12حمرم 1443هـ مجهورية مصر العربية
20أغسطس 2021م وزارة األوقاف
جرب اخلواطر وأثره على الفرد واجملتمع
()1
الحمد هلل رب العالمين ،القائل في كتابه الكريمَ ﴿ :وا ْف َعُلوا اْل َخ ْيَر َل َعَّل ُك ْم ُت ْفلِ ُحو َن﴾ ،ويقول سبحانه َ ﴿:ق ْو ٌل
يم﴾ ،وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك وف وم ْغ ِفرٌة َخير ِم ْن ص َد َق ٍة ي ْتبعها أَذى و َّ ِ ِ
َّللا َغن ٌّي َحل ٌَ ُ َ َُ َ َم ْعُر ٌ َ َ َ ْ ٌ
محمدا عبده ورسوله ،اللهم صل وسلم وبارك عليه ،وعلى آله وصحبه ،ومن تبعهم
ً له ،وأشهد أن سيدنا ونبينا
بإحسان إلى يوم الدين ،وبعد:
فقد جاء اإلسالم برسالة جامعة للقيم الفاضلة والمثل العليا ،ومن تلك القيم الفاضلة قيمة جبر الخاطر ،فهي
قيمة تنبئ عن شرف النفس ،ورقة القلب ،وقد أعلي هللا (عز وجل) من شأن هذه القيمة النبيلة ،فجعلها صفة
ِ من صفاته ،تتعلق باسمه تعالي "الجبار" ،حيث يقول سبحانه ﴿:هو َّ ِ
َّللا َّالذي ال ِإَل َه ِإال ُه َو اْل َمل ُك اْلُقُّد ُ
وس َُ ُ
يز اْل َجَّب ُار﴾ ،يجبر الفقر بالغني ،والمرض بالصحة ،والخوف والحزن الم اْل ُم ْؤ ِم ُن اْل ُم َه ْي ِم ُن اْل َع ِز ُ
الس ُ
َّ
بالطمأنينة ،ومن دالالت االسم كما ذكر القرطبي (رحمه هللا) :المبالغة في الجبر ،فهو من َجَبر إذا أصلح
اه ِدني
ارحمني و ْ ِ
الكسير وأغني الفقير ،وكان من دعاء نبينا (صلي هللا عليه وسلم)" :اللهم اغفر لي و َ
ارزقني".
اجبرني و ُ
و ُ
كما تجلي هللا (عز وجل) على عباده ،فجبر خواطرهم ،وطيب نفوسهم ،فهذه أم سيدنا موسي (عليه السالم)
جبر لخاطرها ،حيث يقول
حين تفطر قلبها على ولدها (عليه السالم) خوفـًا عليه ،ورده هللا (عز وجل) إليها؛ ًا
ق َوَٰل ِك َّن أَ ْك َثَرُه ْم َال َن وعد َّ ِ
َّللا َح ٌّ سبحانهَ ﴿ :فرددَناه ِإَلى أ ِ ِ
ُمه َك ْي َتَقَّر َع ْيُن َها َوَال َت ْح َز َن َولِ َت ْعَل َم أ َّ َ ْ َ
َ َ ْ ُ ٰ ِّ
َي ْعَل ُمو َن﴾ ،ولما أُخرج نبينا (صلي هللا عليه وسلم) من وطنه مكة جبر هللا تعالي خاطره ،وأوحى إليه في
ك ِإَلى َم َعا ٍد﴾ ،أي :إلي مكة مرة
آن َلَرُّاد َ طريقه إلي المدينة قوله (عز وجل)ِ﴿ :إ َّن َّال ِذي َفَر َ
ض َعَل ْي َك اْل ُقْر َ
أخرى.
()2
ويتجلى خلق جبر الخاطر في حياة نبينا (صلي هللا عليه وسلم) حينما عاد إلي زوجه السيدة
وجبر لخاطره (صلي شر أحاط به ،فقالت له تطييبـًا لنفسه ًا خديجة (رضي هللا عنها) ،وقد ظن أن ًا
وت ْح ِم ُل َ
الك َّل، الح ِد َ
يثَ ، ق َ وت ْص ُد ُ َّللا َأبدا؛ َّإن َك َل َت ِص ُل َّ
الر ِح َمَ ، هللا عليه وسلم)" :كال وهللا ال ُي ْخ ِز َ
يك َّ ُ
ِ فِ ُ ،
ق" ،وحين لقي نبينا (صلي هللا عليه وسلم) جابر بن عبد ين عَلى َن َوائ ِب َ
الح ِِّ وتع ُ وت ْقرِي َّ
الض ْي َ َ
منكسر الستشهاد أبيه عبد هللا (رضي هللا عنه) وتركه عياالً ودينـًا جبر ًا هللا (رضي هللا عنه)
َّللا ِب ِه
لقي َّ ُ أفال ِِّ
أبشُر َك بما خاطر جابر (رضي هللا عنه) ،وقال لهَ " : (صلي هللا عليه وسلم)
َ
أباك َف َكَّل َم ُه ِكفاحا (أي :من غير
اء حجا ِبه وأحيى َقط َّإال من ور ِ
أحدا ُّ َّللا َّ
أباك ؟ ...ما كل َم َّ ُ
َ
من علي أ ِ
الر ُّب تبارك
قال َّ
فيك ثانية َ
فأقتل َ
َ قال :يا ِِّ
رب ُتحييني ُعط َك َ َّ ْ فقال :يا َعبدي َت َّ حجاب)َ ،
رجعون". وتعاَلىَّ :إنه قد سبق ِِّ
مني َّأنهم إليها َال ُي َ َ ُ
ويضرب لنا نبينا (صلي هللا عليه وسلم) أعظم األمثلة في جبر الخواطر ،حينما جاءه فقراء
ومو َن ِ ُّ
ص ُ ورُ ،ي َصلو َن كما ُن َصِّليَ ،وَي ُ
ُج ِ الدثُ ِ
ور باأل ُ َه ُل ُّ
أْ المهاجرين وقالوا له :يا رسول هللاَ " ،ذ َه َب
َّللا َل ُك ْم
قد َج َع َل َّ ُ
وسلم) :أ ََو ْ
َ فقال لهم (صلي هللا عليه َم َوالِ ِه ْم، صومَ ،وَي َت َصَّد ُقو َن ب ُف ُ ِ
ضول أ ْ كما َن ُ ُ
يح ٍة َص َد َقةَ ،وُك ِِّل َت ْك ِب َيرٍة َص َد َقةَ ،وُك ِِّل َت ْح ِم َ
يد ٍة َص َد َقةَ ،وُك ِِّل َت ْهلِيَل ٍة بك ِِّل َت ْس ِب َ
إن ُصَّد ُقو َن؟ َّ
ما َت َّ
عروف َص َد َقةٌَ ،وَن ْه ٌي عن ُمْن َك ٍر َص َد َق ٌة"... ص َد َقة ،وأَمر بالم ِ
َ ٌْ َ َ
والمتأمل في الشريعة اإلسالمية بجد أنها جاءت بجبر خواطر الناس جميعـًا ،ال سيما الضعفاء
السا ِئ َل َف َال َتْن َهْر﴾ ،أي :طيب خاطرهما،
َما َّ
يم َف َال َت ْق َهْر َوأ َّ منهم ،حيث يقول تعاليَ ﴿ :فأ َّ ِ
َما اْلَيت َ
رزقون ِإال بضعفائكم" ويقول نصرون ُ
وت َ وأحسن إليهما ،ويقول نبينا (صلي هللا عليه وسلم)" :هل ُت َ
بالسَّباب َة والوسطى" ،ويقول
أشار َّ (صلي هللا عليه وسلم)" :أنا وكافل اليتيمِ في َّ ِ
الجنة هكذا -و َ َ ُ
أو ِ
القائمِ بيل َّ ِ
َّللاِ ، جاه ِد في س ِ
ين ،كاْلم ِ اعي عَلى األرمَل ِة و ِ
الم ْس ِك ِ الس ِ
(صلي هللا عليه وسلم)" َّ :
َ ُ َْ
هار". الص ِائمِ َّ
الن َ َّ
اللْي َل َّ
()3
األعمال أن ُت ْد ِخ َل على
ِ "أفضل
ُ وحين سئل (صلي هللا عليه وسلم) :أي األعمال أفضل؟ قال:
َح ُّب ِ ِ
عنه َدينا ،أو ُت ْطع َم ُه ُخب از" ،وقال (صلي هللا عليه وسلم)" :أ َ
تقضي ُ َ
المؤمن ُسرو ار أو أخيك
َ
ف مسلمَ ،ت ِ وجل سرور ُت ِ األعمال إلى ِ
هللا َّ ِ ِ ِ ِ
كش ُ ٍ دخُله على ٌ عز َّ َح ُّب
للناس ،وأ َ أنفعهم
الناس إلى هللا ُ
لي
َح ُّب إ َّ ِ
أخ في حاجةٍ؛ أ َ
أمشي مع ٍ
َ
َن
طرُد عنه جوعا ،وأل ْ
عنه ُكربة ،أو تقضي عنه َد ْينا ،أو َت ُ
شهر".
ا ِ
المدينة مسجد ِ
المسجد يعني ف في هذا من أن ِ
َ اعتك َ
***
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على خاتم األنبياء والمرسلين ،سيدنا محمد (صلي هللا
عليه وسلم) ،وعلى وصحبه أجمعين.
ال شك أن جبر الخاطر قيمة أخالقية تمتد لتشمل التكافل بين المجتمع كله ،فاإلسالم ال يعرف
األنانية أو السلبية ،وإنما يعرف اإلخاء الصادق ،ومراعاة مشاعر الناس ،وجبر خواطرهم ،حيث
الجس ِد
مثل َ
ِ
احم ِهم ،وتعاطُف ِه ْمُ .
وتر ِ ِ
"مثل المؤمنين في َتو ِّادهمُ ََ ،يقول نبينا (صلي هللا عليه وسلم)ُ :
بالس َه ِر واْل ُح َّمى" ويقول (صلي هللا عليه وسلم): الجس ِد َّ
َ
تداعى َله ِ
سائُر عضو َ َ ُ ٌ اشتكى مْن ُه
َ إذا
كان َل ُه َف ْض ٌل ِمن َاز ٍد َفْلَي ُع ْد ِب ِه هر َفْلَي ُع ْد ِب ِه َعلى َم ْن ال َ
ظ ْهَر َل ُهَ ،و َمن َ ظ ٍان َم َع ُه َف ْض ُل َ
"م ْن َك َ
َ
َعَلى َمن ال َزَاد َل ُه".
علي أننا نؤكد أن جبر الخاطر كما يكون بالفعل ،فقد يكون بكلمة حسنة ،أو بدعاء صادق ،أو
تح ِقَر َّن من
بنصيحة خالصة ،أو بابتسامة طيبة ،حيث يقول نبينا (صلي هللا عليه وسلم)" :ال ْ
بوج ٍه طْل ٍق" ،أي :مبتسم مستبشر ،كما نؤكد أن جبر الخاطر ِ
أخاك ْ
َ أن تْلَقى
ولو ْ
شيئاْ ،
المعروف ْ
ُ
له تأثير عظيم في تأليف القلوب ،ووحدة الصف ،وترابط المجتمع.
اللهم ارزقنا فعل اخلريات وجرب اخلواطر