملها أثناء تعرضها لهزات أرضية عام‬
‫‪115‬م‪ ،‬أضف إلى ذلك الحريق الذي نشب بها فأتلف كل ما تب ّقى‪.‬‬
‫فمنذ ذلك التاريخ لم يرد ذكر مدرسة بيروت الراقية‪ ،‬فالمدينة أضحت‬
‫خرابا‪ ،‬وظلت كذلك حتى سقطت في أيدي الفاتحين المسلمين عام ‪131‬م(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬أميرة حلمي مطر‪ ،‬الفلسفة عند اليونان‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫(‪ )2‬بدران أبو العينين بدران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫(‪ )3‬بدران أبو العينين بدران‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.19‬‬

‫‪211‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫وبالتالي تسقط فرضية المستشرقين ن والتي تدعي أن اإلمام األوزاعي‬


‫الذي عاش في بيروت قد استفاد من مدرستها القانونية وأدخل العديد من‬
‫األحكام الرومانية إلى الفقه اإلسالمي‪ ،‬علما أن مذهب األوزاعي لم يكن له‬
‫تأثير يذكر على المذاهب الفقهية الكبرى حيث اندثر لم يكتب له البقاء أمام‬
‫اجتياح هذه المذاهب‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬فضال عن أنه كان من فقهاء مدرسة الحديث التي كانت أبعد‬
‫المدارس عن االقتباس من المصادر األجنبية‪.‬‬
‫يتضح مما سبق أن المدارس الشرقية التي فتحت لتدريس القوانين‬
‫الرومانية تحت ظل اإلمبراطورية الرومانية قد اندثرت‪ ،‬وال نجد لها أثرا يذكر‬
‫قبل الفتح اإلسالمي لتلك البالد‪ ،‬وبزمن طويل‪ ،‬مما يؤكد جهل الفقهاء‬
‫المسلمين للقوانين الرومانية‪.‬‬

‫‪ 1‬ــ التشابه في األحكام‪:‬‬


‫تعد البالد العربية منبت األديان‪ ،‬ومهد الحضارات مما أسهم في تالقي‬
‫العديد من الثقافات وتعايشها فيما بينها‪ ،‬فمن الطبيعي أن يحدث هذا تبادال‬
‫بين اآلراء واألفكار‪ ،‬وبالتالي فالتشابه الذي قد يقع في بعض القضايا العامة ال‬
‫يدل بحال على أن الفكر الالحق قد نقل عن السابق‪ ،‬ألن مثل هذا التشابه في‬
‫بعض األفكار أمر طبيعي بين األمم‪.‬‬
‫ومنه فإنه ال نستطيع لمجرد هذا التشابه الحكم بأن هذه األمة التي أخذت‬
‫عن تلك‪ ،‬وليس العكس‪ ،‬بل قد يكون مرده إلى ما هو معروف من أن العقل‬
‫السليم يتوافق في كثير من دروب التفكير دون اللجوء إلى اإلغراق في التأويل‬

‫‪211‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫بتفسير هذه الظاهرة باألخذ والتقليد‪.‬‬


‫وقد يستثنى من هذا ذلك التشابه الواضح بين نصوص بكاملها أو‬
‫مصطلحات ذاتية فهنا يقع االلتباس وتثار شبهة النقل أو استقاء أحدهما من‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫فهل وجد هذا التشابه بين المصطلحات والنصوص القانونية بين الفقه‬
‫اإلسالمي والقانون الروماني؟ وما هي األحكام المتشابهة؟‬

‫نماذج من المتشابهات والرد عليها‪:‬‬


‫أشار جولد زيهر بأن كلمة >فقه< هي ترجمة لكلمة >‪<Prudentia‬‬
‫الالتينية‪ ،‬ومعناها التعقل أو المعقولية‪ .‬ويكفينا المستشرق >فيترا جيرالد<‬
‫مؤونة الرد حيث أوضح بأن هذه الكلمة الالتينية التي تأتي بمعنى الفهم أيضا‪،‬‬
‫بل إن مدلول هاتين الكلمتين دليل عما سماه سانتيالنا بحق التطابق األساسي‬
‫في الروح اإلنساني‪ ،‬ثم يتساءل الباحث على أنه لهذا كانت كل النظم القانونية‬
‫تنطلق أصال من العقل للفهم‪ ،‬فلماذا نقول باالستعارة بين هاتين الكلمتين؟(‪.)5‬‬
‫ويذهب جولد زيهر إلى أن كلمة رأي في الفقه اإلسالمي هي ترجمة‬
‫حرفية للمصطلح الالتيني >أوبينيو ‪ ،<Openio‬ويستغرب فيترا جيرالد من هذا‬
‫الرأي باعتباره يتضمن خط ًأ تاريخيا جسيما(‪.)2‬‬
‫ويرجع جولد زيهر المبدأ المعروف في أصول الفقه باسم المصلحة أو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬مجموعة دراسات لخمسة من العلماء المختصين‪ .‬هل للقانون الروسي تأثير على الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ص ‪ 111‬ــ ‪ .114‬نقال عن‪ :‬س‪ .‬فتزجيرالد‪ ،‬ال َّد ْين المزعوم للقانون الروسي‬
‫على القانون اإلسالمي‪.‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 111‬ــ ‪.111‬‬

‫‪217‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫االستصالح إلى القاعدة الرومية المسماة بالمرافق العامة‪،Utilitas publica ،‬‬


‫ويرفض المستشرق فيتز جيرالد هذه الفكرة ألن المرافق العامة لم تكن قاعدة‬
‫معترفا بها لتطور القانون الروماني(‪.)5‬‬
‫هذه بعض األمثلة التي ساقها >جولد زيهر< للتدليل على هذه الفرضية‪.‬‬
‫وقد أوردنا رد أحد المستشرقين‪ ،‬وسنعزز هذا الرأي بما ذكره المستشرق‬
‫>نالينو< للتشكيك في صحة هذه الفرضية حيث يقول‪> :‬فبعض المختصين‬
‫بالعلوم اإلسالمية الذين أبدوا فكرة االشتقاق‪ ،‬اكتفى باالدعاء أن العامة التي‬
‫هي ثمرة التخمين واالحتمال أكثر مما هي ثمرة البحث العميق‪ ،‬أو أنه اقتنع‬
‫بالنقاط المعينة المحدودة‪ ،‬أو يحشد المتشابهات التي تدهش أحيانا ولكن‬
‫ليس لها قوة اإلثبات‪ ،‬فال شك أن هذه المتشابهات تقدم مواد ذات شأن‬
‫للمسألة‪ ،‬ولكنها بعيدة جدا عن حلها<(‪.)2‬‬
‫وما تبناه هذا المستشرق ال يع ّد من قبيل إطالق الكالم على عواهنه‪،‬‬
‫وإنما يبنى على أدلة واضحة تتسم بعمق النظرة وقوة الحجة‪ ،‬فقد أشار إلى أن‬
‫المماثالت بين شرائع معينة من القانون الروماني في عهد جيستنيان‪ ،‬وبين‬
‫مثيالتها في الفقه اإلسالمي عديدة‪ ،‬ولكن هذا التشابه يكمن في اإلطار النظري‬
‫الشكلي الذي قد يربط الشرائع كلها‪ ،‬ولكن ال تؤيده العناصر الداخلية وال‬
‫الوثائق التاريخية‪ ،‬مما يتعذر علينا إيجاد عالقة نظام قانون بنظام قانون‬
‫آخر(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 111‬ــ ‪.116‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ .10‬نقال عن‪ :‬نالينو‪ :‬نظرات في عالقات الفقه اإلسالمي بالقانون الرومي‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر مثال‪ :‬أصول والتزامات خاصة بااللتزامات والمعاقدات في مدونة جوستنيان‪ ،‬ص‬
‫‪ 141‬ــ ‪.141‬‬

‫‪218‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫وهذه مالحظة جديرة بالذكر‪ ،‬ينبه إليها المستشرق >نالينو<‪ ،‬فاالقتصار‬


‫على المماثلة الظاهرية األولية ال تكفي لكي تعبر عن مماثلة في األصل أو‬
‫الروح أو التصور الذي انبثق منه هذا الظاهر‪.‬‬
‫ومن أجل إثبات هذا التشابه فنحن في أمس الحاجة إلى دليل وعالقة ال‬
‫تربط بين الظاهر فحسب‪ ،‬بل بين الظاهر والباطن‪ ،‬بين الفعل والمصدر‪.‬‬
‫يعزو المستشرق >نالينو< سبب بروز هذه الفرضية إلى القول بأن‬
‫أصحاب هذا االتجاه تغاضوا عن ثالث نقاط جوهرية‪:‬‬
‫ــ أنهم أهملوا االختالفات التي توجد بين مذهب ومذهب‪ ،‬وهي أحيانا‬
‫ذات شأن كبير حتى فيما بين مذاهب السنة األربعة‪ .‬فإذا حصل تشابه في‬
‫بعض المسائل بين رأي مذهب فقهي وبين القانون الروماني‪ ،‬فقد ال يحصل‬
‫هذا التشابه بين رأي المذاهب األخرى وبين القانون الروماني في تلك‬
‫المسائل‪ .‬وسبب هذا التقصير‪ ،‬ذكر بعض الذين لم يعرفوا العربية‪ ،‬فأوردوا‬
‫خصائص مذهب واحد من المذاهب‪ ،‬كأنها عناصر نموذجية في عموم الفقه‬
‫اإلسالمي(‪.)5‬‬
‫هذه المالحظات يعدها األستاذ عجيل جاسم النشمي غاية في الدقة‬
‫واالستقصاء‪ ،‬فالمماثالت العديدة بين الفقه اإلسالمي والقانون الروماني ال‬
‫ينبغي التعويل عليها‪ ،‬ألن المماثلة حينئذ ال تعني بالضرورة أنه الرأي النهائي‬
‫للفقه اإلسالمي‪ ،‬بل قد يكون رايا مرجوحا‪ .‬وقلما نجد مسألة في فروع الفقه‬
‫اإلسالمي ليس فيها خالف إال أنه خالف مرجعه االجتهاد الموثق بالدليل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬مجموعة دراسات لخمسة من العلماء المختصين‪ .‬هل للقانون الروسي تأثير على الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ص‪.14‬‬

‫‪217‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫المعول عليه(‪.)5‬‬
‫ــ أنهم أجهدوا أنفسهم في التنقيب عن المماثالت وأهملوا اإلشارة إلى‬
‫التناقضات التي من خاللها يمكن الوقوف على قيمة المماثالت ووزنها(‪.)2‬‬
‫ــ أنهم أهملوا الفرق الشاسع الذي يوجد بين الغرب القديم وبين العالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬في تصور القانون وفي مصادره‪.‬‬
‫فإن وجدت أمثلة من األفكار والمؤسسات التي كانت رائجة ومنتشرة في‬
‫العالم الذي فتحه المسلمون‪ ،‬وإن افترضنا أنها تالقت مع الحضارة اإلسالمية‬
‫واتصلت بها‪ ،‬ومع ذلك لم تنجح تلك األفكار والمؤسسات أن تنفذ في الفقه‬
‫اإلسالمي(‪.)3‬‬
‫وبالفعل فإن المستشرق صادق فيما ذهب إليه ألن اإلسالم الفاتح‬
‫اصطدم بحضارات عديدة المشارب مختلفة المصادر‪ ،‬ولو لم يكن لإلسالم ما‬
‫ينفرد به عن باقي هذه الحضارات في تصوره ومصادره ألصبح عالة على غيره‬
‫يأخذ من هنا وهناك‪.‬‬
‫ولقد عزز المستشرق رأيه بأمثلة ثالثة‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ فمن الشائع عند اليونانيين أن البيع والشراء عقد مالي ‪،contrat réel‬‬
‫بينما أجمعت المذاهب الفقهية اإلسالمية كلها على أنه عقد عن تراض ‪contrat‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المستشرقون ومصادر التشريع اإلسالمي‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫(‪ )2‬مجموعة دراسات لخمسة من العلماء المختصين‪ .‬هل للقانون الروسي تأثير على الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫(‪ )3‬مجموعة دراسات لخمسة من العلماء المختصين‪ .‬هل للقانون الروسي تأثير على الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ص ‪ 14‬ــ ‪.19‬‬

‫‪211‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫‪ .consensuel‬وليس هذا االختالف مرجعه إلى شغف المسلمين باألخذ من‬


‫القانون الروماني القديم‪ ،‬وال عن تفريقهم بين العقد المالي والعقد عن تراض‪،‬‬
‫بل ألن آية قرآنية نصت عليه‪{ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ}(‪.)5‬‬
‫‪ 2‬ــ لما سقطت اإلمبراطورية الرومانية في أيدي الفاتحين المسلمين‪،‬‬
‫واستولوا على أخصب مقاطعات الدولة‪ ،‬وجدوا هناك الرهن العقاري‪،‬‬
‫‪ hypothéque‬شائعا شيوعا عظيما‪ ،‬بالرغم مما تكتسيه من أهمية إال أن هذه‬
‫المؤسسة لم تنجح في أن تنفذ إلى القانون اإلسالمي إال في زماننا بسبب‬
‫التشريع األوروبي(‪.)2‬‬
‫‪ 3‬ــ وإلى جانب ذلك نجد إيجارات األراضي لآلجال الطويلة األمد‪،‬‬
‫والتي كانت منتشرة في العالم اليوناني‪ ،‬ولكنها لم تنفذ إلى الفقه اإلسالمي إال‬
‫بعد قرون عديدة‪ ،‬بسبب كثرة الشيوع لألوقاف واإلقطاعات الحكومية‪ ،‬ناهيك‬
‫على أنها لم تقبلها جميع المذاهب(‪.)3‬‬
‫هذه النماذج التي استعرضها هذا المستشرق وغيرها كثير‪ ،‬تثبت بما ال‬
‫يدعو للشك أن للفقه اإلسالمي أصالة في التصور التشريعي وفق مصادره‬
‫وحده‪ ،‬وتظل هذه األصالة محكّا لقيمة الفقه اإلسالمي ونضجه‪.‬‬
‫كما يلفت االنتباه هذا المستشرق إلى بديهية غفل عنها أصحاب هذا‬
‫الزعم‪ ،‬وهي أن واقع الكتابة والتصنيف الفقهي عند المسلمين ترد فكرة‬
‫محاكاة القانون الروماني‪ ،‬فلو وضع الفقهاء أمامهم كتب القانون الروماني لما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة النساء‪ ،‬آية ‪.19‬‬
‫(‪ )2‬مجموعة دراسات لخمسة من العلماء المختصين‪ .‬هل للقانون الروسي تأثير على الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪19‬‬

‫‪215‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫أدرجوا على إيراد مسائل المعادن والعبيد وملكية األراضي في أبواب شتى ال‬
‫يظن أهل القانون من األوربيين أن يجدوها فيها‪ ،‬ولما وضعوا مسائل الربا في‬
‫البيوع‪ .‬وعديد من المسائل التي وضعت في غير الوضع الذي يماثله في‬
‫القانون الروماني والقوانين األوربية عموما(‪.)5‬‬
‫لم يشذ نالينو بهذه اآلراء‪ ،‬بل نجد صدى لها عند العديد من الباحثين‬
‫الغربيين المنصفين‪ ،‬فهذا المستشرق بوسكة(‪ )2‬يقرر بأن الفقه اإلسالمي‬
‫يختلف عن القانون الروماني في الشكل والتصور‪.‬‬
‫فمن ناحية الشكل‪ ،‬فإن األحكام الفقهية التي تعطي للفقه صورته المميزة‬
‫ال تدين للقانون الروماني بشيء‪ ،‬فأمهات المسائل التي تندرج ضمن الزواج‬
‫والطالق والرق والجهاد وعقود الضرر‪ ،‬ونظام الميراث‪ ،‬وأحكام الشهادة‬
‫وآداب القضاء‪ ،‬كما يضيف بوسكة بأن أي تصور لوجود صلة بينها وبين‬
‫القانون الروماني تعد مخيبة لآلمال(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪ )2‬بوسكه‪ ،‬ج‪ .‬هـ ‪.Bousquet. G. H‬‬
‫درس في كلية الحقوق وعلم االجتماع في الجزائر‪.‬‬
‫مستشرق فرنسي‪ّ ،‬‬
‫من آثاره‪ :‬الزواج المشروط (‪ ،)1911‬ومختصر الفقه اإلسالمي على المذهب الشافعي‪،‬‬
‫ترجمة جديدة وتعليق‪ 5731( ،‬ــ ‪ ،)5731‬الفقه اإلسالمي والعرف في شمال إفريقيا‬
‫(‪.)5731‬‬
‫إضافة إلى العديد من المقاالت في المجالت العلمية والمختصة بالدراسات القانونية‬
‫والفقهية‪.‬‬
‫انظر‪ :‬نجيب العقيقي‪ ،‬المستشرقون‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 111‬ــ ‪.111‬‬
‫تكون الفقه وأصل مصادره‪ ،‬ترجمة‬‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ .19‬نقال عن‪ :‬ج‪ .‬هـ‪ .‬بوسكه‪ ،‬سر ّ‬
‫بهجت األرناؤوط‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫وكذلك الشأن بالنسبة لروح الفقه وتصوره‪ ،‬فالقانون الروماني أكثر تباعدا‬
‫ألن الفقه اإلسالمي ينفرد بميزتين أساسيتين‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ يأتي الفقه اإلسالمي مصنفا تصنيفا شامال تجتمع فيه الحقوق‬
‫واألخالق والدين وآداب المعامالت‪ ،‬ال تكاد هذه المسائل تنفصل عن‬
‫بعضها‪ ،‬وبالمثل فالحقوق في القانون الروماني تمثل التشريع اإلنساني للمسائل‬
‫المدنية والجزائية‪ ،‬حيث تنعدم فيه الصلة بأوامر اهلل ووحيه‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ غصت المسائل الفقهية بمناقشات وتعريفات غاية في الدقة‬
‫والتفصيل(‪ .)5‬والمستشرق هنا صادق في قوله‪ ،‬فبالفعل لم توجد في الحضارات‬
‫القديمة أمة كتبت في الفقه واشتغلت بالشؤون التشريعية مثل ما أثر ذلك عن‬
‫الحضارة اإلسالمية‪.‬‬
‫بعد أن يسوق المستشرق هذه األدلة‪ ،‬يبدي انبهاره وإعجابه بالفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فيقول‪> :‬وهكذا أجدني باقيا في حرجي وتذبذبي‪ ،‬متسائال أحيانا‪،‬‬
‫فيما إذا لم يكن من المرجح إلى حد بعيد أن نرى في الفقه شيئا إسالميا في‬
‫جوهره‪ ،‬وبذلك يكون إبداعا ذاتيا لإلسالم تقريبا‪ ،‬وهو إبداع مصنوع بأيدي‬
‫مفكريه األوائل‪ ،‬دون أية مساهمة مادية من الخارج أو قريبا من ذلك<‪.‬‬
‫ويضيف قائال‪> :‬وبهذا االعتبار فإن الفقه اإلسالمي يظهر وكأنه لباب‬
‫اإلسالم الخالص‪ ،‬وأن حدوثه يكون ظاهرة خاصة به‪ ،‬وحيدة من نوعها هي‬
‫ظاهرة خارقة للعادة إلى حد كبير<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 60‬ــ ‪.61‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪213‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫ثالثا‪ :‬خصائص الفقه اإلسالمي‪.‬‬


‫تبعا لما سبق نخلص إلى خصائص انفرد بها الفقه اإلسالمي حيث تؤكد‬
‫أصالته‪ ،‬وتنفي تبعيته للقانون الروماني أو غيره من التشريعات األخرى‪.‬‬
‫ومع أنه ليس في وسعنا أن نجمع أطراف هذه الخصائص لكثرتها ولكن‬
‫يمكن تلخيصها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ إن الفقه اإلسالمي يستمد من الكتاب والسنة‪ ،‬فمصدره األصلي‬
‫إلهي‪ ،‬عكس القانون الروماني الذي يستند إلى الفكر اإلنساني‪ ،‬فمصدره‬
‫بشري‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ إن الفقه اإلسالمي يتسع ليشمل العبادات والمعامالت‪ ،‬وبالمقابل‬
‫فإن القانون الروماني ال يهتم بالمسائل التعبدية‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ يعمد الفقه اإلسالمي إلى تنظيم كل العالقات االجتماعية في محيط‬
‫البيئة والدولة والعالم كله‪ ،‬وبالمقابل فإن القانون الروماني ال يولي اهتماما‬
‫بالسياسة الدولية‪ ،‬ويدرج هذا الجانب في علم السياسة‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ االختالفات العديدة في أكثر المسائل‪ ،‬سواء تعلق األمر بالجانب‬
‫الشكلي أو الروحي(‪.)5‬‬
‫وفي األخير ينبغي التذكير بأن مسألة المشابهات التي كانت مدخال‬
‫للتشكيك في أصالة اإلسالم‪ ،‬انعكست آثارها على القانون الروماني نفسه‪ ،‬حيث‬
‫كشفت بعض المشابهات في المصطلحات على أن أغلب هذه المصطلحات‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد الدسوقي‪ ،‬وأمينة جابر‪ ،‬مقدمة في دراسة الفقه اإلسالمي‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1990‬م)‪ ،‬ص‪ 14‬ــ ‪.10‬‬

‫‪211‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫ليست وثيقة الصلة بالقانون الروماني القديم‪ ،‬بل هي نتاج لتطور القانون بعد‬
‫الفتح اإلسالمي‪ .‬مما فتح األبواب على مصاريعها للعديد من التساؤالت‬
‫واالفتراضات التي تخدش في أصالة القانون الروماني‪ ،‬لذلك ال يتبعد القانوني‬
‫>مارسيل ــ أ ــ برازار< أحدي مديري برامج التكوين الدبلوماسي في المعهد‬
‫الجامعي للدراسات الدولية بجنيف‪ ،‬من حصول هذا االقتباس‪ ،‬فيصرح قائال‪:‬‬
‫>ومع ذلك فإن التأثير القانوني للحضارة العربية اإلسالمية على أروبا عند‬
‫نهضتها يبدو أمرا ال جدال فيه‪ .‬حقًّا لقد شجع تعايش الحضارتين مع تقدم‬
‫األمن على االنسياق وراء القيام بوضع المفاهيم الواحد إزاء اآلخر بصورة‬
‫سطحية‪ ،‬ثم الوصول إلى نتيجة تقول بحصوص التأثير<(‪ .)5‬ويقول في موضع‬
‫آخر‪> :‬وفعال فإن الشريعة اإلسالمية بما تنطوي من المعاني األخالقية‪ ،‬ومن‬
‫المعالجات المجردة قد قدمت للغرب المبدأين األساسيين اللذين سيعتمد‬
‫عليهما كل بناء الحق للقانون‪ ،‬وهما المساواة وصدق النية<(‪.)2‬‬
‫فهل يمكن أن تكون هذه الشهادات المنصفة من قبل الباحثين الغربيين‬
‫مؤشرا حقيقيا لطي صفحة التشكيك في أصالة الفقه اإلسالمي؟ وهل تكون‬
‫بداية حقيقية لفضح بحوث المتآمرين وكشف زيفها؟ هؤالء الذين آثروا‬
‫التشكيك منطلقا لبحوثهم‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬من تأثيرات اإلسالم المحتملة جدا على مؤسسي القانون الدولي في الغرب‪( ،‬مجلة‬
‫األصالة‪ ،‬الملتقى الثالث عشر للفكر اإلسالمي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬وزارة الشؤون الدينية)‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.111‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.119‬‬

‫‪211‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫املطلب الثاني‪ :‬الطعن يف مشولية الفقه اإلسالمي‬

‫أوال‪ :‬شبهة قصور الفقه اإلسالمي‬


‫تطرقنا في دراستنا السابقة إلى محاوالت التشكيك في استقاللية الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬واتهامه بالسطو على القوانين الرومانية‪ ،‬واالقتباس منها‪ ،‬وقد‬
‫كشفت لنا الدراسة‪ ،‬أنها لم تكن إال ضربا من التخمين‪ ،‬لما تنطوي عليه من‬
‫تحامل‪.‬‬
‫ولذلك‪ ،‬عمد المستشرقون المعاصرون إلى شن حمالت تشكيك‪،‬‬
‫تستهدف تجريد الفقه اإلسالمي من واقعيته وصالحيته للتطبيق في كل زمان‬
‫ومكان‪.‬‬
‫ولسنا هنا في حاجة إلى التذكير‪ ،‬بأن الفقه اإلسالمي تفرد بهذه الميزة‬
‫عن باقي الشرائع والقوانين الوضعية‪ ،‬بشهادة المستشرقين كما سنذكر الح ًقا‪.‬‬
‫لعل من أخطر الشبهات التي أثيرت على الفقه اإلسالمي‪ ،‬تلك التي‬ ‫ّ‬
‫تتهمه بالقصور‪ ،‬وأنه غير صالح للتطبيق في كل زمان ومكان‪ ،‬وأن أحكامه ال‬
‫تساير االحتياجات المتغيرة والقضايا الطارئة‪ .‬خاصة أن أصحاب هذه‬
‫الصيحات يعتقدون أن الفقه اإلسالمي ال ينبني على قواعد كلية‪ ،‬وإنما هو‬
‫حلول فرعية لمشاكل فردية استنبطها المجتهدون لعالج هذه المشاكل‪ .‬وبالتالي‬
‫فال يمكن أن يكون أسا ًسا للتقنين ومصدرا للتشريع(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد عبد اهلل الشرقاوي‪ ،‬االستشراق في الفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬دراسة تحليلية‬
‫تقويمية‪ ،‬ص‪ 161‬ــ ‪.161‬‬

‫‪211‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫كما يُتهم الفقه اإلسالمي بأنه لم يعرف تفريعات القوانين الوضعية‬


‫المختلفة التي تواجه الحياة الحاضرة‪ ،‬لما فيها من تعقيدات وأحكام ال قِبل له‬
‫بها‪ ،‬كالقانون الدولي الخاص‪ ،‬والقانون اإلداري‪ ،‬والقانون المالي‪ ،‬والقانون‬
‫الدستوري‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫هذا ما حدا ببعضهم إلى القول بأن الفقهاء المسلمين ال يعرفون معنى‬
‫مصطلح القانون‪ ،‬ألنه ورد إلينا في كتبهم ممزوجا باألخالق‪ ،‬وأقصى ما‬
‫يدون على هيئة نظريات عامة‪ ،‬كما هو موجود‬
‫يقدمونه من دليل هو أن الفقه لم ّ‬
‫في القوانين الوضعية‪ ،‬مما يتعذر معه الرجوع إلى أحكامه وتلمس الحلول من‬
‫خاللها(‪.)5‬‬
‫كما تعالت صيحات التشكيك إلى التعبير على أن الفقه اإلسالمي ال‬
‫يتكفل بالمستجدات التي أفرزها هذا العصر من معامالت ومشاكل‪ ،‬كالتأمين‬
‫على الحياة‪ ،‬ونظام التجارة الدولية‪ ،‬والمصارف المحلية والدولية‪ ،‬والنظام‬
‫االقتصادي العالمي‪ ،‬وغيرها من القضايا التي يزخر بها الواقع المعاصر‪.‬‬
‫باإلضافة إلى أن الفقه اإلسالمي أصبح ال يتناسب ونظام العقوبات الحديثة‪،‬‬
‫واستبدالها بعقوبات أخرى معنوية‪ ،‬فهو يعج بالعقوبات القاسية‪ ،‬كالرجم‬
‫وصلب المحارب وقطع يد السارق والجلد‪ ،‬وغيرها من العقوبات التي ال‬
‫تتوافق والحس الحضاري ومبادئ حقوق اإلنسان(‪.)2‬‬
‫وتبعا لذلك يخلصون إلى نتيجة مفادها أن الفقه اإلسالمي فقه قديم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ساسي سالم الحاج‪ ،‬الظاهرة االستشراقية وأثرها في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )2‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬وجوب تطبيق الشريعة اإلسالمية والشبهات التي تثار حول‬
‫تطبيقها‪( .‬الرياض‪ ،‬محاضرات مؤتمر الفقه اإلسالمي‪ ،‬عام ‪1196‬هـ‪ ،‬جامعة اإلمام محمد‬
‫بن سعود اإلسالمية‪1101 ،‬هـ‪1941/‬م) ص‪ 111‬ــ ‪.111‬‬

‫‪217‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫ال يصلح لهذا العصر‪ ،‬وليس بإمكانه تقديم حلول لمشكالت الحياة المتطورة‬
‫وأوضاعها المتغيرة‪ ،‬ألنه فقه قديم ارتبط بعصر غير هذا العصر‪ ،‬وبيئة غير هذه‬
‫البيئة‪ ،‬ومجتمع غير هذه المجتمعات‪.‬‬
‫واألخطر في هذه الفرية أنها استطاعت أن تسري سريانها وتسلك سبيلها‬
‫في توجيه األفكار الظاهرة والمنتشرة في العالم اإلسالمي‪ ،‬ووجد من يدعو‬
‫إليها جهارا من المسلمين(‪.)5‬‬
‫وفي هذا المبحث دراسة لموقف االستشراق المعاصر من ثبات الفقه‬
‫أعرج فيها على بعض التصريحات التي تكشف عن‬ ‫اإلسالمي وشموليته‪ّ ،‬‬
‫مقاصد بعض المستشرقين وتأثر العديد من الباحثين العرب بمثل هذه المزاعم‪،‬‬
‫ثم التطرق إلى تفرد األحكام الشرعية بخصائص جعلت من الفقه اإلسالمي‬
‫رائدا ال تضاهيه القوانين الوضعية‪.‬‬
‫ولإلحاطة بالموضوع ينبغي اإلجابة عن هذه األسئلة‪:‬‬
‫ــ كيف تسربت هذه المزاعم إلى العالم اإلسالمي؟ ومن تولّى إثارتها؟‬
‫ــ ما هي مقاصدهم من كثرة إثارة هذه المزاعم بالذات؟‬
‫المتوخى في بحوثهم في هذا المجال؟ وهل تحكمه‬
‫ّ‬ ‫ــ ما هو منهجهم‬
‫الموضوعية العلمية؟‬
‫ــ ماذا تعني هذه المصطلحات التي كثر تداولها في فكرنا المعاصر‪،‬‬
‫وانتشرت في كل مكان‪ ،‬مثل التجديد‪ ،‬اإلصالح‪ ،‬التطور‪ ،‬العلمانية‪ ،‬التخلص‬
‫من مخلفات العصور الوسطى القديمة‪ ،‬وما عدا ذلك من مسميات يزعم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد مصطفى شلبي‪ ،‬الفقه اإلسالمي بين المثالية والواقعية‪( ،‬بيروت‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬د‪.‬‬
‫ط‪1941 .‬م) ص‪ 11‬ــ ‪.11‬‬

‫‪218‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫أصحابها أنها حقائق علمية‪ ،‬ويجعلون منها أسسا لبحوثهم؟‬

‫ثانيا‪ :‬دور االستشراق التصادمي يف بث هذه الشبهة‪.‬‬


‫ليس من شك في أن المستشرقين أولوا اهتماما بالغا لموضوع صالحية‬
‫الفقه اإلسالمي وتطبيقه في كل زمان ومكان‪ ،‬تستند شبهات المتعصبين منهم‬
‫المبثوثة على فصل الدين عن الحياة‪ ،‬وإضعاف سلطانه في النفوس‪ ،‬وعلى‬
‫ضوء هذا يعترف جب بأن من أهداف الدراسات االستشراقية الكبرى‪> ،‬كانت‬
‫النتيجة الخالصة لهذه الحركة التعليمية‪ ،‬أنها حررت بقدر ما كان لها تأثير نزعة‬
‫الشعوب اإلسالمية عن سلطان الدين دون أن تحس الشعوب بذلك غالبا‪،‬‬
‫وهذا وحده تقريبا هو جوهر كل نزعة غربية فعالة في العالم اإلسالمي<(‪.)5‬‬
‫ولذلك عمدت الدراسات االستشراقية للتشكيك في حيوية الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬يتبجح بذلك جولد زيهر في قوله‪> :‬كانت تطورات التفكير‬
‫اإلسالمي ودفع األشكال العلمية له وتأسيس النظم‪ ،‬كل ذلك جاء نتيجة لعمل‬
‫الحلق التاليين‪ ،‬ولم يتم هذا بدون نتاج داخلي وتوفيقات‪ ،‬وهكذا يظهر غير‬
‫صحيح ما يقال من أن اإلسالم في كل العالقات جاء إلى العالم طريقة كاملة‪،‬‬
‫بل على العكس فإن اإلسالم والقرآن لم يتمما كل شيء‪ ،‬بل كان ثمة كمال‬
‫لعمل األجيال الالحقة<(‪.)2‬‬
‫ويضيف قائال‪> :‬القرآن نفسه لم يعط من األحكام إال القليل‪ ،‬وال يمكن‬
‫أن تكون أحكامه شاملة لهذه العالقات غير المنتظرة‪ ،‬مما جاء من الفتوح‪ ،‬فقد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد شلبي‪ ،‬الفقه اإلسالمي بين المثالية والواقعية‪( ،‬بيروت‪ :‬الدار الجامعية‪،)5782 ،‬‬
‫ص ‪ 53‬ــ ‪.51‬‬
‫(‪ )2‬العقيدة والشريعة في اإلسالم‪ ،‬ص ‪.10‬‬

‫‪217‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫كان مقصورا على حاالت العرب الساذجة‪ ،‬ومعنيا بها بحيث ال يكفي لهذا‬
‫الوضع الجديد<(‪.)5‬‬
‫ومما يتضح قصده‪ ،‬بأن اإلسالم لم يكون في عهد الرسول ناضجا‬
‫مكتمال‪ ،‬وأنه لم يشمل إال على قلة من األحكام تالئم العرب البدو فحسب‪.‬‬
‫إن رفع شعار فصل الدين عن الدولة‪ ،‬هي فكرة صهيونية أصال‪ ،‬حيث كان‬
‫الهدف من إثارتها إسقاط الخالفة اإلسالمية‪ ،‬لتهيئة الظروف إلقامة دولة إسرائيل‪.‬‬
‫وبمرور الوقت‪ ،‬تسللت هذه الفكرة إلى الفكر الغربي فتبنتها الحضارة‬
‫الغربية فيما بعد‪ ،‬ولذلك انتصر لها العديد من المفتونين بهذه الحضارة من‬
‫مثقفين وزعماء في العالم اإلسالمي‪ ،‬حيث ثم إقصاء الكنيسة عن شؤون‬
‫الدولة وقضايا الحكم(‪.)2‬‬
‫وقد ظن هؤالء المفتونون من المسلمين بالثقافة الغربية أن تطبيق الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬قد يضر باألقليات غير المسلمة‪ ،‬ويثير النوازع والمشاعر الطائفية‪،‬‬
‫ويلهب الضغائن واألحقاد الدينية في نفوسهم‪ ،‬مما يعرض األمة لخطر‬
‫االنقسام‪ ،‬ويهددها في وحدتها وتآزرها‪.‬‬
‫ونحن بدورنا نتساءل مع األستاذ >د غنايم< إذا كان الهدف من الفكرة‬
‫أساسا هو إسقاط الخالفة اإلسالمية وإقامة دولة إسرائيل‪ ،‬أفال يكون ذلك‬
‫دليال على خطورة الفكرة؟ أو ليست ثمارها قد ظهرت وأينعت؟ فهل ننتظر‬
‫المزيد؟(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬محمد نبيل غانم‪ ،‬شبهات حول التشريع اإلسالمي‪( ،‬الجزائر‪ ،‬دار اآلفاق‪ ،‬د‪ .‬ط ــ د‪ .‬ت)‬
‫ص‪ 41‬ــ ‪.46‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫دحض هذه الشبهة‪:‬‬


‫إن األحكام الشرعية في الفقه اإلسالمي تمتاز بخصائص تجعلها كفيلة‬
‫بالرد على دعاوي هذه الشبهة ومزاعمها‪ ،‬وتؤكد على صالحية الفقه اإلسالمي‬
‫للتطبيق في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫* تأسيس القواعد الكلية‪.‬‬
‫تعرف القاعدة عند الفقهاء بأنها الحكم الغالب الذي ينطبق على معظم‬
‫الجزئيات‪ ،‬وهي ضوابط فقهية تزن بها األحكام الفقهية عند تخريجها(‪.)5‬‬
‫لقد أرسى القرآن الكريم هذه القواعد الكلية والمبادئ العامة للتشريع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وأن السنة وردت إلينا لبيان ما أجمله القرآن‪ ،‬وتفصيل ما يحتاج‬
‫إلى تفصيل من األحكام‪ ،‬ووضعت بذلك األسس العملية الالزمة لوضع‬
‫أحكام التشريع القرآني موضع التطبيق‪.‬‬
‫ومع ما يبدو من تنوع هذه القواعد‪ ،‬ولكنها جميعا تستظل دائما بظالل‬
‫القرآن الكريم والسنة النبوية‪ ،‬وال يخرج منها عن سلطانها‪ ،‬وال تتجاوز إطارها‬
‫خشية أن تفقد شرعيتها(‪ .)2‬ولذلك لم ُتعن بتفصيل أحكام الوقائع تفصيال‬
‫شامال‪ ،‬بل فصلت أحكام عالقة العبد بربه‪ ،‬من عقائد وعبادات‪ ،‬وما أُلحق‬
‫بالعبادات من أحوال شخصية ومواريث‪ ،‬ألن هذه األحكام إما تعبدية ال‬
‫سلطان للعقل عليها‪ ،‬فمراد الشارع السمو بها عن مواضع الخالف والجدل‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬علي أحمد الندوي‪ ،‬القواعد الفقهية‪ ،‬مفهومها نشأتها تطورها‪ ،‬دراسة مؤلفاتها أدلتها‪،‬‬
‫مهمتها‪ ،‬تطبيقاتها‪( .‬دمشق‪ ،‬دار القلم‪ ،‬ط‪1111 ،1‬هـ‪ ،)1991/‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )2‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬األشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1111 ،1‬هـ‪1990/‬م) ص‪ 6‬ــ ‪.1‬‬

‫‪275‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫وإما أحكام معقولة ولكن مصالحها دائمة ال تتبدل بتغير األزمنة‪ ،‬وال باختالف‬
‫األصقاع والبيئات‪.‬‬
‫وأما ما عدا ذلك مما يندرج ضمن األحوال المدنية واالقتصادية والجنائية‬
‫والدستورية والدولية‪ ،‬فجاءت أحكامها في صورة قواعد عامة اقتصر فيها على‬
‫إرساء المبادئ األساسية‪ ،‬مع اإلشارة إلى مقاصد التشريع‪ ،‬دون اإلغراق في‬
‫التفاصيل‪ ،‬ألن مصالحها دائمة ال تتغير‪ ،‬وظهورها على هذه الهيئة أكثر مالءمة‬
‫لمصالح الناس وحاجاتهم‪.‬‬
‫فالنصوص الكلية تقرر المبادئ وتفسح المجال واسعا لتطبيقها حسبما‬
‫تقتضيه حاجات الناس‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك وردت األحكام في القرآن الكريم على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ األحكام االعتقادية‪ :‬وقد وردت مفصلة تفصيال يفي بالغرض‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ األحكام األخالقية‪ :‬ما يجب أن يتحلى به المكلف من الفضائل‪،‬‬
‫وأن يتخلى عنه من الرذائل‪ ،‬وهي واضحة الداللة تقيد بمدى ارتباطها بأحكام‬
‫القرآن لتكوين قواعد فقهية‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ األحكام العملية‪ :‬وهي تندرج ضمن ما يصدر عن المكلف من‬
‫أقوال وأفعال وعقود وتصرفات‪ .‬وهذا النوع هو فقه القرآن(‪.)5‬‬
‫والمتفحص لألحكام العملية التي وردت في القرآن الكريم لوجد ما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عبد الوهاب خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪( ،‬الجزائر‪ ،‬الزهراء للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1990‬م)‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪272‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫يقارب سبعين آية تتناول أحكام األحوال الشخصية‪ ،‬وما يعدل نحو سبعين آية‬
‫تتعرض لألحكام المدنية المتعلقة بمعامالت األفراد ومبادالتهم من بيع وإجارة‬
‫ورهن وكفالة وشركة وغيرها‪ ،‬ونحو ثالثين آية تتحدث عن األحكام الجنائية‬
‫المتعلقة بالجرائم والعقوبات المقدرة لها‪ .‬ونحو عشر آيات تتناول األحكام‬
‫الدستورية‪ ،‬ونحو خمس وعشرين آية تعالج أحكام القانون الدولي كعالقة‬
‫المسلمين بغيرهم إبان السلم والحرب‪ ،‬ونحو عشر آيات تندرج ضمن األحكام‬
‫االقتصادية والمالية‪ ،‬وما يقارب ثالث عشرة آية تخص أحكام المرافعات‪،‬‬
‫وهي التي تتعلق بالقضاء والشهادة واليمين‪ ،‬ويقصد بها تنظيم اإلجراءات‬
‫لتحقيق العدل بين الناس(‪.)5‬‬
‫وينبغي التذكير أن األحكام في مقام الحظر والتحريم سلكت مسلكا يغاير‬
‫مسلكها في مقام اإلباحة والتحليل‪ ،‬ففي األول إغراق في التفصيل‪ ،‬وفي‬
‫الثاني إجمال وإطالق‪ .‬ولذلك يذهب العلماء إلى أن األصل في األشياء‬
‫اإلباحة‪ ،‬وأن التحريم والحظر جاء على خالف األصل‪ ،‬فهو متوقف على‬
‫وجود النص(‪.)2‬‬
‫هكذا وفرت التشريعات القرآنية وأحاديث األحكام أساسا كافيا لضبط‬
‫حاجات المجتمع وعالقات األفراد والمؤسسات فيه‪ ،‬ولذلك لم يعجز الفقه‬
‫اإلسالمي على مر العصور عن االستجابة لمصالح الناس وحاجاتهم‪ ،‬وقد جاء‬
‫هذا مخالفا لألحكام التي وردت في الكتب المقدسة‪ ،‬والتي عمدت إلى‬
‫التفصيل واإلطناب‪ ،‬مما يتعذر معه تكييفها مع تغير األزمنة وتطور البيئات‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )2‬محمد مصطفى شلبي‪ ،‬الفقه اإلسالمي بين المثالية والواقعية‪ ،‬ص‪ 111‬ــ ‪.111‬‬

‫‪273‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫يتضح مما سبق أن ورود األحكام الشرعية على هيئة قواعد كلية يعد‬
‫دليال قاطعا على بطالن دعوى المستشرقين التصادميين وبعض الكتاب‬
‫المسلمين من أن الفقه اإلسالمي ال يتعدى الحلول الجزئية لمسائل فردية‪ ،‬وأنه‬
‫يخلو من قواعد تحكم فروعه‪ ،‬ليصلوا بذلك إلى القول بعدم صالحيته أصال‪.‬‬

‫* تعليل األحكام‪.‬‬
‫يذهب جمهور األصوليين إلى أن األصل في النصوص هو التعليل إال‬
‫لمانع‪ ،‬كالنصوص الواردة في المقدرات من العبادات والعقوبات(‪.)5‬‬
‫ومن المتفق عليه بين الجمهور وعلماء المسلمين أن اهلل شرع أحكامه‬
‫لمقاصد معتبرة تجلب للناس المنفعة وتدفع عنهم المفسدة‪.‬‬
‫وأبان اهلل ما في األفعال من مصالح ترغيبا في إتيانها‪ ،‬وما في بعضها من‬
‫مفاسد حثا على اجتنابها‪ .‬ولذلك فإن التعليل هو كشف لما يترتب على‬
‫األفعال المأمور بها من مصالح تعود على النسا ثمرة المتثالهم لألوامر‪ ،‬وعلى‬
‫المنهيات من مفاسد نتيجة القترافها‪.‬‬
‫وعلى ضوء ذلك يذهب المحققون إلى أن األحكام لم تكن محض أوامر‬
‫ونواهي قصد بها مجرد إخضاع المكلفين بها‪ ،‬ولكنها فوق ذلك جاءت لتحقيق‬
‫مصالحهم‪ ،‬فتجلب لهم المنافع وتبعد عنهم الضرر‪ ،‬وفيه إشارة إلى أنها تقترن‬
‫بعلتها وجودا وعدما(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد الطاهر بن عاشور‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪( ،‬تونس‪ ،‬الشركة التونسية للتوزيع‪ ،‬د‪.‬‬
‫ط‪1914 .‬م)‪ ،‬ص‪ 11‬ــ ‪.14‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫ووهبة الزحيلي‪ ،‬الوسيط في أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 611‬ــ ‪.614‬‬

‫‪271‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫عبر عن هذا المعنى اإلمام الشاطبي فأجاد في قوله‪> :‬النظر في‬ ‫وقد ّ‬
‫مأالت األفعال معتبر مقصود شرعا‪ ،‬كانت األفعال موافقة أم مخالفة‪ ،‬وذلك أن‬
‫المجتهد ال يحكم على فعل من األفعال الصادرة عن المكلفين باإلقدام أو‬
‫باإلحجام إال بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل‪( ،‬فقد يكون) مشروعا‬
‫لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ‪ ،‬ولكن له مآل على خالف ما قصد فيه‪،‬‬
‫وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به‪ ،‬ولكن له مآل‬
‫على خالف ذلك‪.‬‬
‫فإذا أطلق القول األول بالمشروعية فربما أدى إلى استجالب المصلحة‬
‫فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها‪ ،‬فيكون هذا مانعا من إطالق‬
‫القول بالمشروعية‪ ،‬وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية‪ ،‬ربما‬
‫أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد‪ .‬فال يصح إطالق القول بعدم‬
‫المشروعية‪ ،‬وهو مجال المجتهد صعب المورد‪ ،‬إال أنه عذب المذاق‪ ،‬محمود‬
‫ال ِغ ّب‪ ،‬جار على مقاصد الشريعة<(‪.)5‬‬
‫ثم أردف األدلة على ذلك‪ ،‬منها أن االستقراء في النصوص يفيدنا بأنها‬
‫معتبرة بالمأالت في أصل المشروعية‪ ،‬وذلك في آيات التعليل وأحاديثه(‪.)2‬‬
‫واإلمام الشاطبي محق فيما ذهب إليه‪ ،‬ألن التعاليل الكثيرة في القرآن‬
‫الكريم تصرح بأن الشارع ينظر في تشريعه إلى ما ينجر عنها ويربط األسباب‬
‫بالمسببات‪ .‬فالقرآن الكريم عند تحريمه لشرب الخمر ولعب الميسر برر ذلك‬
‫بما يقع بسببهما من أضرار ومفاسد‪ .‬فالباعث لهذا الحكم مراعاة مصالح‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬أبو إسحاق الشاطبي‪ ،‬الموافقات في أصول الشريعة‪( ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت)‬
‫ج‪ ،1‬ص‪ 191‬ــ ‪.191‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 196‬ــ ‪.194‬‬

‫‪271‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫الناس‪ ،‬ودرء المفاسد عنهم‪ ،‬وبذلك تشكل ركنا أساسيا في الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫وقد أشاد فقهاء اإلسالم قديما بأهمية المصلحة في تجديد الفقه‬
‫وتطوره‪ ،‬ومدى ضرورتها في استنباط األحكام الشرعية‪ ،‬وهذا ابن القيم يفصح‬
‫عن أهمية المصلحة في تطور الفقه اإلسالمي بقوله‪> :‬فإن الشريعة مبناها‬
‫وأساسها على ال ِحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد‪ ،‬وهي عدل كلها‬
‫ورحمة كلها ومصالح كلها‪ ،‬فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن‬
‫الرحمة إلى ضدها‪ ،‬وعن المصلحة إلى المفسدة‪ ،‬وعن الحكمة إلى العبث‪،‬‬
‫فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل‪ ،‬فالشريعة عدل اهلل بين عباده‪،‬‬
‫ورحمته بين خلقه<(‪.)5‬‬
‫ويضيف ابن القيم قائال‪> :‬فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء‬
‫والعصمة‪ ،‬وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها‪ ،‬وحاصل بها‪ ،‬وكل‬
‫نقص في الوجود فسببه من إضاعتها‪ ،‬ولوال رسوم قد بقيت لخربت الدنيا‬
‫وطوى العالم‪ ،‬وهي العصمة للناس وقوام العالم‪ ،‬وبما يمسك اهلل السماوات‬
‫واألرض أن تزوال‪ ،‬فإذا أراد اهلل سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم رفع‬
‫إليه ما بقي من رسومها‪ ،‬فالشريعة التي بعث اهلل بها رسوله هي عمود العالم‪،‬‬
‫وقطب الفالح والسعادة في الدنيا واآلخرة<(‪.)2‬‬
‫وبهذا تعتبر معرفة مقاصد الشريعة‪ ،‬من العوامل التي يستعان بها على‬
‫إدراك النصوص الشرعية‪ ،‬وتطبيقها على األحداث‪ ،‬كما تساعدنا على استنباط‬
‫األحكام الشرعية وكشف غايتها وأهدافها‪ ،‬وتعيننا على إيجاد الحلول الناجعة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬أعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬تحقيق طه عبد الرؤوف سعد‪،‬‬
‫(القاهرة‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت‪ ).‬ج‪ ،1‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫لجميع المشاكل والحوادث التي تواجهنا في عصرنا وغيره من العصور‪.‬‬


‫* الحث على االجتهاد‪.‬‬
‫إن المتفحص للعديد من نصوص األحكام ليجد تنوعا في دالالتها على‬
‫معانيها‪ ،‬فلم تكن كلها قطعية‪ ،‬بل منها ما هو قطعي‪ ،‬بحيث يدل على معناه‬
‫قطعا ويقينا‪ ،‬فيما إذا كان اللفظ يدل على معناه مع احتماله لمعنى آخر(‪.)5‬‬
‫النوع األول ال يحتمل أي تأويل‪ ،‬وهذا ال مجال فيه لالجتهاد‪ ،‬وال‬
‫لالختالف في التفسير أو الفهم‪ ،‬فهو يدل بصيغته على المراد منه(‪.)2‬‬
‫أما النوع الثاني الظني يقبل التأويل ويكون النص محال لالجتهاد‬
‫واختالف المجتهدين في الفهم واالستنباط(‪.)3‬‬
‫ومن أمثلة القطعي آيات المواريث والحدود‪ ،‬فهنا ال دخل للعقل فيها‬
‫بالتغيير أو التبديل‪ ،‬ألن تغييرها خروج عن مراد الشارع قطعا‪ ،‬أما النصوص‬
‫الظنية ــ كما سبق أن أشرنا ــ فهي تدل على معنى واحد‪ ،‬وتحتمل الداللة‬
‫على معنى آخر‪ ،‬ومع ورود هذا االحتمال ال يكون أحد المعاني مدلول النص‬
‫قطعا‪.‬‬
‫وقد يرد االحتمال إما من وجود لفظ مشترك‪ ،‬أو من لفظ تحيط به قرائن‬
‫يجوز صرفه عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر مجازي‪ ،‬أو تصرفه من العموم‬
‫إلى الخصوص‪ ،‬أو من المطلق إلى المقيد‪ ،‬وهذا النوع إذا لم يوجد من الشارع‬
‫نص صريح يبين المراد منه‪ ،‬يكون موضع اختالف األفهام‪ ،‬ومجاالت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد مصطفى شلبي‪ ،‬الفقه اإلسالمي بين المثالية والواقعية‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )2‬عبد الوهاب خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.111‬‬

‫‪277‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫ملحة لالجتهاد(‪.)5‬‬
‫للتأويل‪ ،‬وهكذا تكون الحاجة ّ‬
‫يتضح مما سبق أن من العوامل األساسية التي تبعث على االجتهاد‬
‫وتحث عليه هو منهج القرآن الكريم في عرض األحكام‪ ،‬فقد سبق وأن أشرنا‬
‫إلى أن اآليات القرآنية التي تتناول المسائل العلمية جاءت على هيئة قواعد‬
‫كلية غير مفصلة‪ ،‬إال في القليل النادر‪ ،‬وهذا ما يفسح المجال لالجتهاد بالرأي‬
‫الذي يتم عن طريق فهم تلك القواعد الكلية وبيان مدلولها‪ .‬ثم تطبيق ما ينجر‬
‫عن تلك القواعد من حلول جزئية إلى الوقائع والنوازل‪.‬‬
‫كما أن االجتهاد ضروري في كشف مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬هذه‬
‫المقاصد مبثوثة في األحكام الكلية الواردة في القرآن الكريم‪ ،‬وفي األحاديث‬
‫النبوية الصحيحة‪ ،‬ناهيك عن ضرورة االجتهاد في األحكام الظنية لتحديد‬
‫المعنى المراد من النص من بين معانيه المختلفة‪.‬‬
‫ومن هنا تبرز ضرورة االجتهاد وأهميته في اإلسالم‪ ،‬وطبقا لهذا المبدأ‬
‫اعتمد الخلفاء الراشدون والسلف الصالح حيث كان االجتهاد في عهودهم‬
‫مقررا مكفوال بالتقدير والعناية‪.‬‬
‫فالمؤكد أن االجتهاد ميزة بارزة تمتاز بها الشريعة الغراء‪ ،‬حيث يمدها‬
‫بالحيوية واالستمرار واالنفتاح‪ ،‬فهو يعد ضرورة من ضرورات التشريع‪ ،‬ولواله‬
‫لتعطلت كثير من األحكام على ما يستجد من أحداث مما ال نص فيه وال‬
‫دليل‪.‬‬
‫هذا ما تعترف به األستاذة >لوراقا جليري< في قولها‪> :‬إننا ندين بأعمق‬
‫اإلعجاب ال يقف عند حد الدراسات النظرية لمطالب الطبيعة البشرية‪ ،‬وال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة الفقه اإلساليم‬

‫يكتفي بوضع مجموعة من أرفع القواعد التي تمكن الناس من العيش الكريم‪،‬‬
‫ولكنه يقدم فلسفة للحياة ترسي المبادئ األساسية لألخالق على أسس سليمة‬
‫فعالة تشرح واجب الفرد حيال نفسه وحيال الناس‪ ،‬قادرة على التطور ومجاراة‬
‫أرفع التطورات العقلية مما يقطع بمصدرها اإللهي<(‪.)5‬‬
‫كانت شريعة اإلسالم متجددة متطورة واكبت نهضة األمة‪ ،‬وفتحت‬
‫أمامها آفاق المستقبل‪ ،‬ووفرت لها األرضية التي تقف عليها من أجل حل‬
‫مشاكلها‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬تفسير اإلسالم‪ ،‬ترجمة أحمد أمين عـز العرب‪( ،‬القاهرة‪ ،‬المكتب الفني للنشر‪ ،‬د‪ .‬ط‪.‬‬
‫‪1919‬م)‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪277‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫‪5‬‬
‫مناهج االسترشاق املعارص يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫املطلب األول‪ :‬االستشراق املعاصر واملصادر التارخيية‬

‫أوال‪ :‬صلة التاريخ بالفكر اإلسالمي‪.‬‬


‫مما ال شك فيه أن الدراسات التاريخية اليوم دخلت عهدا جديدا فلم‬
‫تعد تنحصر في معرفة الماضي‪ ،‬بل هي معرفة الحاضر والمستقبل‪ .‬ومثلما‬
‫اتسعت دائرة الدراسات التاريخية حتى غطت الزمن كله‪ ،‬ما مضى منه وما هو‬
‫حاضر‪ ،‬وما هو قادم‪ .‬فكذلك تفرعت مادتها حتى حوت التجربة اإلنسانية‬
‫بكاملها‪ .‬ومعنى هذا أن مجاالت البحث في التاريخ ال تقتصر على سرد‬
‫األحداث السياسية والعسكرية بل تشق طريقها لتشمل التطورات االجتماعية‬
‫واالقتصادية والثقافية أيضا‪.‬‬
‫بهذا المعنى أضحى تقدم األمم وازدهارها مرهونا بمدى وعيها لبعدها‬
‫التاريخي‪ ،‬فهو الذي يحدد وجودها في الزمان من حيث استيعابها لماضيها‪،‬‬
‫وتصورها لحاضرها‪ ،‬فيمكنها من رصد دورها التاريخي‪ ،‬وفي أي مرحلة من‬
‫مراحل التاريخ تحيا‪ .‬فهو ذاكرتها التي توجهها وتأخذ بزمامها‪.‬‬
‫وإذا كان التاريخ بهذه المنـزلة ألي أمة‪ ،‬فهو بالنسبة لألمة اإلسالمية‬
‫‪281‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫أكثر أهمية‪ ،‬وحمايته وصيانته أشد ضرورة ولذلك فالحديث عن التاريخ‬


‫اإلسالمي يقودنا إلى الحديث عن تلك المسيرة التي أقلعت باألمة حضاريا‪،‬‬
‫مع بعثة الرسول ‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك يتعذر علينا معرفة نشأة التاريخ اإلسالمي وتطوره دون‬
‫اإلحاطة بمالبسات وتداعيات المرحلة التي ارتبطت بظهور اإلسالم وتسارع‬
‫األحداث بعد ذلك‪ .‬إنه لم ينشأ وحده غريبا كالزهرة في الصحراء‪ ،‬ولكنه كان‬
‫زهرة في ربيع على حد التعبير الرائع لمحمود شاكر(‪ ،)5‬والذي يضيف قائال‪:‬‬
‫«إنه في الوقت الذي كانت فيه الثقافة العربية اإلسالمية فيه تنمو وتنضج‪ ،‬كان‬
‫التاريخ جزءا منها‪ ،‬وكان ينمو ويشتد عوده بدوره معها‪ ،‬فهو ابن تلك الحركة‬
‫الثقافية الواسعة التي امتدت منذ أواسط القرن األول الهجري‪ ،‬وفي دمشق‬
‫بلغت شبابها في عهد المأمون في مطلع القرن الثالث»(‪.)2‬‬
‫لقد تغلغلت النـزعة التاريخية في كتابة الفكر اإلسالمي وفقا لالعتبارات‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ ارتبط التدوين التاريخي منذ بدايته في صدر اإلسالم بجانب الفكر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬لقد كتب المؤرخون القدامى في السيرة النبوية‪ ،‬وفي المغازي‪،‬‬
‫ومع أن كلمة مغازي لم تكن تعني في اللغة إال دراسة أعمال الرسول الحربية‪،‬‬
‫ولكنها في الواقع تتسع إلى دراسة العصر كله(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد نصر مهنا‪ ،‬التدوين التاريخي ودور المخطوطات السياسية في العالم اإلسالمي‪،‬‬
‫(القاهرة‪ ،‬دار الفجر للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪1996 ،1‬م)‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )3‬عبد العزيز الدوري‪ ،‬بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬د‪.‬‬
‫ط‪1941 .‬م) ص‪ 14‬ــ ‪.19‬‬

‫‪285‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫إلى جانب ذلك فإن علم التاريخ تطور حتى أصبح لبنة أساسية في صرح‬
‫الفكر اإلسالمي‪ ،‬فاألنساب والتراجم مثال‪ ،‬هي من صلب الدراسات‬
‫التاريخية‪ ،‬باتت محورا أساسيا ال يمكن االستغناء عنه في علم المحدثين‬
‫ورجال الفقه‪ ،‬وبذلك استحوذ التدوين التاريخي على اهتمام علماء الشريعة‪،‬‬
‫وتعالت صيحات من قبل بعض العلماء إلى االشتغال بعلم التاريخ لخدمة‬
‫الفكر اإلسالمي‪ ،‬حتى يصبح التاريخ وسيلة لفهم أحكام الشريعة وتطبيقاتها‪.‬‬
‫فبرز كثير من العلماء يجمعون بين الشريعة والتاريخ‪ ،‬فكان الطبري وابن كثير‬
‫من العلماء الذين جمعوا بين التفسير والتاريخ‪ ،‬وكان الحافظ الذهبي مؤرخا‬
‫وفقيها وحافظا في آن واحد(‪.)5‬‬
‫‪ 2‬ــ ظل التاريخ في كنف الفكر اإلسالمي يضطلع بدور بالغ األهمية في‬
‫حيث تأطير المرجعية األولى لإلسالم ـ عقيدة وشريعة ـ فأضحت الصياغة‬
‫التاريخية لصورة العصر اإلسالمي األول‪ ،‬تمثل العصر المثالي لإلسالم‬
‫والمجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫ومع ما نشب من خالف سياسي بين السنة والشيعة حول طريقة تولي‬
‫مجمعين على استلهام ذلك العصر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الخلفاء األوائل للحكم‪ .‬فإن الجانبين كانا‬
‫مما جعل السيرة النبوية خاصة أشبه بقطب الدائرة بالنسبة للتاريخ كله‪.‬‬
‫«فما قبلها تاريخ‪ ،‬ولكنه تاريخ كفار وسلسلة أنبياء كانت محاوالتهم هي‬
‫التمهيد والمقدمة للرسالة المحمدية‪ ،‬وألن عهد الرسالة هو األساس القيم‪،‬‬
‫فقد كان من الواجب أن يعاد بناؤه التاريخي وترميم كل الثغرات الذي جاء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬السيد عبد العزيز سالم‪ ،‬التاريخ والمؤرخون العرب‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫‪1941‬م)‪ ،‬ص‪ 16‬ــ ‪.11‬‬

‫‪282‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫متوازنا تمام التوازن‪ ،‬كعصر عظمة واتصال بأمر اهلل وعدله‪ ،‬وحرية وت ًقى‬
‫وتوجيه‪ ،‬أناسه النماذج البشرية األولى‪ ،‬وعالقته هي القوانين لألجيال‬
‫التالية»(‪.)5‬‬
‫وتبعا لذلك لم يعد تاريخ عصر النبوة يجسد الفترة الذهبية لكل التواريخ‬
‫بإطاره ومحتواه فحسب‪ ،‬ولكنه أضحى أيضا محكًّا للقياس والحكم‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ نشطت الكتابة التاريخية للشعوب اإلسالمية وفقا للروح اإلسالمية‪،‬‬
‫وتحررت بذلك من الطابع الوثني الذي كان يميز تاريخ هذه الشعوب‪ .‬ومنذ‬
‫أسس عمر بن الخطاب ~ التاريخ الهجري‪ ،‬وبلغت الحضارة اإلسالمية‬
‫أوجها‪ ،‬حتى اشتهر المسلمون برغبة جامحة في تدوين تاريخهم‪.‬‬
‫ففي إيران التي لم تكن لها دراية بالتاريخ من قبل‪ ،‬أضحت بفضل‬
‫الحضارة اإلسالمية مجمعا ضخما لكتب التاريخ الذي ظل يستقطب المؤرخين‬
‫ردحا من الزمن‪ .‬فقد تفتقت قريحة علمائهم في كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬حتى‬
‫فاقت مصنفاتهم ما كتب في التاريخ اإلسالمي بأجمعه‪.‬‬
‫ولعل الباعث على ذلك يعود إلى تلك الرغبة الملحة في االطالع على‬
‫نور اإلسالم‪ ،‬الذي أطل عليها من الحجاز فأم ّدها بحضارة رائدة(‪.)2‬‬
‫‪ 1‬ــ ال تقتصر أهمية التاريخ اإلسالمي بالنسبة للفكر اإلسالمي على تتبع‬
‫نشأته ورصد مسيرته‪ ،‬وإنما أيضا من حيث ارتباطه باإلسالم كدين‪ ،‬فهو تاريخ‬
‫عقيدة شاملة لها سماتها ومقوماته الخاصة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد نصر مهنا‪ ،‬التدوين التاريخي ودور المخطوطات السياسية في العالم اإلسالمي‪ ،‬ص‬
‫‪ 44‬ــ ‪.49‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.44‬‬

‫‪283‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫إن التاريخ بالنسبة لألمة اإلسالمية هو تاريخ هذا الدين‪ ،‬من حيث أركانه‬
‫وتعاليمه‪ ،‬وتطبيق أحكامه‪ ،‬ففيه تجلت الصورة العلمية التطبيقية لإلسالم‪ ،‬إنه‬
‫الدليل المدون على نجاح اإلسالم‪ ،‬كمنهج للحياة لكل زمان ومكان(‪.)5‬‬
‫ولما كان التاريخ بهذا المعنى فإنه ظل من أنجع الوسائل التي تستحضرها‬
‫الدعوة اإلسالمية تأثيرا في وجدان الناس‪ ،‬وألنها تذكرهم بهذا التاريخ الناصع‪،‬‬
‫بما يخلق فيهم من تأثير من شأنه أن يحمل على التأسي واالقتداء‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك‪ ،‬يعمد المستشرقون المعاصرون إلى تشويه ذلك التاريخ‬
‫لعلهم يبطلون مفعوله‪ ،‬فهدفهم واضح كما يذكر محمد قطب‪« :‬هو قتل روح‬
‫االعتزاز باإلسالم والتاريخ اإلسالمي في نفس القارئ المسلم‪ ،‬أو تحويل هذا‬
‫االعتزاز إلى نوع من النفور واالمتعاض‪ ،‬يؤدي بالقارئ في النهاية أن ينفض‬
‫يده من هذا التاريخ وأصحابه‪ ،‬وأن يصرف النظر عن محاولة استئناف هذا‬
‫التاريخ من جديد»(‪.)2‬‬
‫يتضح مما سبق أن الصلة متينة بين التاريخ والفكر اإلسالمي‪ ،‬وأن أي‬
‫محاولة للفصل بينهما هي مؤامرة دنيئة تهدف إلى الطعن في حضارة اإلسالم‬
‫إلثبات أن هذا الدين كان قوال ال عمال‪ ،‬وأن المسلمين لم يثبتوا على دينهم‬
‫إال فترة وجيزة من تاريخهم األول‪ ،‬ثم تنكبوا عن الجادة وركبوا موجة‬
‫االنحراف كغيرهم من أهل الملل والنحل‪.‬‬
‫لقد تجند لالضطالع بهذه المهمة ثلة من المستشرقين تزعمهم اليهودي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬جمال عبد الهادي‪ ،‬محمد مسعود‪ ،‬ووفا محمد رفعت جمعة‪ ،‬أخطاء يجب أن تصحح في‬
‫التاريخ‪> ،‬منهج كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬لماذا؟ وكيف؟< (دار الصديقية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫ط‪1949 ،1‬م)‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫(‪ )2‬كيف نكتب التاريخ اإلسالمي‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط‪1111 ،1‬هـ‪1991/‬م)‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪281‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫جوزيف شاخت الذي يتبجح بقوله بأن العقبة الكؤود التي تجابه العالم‬
‫اإلسالمي هي تطبيق اإلسالم في الواقع‪ ،‬وأن هناك توترات عديدة ظلت بال‬
‫حل طوال تاريخ اإلسالم‪ ،‬ومعظمها ناتج من أن النموذج الديني األمثل يتعذر‬
‫تحقيقه في العالم كما هو(‪.)5‬‬
‫وقد نحا رودنسون اليهودي منحى أستاذه >شاخت< حيث اعتبر بأن‬
‫األمر الجوهري عنده أنه يرفض أن يعتبر اإلسالم كالًّ مفهوميا‪ ،‬أو منظومة من‬
‫األفكار والممارسات‪ ،‬واختيار حياة سوف تكون أساسا ونواة لكل أنواع‬
‫السلوك العام والخاص للعالم الذي يعتنق هذا الدين(‪.)2‬‬
‫لقد نجحت هذه البحوث في استمالة العديد من المستشرقين‬
‫المعاصرين‪ ،‬وبعض الباحثين المسلمين الذي رددوا أفكارهم فترجموها إلى‬
‫اللغة العربية‪ ،‬وتفشت في أوساط المثقفين وتسربت بذلك إلى كتبنا المدرسية‬
‫والجامعية(‪.)3‬‬
‫إن اهتمام علماء المسلمين بالتاريخ يبرز في ذلك العطاء الضخم من‬
‫المصادر التاريخية التي أثرت المكتبة اإلسالمية‪ ،‬وباتت هذه المصادر معينا ال‬
‫ينضب تغترف منه أخبار األولين‪.‬‬
‫وليس صحيحا ما ذهب إليه شاخت من أن هذه المصادر اقتصرت على‬
‫تدوين الجانب اللغوي واألدبي فقط‪ ،‬وأهملت الجانب العلمي(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تراث اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.19‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫اإلسالم سياسة وعقيدة‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫جمال عبد الهادي‪ ،‬محمد مسعود‪ ،‬ووفا محمد رفعت جمعة‪ ،‬أخطاء يجب أن تصحح في‬ ‫(‪)3‬‬
‫التاريخ‪> ،‬منهج كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬لماذا؟ وكيف؟< ص ‪.11‬‬
‫تراث اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪281‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫فإلى جانب ما خلفت هذه المصادر من مآثر في األدب والشعر‪ ،‬فإنها‬


‫رصدت مختلف مناحي الحياة‪ ،‬حياة األمة في مسيرتها‪ ،‬حاملة معها إنتاجا زاخرا‬
‫من المعلومات لكل جوانب الحياة الفكرية التي سادت هذه األمة‪ ،‬منبثقة من‬
‫مبادئ اإلسالم‪ ،‬قرآنا وسنة‪ ،‬تفسيرا وحديثا‪ ،‬ومتشبعة لتغطي مختلف اإلبداعات‬
‫أثرى تاريخ الفكر اإلنساني‪ ،‬وقد تجلت‬ ‫الفكرية للمسلمين‪ ،‬وتفرعت في إطار َ‬
‫في كتب وموسوعات عالمية ظلت تتردد خارج عصرها‪.‬‬
‫يشيد رشدي فكّار بذلك العطاء فيقول‪« :‬إن تاريخ المؤرخين لتراث‬
‫المسلمين حافل بالعطاء‪ ،‬زاخر بما يكتشف فيه ويبحث عنه‪ ،‬وصمد عبر كل‬
‫ما واجهه من تدمير وتخريب ومصادرة وضياع‪ ،‬أثر في حضارة اآلخرين بعد أن‬
‫تعامل وتحاور‪ ،‬ولم تتبن مبدأ الباب المغلوق‪ ،‬وإنها تراث متفتح يتمتع بتعدد‬
‫في الحيثيات وتعدد في األهداف والغايات»(‪.)5‬‬
‫ومن البديهي وحال التاريخ بهذا الزخم‪ ،‬أن يتعرض إلى بعض‬
‫االنحرافات‪ ،‬والمؤسف له أن بعض هذه االنحرافات قد وقعت في زمن مبكر‬
‫من تاريخ اإلسالم‪ ،‬كان باإلمكان عدم الوقوع في براثنها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أثر الفكر اليهودي يف املصادر التارخيية‪.‬‬


‫مع تسليمنا بتعرض التاريخ لبعض المزالق فإن االقتصار عليها في عرض‬
‫التاريخ يتعارض مع المنهج العلمي‪ ،‬حيث يمدنا بصورة مبتورة ومشوهة لذلك‬
‫التاريخ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬خميس البكري‪ ،‬رشدي فكار‪ ،‬في حوار متواصل حول قضايا تراث المسلمين‪( ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪1104 ،1‬هـ‪1944/‬م)‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪281‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫وليس هدفنا أن نعمد إلى إهمال الحديث عن هذه االنحرافات ونغض‬


‫الطرف عنها‪ ،‬فالتاريخ أمانة وشهادة تؤدى هلل لقوله تعالى‪{ :‬ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ}(‪.)5‬‬
‫فالمؤرخ المسلم مطالب بأن يتحرى الصدق وال يدخر جهدا في الوصول‬
‫إليه‪ ،‬دون مداراة على أحد وال محاباة وال ظلم‪ .‬فإن اجتهد فأصاب فله‬
‫أجران‪ ،‬وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد‪ ،‬وغايته أن يؤدي الشهادة هلل(‪.)2‬‬
‫والمؤسف له أن كثيرا من المؤرخين استهوتهم العصبية المذهبية‪ ،‬فما‬
‫كان من شأن بعضهم إال اإلعالء من مكانة فرقة أو االنتقاص من أخرى‪ ،‬مما‬
‫اندس أفراد من اليهود‬
‫سهل من مهمة بعض اليهود في إفساد ذات البين‪ ،‬حيث ّ‬
‫هيأ الفرصة لهؤالء ألن تروي‬
‫التلموديين بين هذه وأخرى‪ ،‬وهذا فضال عن أنه ّ‬
‫األخبار الباطلة‪ ،‬أو تضع األحاديث التي تخدم أغراضها‪ .‬هذا إذا أخذنا بعين‬
‫حسن إسالمهم‬‫ضا من هؤالء الداخلين في اإلسالم لم يكن قد ُ‬ ‫االعتبار أن بع ً‬
‫بع ُد‪ .‬بل كانوا يظهرون اإلسالم ويضمرون الكفر‪.‬‬
‫من هنا برزت تأثيرات الفكر اليهودي التلمودي مبكرة على المصادر‬
‫اإلسالمية‪ ،‬مما انجـر عنه فساد الخبر‪ ،‬ثم تناقلته أجيال من المؤرخين دون‬
‫تمحيص أو تدقيق‪ ،‬حتى وردت إلينا بعض تلك األخبار الفاسدة كحقائق تاريخية‪.‬‬
‫والغريب أن معظمها يتعارض مع روح اإلسالم شكال ومضمونا(‪ .)3‬وهذا‬
‫ما تومئ إليه أطوار الكتابة التاريخية عند المسلمين‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة المائدة‪ ،‬آية ‪.4‬‬
‫(‪ )2‬كيف نكتب التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص‪ 16‬ــ ‪.11‬‬
‫(‪ )3‬محمد محمد زغروت‪ ،‬أثر الفكر اليهودي في كتابة التاريخ اإلسالمي ‪ 16‬ــ ‪.11‬‬

‫‪287‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫‪ 1‬ــ مرحلة الرواية الشفوية‪:‬‬


‫دأب العرب منذ القديم على رواية مآثرهم ومثالب خصومهم‪ ،‬فكانت‬
‫الرواية الشفهية تضطلع بنقل األخبار في هذا المجال من عصر إلى عصر‪ ،‬ومع‬
‫ما يكتنف هذه األخبار من غموض ومبالغة‪ ،‬فقد كان لها تأثيرها البارز في نشأة‬
‫علم التاريخ‪ .‬فالرواة القدامى هم أقرب إلى ال ُق ّصاص منهم إلى المؤرخين‪.‬‬
‫بهذه الطريقة وردت إلينا روايات قيمتها العلمية متواضعة من حيث افتقارها‬
‫للفكرة التاريخية(‪.)5‬‬
‫ومن البديهي أن أخبارا قديمة تنتقل بهذه الطريقة على لسان الرواة لم‬
‫تكن بمن ًأى عن القصص الخرافية واألساطير‪ .‬ولذلك يتعذر تصديقها أو‬
‫تعج به من أوهام وأباطيل(‪.)2‬‬
‫االستدالل بها لما ّ‬
‫ومن الثابت كما يذكر المؤرخ السيد >عبد العزيز سالم< بأن سبب‬
‫اضطراب الروايات الجاهلية األولى وامتزاجها بالقصص واألساطير مر ّده إلى‬
‫تفشي األمية بين العرب قبل اإلسالم‪ ،‬فانكب الرواة على الحفظ مستعينين‬
‫بالذاكرة‪ ،‬بدال من الكتابة والتدوين‪ ،‬ولذلك ظلت هذه األخبار تتداول شفاها‬
‫على األلسنة جيال بعد جيل‪ ،‬إلى أن ُد ّونت في العصر األموي‪ ،‬عندما توطدت‬
‫دعائم الدولة اإلسالمية‪ ،‬واستقرت أركانها‪ ،‬وطفق العرب يولون اهتماما‬
‫بأخبارهم القديمة(‪.)3‬‬
‫الملح في عصر تدوين هذه‬
‫ّ‬ ‫وإن كنا ال نوافق المؤرخ عندما عزا السبب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عبد العزيز الدوري‪ ،‬بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )2‬السيد عبد العزيز سالم‪ ،‬التاريخ والمؤرخون العرب‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 11‬ــ ‪.11‬‬

‫‪288‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫األخبار قبل العصر األموي إلى أن العرب ُشغلوا بالدعوة اإلسالمية في حياة‬
‫الرسول ‪ ،‬كما ُعنوا بالفتوحات اإلسالمية في عهد الخليفة عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬وفتنة األمصار في خالفة عثمان ‪ ،‬والخالفات التي برزت‬
‫آنذاك مما أسهم كل ذلك في تأخير عملية التدوين التاريخي(‪.)5‬‬
‫إن هذا الكالم ال يحالفه الصواب ألكثر من دليل‪ ،‬فبظهور اإلسالم كما‬
‫يذكر عبد العزيز الدوري بدت معالم جديدة لفلسفة التاريخ‪ ،‬فالقرآن ق ّدم‬
‫صورة جدية للماضي‪ ،‬وحفلت آياته بذكر سنن التاريخ الغابر وعظاته‪ ،‬ودونت‬
‫حوادث األمم والشعوب السالفة للتأكيد على العظات الدينية التي تنطوي‬
‫عليها(‪.)2‬‬
‫للقرآن الكريم الفضل في تأصيل النظرة العلمية للتاريخ اإلنساني‪ ،‬والتي‬
‫تنطلق أصال من وحدة المصدر بالنسبة للرساالت‪ ،‬فهي في األصل رسالة واحدة‬
‫ّبشر بها الرسل‪ ،‬وكان الرسول محمد ‪ ‬خاتم األنبياء والمرسلين‪.‬‬
‫كانت هذه النظرة العالمية للتاريخ مبعثا لالهتمام بتاريخ األنبياء‬
‫واإلسرائيليات‪ ،‬إلى جانب أنها أطلقت العنان لرصد آراء الملل والنحل(‪.)3‬‬
‫والمؤكد أنه إذا كان لإلسالم فضل في هذا المجال فهو الذي أدرج من‬
‫التاريخ علما خالصا بعد أن كان ضربا من ضروب الخرافة واألسطورة‪ ،‬هذا ما‬
‫تؤكده المحققة >سيدة إسماعيل كاشف< في قولها‪« :‬فكذلك كان للدين‬
‫اإلسالمي أثر كبير في إيجاد علم التاريخ عند العرب وتطوره‪ ،‬حتى فاق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬عبد العزيز الدوري‪ ،‬بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.14‬‬

‫‪287‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫المسلمون في هذا العلم غيرهم من األمم»(‪.)5‬‬


‫ومما ال شك فيه أن هذه المرحلة الشفوية قد الزمت الدعوة اإلسالمية‬
‫منذ بزوغها‪ ،‬واقتصرت وظيفة المؤرخ على جمع الروايات وتكديسها‪ ،‬دون‬
‫أدنى تمحيص‪ ،‬حيث اختلطت بأساطير األولين وأخبار اليهود‪ ،‬وظلت ُت َتداول‬
‫شفاهية‪ ،‬وقد امتزج فيها الصحيح بالسقيم‪.‬‬
‫بدت القصص في مقدمة المعارف في تلك المرحلة‪ ،‬ومع أنها أسدت‬
‫خدمة جليلة‪ ،‬سواء في صقل الهمم وإثارة العاطفة الدينية‪ ،‬وتدريب الناس‬
‫على المناظرة والجدل‪ ،‬أم في حفظ التراث الجاهلي من الضياع‪ ،‬إذ لوال‬
‫القصص لفقدنا جزءا هاما من تراثنا‪.‬‬
‫ومع هذه المكانة التي تبوأتها القصص قديما‪ ،‬إال أنها سرعان ما أضحت‬
‫ثغرة لتسرب الفكر اليهودي‪ .‬هذا ما سنتعرف عليه فيما يأتي‪:‬‬
‫* انتشار القصص‪:‬‬
‫يؤرخ لبداية القصص واهتمام المسلمين بها مع عهد الخليفة عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬حيث أضحت القصص القرآنية مطلبا شرعيا سواء من حيث‬
‫االقتداء والتأسي أم االعتبار واالتعاظ(‪.)2‬‬
‫هكذا برز القاص واعظا ومؤرخا‪ ،‬ألنه يستعين في وعظ الناس‬
‫وإرشادهم بقصص األولين‪ ،‬وبذلك باتت األقاصيص معينا يغترف منه التاريخ‬
‫مادته‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الرائد العربي‪ ،‬د‪ .‬ط‪.‬‬
‫‪1101‬هـ‪1941/‬م)‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫(‪ )2‬محمد محمد زغروت‪ ،‬أثر الفكر اليهودي في كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪271‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫لقد دأب القاص على استمالة قلوب الناس لما يتميز به أسلوبه من‬
‫رشاقة ومتانة في التعبير‪ ،‬عكس كالم الفقيه الذي كان مستعصيا وصعبا على‬
‫العامة من الناس‪ ،‬وبذلك تبوأ القاص مكانة رفيعة‪.‬‬
‫اتخذ القصاص من المساجد منابر لنشر قصصهم‪ ،‬فاحتك بهم الناس‬
‫ونالوا رضا بعض الخلفاء الذين كانوا يسمعون منهم في إجالل وإكبار‪ .‬فقد‬
‫روي أن معاوية بن أبي سفيان كان يستمع كل ليلة إلى شيء من أخبار العرب‬
‫ودولها وقصص العجم وملوكها‪ ،‬وكان يشغف لالستماع إلى حفاظ القصاص‬
‫لما يسردون عليه من سير الملوك وأخبار دولهم(‪.)5‬‬
‫وما إن امتدت رقعة اإلسالم وبدأ الناس يدخلون في هذا الدين أفواجا‬
‫حتى كثر عدد القصاصين الذين يجتمع الناس من حولهم‪ ،‬وباتت مجالسهم‬
‫حلقات دينية للترغيب والترهيب(‪ .)2‬وقد أسهم ذلك في انحراف القصص عن‬
‫مرادها حيث تسلل إلى زمرة القصاص ثلة من المتآمرين‪.‬‬
‫وهكذا بعد أن تعذر على هؤالء المساس باآليات القرآنية‪ ،‬فلم يجدوا‬
‫بين أيديهم إال القصص وسيلة لبث سمومهم‪ ،‬فلجأ بعضهم إلى وضع أحاديث‬
‫نسبوها زورا إلى الرسول ‪.‬‬
‫لقد غصت هذه األحاديث الموضوعة بذكر الفرق بشكل مثير لالنتباه‪،‬‬
‫مما ينم عن نزعة متأصلة في إغراق المجتمع اإلسالمي في التصادم والصراع‪.‬‬
‫والمؤكد أن ذلك المخزون الهائل من القصص ظل المادة التي تمد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬أبو الحسن المسعودي‪ ،‬مروج الذهب ومعادن الجوهر‪ ،‬تحقيق محمد محيي الدين عبد‬
‫الحميد‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬ط‪1191 ،1‬هـ‪1911/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.10‬‬
‫(‪ )2‬محمد محمد زغروت‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪275‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫المؤرخين في كتابةى تاريخنا اإلسالمي‪ ،‬وبهذا ندرك خطورة تلك الثغرة التي‬
‫تسلل منها الفكر اليهودي إلى تاريخنا في مرحلة نشأته المبكرة(‪.)5‬‬
‫وهذه نماذج ألشهر ال ُق ّصاص‪:‬‬
‫* كعب األحبار‪ :‬هو أبو إسحاق كع ببن مانع من ِح ْم َير‪ ،‬وكان يهوديا‪،‬‬
‫وأسلم في عهد عمر بن الخطاب ‪ ،‬بالمدينة المنورة‪ ،‬ثم خرج إلى الشام‪،‬‬
‫فسكن حمص حتى توفي بها سنة ‪ 32‬للهجرة‪ ،‬في خالفة عثمان بن عفان ‪.)2(‬‬
‫اشتهر بين المسلمين بكعب األحبار من باب التعظيم والتنويه بعلمه‪،‬‬
‫لذلك أثنى عليه معاوية بقوله‪« :‬أال إن كعب األحبار أحد العلماء‪ ،‬إن كان عنده‬
‫لمفرطين»(‪.)3‬‬
‫العلم كالبحار وإن كنا فيه ّ‬
‫وإن كان هناك من جرحه ليهوديته‪ ،‬وشك في إسالمه ونسبه إلى فرقة‬
‫السبئية التي كانت مبعثا لكل الفتن التي لحقت باألمة اإلسالمية(‪.)1‬‬
‫ومهما يكن من خالف في عدالته‪ ،‬فإن روايته غدت مصدرا أساسيا‬
‫ألغلب اإلسرائيليات التي اجتاحت الفكر اإلسالمي‪ ،‬ذلك لسعة اطالعه‬
‫وغزارة معلوماته التي استقاها من العهد القديم‪ ،‬مما أثر بذلك على كبار‬
‫المؤرخين المسلمين‪ ،‬فرددوا رواياته وأخباره‪.‬‬
‫والمؤكد أن روايات كعب األحبار امتألت باألساطير اليهودية التي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫محمد محمد زغروت‪ ،‬أثر الفكر اليهودي في كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكبرى‪ ،‬تحقيق محمد عبد القادر عطا‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ط‪1110 ،1‬هـ‪1990/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 109‬ــ ‪.110‬‬
‫أحمد بن حجر العسقالني‪ ،‬فتح الباري على شرح صحيح البخاري‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد‬ ‫(‪)3‬‬
‫عبد الباقي‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت) ج‪ ،11‬ص‪.111‬‬
‫عبد المنعم الحفني‪ ،‬موسوعة فالسفة ومتصوفة اليهودية‪ ،‬ص‪.141‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪272‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫تتعارض معظمها مع روح القرآن الكريم‪ ،‬ولذلك لم يسلم من التجريح من قبل‬


‫المحققين المعاصرين من مفكري اإلسالم‪ .‬فالشيخ رشيد رضا يحذر من آرائه‬
‫ويعدها خطرا يهوديا ينبغي تنقية التراث اإلسالمي منه(‪ .)5‬ويذهب الشيخ بعيدا‬
‫حين يدينه بمكيدة قتل عمر بن الخطاب ثم وضعها في هذه القصة(‪ )2‬التي‬
‫يرويها الطبري‪ ،‬أن كعبا جاء إلى عمر بن الخطاب قبل مقتله بثالثة أيام‪ ،‬قال‬
‫له عمر‪ :‬أعمر إنك ميت في ثالثة أيام‪ ،‬قال عمر‪ :‬ما يدريك؟ قال‪ :‬أجد في‬
‫كتاب اهلل وفي التوراة‪ .‬قال عمر‪ :‬إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟‬
‫قال‪ :‬اللهم ال‪ ،‬ولكن أجد صفتك وحليتك‪ ،‬وأنه قد فني أجلك(‪.)3‬‬
‫ويعلق المحقق جواد علي على الروايات اإلسرائيلية بقوله‪ :‬إن أغلب‬
‫األخبار التي يتصل سندها بكعب األحبار أو غيره من مسلمة أهل الكتاب‪،‬‬
‫دس على الرسول وعلى اإلسالم‪ ،‬كما في قصة الغرانيق(‪.)1‬‬
‫بأنها في معظمها ٌّ‬
‫ويضيف قائال‪« :‬ويظهر من دراسة هذا النوع من القصص أن أصحابه‬
‫كانوا يريدون من روايته ونشره إدخاله بين المسلمين أمرا‪ ،‬وأن قلوبهم لم تكن‬
‫مسلمة كألسنتهم‪ ،‬وأنهم كذبوا على التوراة واإلنجيل»(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬تفسير المنار‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪ .‬ت) ج‪ ،1‬ص‪ 4‬ــ ‪.9‬‬
‫(‪ )2‬عبد المنعم احجفني‪ ،‬موسوعة فالسفة ومتصوفة اليهودية‪ ،‬ص‪.141‬‬

‫(‪ )3‬تاريخ الطبري‪ ،‬تاريخ األمم والملوك‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1111 ،1‬هـ)‪،‬‬
‫مج‪ ،1‬ص‪.119‬‬
‫(‪ )1‬تاريخ العرب في اإلسالم‪> ،‬السيرة النبوية< (بغداد‪ ،‬دار الحداثة‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت)‬
‫ص‪.10‬‬
‫(‪ )1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 10‬ــ ‪.11‬‬

‫‪273‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫* أبو النظر محمد بن السائب الكلبي‪ :‬هو من أهل الكوفة‪ ،‬مولده‬


‫ووفاته فيها‪ ،‬وينسب إلى >كلب بن نويرة< من قضاعة‪ .‬توفي سنة ‪511‬هـ(‪.)5‬‬
‫أخذ علم األنساب واللغة والتاريخ عن أبيه‪ ،‬فأثرى المكتبة العربية في‬
‫هذا المجال‪ ،‬وخاصة ما يتعلق بالدراسات التاريخية‪ ،‬التي وردت غزيرة‬
‫ومتشعبة‪ ،‬ويبدو واضحا تأثره الشديد بالفكر اليهودي‪ ،‬فقد نقل عن العهد‬
‫القديم كل ما يندرج ضمن تاريخ األنبياء والرسل‪ ،‬باإلضافة إلى تناوله لتاريخ‬
‫أيام العرب في الجاهلية وتاريخ الفرس‪.‬‬
‫ومع سعة اطالعه وغزارة إنتاجه الذي يقارب ‪ 511‬كتابا‪ ،‬فإنه طُعن في‬
‫روايته لعدم دقتها وتمحيصه فيما ينقل‪ .‬فقد استعان كثيرا باألساطير واألخبار‬
‫الموضوعة‪ ،‬أضف إلى ذلك أن المحققين في علم الحديث اتهموه بالوضع‬
‫حبان السبتي في زمرة‬
‫والكذب وتجنبوا الرواية عنه‪ ،‬فيذكره المحقق محمد بن ّ‬
‫الوضاعين الكذابين(‪ .)2‬وقد أقر هو على نفسه بالكذب‪ ،‬هذا ما رواه سفيان‬
‫الثوري عنه أنه قال‪« :‬ما سمعته مني عن أبي طالح عن ابن عباس فهو كذب»(‪.)3‬‬
‫واشتهر بألقاب مختلفة يظن أنها نعوت ألناس كثيرين‪ ،‬فهو محمد بن‬
‫(‪)4‬‬
‫السائب الكلبي صاحب التفسير‪ .‬وهو أبو سعيد الذي يروي عنه >عطية العوفي<‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫شمس الدين الذهبي‪ ،‬تهذيب سير أعالم النبالء‪( ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪1111‬هـ‪1991/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.119‬‬
‫المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين‪ ،‬تحقيق محمود إبراهيم زايد‪( ،‬سوريا‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫حلب‪ ،‬دار النوعي‪ ،‬ط‪1101 ،1‬هـ) ج‪ ،1‬ص‪.116‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.111‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫عطية بن سعد بان جنادة العوفي الكوفي‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬من مشاهير التابعين‪ ،‬ضعيف‬ ‫(‪)1‬‬
‫الحديث‪ ،‬وكان شيعيا‪ ،‬توفي سنة ‪11‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬شمس الدين الذهبي‪ ،‬تهذيب سير أعالم النبالء‪ ،‬ص ‪.194‬‬

‫‪271‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫في التفسير‪ ،‬يدلس له موهما أنه أبو سعيد الخدري(‪.)5‬‬


‫ومع كل ما قيل عنه فإننا نتساءل في حيرة‪ :‬لماذا كانت قصصه ورواياته‬
‫مصدرا مهما ألشهر مؤرخي اإلسالم؟‬

‫‪ 1‬ــ مرحلة التدوين التاريخي‪.‬‬


‫بدأ التدوين التاريخي المنظم عند العرب مع كتابة كل من القرآن الكريم‬
‫والحديث النبوي‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ‪ :‬التاريخ وتدوين القرآن الكريم‪ :‬بدت كتابة القرآن فاتحة عهد‬
‫التدوين عند العرب‪ ،‬حيث برز التأليف العلمي في التاريخ اإلسالمي وثيق‬
‫الصلة بالقرآن الكريم‪ ،‬فقد كان للقرآن الكريم عظيم األثر في إيجاد علم‬
‫التاريخ عند العرب وتطوره‪ ،‬حتى فاق المسلمون غيرهم من األمم في هذا‬
‫العلم(‪.)2‬‬
‫ومع أن القرآن الكريم لم يسهب كثيرا في سرد القصص كما هو الشأن‬
‫بالنسبة للكتب القديمة األخرى‪ ،‬والتي غصت فقراتها بالقصص والخرافات‪،‬‬
‫لكن القرآن الكريم أقر الطريقة المباشرة الصريحة بعيدا عن اإليحاء والرمز‪ ،‬مع‬
‫العناية بجوهر الخبر‪ ،‬والتركيز على العبرة المستمدة من النواميس الكونية‬
‫للمجتمعات‪ .‬يقول أنور الجندي‪« :‬القصة في القرآن هي الهدف والواقع‪ ،‬فقد‬
‫أقر القرآن الصدق كمنهج أدبي ورفض أعذب الشعر والمبالغات وصحح‬
‫األخبار وحرر الوقائع كلها من األساطير والخرافات‪ ،‬وأبعدها عن التهاويل‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬أحمد ابن حجر العسقالني‪ ،‬النكت على ابن الصالح‪ ،‬تحقيق ربيع بن هادي عمر‪،‬‬
‫(الرياض‪ ،‬دار الراية للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪1111 ،1‬هـ)‪ ،‬مج‪ ،1‬ص‪.614‬‬
‫(‪ )2‬السيد عبد العزيز سالم‪ ،‬التاريخ والمؤرخون العرب‪ ،‬ص‪.161‬‬

‫‪271‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫بحيث تصبح الصورة الحقيقية هي ما يقدم بين أيدي الناس‪ ،‬وبذلك ظل‬
‫القرآن وحده إلى اليوم النص الموثوق البعيد عن خطر التحريف»(‪.)5‬‬
‫وبهذا أسدى القرآن الكريم للتاريخ خدمه جليلة تتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫درب العقلية اإلسالمية على التحري والضبط والدقة في نقل‬ ‫‪ّ .I‬‬
‫األخبار‪ .‬قال اهلل تعالى‪{ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ}(‪ .)2‬ولذلك القرآن عن‬
‫غيره من الكتب المقدسة األخرى بالعناية باإلسناد والدقة والتمحيص‪.‬‬
‫‪ .II‬أسهمت عملية تدوين القرآن في بروز منهجية أصيلة لعلم التاريخ‪،‬‬
‫تعتمد على الدقة الكاملة في نقل الخبر‪ ،‬واالبتعاد عن تأليف األساطير أو‬
‫تلفيق الوقائع أو اصطناع األخبار المكذوبة‪.‬‬
‫‪ .III‬يعد القرآن الكريم أصدق شاهد على رسالة اإلسالم بما أورده من‬
‫إشارات عن الرسول ‪ ‬وصحابته الكرام‪.‬‬
‫‪ .IV‬أسهم تدوين القرآن الكريم في انتشار الخبر التاريخي المتضمن لحياة‬
‫انكبوا على تفسير القرآن الكريم‪ ،‬وشرح معانيه التي‬
‫الصحابة والتابعين الذين ّ‬
‫استعصى فهمها على الكثيرين‪ .‬وكل ذلك أدى إلى تأريخ لعلوم القرآن‪ .‬وبهذا‬
‫مدونا مصحوبا بتراجم ألشهر علماء هذا الفن‪.‬‬
‫ورد إلينا هذا العلم ّ‬
‫‪ .V‬تحفيز المسلمين لالهتمام بالتاريخي الذي يع ّد خالصة التجربة‬
‫اإلنسانية حيث اشتمل على أخبار العرب قبل اإلسالم‪ .‬هذا فضال عن أخبار‬
‫األنبياء وموقف شعوبهم منهم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬أنور الجندي‪ ،‬خصائص األدب العربي في مواجهة نظريات النقد األدبي الحديث‪،‬‬
‫(بيروت‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬د‪ .‬ط‪1941 .‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 111‬ــ ‪.111‬‬
‫(‪ )2‬سورة اإلسراء‪ ،‬آية ‪.16‬‬

‫‪271‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫يقول السيد عبد العزيز الدوري‪« :‬أكد القرآن على أمثلة التاريخ الغابر‬
‫وعظاته‪ ،‬وذكر حوادث األمم والشعوب السالفة للتأكيد على العبر الدينية‬
‫والخلقية التي تنطوي عليها‪ ،‬وجاء القرآن بنظرة عالمية إلى التاريخ تتمثل في‬
‫توالي النبوات‪ ،‬وهي في األساس رسالة واحدة بشر بها أنبياء عديدون‪ ،‬وكان‬
‫الرسول األعظم خاتم األنبياء والمرسلين‪ .‬وكان لهذه النظرة أثرها في االلتفات‬
‫إلى تاريخ األنبياء وإلى اإلسرائيليات‪ ،‬إال أن هذه النظرة العالمية اقتصرت‬
‫انصب‬
‫ّ‬ ‫على الفترات التي سبقت ظهور اإلسالم‪ .‬أما بعد ذلك فإن االهتمام‬
‫على تاريخ اإلسالم(‪.)5‬‬
‫ومما ال شك فيه أن اليهود المتعصبين تعذر عليهم تحريف القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬إال أنهم مع ذلك حققوا نجاحا في جعل اإلسرائيليات تالزم تفسير‬
‫القرآن‪ ،‬والتي أسهمت بقسط وافر في انتشار اآلراء اليهودية جنبا إلى جنب مع‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ التاريخ وتدوين السنة النبوية‪:‬‬


‫إذا اعتبر تدوين القرآن فاتحة عهد لبروز علم التاريخ عند العرب‪ ،‬فإن‬
‫الحديث قد دعمه بالمصادر والمنهج‪ .‬فكلمة >حديث< في األصل تعني الخبر‬
‫أو الرواية الشفوية في موضوع ديني أو دنيوي‪ .‬ثم اتخذت معنى خاصا في‬
‫اإلسالم‪ ،‬فأصبحت تطلق على أقوال الرسول ‪.)2( ‬‬
‫ولقد أضحى الحديث النبوي أوثق المصادر التاريخية بعد القرآن الكريم‬
‫لكتابة تاريخ الجاهلية القريب من عهد اإلسالم‪ ،‬على الرغم من أن تدوين‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬بحث في نشأة التاريخ العربي‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫(‪ )2‬السيد عبد العزيز سالم‪ ،‬التاريخ والمؤرخون العرب‪ ،‬ص ‪ 11‬ــ ‪.11‬‬

‫‪277‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫الحديث بصفة رسمية لم يُعرف إال في عصور الحقة في القرن الثاني الهجري‬
‫إبان خالفة عمر بن عبد العزيز(‪.)5‬‬
‫وتعليل ذلك أن الحديث يمثل أقدم الروايات الشفوية التي وردت إلينا‬
‫عن طريق التدوين‪ ،‬وأدقها العتماده على اإلسناد‪ ،‬باإلضافة إلى أن الحديث‬
‫اتسع اهتمامه ليغطي فعاليات األمة بأكملها‪ ،‬من أنظمة دينية وفكرية واجتماعية‬
‫وسياسية واقتصادية‪.‬‬
‫وهكذا بدأ التاريخ والحديث يضطلعان بدور مشترك يندرج في تتبع‬
‫أقوال الرسول وأعماله‪ ،‬واستعانا م ًعا بالخبر الشفوي‪ ،‬لذا فإن طبيعة علم‬
‫التاريخ لم تكن تخرج عن طبيعة علم الحديث‪ ،‬اللهم إال في هدف كل منهما‪،‬‬
‫وموضوع األخبار التي يعني بها‪ ،‬فالمحدثون يُعنون باألخبار التي تقرر مبادئ‬
‫دينية‪ ،‬بينما يهتم المؤرخون باألخبار التي تتجه إلى سرد الحوادث‪ .‬فالحديث‬
‫دراية ورواية‪ ،‬والتاريخ عند العرب دراية ورواية(‪.)2‬‬
‫وتأكيدا لما سبق ذكره في اشتراك العلمين في المصادر والمنهج‪ ،‬أن كل‬
‫جيل يتلقى األخبار عن الجيل الذي سبقه‪ ،‬وأن المتن في كل رواية مسبوق‬
‫بالسند‪ ،‬لذا كان علم التاريخ اإلسالمي الناشئ وثيق الصلة بتدوين الحديث‬
‫جنبا إلى جنب في كتب واحدة عرفت باسم >كتب المغازي والسير<‪ .‬وبذلك‬
‫باتت هذه الكتب تمثل المؤشر الحقيقي لبداية الكتابة التاريخية عند العرب‪،‬‬
‫على الرغم مما يكتنف هذه الكتب من اضطراب وضعف في بعض أخبارها‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬أبو العال المباركفوري‪ ،‬تحفة األحوذي بشرح جامع الترمذي‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪1110 ،1‬هـ‪1990/‬م)‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫(‪ )2‬بشار قويدر‪ ،‬مناهج التاريخ اإلسالمي ومدارسه (الجزائر‪ ،‬دار الوعي‪ ،‬ط‪1111 ،1‬هـ‪/‬‬
‫‪1991‬م) ص‪.11‬‬

‫‪278‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫وفي ثنايا حديثنا عن هذه الحقبة في تدوين السيرة ينبغي تأكيد ما يأتي‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ مما ال شك فيه أن جمهو ًرا من الصحابة والتابعين تخصصوا في‬
‫ميدان المغازي والسير وبرعوا فيه‪ ،‬والمؤسف له أننا نفتقد اليوم إلى كتاب‬
‫يشفي غليلنا في هذا المجال‪ُ ،‬كتب في عهد الرعيل األول على الرغم من ورود‬
‫بعض األسماء ضمن قائمة أعمال المولعين بالسير والمغازي(‪ .)5‬ومن البديهي‬
‫عند إمعان النظر في نشوء كتابة السيرة أن نذكر ثالثة منهم‪ ،‬فقد أشارت‬
‫المصادر التاريخية إلى المحدث أبان بن عفان(‪ )2‬بصفته مؤرخا في المغازي‬
‫والسير‪ ،‬ولكننا ال نكاد نعثر عن كتاباته عن حياة الرسول ‪ .)3( ‬ولم‬
‫ينقل أو يُرو عنه ُك ّتاب السيرة األوائل كابن سعد وابن هشام(‪.)1‬‬
‫كما أعلت المصادر التاريخية من شأن عروة بن الزبير(‪ )1‬في كتابه‬
‫المغازي والسير‪ ،‬فجعلت منه المؤسس الحقيقي لدراسة هذا العلم‪ ،‬وليس من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مما ال شك فيه أن لفظ >السيرة< قد استعمل استعماال واسعا ليشمل أغلب أعمال الرسول‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪ ‬قبل أن تكون عناوين لكتب التاريخ‪ ،‬والتي حملت هذا االسم‪ ،‬كما أن >مغازي<‬
‫استعملت أحيانا للداللة على السيرة النبوية‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر هذا الخالف‪ ،‬فإن المالحظ أن الهدف كان واحدا‪ ،‬وهو االهتمام‬
‫بأعمال الرسول في الحرب والسلم‪.‬‬
‫بشار قويدر‪ ،‬مناهج التاريخ اإلسالمي ومدارسه‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫أبان بن عفان‪ ،‬اإلمام الفقيه‪ ،‬ح ّدث عنه الزهري‪ ،‬قال ابن سعد‪ :‬ثقة له أحاديث عن أبيه‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫توي سنة ‪101‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬شمس الدين الذهبي‪ ،‬تهذيب سير أعالم النبالء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.110‬‬
‫السيد عبد العزيز سالم‪ ،‬التاريخ والمؤرخون العرب‪ ،‬ص‪ 10‬ــ ‪.11‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المرجع نفسه‪.11 ،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫عروة بن الزبير‪ ،‬فقيه ومحدث‪ ،‬وكان مؤسسة دراسة المغازي‪ ،‬توفي سنة ‪91‬هـ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬شمس الدين الذهبي‪ ،‬تهذيب سير أعالم النبالء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.110‬‬

‫‪277‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫شك أن لعروة الفضل الكبير على كبار مؤرخي السيرة كابن هشام وابن سعد‬
‫والطبري والواقدي وابن كثير‪ ،‬إذ نقلوا كثيرا من أخباره‪ ،‬ولكن هذه األخبار‬
‫التي وردت قليلة ومبعثرة يتعذر علينا االعتماد عليها لتجسيد فكرة واضحة عن‬
‫مغازي الرسول ‪ ،‬حتى تعرض علينا السيرة النبوية من خاللها مرتبة‬
‫ومنظمة ال يكتنفها أي لبس أو اضطراب(‪.)5‬‬
‫ومن معاصري عروة شرحبيل بن سعد(‪ ،)2‬الذي يقتصر اهتمامه على‬
‫رصد قوائم بأسماء الصحابة الذين شاركوا في األحداث الكبرى‪ ،‬ولكنه لم‬
‫يبلغ منـزلة أبان بن عثمان أو عروة بن الزبير في هذا المجال‪ ،‬فلم يَر ِو عنه ابن‬
‫إسحاق والواقدي شيئا(‪.)3‬‬
‫‪ 2‬ــ ومن الواجب عند إمعان النظر في كتاب السير والمغازي أن نتعرض‬
‫منبه المتوفى سنة ‪551‬هـ(‪ .)1‬بما أنه ينتمي إلى طبقة الرعيل األول‬
‫لوهب بن ّ‬
‫في تدوين السيرة‪ ،‬باإلضافة إلى أثره البارز في إضفاء لون جديد على كتابة‬
‫السير والمغازي لم يُعرف من قبل باعتباره المورد األصل ألغلب اإلسرائيليات‬
‫واألخبار اليهودية التي غصت بها المصادر اإلسالمية(‪.)1‬‬
‫عرف وهب بن منبه بإتقانه لعدد من اللغات القديمة‪ ،‬فقد كان يجيد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عبد العزيز الدوري‪ ،‬بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب‪ ،‬ص‪ 11‬ــ ‪.11‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫شرحبيل بن سعد المدني‪ ،‬كان أعلم بالمغازي‪ ،‬وضعفه العلماء‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬أبو عبد اهلل الذهبي‪ ،‬ميزان االعتدال في نقد الرجال‪ ،‬تحقيق علي محمد البجاوي‪،‬‬
‫(بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬د‪ .‬ط‪1141 .‬هـ‪1961/‬م)‪ ،‬مج‪ ،1‬ص‪ 166‬ــ ‪.161‬‬
‫السيد عبد العزيز سالم‪ ،‬التاريخ والمؤرخون العرب‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫شمس الدين الذهبي‪ ،‬تهذيب سير أعالم النبالء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 161‬ــ ‪.166‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سيدة إسماعيل كاشف‪ ،‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪311‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫السريانية واليونانية والعبرية(‪ .)5‬كما كان بإمكانه فك رموز اللغات القديمة‬


‫المستعصية‪ ،‬وفي ذلك يورد المنصوري رواية عن وهب ابن منبه بأن الوليد‬
‫لما ابتدأ بناء مسجد دمشق وجد في حائط المسجد لوحا من حجارة فيه كتابة‬
‫باليونانية‪ ،‬فعرضه على جماعة من أهل الكتاب فلم يقدروا على قراءته‪ ،‬فتوجه‬
‫به إلى وهب بن منبه‪ ،‬فقال‪ :‬هذا مكتوب في أيام سليمان بن داود عليهما‬
‫السالم‪ ،‬فقرأه(‪.)2‬‬
‫اعتنى وهب باإلسرائيليات وأغلبها قصص وأساطير العهد القديم‪ ،‬أراد‬
‫بها توضيح بعض اإلشارات القرآنية‪ ،‬وقد جمع وهب بين القصص ما كان‬
‫متداوال بين المسلمين‪ ،‬وخاصة قصص كعب األحبار وعبد اهلل بن سالّم(‪.)3‬‬
‫وأضاف إليها ما توفر له من مادة نتيجة احتكاكه بأهل الكتاب‪ .‬ومن قراءته‬
‫للكتب المقدسة‪.‬‬
‫ينسب إلى وهب كتاب المبتدأ الذي يع ّد أول محاولة لكتابة تاريخ‬
‫الرساالت‪ ،‬وتشير المصادر التاريخية إلى أن وهب بدأ بالخليقة وتدرج إلى‬
‫تاريخ العهد القديم ثم إلى األنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن‪ ،‬مثل هود‬
‫وصالح وأضاف قصص بعض الصالحين مثل لقمان وأهل الكهف(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪)5‬‬

‫(‪ )2‬أبو الحسن المسعودي‪ ،‬مروج الذهب ومعادن الجوهر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.166‬‬
‫(‪ )3‬عبد اهلل بن سالّم بن الحارث‪ ،‬اإلمام الحبر المشهود له بالجنة‪ ،‬من خواص أصحاب‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬ح ّدث عنه أبو هريرة وأنس بن مالك‪ .‬كما شهد فتح بيت المقدس‪،‬‬
‫وهو من أحبار اليهود‪ .‬توفي سنة ‪11‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬شمس الدين الذهبي‪ ،‬تهذيب سير أعالم النبالء‪ ،‬ص‪ 11‬ــ ‪.11‬‬
‫(‪ )1‬عبد العزيز الدوري‪ ،‬بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب‪ ،‬ص‪.16‬‬

‫‪315‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫المتوجة من ِح ْم َير وأخبارهم وغير‬


‫ّ‬ ‫كما يعزى إلى وهب كتاب الملوك‬
‫ذلك وهو التاريخ األسطوري لليمن(‪ .)5‬وروايته هنا خرافية تستمد من قصص‬
‫اإلسرائيليات والروايات الشعبية‪ ،‬مع كثير من الشعر الموضوع(‪.)2‬‬
‫منبه له الفضل في تقديم أول نموذج للتاريخ‬‫ال ريب أن وهب بن ّ‬
‫العالمي‪ ،‬متمثال في تاريخ الرساالت‪ ،‬ولذلك تحظى كتاباته بتقدير عظيم‪،‬‬
‫لكنها لم ترق إلى درجة التحقيق التاريخي الجاد‪ ،‬ألنه حاد عن منحى الدقة‪،‬‬
‫فلم يكن دقيقا فيما نقل‪ ،‬لذلك اعتبر المحققون أخباره غير جديرة‬
‫بالمؤرخين(‪.)3‬‬
‫شهدت مرحلة كتابة السير والمغازي علماء ومؤرخين أسدوا خدمة جليلة‬
‫ومن حذا حذوه‪ ،‬كموسى بن عقبة(‪،)1‬‬ ‫ِ‬
‫لكتابة السيرة النبوية من أمثال الزهري َ‬
‫بتحري‬
‫حيث اجتهد هذا األخير في العناية باإلسناد‪ ،‬وأبدى اهتماما خاصا ّ‬
‫الصدق والتوثيق في تاريخ الوقائع‪.‬‬
‫استعان موسى بن عقبة بالزهري وأثرى ذلك بما أضافه من رواياته‬
‫الخاصة‪ ،‬فجاءت كتاباته ممحصة وبعيدة عن المبالغة والتضخيم(‪.)1‬‬
‫ومع ما حظيت به هذه الجهود العلمية من قيمة تاريخية إال أن ما أسهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أبو عبد اهلل ياقوت الحموي‪ ،‬معجم األدباء‪ ،‬أو إرشاد األريب إلى معرفة األديب‪،‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫(بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1111 ،1‬هـ‪1991/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.116‬‬
‫السيد عبد العزيز سالم‪ ،‬التاريخ والمؤرخون العرب‪ ،‬ص‪.16‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عبد العزيز الدوري‪ ،‬بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب‪ ،‬ص‪.16‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫موسى بن عقبة بن أبي عياش‪ ،‬اإلمام الثقة‪ ،‬كان عارفا بالمغازي النبوية‪ ،‬ألفها في مجلد‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫فكان أول من صنف ذلك‪ .‬توفي سنة ‪111‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬شمس الدين الذهبي‪ ،‬تهذيب سير أعالم النبالء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.116‬‬
‫السيد عبد العزيز سالم‪ ،‬التاريخ والمؤرخون العرب‪ ،‬ص ‪ 60‬ــ ‪.61‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪312‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫به ابن إسحاق في هذا الميدان يبقى المصدر األصلي لكل ما ألّف في‬
‫موضوعه‪ ،‬وتدل مروياته على استيعاب تام ألخبار شيوخه‪ .‬وفي تطويرها‬
‫وإعادة صياغتها وترتيبها لتبدو لنا في سياق منظم ومرتب(‪ .)5‬أضف إلى ذلك‬
‫مادته الغزيرة التي تكاد تستوعب كل ما ُعرف عند العرب والمسلمين من‬
‫أخبار‪ ،‬وهذه فضيلة انفرد بها عن غيره‪ .‬وقد صنف آخرون من بعده في نفس‬
‫الموضوع ولم يبلغوا مقامه(‪.)2‬‬
‫تألق ابن إسحاق بفضل هذا العمل فأضحى شيخ ُك ّتاب السيرة بال‬
‫منازع‪ ،‬وصار من كتبوا بعده في هذا الميدان عياال عليه(‪ .)3‬لذلك تجند بعض‬
‫الغيورين من كتاب السيرة النبوية بعد ذلك يقرون للدفاع عنه‪ ،‬مقرين بأن سيرة‬
‫الرسول نفسها وقيمتها التاريخية تتعرضان للخطر إذا اهتزت الثقة بابن إسحاق‪.‬‬
‫ومع هذا اإلجالل والتنويه الذي حظيت به مغازي ابن إسحاق إال أنها‬
‫تعرضت لجملة من المآخذ‪ ،‬هذه األخيرة التي فتحت األبواب على مصراعيها‬
‫على مخاطر كبرى أخطرها‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ اتسمت مغازي ابن إسحاق بضعف في اإلسناد والضبط‪ ،‬فلم يلتزم‬
‫ابن إسحاق بمدرسة المدينة‪ ،‬وتساهل في األخذ بالقصص الشعبية واألشعار‬
‫الموضوعة واألخبار الغريبة‪ ،‬ومع أن رواياته عن المرحلة المدنية انفردت عن‬
‫غيرها بعناية خاصة باإلسناد‪ ،‬إال أن أثر القصص في أسلوبها بدا واضحا(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫محمد بن إسحاق‪ ،‬كتاب السير والمغازي‪ ،‬تحقيق سهيل زكار‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‬ ‫(‪)5‬‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪1194 / ،1‬هـ‪1914/‬م) ص‪ 9‬ــ ‪.11‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫السيد عبد العزيز سالم‪ ،‬التاريخ والمؤرخون العرب‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫عبد العزيز الدوري‪ ،‬بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪313‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫يقول عبد العزيز الدوري‪« :‬وحين تأتي إلى ابن إسحاق تحس بخطوط‬
‫جديدة في التطور‪ ،‬ومن مظاهرها الواضحة وجود عنصر القصص الشعبي‬
‫واالتجاه نحو المبالغة‪ ،‬ونحس بأننا انتقلنا إلى علماء هم مؤرخون أوال ثم‬
‫محدثون ثانيا»(‪.)5‬‬
‫‪ 2‬ــ بدأ األثر اليهودي بارزا في مغازيه‪ ،‬فقد روى كثيرا عن أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬وكان يسميهم في كتبه أهل العلم األول‪ ،‬واعترف لهم بالتلمذة‪،‬‬
‫وانجـر عن ذلك دخول كتابة السير والمغازي مرحلة جديدة تتسم بالتضخيم‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫والمبالغة ‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك كان ابن إسحاق عرضة للنقد والتجريح من قبل‬
‫المح ّدثين‪ ،‬فاتهموه بالتدليس(‪ .)3‬فقد قدح فيه اإلمام مالك ألنه كان ينكر عليه‬
‫فرووا غرائب في‬
‫تتبعه غزوات الرسول ‪ ‬من أبناء اليهود ممن أسلموا َ‬
‫هذا الشأن‪ ،‬وكان إمام المدينة ال يرى الرواية إال عن متقن صدوق(‪.)1‬‬
‫فنتساءل مع المحقق جواد علي إذا كان مالك وأمثاله قد أنكروا على ابن‬
‫إسحاق نقله أخبار غزوات النبي لخيبر وبني قريظة‪ ،‬فكيف يكون موقف‬
‫المؤرخ من هذه القصص اإلسرائيلية التي أدخلها في السيرة أناس قضوا‬
‫حياتهم وهم على دين اليهود؟(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫السيد عبد العزيز سالم‪ ،‬التاريخ والمؤرخون العرب‪ ،‬ص‪ 61‬ــ ‪.61‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ابن سيد الناس‪ ،‬عيون األثر في فنون المغازي والسير‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ د‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ت) ج‪ ،1‬ص‪ 10‬ــ ‪.11‬‬
‫جواد علي‪ ،‬تاريخ العرب قبل اإلسالم‪> ،‬السيرة النبوية< ص ‪ 11‬ــ ‪.11‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪311‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫ليس هدفنا تلفيق التهم‪ ،‬وإنما نعتقد أن توثيق األخبار مظهر من إحقاق‬
‫الحق وإبطال الباطل‪ ،‬خاصة إذا تعلق األمر بسيرة الرسول ‪ ،‬وما‬
‫ينسب إليه من قول أو فعل‪.‬‬
‫واألمة اإلسالمية عبر تاريخها الطويل لم تقصر في صيانة تراث بنيها‬
‫وحمايته من األوهام‪ ،‬بل تعد الكذب على الرسول ‪ ‬تزوير للدين‬
‫وافتراء على اهلل(‪.)5‬‬
‫ولنا في الشيخ محمد الغزالي أسطع مثال في وجوب تحري الضبط مهما‬
‫كان الشخص‪ ،‬فقد تعرض لنقد أحد أساطين علماء الحديث‪ ،‬فيشير إلى ابن‬
‫حجر شارح صحيح البخاري في كتابه الجليل فتح الباري الذي أثنى عليه‬
‫العلماء‪ ،‬فيقول‪« :‬إن الرجل على صدارته في علوم السنة ّقوى حديث‬
‫فمر بين الناس يفسد الدين والدنيا‪ ،‬والحديث‬
‫الغرانيق‪ ،‬وأعطاه إشارة خضراء ّ‬
‫المذكور من وضع الزنادقة‪ ،‬يدرك ذلك العلماء الراسخون»(‪.)2‬‬
‫ويضيف الشيخ الغزالي‪« :‬بأن الحديث انخدع به الشيخ >محمد بن‬
‫عبد الوهاب< فأورده في السيرة التي كتبها عن الرسول‪ ،‬والشيخ غيرته على‬
‫العقيدة ال يشق لها غبار‪ ،‬ثم جاء سلمان رشدي فاعتمد على الحديث‬
‫المكذوب في تسميته رواياته >آيات شيطانية< »(‪.)3‬‬
‫ثم يتساءل الغزالي‪ :‬أليس من حق علماء الكالم والفقه والتفسير أن‬
‫حراس السنة الصحيحة رفضوا هذا‬ ‫يحاربوا هذا القذى؟‪ .‬ثم أردف قائال‪« :‬إن ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد الغزالي‪ ،‬السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫الحديث المكذوب»(‪.)5‬‬
‫إن من الواجب تنقية كثير من األخبار الواردة في السيرة النبوية‪ ،‬وبصفة‬
‫خاصة تلك التي أدخلها اليهود‪ ،‬فعلى المؤرخ المؤهل لكتابة السيرة ــ كما‬
‫يذكر >جواد علي< ــ أن يحتاط في نقل األخبار‪ ،‬فال يقبل منها إال ما يتوافق‬
‫مع جوهر القرآن الكريم وأحاديث الرسول‪ ،‬فإذا فعل ذلك ج ّنب نفسه األغاليط‬
‫والمزالق التي انخدع بها رهط من المستشرقين‪ ،‬ومن المؤرخين المسلمين ِمن‬
‫قبلهم‪ ،‬بقبولهم كل خبر سمعوه من غير فحص وال تدقيق(‪.)2‬‬
‫ويختم المحقق جواد علي حديثه قائال‪« :‬وستزعج هذه الطريقة خلقا من‬
‫الناس‪ ،‬لم يتعودوا فهم السيرة النبوية إال من التفسير اإلسرائيلي والسير‬
‫المحشوة بالقصص والخوارق‪ ،‬حتى غلب عندهم على التاريخ‪ ،‬وليس لهؤالء‬
‫من جواب إال إحالتهم على القرآن‪ ،‬ففيه جوابهم‪ ،‬ولو كانت رسالة الرسول‬
‫‪ ‬قصصا وخوارق على نمط قصص بني إسرائيل لجاء ذلك في كتاب‬
‫اهلل‪ .‬وقد نزل الوحي بتأنيب قريش حينما ألحوا على الرسول وأسرفوا في‬
‫إلحاحهم لمطالبته بالمعجزات على نمط يهود‪ ،‬وبوحي وتعليم من يهود‪ ،‬وأ ّنب‬
‫اليهود والنصارى إلضافتهم إلى أنبيائهم أشياء ال تصح نسبتها في دين اإلسالم‬
‫إال إلى اهلل»(‪.)3‬‬
‫والجدير بالذكر أن علماء السنة قد صانوا السنة وحافظوا عليها بفضل‬
‫التدوين المنظم لعلم الحديث‪ ،‬في بداية القرن الثالث الهجري‪ ،‬والذي بدا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬جواد علي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 11‬ــ ‪.11‬‬

‫‪311‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫تظاهرة جدية في تحري صحة الخبر وتوثيقه‪ ،‬إال أن كتابة السيرة ال تخلوا من‬
‫نقائص تنتظر من يتولى تقويمها في المستقبل‪.‬‬

‫‪ 1‬ــ مرحلة التأريخ العالمي‪.‬‬


‫كان لكتب السيرة والمغازي فضل كبير في تطور علم التاريخ عند العرب‪،‬‬
‫فقد مهدت السبيل لبروز لون جديد من الدراسات التاريخية عرفت بكتب التاريخ‬
‫العالمي أو الموسوعي‪ ،‬تتصف بالنظرة الشمولية‪ ،‬حيث ال تقتصر على ذكر‬
‫العرب والمسلمين فحسب‪ ،‬بل تتسع دائرتها لتشمل أحوال األمم والحضارات‬
‫المختلفة‪.‬‬
‫ومن أشهر مؤرخي هذه المرحلة‪:‬‬
‫ــ ابن قتيبة الدينوري (ت ‪271‬هـ‪883/‬م)‪ ،‬يع ّد من أوائل المؤرخين‬
‫المسلمين الذين كتبوا عن الدول وإسهاماتها(‪ ،)5‬فكتاب المعارف هو دائرة‬
‫معارف عالمية يزخر بمختلف مناحي الكتابة التاريخية‪ ،‬إذ يحوي فكرة كتابة‬
‫تاريخ عالمي يبدأ فيه ببدء الخليقة‪ ،‬وينتهي بأيام المعتصم‪ ،‬إلى جابن ذلك‬
‫تبدو فيه آراء اإلخباريين واألنساب(‪.)2‬‬
‫ومن كتب ابن قتيبة أيضا‪> ،‬األخبار الطوال< فهو نموذج آخر للتاريخ‬
‫العالمي‪ ،‬حيث عالج في القسم السابق على اإلسالم تاريخ الفرص والروم‬
‫والعرب(‪.)3‬‬
‫ــ اليعقوبي (ت‪281‬هـ‪877/‬م)‪ ،‬جسد اليعقوبي فكرة التاريخ العالمي في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬السيد عبد العزيز سالم‪ ،‬التاريخ والمؤرخون العرب‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫(‪ )2‬عبد العزيز الدوري‪ ،‬بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )3‬السيد عبد العزيز سالم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.91‬‬

‫‪317‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫كتابه >البلدان< و>التاريخ< هذا األخير ينقسم إلى جزئين‪ ،‬األول في التاريخ‬
‫القديم بد ًءا من الخليقة‪ ،‬والثاني في التاريخ اإلسالمي حتى سنة ‪217‬هـ(‪.)5‬‬
‫وقد حرص في كتابه على التسلسل التاريخي للحوادث‪ ،‬وجاءت مادته‬
‫غزيرة تعكس امتزاج الثقافات في الحضارة اإلسالمية‪.‬‬
‫ــ ابن جرير الطبري‪ ،‬يعد عمدة المؤرخين العرب(‪ .)2‬حيث يطل علينا‬
‫كتابه >تاريخ الرسل والملوك< قمة في التأليف التاريخي عند العرب قديما‪،‬‬
‫فقد صاغ فيه فكرتين جوهريتين في التاريخ‪ ،‬إحداهما وحدة الرساالت‪،‬‬
‫واألخرى أهمية خبرات األمة وتفاعلها عبر األزمة المختلفة‪ .‬ومثل هذه‬
‫الخبرات لها بالغ األثر في سلوك األمة في وحدتها أو اختالفها(‪.)3‬‬
‫يستهل الطبري كتابه ببدء الخليفة‪ ،‬ويتناول الرسل والملوك في القديم‪،‬‬
‫ويعرج على تاريخ الساسانيين العرب‪ ،‬ثم يتطرق إلى التاريخ اإلسالمي حتى‬
‫عصره (‪312‬هـ)‪ .‬وقد جاءت أحداثه مرتبة حسب السنين الهجرية(‪.)1‬‬
‫يتبوأ تاريخ الطبري منـزلة عظيمة فهو أشهر الكتب في التاريخ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وأغزرها مادة وأخبارا في الفترة التي غطى أحداثها هذا المؤرخ‪،‬‬
‫لذلك أضحى معينا يغترف منه المؤرخون األخبار من بعده‪ ،‬أمثال‪ :‬ابن‬
‫مسكويه‪ ،‬وابن األثير‪ ،‬وابن خلدون‪ .‬وبهذا أصبح المصدر األساسي الذي ال‬
‫يستغني عنه المؤرخون(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سيدة إسماعيل كاشف‪ ،‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪ ،‬ص ‪.11‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫السيد عبد العزيز سالم‪ ،‬التاريخ والمؤرخون العرب‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عبد العزيز الدوري‪ ،‬بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المرجع نفسه‪.16 ،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سيدة إسماعيل كاشف‪ ،‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪ ،‬ص ‪.11‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪318‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫وبهذا بدا الطبري مؤرخا عمالقا‪ ،‬استحدث مدرسة ال يختلف اثنان في‬
‫تفردها وتميزها‪ ،‬ولذلك لم يعد تاريخه حكرا على قراء العربية وحدهم‪ ،‬بل‬
‫تجاوز ذلك إلى أن أصبح من الروائع العالمية‪ ،‬بفضل الترجمات التي خصت‬
‫العديد من أجزائه(‪.)5‬‬
‫ومع ما خلفه الطبري وغيره من المؤرخين من موسوعات تاريخية‪ ،‬وما‬
‫تفرد به من فضائل جمة حيث أفلحت في تقديم صورة شاملة للتاريخ‪ ،‬ال‬
‫يخص العالم اإلسالمي فحسب‪ ،‬بل العالم بأجمعه‪ ،‬حيث حفظت تاريخ هذا‬
‫العالم من الضياع والتلف‪ ،‬وال تزال كتب التاريخ اإلسالمي خير ما أنتجته‬
‫القرائح البشرية في تلك العصور‪ ،‬وأضحت من الروائع العالمية التي حرص‬
‫العلماء على العناية بها‪ ،‬فترجمت إلى لغات عديدة‪.‬‬
‫إلى جانب تلك األهمية التي تبوأتها كتب التاريخ اإلسالمي‪ ،‬فإنها ال‬
‫تخلو من أخطاء‪ ،‬كان لها عظيم األثر في الفكر اإلسالمي‪ ،‬قديما وحديثا‪.‬‬
‫أهمها‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ عمد مؤرخو هذه المرحلة إلى التخلي عن اإلسناد في نقل األخبار‪،‬‬
‫فزالت بذلك أهم رابطة تصل التاريخ بعلم الحديث‪ ،‬وصار التاريخ منهجا‬
‫خاصا‪.‬‬
‫ومع أن اإلسناد لم ينقطع كلية ولكنه قل االعتماد عليه‪ .‬وبهذا انحرف‬
‫المؤرخون عن منهج المحدثين المعتمدين على سلسلة اإلسناد‪ ،‬كما هو الشأن‬
‫في بعض كتب المغازي والسير‪.‬‬
‫فتاريخ الطبري‪ ،‬مثال‪ ،‬من مصادرنا الرصينة الذي يتميز بغزارة اإلنتاج‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬بشار قويدر‪ ،‬مناهج التاريخ اإلسالمي ومدارسه‪ ،‬ص‪ 10‬ــ ‪.11‬‬

‫‪317‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫وخصب المادة‪ ،‬ومع ذلك نعثر على روايات مهزوزة تتصل ببعض الرواة أمثال‬
‫وهب بن منبه والواقدي وكعب األحبار(‪.)5‬‬
‫‪ 2‬ــ أسفر إسقاط اإلسناد من قبل المؤرخين عن فقدان الدقة في تناول‬
‫الخبر‪ ،‬مما أدى إلى تأثر معظم المؤرخين بأفكار أهل الكتاب وانتشار‬
‫اإلسرائيليات في ثنايا كتبهم‪ ،‬وكاد أن يكون النقل حرفيا لبعض الروايات من‬
‫كتبهم المقدسة‪ .‬يتم كل هذا دون اإلشارة الصريحة إلى مصدر هذه الروايات‪،‬‬
‫حتى وإن كانت تتعارض مع عقائد اإلسالم(‪.)2‬‬
‫تبين مما سبق أن المراحل الثالثة شكلت قترة التكوين لعلم التاريخ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬حيث أرست دعائم لمدرسة تاريخية لها ميزتها وتفردها‪.‬‬
‫وإلى جانب ذلك لم تخل هذه الفترات من بعض ثغرات كانت منافذ‬
‫تسلل منها الفكر اليهودي المتعصب إلى بعض األعمال التاريخية‪ ،‬فبعض‬
‫الرواة كان أغلبهم من اليهود الذين لم يحسن إسالمهم بع ُد‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫تسرب الكثير من الخرافات واألساطير إلى األخبار التاريخية‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد محمد زغروت‪ ،‬أثر الفكر اليهودي في كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 11‬ــ ‪.11‬‬

‫‪351‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫املطلب الثاني‪ :‬االستشراق وفلسفة التاريخ اإلسالمي‬

‫أخضع االستشراق المعاصر لتعليل األحداث التاريخية اإلسالمية إلى‬


‫تفسيرين‪:‬‬
‫أوال‪ :‬التفسري املادي‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ دوافع هذا التفسير‪:‬‬
‫سبق وأن تحدثنا في المبحث األول من هذا الفصل عن النـزعة المادية‬
‫في الفكر اليهودي‪ ،‬وتتبعنا أصولها فوجدناها تضرب بجذورها في التاريخ‬
‫القديم‪ ،‬حيث تسللت هذه النـزعة إلى تفسير التاريخ وباتت تغطي الدراسات‬
‫بأكملها‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك ما فتئ التفسير المادي يتناول من حياة البشر الجوانب‬
‫األقرب إلى عالم الحس وعالم المادة‪ ،‬ويتغاضى عن اإلنسان الكل الذي‬
‫يشمل الجسد والروح‪.‬‬
‫والنتيجة التي يتوصل إليها هذا التفسير‪ ،‬تتمثل في إسقاط الجانب‬
‫العقائدي وإبعاد البعد الروحي في صناعة التاريخ‪ ،‬وبذلك يهمل هذا التفسير‬
‫فترات الهداية واإليمان في حياة اإلنسانية‪ ،‬وخاصة فترة اإلسالم الذهبية‬
‫بالتهوين من شأنها وعرضها كأنها ال تعني شيئا في أطوار التاريخ البشري‪.‬‬
‫وهو إذ يسقط هذه الفترات الكبرى من تاريخ المسلمين خاصة‪ ،‬فإنه‬
‫يفصح عن عجزه الكامل في تفسيرها بحقيقته وسيرورته التاريخية التي يقحمها‬

‫‪355‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫على التاريخ(‪.)5‬‬
‫يشير األستاذ عبد الغني عبود إلى سذاجة هذا التفسير‪ ،‬قائال‪« :‬والخطر‬
‫الداهم وراء اإليديولوجيات المعاصرة المنتشرة في الشرق والغرب على‬
‫السواء‪ ،‬فهي من صنع اليهود الصهيونيين‪ ...‬وليست مصادفة أن فرويد القائل‬
‫ببهيمية اإلنسان‪ ،‬و>ماركس< القائل ببهيمية التاريخ‪ ،‬كالهما من أصل يهودي‪،‬‬
‫وكالهما أوقعنا في تبسيط التاريخ‪ ،‬أحدهما لخص اإلنسان في حافز جنسي‪،‬‬
‫واآلخر لخص التاريخ في عامل اقتصادي‪ .‬وهذا التبسيط المخل بحقائق هي‬
‫بطبيعتها شديدة التعقيد‪ ،‬أضل الفكر ولم يهدمه»(‪.)2‬‬
‫وإن كنا جميعا‪ ،‬نسلم بخطورة التفسير المادي للتاريخ اإلسالمي‪ ،‬فإنه‬
‫مما يؤسف له أننا نرى بعض المستشرقين ومن تابعهم من أبناء المسلمين قد‬
‫حاولوا مرارا تطبيق هذا التفسير على بعض أحداث التاريخ اإلسالمي‪ ،‬مما‬
‫أدى إلى تشويهه وتزييفه‪ ،‬مع غياب الفكرة اإلسالمية وراء الحدث التاريخي‪.‬‬
‫وهذه نماذج لتطبيق هذا التفسير على أحداث التاريخ إلسالمي‪.‬‬

‫‪ 1‬ــ نماذج من التفسير المادي للتاريخ اإلسالمي‪:‬‬


‫‪ 5‬ــ إن التفسير المادي ألسباب ظهور اإلسالم في الجزيرة العربية ينطلق‬
‫أساسا من أسباب مادية اقتصادية‪ ،‬إذ إن هذا التفسير يتحدث عن ظروف البيئة‬
‫القاسية والفقر الذي كان سائدا في أغلب الطبقات الفقيرة آنذاك‪ ،‬ناهيك عن‬
‫الوضعية المزرية التي يتخبط فيها طبقة العبيد‪ ،‬كل ذلك كانت عوامل اقتصادية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ماكسيم رودنسون‪ ،‬اإلسالم سياسة وعقيدة‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫(‪ )2‬عبد الغني عبود‪ ،‬العقيدة اإلسالمية واإليديولوجيات المعاصرة‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر‬
‫العربي‪ ،‬ط‪1940 ،1‬م)‪ ،‬ص‪.91‬‬

‫‪352‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫دفعت إلى ظهور اإلسالم‪ ،‬ودليلهم على ذلك أن طبقة العبيد دون سواها هي‬
‫التي تبنت اإلسالم في البداية‪ ،‬وإليها يُعزى انبعاث اإلسالم(‪.)5‬‬
‫فهل بإمكان أصحاب هذا التفسير اإلجابة عن هذه األسئلة‪:‬‬
‫بماذا نفسر تركهم لبيوتهم وأموالهم وأسرهم وهجرتهم إلى المدينة‬
‫المنورة لمؤازرة الدعوة الجديدة؟‬
‫وبماذا نفسر إنفاق األغنياء من الصحابة أموالهم في سبيل الدعوة؟‬
‫إن التفسير المادي إذ يعجز عن اإلجابة عن هذه األسئلة تنكشف غايته‬
‫في إنكار نبوة الرسول ‪ ‬أو التشكيك في صحة الرسالة اإلسالمية على‬
‫أنها رسالة سماوية‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ إلى جانب تفسير ظهور اإلسالم تفسيرا ماديا‪ ،‬اتجه أصحاب هذا‬
‫االتجاه إلى تفسير األسباب اإلسالمية للفتوحات تفسيرا ماديا‪ ،‬إذ إنهم‬
‫أحاطوها ببواعث اقتصادية ال أساس لها من الصحة‪ ،‬فزعموا بأن دوافع فتح‬
‫األندلس‪ ،‬وسائر الفتوحات بصفة عامة‪ ،‬كانت للقضاء على مشكلة الغذاء من‬
‫جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى تلك الرغبة الجامحة في اإلغارة على العالم غير‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وإخضاع أمته وشعبه لحكم المسلمين(‪.)2‬‬
‫والهدف من هذا واضح‪ ،‬بحيث يدعو إلى االمتعاض والنفور من قِبل‬
‫أولئك الذين تتاح لهم فرصة االطالع على اإلسالم‪ ،‬عالوة على التشكيك في‬
‫ألوهية رسالته‪ ،‬وليس في وسعنا أن نسترسل في الرد على هذه الفرية أو غيرها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ماكسيم رودنسون‪ ،‬اإلسالم سياسة وعقيدة‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫(‪ )2‬برنارد لويس‪ ،‬السياسة والحرب‪ ،‬من كتاب‪ :‬شاخت وبوزورث‪ ،‬تراث اإلسالم‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.169‬‬

‫‪353‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫من هذا القبيل‪ .‬حيث كفانا علماء اإلسالم مؤونة الرد عليها وعلى أمثالها‪،‬‬
‫ونود أن نشير إلى أن هذا التفسير يغطي التاريخ اإلسالمي كله(‪ .)5‬والمؤسف له‬
‫أن هذا التاريخ ال زال يقدم لطالبنا بهذا التفسير‪.‬‬
‫هذا عن التفسير المادي فماذا عن التفسير العنصري؟‬

‫ثانيا‪ :‬التفسري العنصري‪.‬‬


‫قبل أن نتطرق إلى التفسير العنصري الذي غمر دراسة التاريخ اإلسالمي‪،‬‬
‫يجدر بنا أن نحدد مفهوم هذا التفسير‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ مفهوم التفسير العنصري‬
‫اختلف الباحثون في تحديد تعريف دقيق للعنصرية‪ ،‬وقد يعود ذلك إلى‬
‫اختالف وجهات نظرهم حولها‪ ،‬وإن اتفقوا على جملة مصطلحات تشير إلى‬
‫معنى واحد منها‪ :‬التفسير العرقي‪ ،‬التمييز العنصري‪ ،‬العنصرية‪.‬‬
‫ولعل أشهر تعريف‪ ،‬ذلك الذي يعرف العنصرية بأنها عقيدة تسند إلى‬
‫أسطورة مناقضة للدين الحق والعلم الصحيح‪ ،‬حول تفوق أو نقص هذه‬
‫األجناس أو تلك‪ ،‬محاولة بذلك تبرير السياسة العدوانية ضد الكائن البشري‬
‫التي تقوم على االغتصاب واإلرهاب واالستعباد<(‪.)2‬‬
‫وبهذه ينطلق التفسير العنصري في دراسة التاريخ على اعتبارات عرقية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬انظر عرض هذه الشبهة والردود عليها‪ :‬شوقي أبو خليل‪ ،‬اإلسقاط في مناهج المستشرقين‬
‫والمبشرين‪( .‬بيروت‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬ط‪1116 ،1‬هـ‪1991/‬م)‪ ،‬ص‪ 141‬ــ ‪.190‬‬
‫(‪ )2‬أحمد بن عبد إله بن إبراهيم الزغيبي‪ ،‬العنصرية اليهودية وآثارها في المجتمع اإلسالمي‬
‫والموقف منها‪( .‬الرياض‪ ،‬مكتبة العيبان‪ ،‬ط‪1994 ،1‬م)‪ ،‬ص‪ ،60‬نقال عن‪ :‬ميليليا سردر‬
‫جسكايا‪ ،‬الصهيونية والعنصرية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬

‫‪351‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫تغوص بجذورها في علم الوراثة من امتياز بعض األجناس على البعض اآلخر‪،‬‬
‫الملح في حركة التاريخ‪ ،‬إذ إن األجناس‬
‫ّ‬ ‫ويشكل هذا التفاوت العرقي العامل‬
‫النبيلة هي القادرة وحدها على إحراز التقدم‪ ،‬وبالمقابل تظل األجناس الردئية‬
‫قابعة في مكانها عاجزة عن صناعة التاريخ(‪.)5‬‬
‫ولعل األسطورة التاريخية التي نسجت حول أفضلية الجنس اآلري عن‬
‫باقي األجناس تعكس الصورة الحقيقية لذلك التفسير‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ تب ّني التفسير العنصري‬
‫إن خطر التفسير العرق في دراسة التاريخ اإلسالمي يبرز أكثر عندما‬
‫يعمد إلى إرساء مدرسة فكرية لم يكن شأن أرنست رينان(‪ )2‬فيها سوى شأن‬
‫المنظّر البارز لتصبح في دراسات استشراقية بعده االستراتيجية المتبعة(‪.)3‬‬

‫لم يغب هذا التفسير عن أذهان المستشرقين المعاصرين(‪ ،)1‬فالنـزعة‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫محمد محمد زغروت‪ ،‬أثر الفكر اليهودي في كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص‪.69‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫أرنستن رينان ‪ 1411 :Ernest Renan‬ــ ‪.1491‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مستشرق ومفكر فرنسي‪ ،‬اهتم بصفة خاصة بتاريخ المسيحية‪ ،‬وتاريخ بني اإلسالميرائيل‪،‬‬
‫لم يتقن اللغة العربية‪ ،‬ومعرفته بها ضئيلة‪ .‬ولذلك لم ينشر أي نص عربي‪.‬‬
‫عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص ‪ 111‬ــ ‪.110‬‬
‫أرنست رينان‪ ،‬ابن رشد والرشدية‪ ،‬ترجمة عادل زعيتر‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار إحياء الكتب‬ ‫(‪)3‬‬
‫العربية‪ ،‬د‪ .‬ط‪1911 .‬م)‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫نالحظ هذا عند المستشرق اليهودي‪ ،‬شاخت‪ ،‬حيث يزعم بأن المسلمين لم يولوا اهتماما‬ ‫(‪)1‬‬
‫بالقضايا العلمية‪ ،‬واقتصروا على الجانب اللغوي األدبي فقط‪ .‬وهذا ترديد للنعرة‬
‫العنصرية اآلرية التي طبعت الفكر الغربي‪ .‬فمثال يرى أن االكتشفا الهام للدورة الدموية‬
‫الصغرى على يد ابن النفيس لم يؤثر على معاصريه وعلى من جاؤوا بعده‪ ،‬وأن األفكار‬
‫األصيلة التي جاء بها ابن خلدون تألقت في المجتمع اإلسالمي بسبب فصاحة لغتها‪=،‬‬

‫‪351‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫الصهيونية غذته بمقوالت مزعومة كاالنتصار الحتمي للتاريخ المطلق لليهود‪،‬‬


‫والنقاء العرقي اليهودي‪ ،‬واألهمية العالمية والتاريخية للتقاليد والقيم‬
‫اليهودية(‪.)5‬‬
‫إن تب ّنـي الصهيوني لهذا التفسير ال يع ّد جديدا‪ ،‬بل يضرب بجذوره في‬
‫التاريخ القديم‪ ،‬حيث استهوت عقول اليهود أسطورة شعب اهلل المختار‪ ،‬والتي‬
‫كانت المؤشر الحقيقي لبداية نظرية التفسير العنصري من حيث الذات اليهودية‪،‬‬
‫التي أرادت أن تجعل من تاريخ اليهود محورا لتواريخ الجنس البشري‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك أولى اليهود العناية الفائقة بتمزيق الوحدات القومية‬
‫والتكتالت الدينية ببث فكرة الفرقة والنـزاع بين الشعوب حتى يتسنى لليهود‬
‫الوصول إلى أغراضهم‪ ،‬ومما يدعم ذلك ما جاء في البروتوكول الخامس‪،‬‬
‫>فسيادة المسيحيين علينا ال يمكن أن تطول‪ ،‬فلقد أعددنا العدة لدرء هذا‬
‫الخطر بأن دسسنا بذور الشقاق في كل مكان فيما بينهم‪ ،‬وعمقنا جذوره‬
‫بحيث ال يمكن اجتثاثه‪ ،‬وأوجدنا التنافر بين مصالحهم المادية والقومية‪،‬‬
‫وأشعلنا نار النعرات الدينية والعنصرية في مجتمعاتهم‪.)2(<...‬‬
‫‪ 1‬ــ نماذج من التفسير العنصري للتاريخ اإلسالمي‪:‬‬
‫دأبت الدراسات االستشراقية على تنفيذ هذه التوصيات ضمن استراتيجية‬
‫خاصة في بث النـزاع وإثارة الشعارات في العالم اإلسالمي‪ ،‬تعتمد على ما يلي‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= أكثر مما نالته بسبب محتواها‪.‬‬
‫انظر‪ :‬شاخت وبوزورث‪ ،‬تراث اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )5‬إبراهيم صقر أبو عمشة‪ ،‬التمييز العنصري أبرز معالم الصهيونية‪( ،‬تونس‪ ،‬دار بوسالمة‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت‪ ).‬ص‪ 11‬ــ ‪.11‬‬
‫(‪ )2‬بروتوكوالت حكماء صهيون‪ ،‬ترجمة أحمد عبد الغفور عطار‪ ،‬ص‪ 19‬ــ ‪.60‬‬

‫‪351‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫* الدراسات االستشراقية‪:‬‬
‫دأب االستشراق في تطبيق التفسير العنصري في دراسة التاريخ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬مما أفرز أخطاء عديدة وجسيمة حيال تطبيق هذا التفسير‪ .‬ويحاول‬
‫هذا الزخم من الدراسات االنتصار إلى فكرة مزعومة أن اإلسالم شهد صراعا‬
‫عرقيا طبقيا‪ ،‬شأنه شأن األديان األخرى‪ ،‬وقد ظل الصراع ينخر قوى الدولة‬
‫اإلسالمية حتى انهارت وتالشت‪.‬‬
‫تحدث االستشراق عن طبقة النبالء التي تكونت من العرب‪ ،‬والتي‬
‫عرفها المجتمع اإلسالمي‪ ،‬وقد امتازت بقوانين خاصة عن طبقات أخرى‪،‬‬
‫فشكلت بذلك الطبقة االرستقراطية في اإلسالم‪ .‬يتبجح بذلك رودستون قائال‪:‬‬
‫«وتتداخل الوراثة بطريقة أكثر تقييدا لكي تحدد فئة من المنحدرين من ساللة‬
‫النبي‪ ،‬ومن ساللة أصحابه أيضا‪ ،‬وفي المرحلة العباسية‪ ،‬كانت لهم بعض‬
‫االمتيازات كانوا يتلقون ِمنَ ًحا‪ ،‬ويوقرهم الناس»(‪ .)5‬ويضيف قائال‪« :‬وفي‬
‫مراحل الحقة في بعض البلدان استطاع بعض هؤالء النبالء أن يستفيدوا من‬
‫اإلجالل الكبير لسلفهم العظيم‪ ،‬وذلك بالحصول على امتيازات أكثر أهمية وأن‬
‫يشكلوا ارستقراطية حقيقية ليست نظرية فحسب‪ ،‬بل وفعلية أيضا»(‪.)2‬‬
‫إن هذا االدعاء ال يجد ما يستند إليه من أدلة نصية‪ ،‬فيعمد المستشرق‬
‫إلى التنقيب في التاريخ اإلسالمي لعله يعثر على دليل يعتمد عليه في تبرير‬
‫دعواه‪ ،‬ولكنه في النهاية يلقي الكالم على عواهنه‪ ،‬والمهم عنده هو االنتصار‬
‫إلى فكرته‪ ،‬والتي صرح بها‪ ،‬وهي إقحام فكرة الطبقية في اإلسالم عنوة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬اإلسالم سياسة وعقيدة‪ ،‬ص‪ 140‬ــ ‪.141‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.141‬‬

‫‪357‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫إن هذه االدعاءات شقت طريقها إلى ثلة من المستشرقين‪ ،‬وزادوا على‬
‫ذلك فوصفوا العرب بأنهم كانوا مترفعين عن الناس‪ ،‬وفي مقدمة هؤالء‬
‫المستشرق ليفي بروفنسال(‪ ،)5‬الذي اختص في دراسة تاريخ األندلس في‬
‫العصر اإلسالمي‪ .‬وقد أورد تقسيما يعدد فيه تمايز السكان في األندلس إلى‬
‫أربع فئات أو أجناس‪ ،‬هم العرب والبربر وأهل البالد والمسيحيين(‪.)2‬‬
‫ثم يبرز تقسيما آخر يحدد فيه فئات السكان إلى أربع أجناس هم العرب‬
‫والبربر وأهل البالد الذين دانوا باإلسالم‪ ،‬واليهود الذين أسلموا(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ليفي بروفنسال ‪ 1491 EVARISTE LEVI PROVENCEL‬ــ ‪.1916‬‬
‫مستشرق فرنسي من أسرة يهودية‪ ،‬ولد في مدينة الجزائر العاصمة‪ ،‬وتعلم في قسنطينة‪ ،‬ثم‬
‫دخل جامعة الجزائر‪ ،‬فتتلمذ على رينيه باسيه‪ ،‬وجيروم كروكوبينو الشهير بأبحاثه في‬
‫التاريخ الروماني‪ ،‬ولما قامت الحرب العالمية األولى التحق بالجيش الفرنسي في الشرق‪،‬‬
‫عين في عام ‪ 1910‬أستاذا في معهد الدراسات العليا المراكشية في الرباط‪ .‬وراح يعد‬ ‫وقد ّ‬
‫رسالتين للحصول على دكتوراه الدولة‪ ،‬فانتهى منهما وتحصل على الدكتوراه عام ‪.1911‬‬
‫وتنصب الرسالتان حول اهتمامه بمراكش والمغرب العري‪،‬‬
‫ّ‬
‫ثم تفتقت قريحته لدراسة تاريخ األندلس‪ ،‬حتى أصبح علما بارزا في هذا التاريخ‪ ،‬فأصدر‬
‫سنة ‪ 1911‬كتابه >إسبانيا اإلسالمية في القرن العاشر الميالدي< وفي ‪ُ 1911‬ع ّين أستاذا‬
‫للتاريخ اإلسالمي في كلية اآلداب بجامعة الجزائر‪ ،‬ثم أستاذا في كلية اآلداب بجامعة‬
‫تولوز سنة ‪ ،1911‬ثم أسس مجلة ‪ ARABICA‬في ‪ .1911‬وأضحت أهم مجلة فرنسة‬
‫متخصصة في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬وال تزال تصدر إلى اليوم‪ .‬وله أبحاث ودراسات‬
‫عديدة متعلقة بدراسة التاريخ اإلسالمي بصفة عامة‪ ،‬والتاريخ األندلسي بصفة خاصة‪ .‬حتى‬
‫توفي سنة ‪.1916‬‬
‫انظر بالتفصيل‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬ص ‪ 110‬ــ ‪.111‬‬
‫(‪ )2‬ليفي بروفنسال‪ ،‬حضارة العرب والمسلمين في األندلس‪ ،‬ترجمة ذوقان قرقوط‪( ،‬بيروت‪،‬‬
‫منشورات دار مكتبة الحياة‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت‪ ).‬ص‪.10‬‬
‫(‪ )3‬مصطفى الشكعة‪ ،‬مواقف المستشرقين من الحضارة اإلسالمية في األندلس‪ ،‬مستلة=‬

‫‪358‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫ولم يستقر بروفنسال على هذا الرأي‪ ،‬فسرعان ما غير رأيه وقدم تقسيما‬
‫آخر يميز فيه بين أبناء اإلسبان الذين دخلوا في طاعة المسلمين صلحا‬
‫وأسلموا‪ ،‬وأبناء اإلسبان الذين دخلوا في طاعة المسلمين عنوة‪ ،‬فأصبحوا في‬
‫ظل حكم الفتح اإلسالمي‪ ،‬ثم أسلموا‪ ،‬وأبناء المستعمرين الذين أسلموا بعد‬
‫الفتح‪ ،‬وأبناء النصارى الذين أتت بهم الفتوح والغزوات‪ ،‬ثم دانوا باإلسالم‪.‬‬
‫ثم ينتصر بروفنسال إلى هذا التقسيم األخير ألنه أكثر مطابقة للواقع من‬
‫وجهة نظره(‪.)5‬‬
‫ومن الطريف أن نذكر هنا أن هذا المستشرق يبدو متأثرا بآراء رودنسون‬
‫في هذا المجال‪ ،‬إال أنه يخفى فكره بذكاء‪ ،‬ويصرح أن العرب شكلوا‬
‫أرستقراطية خاصة في األندلس(‪.)2‬‬
‫والحقيقة كما يذكر مصطفى الشكعة أن إيراد الخبر على هذا النحو يشكل‬
‫خط ًأ جسيما يخدش من سمعة هذا المؤرخ‪ ،‬ألن القرائن التاريخية تؤكد على‬
‫أن الموالي هم الذين كانوا يشكلون االرستقراطية الحقيقية‪ ،‬وظلوا كذلك حتى‬
‫أواخر انقضاء الخالفة األموية‪ ،‬أي ما يزيد على ثالثة قرون(‪.)3‬‬
‫ولم يعرف العرب امتيازا خاصا يعطيهم األفضلية عن غيرهم‪ ،‬ولم‬
‫يشكلوا طبقة أرستقراطية استقلوا عن الناس وترفعوا عنهم‪ .‬وإنما كانوا يعيشون‬
‫بكدهم وكفاحهم‪ ،‬شأنهم في ذلك شأن اآلخرين‪« ،‬ولعل الخطأ الذي وقع فيه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= من مناهج المستشرقين في الدراسات العربية اإلسالمية‪( ،‬القاهرة‪ ،‬جامعة الدول العربية‪ ،‬د‪.‬‬
‫ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت‪ ).‬ج‪ ،1‬ص‪.149‬‬
‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.190‬‬
‫(‪ )2‬ليفي بروفنسال‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )3‬مصطفى الشكعة‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.190‬‬

‫‪357‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫البعض‪ ،‬مرده إلى استنتاج غير سليم‪ ،‬وذلك أن العرب في المشرق كانوا‬
‫يشكلون مجتمعات أرستقراطية في البالد التي فتحوها‪ ،‬فظن بروفنسال أن‬
‫األمر ال يعدو أن يكون كذلك في األندلس فكان هذا الخطأ الذي تردى فيه‬
‫غير منتبه إلى أن القياس هنا غير جائز»(‪.)5‬‬
‫والحقيقة كما يذكر األستاذ الشكعة أن األمر كان على العكس من ذلك‬
‫تماما‪ ،‬فقد كان المسيحيون يشكلون طبقة من األثرياء‪ ،‬ولقد أتيح لكثير منهم‬
‫قدر من التملك والثراء لم يُ َتح لكثير من أعالم المسلمين وقاداتهم(‪.)2‬‬
‫وبذلك ينطلق االستشراق في دراسة التاريخ اإلسالمي من خالل تقصى‬
‫النـزاعات واالضطرابات التي شهدها هذا التاريخ‪ ،‬مع تضخيمها والمبالغة في‬
‫عرضها‪ ،‬فال يروق لهم إال أخبار الفتن والصراع‪ .‬وبهذا اقتصرت هذه‬
‫الدراسات على جانب واحد من التاريخ اإلسالمي‪ ،‬هو التاريخ السياسي‬
‫واإلعالء من شأنه وبالمقابل أهملت هذه الدراسة الجوانب األخرى‪ ،‬والتي ال‬
‫يقتصر دورها في صناعة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬فحسب‪ ،‬بل التاريخ العالمي كله‪،‬‬
‫ونعني المجاالت العلمية والحضارية والفكرية وغيرها‪.‬‬
‫إن غاية االستشراق في عرض التاريخ اإلسالمي مشبوهة‪ ،‬من حيث‬
‫اقتصاره على بعث النـزاعات والصراعات التي عرفها هذا الخط اإلسالمي‬
‫الصحيح‪ ،‬حتى تلك التجاوزات التي وقعت باكرا من تاريخ اإلسالم‪ ،‬كان‬
‫بإمكان المسلمين أن يتجاوزوها‪.‬‬
‫وبالرغم من حقيقة وقوع هذه االنحرافات مع خلع المبالغات عنها‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.101‬‬

‫‪321‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫والتي نسجت حولها‪ ،‬فإن االقتصار عليها في عرض التاريخ بقدم صورة‬
‫مشبوهة ومبتورة لذلك التاريخ‪.‬‬
‫إن خطر مثل هذه الدراسات يكمن في تسللها إلى العقلية اإلسالمية‪،‬‬
‫ولذلك تفطن اللورد كرومر المستشار البريطاني في مصر إلى اقتحام هذا‬
‫المنهج في المدارس والجامعات‪ ،‬وما زال ينفث سموه حتى الوقت الحاضر‪.‬‬
‫وهكذا يقدم التاريخ السياسي للمسلمين فقط‪ ،‬مع تجريد هذا التاريخ من‬
‫محتواه الزاخر‪ ،‬وحصره في النـزاعات والمعارك وما صاحب ذلك من‬
‫مؤامرات القتل واالغتيال‪ .‬وبالمقابل يطل علينا تاريخ الغرب صفحة مشرقة‬
‫حافلة بالتألق العلمي والفكري‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك يطمح أصحاب هذا االتجاه إلى تمرير فكرتين خبيثتين‪:‬‬
‫وتحول‬
‫ّ‬ ‫ــ إيهام الطالب أن اإلسالم قد انتهى بعد فترة الخالفة الرشيدة‪،‬‬
‫إلى صراعات سياسية على السلطة‪.‬‬
‫ــ إن التاريخ الذي يستحق الحفاوة والتنويه‪ ،‬هو تاريخ الغرب‪ ،‬وبذلك‬
‫تنطفئ شعلة االعتزاز باإلسالم وتاريخه في نفس الطالب المسلم‪ ،‬ويُعرض عن‬
‫محاولة االستئناس بهذا التاريخ من جديد(‪.)5‬‬
‫* الجمعيات السرية‪.‬‬
‫لم تنحصر خطة االستشراق المعاصر في بث الفرقة والنـزاع والتاريخ‬
‫اإلسالمي على بعث الدراسات النظرية فحسب‪ ،‬بل كان سببا في نشوء‬
‫جمعيات سرية تعمل في الخفاء إلثارة النعرات وتأجيج الخالف بين المسلمين‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد قطب‪ ،‬كيف نكتب التاريخ اإلسالمي‪ .‬ص‪ 14‬ــ ‪.19‬‬

‫‪325‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫على أرض الواقع(‪.)5‬‬


‫إن التاريخ يزخر بمثل هذه الجمعيات السرية التي اضطلعت بأدوار غاية‬
‫في الخطورة عبر التاريخ‪ ،‬وسنقتصر على نموذج واحد من هذه الجمعيات التي‬
‫نجحت في تقويض الخالفة العثمانية‪ ،‬ثم تشويه التاريخ اإلسالمي بعد ذلك‪.‬‬
‫ليس من شك في أن سقوط الخالفة العثمانية كان نتيجة عملية التتريك‬
‫التي انتهجتها جمعية االتحاد والترقي‪ ،‬والتي اضطلع من خاللها يهود‬
‫الدونمة(‪ )2‬بدور بارز في مؤازرة بعض المحافل الماسونية آنذاك‪ ،‬حيث‬
‫عمدت إلى تشويه صورة تركيا اإلسالمية في نفوس المسلمين غير األتراك‪.‬‬
‫وقد كان السلطان عبد الحميد الثاني على وجه الخصوص المستهدف الرئيسي‬
‫من خالل التشويه‪ ،‬حيث رفض الصفقة اليهودية ببيع فلسطين لليهود(‪.)3‬‬
‫تتحدث عائشة بنت الشاطئ عن التزوير الذي لحق بالتاريخ العثماني‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ليفي بروفنسال‪ ،‬حضارة العرب في األندلس‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )2‬يهود الدونمة‪ :‬الدونمة كلمة تركية >دونمك ‪ <DONMEK‬التي تعني الرجوع أو العودة أو‬
‫االرتداد‪ .‬أما المفهوم االجتماعي لهذه الكلمة فإنه يعني المرتد أو المتذبذب‪ ،‬أما من‬
‫الناحية الدينية فتعني هذه الكلمة مذهبا دينيا جديدا دعا إليه الحاخام ساباناي زيفي‪.‬‬
‫أما المفهوم السياسي لهذه الكلمة فإنه يعني اليهود في البيئة اإلسالمية‪ ،‬والذين لهم كيانهم‬
‫الخاص‪ ،‬والراجح أنه في القرن السابع عشر أطلقت هذه الكلمة على اليهود الذين يعيشون‬
‫في المدن اإلسالمية‪ ،‬وخاصة والية سالتيك‪ ،‬وأطلق العثمانيون اسم الدونمة على اليهود‬
‫لغرض بيان وتوضيح العودة عن اليهودية إلى اإلسالم‪ .‬إال أن تلك كلمة الدونمة أطلقت‬
‫ولغرض األمن اسم العودة على اليهود الذين يعيشون تحت سيطرة اإلسالم‪ .‬كما تعبر عن فئة‬
‫من اليهود األندلسيين الذين هرعوا إلى الدولة العثمانية وتظاهروا باعتناق العقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫انظر‪ :‬أحمد نوري النعيمي‪ ،‬يهود الدونمة‪ ،‬دراسة في األصول والعقائد والمواقف‪.‬‬
‫(بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1111 ،1‬هـ‪1991/‬م)‪ ،‬ص‪ 4‬ــ ‪.9‬‬
‫(‪ )3‬أحمد نوري النعيمي‪ ،‬يهود الدونمة‪ ،‬ص‪ 66‬ــ ‪.46‬‬

‫‪322‬‬
‫مناهج االسترشاق يف دراسة اتلاريخ اإلساليم‬

‫فتقول في دهشة‪ ،‬إن كتب التاريخ المدرسية قدمت إلى لألجيال من تاريخ‬
‫أمتهم‪ ،‬الحديث مشوها ومبتورا‪ ،‬فخرجت أجياال من الطالب‪ ،‬ولم تعرف دور‬
‫بني إسرائيل في إسقاط الخالفة اإلسالمية‪ ،‬وتمزيق أقطارهم‪ ،‬ولم تقرأ في‬
‫كتاب مدرسي للتاريخ قصة الصفقة اللئيمة التي عرضها عمالء اليهود على‬
‫السلطان عبد الحميد الثاني(‪.)5‬‬
‫إن المخطط الصهيوني كانت له مصلحة واضحة في تفتيت الخالفة‬
‫العثمانية والعالم اإلسالمي‪ ،‬حيث تمكنوا من ابتالع أجزائه المتفرقة لقمة بعد‬
‫لقمة‪ ،‬بعد أن عجزا عن مواجهة الدولة والتغلب عليها مجتمعة‪ ،‬لذلك سعوا‬
‫بكل ما أوتوا من قوة إلى إثارة الكراهية الشديدة ضد الخالفة العثمانية في‬
‫المنطقة العربية خاصة‪.‬‬
‫وحتى بعد أن نجحوا في إسقاط الخالفة لم يسألوا جهدا في تضخيم‬
‫شيكات الحكم العثماني‪ ،‬حتى بعد سقوطه‪ ،‬حتى جعلوه كله سيئات لينفروا‬
‫الناس من الحكم اإلسالمي عامة‪.‬‬
‫يعلق المؤرخ >سلمان أوزندنا< قائال‪« :‬إن التاريخ العثماني الذي تعرفه‬
‫األقطار العربية قد حررته وصورته أفالم أجبنية موتورة‪ ،‬ومن ثم فإن هذا‬
‫التاريخ يأتي مزيفا متميزا يجرد التاريخ العثماني من كثير من خصائص العظمة‬
‫والتميز»(‪.)2‬‬
‫وبهذا نخلص إلى القول بأن الحمالت العدائية تكاثفت ولم تدخر جهدا‬
‫إال ووظفته من أجل اإلجهاز على العلوم اإلسالمية‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عائشة عبد الرحمن‪ ،‬اإلسرائيليات في الغزو الفكري‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الدولة العثمانية‪ ،‬ترجمة عدنان محمود سلمان‪( ،‬استانبول‪ ،‬منشورات مؤسسة فيصل‬
‫للتمويل‪1944 ،‬م)‪ ،‬مج‪ ،1‬ص‪.11‬‬

‫‪323‬‬
‫اتلأصيل واتلجديد‬
‫يف ادلراسات اإلسالمية املعارصة‬
‫معالم اتلجديد‬

‫‪5‬‬
‫معالم اتلجديد‬
‫إن مقاومة الدراسات اإلسالمية المعاصرة الجتياح التيار االستشراقي‬
‫المعاصر محاولة منه لنسف اإلسالم‪ ،‬واجتثاثه من جذوره‪ ،‬يتطلب من هذه‬
‫الدراسات أن تخرج من تقوقعها على ذاتها‪ ،‬واالكتفاء بالمواقع الدفاعية‪،‬‬
‫وردود األفعال المتشنجة‪.‬‬
‫مدعوة في العصر الحاضر أن تبين‬
‫ّ‬ ‫إن الدراسات اإلسالمية المعاصرة‬
‫صورة اإلسالم النقية ومعالمه في عقول أتباعه‪ ،‬ثم ترفع اللبس والغموض الذي‬
‫يكتنفه عند اآلخرين من جراء المخططات والحمالت العدائية التي يشنها‬
‫االستشراق الصهيوني‪ ،‬عالوة على فضحه وكشف زيفه‪.‬‬
‫إن التطلع لمعرفة على هذا المستوى المسؤول‪ ،‬يتطلب من الفكر‬
‫اإلسالمي المعاصر أن يقتحم حلبة الصراع الديني في عالم أهم ما يميزه ذلك‬
‫الصراع العنيف بين األديان واأليدولوجيات المختلفة‪ ،‬حيث ال خالف في أن‬
‫جوهر هذا الصراع ديني‪ ،‬مهما اتخذ من أشكال سياسية أو اقتصادية أو‬
‫حضارية‪.‬‬
‫ومن هنا تأتي أهمية االنفتاح على اآلخر‪ ،‬وذلك بإحياء علم مقارنة‬
‫األديان‪ ،‬وبعثه من جديد‪ ،‬عالوة على اعتبارات أخرى في غاية األهمية‬
‫نجملها فيما يأتي‪:‬‬
‫‪327‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫ــ من المؤكد أن أغلب المستشرقين المعاصريين تخندقوا في خندق‬


‫واحد واستعانوا بعلم مقارنة األديان في تحقيق أغراضهم ومآربهم‪ .‬لقد تم‬
‫حشد جحافل من المستشرقين لدراسة األديان بصفة عامة واإلسالم بصفة‬
‫خاصة‪.‬‬
‫وبالفعل لم يدخر المستشرقون جهدا في دراسة اإلسالم وما يتصل به‪،‬‬
‫فهذا جولد زيهر الذي نذر نفسه لخدمة المخططات اليهودية‪ ،‬كان مبعثا‬
‫لالحترام والتقدير من قِبل المفكرين المسلمين أنفسهم‪ ،‬على سعة اطالعه على‬
‫العلوم اإلسالمية في معرض انتقادهم له ودحضهم آلرائه‪.‬‬
‫وليس غريبا أن ال تسمح الجامعات األلمانية لمستشرق أن يتبوأ منصب‬
‫األستاذية في الدراسات اإلسالمية دون أن يستكمل إتقان سبعة لغات شرقية‬
‫قديمة على األقل(‪.)5‬‬
‫ــ في غمرة الصراع اإليديولوجي المحتدم اليوم‪ ،‬تغمر العالم نزعة‬
‫العولمة‪ ،‬وما يتبعها من ترويج لفكرة الثقافة الكونية للقرية العالمية الواحدة‪،‬‬
‫وهي تحاول بسط هيمنتها الغربية بشقيها اليهودي المسيحي على العالم‪.‬‬
‫جاء كل هذا ليؤكد أن الفكر اليوم ال وزن له ما لم يحقق عالميته‪،‬‬
‫وبإمكان الفكر اإلسالمي المعاصر توظيف مقارنة األديان لتحقيق ذلك‬
‫العتبارين اثنين‪:‬‬
‫{ﮢ ﮣ‬ ‫‪ 5‬ــ إن اإلسالم قرر منذ البدء بعالمية الرسالة بقوله تعالى‪:‬‬
‫ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬رودي بارت‪ ،‬الدراسات العربية واإلسالمية في الجامعات األلمانية‪> ،‬المستشرقون األلمان‬
‫منذ تيودور نولدكه<‪ ،‬ص ‪.109‬‬

‫‪328‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ}(‪.)5‬‬
‫ومما يعزز هذه العالمية ويدعمها ما ينفرد به اإلسالم من قدرة فائقة على‬
‫الحوار وكسب اآلخر‪.‬‬
‫وما نراه من زخم الدراسات االستشراقية والمقارنة بين األديان‪ ،‬والتي‬
‫تنطوي على عداء مقيت هي محاولة حجب جوهر الدين عن البشرية‪ ،‬وغلق‬
‫األبواب في وجه اإلسالم للولوج إلى العالم والتأثير على شعوبه‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ إن لإلسالم نزعة تصحيحية‪ ،‬فهو المهيمن على األديان كلها بما‬
‫فيها اليهودية والمسيحية‪ ،‬والقرآن الكريم زاخر بمثل هذه النصوص التصحيحية‬
‫التي تعنى بالغرض‪ .‬وإن مقارنة األديان بإمكانه أن يضطلع بهذا الدور الفعال‬
‫في رصد الديانات وتتبع تاريخها ومدى تعرضها للتحريف والتبديل‪ .‬كما يعمد‬
‫إلى كشف المخططات االستشراقية المعاصرة في تاريخ الديانات‪ ،‬عالوة على‬
‫غربلة التراث اإلسالمي مما لحقه من اإلسرائيليات واألساطير اليهودية(‪.)2‬‬
‫ومع هذه األدوار التي يضطلع بها هذا العلم إال أن بعض التيارات‬
‫الفكرية في العالم اإلسالمي ال زالت تنظر إليه بنوع من التوجس والحذر‪،‬‬
‫وبالمقابل عمدت المدرسة االستشراقية إلى تبنيه واالدعاء بأن لعلمائها فضل‬
‫السبق في ذلك بتصدرهم‪.‬‬
‫وسنعمل هنا على دحض هذه الفرية مع بيان أن مقارنة األديان علم‬
‫إسالمي أصيل‪ ،‬ولكنه ضاع في عصرنا على حد تعبير األستاذ أحمد شلبي‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة األعراف‪ ،‬آية ‪.114‬‬
‫(‪ )2‬محمد خليفة حسن أحمد‪ ،‬عالقة اإلسالم باليهودية >رؤية إسالمية في مصادر التوراة‬
‫الحالية<‪ ،‬ص‪ 61‬ــ ‪.61‬‬

‫‪327‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫املطلب األول‪ :‬تفعيل علم مقارنة األديان‬


‫يف الدراسات اإلسالمية‬

‫إن اهتمام علماء اإلسالم األوائل بهذا العلم أمر ال جدال فيه‪ ،‬حيث‬
‫نشطت الحركة الجدلية بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات‬
‫المختلفة‪ ،‬وتفاقمت حتى أسفرت عن ميالد علم إسالمي جديد هو علم مقارنة‬
‫األديان الذي تك ّفل بدراسة األديان األخرى لتعريف المسلمين بها من ناحية‪،‬‬
‫فيزدادوا إيمانا بأحقية الدين وهيمنته على األديان األخرى‪.‬‬
‫ولكي يقدم اإلسالم لغير المسلمين في صورة مقارنة مع ما يعتقدونه مما‬
‫يثير الشكوك في عقائدهم ويفتح الطريق أمامهم لتقبل اإلسالم‪ ،‬وهم في ذلك‬
‫ملتزمون بمنهج القرآن في دعوة أصحاب الديانات‪ .‬فللقرآن الكريم يعود‬
‫الفضل في تحفيز العقيدة اإلسالمية على الحوار وإيقاظ روح البحث فيه‪ .‬وهذا‬
‫ما سنبحثه اآلن‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أثر القرآن الكريم يف علم مقارنة األديان‪:‬‬


‫قدم القرآن الكريم اإلطار العلمي والمنهجي لدراسة الكتب المقدسة‬
‫ونقدها‪ ،‬وحفل بالحديث المفصل عن كتب اليهود والنصارى‪ ،‬وعرض العقائد‬
‫وبين‬
‫وبين مزاعمهم بدقة واستقصاء‪ ،‬ثم ناقشها ّ‬
‫والملل والمذاهب المختلفة‪ّ ،‬‬
‫الزيف والخطأ فيها‪ ،‬وقارن بينها وبين الدين الصحيح الذي أرسل اهلل به‬
‫رسله‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬


‫ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬
‫ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ‬
‫ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ‬
‫ﮌ ﮍ}(‪.)5‬‬
‫ومنهج القرآن في إيراد الحجج يعتمد على ما يأتي‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ اإلقناع العقلي‪ :‬اندفع القرآن الكريم في حديثه عن هذه األديان من‬
‫(‪)2‬‬
‫عقيدة أصيلة فيه‪ ،‬وهي اعتبار العقل كما يقول الحارث بن أسد المحاسبي‬
‫«إنه غريزة يتهيأ بها إدراك العلوم النظرية وكأنه نور يقذف في القلب‪ ،‬به يستعد‬
‫إلدراك األشياء»(‪.)3‬‬
‫وجه‬
‫‪ 2‬ــ اإلقناع العاطفي‪ :‬لم يعتن القرآن الكريم بالعقل فحسب‪ ،‬بل ّ‬
‫اهتماما كبيرا للعاطفة‪ ،‬ألن غايته هي مخاطبة النفس البشرية‪ ،‬والنفس عقل‬
‫ووجدان‪.‬‬
‫وما كان القرآن ليصل إلى مراده من اإلقناع بمخاطبة جانب وتعطيل‬
‫جانب آخر‪ ،‬بل ظل القرآن يراعي ملَكات النفس جميعها‪ ،‬ويجعلها تتكاتف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬سورة النساء‪ ،‬آية‪.111‬‬
‫(‪ )2‬المحاسبي‪ ،‬الزاهد العارف‪ ،‬شيخ الصوفية‪ ،‬أبو عبداهلل الحارث بن أسد البغدادي‬
‫المحاسبي‪ ،‬صاحب التصانيف الزهدية‪ ،‬له مدونات في الزهد وأصول الديانة والرد على‬
‫المعتزلة والرافضة‪ .‬توفي سنة ‪111‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬شمس الدين الذهبي‪ ،‬تهذيب سير أعالم النبالء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )3‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬د‪ .‬ط‪ .‬ــ د‪ .‬ت‪،).‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.41‬‬

‫‪335‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫كلها من أجل بلوغ هذا الهدف‪ ،‬ألنه قد يميل العقل إلى الحجة والبرهان‪ ،‬في‬
‫حين نجد العاطفة مضطربة غير مطمئنة(‪.)5‬‬
‫ويالحظ هذا الترابط بين العقل والعاطفة في خطاب القرآن الكريم‬
‫لليهود والنصارى‪ ،‬كما قال جل شأنه‪{ :‬ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ‬
‫ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ‬
‫ﮉ}(‪.)2‬‬
‫وأحيانا يحرك عواطفهم بتذكيرهم بأنهم أصحاب كتب مقدسة‪ ،‬ولذا‬
‫يسميهم بأهل الكتاب‪ ،‬وهذا شرف عظيم لهم‪.‬‬
‫وعن هذا التالزم بين العقل والعاطفة في أسلوب القرآن الكريم يقول‬
‫األستاذ عبد اهلل دراز‪« :‬يبدو أنه فوق طاقة البشر حقا في األسلوب القرآني‪،‬‬
‫فهو ال يخضع للقوانين النفسية التي بمقتضاها ترى العقل والعاطفة ال يعمالن‬
‫إلى بالتبادل وبنسب عكسية‪ ،‬يحث يؤدي ظهور إحدى القوتين إلى اختفاء‬
‫األخرى‪ ،‬ففي القرآن الكريم ال نرى إال تعاونا دائما بين جميع الموضوعات‬
‫التي يتناولها بين هاتين النـزعتين المتنافرتين»(‪.)3‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬ابن عيسى بن عبد القاهر بطاهر‪ ،‬أساليب اإلقناع في القرآن الكريم‪ ،‬دراسة تطبيقية لسورة‬
‫الفرقان‪( ،‬األردن‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬د‪ .‬ط‪1990 .‬م)‪ ،‬ص‪ 10‬ــ ‪.11‬‬
‫وانظر‪ :‬محمد عبد اهلل دراز‪ ،‬النبأ العظيم‪ ،‬نظرات جديدة في القرآن‪( ،‬الكويت‪ ،‬دار القلم‪،‬‬
‫د‪ .‬ط‪1910 .‬م)‪ ،‬ص‪ 111‬ــ ‪.111‬‬
‫(‪ )2‬سورة النساء‪ ،‬آية‪.111‬‬
‫(‪ )3‬مدخل إلى القرآن الكريم >عرض تاريخي وتحليل مقارن<‪ ،‬ترجمة محمد عبد العظيم علي‪،‬‬
‫(الكويت‪ ،‬دار القلم‪ ،‬د‪ .‬ط‪1106 .‬هـ‪1946/‬م)‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪332‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫ثانيا‪ :‬اسهامات علماء املسلمني يف جمال علم مقارنة األديان‪:‬‬


‫هكذا وضع القرآن الكريم القواعد األساسية في نقد األديان‪ ،‬وأعطى‬
‫أصوال علمية منهجية لنقدها‪ ،‬تمكّن علماء اإلسالم بفضلها من الوصول إلى‬
‫نتائج باهرة‪ ،‬فنشأت الحركة النقدية اإلسالمية القائمة على المنهج العلمي‬
‫التاريخي الدقيق‪ ،‬وعلى الموضوعية التي يمكن الوصول بها إلى الحق‪ .‬وأدى‬
‫هذا إلى استخدام المنهج النقدي التاريخي الذي أسهم في تأسيس قواعد نقد‬
‫الروايات والمتون نقدا خارجيا وداخليا‪ ،‬وبالتالي كان الفضل لعلماء اإلسالم‬
‫في إيجاد علم مقارنة األديان‪.‬‬
‫يقول عبد اهلل دراز‪« :‬إن الحديث عن األديان بعد أن كان في العصور‬
‫السابقة لها مغمورا في لجة األحاديث عن شؤون الحياة‪ ،‬وإما مدفوعا في تيار‬
‫البحوث النفسية أو الجدلية‪ ،‬أصبح في كتاب العرب دراسة وصفية واقعية معزولة‬
‫عن سائر العلوم والفنون‪ ،‬شاملة كافة األديان المعروفة في عهدهم‪ ،‬فكان لهم‬
‫السبق في تدوينه علما مستقال قبل أن تعرفه أروبا الحديثة بعشرة قرون»(‪.)5‬‬
‫سباقين لوضع أسس علم مقارنة األديان ونقد‬ ‫فالمسلمون إذن كانوا ّ‬
‫الكتب المقدسة‪ .‬وهذا عكس ما ذهب إليه بعض الباحثين الغربيين بأن الحركة‬
‫النقدية للكتاب المقدس بدأت منذ مطلع القرن التاسع عشر للميالد‪ ،‬بفضل‬
‫سبينوزا وغيره‪.‬‬
‫إن الباحثين المسلمين اعتنوا ــ بتأثير مباشر من القرآن ــ بدراسة أديان‬
‫كتبا مختصة‪،‬‬
‫األمم‪ ،‬والتنقيب عن عقائدها وطقوسها‪ ،‬وألفوا لهذا الغرض ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬الدين >بحوث ممهدة لدراسة تاريخ األديان< (الكويت‪ ،‬دار القلم‪ ،‬د‪ .‬ط‪1941 .‬م)‪،‬‬
‫ص‪.11‬‬

‫‪333‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫مطولة في مصنفاتهم‪ ،‬فهذا كمال الدين بن يونس الشافعي(‪ )5‬يقول فيه‬


‫وفصوال ّ‬
‫ابن خلكان‪« :‬إن أهل الذمة من اليهود والنصارى كانوا يقرؤون عليه التوراة‬
‫واإلنجيل فيفسرها لهم‪ ،‬وكانوا يعترفون بأنهم ال يجدون من يوضحها لهم‬
‫مثله»(‪.)2‬‬
‫وهكذا كان علماء اإلسالم يستمدون خصائص كل ديانة من مصدرها‬
‫الموثوق بها‪ ،‬ويستقونها من منابعها األولى‪ ،‬ويدونونها علما مستقال اتخذوا له‬
‫منهجا علميا سليما‪ .‬فمما الشك فيه أن ابن حزم يعود إليه فضل األسبقية في‬
‫هذا العلم وتطبيقه لمنهج صارم في نقد الكتاب المقدس‪ ،‬مما حدا ببعض‬
‫الباحثين الغربيين إلى اعتباره مؤسس علم مقارنة األديان بال منازع‪ ،‬وإن كتابه‬
‫>ال ِفصل في الملل واألهواء والنحل< أشهر ما ألّف في هذا المجال‪ .‬ولذلك‬
‫حظي ابن حزم في الغرب بهالة من التقدير واإلجالل(‪.)3‬‬
‫يؤكد األستاذ أحمد شلبي بأنه في منتصف القرن الهجري الثاني‪ ،‬عندما بدأ‬
‫المسلمون يكتبون الفقه والتفسير والحديث‪ ،‬عمدوا كذلك إلى الكتابة في علم‬
‫مقارنة األديان‪ ،‬فهو بذلك علم إسالمي ينتمي إلى حظيرة العلوم اإلسالمية(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ابن يونس‪ ،‬هو العالمة شرف الدين أبو الفضل أحمد بن الشيخ الكبير كمال الدين موسى بن‬ ‫(‪)5‬‬
‫الشيخ رضى الدين يونس بن محمد اإلربلي‪ ،‬ثم الموصلي الشافعي‪ ،‬صاحب >شرح التنبيه<‪.‬‬
‫مات في ربيع اآلخر سنة ‪166‬هـ‪ .‬وقد اختصر اإلحياء مرتين‪ ،‬وله محفوظات كثيرة وذهن وقاد‪.‬‬
‫انظر‪ :‬شمس الدين الذهبي‪ ،‬تهذيب سير أعالم النبالء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.106‬‬
‫أبو حامد الغزالي‪ ،‬الرد الجميل على ألوهية المسيح‪ ،‬تحقيق محمد عبد اهلل الشرقاوي‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫(القاهرة‪ ،‬دار الهداية‪ ،‬ط‪1944 ،1‬م)‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫انظر‪ :‬اعتراف بعض الباحثين الغربيين البن حزم بالريادة والسبق لعلم مقارنة األديان‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫محمود على حماية‪ ،‬ابن حزم ومنهجه في دراسة األديان‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1941‬م)‪ ،‬ص‪ 1‬ــ ‪.4‬‬
‫اليهودية‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪331‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫ومن مشاهير العلماء الذين اهتموا بهذا العلم‪ ،‬النوبختي (ت‪212‬هـ) في‬
‫كتابه >اآلراء والديانات<‪ ،‬ويليه المسعودي (ت‪311‬هـ) فكتب كتابه >إدراك‬
‫مطول يقع في حوالي ثالثة‬
‫البغية في وصف األديان والعبادات<‪ ،‬وهو كتاب ّ‬
‫آالف ورقة‪ .‬ومن أبرز الكتب التي كتبت عن الملل والنحل كتاب أبي منصور‬
‫البغدادي (ت‪111‬هـ)‪ ،‬وكتاب الملل والنحل للشهرستاني (ت‪118‬هـ)‪،‬‬
‫وكذلك كتاب >تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة< ألبي‬
‫الريحان البيروني(‪.)5‬‬
‫وهكذا اهتم المسلمون بدراسة مقارنة األديان‪ ،‬ولكن سرعان ما الحت‬
‫عصور االنحطاط التي لحقت المسلمين حتى اتجه كثير من الفقهاء إلى‬
‫التعصب لمذاهبهم الفقهية‪ ،‬فانحصر أو انعدم اشتغالهم باألديان األخرى‬
‫وتعاليمها‪.‬‬
‫وإذا كان المسلمون في عصر االنحطاط قد أهملوا مقارنة األديان‪،‬‬
‫فبالمقابل نجد المسيحيين قد انكبوا على دراسة هذا العلم‪ ،‬وقد حفزهم على‬
‫ذلك تلك اللقاءات السلمية بين المسلمين والمسيحيين في الشام واألندلس‪،‬‬
‫عرفت المسيحيين بمقارنة األديان‪.‬‬
‫ّ‬
‫وعندما جاء عصر االستعمار استعان به المبشرون في نشر المسيحية من‬
‫جهة‪ ،‬وتشويه صورة اإلسالم من جهة أخرى‪.‬‬
‫وما إن أطل العصر الحديث حتى استفاق المسلمون من غفلتهم وراحوا‬
‫يحاولون إحياء هذا العلم‪ ،‬ليكون في أيديهم سالحا كما كان في الماضي‪.‬‬
‫وبهذا رجع علم مقارنة األديان إلى الظهور في الجامعات اإلسالمية‪ ،‬ولكنه في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 11‬ــ ‪.14‬‬

‫‪331‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫الحقيقة ظهور محتشم لم يأخذ بع ُد مكانته الالئقة(‪.)5‬‬


‫ولذا ينبغي على الفكر اإلسالمي االهتمام بهذا العلم لما له من دور في‬
‫فهم حقيقي لهذه األديان وتطورها ومكانها من العلم الحضاري اإلنساني‪،‬‬
‫وإدراك مكانة الدين اإلسالمي دعما إليماننا بأنه يحق لجميع البشر أن يقفوا‬
‫بأنفسهم على كافة الحقائق المتعلقة بهذه األديان ثم بديننا‪ ،‬حتى يمكنهم‬
‫الحكم واالحتكام بكل إنصاف(‪ .)2‬ويمكن لهم الكشف عن أنواع الزيف التي‬
‫ألصقها المغرضون اليهود بكثير من األديان‪« ،‬ويوم ينشط هذا العلم ستخبو‬
‫ترهات الباطل وتتضح معالم الحق‪ ،‬وليس هذا اليوم ببعيد»(‪.)3‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬اليهودية‪ ،‬ص‪ 10‬ــ ‪.11‬‬
‫(‪ )2‬محمد كمال جعفر‪ ،‬اإلنسان واألديان‪( ،‬الدوحة‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬ط‪1106 ،1‬هـ‪1941/‬م)‪،‬‬
‫ص‪ 110‬ــ ‪.111‬‬
‫(‪ )3‬أحمد شلبي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬

‫‪331‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫املطلب الثاني‪ :‬جتديد املناهج يف الدراسات‬


‫اإلسالمية املعاصرة‬

‫من أجل تحديد معالم لمنهجية جديدة للفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬ينبغي‬
‫علينا أن نكشف أوال عن األزمة المنهجية التي تعاني منها الدراسات اإلسالمية‬
‫المعاصرة‪ ،‬وطبيعتها‪ ،‬لتمكن بعد ذلك من اقتراح حلول لهذه الوضعية‬
‫المتأزمة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أزمة املناهج يف الدراسات اإلسالمية املعاصرة‪:‬‬


‫إن نجاح الفكر اإلسالمي قديما في تحقيق حضارة لم تضاهيها حضارة‬
‫في عصرها‪ ،‬نابع أصال مما انفرد به ذلك الفكر من منهجية جديدة أحدثت‬
‫انقالبا في بنية الفكر البشري آنذاك‪ .‬حيث حررت العقل من قيوده بتخليصه‬
‫من البنى األسطورية التي كانت تتحكم فيه آنذاك‪ .‬كما أفلحت في التوفيق بين‬
‫تعاليم العقيدة المجردة من جهة وبين جوانب الحياة الواقعية من جهة أخرى‪.‬‬
‫انبثقت هذه المنهجية من خصائص العقلية اإلسالمية التي أفرزتها العقيدة‬
‫اإلسالمية فيما أحدثته من نقلة نوعية في تنظيم عالقة اإلنسان باهلل‪ ،‬وعالقته‬
‫بالكون‪ ،‬ومكانته فيه‪ ،‬ودوره في عمارته‪ ،‬عالوة على ما أعطته للحياة الواقعية‬
‫من قيمة‪ ،‬مما جعلت من هذا الفكر مجاال خصبا‪ ،‬ساعد الفكر الغربي على‬
‫اكتشاف ذاته وتشييد حضارته‪.‬‬
‫وما أن بدأ الضعف يدب في أوصال الفكر اإلسالمي حتى قام على‬

‫‪337‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫أنقاضه فكر غربي جديد‪ ،‬وبدأت منهجية جديدة تأخذ مكانتها وتحل مكان‬
‫األولى تحركها النـزعة المادية‪ ،‬ومتخذة من الواقع ميدانا أساسيا للفعل‪،‬‬
‫وبذلك أحدثت نقلة نوعية كان لها عظيم األثر في الفكر اإلنساني كله(‪.)5‬‬
‫وفي محاولة الفكر اإلسالمي للتصدي لهذا التحدي الغربي الذي اجتاح‬
‫الفكر اإلنساني عامة‪ ،‬عمد الفكر اإلسالمي إلى اتخاذ موقف الرد المتشنج‪،‬‬
‫وبذلك طلع علينا الفكر اإلسالمي متأثرا بتيارين أساسيين‪:‬‬
‫التيار األول‪ :‬م ّثله المفتونون والمنبهرون بالفكر الغربي الجديد لما حققه‬
‫من إنجازات بفضل المناهج الحديثة‪.‬‬
‫التيار الثاني‪ :‬م ّثله العائدون إلى الذات‪ ،‬أولئك الذين عادوا إلى الهوية‬
‫اإلسالمية يستلهمون منها الحل من هذا الوضع المتأزم‪.‬‬
‫ومنه ترجح أزمة المناهج الحالية الرتباطها باتجاهين أساسيين‪:‬‬
‫‪ 5‬ــ االتجاه العلمي‪ :‬يسود هذا االتجاه الدراسات االستشراقية وما‬
‫تمخض عنها من دراسات تعزى إلى تالمذة المستشرقين خاصة‪ ،‬أولئك الذين‬
‫انبهروا بالفكر الغربي وما حققه من إنجازات‪ .‬فقد هال رهطا من المسلمين‬
‫حالة االنحطاط والفوضى التي أ ّلمت بالمسلمين‪ ،‬مقارنين بين حالة التقدم التي‬
‫عليها أهل الغرب‪ ،‬فرأوا بأن نجاة األمة وخالصها ينحصر في ذلك المنهج‬
‫وطبقه‪ ،‬فراحوا يستنسخون هذا المنهج ويُقحمونه‬ ‫الذي أخذ به الفكر الغربي ّ‬
‫في الدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫وكان من شأن هذا االنبهار أن برزت أزمة منهجية حادة في الدراسات‬
‫اإلسالمية يعتريها شعور دفين بالمغلوبية الحضارية إزاء الفكر الغربي‪ ،‬مما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عبد المجيد عمر النجار‪ ،‬مباحث في منهجية الفكر اإلسالمي‪ 141 ،‬ــ ‪.146‬‬

‫‪338‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫أعاق هذا الشعور العقول عن أن تعي بموضوعية مختلف المعطيات‪ ،‬سواء‬


‫التي أنتجها الفكر اإلسالمي األصيل‪ ،‬أم الفكر الغربي الوافد‪ ،‬لتقارن بين‬
‫الجانبين وتأخذ ما ينفعها وتدع ما يضرها(‪.)5‬‬
‫يعتمد االتجاه العلمي المادي على دراسة الظاهرة الدينية في عالمها‬
‫الحسي‪ ،‬يتجه بذلك إلى تطبيق منهج يُعنى بالرؤية التاريخية في تطور الدين‬
‫وتمثيله لطبيعة تفاعالت الحياة االجتماعية الخاصة بمعتنقيه‪ ،‬وما يحيط بها من‬
‫ظروف وتحديات‪.‬‬
‫وهذا المنهج المعتمد ليس بإمكانه أن يعطي صورة صادقة تحيط بكل‬
‫جوانب موضوع البحث فيما يخص اإلسالم‪ ،‬باعتباره نشأ من مصدر إلهي‪،‬‬
‫وهو الوحي‪ ،‬جوهر اإلسالم وروحه‪.‬‬
‫ولذلك رأينا االستشراق كما سبق وأن ذكرنا‪ ،‬يخلط بين الوحي‬
‫والتراث‪ ،‬وال يولي اهتماما للجانب العقدي في التاريخ اإلسالمي‪ .‬وانزلق‬
‫المستشرقون في اعتبار الوحي ذاته نتاج التاريخ‪ ،‬وإمكانية اتصال الموحى إليه‬
‫باليهود والمسيحيين واألخذ منهم‪.‬‬
‫وبذلك أفرز االتجاه العلمي الذي غطّى معظم الدراسات مناهج تعالج‬
‫التراث اإلسالمي معالجة خارجية‪ ،‬تناوله كموضوع‪ ،‬وليس كذات وموضوع‪،‬‬
‫لذلك وقع االستشراق في خطإ فظيع عند تطبيق المنهج وإسقاطه على‬
‫الدراسات اإلسالمية‪ ،‬حيث يجنح إلى استبدال الظاهرة المدروسة بظواهر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عبد المجيد عمر النجار‪ ،‬مباحث في منهجية الفكر اإلسالمي‪ 191 ،‬ــ ‪.191‬‬
‫ــ حسن حنفي‪ ،‬التراث والتجديد‪> ،‬موقف من التراث القديم<‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار التنوير‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪1941 ،1‬م)‪ ،‬ص‪ 60‬ــ ‪.61‬‬

‫‪337‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫أخرى هي أشكال األبنية النظرية القابعة في ذهن المستشرق‪ ،‬يراها في الواقع‪،‬‬


‫خفيا بذلك الظاهرة الموضوعية التي أمامه‪ ،‬والتي كان في نيته دراستها‪،‬‬ ‫ُم ً‬
‫فيسقط بذلك المستشرق في خطإ من اإلدراك يجعله في عزلة ذهنية‪ ،‬ويضعه‬
‫في موقف نرجسي خالص‪ ،‬عندما ال يرى في العالم الخارجي من الموضوعات‬
‫إال ما هو موجود في نفسه كصورة ذهنية(‪.)5‬‬
‫وإن كنا نوافق حسن حنفي بالتماس العذر لمطبقي هذا المنهج‪ ،‬ألنه في‬
‫الغالب ال شعور‪ ،‬إذ إن الباحث ليس متحررا من الدوافع اإليديولوجية والبيئية‬
‫التي يحياها(‪.)2‬‬
‫وقد يتعذر عليه االنسالخ الكامل من آرائه المسبقة‪ ،‬ولكن الذي نعنيه‬
‫ونريد رفع اللثام عنه هو ذلك اإلسقاط المعلن والمصرح به‪ ،‬وهو خضوع‬
‫الباحث لهواه‪ ،‬وعدم استطاعته التخلص من التصورات المسبقة التي تركتها‬
‫لديه بيئته الثقافية‪ .‬مع أن التحرر من األحكام المسبقة العقلية واالنفعالية معا‬
‫هو الخطوة األولى في البحث العلمي‪.‬‬
‫وسبب ذلك هو نرجسية الغربي بثقافته العنصرية‪ ،‬واعتبارها النموذج‬
‫الوحيد األمثل لكل الثقافات‪ ،‬وأنه ينتمي إلى حضارة مركزية‪ ،‬فهي محور‬
‫التاريخ‪ ،‬ومصدر المعارف‪ ،‬ومنبت المناهج‪ ،‬ولذلك يؤكد حسن حنفي أن‬
‫ذلك يرجع إلى التضخم في الذات المدروسة من أعلى‪ ،‬وال يضعها على نفس‬
‫المستوى مما يظهر اإلسقاط بمعنى وضع اآلخر في قلب الذات(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬حسن حنفي‪ ،‬التراث والتجديد‪> ،‬موقف من التراث القديم<‪ ،‬ص‪ 16‬ــ ‪.11‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪311‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫وبالمقابل إذا اتجه إلى دراسة الفكر الغربي وحضارته‪ ،‬فيعمد الباحث‬
‫الغربي إلى تطبيق المنهج الذاتي‪ ،‬والذي يعرف أيضا باسم المنهج الفردي‪،‬‬
‫وهو ال يعترف بالتأثيرات الشمولية للتاريخ‪ ،‬وال لإليحاءات الخفية للبنية‬
‫ويلح على أن نتاج الفرد وإبداعه وليد ذات المبدع‪ ،‬ولهذا يدعو‬
‫المجتمعية‪ّ .‬‬
‫هذا المنهج إلى قراءة الحضارة الغربية على حدة‪ ،‬وأنها لم تتأثر بأي حضارة‬
‫أخرى‪ .‬وذلك كله من أجل سحب البساط من أقدام الحضارة اإلسالمية‪ ،‬وما‬
‫أمدته للحضارة الغربية من خدمات جليلة(‪.)5‬‬
‫لذلك فإن مناهج المستشرقين هي مناهج مؤطرة إيديولوجيا بنظرة‬
‫استعالء‪ ،‬وضعت أصال لخدمة الفكر الغربي في إطار من الهيمنة والغلبة‪.‬‬
‫يروج لها في عالمنا اإلسالمي‪.‬‬
‫والمؤسف له أن لهذه المناهج من ّ‬
‫‪ 2‬ــ االتجاه الخطابي‪ :‬يسود هذا االتجاه معظم األدبيات اإلسالمية التي‬
‫قدمها المفكرون المسلمون المعاصرون‪ ،‬والتي تتخذ من العودة إلى الذات‬
‫محورا أساسيا لمشروع النهضة الحضارية(‪.)2‬‬
‫مسلك هذا االتجاه في عمومه مسلك متشدد في مواجهة الفكر الغربي‬
‫ومناهجه باعتباره اتخذ موقف التصدي للتحدي الحضاري الغربي‪ ،‬حيث أفرز‬
‫هذا التحدي نزوعا إلى الدفاع عن الهوية اإلسالمية بالعودة إلى أسباب العزة‬
‫الكامنة واكتشافها من جديد‪.‬‬
‫إن هذا االتجاه اضطلع بدور عظيم في زمن االنبهار بالغرب وحضارته‪،‬‬
‫ومحاولة هذا األخير القضاء على أصالة الشعوب وحضارتها‪ ،‬والدعوة إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬حسن جابر‪ ،‬االستقراء واالتجاهات المنهجية المعاصرة‪( ،‬المنطلق‪ ،‬لبنان‪ ،‬عدد‪،11‬‬
‫صيف‪1991‬م)‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫(‪ )2‬حسن حنفي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪315‬‬
‫معالم اتلجديد‬

‫االرتماء في أحضان الفكر الغربي باعتباره النموذج الوحيد واألمثل ألي نهضة‬
‫وتقدم‪.‬‬
‫ولذلك أضحت غاية هذا االتجاه إبراز الحقائق اإلسالمية‪ ،‬وبعثها من‬
‫جديد‪ ،‬وإحياء النفوس بها‪ ،‬وأن هذه الحقائق صالحة لكل زمان ومكان‪ ،‬وأنها‬
‫الكفيلة بانتشال األمة من حالة االنحطاط والتردي‪ ،‬وتدفع بها إلى النهوض‬
‫والتقدم‪.‬‬
‫ولإلنصاف فإن هذا االتجاه استنفد جهوده‪ ،‬ولم يستطع أن يواكب‬
‫وتحول في أغلبه إلى نزعة خطابية‬
‫ّ‬ ‫التحديات المتراكمة والمتغيرات المتسارعة‪،‬‬
‫مثالية‪ ،‬غايتها تمجيد الماضي بمقدار ما يبكي الحاضر‪ .‬ومن هنا تظل الذات‬
‫التي يريد تأكيدها هي الذات الماضي الذي يعاد بناؤه بانفعال تحت ويالت‬
‫الحاضر وانحرافاته(‪.)5‬‬
‫مدعو أن ينتقل من مرحلة تحقيق الذات‪،‬‬‫ّ‬ ‫إن الفكر اإلسالمي المعاصر‬
‫إلى مرحلة اكتشاف الذات وتقويمه‪ ،‬مرحلة بناء الستراتيجية فعالة تعتمد على‬
‫االنتقال من مرحلة المبادئ إلى مرحلة البرامج‪ ،‬ومن مرحلة الخطب إلى‬
‫مرحلة الخطط‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬عبد المجيد عمر النجار‪ ،‬مباحث في منهجية الفكر اإلسالمي‪ ،‬ص‪.194‬‬
‫ــ منير شفيق‪ ،‬الفكر اإلسالمي المعاصر والتحديات‪> ،‬ثورات‪ ،‬حركات‪ ،‬كتابات<‪ ،‬ص‬
‫‪ 116‬ــ ‪.111‬‬

‫‪312‬‬
‫معالم ملنهجية فاعلة يف ادلراسات اإلسالمية‬

‫‪5‬‬
‫معالم ملنهجية فاعلة يف ادلراسات اإلسالمية‬

‫مع أن هناك أزمة منهجية تتخبط فيها الدراسات اإلسالمية المعاصرة‪،‬‬


‫بحيث ال يمكن التقليل من شأنها‪ ،‬إال أنها ليست مستعصية على الحل‪ ،‬يفقد‬
‫معها األمل في الخالص‪ ،‬بل إنها أزمة طارئة لها أسبابها‪ ،‬وعليه فالفكر‬
‫اإلسالمي المعاصر في أمس الحاجة إلى منهجية بإمكانها أن تحدث فيه ذلك‬
‫االنتشال من وضعه المتأزم إلى وضع أكثر جدية وواقعية‪.‬‬
‫وال يتسنى له ذلك إال إذا أخذت المنهجية الجديدة في اعتبارها ما يلي‪:‬‬

‫أوال ـ التعامل مع املصادر‪:‬‬


‫تأتي أهمية المصادر التاريخية باعتبارها تمثل مادة الفكر وأرضيته التي‬
‫يقف عليها‪ ،‬وينطلق التعامل الجدي مع المصادر من‪:‬‬
‫عوة اليوم إلى غربلة التراث‬
‫غربلة التراث من اإلسرائيليات‪ :‬إذا كانت ال ّد َ‬
‫مدعو في مواجهته‬
‫ّ‬ ‫من أولويات الفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬فإن هذا األخير‬
‫لمشروع التهويد إلى ضرورة اتخاذ موقف حازم تجاه اإلسرائيليات بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬باعتباره أنها تشغل حيزا كبيا ال زال قابعا في التراث القديم‪.‬‬
‫ومن الضروري أن يتوصل المفكرون المسلمون المعاصرون إلى حل هذه‬
‫المسألة لتخليص الفكر اإلسالمي مما علق به من خرافات وأساطير‪ ،‬وتنقيته‬

‫‪313‬‬
‫معالم ملنهجية فاعلة يف ادلراسات اإلسالمية‬

‫من الزيف والتحريف التي غصت بها أكثر المصادر القديمة لهذا الفكر‪.‬‬
‫وإذا كان للقدامى عذرهم في تعاطيهم لإلسرائيليات للوقوف على مراد‬
‫بعض اآليات في القرآن الكريم‪ ،‬أو باعتبارها نتاجا لالنفتاح على التراث‬
‫العالمي آنذاك‪ ،‬بما فيها التراث اليهودي‪ ،‬إال أن نقلهم لها بهذا الشكل وصل‬
‫حد المبالغة واإلفراط‪ ،‬بحيث فتح األبواب على مصاريعها لتسلل كثير من‬
‫األفكار اليهودية المنافية لجوهر الدين إلى الفكر اإلسالمي‪.‬‬
‫ونستغرب من غياب موقف القرآن من اليهودية عند القدامى‪ ،‬والذي كان‬
‫نلح على وجوب إثارة موقف القرآن من‬ ‫واضحا كما سبق وأن ّبي ّنـا‪ .‬ولذلك ّ‬
‫اليهود في أي محاولة لتخليص تراثنا من هذه النفايات اإلسرائيلية‪.‬‬

‫ثانيا ـ فسلفة التاريخ اإلسالمي‪:‬‬


‫إن أولى الخطى التي تعقب غربلة المصادر وتنقيتها مما لحقها من تحريف‬
‫وتزييف‪ ،‬تتمثل في الوقوف على حقيقة الرصيد التاريخي للتجربة اإلسالمية‪.‬‬
‫وهذا ال يعني أننا سنعكف على جمع تفاصيل هذه التجربة ومنعطفات هذا‬
‫التاريخ‪ ،‬فقد كفانا مؤنته المؤرخون القدامى‪ ،‬وإنما الذي يعنينا هو كشف حركتها‬
‫المتشعبة في مسيرة ذات أهداف كبرى‪ ،‬لنقف عند الغايات السامية التي كانت‬
‫التجربة اإلسالمية تنشدها منذ انطالقتها مع دولة المدينة إلى حالة التردي التي‬
‫ألمت بها وما أعقب ذلك إلى بدء الصحوة اإلسالمية المعاصرة(‪.)5‬‬ ‫ّ‬
‫ونحن إذ نهيب بالمفكرين المسلمين إلى ضرورة فلسفة التاريخ اإلسالمي‬
‫وتفسير منعرجاته الحاسمة‪ ،‬نعتقد بأن هذا كله يتم بعيدا عن أي استنساخ‬
‫لتجارب األمم األخرى كما هو دأب االستشراق اليهودية الذي استعار مناهج‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬محمد محمد زغروت‪ ،‬أثر الفكر اليهودي في كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص‪ 11‬ــ ‪.19‬‬

‫‪311‬‬
‫معالم ملنهجية فاعلة يف ادلراسات اإلسالمية‬

‫وضعية ونظريات مادية في دراسة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬فورد إلينا هذا التاريخ‬
‫ملوثا بالصراعات واألحقاد‪.‬‬
‫وفي بيان هذا المعنى يحدد >محمد زغروت< صفة المؤرخ المعاصر‪:‬‬
‫«الذي يكشف عن الحقيقة التاريخية ويوثق الخبر ويحلله‪ ،‬ثم يبين مالبساته‬
‫المختلفة‪ ،‬وهذا هو دور المؤرخ الفيلسوف‪ ،‬الذي يختلف بطبيعة الحال عن‬
‫المؤرخ فحسب‪ .‬ومن هذا المنطلق نتحصل على تاريخ مفلسف‪ ،‬يقوم فيه‬
‫تاريخنا من خالل الفكر اإلسالمي على اعتبار أن التاريخ هو تاريخ اإلنسان‪،‬‬
‫وأن الفكر اإلسالمي ضرورة له»(‪.)5‬‬

‫ثالثا ـ تبين الواقعية يف الفكر اإلسالمي املعاصر‪:‬‬


‫إن المنهجية الكفيلة بدفع الفكر اإلسالمي المعاصر في االتجاه السليم‬
‫ينبغي أن تتخلى عن المعارك الهامشية أو القديمة‪ ،‬حيث تستنفذ جهود األمة‬
‫وتهدر طاقتها‪ ،‬وعليها أن تسعى إلى إدراك التحديات الحقيقية التي تواجه‬
‫الفكر اإلسالمي في تجربته الحاضرة‪.‬‬
‫إن علم العقيدة اإلسالمية يتوجب عليه دحض التيارات الفكرية التي‬
‫تحارب هذه العقيدة‪ ،‬وكشف خلفياتها الدينية‪ ،‬إلى جانب ذلك ينبغي تعرية‬
‫النـزعة المادية التي تطبع الفكر اإلنساني كله‪.‬‬
‫والواجب أن تتجه العناية إلى إثبات اإلعجاز العلمي للقرآن الكريم‬
‫باعتباره أنجع وسيلة لإلقناع في هذا العصر(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫(‪ )2‬ينبغي التذكير هنا أن اإلسالم وحده هوالدين الوحيد الذي باستطاعته أن يواكب االكتشافات‬
‫العلمية‪ ،‬وليس أدل على ذلك من اإلعجاز العلمي في القرآن الكريم‪ .‬وهذا يناقض كالم=‬

‫‪311‬‬
‫معالم ملنهجية فاعلة يف ادلراسات اإلسالمية‬

‫أما نجاح الفقه اإلسالمي فهو مرهون بمدى قدرته على تقديم حلول‬
‫إسالمية لتلك المشكالت الواقعية والمستجدة في العصر الراهن‪ .‬ونخص‬
‫بالذكر تلك التي لها عالقة بقضايا الحكم واالقتصاد ووسائل التنمية وغيرها‪.‬‬
‫فمع وفرة اإلنتاج الفقهي لكنه لتلبية الحاجيات الجديدة التي ظهرت‬
‫بسبب التطور العلمي المذهل‪.‬‬
‫يتضح مما سبق أن االسشتراق المعاصر اضطلع بدور في غاية الخطورة‬
‫من حيث محاوالته لتطويع الفكر اإلسالمي المعاصر لالستجابة ألهدافه‬
‫وأغراضه‪ ،‬والزج به في تبعية كلية للفكر الديني السابق‪ .‬ومن أجل تحقيق ذلك‬
‫استعان بوسائل تنم عن روح انتقامية لكل ما هو أصيل في الفكر اإلسالمي‪.‬‬
‫اتسمت هذه الوسائل كما ّبي ّنا بالتستر والخيفة والتعقيد‪ ،‬بحيث يصعب‬
‫في أكثر األحيان الوقوف عندها وتحديد معالمها‪.‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫>وات< بأن العلوم الحديثة تهدم األديان جميعها‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫=‬

‫‪(ISLAMOCHRISTIANA; ROM. N : 41 /4899) p042‬‬

‫‪311‬‬
‫اخلاتمة‬

‫‪A‬‬
‫بقي أخيرا أن نستعرض أهم النتائج الجزئية التي أفرزتها فصول هذه‬
‫الدراسة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ــ إن للمؤسسة االستشراقية تأثيرها البالغ في الفكر اإلسالمي المعاصر‪،‬‬
‫فقد أفلح االستشراق المعاصر في تشكيل بعض العقول اإلسالمية الفاعلة‪،‬‬
‫وصياغة رؤاها الخاصة عن اإلسالم‪ ،‬مع التمكين لها ونشر أفكارها على أوسع‬
‫نطاق‪ ،‬كما يشهد تاريخ االستشراق المعاصرعلى أنه نجح في ترسيخ تلك‬
‫الكراهة المتجذرة ضد اإلسالم والمسلمين‪ ،‬ومضى في هذا الطريق‪ ،‬وهو في‬
‫يعبئ كل ما لديه من إمكانات‪.‬‬ ‫سبيل تحقيق ذلك ّ‬
‫ــ إن تصوير اإلسالم كعدو أضحى سمة غالبة في الدراسات االستشراقية‬
‫المعاصرة‪ ،‬شكلت صورة وهمية عن العالم اإلسالمي بتضخيم المخاوف‬
‫النفسية والعنصرية‪ ،‬لتنتهي بتأكيد مبدأ حتمية الصراع بين اإلسالم والغرب‪.‬‬
‫وبذلك أفصحت عن اتجاه في التفكير سائد في الغرب‪ ،‬فجاءت نظرية صدام‬
‫الحضارات لتعبر عنه بصراحة تامة‪.‬‬
‫ــ لم يقتصر أثر الدراسات االستشراقية عند حد االفتتان والتنويه بآرائها‪،‬‬
‫فسرعان ما رضخ بعض الباحثين المسلمين للعديد من أفكارها وانخرط رهط‬
‫منهم تحت لواء االستشراق المعاصر مما جعل االستشراق المعاصر يتميز عن‬
‫االستشراق التقليدي باتساع دائرته لتشمل أسناء عربية وإسالمية‪ ،‬وأفرز ذلك‬
‫العديد من الدراسات القرآنية التي تلقي بالالئمة على الدراسات اإلسالمية‬

‫‪317‬‬
‫اخلاتمة‬

‫األصيلة‪ ،‬وتتبرأ منها‪ ،‬وهي في هذا تختفي وراء مسميات تضفي على نفسها‬
‫الطابع العلمي‪.‬‬
‫ــ لم يأل االستشراق المعاصر جهدا في محاوالته لتقويض أركان العقيدة‬
‫أو تحريف مضمونها‪ ،‬وبذلك تعددت الشبه الموجهة إليها‪ ،‬حتى إنها لم تسلم‬
‫منها مسألة من مسائلها‪ ،‬وانتشرت هذه األقوال الشنيعة الملفقة في أوساط‬
‫السذّ ج‪ ،‬فانجذبوا إليها‪ ،‬بعد أن صاغتها اإلسرائيليات في قوالب قصصية مثيرة‬
‫فانجـر عن ذلك بروز فرق منحرفة‬
‫ّ‬ ‫استهوت عقولهم‪ ،‬وباتوا ينتصرون لها‪،‬‬
‫أسهمت في نشر البدع والخرافات في العالم اإلسالمي‪.‬‬
‫ــ لم تنحصر محاوالت االستشراق في تشويه العقيدة في نفوس أتباعها‬
‫عن طريق بث الخرافات واألباطيل‪ ،‬بل امتد خطرها إلى إنكار العقيدة أصال‪،‬‬
‫وإبطالها بدعوى تفشي فكرة النـزعة المادية وإخضاع الدراسات واألبحاث لها‪.‬‬
‫إلى جانب شن حمالت تشكيكية تستهدف تجريد الفقه اإلسالمي عن‬
‫واقعيته وصالحيته للتطبيق في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫ــ تراكمت مادة غزيرة من النصوص التوراتية واألفكار اليهودية‪ ،‬وترسبت‬
‫داخل الفكر اإلسالمي منذ القديم‪ ،‬وال يزال هذا الفكر لم يتحرر منها بعد‪ ،‬وقد‬
‫بلغت خطورتها أن وظفها االستشراق المعاصر فأضحت مالزمة للتعرف عن مراد‬
‫القرآن الكريم ال تنفك عنه‪ ،‬حتى ال تكاد تخلو منها أمهات كتب التفسير‪.‬‬
‫إن مواجهة الفكر اإلسالمي المعاصر لتيارات االستشراق المعاصر‬
‫المختلفة يتطلب من هذا الفكر أن يخرج من تقوقعه على ذاته واالكتفاء‬
‫بالمواقع الدفاعية وردود األفعال المتشنجة‪ ،‬وال يتأ ّتى هذا إال بتجديد مناهجه‬
‫ودراسة الظاهرة االستشراقية في إطارها التاريخي وتطورها األبستمولوجي‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫فهرس املصادر واملراجع‬


‫أ ــ القران الكريم‪.‬‬
‫ب ــ الكتاب المقدس‪ ،‬ترجم من اللغات األصلية‪ ،‬دار الكتاب المقدس في‬
‫الشرق األوسط‪ ،‬دط‪5787 ،‬‬
‫أوال ـ القواميس واملوسوعات‪:‬‬
‫بدوي (عبد الرحمان ‪ 5‬ــ موسوعة الفلسفة (بيروت‪ :‬المؤسسة العربية‬
‫للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪ 5781 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ موسوعة المستشرقين (بيروت‪ :‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط‪5773 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ البستاني‪ ،‬دائرة المعارف (لبنان‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬د ط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ بطرس عبد الملك وآخرون‪ ،‬قاموس الكتاب المقدس (القاهرة‪ :‬دار‬
‫الثقافة‪ ،‬ط‪ 5771 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ ترجمان‪ ،‬قاموس عبري عربي (عمان‪ :‬مكتب المحتسب‪ ،‬دط‪5771 ،‬م)‪.‬‬
‫ــ ابن تيميه (أحمد تقي الدين)‪ ،‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح‬
‫(مطابع المجد التجارية‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ الحفني (عبد المنعم)‪ ،‬موسوعة فالسفة ومتصوفة اليهودية (القاهرة‪:‬‬
‫مكتبة مدبولي‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 7‬ــ ابن خلكان‪ ،‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪ ،‬تحقيق إحسان عباس‪،‬‬
‫(بيروت‪ :‬دار هادر‪ ،‬دط ‪5377‬ه‪5777/‬م)‪.‬‬
‫‪ 8‬ــ رونتال‪ ،‬ريبودين‪ ،‬الموسوعة الفلسفية‪ ،‬ترجمة سليم كرم (بيروت‪ :‬دار‬
‫الطليعة‪ ،‬ط‪5787 ،1‬م)‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 7‬ــ شلبي (أحمد)‪ ،‬موسوعة التاريخ اإلسالمي (القاهرة‪ :‬مكتبة النهضة‪،‬‬


‫ط‪5781 ،7‬م)‪.‬‬
‫‪ 51‬ــ العقيقي (نجيب)‪ ،‬المستشرقون‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار المعارف‪ ،‬ط‪5781،‬م)‪.‬‬
‫‪ 55‬ــ فنسك وآخرون‪ ،‬دائرة المعارف اإلسالمية‪ ،‬ترجمة أحمد الشنتاوي‬
‫وآخرون (القاهرة‪ :‬مطبعة مصر‪ ،‬دط‪،‬‬
‫‪5733/5312‬م)‪.‬‬
‫‪ 52‬ــ المنجد في اللغة واألعالم (بيروت‪ :‬دار المشرق‪ ،‬ط‪ ،51‬دت)‪.‬‬
‫‪ 53‬ــ ابن منظور‪ ،‬لسان العرب (القاهرة‪ :‬دار المعارف‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 51‬ــ الموسوعة الميسرة في األديان والمذاهب (الرياض‪ :‬الندوة العالمية‬
‫للشباب اإلسالمي‪.)5772 ،‬‬
‫‪ 51‬ــ وجدي (محمد فريد)‪ ،‬دائرة المعارف القرن العشرين (بيروت‪ :‬دار‬
‫المعرفة‪ ،‬ط‪5775 ،3‬م)‪.‬‬
‫‪ 51‬ــ ياقوت (أبو عبد اهلل)‪ ،‬معجم األدباء أو إرشاد األريب إلى معرفة‬
‫األديب (بيروت‪ :‬دار الكتب ‪5775‬م)‪.‬‬
‫ثانيا ـ املصادر القدمية‪:‬‬
‫‪ 57‬ــ ابن األثير (أبو الحسن)‪ ،‬الكامل في التاريخ (بيروت‪ :‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ ،‬دط‪5111 ،‬ه‪5781 /‬م)‪.‬‬
‫‪ 58‬ــ األشعري (أبو الحسن)‪ ،‬مقاالت اإلسالميين‪ ،‬تحقيق محمد‬
‫محي الدين عبد الحميد (بيروت‪ :‬دار الحداثة)‪.‬‬
‫‪ 57‬ــ البغدادي (عبد القاهر)‪ ،‬الفرق بين الفرق‪ ،‬تحقيق محمد محي الدين‬
‫عبد الحميد (بيروت‪ :‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 21‬ــ بن حبان (السبتي محمد)‪ ،‬المجروحين من المحدثين والضعفاء‬
‫والمتروكين‪ ،‬تحقيق محمد إبراهيم زايد (حلب‪ :‬دار النوعي‪ ،‬ط‪5112 ،2‬ه)‬

‫‪311‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 25‬ــ ابن حزم (أبو محمد علي بن أحمد)‪ ،‬الفصل في الملل واألهواء‬
‫والنحل‪ ،‬تحقيق محمد إبراهيم نصر وعبد الرحمان عميرة (جدة‪ :‬شركة عكاظ‬
‫للنشر والتوزيع‪5112 ،‬ه‪5782/‬م)‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ الجاحظ (أبو عثمان)‪ ،‬الرسائل‪ ،‬تحقيق عبد السالم محمد هارون‬
‫(بيروت‪ :‬دار الجيل‪ ،‬ط‪5785 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 23‬ــ ‪ ،//‬البيان والتبيين‪ ،‬تحقيق أبو ملحم (بيروت‪ :‬مكتبة الهالل‪ ،‬ط‪،5‬‬
‫‪5118‬ه ‪5788/‬م)‪.‬‬
‫‪ 21‬ــ ‪ ،//‬الحيوان‪ ،‬شرح عبد السالم محمد هارون (مصر‪ :‬مطبعة مصطفى‬
‫البابي الحلبي وأوالده‪ ،‬ط‪5711 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 21‬ــ الجرجاني (عبد القاهر)‪ ،‬دالئل اإلعجاز تحقيق محمود محمد شاكر‬
‫(القاهرة‪ :‬مكتبة الخانجي‪ ،‬ط‪5151 ،5‬ه‪)5787/‬‬
‫‪ 21‬ــ الجوزية (ابن القيم)‪ ،‬أعالم الموقعين عن رب العالمين تحقيق طه‬
‫عبد الرؤوف سعد (القاهرة‪ :‬مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 27‬ــ جوستنيان‪ ،‬المدونة‪ ،‬ترجمة عبد العزيز فهمي (القاهرة‪ :‬دار الكتاب‬
‫المصري‪ ،‬ط‪5711 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 28‬ــ ابن خلدون (عبد الرحمان)‪ ،‬المقدمة (بيروت‪ :‬دار الرائد العربي‪،‬‬
‫ط‪5112 ،1‬ه‪5782/‬م)‪.‬‬
‫‪ 27‬ــ ‪ ،//‬التاريخ (بيروت‪ :‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬دط‪.)5785 ،‬‬
‫‪ 31‬ــ الذهبي (شمس الدين)‪ ،‬تهذيب سير أعالم النبالء (بيروت‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬ط‪5153 ،2‬ه‪5772/‬م)‪.‬‬
‫‪ 35‬ــ الذهبي (أبو عبد اهلل)‪ ،‬ميزان االعتدال في نقد الرجال‪ ،‬تحقيق علي‬
‫محمد البجاوي (بيروت‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬ط‪.)5773 ،5‬‬

‫‪315‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 32‬ــ الزرقاني (محمد بن عبد الباقي بن يوسف) شرح الزرقاني على موطأ‬
‫اإلمام مالك (بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪5155 ،5‬ه‪5771/‬م)‪.‬‬
‫‪ 33‬ــ الزمخشري (محمود بن عمر)‪ ،‬الكشاف (بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫دط‪5117 ،‬ه‪5781 /‬م)‪.‬‬
‫‪ 31‬ــ االسفرايني (أبو المظفر)‪ ،‬التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن‬
‫الفرقة الهالكة‪ ،‬تحقيق محمد زاهد الكوثري (القاهرة‪ :‬مطبعة األنوار‪ ،‬ط‪،5‬‬
‫‪5711‬م)‪.‬‬
‫‪ 31‬ــ ابن سعد (محمد)‪ ،‬الطبقات الكبرى‪ ،‬تحقيق محمد عبد القادر عطاء‬
‫(بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪5151 ،5‬ه‪5771/‬م)‬
‫‪ 31‬ــ ابن سيد (الناس)‪ ،‬عيون األثر في فنون المغازي والسير (بيروت‪ :‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 37‬ــ السيوطي (جالل الدين)‪ ،‬تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي‪،‬‬
‫تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف‬
‫‪ 38‬ــ ‪ ،//‬األشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية (بيروت‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪5155 ،5‬ه‪5771/‬م)‪.‬‬
‫‪ 37‬ــ ‪ ،//‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (بيروت‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬دط‪،‬‬
‫دت)‪.‬‬
‫‪ 11‬ــ الشاطبي (أبو إسحاق)‪ ،‬الموافقات في أصول الشريعة (بيروت‪ :‬دار‬
‫الفكر العربي‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 15‬ــ الشهرستاني (أبو الفتح)‪ ،‬الملل والنحل‪ ،‬تحقيق أحمد فهمي محمد‬
‫(بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪5753 ،2‬ه‪5772/‬م)‪.‬‬
‫‪ 12‬ــ الطبري (ابن جرير)‪ ،‬تاريخ األمم والملوك (بيروت‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪5155 ،3‬ه)‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 13‬ــ ‪ ،//‬التفسير (بيروت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬دط‪5378 ،‬ه‪5778/‬م)‪.‬‬


‫‪ 11‬ــ ابن عبد اهلل‪ ،‬تاريخ القران‪ ،‬تحقيق محمد عبد الرحيم (دمشق‪ :‬دار‬
‫الحكمة‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 11‬ــ ابن عساكر (أبو القاسم)‪ ،‬تهذيب تاريخ دمشق الكبير‪ ،‬تحقيق‬
‫عبد القادر بدران (بيروت‪ :‬دار السيرة‪ ،‬ط‪5777 ،2‬م)‪.‬‬
‫‪ 11‬ــ العسقالني (أحمد ابن حجر)‪ ،‬فتح الباري على شرح صحيح‬
‫البخاري‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد وعبد الباقي (بيروت‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬دت‪ ،‬دط)‪.‬‬
‫‪ 17‬ــ ‪ ،//‬النكت على ابن صالح‪ ،‬تحقيق ربيع بن هاري عمر (الرياض‪:‬‬
‫دار الراية للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪5157 ،1‬ه)‪.‬‬
‫‪ 18‬ــ الغزالي (أبو حامد)‪ ،‬إحياء علوم الدين (بيروت‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬دط‪،‬‬
‫دت)‪.‬‬
‫‪ 17‬ــ ‪ ،//‬الرد الجميل على ألوهية المسيح‪ ،‬تحقيق محمد عبد اهلل‬
‫الشرقاوي (القاهرة‪ :‬دار الهداية‪ ،‬ط‪5781 ،2‬م)‪.‬‬
‫‪ 11‬ــ ابن كثير (إسماعيل)‪ ،‬تفسير القران العظيم (بيروت‪ :‬دار األندلس‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪1 .‬‬
‫‪ 15‬ــ ‪ ،//‬السيرة النبوية‪ ،‬تحقيق مصطفى عبد الواحد (بيروت‪ :‬دار األسد‬
‫العربي‪ ،‬ط‪5117 ،3‬ه‪5787/‬م)‪.‬‬
‫‪ 12‬ــ المسعودى (أبو الحسن)‪ ،‬مروج الذهب ومعارف الجوهر‪ ،‬تحقيق‬
‫محمد محي الدين عبد الحميد (بيروت‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬ط‪5373 ،1‬ه‪5773/‬م)‪.‬‬
‫‪ 13‬ــ ابن هشام (أبو محمد)‪ ،‬السيرة النبوية‪ ،‬تحقيق عمر عبد السالم‬
‫تدمري (بيروت‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬ط‪5373 ،1‬ه‪5773/‬م)‪.‬‬
‫‪ 11‬ــ ابن يحي المغربي (السمو أل)‪ ،‬إفحام اليهود‪ ،‬تحقيق محمد عبد اهلل‬
‫الشرقاوي (القاهرة‪ :‬دار الهداية‪ ،‬ط‪5111 ،5‬ه‪5781/‬م)‪.‬‬
‫‪313‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫ثالثا ـ املراجع احلديثة‪:‬‬


‫‪ 11‬ــ أحمد محمد (خليفة حسن)‪ ،‬دراسات في تاريخ حضارة الشعوب‬
‫السامية القديمة (القاهرة‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬دط‪.)5781 ،‬‬
‫ــ ‪ ،//‬عالقة اإلسالم باليهودية >رؤية إسالمية في مصادر التوراة الحالية<‬
‫(القاهرة‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‬
‫دط‪5788 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 11‬ــ أركون (محمد)‪ ،‬اإلسالم واألخالق السياسية‪ ،‬ترجمة هاشم صالح‬
‫(بيروت‪ :‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 17‬ــ ‪ ،// //‬الفكر اإلسالمي نقد واجتهاد‪ ،‬ترجمة هاشم صالح (الجزائر‪:‬‬
‫المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬دط‪5773 ،‬م)‪.‬‬
‫الفكر اإلسالمي قراءة علمية‪ ،‬ترجمة هاشم صالح (بيروت‪ :‬مركز اإلنماء‬
‫القومي‪ ،‬ط‪5717 ،2‬م)‪.‬‬
‫‪ 11‬ــ إسماعيل سفر وعارف دليلة‪ ،‬تاريخ األفكار االقتصادية (دمشق‪:‬‬
‫منشورات جامعة دمشق‪ ،‬ط‪2111 ،51‬م)‪.‬‬
‫‪ 17‬ــ االطير (حسين يوسف)‪ ،‬البدايات األولى لإلسرائيليات في اإلسالم‬
‫(القاهرة‪ :‬مكتبة الزهراء‪ ،‬ط‪5152 ،5‬ه‪5775/‬م)‪.‬‬
‫‪ 18‬ــ أمخزون (محمد)‪ ،‬تحقيق مواقف الصحابة من الفتنة من روايات‬
‫الطبري والمحدثين (الرياض‪ :‬مكتبة الكوثر‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 17‬ــ أمين (أحمد)‪ ،‬فجر اإلسالم‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‪،5‬‬
‫دت)‪.‬‬
‫‪ 11‬ــ ‪ ،// //‬ضحى اإلسالم (بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‪ ،51‬دت)‪.‬‬
‫‪ 12‬ــ أندريه ايمار وجايين أو بوايه‪ ،‬تاريخ الحضارات العامة الشرق واليونان‬
‫القديمة‪ ،‬ترجمة وافر وفؤاد أبو ريحان (بيروت منشورات عويدات‪ ،‬ط‪5785 ،2‬م)‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 13‬ــ أوزندنا سلمان‪ ،‬تاريخ الدولة العثمانية‪ ،‬ترجمة عدنان محمود سلمان‬
‫(أستا نبول‪ :‬منشورات مؤسسة فيصل للتمويل‪ ،‬دط ‪5788‬م)‪.‬‬
‫‪ 11‬ــ أولبري‪ ،‬دي ساسي السي‪ ،‬الفكر العربي ومركزه في التاريخ‪ ،‬ترجمة‬
‫إسماعيل البيطار (بيروت‪ :‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬دط ‪5782‬م)‪.‬‬
‫‪ 11‬ــ بارت (رودي)‪ ،‬الدراسات العربية اإلسالمية في الجامعات األلمانية‬
‫المستشرقون مند تيودور نولدكه‪ ،‬ترجمة ماهر‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتاب العربي للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬دط‪5717 ،‬م‬
‫‪ 11‬ــ بدران (أبو العينين)‪ ،‬الشريعة اإلسالمية تاريخها نظرية الملك والعقود‬
‫(اإلسكندرية‪ :‬مؤسسة شباب الجامعة‪ ،‬دت‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫ــ بدوي (عبد الرحمان)‪ ،‬دفاعا عن القران ضد منتقديه (القاهرة‪ :‬دط‪،‬‬
‫‪5777‬م)‪.‬‬
‫‪ 17‬ــ بروفنسال (ليفي)‪ ،‬حضارة العرب والمسلمين في األندلس‪ ،‬ترجمة‬
‫دوقان قرقوط (بيروت‪ :‬منشورات دار مكتبة الحياة‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 18‬ــ بطاهر ابن عيسى بن عبد القاهر)‪ ،‬أساليب اإلقناع في القران الكريم‪،‬‬
‫دراسة تطبيقية لسورة الفرقان (األردن‪ :‬اآلداب‪ ،‬دط‪5771 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 17‬ــ البكري (حسين)‪ ،‬رشدي فكار في حوار متواصل حول قضايا‬
‫المسلمين (القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪5788 ،2‬م)‪.‬‬
‫‪ 71‬ــ بالشير ريجي‪ ،‬القرآن تدوينه‪ ،‬ترجمته وتأثيره‪ ،‬ترجمة رضا سعادة‬
‫(بيروت‪ :‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 75‬ــ البهي (محمد)‪ ،‬الجانب اإللهي في التفكير اإلسالمي (بيروت‪ :‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬دط‪5372 ،‬ه‪5772/‬م)‪.‬‬
‫‪ 72‬ــ بوكاي (موريس)‪ ،‬التوراة واإلنجيل والقران والعلم‪ ،‬ترجمة نخبة من‬
‫الدعاة‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكندي‪ ،‬ط‪5771 ،2‬م)‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 73‬ــ البوطي (محمد سعيد رمضان)‪ ،‬وجوب تطبيق الشريعة اإلسالمية‬


‫والشبهات التي تثار حول تطبيقها (الرياض‪ :‬محاضرات مؤتمر الفقه اإلسالمي‬
‫‪5371‬ه‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود االسالمي‪5111‬ه‪5781 /‬م)‪.‬‬
‫‪ 71‬ــ التل (عبد اهلل)‪ ،‬األفعى اليهودية في معاقل اإلسالم (الجزائر‪ :‬البليدة‪،‬‬
‫قصر الكتاب‪ ،‬ط‪5787 ،2‬م)‪.‬‬
‫‪ 71‬ــ الجابري (محمد عابد)‪ ،‬قضايا في الفكر المعاصر (بيروت‪ :‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪5777 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 71‬ــ الجبري (عبدا لمتعال محمد)‪ ،‬االستشراق وجه لالستعمار الفكري‬
‫(القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪5171 ،5‬ه‪5771/‬م‬
‫‪ 77‬ــ جعفر (محمد كمال)‪ ،‬اإلنسان واألديان (الدوحة‪ :‬دار الثقافة ط‪،5‬‬
‫‪5111‬ه)‪.‬‬
‫‪ 78‬ــ ‪ ،//‬في الدين المقارن (القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪5171 ،5‬ه‪5771/‬م)‪.‬‬
‫‪ 77‬ــ الجندي (أنور)‪ ،‬خصائص األدب العربي في مواجهة نظرية النقد‬
‫األدبي الحديث (بيروت‪ :‬دار الكتاب اللبناني دط‪5771 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 81‬ــ ‪ ،//‬المخططات التلمودية الصهيونية في غزو الفكر اإلسالمي‬
‫(القاهرة‪ :‬دار االعتصام‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 85‬ــ جنيبر (شارل)‪ ،‬المسيحية نشأتها وتطورها‪ ،‬ترجمة عبد الحليم محمود‬
‫(بيروت‪ :‬منشورات المكتبة العصرية‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪ 82 .‬ــ الجوابي (محمد الطاهر)‪،‬‬
‫جهود المحدثين في نقد المتن الحديث النبوية الشريفة (تونس‪ :‬مؤسسة عبد الكريم‬
‫بن عبد اهلل‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 83‬ــ حاج محمد (أبو القاسم)‪ ،‬العالمية اإلسالمية الثانية جدلية الغيب‬
‫واإلنسان والطبيعة (أبو ظبي‪ ،‬دار المسيرة‪ ،‬دط‪5377 ،‬ه)‪ 81 .‬ــ الحسن (يوسف)‪،‬‬

‫‪311‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫البعد الديني في السياسة األمريكية تجاه الصراع العربي الصهيوني (بيروت‪ :‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬دط‪5771 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 81‬ــ الحكيم (محمد باقر)‪ ،‬المستشرقون وشبها تهم حول القران (بيروت‪:‬‬
‫مؤسسة االعلمي للمطبوعات‪ ،‬ط‪5781 ،7‬م)‪.‬‬
‫‪ 81‬ــ حماية (محمود علي)‪ ،‬ابن حزم ومنهجه في دراسة األديان‪( ،‬القاهرة‪:‬‬
‫دار المعارف‪ ،‬ط‪5783 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 87‬ــ حنفي (حسن)‪ ،‬قضايا معاصرة في فكرنا معاصرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬
‫ط‪5788 ،2‬م)‪.‬‬
‫‪ 88‬ــ ‪ ،//‬التراث والتجديد موقف من التراث القديم (بيروت‪ :‬دار التنوير‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪5785 ،5‬م)‪.‬‬
‫ــ خاطر (خليل إبراهيم مال)‪ ،‬شبهات حول السنة ودحضها ضمن محاضرات‬
‫ملتقى الفكر اإلسالمي السادس عشر تلمسان‪ ،‬ج‪2‬‬
‫‪ 87‬ــ الخالدي (صالح عبد الفتاح) الشخصية اليهودية من خالل القران‬
‫تاريخ وسمات ومصير (دمشق‪ :‬دار القلم ط‪5157 ،5‬ه‪5785/‬م)‪.‬‬
‫‪ 71‬ــ خر وبات (محمد)‪ ،‬الفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬دراسة في التدافع‬
‫الحضاري (مراكش‪ :‬ط‪5778 ،2‬م)‪.‬‬
‫‪ 75‬ــ الخطيب (محمد أحمد)‪ ،‬الحركات الباطنية في العالم اإلسالمي‪،‬‬
‫عقائدها وحكم اإلسالم فيها (عمان‪ :‬مكتبة األقصى ط‪5781 ،2‬م)‪.‬‬
‫‪ 72‬ــ خالف (عبد الوهاب)‪ ،‬علم أصول الفقه (الجزائر‪ :‬الزهراء للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 73‬ــ أبو خليل (شوقي)‪ ،‬اإلسقاط في مناهج المستشرقين والمبشرين‬
‫(بيروت‪ :‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬ط‪5151 ،5‬ه‪5771/‬م)‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 71‬ــ دراز (محمد عبد اهلل)‪ ،‬النبأ العظيم‪ ،‬نظرات جديدة قي القران (الكويت‪:‬‬
‫دار القلم‪ ،‬دط‪5111 ،‬ه‪5781/‬م)‪.‬‬
‫‪ 71‬ــ ‪ ،//‬مدخل إلى القران الكريم عرض تاريخي وتحليلي مقارن ترجمة‬
‫محمد عبد العظيم علي‪ ،‬الكويت‪ :‬دار القلم‪ ،‬دط‪5781‬م‬
‫‪ 71‬ــ ‪ ،//‬الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ األديان (الكويت‪ :‬دار القلم‪،‬‬
‫دط‪5782 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 77‬ــ دروزة (محمد عزة)‪ ،‬القران والمبشرون (بيروت‪ :‬ا لمكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫ط‪5772 ،2‬م)‪.‬‬
‫‪ 78‬ــ الدوري (عبد العزيز)‪ ،‬بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب (بيروت‪:‬‬
‫دار المشرق‪ ،‬دط‪5783 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 77‬ــ الدسوقي (محمد) وجابر (أمينة)‪ ،‬مقدمة في دراسة الفقه اإلسالمي‬
‫(القاهرة‪ :‬دار الثقافة‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ ديورانت (ول)‪ ،‬قصة الحضارة‪ ،‬ترجمة محمد بدران (مصر‪ :‬مطبعة‬
‫لجنة التأليف والترجمة‪ ،‬دط‪5711 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 515‬ــ الذهبي (محمد حسين)‪ ،‬اإلسرائيليات في التفسير والحديث‬
‫(القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪5771 ،1‬م)‪.‬‬
‫‪ 512‬ــ رضا (محمد رشيد)‪ ،‬تفسير المنار (بيروت‪ :‬دار المعرفة للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬ط‪ ،2‬دت)‪.‬‬
‫‪ 513‬ــ ‪ //‬الترجمة القرآنية (القاهرة‪ :‬مطبعة المنار‪ ،‬ط‪5311 ،5‬ه‪5712/‬م)‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ رو دلف (قلهلم)‪ ،‬صلة القران باليهودية والمسيحية‪ ،‬ترجمة عصام‬
‫الدين حنفي ناصف (بيروت‪ :‬دار الطليعة للطباعة و‪ ،‬دط‪5771 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ رودنسون (ماكسيم)‪ ،‬اإلسالم سياسة وعقيدة‪ ،‬ترجمة أسعد صقر‬
‫(بيروت‪ :‬دار عطية‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪318‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 517‬ــ رينان (أر نست)‪ ،‬ابن رشد والرشدية‪ ،‬ترجمة عادل زعيتر (القاهرة‪:‬‬
‫دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬دط‪5717 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 518‬ــ الزحيلي (وهبة)‪ ،‬الوسيط في الفقه اإلسالمي‬
‫‪ 517‬ــ الزغبي (أحمد بن عبد اله بن إبراهيم)‪ ،‬العنصرية اليهودية أثارها في‬
‫المجتمع اإلسالمي والموقف منها (الرياض‪ :‬مكتبة العيبان‪ ،‬ط‪5778 ،5‬‬
‫‪ 551‬ــ زكار (سهيل)‪ ،‬الجامع في أخبار القرامطة في االحساء الشام‪،‬‬
‫العراق‪ ،‬اليمن (دمشق‪ :‬دار حسان للطباعة والنشر‪ ،‬دط‪5117 ،‬ه‪5778/‬م)‪.‬‬
‫‪ 555‬ــ زغروت (محمد)‪ ،‬أثر الفكر اليهودي في كتابة التاريخ اإلسالمي‬
‫(القاهرة‪ :‬دار التوزيع والنشر اإلسالمية‪ ،‬دط‪5781 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 552‬ــ الزهراني) محمد بن مطر)‪ ،‬تدوين الستة النبوية‪ ،‬نشأته وتطوره من‬
‫الفرن األول إلى نهاية القرن التاسع الهجري (الرياض‪ :‬دار الهجرة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫ط‪5157 ،5‬ه‪5771/‬م)‪.‬‬
‫‪ 553‬ــ أبو زهرة (محمد)‪ ،‬محاضرات في النصرانية (الجزائر‪ :‬قسنطينة دار‬
‫الشهاب‪ ،‬دط‪5787 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 551‬ــ سالم (السيد عبد العزيز)‪ ،‬التاريخ والمؤرخون العرب (بيروت‪ :‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬دط‪5785 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 551‬ــ السايح (أحمد عبد الرحيم)‪ ،‬علم العقيدة بين األصالة والمعاصرة‬
‫(القاهرة‪ :‬دار الطباعة المحمدية‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 551‬ــ السباعي (مصطفى)‪ ،‬السنة ومكانتها قي التشريع اإلسالمي (دمشق‪:‬‬
‫المكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪5781 ،1‬م)‪.‬‬
‫‪ 557‬ــ سبينوزا (باروخ)‪ ،‬رسالة في الالهوت والسياسة‪ ،‬ترجمة حسن حنفي‬
‫(بيروت‪ :‬الطليعة للطبع والنشر‪ ،‬ط‪5785 ،2‬م)‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 558‬ــ سعيد (إدوارد)‪ ،‬االستشراق المعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬اإلنشاء‪ ،‬ترجمة كمال‬


‫أبو ديب (بيروت‪ :‬مؤسسة األبحاث العربية‪ ،‬ط‪5771 ،1‬م)‪.‬‬
‫‪ 557‬ــ السقا (أحمد حجازي)‪ ،‬نقد التوراة (مصر‪ :‬مطبعة سورافتلي‪ ،‬دط‪،‬‬
‫‪5771‬م)‪.‬‬
‫‪ 521‬ــ ‪ ،//‬نبوءة محمد في الكتاب المقدس (القاهرة‪ :‬دار الفكر العربي‪،‬‬
‫ط‪5378 ،5‬ه‪5778/‬م)‪.‬‬
‫‪ 525‬ــ أبو مسلم (محمد إبراهيم) الحركة الفكرية في المهدية (بيروت‪ :‬دار‬
‫الجيل‪ ،‬ط‪5785 ،3‬م)‪.‬‬
‫‪ 522‬ــ السماك (محمد)‪ ،‬الصهيونية المسيحية (بيروت‪ :‬دار النفائس‪ ،‬دط‪،‬‬
‫‪5773‬م)‪.‬‬
‫‪ 523‬ــ السنهوتي (محمد األنور)‪ ،‬دراسات نقدية في مذاهب الفرق الكالمية‬
‫(القاهرة‪ :‬دار الثقافة العربية‪ ،‬دط‪5771 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 521‬ــ شرف (أحمد)‪ ،‬التطبيع ومقاومته (طرابلس‪ :‬ملتقى الحوار العربي‬
‫الثوري الديمقراطي‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪521 .‬‬
‫‪ 521‬ــ الشرقاوي (محمد عبد اهلل)‪ ،‬االستشراق في الفكر اإلسالمي المعاصر‬
‫(القاهرة‪ :‬مطبعة المدينة‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 521‬ــ ‪//‬الكنز المرصود في فضائح التلمود (القاهرة‪ :‬مكتبة الوعي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬دط‪5771 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 527‬ــ شريف (محمد إبراهيم)‪ ،‬اتجاهات التجديد في تفسير القران الكريم‬
‫(القاهرة‪ :‬دار التراث‪ ،‬ط‪5782 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 528‬ــ شفيق (منير)‪ ،‬الفكر اإلسالمي المعاصر والتحديات‪ ،‬ثورات‪،‬‬
‫حركات‪ ،‬كتابات (الكويت‪ :‬دار القلم‪ ،‬ط‪5772 ،2‬م)‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 527‬ــ شلبي (أحمد)‪ ،‬المسيحية (القاهرة‪ :‬مكتبة النهضة‪ ،‬ط‪5781 ،8‬م)‪.‬‬


‫‪ 531‬ــ ‪//‬اليهودية (القاهرة‪ :‬ط‪5781 ،7‬م)‪.‬‬
‫‪ 535‬ــ شلبي (عبد الودود)‪ ،‬أبو جهل يظهر في بالد الغرب (القاهرة‪ :‬مكتبة‬
‫الشروق‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 532‬ــ شلبي (محمد مصطفى)‪ ،‬الفقه اإلسالمي بين المثالية والواقعية‬
‫(بيروت‪ :‬الدار الجامعية‪ ،‬دط‪5782 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 533‬ــ ‪ ،//‬أصول الفقه اإلسالمي (بيروت‪ :‬دار النهضة العربية‪5781 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 531‬ــ أبوشهبة (محمد)‪ ،‬دفاعا عن السنة ورد شبهة المستشرقين والكتاب‬
‫المعاصرين (بيروت‪ :‬مكتبة صيدا‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 531‬ــ ‪ ،//‬اإلسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير (القاهرة‪ :‬الهيئة‬
‫العامة لشؤون المطابع األميرية‪ ،‬دط‪5773 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 531‬ــ شرينيه أسطفان‪ ،‬تعرف إلي الكتاب المقدس‪ ،‬ترجمة صبحي‬
‫محمودي (بيروت‪ :‬دط‪5781 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 537‬ــ الشكعة (مصطفى)‪ ،‬مواقف المستشرقين من الحضارة االسالمية في‬
‫األندلس‪ ،‬مستلة من مناهج المستشرقين في‬
‫الدراسات العربية االسالمية (القاهرة‪ :‬جامعة الدول العربية‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 538‬ــ صبري (محمد)‪ ،‬تاريخ فلسطين القديم (بيروت‪ :‬دار النفائس‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪5781‬م)‪.‬‬
‫‪ 537‬ــ صبري (مصطفى)‪ ،‬مسألة ترجمة القران (القاهرة‪ :‬المطبعة السلفية‪،‬‬
‫دط‪5315 ،‬ه)‪.‬‬
‫ــ طه حسين‪ ،‬إسالميات >الفتنة الكبرى< (بيروت‪ :‬منشورات دار األدب‪،‬‬
‫ط‪5717 ،5‬م)‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 511‬ــ طعيمة (صابر)‪ ،‬بنو إسرائيل في ميزان القران الكريم (بيروت‪ :‬دار‬
‫الجيل‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 515‬ــ ‪ ،//‬العقائد الباطنية وحكم اإلسالم فيها (بيروت‪ :‬المكتبة الثقافية‪،‬‬
‫ط‪5781 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 512‬ــ ‪ //‬تاريخ اليهود العام (بيروت‪ :‬ط‪5775 ،3‬م)‪.‬‬
‫‪ 513‬ــ ظاظا (حسن)‪ ،‬الفكر الديني اإلسرائيلي أطواره ومذاهبه (القاهرة‪:‬‬
‫مكتبة سعيد رأفت‪ ،‬دط‪5771 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ العالم (عمر لطفي)‪ ،‬المستشرقون والقران (مالطا‪ :‬منشورات مركز‬
‫دراسات العالم االسالمي‪ ،‬ط‪5775 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ العاملين (حمد علي بترو)‪ ،‬الكتاب المقدس في الميزان (بيروت‪:‬‬
‫الدار االسالمية‪ ،‬دط‪5773 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ بن عاشور (محمد الطاهر)‪ ،‬مقاصد الشريعة االسالمية (تونس‪:‬‬
‫الشركة التونسية للنشر والتوزيع‪ ،‬دط‪5778 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 517‬ــ عتر (نورالدين)‪ ،‬منهج النقد في علوم الحديث (دمشق‪ :‬دار الفكر‪:‬‬
‫ط‪5785 ،3‬م)‪.‬‬
‫‪ 518‬ــ عريبي (محمد ياسين)‪ ،‬االستشراق وتغرييب العقل التاريخي‬
‫العربي‪ ،‬نقد العقل التاريخي (الرباط‪ :‬منشورات المجلس القومي للثقافة العربية‪،‬‬
‫ط‪5775 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 517‬ــ العسال (أحمد محمد)‪ ،‬حوار الحضارات مدخل إلى رؤية إسالمية‬
‫(القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪5151 ،5‬ه‪5771/‬م)‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ علي (جواد)‪ ،‬تاريخ العرب في اإلسالم >السيرة النبوية< (بغداد‪:‬‬
‫دار الحداثة‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 515‬ــ عطار (أحمد عبد الغفور)‪ ،‬الديانات والعقائد (مكة المكرمة‪ :‬ط‪،5‬‬
‫‪5785‬م)‪.‬‬
‫‪ 512‬ــ ‪//‬الشيوعية في اإلسالم (مكة المكرمة‪ :‬دار األندلس‪ ،‬دط‪5781 ،‬م)‪.‬‬
‫ــ ‪ //‬ترجمة بروتكوالت صهيون (دار األندلس للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫ط‪5781 ،8‬م)‪.‬‬
‫‪ 513‬ــ العقاد (عباس محمود)‪ ،‬حياة المسيح (القاهرة‪ :‬دار الهالل‪ ،‬دط‪،‬‬
‫دت)‪.‬‬
‫‪ 513‬ــ علي (فؤاد حسنين)‪ ،‬التوراة الهيروغليفية (القاهرة‪ :‬دار الكتاب‬
‫العربي للطباعة والنشر‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ عبد الرحمان (عائشة)‪ ،‬اإلسرائيليات في الغزو الفكري (الرباط‪:‬‬
‫المنظمة العربية للتربية والثقافة‪ ،‬دط‪5771 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ العظمة (عزيز)‪ ،‬العلمانية من منظور مختلف (بيروت‪ :‬مركز دراسات‬
‫الوحدة العربية‪ ،‬ط‪5772 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ العودة (سليمان بن أحمد)‪ ،‬عبد اهلل بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة‬
‫في صدر اإلسالم (الرياض‪ :‬دارطيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪5111 ،5‬ه ‪578/‬م)‪.‬‬
‫‪ 517‬ــ أبو العالء محمود‪ ،‬جغرافية العالم االسالمي (الكويت‪ :‬مكتبة‬
‫الفالح‪ ،‬ط‪5781 ،3‬م)‪.‬‬
‫‪ 518‬ــ غانم (محمد نبيل)‪ ،‬شبهات حول التشريع االسالمي (الجزائر‪ :‬دار‬
‫اآلفاق‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 517‬ــ الغزالي (محمد)‪ ،‬اإلسالم في وجه الزحف األحمر (الجزائر‪ :‬تيزي‬
‫وزو دار اإلسالم‪ ،‬دط‪5772 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ ‪ ،//‬دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين (القاهرة‪:‬‬
‫دط‪ 5711 ،‬م)‪.‬‬
‫‪313‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 515‬ــ ‪ ،//‬دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين (مصر‪ :‬المنصورة دار‬


‫الوفاء للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪5772 ،3‬م)‪.‬‬
‫‪ 512‬ــ ‪ ،//‬نظرات في القران الكريم (القاهرة‪ :‬دار الكتب الحديثة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪5383‬ه ‪5717/‬م)‪.‬‬
‫‪ 513‬ــ ‪ ،//‬فقه السيرة (الجزائر‪ :‬باتنة دار الشهاب‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ ‪ ،//‬ليس من االسالم (القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪5775 ،1‬م)‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ أبو عمشة (ابراهيم صقر)‪ ،‬التمييز العنصري (القاهرة‪ :‬دار ابو‬
‫سالمة‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 511‬ــ أبو غنيمة (زياد)‪ ،‬عداء اليهود للحركة االسالمية (قسنطينة‪ :‬مؤسسة‬
‫االسراء للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪5155 ،1‬ه‪.)5771/‬‬
‫‪ 517‬ــ فؤاد (حسنين علي)‪ ،‬التوراة الهيروغليفية (مصر‪ :‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ ،‬للنشر والتوزيع‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 518‬ــ فريدمان (بنيامين)‪ ،‬يهود اليوم ليسوا يهودا (بيروت‪ :‬دار النفائس‪،‬‬
‫ط‪5783 ،3‬م)‪.‬‬
‫‪ 517‬ــ فالتة (عمر بن حسن عثمان)‪ ،‬الوضع في الحديث (بيروت‪ :‬مكتبة‬
‫الغزالي‪ ،‬دط‪5115 ،‬ه‪5785/‬م)‪.‬‬
‫‪ 571‬ــ الفيومي (محمد إبراهيم)‪ ،‬التاريخ الديني الجاهلي (القاهرة‪ :‬دار‬
‫الفكر العربي‪ ،‬ط‪5151 ،1‬ه‪5771/‬م)‪.‬‬
‫‪ 575‬ــ ‪ ،//‬االستشراق في ميزان الفكر االسالمي (القاهرة‪ :‬دار الفكر‬
‫العربي‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 572‬ــ القاسم (محمد زكي الدين)‪ ،‬اإلسالم والمؤامرة اليهودية (الكويت‪:‬‬
‫مكتبة المنار‪ ،‬ط‪5151 ،5‬ه‪5771/‬م)‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 573‬ــ قطب (سيد)‪ ،‬معركتنا مع اليهود (القاهرة‪ :‬دار الشروق‪ ،‬ط‪،1‬‬


‫‪5111‬ه‪5781/‬م)‪.‬‬
‫‪ 571‬ــ قطب (محمد)‪ ،‬اإلنسان بين المادية واإلسالم (القاهرة‪ :‬دار‬
‫الشروق‪ ،‬ط‪5773 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 571‬ــ قويدر (بشار)‪ ،‬مناهج التاريخ االسالمي ومدارسه (الجزائر‪ :‬دار‬
‫الوعي‪ ،‬ط‪5153 ،5‬ه‪5773/‬م)‪.‬‬
‫‪ 571‬ــ كار (وليام غاي)‪ ،‬أحجار على رقعة الشطرنج‪ ،‬ترجمة سعيد‬
‫جزائرلي (بيروت‪ :‬دار النفائس‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 577‬ــ كاسترو (هنري دي)‪ ،‬اإلسالم خواطر وسوانح‪ ،‬ترجمة أحمد فتحي‬
‫زغلول باشا (القاهرة‪ :‬مطبعة السعادة‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 578‬ــ الكك فكتور‪ ،‬الثقافة العربية والتحديات اإلقليمية (بيروت‪:‬‬
‫منشورات المجمع الثقافي العربي من أعمال المؤتمر ‪ 51‬ــ ‪ 51‬كانون األول‬
‫‪.)5771‬‬
‫‪ 577‬ــ لمعي إكرام‪ ،‬االختراق الصهيوني للمسيحية (القاهرة‪ :‬دار الشروق‪،‬‬
‫ط‪5773 ،2‬م)‪.‬‬
‫‪ 581‬ــ لوراقا (جليري)‪ ،‬تفسير اإلسالم‪ ،‬ترجمة أحمد أمين عز العرب‬
‫(القاهرة‪ :‬المكتب الفني للنشر‪ ،‬دط‪5717 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 585‬ــ لوتسك هارفي‪ ،‬عادات وتقاليد اليهود‪ ،‬ترجمة مصطفى الرز القاهرة‪:‬‬
‫سلمى للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 582‬ــ لويس (برنارد) وإدوارد سعيد‪ ،‬اإلسالم األصولي في وسائل اإلعالم‬
‫الغربية من وجهة نظر ليبيرالية على حاشيته برنالد لويس‪ ،‬جذور السخط اإلسالمي‬
‫(بيروت‪ :‬دار الجيل‪ ،‬ط‪5151 ،5‬ه‪5771/‬م)‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 583‬ــ مبارك (صفوت أحمد)‪ ،‬بحوث في األديان (القاهرة‪ :‬دار أبو المجد‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬دط‪5781 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 581‬ــ مجموعة دراسات لخمسة من العلماء المختصين‪ ،‬هل للقانون‬
‫الرومي تأثيره على الفقه اإلسالمي (بيروت‪ :‬دار البحوث العلمية‪ ،‬ط‪5773 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 581‬ــ محمود (مصطفى)‪ ،‬المؤامرة الكبرى (القاهرة‪ :‬كتاب اليوم دار أخبار‬
‫اليوم العدد ‪.311‬‬
‫‪ 581‬ــ مروة حسين‪ ،‬النزاعات المادية في الفلسفة اإلسالمية (بيروت‪ :‬دار‬
‫الفارابي‪ ،‬ط‪5781 ،1‬م)‪.‬‬
‫‪ 587‬ــ المرصفي (سعد)‪ ،‬الهجرة النبوية ودورها في المجتمع اإلسالمي‬
‫>دراسة تحليلية في ضوء الكتاب والسنة< (الكويت مكتبة الفالح‪ ،‬ط‪5782 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 588‬ــ مغنية (محمد جواد)‪ ،‬معالم الفلسفة االسالمية >نظرات في التصوف‬
‫والكرامات< (بيروت‪ :‬دار الهالل‪ ،‬ط‪.)5787 ،3‬‬
‫‪ 587‬ــ المسيري (عبد الوهاب)‪ ،‬الصهيونية واليهودية وإسرائيل (بيروت‪:‬‬
‫المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع ‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪.‬‬
‫موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية‪ ،‬قرص مضغوط‪ ،‬بيت العرب للتوثيق‬
‫العصري والنظم‬
‫‪ 571‬ــ مقار (شفيق)‪ ،‬التوراة المسيحية (لندن‪ :‬رياض الريس للكتب‬
‫والنشر‪ ،‬ط‪5778 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 575‬ــ المنجد (ماهر)‪ ،‬اإلشكالية المنهجية في الكتاب والسنة >دراسة‬
‫نقدية< (دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 572‬ــ مهنا (أحمد إبراهيم)‪ ،‬دراسة حول ترجمة القران الكريم (القاهرة‪:‬‬
‫مطبوعات الشعب‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 573‬ــ مهنا (محمد نصر)‪ ،‬التدوين التاريخي ودور المخطوطات السياسية‬


‫في العالم االسالمي (القاهرة‪ :‬دار الفجر للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪5771 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 571‬ــ المودودي (أبو األعلى)‪ ،‬السيرة النبوية (الرياض‪ :‬دار الشروق‪،‬‬
‫دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 571‬ــ ‪ //‬ماهي القاديانية؟ (الكويت‪ :‬دار القلم‪ ،‬ط‪5112 ،2‬ه‪5782/‬م)‪.‬‬
‫‪ 571‬ــ الميداني (عبد الرحمان حسن حبنكة)‪ ،‬مكائد يهودية عبر التاريخ‬
‫(دمشق‪ :‬دار القلم‪ ،‬ط‪5111 ،1‬ه‪5781/‬م)‪.‬‬
‫‪ 577‬ــ بن نبي (مالك)‪ ،‬الظاهرة القرآنية‪ ،‬ترجمة عبد الصبور شاهين‬
‫(دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪5778 ،1‬م)‪.‬‬
‫‪ 578‬ــ الندوي (ابو الحسن)‪ ،‬السيرة النبوية (الرياض‪ :‬دار الشروق‪ ،‬دط‪،‬‬
‫دت)‪.‬‬
‫‪ 577‬ــ الندوي (محمد صدر الحسن)‪ ،‬المستشرقون والسنة النبوية‪ ،‬مستلة‬
‫من كتاب اإلسالم والمستشرقون (جدة‪ :‬عالم المعرفة‪ ،‬دط‪5111 ،‬ه‪578/‬م)‪.‬‬
‫‪ 211‬ــ الندوي (علي أحمد)‪ ،‬القواعد الفقهية‪ ،‬مفهومها‪ ،‬نشأتها وتطورها‬
‫(دمشق‪ :‬دار القلم‪ ،‬ط‪5152 ،2‬ه‪5772/‬م)‪.‬‬
‫‪ 215‬ــ النسمي (عجيل نسيم)‪ ،‬المستشرقون ومصادر التشريع االسالمي‬
‫(الكويت‪ :‬جامعة الكويت‪ ،‬دط‪5111 ،‬ه‪.)5781/‬‬
‫‪ 212‬ــ النشار (علي سامي)‪ ،‬نشأة الفكر الفلسفي في اإلسالم (القاهرة‪ :‬دار‬
‫المعارف‪ ،‬ط‪5711 ،2‬م)‪.‬‬
‫‪ 213‬ــ النشار (علي سامي) والشربيني (عباس أحمد)‪ ،‬الفكر اليهودي‬
‫وتأثره بالفلسفة االسالمية (اإلسكندرية‪ :‬نشأة المعارف‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 211‬ــ النعيمي (أحمد نوري)‪ ،‬يهود الدونمة دراسة في األصول والعقائد‬

‫‪317‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫والمواقف (بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪5771 ،5 ،5‬م)‪.‬‬


‫‪ 211‬ــ النمر (عبد المنعم أحمد)‪ ،‬البابية والبهائية >تاريخ ووثائق<‬
‫(الجزائر‪ :‬شركة الشهاب للنشر والتوزيع‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 211‬ــ عبد الهادي (جمال) ومسعود (محمد) ومحمد رفعت جمعة‬
‫(وفاء)‪ ،‬أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ‪ ،‬منهج كتابة التاريخ االسالمي‪ .‬لماذا؟‬
‫وكيف؟ (دار الصديقية للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪5787 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 217‬ــ هيبلر يوخين وأندريالويح‪ ،‬اإلسالم العدو بين الحقيقة والوهم ترجمة‬
‫أيمن شرف (القاهرة‪ :‬الفرسان للنشر والتوزيع‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 218‬ــ وات (مونتغمري)‪ ،‬الفكر السياسي االسالمي >المفاهيم األساسية<‬
‫ترجمة صبحي حديدي (بيروت‪ :‬دار الحداثة‪ ،‬ط‪5785 ،5‬م)‪.‬‬
‫‪ 217‬ــ وافي (علي عبد الواحد) األسفار المقدسة في األديان السابقة‬
‫لالسالم (القاهرة‪ :‬دار النهضة للطباعة والنشر‪ ،‬الفحالة‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 251‬ــ ‪ ،//‬محمد في المدينة‪ ،‬ترجمة شعبان بركات (بيروت‪ :‬منشورات‬
‫المكتبة السرية‪ ،‬دط‪ ،‬دت)‪.‬‬
‫‪ 255‬ــ وجدي (محمد فريد)‪ ،‬السيرة النبوية تحت ضوء العلم والفلسفة‬
‫(بيروت‪ :‬الدار اللبنانية‪ ،‬دط‪5773 ،‬م)‪.‬‬
‫‪252‬‬
‫‪ 252‬ــ الوكيل (عبد الرحمان)‪ ،‬البهائية تاريخها وعقيدتها وصلتها بالباطنية‬
‫والصهيونية (جدة‪ ،‬دار المدني‪ ،‬للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪5781 ،2‬م)‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الدوريات واجملالت‪:‬‬


‫‪ 253‬ــ أليس جورافيسكي‪ ،‬االسالم والمسيحية‪ ،‬ترجمة خليف محمد‬
‫الجراد‪ ،‬سلسلة كتب عالم المعرفة (الكويت‪ :‬عدد ‪ ،251‬نوفمبر‪.)5771‬‬

‫‪318‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 251‬ــ محمد امخزون‪ ،‬من تاريخ األحزاب الشيوعية العربية وموقف من‬
‫قضية فلسطين) البيان‪ ،‬لندن‪ :‬عدد ‪ 8‬السنة ‪ ،51‬يونيه ‪5771‬م (‪.‬‬
‫‪ 251‬ــ جواد علي‪ ،‬عبد اهلل بن سبأ (الرسالة‪ ،‬مصر‪ ،‬عدد ‪ ،771‬السنة‪ 51‬ــ‬
‫‪ 57‬ماي ‪5718‬م)‪.‬‬
‫‪ 251‬ــ ‪ //‬عبد اهلل بن عباس‪( ،‬الرسالة‪ ،‬مصر‪ ،‬عدد ‪ ،717‬السنة ‪1 ،51‬‬
‫يناير‪5718‬م)‪.‬‬
‫‪ 257‬ــ حسن جابر‪ ،‬االستقراء واالتجاهات المنهجية المعاصرة (المنطلق‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬العدد‪ ،52‬صيف ‪5771‬م)‪.‬‬
‫‪ 258‬ــ حسن ظاظا‪ ،‬عالم الرموز تاريخه وخفاياه‪( ،‬مجلة الفيصل‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫عدد‪ ،585‬رجب‪5152‬ه‪/‬يناير‪5772‬م)‪.‬‬
‫‪ 257‬ــ ‪ ،//‬نماذج بشرية غير يهودية استغلتها المطابع اليهودية‪( ،‬مجلة‬
‫الفيصل‪ ،‬الرياض‪ ،‬عدد ‪ ،281‬ذو الحجة‪5158 ،‬ه‪/‬أفريل ‪5788‬م)‪.‬‬
‫‪ 221‬ــ دوري غولد‪ ،‬القدس الحل الدائم في دراسة لمركز يافا (مجلة‬
‫الدراسات الفلسطينة‪ ،‬عدد‪ ،21‬ربيع‪5771‬م)‪.‬‬
‫‪ 225‬ــ رجب البناء‪ ،‬أخطاء المستشرقين‪( ،‬األهرام‪ ،‬مصر‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪5771/2/1‬م)‪.‬‬
‫‪ 222‬ــ رشاد عبداهلل الشامي‪ ،‬الشخصية اليهودية اإلسرائيلية والروح‬
‫العدوانية (سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد‪ ،512‬يونيو‪5781‬م)‪.‬‬
‫‪ 223‬ــ ريجينا الشريف‪ ،‬الصهيونية غير اليهودية جذورها في التاريخ‬
‫الغربي‪ ،‬ترجمة أحمد عبداهلل عبد العزيز (سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد‪،71‬‬
‫ديسمبر‪5781‬م)‪.‬‬
‫‪ 221‬ــ شاخت وبوزورت‪ ،‬تراث اإلسالم‪ ،‬ترجمة محمد زهير السمهوري‪،‬‬
‫تحقيق شاكر مصطفى (سلسلة عالم المعرفة الكويت أغسطس آب ‪5778‬م)‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫‪ 221‬ــ صموائيل اتينجر‪ ،‬اليهود في البلدان اإلسالمية ‪5811‬م ــ ‪5711‬م‪،‬‬


‫ترجمة جمال أحمد الرفاعي (سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد‪،577‬‬
‫ماي‪5771‬م)‪.‬‬
‫‪ 221‬ــ عاطف الجوالني‪ ،‬تهويد المسيحية (المجتمع‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد‬
‫‪5355‬ه‪1/‬سبتمبر ‪5778‬م)‪.‬‬
‫‪ 227‬ــ عبد النبي أصطيف‪ ،‬االستشراق األمريكي من النهضة إلى السقوط‬
‫عولمة دراسات المنطقة (المستقبل العربي‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪ ،223‬جويلية‪5778‬م)‪.‬‬
‫‪ 228‬ــ مارسيل ــ أ ــ برازار‪ ،‬من تأثيرات اإلسالم المحتملة جدا على‬
‫مؤسسي القانون الدولي في الغرب (األصالة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الملتقى الثالث عشر للفكر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ج‪.)1‬‬
‫‪ 227‬ــ ماهر الشريف‪ ،‬أطروحة صدام الحضارات ونقادها (النهج‪ ،‬سوريا‪،‬‬
‫عدد‪ ،11‬سنة‪5771‬م)‪.‬‬
‫‪ 231‬ــ محمد اسماعيل مصطفى ياسين‪ ،‬حوار األديان هدف نبيل أم فخ‬
‫للمسلمين؟ (عقيدتي‪ ،‬عدد‪5771/ 52/53‬م)‪.‬‬
‫‪ 235‬ــ محمود شاكر‪ ،‬الفتنة الكبرى (الرسالة‪ ،‬مصر‪ ،‬السنة‪5718 ،51‬م)‪.‬‬
‫‪ 232‬ــ محمود القاسم‪ ،‬الحالج والقرامطة (األصالة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬عدد‪،11‬‬
‫السنة‪7‬محرم‪5377‬ه)‪.‬‬
‫‪ 233‬ــ المنار (القاهرة‪ ،‬عدد‪3‬مارس‪5718‬م‪ ،‬ج‪ ،5‬مج‪.)55‬‬
‫‪ 231‬ــ مهنا يوسف حداد‪ ،‬االلتقاء بين الفكر البروتستانتي والفكر اليهودي‪،‬‬
‫دراسة في علم اإلنسان اليهودي (الثقافة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬عدد‪ ،513‬السنة‪،57‬‬
‫يوليو‪/‬أغسطس‪5771‬م)‪.‬‬
‫‪ 231‬ــ هشام فوزي عبد العزيز‪ ،‬معاهد أبحاث االستشراق في إسرائيل‬
‫>معهد هاري ترومان< لألبحاث من أجل تقدم السالم (الباحث العربي‪ ،‬لندن‪،‬‬

‫‪371‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

.)‫م‬5771 ‫ جانفي‬،38‫عدد‬
JAFFA ‫) مركز يافا‬2( ‫ معاهد أبحاث االستشراق في إسرائيل‬،// ‫ ــ‬231
،37 ‫ عدد‬،‫ لندن‬،‫للدراسات االستراتيجية في جامعة تل أبيب (الباحث العربي‬
.)‫م‬5771 ‫فيفري‬
‫ العرب والصهيونية والقرن الواحد والعشرين (عالم‬،‫ ــ هيثم الكيالني‬237
.)28‫ مج‬،‫م‬5777‫سبتمبر‬/‫يوليو‬5‫ عدد‬،‫ الكويت‬،‫الفكر‬
‫ املراجـع األجنبيـة‬:‫خامسا‬
1- Allen, Christopher,(islamophobia),Farnham GBR. Ashgate
Publishing Group.1102111.

2- Alam, M. Shahid. 2112. Challenging the New Orientalism:


Dissenting essays on the “War against Islam”. North Haledon: Islamic
Publications International.
3 – Bernard Lewis.” The Question of Orientalism. In New York
Times Review of Books. June 22, 1892.
2- BICHARD KHADER, HISTOIRE DE LA PALASTINE
(Tunis : Maison Tunisienne D’EDITION 1821, Vol 1)
1 – BARBAR A TUCHMAN, Bible and SWORD ENGLAND
AND PALESTINE FROM THE
BRANZE AGE TO BELFOUR (New york, UNIVARSITY
PRESS, 1811).
- CAMILLA A DONG MUSLAM WRITERS OU
JUDAISM AND HEBROEW BIBLE FROM IBN RABBEN TO
IBN HAZM (NEW YORK : NEW YORK – LEIDEN , ).

375
‫فهرس املصادر واملراجع‬

2 - CHANIONE MARCHAND, la faillite initiale de


protestantisme (Pierre tequi librairie , 1832) .
– CHRISTIENNE .S.Juifs, CHRISTIENS ET ROMAINS
(LES EDITIONS DE LA BIBLE , PARIS, Novembre, ).
- GEORGES THEOTIS ,( DE LA CONTREVERSE AU
DIALOGUE RELIGIEUSE .N° , SEPTEMBR ).
– H.G. WILLS Abrégé de l’histoire du monde (GENEVE
EDITION Jeneber, sd).
– J.M.GUILLEMON, EPITRES DESAINT PAUL (analyse –
raisonne) PARIS, Libraire editeurs Tome .
- J.SHACHT , NEW SOURCES FOR THE HISTORY OF

MUHAMMAD AU THEOLOGY(PARIS, LAROSE LE ).

– MARCEL SIMON, (les sectes Juives au temps de JESUS,


PARIS, ).
– MARCHDONE, JESUS ET les PHARISIENS . (les
dossiers de la bible, PARIS, N° .MARS, ).
11 – MICHEL, QUESNEL, L’Histoire des Evangiles (PARIS,
Les Editions du Cerf, 1892).
- MOTGOMRY WATT , THE STUDY OF ISLAM BY
ORIENTALIST ( ISLAMO CHRISTIANO ROME N° , ).
– PAUL, Routier du Christ (PARIS, Edition Caslekman,
).

372
‫فهرس املصادر واملراجع‬

-Maxime Rodinsne . Islam Politique Et Croyance (Paris :


L'imprimerie Bussiere ).

373
‫فهرس املوضواعت‬

‫فهرس املوضواعت‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫اإلهداء‪1 .........................................................‬‬
‫المقدمة‪7 .........................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬ماهية االستشراق املعاصر وأنساقه ‪57...................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ماهية االستشراق وخلفيته ‪57.............................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الظاهرة الدينية ونشأة االستشراق ‪57........................‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم االستشراق ‪21 ..........................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬أصل نشأة االستشراق ‪23 .......................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬االستشراق الصهيوني ‪27 ...............................‬‬
‫أوال‪ :‬الرابطة المشتركة ‪28 ...........................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬وحدة الموضوع‪33 ............................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مراكز األبحاث االستشراقية بإسرائيل ‪38 ...................‬‬
‫أوال‪ :‬مركز هاري ترومان ‪38 .........................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬مركز يافي للدراسات االستشراقية ‪11 ..............................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬االستشراق المعا صر‪13 ................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬االستشراق األمريكي‪13 ................................‬‬
‫أوال‪ :‬تسرب النـزعة الصهيونية في الثقافة األمريكية ‪11 .....................‬‬

‫‪371‬‬
‫فهرس املوضواعت‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫ثانيا‪ :‬الظاهرة الصهيونية في االستشراق األمريكي‪17 .......................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المسيحية الصهيونية‪11 .................................‬‬
‫أوال‪ :‬مصالحة المسيحيين وامتصاص غضبهم ‪11 ..........................‬‬
‫ثانيا‪ :‬احتواء المسيحية ‪17 ...........................................‬‬
‫‪ 5‬ــ مارثن لوثر والروح اليهودية ‪18 ....................................‬‬
‫‪ 2‬ــ صهيونية الكنيسة الكاثوليكية‪11 ...................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬حتمية التصادم بين اإلسالم والغرب‪18 ....................‬‬
‫أوال‪ :‬أصل النظرية ونشأتها‪17 ........................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬تأصيل العداء لإلسالم‪73 .......................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬الخلفية اإليديولوجية في صدام الحضارات ‪71 .......................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مناهج االستشراق املعاصر يف دراسة القرآن الكريم ‪85....‬‬
‫المبحث األول اإلسرائيليات وقدسية القرآن الكريم‪81 ......................‬‬
‫األولية للقرآن الكريم ‪77 .........................‬‬
‫ّ‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬ال ّترجمة‬
‫أهمية ال ّترجمة ‪77 .....................................‬‬
‫المطلب األول‪ّ :‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الفكر اإلسالمي المعاصر وترجمة القرآن الكريم ‪511 ..........‬‬
‫أوال‪ :‬بيان موطن النزاع‪511 ..........................................‬‬
‫‪ 5‬ــ الترجمة اللفظية ‪511 ............................................‬‬
‫‪ 2‬ــ الترجمة المعنوية‪511 ...........................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬العامل التاريخي‪518 ...........................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تهويد الترجمات األصلية للقرآن الكريم ‪552 ................‬‬

‫‪371‬‬
‫فهرس املوضواعت‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫أوال‪ :‬ترجمة بطرس الميجل ‪552 ......................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬ترجمة يوهانس بورتيوس‪551 ....................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬التناقض واالضطراب‪557 ..............................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬المؤثرات الدينية السابقة ‪528 ............................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬ال ّزعم باستقاء القرآن من التوراة واإلنجيل ‪527 ...............‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المؤثِّرات الجاهلية‪551 .................................‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬الترتيب الزمني للقرآن الكريم‪517 .......................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬نولدكه وترتيب القرآن الكريم‪511 .........................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الترتيب المعاصر للقرآن الكريم ‪513 .......................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مسألة المكِّي والمدني في القرآن‪518 ......................‬‬
‫أوال‪ :‬األسلوب القرآني‪518 ..........................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬موضوعات القرآن ‪515 .........................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬مناهج االستشراق املعاصر يف دراسة السنة النبوية ‪511 ..‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تفريغ السنة من مضمونها‪571 ............................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تطور السنة ‪577 ......................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬نظرية نقد متن الحديث‪587 .............................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬مناهج االستشراق املعاصر يف العلوم اإلسالمية ‪577 .....‬‬
‫المبحث األول‪ :‬االستشراق المعاصر والعقيدة اإلسالمية ‪211 ................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التحديات القديمة والمتجددة‪215 .........................‬‬
‫أوال‪ :‬التشبيه والتجسيم‪215 ..........................................‬‬

‫‪377‬‬
‫فهرس املوضواعت‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪5‬ــ التشبيه والتجسيم في الديانة اليهودية‪212 .............................‬‬
‫‪ 2‬ــ المشبهة والمجسمة في الفكر العقدي اإلسالمي ‪211 ...................‬‬
‫ثانيا‪ :‬الرجعة والمهدية ‪218 ..........................................‬‬
‫‪5‬ــ الرجعة والمهدية في الفكر العقدي اإلسالمي ‪218 ......................‬‬
‫‪2‬ــ التفسير الخاطئ لفكرة المهدي المنتظر وأثرها في الفكر اإلسالمي ‪251 ......‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التحديات المعاصرة‪223 ................................‬‬
‫أوال‪ :‬الترويج للتفسير المادي ‪223 .....................................‬‬
‫‪5‬ــ جذور النـزعة المادية في الديانة اليهودية التلمودية ‪223 ..................‬‬
‫‪2‬ــ التفسير المادي ومشروعه في تقويض العقيدة اإلسالمية ‪235 ..............‬‬
‫ثانيا‪ :‬استغالل الشيوعية ‪238 .........................................‬‬
‫‪5‬ــ الشيوعية والبنية المادية اليهودية ‪238 ................................‬‬
‫‪2‬ــ خطر الشيوعية على العقيدة اإلسالمية‪213 ............................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مناهج االستشراق المعاصر في دراسة الفقه اإلسالمي ‪211 ......‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التشكيك في أصالة الفقه اإلسالمي ‪217 ....................‬‬
‫أوال‪ :‬عالقة هذه الفرضية باالستشراق المعاصر ‪217 .......................‬‬
‫ثانيا‪ :‬شبهة استعارة الفقه اإلسالمي من القانون الروماني‪211 .................‬‬
‫‪5‬ــ انتشار القوانين الرومانية في البالد الشرقية ‪215 ........................‬‬
‫‪2‬ــ المدارس القانونية الشرقية ‪213 ....................................‬‬
‫‪3‬ــ التشابه في األحكام‪211 ..........................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬خصائص الفقه اإلسالمي‪211 ....................................‬‬

‫‪378‬‬
‫فهرس املوضواعت‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الطعن في شمولية الفقه اإلسالمي ‪211 .....................‬‬
‫أوال‪ :‬شبهة قصور الفقه اإلسالمي‪211 ..................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬دور االستشراق التصادمي في بث هذه الشبهة ‪217 ....................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مناهج االستشراق المعاصر في دراسة التاريخ اإلسالمي‪281 ....‬‬
‫المطلب األول‪ :‬االستشراق المعاصر والمصادر التاريخية ‪281 ................‬‬
‫أوال‪ :‬صلة التاريخ بالفكر اإلسالمي ‪281 ................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬أثر الفكر اليهودي في المصادر التاريخية ‪281 ........................‬‬
‫‪ 5‬ــ مرحلة الرواية الشفوية ‪288 .......................................‬‬
‫‪2‬ــ مرحلة التدوين التاريخي‪271 ......................................‬‬
‫‪ 3‬ــ مرحلة التأريخ العالمي‪277 .......................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬االستشراق وفلسفة التاريخ اإلسالمي‪355....................‬‬
‫أوال‪ :‬التفسير المادي ‪355............................................‬‬
‫‪ 5‬ــ دوافع هذا التفسير ‪355...........................................‬‬
‫‪ 2‬ــ نماذج من التفسير المادي للتاريخ اإلسالمي ‪352 ......................‬‬
‫ثانيا‪ :‬التفسير العنصري‪351 ..........................................‬‬
‫‪5‬ــ مفهوم التفسير العنصري ‪351 ......................................‬‬
‫‪2‬ــ تب ّني التفسير العنصري ‪351 .......................................‬‬
‫‪ 3‬ــ نماذج من التفسير العنصري للتاريخ اإلسالمي‪351 .....................‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬التأصيل والتجديد يف الدراسات اإلسالمية املعاصرة ‪321‬‬
‫المبحث األول‪ :‬معالم التجديد ‪327 ....................................‬‬

‫‪377‬‬
‫فهرس املوضواعت‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫المطلب األول‪ :‬تفعيل علم مقارنة األديان في الدراسات اإلسالمية‪331 .........‬‬
‫أوال‪ :‬أثر القرآن الكريم في علم مقارنة األديان ‪331 ........................‬‬
‫ثانيا‪ :‬اسهامات علماء المسلمين في مجال علم مقارنة األديان‪333 .............‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تجديد المناهج في الدراسات اإلسالمية المعاصرة‪337 .........‬‬
‫أوال‪ :‬أزمة المناهج في الدراسات اإلسالمية المعاصرة ‪337 ..................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬معالم لمنهجية فاعلة في الدراسات اإلسالمية ‪313 ............‬‬
‫أوال ــ التعامل مع المصادر‪313 .......................................‬‬
‫ثانيا ــ فسلفة التاريخ اإلسالمي‪311 ....................................‬‬
‫ثالثا ــ تبني الواقعية في الفكر اإلسالمي المعاصر‪311 ......................‬‬
‫الخاتمـــة ‪317 ....................................................‬‬
‫فهرس المصادر والمراجع‪317 ........................................‬‬
‫فهرس الموضوعات ‪373 ............................................‬‬

‫**‬ ‫**‬ ‫**‬

‫‪381‬‬
‫األستاذ ادلكتور عبد القادر خبوش‬

‫* أستاذ بكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية ــ جامعة قطر ــ‪.‬‬


‫* نائب رئيس جامعة األمير عبد القادر ــ قسنطينة ــ الجزائر (سابقا)‪.‬‬
‫* رئيس قسم العقيدة ومقارنة األديان (سابقا) جامعة األمير عبد القادر ــ قسنطينة ــ‬
‫الجزائر‪.‬‬
‫* أستاذ زائر بالمعهد األوروبي للعلوم اإلنسانية ــ باريس ــ فرنسا‪.‬‬
‫* المستشار العلمي لبرنامج الدراسات العليا في الحضارة اإلسالمية ــ جامعة‬
‫برشلونة ــ اسبانيا‪.‬‬
‫* رئيس تحرير مجلة جامعة األمير عبد القادر (سابقا) ــ قسنطينة ــ الجزائر‪.‬‬
‫* ناقش وأشرف على أكثر من خمسين رسالة ماجستير ودكتوراه‪.‬‬

‫‪385‬‬

You might also like