Se 2015-n63 074-081
Se 2015-n63 074-081
مربيه سكيح
تقدمي
إن التقويم ،يف واقع األمر ليس حكرا عىل التعلامت ،فليس املتعلم وحده موضوع التقويم ،بل هو
يشمل أيضا باقي الفاعلني و املتدخلني يف عملية التعليم و التعلم :أساتذة و مربون ،إدارة تربوية،
الكتاب املدريس ،املناهج و الربامج ،الطرق البيداغوجية ،أساليب التدريس ..الخ إن التقويم الرتبوي –
بهذا املعنى – ليس مجرد إجراء تقني أو حلقة ضمن حلقات املنهاج الدرايس ،بل هو مساحة تتجدد
فيها مساءلة املدرس لطرائقه يف التدريس و أساليبه يف التنشيط ،مساءلة اإلداري ملستوى و حدود
تيسريه و تدبريه ،مساءلة واضعي املنهاج ألصالة الربامج و فعالية التوجيهات املعتمدة ...من هذا
املنظور ،يتجاوز موضوع التقويم مظهره التقنوي ليحيل عىل بعد إيتيقي ( )éthiqueمادام يرتبط
باملسؤولية املهنية و األخالقية ملجموع الفاعلني يف مجال التعليم و التعلم عىل اختالف أدوارهم.
ماهية التقومي
ال ميكن الحديث عن التقويم بدون استحـــضار التــأثري القــوي الذي مارســته الدوسيمـــولوجيا
( ،)Docimologieالتي اشتقت من اللفظ االغريقي Dokiméمبعنى االختبار ( .)épreuveو
مفهوم الدوسيمولوجيا هو مفهوم جديد أبدعه هرني بيريون ( )PIERONللداللة عىل « علم
االختبارات» ( ،)1إنها دراسة منظمة لطرق و تقنيات التقويم ،التصحيح و التنقيط ،أدوات و شبكات
القياس ...الخ
74
مجلة علوم التربية
و يشري دوكيتيل ( )De Keteleإىل أن التقويم هو جمع معلومات تتسم بالصدق و الثبات و
الفعالية ،و تحليل درجة مالءمة هذه املعلومات ملجموعة من املعايري الخاصة باألهداف املحددة
مسبقا ،بهدف اتخاذ قرار .فالتقويم ،إذن ،تقدير كمي أو كيفي للتعلامت يف ضوء األهداف املسطرة
بشكل مسبق بغاية اتخاذ قرار (.)Therer,1985
إن التحديدات السالفة الذكر تدفعنا إىل التمييز بني خصائص التقويم التالية:
التقويم سريورة تهدف إىل إصدار حكم حول التعلامت ،سواء كانت معارف أو مهارات ،بناء عىل
معطيات قابلة للقياس.
التقويم هو قياس الفارق بني األهداف أو الكفايات املتوخاة و النتائج املحصل عليها يف وضعية
تعليمية تعلمية.
التقويم أكرث شمولية من القياس ،فهو ال يقف عند حدود التكميم بل يتعداه إىل تحليل املعطيات
أو املعلومات و اتخاذ قرار.
ال يرتبط التقويم بشخصية املتعلم أو منتوجه فحسب ،بل قد يكون موضوعه تقييم الرشوط
املؤثثة للفعل الرتبوي برمته مثل :اسرتاتيجيات التدريس ،الطرائق التعليمية ،املحتوى الدرايس ،التدبري
املؤسسايت.. ،
75
مجلة علوم التربية
يكون التقويم محايثا ملختلف أنشطة التعليم-التعلم و ذلك لتدارك مظاهر النقص أو التعرث التي
تحول دون بلوغ الكفايات املنشودة .يأيت التقويم هنا ألجل التعديل أو التصحيح الفوري لتعرثات
املتعلم (ة) عرب تحديد األخطاء ،تحليلها و إعداد خطة للعالج (.)Remédiation
و ألجل تحقيق أفضل لوظيفة التعديل التي يضطلع بها التقويم التكويني ،ينبغي اتباع ثالث
خطوات أساسية ( )3و هي:
جمع املعلومات و املعطيات حول تقدم مسار التعلامت عند التالميذ ،و باألخص صعوبات التعلم
املالحظة لديهم.
تحليل هذه املعطيات بغاية تشخيص صعوبات التعلم و العوامل أو الرشوط املصاحبة لها.
تكييف و مالءمة الوضعيات التعليمية التعلمية مع النتائج املتوصل إليها.
لكن سيبقى تحليل املعطيات – سواء الكمية أو الكيفية -غري ذي جدوى إذا مل يتم اكتشاف
اسرتاتيجيات التعلم عند التلميذ ،أو بتعبري أدق ،اسرتاتيجيات اشتغال الذهن و بناء املعرفة لديه
(.)Stratégies cognitives
وظيفة املصادقة ()Certification
و هي الوظيفة النهائية للتقويم ،بحيث يتم إصدار أحكام بخصوص متكن املتعلم (ة) من الكفايات
أو األهداف املسطرة مسبقا ،فيتم بذلك التحقق من النجاح و املصادقة علية أو تربير الفشل.
76
مجلة علوم التربية
من شأن اعتامد معايري واضحة يف التقويم أن تجعل التقديرات و األحكام املتوصل إليها أكرث
مصداقية .فهذه األخرية ،و إن كان دورها يكمن يف قياس الفوارق الحاصلة بني ما تحقق من إنجاز
مقارنة مبا سطر من أهداف أو قدرات ،إال أن هدفها كذلك تثمني العنارص االيجابية يف إنجازات
املتعلم)4( .
و قد أظهرت نتائج العديد من الدراسات ( )Bonniol,1985/ Jadoulle et Bouhon,2001األثر
االيجايب للتواصل مع التالميذ و االفصاح لهم عن معايري التقويم املعتمدة ،كشكل من أشكال التعاقد
الديداكتييك ،مام يساعد عىل توجيه الجهد الذهني للتلميذ أثناء اإلعداد لالختبار خدمة للمهام
املطلوبة .كام تشكل معايري التقويم أيضا عنارص أولية لبناء شبكة للتقويم الذايت ،تحقيقا الستقاللية
املتعلم (ة).
لكن ،و بالرغم من األهمية التي يكتسيها هذا البعد الجزايئ من التقويم ،إال أنه يظل محط العديد
من االنتقادات:
التقويم النهايئ هو مبثابة آلية لتربير الفشل الدرايس ملتعلمني مل يتمكنوا من بلوغ الكفايات
املنشودة ،و ما يرتتب عن ذلك من مظاهر كتكرار السنة الدراسية ،الفصل ..الخ
يتضمن التقويم الجزايئ بعدا زجريا (عقاب) ألولئك الذين مل يستطيعوا تحقيق مؤرشات نجاح
أكرب.
إن التقويم النهايئ ال يساهم يف تعزيز تعلامت املتمدرسني ،فهو ال يخترب ما تحقق لديهم
من مكتسبات ،بل يقرتح املهام و املطالب التي من شأنها أن تصنع الفوارق بينهم بغاية
ترتيبهم)5( .
تزداد سلبية هذا التقويم عندما يركز عىل البعد املعريف للمضامني الدراسية ،خاصة و أن العديد
من الدراسات قد أثبتت أن %80من املعارف املخزنة يف ذهن التلميذ تختفي خالل األشهر األوىل
التي تيل فرتة اجتياز االختبارات أو االمتحانات)6(.
لقد أظهرت بعض الدراسات ،يف مجال الدوسيمولوجيا ،غياب املوضوعية يف تصحيح إنجازات
املتعلمني ،فالنقطة املمنوحة لنفس املنتوج قد تختلف من مصحح إىل آخر ...الخ ()7
اإلشكاالت التي يطرحها التقويم الجزايئ من قبيل :مصداقية التنقيط ،فعالية أدوات التقويم
املعتمدة ،الذاتية و تدخل العوامل السيكولوجية يف عملية التقويم ..إلخ و هي قضايا اعتاد
الدوسيمولوجيون عىل تلخيصها يف ثالث عنارص رئيسية و هي :الصالحية ،األمانة و الحساسية)8( .
77
مجلة علوم التربية
لكن ،و باستحضارنا لرضورة التقويم و حاجتنا له يف املنظومة الرتبوية باعتباره أحد ركائز املنهاج
الدرايس ،و نظرا لدوره السيكوبيداغوجي يف منح شخصية املتعلم (ة) فرصة للتغذية الراجعة (Feed-
)backو إعادة النظر يف مكتسباته السابقة ،بحيث يغدو حافزا سيكولوجيا للتعلم .هذا فضال عام
مينحه من إمكانات للتقويم الذايت ( )Auto évaluationأمام شخصية املتعلم (ة) ..
كل ذلك يدفعنا إىل طرح التساؤل :ما هي الرشوط التي قد متكننا من تجاوز إشكاالت التقويم
الرتبوي و جعله أكرث موضوعية و نجاعة؟
إن الرهان األسايس للبيداغوجيات الحديثة هو جعل التقويم عنرصا مندمجا داخل سريورة التعليم-
التعلم و استثامره يف تجويد التعلامت .و ألجل تحقيق هذه الغاية ،عىل املدرس (ة) أن يتجاوز ذلك
املنظور التقليدي للتقويم ،و الذي غالبا ما ينتهي بانتقاء فئة قليلة من الناجحني ( عىل شاكلة
.)Courbe de GAUSS
فالتقويم املندمج مل يعد يهتم بانتقاء عدد محدود من التالميذ املتفوقني دون غريهم ،بل هو
تقويم ال ينفصل عن جامعة الفصل ككل أو مجموع وفق مبدأ أسايس « :أكرب عدد ممكن من التالميذ
الذين يفرتض أن يتمكنوا من أكرب قدر ممكن من التعلامت « .يف هذ السياق ،يؤكد جريار سكالون
( )G.Scallonعىل رضورة إدماج التقويم داخل فعل التعلم ،مع تنويع الوضعيات املقدمة للمتعلم
(ة) قبل إصدار أي تقدير أو حكم يف حقه)9( .
عىل التقويم الرتبوي أن يصري جزءا داخل سريورة التعليم – التعلم ،فالوظيفة أو البعد التكويني
للتقويم هو ما سيمكن املتعلم (ة) من إدراك وثرية تعلمه و اكتسابه ،و سيمده مبعلومات و معطيات
من شأنها أن تساعده يف تطوير أدائه ،كام ستتيح للمدرس أيضا إمكانية تنويع تدخالته البنائية (بناء
الوضعيات التعليمية التعلمية) و العالجية أو الداعمة (عالج التعرثات/دعم التعلامت) وفق مقاربة
بيداغوجية تراعي الفوارق بينهم)10( .
إن من شأن هذا الشكل الجديد من التقويم املندمج تحفيز املتعلمني عىل التعلم ،ذلك أن كل
متعلم سيدخل يف تنافس مع نفسه و مع إيقاعه يف التعلم بدل التنافس فقط مع اآلخرين.
78
مجلة علوم التربية
و حسب كارديني ( ،)J.Cardinetفالتقويم التكويني هو نوع التقويم الذي يهدف إىل توجيه
التلميذ (ة) من خالل تحليل املشكالت و التعرثات قصد مساعدته عىل اكتشاف تدابري و إجراءات
متكنه من تحسني تعلامته)11( .
و يحدد جريار سكالون ( )G.Scallonالتقويم التكويني بكونه سريورة تقويم مستمر يهدف إىل
ضامن تقدم كل تلميذ يف مساره التعلمي ،مع إمكانية تعديل الوضعيات التعليمية أو وثرية التعلم
و إيقاعه بغاية تجويد التعلامت أو ألجل تصحيح و عالج الصعوبات ( .)12و مييز سكالون يف هذا
الصدد بني مقاربتني أساسيتني:
املقاربة الدوسيمولوجية التي تعطي األولوية لوظيفة التصحيح أو التعديل التي ياعبها التقويم.
املقاربة الديداكتيكية التي تراهن عىل توصل املتعلم مبجموع املعلومات و املعطيات التي تخص
إيقاع تعلامته و تحصيله الدرايس.
إن سيادة املقاربة الدوسيمولوجية تجعل التقويم ينتهي فقط بقياسات أو تقديرات كمية ترتجم
مستوى التحصيل عند التلميذ ،لكنها ال تقدم تفسريات واضحة ملكامن التعرث و ال تحليال لصعوبات
التعلم .يف حني متنح املقاربة الديداكتيكية التلميذ إمكانية فهم مكامن ضعفه و اكتشاف مجاالت
قوته لجعلها أساسا السرتاتيجيات التعلم الالحق .و قد أكدت العديد من الدراسات ،و يف مقدمتها
البحث الذي قام به تارديف ( )J.Tardifبخصوص تقويم الكفايات لدى املتعلم ،أنه ينبغي تزويد
املتعلم ،و بشكل منتظم ،بكل ما يتعلق بنتائج أدائه و كل تقدم يحرزه يف تعلمه و اكتسابه باملوازاة
مع كل كفاية مسطرة عىل حدة ،نظرا ملا له من آثار إيجابية عىل شخصية املتعلم)13( .
لقد كان لنظريات التعلم املعرفية ،التي اهتمت بطرق اشتغال ذهن املتعلم ،أثر كبري عىل فهمنا
آلليات التعلم عند التلميذ .مام أفىض إىل رضورة تنويع اسرتاتيجيات التعلم و التقويم و أدواته
وصيغه ،استجابة لحاجات املتعلمني التي يسمها االختالف و التنوع ،عرب اعتامد التعلم باالكتشاف
و حل املشكالت ..و إتاحة الفرصة للتقويم الذايت و إعادة االعتبار للتقويم التكويني الذي يساعد
التلميذ عىل تحسني أدائه و تطوير تعلامته يف اتجاه تحقيق غايات املرشوع الرتبوي (.)14
و لعل أبرز الجوانب االيجابية التي يحملها البعد التكويني يف التقويم تتجىل فيام ييل:
تطوير كفايات التعلم و « تعلم التعلم » ،بحيث مينح التلميذ القدرة عىل اكتشاف و بلورة
اسرتاتيجيته الخاصة يف التعلم و االكتساب.
79
مجلة علوم التربية
أكدت العديد من الدراسات ( )15األثر االيجايب للتقويم التكويني عىل الرفع من جودة التعلامت
و تجاوز عوامل الفشل يف شتى التخصصات و املواد الدراسية.
تزويد كل من املدرس و املتعلم عىل حد سواء بتغذية راجعة ( )feed-backإلعادة النظر يف
اسرتاتيجيات التعليم أو التعلم.
تجاوز التعامل التقليدي مع أخطاء املتعلم (ة) بوصفها هفوات فادحة أو ظواهر شاذة تشوب
الفعل الرتبوي ،بل هي لحظة لتشخيص صعوبات التعلم لديه (.)16
متكني املتعلم من فهم تعرثاته و اكتشاف صعوبات التعلم لديه (التقويم الذايت) ،و تشجيعه عىل
بناء اسرتاتيجيات للتغلب عليها من خالل الثقة يف إمكاناته الذاتية و تعزيزها.
جعل التقويم جزءا مندمجا يف سريورة التعلم و حافزا له ،من خالل دفع املتعلم(ة) إىل التفكري يف
رهانات ما نقرتحه عليه من وضعيات (.)17
تنويع طرق و صيغ التقويم داخل الفصل الدرايس و جعله أكرث مالءمة للفروقات الفردية بني
التالميذ و اختالف إيقاع التعلم لديهم ،مام يحقق مستويات أكرب من االنصاف.
الهوام�ش
1-PIERON, Examens et docimologie. Paris, PUF. 19631-
- 2أحمد أوزي ،املعجم املوسوعي لعلوم الرتبية .مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء .2006 ،ص-.101 :
3-Linda ALLAL, Vers une pratique de l’évaluation formative. Bruxelles, De Boeck, 1991.
(Faire ressortir laو يعني إظهار قيمة اليشء Ex-valuere،إىل اللفظ Evaluationترجع كلمة4-
) valeur de
5-G.De Landsheere, Evaluation continue et examens. Précis de docimologie. Collection
Education 2000. Bruxelles-Paris, Nathan-Labor,1976. P : 218.
6-Ibidem. P : 40.
7-PIERON, op.cit
80
مجلة علوم التربية
81