جامعة الجزائر2 -أبو القاسم سعد
الله-
كلية اللغة العربية وآدابها واللغات الشرقية
قسم اللغة العربية وآدابها
بـــطــاقـــة قـــراءة في كــتــاب
" تــشـريــح الـمــرايــا في نـقــد
مـشـروع عـبـد الـعـزيـز حـمــودة "
"" " نــبــيــل مــحــمــد الــصــغــيــر
م ذكرة لنيل شهادة الليسانس في اللغة العربية
و آدابها
تخصص دراسات نقدية
إعداد الطالب:
إشراف األستاذ الدكتور:
-الحسين بن نملة
-د.أبو بكر خالدي
-شهيناز هند شفاعي
السنة الجامعية 2023/2024 :
َٰم ۡح ل ٱ ِهَّلل ٱ ۡس
ِن َّر ِب ِم
ِم ي ِح َّر ٱل
{.ا ۡقَر ۡأِبٱ ۡسِم َر ِّبَك ٱَّلِذي َخ َلَق ١
َخ َلَق ٱ ۡلِإنَٰس َنِم ۡن َعَلٍق ٢ٱ ۡقَر ۡأ َوَر ُّبَك ٱ ۡلَأ ۡكَر ُم ٣ٱَّلِذي
َعَّلَم ِبٱ ۡلَقَلِم َ٤عَّلَم ٱ ۡلِإنَٰس َن َما َل ۡمَي ۡعَل ۡم }٥
سورة العلق /اآلية من 01إلى 05
اإلهداء
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،الحمد لله سابغ النعم و الهادي إلى
صراط السوى
و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين
إلى من جعل الجنة تحت أقدامها ...إلى التي حملتني وهن على وهن جنينا و
سقتني لبن التوحيد مع األخالق رضيًعا و علمتني صغيًر ا و أرفقتني بدعائها كبيًر ا
إلى { أمي العزيزة }
إلى من كَلَل العرق جبينه و إلى من حلم بأن يراني رجًال ناضًج ا { أبي
العزيز }
حفظهما الله
إلى من شملوني بالعطف ،و أمدوني بالعون ،و حفزوني للتقدم { إخوتي و
أخواتي }
إلى كل من عملني حرفًا ،و أخذ بيدي في سبيل تحصيل العلم ،و المعرفة
إليهم جميًعا ،و أهدي ثمرة جهدي ،و إنتاج بحثي المتواضع ،إلى جميع
أصدقائي و أحبتي
الحسين بن نملة
اإلهداء
الحمد الله و كفى على الحبيب المصطفى و اهله و من وفى اما بعد :
لحمد لله الذي وفقنا لتثمين هذه الخطوة في مسيرتنا الدراسية بمذكرتنا هذه
ثمرة الجهد و النجاح بفضله تعالى مهداة الى { الوالدين الكريمين }
حفظهما الله و اداهما نورا لدربي
لكل العائلة الكريمة التي ساندتني و ال تزال من اخوة األخوات الى رفيقات
المشوار الالتي قسمنا لحظاتي رعاهم الله
الى كل قسم اللغة العربية و آدابها جميع دفعة 2024
جامعة قاسم سعد الله الجزائر
الى كل من كان لهم اثر على حياتي الى كل من أحبهم قلبي و نسيم قلمي
هند شهيناز شفاعي
شكر وتقدير
الحمد لله الذي ال يبلغ مدحه القائلون وال يحصى نعماه و العادون ،وال
يؤدي حقه المجتهدون
الحمد لله عز وجل على لطفه و عونه ،أن أكرمنا إلتمام هذه الدراسة فليس
عندنا شيء ،وال منا شيء ،فالفضل و المنة و الحمد لله وحده القائل في كتابه
العزيز
{ َو ِإْذ َتَأَّذَن َر ُّبُكْم َلِئن َش َكْر ُتْم }
و صلى الله على النبي المبعوث رحمة للعالمين محمد ابن عبد الله القائل
" من لم يشكر الناس فلم يشكر الله "
في البداية يطيب لنا أن نتقدم بجزيل الشكر و العرفان إلى من شرفنا بمتابعة
هذه الدراسة و كانت توصياته بمثابة النور الذي اهتدينا به إلتمامها
أستاذي الفاضل الدكتور " أبو بكر خالدي "
مقدمة
الـمـقــدمــة
بسم الله الــرحمن الــرحيم و الصــالة والسالم على اشــرف
المرسلين ،عرفت الدراسات النقدية عدة مشــاريع و اجتهــادات ســواء
في القضــايا النقديــة ،وفي مناهج و مشــاريع التحليــل الخطــابي .نجــد
العديد من الكتب منهــا :كتب جــابر عصــفور ،كتب محمد منظــور،كتب
الجابري و كتب عبد العزيز حمودة (المرايا المحدبة ،المرايــا المقعــرة ،
الخروج من التيه).
و العديد من الكتب الكاملة التي تحمل نفس المنوال نجد كتــاب نبيــل
محمد صغير تحت عنوان " تشريح المرايا في نقد مشروع عبد
العزيز حمودة " لتكون موضوع لدراستنا نظــرا ألهميــة مقاربة نقد
النقد الــذي يكمن في المشــاريع النقديــة فهــذا المشــروع يجمع ثالثــة
اعمال للناقد عبد العزيز حمودة مما دفعنا الى اختيار هذا الموضوع ،
ان اهم ســبب الــذي دفعنا لمثــل هــذه الدراســة هــو اننا من ضــمن
التخصــص النقدي ،وهــو من المشــاريع الــتي ي تتميز بقلة األبحــاث
والدراســات الــتي تتناول موضــوع " نقــد النقــد " و أيضــا الجــانب
المعرفي و النقدي الذي قدمه عبد العزيز حمودة في كتبـه الثالث الـتي
تعتبر من اهم المشاريع الكاملة النقدية .تمكن اهمية دراستنا ذات قيمة
نقدية الـتي تحمل معلومات جوهريـة الـتي ترغبنا دائما للكشـف عن
موضوعات نقدية مختلفــة ،فاإلشــكالية الرئيسية ما هي خطابات نقد
النقد؟و ما عالقتها بعبد العزيز حمودة ؟
ويمكننا الذهاب الى اشكاليات فرعية نذكر منها:
• ما دور المرجعيــات النقديــة و الفكريــة في تأسيسها لخطــاب نقد
النقد؟
• هل كان لحمودة الفرصة للقيام بمشروع كامل في نقد النقد؟
• ما هي المواضيع ذات صلة مباشرة بنقد النقد ؟
• ما الدافع الذي دفع حمودة للتأسيس بديل نقدي؟
• ما مدى أهمية الــتراث البالغي و النقدي و اللغــوي في فهم و تفكــير
حمودة؟
الـمـقــدمــة
و في سبيل تحقيق األهداف المذكورة أعاله ،قمنا بتطوير خطــة بحثيــة
منظمة تتضمن العناصر التالية :مقدمة – الفصل األول – الفصل الثاني
–– خاتمة -
قسمنا البحث إلى مقدمة عرفت فيهــا بالموضــوع ودوافــع اختيارنــا لــه
وطرح لإلشكالية وتحديد المنهج المتبع
منتقلين إلى الفصل األول الــذي ســميناه " آليــات القــراءة والفهم
في سجاالت خطاب نقد النقد " وضم هو اآلخر خمسة مباحث :
• أوال :قراءة في الجنوح إلى التبسيط /ضــد الغموض والتعقيــد في
النقد المعاصر
• ثانيا :قراءة في االعتراض على القصور المنهجي لدى يمنى العيد
• ثالثا :قراءة في االعتراض على علمية اللغة الواصفة لدى كمال أبي
ديب
• رابعا :قراءة في االعتراض على شكلنة النقد لدى الهدى وصفي
• خامسا :قراءة في االعتراض على طبيعة القطيعة مع التراث النقدي
لدى جابر عصفور
في الفصــل الثــاني فقد عنون " البدائل النظريــة والنقديــة في
مراجعات نقد النقد " و يضم هو أيضا أربعة مباحث وهي :
• أوال :قراءة في مسوغات تأسيس البديل النقدي وحيثياته
• ثانيا :قراءة في مفهوم النظرية عند عبد العزيــز حمودة وامتــداداتها
المعرفية
-في مفهوم النظرية عند عبد العزيز حمودة
-االمتدادات والتحّيزات المعرفية للنظرية النقدية البديلة
• ثالثا :قراءة في إواليات النظرية اللغوية العربية
-نظام اللسان العربي ونظرية النظم أية عالقة؟
-معــالم نظريــة أفعــال الكالم لــدى الجرجــاني /نحــو تجــاوز النظــرة
النسقي
الـمـقــدمــة
• رابعا :قراءة في إواليات النظرية األدبية العربية
-األدب بوصفه محاكاة لغوية
-اإلبداع بوصفه تغريبا لغويا
-قضية الصدق والكذب بوصفها مؤطرا شعريا
-السرقات األدبية بوصفها تناصا
-الشكل والمضمون بوصفهما داخال وخارجا
و لقد اعتمدنا في دراستنا التي قادتنا إلى االســتعانة بالمناهج خالل
قيامنا بالبحث ،ذلك ألن المنهج يعــد مساعًدا و عوًن ا لنا على تمحيص
الظاهرة المدروسة ،و قد تم اللجوء
إلى بعض آليات المنهج البنيوي المقارن حيث كانت مقاربة نصية تعتمد
على " نقد النقد " لدراسة المقوالت و المقارنة بينها و كذلك نقدها في
حد ذاتها ،في ذلك على آليتي الوصف و التحليل التي تعمد إلى وصف
الظاهرة المدروسة وصــفا دقيقا ،ثم تحليلهــا وفقا لما يخــدم طبيعــة
الموضوع
و دراستنا لكتاب " تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة "
كانت األولى التي تمت دراسة كتــاب الــدكتور الجزائــري " نبيــل محمد
الصغير "
و في إطـــار بحثنا ،اســـتندنا إلى ثـــروة من المراجـــع والمصـــادر
المتنوعة ،التي شملت بين القديم الذي ال غنى عنه ،وكــذلك األدبيــات
الحديثة والمعاصرة ،بما في ذلك تلك المترجمة ومن بينها نبرز :
" صالح فضل -مناهج النقد المعاصــر " " /محمد الــدغمومي – نقد
النقد و تنظير النقد العــربي المعاصــر " " /حفناوي بعلي – قــراءة في
نصوص الحداثة و ما بعد الحداثة "
" عبد القاهر الجرجاني – دالئل االعجاز " " /كمال أبو ديب – مقدمة
جدلية الخفاء و التجلي " " /جابر عصفور – قراءة التراث النقدي "
ولعل من أهم التحديات والصعوبات التي واجهتنا في إنجاز هذا البحث ،
قلة الدراسات النقدية الخاص بـ " نبيل محمد صــغير " ،وعدم وجــود
كتابه " تشريح المرايا في نقد مشروع عبــد العزيــز حمودة " إلكترونيــا
الـمـقــدمــة
وصــعوبة تصــفح وقــراءة وتوثيــق الكتب المحملة إلكترونيــا ،الــتي
استنزفت منا الجهد الكثير وأعاقتنا عن السير والتقدم في إنجاز البحث
و ختمنا البحث بخاتمة جمعنا فيهــا أهم النتــائج الــتي توصــلنا إليهــا،
وأدرجنا ملحقا تضمن التعريف بالمؤلف " نبيل محمد صــغير ،ودراســة
وصــفية لكتــاب " تشــريح المرايــا " ،وذيلت البحث بقائمة المصــادر
والمراجع وفهرس الموضوعا
11
الفصل األول :آليات
القراءة والفهم في سجالت
خطاب نقد النقد
الفصل األول :
آليات القراءة والفهم في سجالت
خطاب نقد النقد
أوال :قراءة في الجنوح إلى
التبسيط /ضد الغموض و التعقيد في
النقد المعاصر
ثانيا :قراءة في االعتراض على
القصور المنهجي لدى يمنى العيد
ثالثا :قراءة في االعتراض على علمية
اللغة الواصفة لدى كمال ديب
رابعا :قراءة في االعتراض على
شكلنة النقد لدى هدى وصفي
خامسا :قراءة في االعتراض على
طبيعة القطيعة مع التراث النقدي لدى
جابر عصفور
13
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
الفصل األول :آليات القراءة والفهم في ســجالت
خطاب نقد النقد
يتحدث الكاتب في هذا الفصل عن اآلليات المناسبة لقراءة
خطاب نقدي ،فقسم الفصل إلى خمس مبــاحث ،يتحــدث فيهم
عن طريقة قراءة حمودة لمعاصريه.
أوال :قــراءة في الجنــوح إلى التبســيط ضــد الغمــوض
والتعقيد في النقد المعاصر.
تناول في هذا المبحث قضية التبسيط والغموض في النقد
المعاصر ،حيث وجــد أن هــذه القضــية قــد مارســها حمودة في
معظم كتاباتــه النقديــة ،وقــد اعتبرهــا خطيئــة في حق البحث
النقدي ،لكنه هو نفسه يستعملها بحجة مخالفة المحدثين ،حيث
يقول " :لقد أعمانــا هــذا الــبريق عن حقائق كثــيرة ،أبرزهــا
المراوغة المقصودة والغموض المتعمد ،مما جعــل الحداثــة في
نهاية األمر ،ناديا لنخبة النخبة .ومن ثم تعمدت التبسيط الشديد
في محاولة لفك طالسم المصطلح النقدي ،والشــفرة الفكريــة
1
والنقدية للمشروع البنيوي واستراتيجية التفكيك".
فقد كــان يبسط المعلومات قــدر المستطاع ،آخذا إزالــة
الغموض كذريعــة لتبسيطه ،لكن ميزة الخطــاب النقدي هي
الغموض ،هذا ما ال يتوافق مع عبد السالم المسدي ،فــالغموض
يعد مبحثا مهما من مباحث الــدرس األدبي" ،إذ أنــه دليــل على:
1نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،منشورات
االختالف ،الجزائر ،ط ،2015 ،1ص.97
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
قصور الفهم عن إدراك المعاني ،لدقتها وصعوبتها في ذاتهــا ،أو
لتعقيد األلفاظ والتراكيب وبذلك فإن للغموض أكــثر من جــانب:
فالجــانب الــذاتي يمكن أن يرتبــط بعلم اللغــة النفسي ،أما
الجانب الموضـوعي فيرتبـط باللغـة واألنساق المعرفيـة ذاتهـا،
وبذلك يعــد وثيــق الصــلة بعلم الداللــة 1".فقد حاول حمودة
تبسيط المفاهيم الفلسفية ،وأنا أرى أن التبسيط يساعد القارئ
على الفهم ،ووضـــوح المعـــاني تسهل وصـــولها إلى المتلقي،
فالتبسيط ال يعني السطحية ،وإنما األمر بالطريقة الـتي تقدم
بها.
وقد اختلف حمودة مع عبــد السالم المسدي ،في مسألة
الغموض ،لكنهم اتفقوا في قضية الناقد ،فهو حسبهما الصــوت
الــذي يحكي ويحــاكي" ،وفي النقد المعاصــر أصــبح الغموض
إشكالية كبيرة إلى الحد الذي أطلق عليها أحد الكتاب (غطرسة
لغويـة) ،حتى أن النقد أصــبح بحاجــة إلى حقل معــرفي آخر
يوضح مراميــه و مقاصــده ،وأصــبح من الــوارد أن يؤلــف كتــاب
2
لتوضيح مقاصد کتاب آخر ،مثلما هو حاصل مع رواد الحداثــة".
وهــذا ما أراد حمودة الكشــف عنه ،أي الكشــف عن آليــات
التفكيك "،ألن عملية التفكيك ترتبــط أساســا بقراءة النصــوص
وتأمل كيفية إنتاجها للمعـاني وما تحمله بعـد ذلـك من تناقض
فهي تعتمد على حتمية النص وتفكيكه ،ومن ثم فإن مقاربتنا لها
ال يمكن أن تكون عن طريــق قــراءة نص النقد فحسب وإنما
باستعراض بعض المشاهد األساسية في أبيات التفكيك وتأملهــا
1علي حسين يوسف ،النقد العربي المعاصر دراسة في المنهج واإلجراء ،الدار المنهجية،
عمان ،ط،2016 ،1ص.123
المرجع نفسه ،ص.123 2
15
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
1
حمودة حاول الكشف عن غموض الخطــاب، والتعليق عليها".
وإظهار التناقضات التي وقع فيها الحداثيون ،وقــد بذل حمودة
جهدا كبيرا في إثبـات حقيقة الحداثـة فقدم نماذج المحـدثين،
وأراد الكشف عن أسباب فشلها ،ونقدها مبرزا عوراتها
كما نجد أن حمودة في كتاباتــه األولى يخلط بين مفهــومي
الحداثة وما بعـد الحداثـة" ،فالحداثـة في النقد سـؤال معـرفي
باألساس ،ألنه يأتي بعد حداثة اإلبداع األدبي وخارجهــا ،مترجما
بمفاهيم ومقوالت يراد من خاللها بيان كيفيــة فهم األدب كــأفق
مغاير لما كان سائدا ومقبوال ،من أجــل إثبــات نص آخر ومنحــه
سلطة تزعزع هذا الذي كان أو هو كــائن .أما في اإلبداع ،فهـو
سؤال غــير مطــروح إال بوصــفه بحثــا عن مغــامرة غــير محــددة
2
األفق كسؤال تجريبي يفرض نفسه باستمرار على األدب".
إن تــاريخ حمودة للحداثــة ملئ بالصــدمات ،وتجليــات هــذه
األخيرة معه على الساحة النقديـة مليئـة باألزمات والتناقضـات
فبين ضياع للهويــة وطريــق مسدود ،إعجــاب وتماه أو احتقار
وقطيعــة ال يــتردد بعض الحــداثيين العــرب في إظهــاره تــارة
وإخفاءه تارة أخرى ،يقول حمودة" :مع نهايــة القرن التاســع
عشر وبداية القرن العشرين كــانت جميــع الخطــوط تشــير إلى
اتجاه واحد هو تبني (النموذج األوروبي) أساســا للتحــديث ولقد
ارتبطت الرغبة القوية في التحديث في مواجهة اآلخر األوروبي
بشعور بالدونية ،سواء أكان ذلك في بداية االتجاه إلى أوروبا أو
في محطته األخيرة بعــد هزيمة 1967هناك كــانت "الخديعــة
1د .صالح فضل ،مناهج النقد المعاصر ،مكتبة الروضة ،القاهرة ،ط ،2002 ،1ص.133
2محمد الدغمومي ،نقد النقد وتنظير النقد العربي المعاصر ،منشورات كلية اآلداب
بالرباط ،ط ،1999 ،1ص.283
16
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
الكبرى ".حينما وجهوا الرغبـة الشـعبية في التحـديث في اتحـاد
1
الحداثة.
إن كلمة ما بعد الحداثة Postmodernismتشــير عموما
إلى نوع الثقافة المعاصرة ،وما بعد الحداثة هو نوع من الثقافــة
بعكس بعض التغييرات البعيدة المدى بأســلوب فــني ســطحي،
غير شمولي ،وبال ركيزة ،فهو أسلوب لعوب ،ومشــتق ومتعــدد،
وانتقائي يطمس الحــدود الــتي تفصــل بين الثقافــة العاليــة
والثقافــة الشــعبية ،وأيضــا بين الفن ،وتجــارب الحيــاة اليوميــة،
ولكن مدى سيطرة هذه الثقافة وشمولها هل اكتسحت الحيــاة
الساحة ،أم هي تشـــغل مساحة معينة فقط من الحيـــاة
2
المعاصرة -مازال موضعا للنقاش".
فهو يرى أن الحداثة وما بعد الحداثــة مصــطلحان مرتبطــان
بمسألة التعقيــد ،وعليــه فــإن هــذا المصــطلح بظــل كغــيره من
المصطلحات الغربية المعاصرة المتسمة بالغموض ،والمراوغــة
وهو في هذه الصفة ال يختلف عن سابقة ،الحداثة الذي كان لنا
معه رحلة في موضع آخر من بحثنا ،غير أن أغرب ما عرف عنه
فبعد انتهائه من مهاجمة باقي النظريات السابقة له والمحــاورة
لــه زمنيــا هــاجم نفسه ولكن ما بعــد الحداثــة عندما ســحب
السعادة من تحت أقدام أعدائــه قــد وجــد نفسه يسحب أيضــا
السجادة من تحت أقدامه هــو نفسه .ونجــده يسوق المنهج
البنيوي الحداثي ،مساق إســتراتيجية التفكيــك ،والتعقيــد كــامن
فيهما بالطريقة نفسها " ،حيث من الوجهـــة المعرفيـــة أن
1عبد العزيز حمودة ،المرايا المقعرة ،ص.25
2تيري ايجلتون ،أوهام ما بعد الحداثة ،ترمي اسالم ،مركو اللغات والترجمة ،أكاديية
الفنون ،القاهرة ،ص.8-7
17
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
التفكيك انبثق من داخل البنيوية نفسها كنقد لهــا ،وانصــب على
مشكالت المعنى وتناقضاته ليزعزع فكرة البنية الثابتة وليضــعها
-وهذا هو أثره المباشر في العلم اإلنساني خاصــة وفي الفكــر
والثقافة واألدب -بين قوسين ،أي ليبرهن على طبيعة التناقض
المعــرفي بين النص واإلســاءات الضــرورية الــتي تحــدث في
القراءة .وإذا كــان روالت بارت" في الستينات هــو الــذي بدأ
حركــة التفكيــك .ولم تكتمل معــالم البنيويــة حينئــذ -بطريقتــه
الحادة الالذعة في إثارة األسئلة ومقارنة التصورات من جــوانب
كثــيرة للكشــف عن تعــدد المعــاني واختالفهــا 1".إال أن بعض
الباحثين رأوا أن الفكر البنيوي ال يتسم بتلك السمة.
فــإذا كــان النقد البــنيوي معقدا ،فالنقد التفكيكي صــعب
الفهم ،والفــرق بينهما كبــير ،لــك ينتبــه لــه حمودة حين دمج
بينهما ،يقول محمد سالم سعد الله" :في البدء يمكن القول أن
هناك استحالة دائمة للتحديد الدقيق للتفكيك وإلجراءاته النقدية
ألنهــا في صــيرورة دائمة ومتحركــة مع الطــرح السياســي
واالقتصـــادي واالجتماعي المتحـــول دائما ،وبالرغم من أن
2
التفكيـك ال يفقد شـيئا من خصوصـيته إذا قيـل باسـتحالة تحديـده"
أي لم يكن ذلك الغموض ضروري في كينونته ،والم يكن للنقاد
العــرب أي دخل في ذلــك التعقيــد .فــأهم دور في إســتراتيجية
التفكيك هـو دوال القارئ وليس المؤلـف أو العالمة أو النسق،
فالقارئ فقط من يستطيع أن يحــدث عنده المعــنى ويحدثــه،
فمن دونه ال يوجد نص أو عالمة أو لغة أو مؤلف.
صالح فضل ،مناهج النقد المعاصر ،ص.133 1
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص.101 2
18
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
ترتبط النزعة التبسيطية عند حمودة بموقف في المشــروع
البنيوي ،الــذي انشــغل بآليــة تحقق الداللــة ،بسبب المشــروع
السويسري الـذي اهتم باللسان وأهمل الكالم ،وعيـد حمودة
ويؤكد أن المنهج البنيوي مقام إستراتيجية التفكيــك ،ألن الفكــر
البنيوي لم يعتمد على الغموض ،أما التفكيكي ،فقد اســتند على
الغموض في منشئه ،وتحول إلى فكر غامض ،أما السبب الــذي
دفع بحمودة إلى التبسيط ،هو العجز عن التعامل مع الدراسات
البنيوية وفهم أهدافها .وهذا اعتراف منه على عدم قدرتــه على
فهم النقد العربي المتأثر بالغربيين.
ثانيا :قراءة في االعتراض على القصور المنهجي
لدي يمنى العيد.
يمنى العيد اسمها الحقيقي " حكمت صــباغ الخطيب " ،من
عائلة المجــذوب المعروفــة بأصــولها المغاربيــة ،والصــباغ لقب
مضاف ،يجد سببه في مهنة الجدود .وبعـد الـزواج صـارت من
عائلة الخطيب ،وهي من جبال الشوف في لبنان .أما " يمنى
1
العيد ،فهي اسم مستعار ،تكتب وتنشر تحته
وقــد "خطت الناقــدة " يمنى العيــد " خطــوات واعدة في
تحويــل النقد إلى قــراءة ،يتجلى ذلــك في قراءتهــا للروايــة
العربية خاصة .عرفت أيضا النقد بأنــه ممارســة ،النقد األدبي
هو شغل على النصوص ،وهــو بذلك ممارســة ،وقــد اختــارت -
منذ بداية مشروعها النقدي -الممارسة صفة للنقد ،مبتغية بهــا
الدخول إلى عالم النص األدبي ،وسبر أغواره إلنتاج معرفة به ،
حفناوي بعلي ،قراءة في نصوص الحداثة وما بعد الحداثة،ص.114 1
19
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
1
وأثناء قراءة فالممارسة إعادة إنتاج لما أنتج ،أي إبداع ثان ".
حمودة للمنهج البنيوي لدى يمنى العيــد ،اكتشــف خروجهــا عن
مبادئ المشروع البنيوي القائل بأن باســتقاللية العالمة عن أي
عالقات مادية خارج النص ،لكن يمنى العيد نحت منحى البنيويــة
الغولدمانيــة ،أي البنيويــة التكوينيــة فتقول أن النص ليس داخال
معزوال عن خارجه ،فــالنص بالنسبة لهــا يجب أن يكــون إعادة
انتاج لوقائع جديــدة ،فالبنيويــة التكوينيــة تجعــل الــداخل خارجــا
والخارج داخال ،فقد كانت تسعى إلى دمج الفكر البنيوي بالفكر
الواقعي لفهم خطاب الرواية.
والهدف من تحليل نص يمنى العيد هــو إثبــات فكــرة نقديــة
مفادها االبتعاد عن االنتقائية والتجزيئية في خطــاب نقد النقد،
وقد تــردد هــذا المصــطلح "نقد النقد في عدد من الخطابات
النقديــة و«التنظيريــة» خالل العقود الخمسة السابقة ،ودل
تردده على إرهاصات والدة وعي جديد ،يسعى إلى التفريق بين
«النقد» بصفته موضــوعًا و نقد النقد بصــفته فعًال يختــبر ذلــك
الموضوع ويدرسه وال يقول بوجود تطابق بينهما ...فوجــوده ينم
عن حاجـــــة ملحـــــة إلى المعرفـــــة بالنقد تنصـــــب على
معالجةرالممارســة والتفكــير النقديين بفحصــهما وتصــحيحهما،
وهي حاجــة عبرت عن نفسها بطــرق مختلفــة :بعضــها بقي
سجاال وانتقادا ،وبعضها بقي في حدود اقتراح الخطوات الكفيلة
بتحقيــق نقد النقد ،وبعضــها اســتطاع أن يقترح منهج قــراءة
تجسده عمليا .وهكذا يمكننا أن ندعي أن مفهــوم «نقد النقد»
إلى يومنا هذا ما زال مفهوما» يشيد ويبنى فهــو في بدء األمر
حفناوي بعلي ،قراءة في نصوص الحداثة وما بعد الحداثة،ص.114 1
20
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
وغايته مثل كل المفاهيم الــتي لهــا حيــاة تنتقل من التسميات
والتصــورات العامة ،وتمر بمراحل الصــقل واالختبــار قبــل أن
1
تستقر على مدلول اصطالحي مخصص".
وقد كان حمودة يحاول إقناع القارئ بالفــارق الزمني بين
دراسات يمنى العيـد ودراسـات البـنيوي والتفكيكيـةّ ،فقد كـان
مقتنعا باختالف المرجعيــات الفكريــة والفلسفية ،وفي الصــدد
نفسه يستدل بتهــافت مشــروع يمنى العيــد بمحاولتهــا ربط
مصطلح النقد بالنظرية البنيوية ،في عالقــة إســتراتيجية مفادهــا
أن النقد يأخذ من البنيويــة بل ويتخطاهــا في مفهــوم الرؤيــة
التزامنية ،فمشروعها كان تشكيل نظريــة بنيويــة واقعيــة .وقــد
كان من أهم المشاريع النقدية العربية ،وإن كان دمجها لبعض
الجزيئات متعارض مع الخلفيات الفلسفية ،لكنها حاولت المزج
بين بنيوية بارت وسوسير ،حيث أكــدت في بعض المواقــع على
قصــور الــوعي النقدي البــنيوي ،في التعامل مع الخطابات
المفتوحة .وفي أماكن أخرى يعيب عليهــا حمودة في قصــورها
في تأصــيل ونسب بعض المقوالت إلى التيــار التفكيكي ،وقــد
تفحص نبيــل الصــغير بعض نصــوص يمنى العيــد محــاوال فهم
حمودة في نقده لها ،فوجد ما يناقض تأكيده ،فقد كــان حمودة
يضــخم القضــايا الــتي تطرحهــا يمنى العيــد ويتهمهــا بممارســة
التفكيك على النصوص .وقد موضعها في إطـار التوجـه البـنيوي
وحكم عليهــا ببعض األحكــام الجــاهزة والجزافيــة ،دون تحليــل
وفهم معمق ألعمالها.
محمد الدغمومي ،نقد النقد ،ص.113 1
21
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
وقــد ســببت فوضــى التفكيــك أزمة لم تقتصــر على النقد
األدبي فقط التمتد إلى األدب نفسه" ،مما الشــك فيــه أن كال
من النظريــــة واألدب ،ناهيــــك عن البيــــداغوجيا والممارســــة
واألقسام واألنظمة ،تعاني أزمة -لكن جـذور األزمة تكمن في
النقد -وجذور ذلك النقد هي النظرية -ليست نظرية واحدة بل
مهرجانا من النظريات -وقد قام الهوارد فلبين مؤخرا بتوجيــه
إصبع االتهام إلى التفكيكيين باعتبــارهم ســبب األزمة الواســعة
1
في بيت الدراسات األدبية .
وقــد تساءل الكــاتب عن اعتراض حمودة ليمنى العيــد
ومحاكمتها ،رغم أنه أيضا لم يقدم قراءات تحليلية لبعض أعمال
يمنى العيد بل اكتفى باالعتراض عليها ،ولم يضف أي جديد إليها
باســتثناء النقد ،محــاوال تطــبيق المنهج المادي التجريــبي على
األدب .ونجد أن الكاتب قد أكــد على أن حمودة وقــع في عدة
مغاليط ، ،وأول غلط كان بأنــه يعــترف بطــول النص ،لكنه لــك
يحلله ،والثاني هو التصــرف في القصــيدة ،والثــالث هــو قراءتــه
للنص دون التفاتة نقدية .هنا يتساءل الكاتب عن مدى أصــحية
نقد حمودة ليمنى العيد،
"ميزت " يمنى العيــد " بين النص النقدي والنص األدبي ،على
اعتبار الثاني موضوعا لألول ،ومن منطلق عدم الموازنــة أو التماهي
بين النصين " ،إذ علينا أن نميز بين معرفــة الشـيء ،وبين الشـيء
نفسه إن معرفة األدب ( النص النقدي ) ،ليست هي األدب ) النص
األدبي ) .إن معادلة فعل المعرفة باألدب ،بفعــل تكــون األدب ،هــو
نفى الــزمن التكــون التــاريخي لألدب ،وهــو في الــوقت نفسه نفي
عبد العزيز حمودة ،المرايا المحدبة ،ص.254 1
22
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
اإلمكانية تحقيق فعل القراءة ذاتــه 2".كما تؤكــد على عمليــة المنهج
ويظهـر ذلـك عندما تبـدأ بالكشـف عن بناء القصـيدة ،كما حاولت
اكتشاف التكرار الذي يحصل على مستوى القصيدة،
وكانت تعرف البنيوية على أنها دراسة لعناصر الداخل لكنها
تخالف ذلك عندما تربط الخارج بالداخل ،لكن حمودة يرى بعدم
وجوب الخروج عن النموذج البنيوي الغربي ،وإنما يجب تطبيقه
بحذافيره ،وال يتقبل التجاوز فيه ،لذلك اتهمها بالتحيز والتبعيــة،
والحقيقة أنه هو من وقع في التحيز للغرب حسب رأي الكاتب.
يقول حمودة في كتابه" المرايا المقعرة " "إن التفكيكيــة المعاصــرة،
باعتبارها صيغة لنظرية النص والتحليل ،تخرب كل شيء في التقاليــد
تقريبــا ،وتشــكك في األفكــار الموروثــة عن العالمة واللغــة والنص،
والسياق ،والقارئ ،ودور التــاريخ ،وعمليــة التفسير وأشــكال الكتابة
النقدية .وفي هذا المشروع فإن المادي بنهــار ليخــرج شــيئا فظيعــا".
من هذا االستدالل ،نستشف موقفــه من التفكيكيــة والوضــع الــرهيب
الــذي وصــل إليــه النقد بسبب البنيويــة لــيزداد ســوء ،تحت ظالل
التفكيكية التي ال تعترف بأي شيء له عالقــة باألدب ،بل هي معــول
يهدم كل شيء ألنه يعيق عمل الناقد حسب الطرح التفكيكي.
ولم يكن األدب العربي والنقد كذلك معزوال ،عن هــذه الفوضــى فقد
أعجب الحداثيون العرب واقتنعوا بجدوى الحداثــة ،وأنــه البد لهم من
تطبيق المنهج الحداثي وحتى التفكيكي ،من دون أن يعلنوا تحــولهم
عن الحداثة إلى التفكيكية ،ألنهم ال يفرقون بينهما .
حفناوي بعلي ،قراءة في نصوص الحداثة وما بعد الحداثة ،ص.116 2
23
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
ثالثــا :قــراءة في االعــتراض على علميــة اللغــة
الواصفة لدى كمال ديب
كمال ديب الخبير االقتصادي الكندي من أصل لبناني الحائز
على دكتوراه في االقتصاد من جامعــة أوتــاوا -كــارلتون والــذي
يشغل حاليا مركز خبير اقتصادي رئيسي في الحكومة الكنديــة
ورئيس مركــز األبحــاث االجتماعيــة واالقتصــادية والدراســات
الثقافية في كندا والحائز على جائزة رئيس الوزراء الكندي عام
2004والعضو في جمعية االقتصــاديين في كيبيــك وفي جمعيــة
االقتصاديين الكنديين CEAيزور وطنه كلما دعت الحاجــة الى
ذلك حامال في جعبته 8كتب وأكثر من 300دراسة وبحث نشر
معظمها في جريدة النهــار وقــد عالج من خاللهــا أزمة الماليــة
العامة واألنشطة الثقافية .
بدأ لكاتب مبحثه بعدة تساؤالت حول قراءة حمودة لكمال
ديب ،وقد نبه حمودة إلى انتقال العــرب بين مشــاريع الحداثــة
وما بعد الحداثة عن قصد وغير قصد ،لكنه لم يقدم دليال حول
ذلك ،وقد أبدى إعجابه بقراءة أبي ديب لعبــد العزيــز المقالح،
فهو يبدى إعجابه بتسرع دون العودة إلى المؤلفات والمتون.
نفى كمال ديب تأثره وإتباعه للنقد البــنيوي األوروبي فقد
تجاوز ذلك بكثير ،فإنجازه الرئيسي هــو التركــيز المطلق على
التجربة والرؤية اإلنسانية ،وقد ذكر لــك في عدة ســياقات أنــه
يتفرد بمنهجه عن األوروبيين حيث يقول" :لم تكن البنيويــة في
النقد شيئا يشغل الناس أو موضع حديث الدارســين ...ولم يكن
البنيويون الفرنسيون أمثال تودوروف وبارت أسماء مألوفة في
24
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
المجال الثقافي الذي كنت أعمل فيه ...هكذا كان عملي وعمل
باحثين آخرين على تطوير منهج بنيوي في دراســة األدب يتمان
في خطين متوازيين دون احتكاك بينهما" 1وهذا الكالم فيه نـــوع
من المبالغة ،إذ ال يمكن اإلغفال عن أســماء مثــل جــون كــوهن
وجــون بياجيــه ،فقد كــان لهم الفضــل في القراءة البنيويــة
للخطاب الشعري ،وقد حاول حمودة إلصاق تهمة التــأثر بمنهج
بنيوي آخر ،وهذا يمكن االعتراض عليه ألنــه كمال أبي ديب قــد
صــرح باســتفادته من بعض االتجاهــات والمدارس الفكريــة،
واســتناده على مجموعة من التيــارات الغربيــة ،وال يعتــبر ذلــك
نقيصة في مشروعه النقدي ،ومما اعترض عليــه حمودة أيضــا
هــو تأكيــد كمال أبي ديب على التجربة اإلنسانية ألن الرؤيــة
النقديــة ال تركــز على التجربة اإلنسانية بقدر ما تركــز على
الشــكل اللغــوي والتعبــير المحض .وقــد قــدم لنا الكــاتب بعض
القراءات لكمال أبي ديب حول القصائد والمعلقات ،حيث حاول
أبي ديب من خالل تحليــل القصــائد تحديــد بعض المصــطلحات
واإلتيان بالجديد ،وانطلق في تحليله لقصــيد لبيــد بن أبي ربيعــة
من تحديــد مجموعة من الحركــات واألفعــال بمفهــوم بروب
وليفي شـــتراوس ،وقـــد كـــان تركـــيزه على الوظيفـــة ال على
الشخصية ،وقد استفاد كمال أبي ديب من تحليل بروب وأدرك
أن بنيــة القصــيدة وبنيــة الحكايــة لهما الكثــير من الشــبه ،ألن
كالهما تتألفان من وظائف ذات عدد محدود.
وقد أدرك العالقــة بين القصــيدة واألســطورة لكنه نفى أن
القصيدة هي في حد ذاتهــا أســطورة ،ونــرى في بعض تحليالتــه
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص.122 1
25
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
للقصــائد عبر آليــات اســتخرجت للكشــف عن بنيــة األســطورة
وداللتها في القصائد ،خصوصا في الشعر الجاهلي.
ونجد حمودة يكشــف التناقض الواقــع عند كمال أبي ديب
حول تطوير نظرية بنيوية عربيــة في مقاربة الشــعر الجــاهلي،
يعتمد فيهــا على دراســة قــام بهــا فالديمير بروب ،وقــد وجــد
الكاتب أن حمودة قد وفق في هذا النقد ألن كمال أبي ديب لم
يأت بالجديد في بنيويته ويتخالف معه في كون أن هناك عالقــة
بين عمل كمال ومنهج بارت البــنيوي .وعلى الــرغم من التأكيــد
المتكرر من جانب أبو ديب على " أنه يقدم مذهبا بنيويــا عربيــا
أصيال يفوق بكثير جدا ما قدمه الفرنسيون ،فإنــه في أكــثر من
موقع مع تحليله للشـعر الجــاهلي يقترب من التحليــل العــربي
المتفق عليه لتعريف مثلث الحداثة مع تغيــير طفيــف جــدا فهــو
يستبدل التغير في العالقات االجتماعية واإلنسانية الــذي جــاءت
به الحضــارة العربيــة كلمة (الزمان) في رؤيتــه ،وال أظن أن
المسافة الداللية بين (التغير) العربيــة و(الــزمن) عناء أبو ديب
1
كبيرة ،فالزمن هو حامل التغير.
وقـــد عاب حمودة على كمال أبي ديب في اســـتعماله
لمجموعة من البيانــات العدديــة في توضــيح بنيــة الشــعر وفي
اســتعماله لمفهــوم الــزمن الــذي يعتــبر عنده مرتبطــا بالتغير
والثبــات واالســتمرارية .وأيضــا يعيب عليــه اســتعماله للرســم
الهندسي ،فهو يرى أنه ال فائدة له ،ال يساعد على الفهم وإنما
على العقيد أكثر فهو يشبه الطلسم ال الشكل الهندسي.
1عبد العزيز حمودة ،المرايا المحدبة ،من البنيوية إلى التشريحية ،عالم المعرفة ،دط،
الكويت ،1998 ،ص.33
26
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
كما تحدث عن الحداثة لدى كمال أبو ديب كما يقول عبـد
العزيز حمودة ال يمارئ أو يمسك العصا من منتصفها أو يحــاول
تحميل الدعوة للقطيعة بأي دعوة ،وفي هذا يكتب أبو ديب في
كتابه المبكر" :جدلية الخفـاء والتجلي" :بهـذا التصـور واإلصـرار
عليه ،يكــون هــذا الكتــاب طموحا ال إلى فهم عدد محــدود من
النصوص أو الظــواهر في الشــعر والوجــود ،بل أبعــد من ذلــك
بكثـير إلى تغيـير الفكـر العـربي في معاينتـه للثقافــة واإلنسان
والشــعر إلى نقله من فكــر تطغى عليــه الجزئيــة والسطحية
الشخصـــانية إلى فكـــر يـــترعرع في مناخ الرؤيـــة المعقدة
1
المتقصية ،والموضوعية ،والشمولية ،والحذرية في آن واحد.
وعلى غير عادة الكــاتب فقد توافــق مع حمودة في بعض
التحليالت الــتي قــام بهــا في قــراءة كمال أبي ديب ،رغم أن
معالجة حمودة لطرح أبي ديب كانت أحادية الجانب وقد أهمل
ما أضافه كمال أبي ديب إلى الشــعرية العربيــة وإلى القراءات
المعاصرة للعروض والثقافة.
رابعــا :قــراءة في االعــتراض على شــكلنة النقــد
لدى لهدى وصفي
واحدة من أبرز الشخصيات المصرية والعربيــة في مجــاالت
الفكـــر واألدب الـــروائي واألدب المقارن والنقد األكـــاديمي،
وأستاذة جامعية لألدب الفرنسي بكلية اآلداب جامعــة القاهرة،
كمال أبو ديب ،مقدمة جدلية الخفاء والتجلي ،دط ،بيروت ،1997 ،ص.9 1
27
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
والعضو المصري والعربي الوحيد بمنظمة اليونسكو ،بدايــة من
عام 1982وحتى اآلن ،وحاليـــا هي رئيس لجنة المسرح
بالمجلس األعلى للثقافة .أدارت وصفى عدة مسارح مصـرية،
أبرزها المسرح القومي المصري ،ومركز الهناجر للفنون ،أّلفت
أكثر من 75كتابًا أدبي ـًا وفلسفيًا باللغتين العربيــة والفرنسية،
كما حصلت على العديــد من الجــوائز من عدة جهــات ،مصــرية
وغربية وعربية – .الميدالية الفضية للمعهد الدولي للمسرح لما
قام به من جهود داعمة للمهرجان في مختلف دوراتــه ،وقيامه
كذلك بتقديم العديد من التسهيالت دعمًا لفعاليــات المهرجــان
ودوره الثقافي والتنويري.
إن أهم نقطة يعيبها حمودة في هدى وصــفي هي اســتنادها
على العلمية الظاهرية ،أي على مستوى ســطحي بسيط ،وقــد
اعتمد في ذلك على األشكال الهندسية التي يعتبرها غير مفيــدة
ألنها تعقد النص األدبي ،ولعل أهم نقد يوجهه لها هو ربطهــا بين
المغــامرات الوجوديــة واالجتماعيــة وبين المعــادالت الرياضــية،
حيث أنه لم يفهم بعضها ول يجد لها حال .وقد قــدم لنا الكــاتب
بعض األمثلة التي وجد فيهــا حمودة تعقيــدا .فقد صــعب عليــه
إيجاد العالقة بين المعادالت ومضمونات السرد داخل الروايــة،
وقد سعت هدى وصفي لتعليل سبب اســتعمالها للمعــادالت في
التحليل البنيوي في قولها" :إن قراءة الرسم الهندســي تعطينا
فكرة واضــحة عن عناصــر التكتيــك المتشــابكة للنص ،فالروايــة
تبدأ عندما يكون الحديث الرئيسي (الحوار مع العميل ثم األزمة
ثم حلهــا)" 1أي أن االســتعانة باألشــكال الهندســية بهــدف فهم
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص.143-142 1
28
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
بعض العناصر الغامضة .وقد ذكــر الكــاتب بعض األشــكال الــتي
طرحتها هدى وصفي في قراءاتها والتي تدل على التعقيــد أكــثر
من الفهم والشرح ،وقد اعتمدت على البنيويـة والنقد النفسي
الشيء الذي جعل حمودة يجد خالل في توظيفها للبنيوية ،حيث
أن قراءتــه لهــا لم تكن للنص وشــموليته بل كــان يجــزئ النص
النقدي ويأخذ ما يمكن دحضــه .حيث يقول في كتابه" :ال تنفي
هدى وصفي اعتمادها على البنيويــة والنقد النفسي ،بل تؤكــد
على ضرورة الربط بينهما في قولها ،في إطــار تحليلهــا لروايــة
الشحاذ" :وهنا ربما نهجنا بعض التحليالت النفسية التي ترى أن
اإلنسان المعاصر سجين للقلق وأنــه يحــاول محاولــة مستميتة
الفرار من عيشة وجوده وقد يبدو هذا من تأثير سارتر على نحو
ما إن قراءة حمودة االبستيمولوجية لهدى وصفى لم تكن كليــة
في اهتمامها بالنص في كليتــه وشــموليته ،إذ أخذ يجــزئ النص
النقدي ويختار منه ما يمكن أن يوظفــه لــدحض ما تــذهب إليــه
هدى ،وهذا مطب مشترك في نقده لكمال ويمنى العيــد .أما
مسألة الرســومات الهندســية فيمكن النظــر إليهــا من زاويــتين؛
الزاوية األولى :هي القائلة بضرورة ضبط الخطاب الــروائي في
عمليات حسابية تسهل فهم الخطابات الروائيــة الجديــدة .أما
الزاوية الثانية فهي القائلة بضرورة توظيف النقد الغرض تطوير
األدب وتشجيع القراء عليه .وهــذه الزاويــة رافضــة للرســومات
1
والمعادالت ،عكس األولى".
المرجع نفسه ،ص.145 1
29
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
خامســـا :قـــراءة في االعـــتراض على طبيعـــة
القطيعة مع التراث النقدي لدى جابر عصفور
تمحورت قراءة حمودة لجابر عصفور حول مفهوم الحداثــة
والتحديث ،يقول حمودة" :حينما أردت التقاط الخيط من بدايته
محاوال فهم الحداثة ذاتها وهي اللفظـــة الـــــتي أصــبحت الزمة
المثقف العربي في السنوات األخيرة ،والتي أصبح عدم ترديدها
في جميع المحافل والمناسبات األدبية سمة من سمات الجهــل
والتخلف الثقافي 1".ومن هـا الكالم نـرى أن مصـطلح الحداثـة قـد
فهم من منظورات وزوايــا عديــدة ،تتناقض أحيانــا ،وقــد حاول
حمودة رصد المفهوم الدقيق لهذا المصطلح ،واته جابر عصفور
بالتناقض والالتناسق في الطرح ،وفي موضع آخر يقف معجبــا
بتعريفه للحداثة ،الذي تميز بالبساطة حين اســند الحداثــة إلى
محاولــة فهم تعارضــات الــزمن والخــروج من نمطيــة التفكــير
واإلبداع والنقد .فالحداثة عند جــابر هي فهم التعارضــات داخل
الماضي والحاضر.
وقد حاول حمودة اإلتيان بنص آخر يناقض النصوص األخرى
لتعريف الحداثة لدى جابر عصفور ،وينطلق من مفهوم أرسـطو
لإلبداع ،في مناقشته لرأي جابر في الحداثــة الشــعرية الــتي لم
يربطها بالحيز الزمني (القديم/الحديث) ،وهنا يستند على رأي
أرسطو بأن اإلبداع هو محاكاة للواقع ،ليثبت رؤية نقدية عربيـة،
هــا الــذي رفضــه عند أبي ديب وهــدى ويمنى .وكــان ال يكتفي
بمقارنــة مفــاهيم جــابر عصــفور بأطروحات أرســطو بل يعمم
الرؤية إلى معظم النقاد الحداثيين العرب.
نبيل الصغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص.147 1
30
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
ويذهب الكاتب إلى ذكر بعض الحداثيين أمثال طــه حسين،
حيث نفى التشكيك بأعماله ،وتساءل عن عدم اعتراض حمودة
للتوجه النقدي لدى طه حسين.
وقد قدم حمودة نصين متناقضين لجابر عصفور ففي النص
األول كان مقدرا للتراث النقدي ،وفي الثــاني نجــده داعيــا إلى
مقاطعته ،وفي نصوص أخرى نجده يقدم لنا العالقة بين التراث
والذات لــدى الرومنسيين وما يــوازيهم من النقاد التعبــيريين،
ومن هنا فإن رأي نقاد نظريـة التعبـير القائـل بالقطيعـة حاول
حمودة إســقاطه وســحبه عن رأي جــابر في قراءتــه للتراث
النقدي ،وقد قدم لنا جــابر عصــفور عمال آخر يتعامل فيــه مع
التراث من منظــور الــوعي بالحاضــر واإلدراك للوجــود .محــاوال
ربط التراث بالحاضر في إطار التحديث.
ثم إن القطيعــة مع الــتراث العــربي القديم وتقاليــده في
اإلبداع والنقد واســتبدال الحاضــر بالماضــي ،على حد قــول
حمودة ،كان أكثر حدة مع الحداثة فيما بعد ،وهو ما يؤكده جـابر
عصــفور دون مواربة في تعليقه على حداثــة أدونيس ،وهكــذا
يثــني على كلمات أدونيس ويعلق عليهــا في السياق التــالي:
والقراءة الحداثيــة انتقاديــه وتنويريــة في آن منطلقهــا الفاعليــة
اللغويــة لألدب والتسليم بقدرة هــذه الفاعليــة على تحطيم
القوالب المتحجرة الثابتة لمنظومات القيم الباليــة في العــالم.
وهــذا الهــدف يجعلهــا منحــازة إلى التجــاوز وإلى اإلبداع دون
االتباع ،ومن ثم فإنها تضع التراث في مناخ األســئلة الــتي تــبرز
الثــابت لتنفيــه ،وتؤكــد اإلبداع لتنطلق منه محطمة في ذلــك
سطوة التناقض مع الحداثــة من حيث هي -أي الحداثــة قرينة
31
آليات القراءة والفهم في سجالت الفصل األول :
خطاب نقد النقد
الشـــك والتحـــريب وحريـــة البحث والمغـــامرة في اكتشـــاف
1
المجهول وقبوله".
نفهم من هذا القول أن الثقافة العربيــة لن تكتسب حيويــة
التجـــاوز ،إال عندما تتخلص من المبـــنى القديم التقليـــدي
وتحطيمه ،كما أن هــذه الكلمات تحمل في طياتهــا صــراحة أو
تلميحا احتقارها للعقل العربي ،فالدعوة إلى تجاوز شــيء داللــة
على عدم الرضا به ،وفي نفس الوقت هــذه الكلمات تعلي من
انبهارها بالعقل الغربي ألن قراءته انتقادية وتنويرية في آن.
وفي األخير يمكن القول بأن حمودة اعتمد آليــة االعتراض
من أجل االعتراض ،فكــانت لــه وســيلة وغايــة لهــدم المشــاريع
العربية النقدية ،معتمدا لغته النقدية الواصفة في التشــكيك في
أعمال النقاد وتحليالتهم.
جابر عصفور ،قراءة التراث النقدي ،ص.46 1
32
الفصل الثاني :البدائل
النظرية و النقدية في
مراجعات نقد النقد
33
الفصل الثاني :
البــدائل النظريــة والنقديــة في مراجعــات
نقد النقد
تـــمـــهـــيــــد
أواًل :قــراءة في مســوغات تأســيس
البديل النقدي و حيثياته
ثانًي ا :قــراءة في مفهــوم النظريــة
عند عبد العزيــز حمــودة و امتــداداتها
المعرفية
/ 1في مفهــوم النظريــة عنــد عبــد العزيــز
حمودة
/ 2االمتدادات و التحيّزات المعرفيــة للنظريــة
النقدية البديلة
ثالًث ا :قــراءة في إواليــات النظريــة
اللغوية العربية
/ 1نظام اللسان العربي ونظرية النظم .أّي ة
عالقة ؟
/ 2معــــالم نظريــــة أفعــــال الكالم لــــدى
الجرجاني /نحو تجاوز النظرة النسقية
رابًع ا :قــراءة في إواليــات النظريــة
اللغوية العربية
34
/1األدب بوصفه محاكاة لغوية
/2اإلبداع بوصفه تغريبا لغويا
/3قضية الصدق و الكذب
/4السرقات األدبية بوصفها تناصا
/5الشكل و المضمون بوصفها داخال و خارجا
35
تمهيد
جاء الفصل الثالث تحت عنوان " البدائل النظرية والنقديــة في
مراجعات نقد النقد " وهــو آخر فصــول الكتــاب لألســتاذ " نبيــل
محمد صــغير" ،يضــم هــذا الفصــل على أربعــة مبــاحث جوهريــة غــير
متساوية في عدد الصــفحات ،يــتراوح الفصــل من الصــفحة رقم
155إلى الصــفحة رقم.210ذكــر لنا عن التــأليف للنظريــة النقديــة
لحمودة من نظرية لغوية ونظرية أدبية ،الذي وجد صــعوبة كبــيرة في
الفصل بين كل ما هو لغوي صرف ،وهو أدبي أو نقد صــرفي .فحــدثنا
حمودة عن البالغة العربية التي كانت منذ البداية قائمة على الطموح
لضــبط المعــنى والداللــة والتحديــدات الدقيقة للعالقــة بين اللفــظ
والمعــنى ،الــتي تعــد من بين القضــايا الــتي شــغلت تفكــير النقاد،
سنحاول الكشف عن مفهوم النظرية لدى "عبد العزيز حمودة"
وعند حديثنا عنها ال بد من البحث عن امتــداداتها في الــتراث البالغي
والنقدي ،ولقراءتنا في النظرية األدبية التي تــبين لنا انشــغال الفكــر
البــنيوي في الفكــر التنظــيري لألدب .الــتي تــبين من خالل مجموعة
ممن الثنائيــات األدبيــة في الشــكل والمضــمون ،المحاكــاة ،التخييــل،
الصدق ،الكذب ،السرقات األدبية و التناص
36
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
أواًل :قراءة في مسوغات تأسيس البديل النقــدي -
و حيثياته :
عرف حمودة عن طريق كتبه الغنية عن التعريــف ،وكــان لكــل كتــاب
من كتبه ارتباطه الخاص ،فمثال "كتــاب المرايــا المحدبة "الــذي كــان
مرتبط مع الجــانب النقدي لمشــاريع النقديــة الغربيــة والعربيــة .وإن
الجانب التاثيلي والتأصيلي للمفاهيم التي تم رصدها في كتابه المرايا
المقعــرة والخــروج من التيــه .ويمكن القول إن المبحث مرتبــط مع
عدة تساؤالت ،وهل هناك مسوغات دفعته الى كتابه البديل النقدي؟
كان لكتاب "المرايا المحدبة "مواجهــات عديــدة من االنتقادات الــتي
وجهت لــه والــتي أنمت فكــرة القراءة االنتقائيــة ،حيث نــاقش في
الكتاب تأثيرات الحداثة في المحيط الثقافي العربي .ويعتــبر من أهم
مؤلفاته صدر الكتاب سنة ,1988وتحــدث أيضــا عن الحداثــة العربيــة
ويمكن القول إن السبب الوجيه الذي اتخذها حمودة كمصــوغات في
بناء لطرحه النقدي ،من أجل موقف يتخــذه كأســاس السيميولوجية.
يؤكد لنا أيضــا أن المثقف العــربي أو الفصــام الــذي يهــدد كــل يــوم،
والمثقف هــو الشــخص الملم للمعــارف ،والمعلومات عن العــالم
وحضاراته وعلومه وأعالمه.
والنزعة العربيــة عنده التصــدي الثقافــة األجنبيــة الــتي طغت على
الثقافــات العربيــة ،ويمكن القول إن النزعة العربيــة ضــد الثقافــات
األجنبية .والنزعة القومية حسبه النكسة العربيــة الــتي دفعت العــرب
الى حضن الغرب ،ويمكن القول إن هذه النزعة هي السبب الوجيــه
الندفاع العالم العربي الى العالم الغربي.
وفي الفترة , 1967كان لحمودة نظرة خاصة للمثقف حيث يتصوره
دائما راغبا في التحــديث الــذي يــرمي به العــالم الغــربي وال ينحصــر
دوره ال ينتهي في الزوايا التقليديــة ،فنجــد أراء أخرى عن المثقف.
فمثال شـــوقي زين الـــذي جعـــل دور المثقف متماثال في صـــناعة
مفهوميته في ميدانه الفكري ،واقليمه المعرفي وهذا ما أطلق عليــه
بالمثقف المتنامي.
37
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
فالمثقف في نظري هو الذي تلقى قــدرا من التعليم ،فــالمثقف عند
سارتر هو كل من يتمتع بقدر كاف من الوعي ليدرك حقيقة الصــرام
الحاصــل في المجتمع بين االنسان البــاحث عن الحقيقة العلميــة
1
األيديولوجيا السائدة في ذلك المجتمع .
وقـــد حدثنا حمودة عن القطيعـــة المعرفيـــة في كتابه المرايــا
المقعرة ،فهو بحد ذاته قام بتغذيــة الفرضــية المنقولــة والقائلة إن
صعوبة تحديد األرضية الفكريــة والفلسفية الــتي تشــير الى األســس
واألفكار األساسية التي يقوم عليها نظام فكري وفلسفي معين.
وقد تناول القضايا الفلسفية والفكرية بطرق مختلفة وهذا عبــارة عن
دليــل أو يمكننا القول انــه تناولهــا بطريقة ناقــد ومثقف في نفس
الوقت بامتياز.
ورأينا أنه كــان في بعض من النصــوص السابقة الــتي يعــبر فيهــا عن
انتمائه الضمني الى مدرسة النقد الجديد ،وتعود عبارة النقد الجديــد
الى كتاب أصــدره الناقــد األمريكي كرورانسوم عام ,1940الــذين
2
يمثلون حركة الحداثة الجديدة كرتشاردز إليوت .
وذكــر لنا محمد نبيــل انتماء حمودة الــذي يــرى النقص فب البحث
النقدي ،بل انه ينتمي في فهمه للتراث العـربي .وكـان لـه قــول عن
القراءة التراث البالغي العربي ألنهــا بدايتــه مع اآلداب الغربيــة الــتي
كانت تساعده في تقديم لرؤية جديدة عن هذا التراث.
وكان عبــد العزيــز يعيب عن بعض النقاد كجابر عصــفور وكمــال
أبي ديب عن قراءتهم األدبي والنقدي العربيين بمناهج غربيــة عنهم،
لكن تم رصد ازدواجية في الرؤية المنهجية التي كان يعيب لها إال أنــه
سمح بذلك.
1سارتر ،جان بول :دفاع عن المثقفين ،ط ،1ترجمة جورج طرابيش ،منشورات دار
اآلداب :بيروت 1973م ،ص 33
2ينظر :آن جفرسون و ديفيد روبي ،النظرية األدبية الحديثة تقديم مقارن ،ترجمة سعيد ،
منشورات وزارة الثقافة ،سوريا .د.ط ، 1992ص137
38
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
كــانت رغبــة حمودة في التجديــد وتأســيس البــديل للكتابة النقديــة
التنظيرية وهي تعد نوع من الكتابة النقديــة ،كــان روالن بارت من
1
بين أعمدة الكتابة النقدية والنقد األدبي المعاصر في فرنسا .
لكن هذا البديل لم يكن مؤسسا في فترة كتابه المرايا المحدبة وظل
عبد العزيز في نقد نقاد الحداثة ،وقد قل إنه فكر في البــديل بسبب
الضغوطات لألسئلة التي كانت تراوده.
وكان لثنائية التراث والحداثة حركة الكتابة النقدية لدى حمودة ،فهــو
يعيد دراسة القضايا بنظرة مختلفة ،وأما جــابر عصــفور هــو من أعاد
النظر في قضاياه النقدية ،وقدم له مفارقة الى ما ذهب إليه من قبل
و كــأن عبــد العزيــز يستغل الفرصــة لتقليــل من حدتــه في المرايــا
المحدبة.
حيث كان محمد يقدر جهود جابر لما يقارب ثالثين عاما في الــتراث
النقدي الــذي اعتبرهــا من أعمق الدراســات األكاديميــة .لكن كــان
حمودة ينتقده في عَدة مسائل جوهرية ،فقد انتقده في قول" :كــانت
البنيوية مبعوث العنايــة اللغويــة الــذي حمل بشــارة العهــد اآلتي الى
العلوم اإلنسانية ،ومنهــا النقد األدبي ،داال إياهــا على طريــق الهديــة
المنهجية والجنة الموعودة للدراسة العلمية التب تؤسس النقد األدبي
2
بوصفه علما من العلوم اإلنسانية المنضبطة"
فهم عبد العزيز أن هذا النص كأنه تأثير للبنيوية على جابر ،والمتحقق
من كتاب جابر عصفور ال يعثر على التقريظ للبنيوية إال في هذا النص
فقط .حيث اعتــبر جــابر ":اإلدراك البنيوي للعــالم هــو اإلدراك
الذي يرد الكثرة إلى الوحدة ،والتشتت إلى قواعد منظمة،
والتجزؤ إلى عناصر عقالنية ،فهو إدراك ينطوي على نــوع
من اإلســطيقا العقالنيــة الــتي تــرى الجمــال في النظــام،
وتبحث عن النظـــام في الفوضـــى لتتحـــول إلى جمـــال
النظام ،أو نظام الجمال بال فارق ،فالجمــال هــو النظــام،
3
والنظام هو الجمال".
1روالن بارت ،نقد وحقيقة ،ترجمة منذر عياشي ،مركز النماء الحضاري ،ط ، 1حلب ،
سوريا 1994
2نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 163
3نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 164
39
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
إن حمودة يلمح الكالم نفسه لكن بصــياغات أخرى مختلفــة ،فهــو
بطبعـه يـذهب إلى التجربة االسـتراتيجية التفكيكيـة وقــد قــدم عالم
يسوده فوضى ال تعترف بالقوانين أو السلطة .هــذه الفوضــى ناتجــة
عن النظرة التجزيئية المضــادة للنظــرة البنيويــة ،وقــد صــرح لنا عن
عواقبها حديثه عن نصف العالقة بين الدليل اللغوي .وأما عن مسألة
الكلية والجزئية إما أن يؤمن بهــا أو ال يــؤمن بهــا ،وذكــر نبيــل محمد
صغير لنا نقد "جابر عصفور" للفكر التجزيئي وإيمانه بالفكر البــنيوي
الكلي ويقول أَن " :هذا الجانب من البنيوية يجذب إليــه العقول الــتي
تستريح إلى األنظمة التي تحتويهــا وتشــعرها باألمان داخل النسق،
فتحميها من الوجود الخطر القلق الذي تتداعي في األشياء بما يشعر
اإلنسان أنه وحيد في مواجهــة العــدم ،هــذا العــدم نفسه ،في داللتــه
الوجودية هو ما تنفيــه البنيويــة حين تــرد المعــنى إلى العــالم ،وتفهم
1
العالم بوصفه انساقا "
يمكن القول إن هذه هي المواصفات الــتي جعلت جــابر يستريح إلى
هذا الفكر الذي ال يؤمن بموت اإلنسان .كما التفت إلى أعالم ورواد
النقد الحديث ،فقد ركــز على اآلراء النقديــة السائدة ليساعده على
تأسيسه لبديله ،وقد قام بعلي لكتاب الغربال وهــو كتــاب ألحد من
أعالم النقد الحــديث ميخائيــل نعيمــة ،وهــو عبــارة عن عدد من
مقاالت نقدية ،وذكر ديوان العقاد والمازني الذي اعتــبره قــذفا في
حق شكري وشوقي.
بين لنا محمد عن عمل حمودة الذي كان في الكثير من األوقات بنقد
فكرته التي يدافع عنها للوقوف مع تيار نقدي معين ،و حتى أنه وافق
ميخائيل عن أنـه ال توجـد أســماء و أمثــال عربيــة يمكن مقارنتهـا مع
شكسبير ,و هوميروس.
و هنا حدثنا محمد نبيــل صــغير عن قبــول حمودة و تقليــل قيمة
الموروث العربي الذي مارسه ميخائيل في نصــه" :إن َغثهم أكــثر من
ثمينهم – يقصــد أعالم األدب العــربي قديمه و حديثــه مثــل :امرىء
القيس ,ولبيــد ,و النابغــة ,وابن رشــد ,وابن ســينا و أحمد شــوقي و
المرجع نفسه ،ص ص 165- 164 1
40
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
غــيرهم مجتمعين -و على كــل ال أظنكم ظــالمين إلى حَد أن ترفعــوا
أحدا منهم إلى مصاف هوميروس و فرجيل ,دانتي ,و شكسبير ,و
ملتون وبيرن ...فالشعراء العرب خلقو و ماتوا ليتغزلــوا بظبــاء الفالة
و لمعان المشرفيات ,ووقع سنابك الخيل ,و سفك الدماء ,و مشي
1
اإلبل و أظالل المنازل "
ذكــر نبيــل نص الــذي تنبــه لــه حمودة لحــل في البناء المعــرفي و
المنطقي ,وقد سمى الثاني هذا الخلل وســيطة في تناول القضــايا
التي ال تقبل الموقف الوسط .واستمر حمودة في نقد النقد الحديث,
حين يخوض في المعطيات التي طرحها محمد مندور .يقول" :و نحن
في عصــرنا الحــديث لن نستطيع أن نجــاري التفكــير األوروبي ,أو
نضيف إليه إضافات حقيقية...و ذلك ألن الفكرة التي تبنى على فكرة
أخرى ,ال تلبث أن تنحــل متعــثرة فتــات المنطــق ,و إنما التفكــير
الخصب هو الذي نستمده من الحيــاة ,و نبنيــه على الواقــع ,و على
هـذا ,ال يكـون لنا ,إذا أردنـا أن نجـدد حياتنا الروحيـة ,من أن نغـير
اتجاهاتها و قيمتها ,و هذا لن يكون إال إذ ا تغذينا باآلداب و الفنون
2
األوروبية من تصوير و نحت "
نجد في األخير استنتاج نبيل محمد صــغير عن أهم المسوغات الــذي
دفع عبد العزيز حمودة إلى البديل النقدي ،استخلصها فيما يلي :3
أراد أن يرد على النقود التي وجهت إلى كتابه المرايا المحدبة, -
لذلك يدحض عن فكرة لقطيعة المعرفية وثقافة الشرخ
أراد أن يلتــف إلى بعض النقاد و المفكــرين كشــكري عيــاد و -
الجــابري ،الــذين لم يكن لهم األثــر يــذكر حين نــاقش الحداثــة
العربية و منتقديها
أراد أن يحــدد موقفـه المعــرفي وخلفيتــه الفكريـة الـتي يستند -
عليها في المطالبة ببديل عربي قومي
1نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 166-165
2المرجع نفسه ،ص 166
3نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 167
41
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
التراجع عن مواقف نقدية سابقة خاصة بجابر عصفور وإسهامه -
في الدراسات النقدية والبالغية التراثية
خص النقد العربي الحديث بنقد عنيف (ما قالــه عن المازني و -
العقاد مثال ,و تناقضاته في مواقفه مع ميخائيــل نعيمة) ,ليؤكــد
خلو النقد العربي عامة من النظرية عربية متسقة في اللغــة ,و
األدب و النقد
ثانيا :قــراءة في مفهــوم النظريــة عنــد عبــد العزيــز -
حمودة و امتداداتها المعرفية :
/ 1مفهوم النظرية عند عبد العزيز حمودة :
مفهوم النظرية عند عبد العزيــز حمــودة ،يعــد القسم األول
لهذا العنوان و من أهم خصية عنده هو أنــه لم يكن يؤســس للنظريــة
الموجودة في التراث في ظاهره ,بل كان يسعى الى خطوط عريقة
عن األسس التي كانت تظهر في حين و تختفي في حين آخر .و لهـذا
يمكننا أن نتساؤل لماذا كان حمودة يسعى إلى هــذه األســس ؟ حيث
كانت رؤيته البنيوية لمفهــوم النظريــة ان يعتبرهــا تفهم ككــل نسقي
غير مربوط بشــخوص معينة و اعتبرهــا انهــا إنتــاج مجموعة عقول
تنتمي الى عدة أجيال.
ويمكننا القول إن حمودة اعتمد على بعض من المفاهيم للنظرية كما
يرى عودة ناظم أن " :إذا ما اتفقنا على أن النظريــة نظــام فكــري
مجــرد ،يصــاحب عمليــات اإلدراك الــتي نقوم بهــا لمعرفــة وتفسير
األشياء والظواهر ،وتكمن وظيفتهــا في التنظيم عمليــة اإلدراك بغيــة
42
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
الوصــول الى الحقائق المقترنــة ،فــإن تاريخهــا ممتــد في حضــور
1
المعرفة ونشأة العلوم اإلنسانية" .
فمصطلح النظرية يشــير إلى مجموعة من األفكــار والمفــاهيم الــتي
تهدف إلى فهم وتحليل النصوص األدبية ،حيث مفهومهــا عند حمودة
فهي تقابل التغيير والتحوير واإلضــافة دون ان يغــير ذلــك من قيمتهــا
كالنظرية .ذكر لنا نبيـل مفهـوم النسق عند جـون بياجيـه الـذي نص
خصائصــه كــاآلتي :الكليــة أو الشــمولية والتحــول أو التغــير
2
والتنظيم الذاتي
ذكر محمد نبيل صغير أول نقطة يكننا نسجلها على حمودة في هــذه
القضية بالخصوص أن مفاهيم الشمولية والتغيير والتنظيم الــذاتي لم
تأتي من أرضية فلسفية ايستميولوجية .وقد اعتمد حمودة على كتاب
دي سوسير في كتابه محاضرات في اللسانيات العامة هذا الكتــاب
جمع أهم أراء العالم دي سوســير ،وكــان يضــم محاضــراته
منها محاضـرات في اللسـانيات العامــة ،علم اللغــة العــام،
منهج في اللسانيات ،محاضرات في األلسنية العامة .لماذا
اعتمد عبد العزيز حمودة على العــالم فردينار دي سوســير في هــذا
الخصوص؟
ذكر لنا نبيل عن ايمان حمودة باالختالفــات والتناقضــات في المحيــط
النقدي التراثي الذي يشير الى التفاعالت والتحليالت النقدية لألعمال
األدبية .وذكر حمودة أن اختالف القضايا التي تحددها قضايا أخرى أنه
ليس ما يعارضه أو يناقضه.
دافع عبد العزيز عن مفهوم االختالف من خالل منظور جوناثان كلر
الذي قال
أن ":ال أظن أن القارئ يحتــاج حقيقة ،إلى التــذكير بأن مصــطلح
"علم" أكثر انضباطا وتحديدا من لفظة "نظرية" التي تسمح بالقطع
بمرونة أكبر مما يسمح به مفهــوم العلم و "العلميــة 3".يمكن القول
إن هذا التعريف الذي يقترب من طروحات التفكيك النسبية .واســتند
أيضا حمودة على مفهوم رؤية جوناتان في مسألة النظرية الذي قــال
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 169 1
المرجع نفسه 170 ، 2
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 171 3
43
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
إنها أكثر من مجرد فرضية ،حيث تشمل العديد من العالقات المعقدة
التي ال يمكن من السهولة اثباتها ،ويمكننا توضيح أن النظرية تتشــكل
من مجموعة من المبادئ واألسس التي تستند عليها.
و من هنا ذكر لنا نبيــل الفــرق بين النظريــة والعلم بتعبــيرين .التعبــير
األول لكانط ما يكون موضوع يقين واجب والتعبــير الثــاني لــديكارت:
كل معرفة يمكن االشتباه بها ال يجــوز أن يطلق عليهــا اســم علم ...
لكن النظرية أقل احتفاء باليقين واإلدراك و اكتشــاف القوانين ،إنما
1
هي فكرة جمالية ذات منزع ذاتي ,تصل حد االعتقاد بها".
بطبيعة الحال عندما نتحــدث عن النظريــة والعلم ،ال بد من التحــدث
عن مصطلحين هما االستراتيجية والمنهج ،باعتبــار أن هــذه المفــاهيم
شرط أساسي في النقد االدبي والنظرية األدبية.
فما هي صلة هذه المصطلحات ؟
مسألة المنهج والنظرية يمكننا القول :العلم والنظريــة يقف المنهج
كوسيط الذي يمكن االستغناء عنه ،في إنجاز وسائل العلم والنظرية،
فالمنهج هو أدوات وطرائق تحليلية بحجة الوصـول الى نتـائج مقبولـة
التي يكمن حل تلك المناهج .وعند الحديث عن مفهــوم االســتراتيجية
التي تسند على تحقيق اهداف معينة وال تسند على مفهــوم التنظيم
والشمولية .لهذا رأت التفكيكية أنهما أقرب اليها من النظرية.
قام محمد نبيل على أن مفهوم حمودة للنظرية عن طريــق اســتناده
الى ما قدمه العــالم السويسري دي سوســير .فــاألول أن يفهم
أطروحاته والثاني عما يقابله في الــتراث العــربي .حيث ذكــر لنا عن
ثالث أركان التي جعل بها سوسير فكره اللساني مقصورا :
الركن األول :أن اللغــة نظــام من العالمات تكسب قــوة العــرف
االجتماعي ،واللغة هي ملكة بشرية وتعتبر مكتسبة.
الركن الثــاني :في هــذا الــركن تحــدث عن ثنائيــة الكالم parole
واللغة langueعلى أنها قــوام نظريــة سوســير تقوم على العالمة
اللغوية ،حيث هذا القوام ليس لنظرية دي سوسير فقط وإنما لكــل
النظريات اللغوية والنقدية التي شهدها القرن العشرين.
المرجع نفسه ،ص 171 1
44
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
الركن الثالث :فهذا الركن متكون من عنصريين أساسيين:
العنصر األول :هر رفضه للنظرية التقليدية يمكن القول إنهــا
ثنائيــة الــدال والمدلول .لكن عند العــالم دي سوســير لم يعــد
الدال يشــير الى شــيء ما ،مثــال عن ثنائيــة الــدال والمدلول
=دال يشير الى شيء
صوت
الزقزقة= الدال
العصافير=المدلول
العنصر الثاني :وهو عندما نقسم العالمة بين الدال
والمدلول فهو ال يعني انهما منفصالن عن بعضهما البعض .فهما
بمثابة وجهان لعملة واحدة أي مكونين للعالمة.
فلماذا هذه األركان ؟
فهذه األركان هي إال مبادئ تنطوي عليها مبادئ ،وأركان أعمق منهــا.
فحمودة لم يذكر لنا كـل الثنائيـات الـتي تطـرق إليهـا فكـر سوسـير،
فمثال هنا لم يذكر :ثنائية االستبدالية والتركيبية ،فهــذه الثنائيــات الــتي
استنادها سوسير في الفكر البنيوي فهي تعتبر من أشهر الثنائيات.
فهذا تلخيص حمودة وفق رؤيتــه ألركــان ومبــادئ دي سوســير ،حيث
أدرج لنا أسس أخرى فيحيز األركــان الثالثــة الــتي ذكرنهــا ســابقا في
مجــال حديثنا عن اللغــة كنظــام من العالمات ،وتحديــدها لتحليــل
باعتبارها ركيزة على حدوث الداللــة .فقدم لنا فردينار دي سوســير
نوعية من العالقات الداخلية لتنظيم العالمات أالو هما:
العالقــة السياقية :syntagmaticفهــذه تحــدث على مستوى
األفقي التركيبي.
العالقــة االســتبدالية :paradigmaticأما هــذه تحــدث على
مستوى العمودي.
إن فهم عبد العزيز لنظرية سوسير ،التي استنادها أيضــا على "كلر"
بربط هذه العالقات أي العالقــة األفقيــة والعموديــة بتعريــف آخر في
النقد المعاصر بمفهوم االختالف من المنظورين:
45
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
المنظور األول االختالف الذي يعتبر أساس الثنائيات المتعارضة أو
المتعارضات الثنائية عند البنيويين.
المنظور الثــاني هــو ما بعــد البــنيوي الــذي اســتمده من الثنائيــة
االستبدال والتركيب ،وأيضا فكرة أن المدلول هو الذي يخلقه الــدال.
فالدال الواحد أو المتعــدد قــد يولــد مداوالت متباينة ،وقــد ذكــر لنا
مفهــوم السميوزيس هــذا ما يقاربه االختالف أســاس الثنائيــات في
العقل.
وأما في حيز االنطالق من الكل الى الجزء .فقد رأى حمودة دعائم
لنظرية سوسير حيث أكــد لنا على انضــواء مفهــوم االعتباطيــة تحت
الركن األول فذكر لنا الدال سيارة التي ال توجد بينه
وبين األثر الذهني أو ما يمكن أن نسميه المدلول أية عالقــة نظاميــة،
فالظاهر في العالقات أو الثنائيات بين الدوال ينتج أساسا عبر عالقــة
اعتباطية بين ركني الدليل اللغوي.
وكان لدى حمودة فرضية أال وهي انه اتخذ من نظرية سوسير مؤطر
في بديله النظــري وما يؤكــد ويغــذي هــذه الفرضــية هــو كالمه عن
اعتباطية العالقة بين شرط العالمة اللغوية وتعريف اللغة كأنها نظــام
عالمات" :سوف ندرس فيما بعــد أن الحــديث عن اعتباطيــة العالقــة
بين شرطي العالمة اللغوية وتعريف اللغة كنظــام للعالمات لم يكنن
أبدا غريبا على النظرية العربية ،بل إن القضــايا في الواقــع في قلب
1
تلك النظرية التي نحن بصدد تحديد معالمها".
بعــد هــذا اختلف باألســاس مفهــوم النظريــة التراثيــة عن مفهــوم
المعاصر .وقد قدم نص لفرضيتنا بطريقة يمكن اعتبارها نسبية ،ورأى
أن في القرن العشرين وهو عصر النهضـة بتطــوير النظريـة اللغويـة.
لكان لنا اليوم نظرية لغوية أغنتنا عن االستعارة وما بعــد الحداثــة من
ناحية ومن ناحية أخرى كانت بمثابة حائــط أمان يحمينا من التبعيــة
الثقافية .وهذه التبعية نتيجة تتبع أفراد المجتمعات في اعتمادهــا على
ثقافة أخرى ،بطبيعة الحال هي تهدد بمحو هويتنا محوا تاما.
ذكر لنا نبيـل ان حمودة ال يعـترف بالعولمة والكونيـة الثقافيـة ،ألنـه
يؤكــد على الطــرح العــربي القومي .ويمكننا القول ان عبــد العزيـز
1نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 174
46
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
حمودة كان متحيزا في ادراكه لمفهــوم النظريــة الى حد ما طرحه
العالم دي سوسير في ثنائياته المشهورة .فسنحاول تجاوز طروحات
سوسير البنيوية أو التي شكلت أساس البنيويــة فيما بعــد ،وذكــر لنا
أيضا أمثال بارت وميشال فوكــو في مرحلة من المراحل تفكيرهما
النقدي.
/ 2االمتــدادات والتحــيزات المعرفيــة للنظريــة النقديــة
البديلة :
بعد تحقيقنا نسبيا أن طرح حمودة تحيز وارتبط بالطرح السوسيري ،
كان لقضية فقه التحيز قضية كاشفة ،وقــد أكــد لنا محمد ان التحــيز
ليس من الضروري نابع من عداوة أو سوء قصد ،بل هــو طبيعــة من
طبائع االنسان وال يمكن ألي كاتب التخلص من هذه الطبيعة حتى لــو
أنه بلغ أعلى درجات االنصــاف .ســندرس اآلن كيفيــة اعتماد حمودة
على النظرية اللغوية واألدبية في تأسيسه للنظريــة النقديــة العربيــة
بعيدا عن قضية التحيز أو قريبا منها .ومن جهة أخرى نظرتــه لثنائيــة
التنظير والتطبيق في تراثنا العربي.
فقدم لنا محمد نبيل صغير مخطط عن خيوط النظريــة اللغويــة تمتــد
من:
قدامــة بن جعفــر__ ابن ســنان الخفــاجي __ عبــد القــاهر
الجرجاني __ السكاكي
وقد اعتمد حمودة على البالغــة في النظريــة اللغويــة واألدبيــة .كما
اعتمد بعض الباحثين الذين ذكرهم نبيــل عليهــا وهم :أحمد مطلوب،
محمد زكي العشــماوي وهــؤالء لم يقوموا بفصــل البالغــة عن النقد
باعتبار األولى عوضت الثانية ،وأن النقد يقوم بتحليــل النص والبالغــة
تحليل العبارة.
سنبدأ مع قدامة بن جعفر يعتبر من مشاهير البلغاء الفصــحاء ،الــذين
يضــرب بهم المثــل في البالغــة .ذكــر لنا نبيــل في رصــد امتــدادات
المعرفية للنظرية النقدية من نظرة حمودة ،حيث نظـر جعفـر نظـرة
بنائية الى الشــعر ويقول في كالمه" :هناك مكونــات قائمة وهناك
47
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
صناعة لم تقم بعد لعدم وصف تلك المكونات وصفا وظيفيــا ،حسب
1
وظيفة الشعر ،وعدم إدخالها في تفاعل".
من خالل هــذا يمكن أن نتساءل هــل قدامة اقــترب من الطــرح
البنيوي؟ وهل هو امتداد لقضية النظم؟ وكان لهذا التساؤل كــان لــه
جواب من محمد منعم يمكن ان يكون امتداد له وأنه تأسيس لنظرية
نقدية عربية وهي نظرية النظم حيث تعتبر هذه النظريــة من أبرز
النظريات في التراث العربي .يمكننا االستنتاج أن معــالم النظريـة لم
تقتصر لعبد القاهر الجرجــاني فقط حيث كــان لــه كتــاب عريــق عن
نظريــة النظم وكما عرفهــا لنا ":واعلم أن ليس النظم إال أن
تضع كالمك الوضع الــذي يقضــيه علم النحــو ،وتعمــل على
قوانينه وأصوله وتعرف مناهجه التي نهجت فال تزيع عنهــا
وتحفظ الرسوم الــتي رســمت لــك فال تخــل بشــيء منهــا
وذلك أنا ال نعلم شيئا يبتغيه الناظم بنظامه غــير أن ينظــر
2
في وجوه كل باب وفروقه".
والعديد من النقاد العرب القدامى ،نجد منهم كابن ســنان والخفــاجي
الذين ذكرناهم سابقا في خيوط النظرية اللغوية .الذي يقرأه حمودة
من خالل نص لسنان الكتشــاف حصــانة التفكــير السيميائي النقدي
وأيضا إضافة الى مفهوم النظرية الذي يقم بحصره ملي للفــظ " :إن
الحــروف الــتي هي أصــوات تجــري من السمع مجــرى األلــوان من
البصر ،ال شك في أن األلوان المتباينة إذا اجتمعت كــانت في النظــر
أحسن من األلوان المتقاربة .ولهذا كــان البيــاض مع السواد أحسن
من الصفرة ،لقرب ما بينه وبين األســود .إذا كــان هــذا موجــودا على
الصــفة ال يحسن الــنزاع فيــه كــانت العلة في حسن اللفظــة من
الحــروف المتباعدة هي العلة في حسن النقوش إذا مزجت من
األلوان المتباعدة3 ".حيث جعل لنا ابن ســنان مفهــوم النظم موجــود
في اللفظ عبر اختالف تشكيالته الصوتية ثم الداللية ،واقترب الى ما
ذهب اليه ميشال فوكو أيضا .لكن الثاني أكد لنا أن مفهوم النظم هــو
1نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 176
2عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز ،الشيخ محمد رشيد رضا ،المؤسسة الوطنية
المطبعية ،وحدة ،رغاية ،الجزائر ،1991 ،ص94
3نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 177
48
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
كالم ال يكتفي بالجانب الصوتي فقط بل يمزجهما معــا لتتشــكل معنا
رؤية مفهوم النظم والفصاحة أيضا.
فقد ذكر لنا سنان خصــائص مميزة أال وهي تتضــمن تفــرده وهويتــه.
ويمكن أن نلخص هذه الرؤية كامتداد لبنيوية قدامة بن جعفر ،وانفتاح
الذي نراه عند عبد القاهر الجرجاني هو انفتاح على فضاءات الطــرح
السيميائي.
ذهب حمودة الى أن ال وجود لمشكلة نقدية تــوقفت عندها نظريــة \
نظريــات األدب الحديثــة ،لم يتوقــف عندها العقل العــربي منظــرا
ممارســا ،وهــذا عبــارة عن دليــل عن قراءتــه في إشــكاليات النقد
العربي التراثي .ويمكن القول إن هذا اقراره على المقارنة بين النقد
الغربي والعربي إلبراز فعالية األول ،لكن سرعان ما يغير من اقــراره
وينفي هذا الكالم الذي ينص أن كل الثنائيات سواء األمامية والخلفيــة
الــتي تثبت لنا أن النقد العــربي جــاء كــل ما جــاء به الحــداثيين
والمعاصــرون .يمكننا القول إن هــذا هــدف أولي لحمودة والهــدف
الثاني الذي يسعى له هو محاولة اثبات أن النقد العربي والتراثي قــد
اتسم بنظرية وهي نظرية التنظيم والتطبيق.
يمكننا فهم ثنائيــة التطــبيق والتنظــير بطريقة مختلفــة لما هــو في
الدراسات النقديــة المعاصــرة ،حيث تولــد لنا هــذه الثنائيــة نظريــات
متكاملة تيسر للباحث المعاصــر الكشــف بمجــرد فهمه الفهم الجيــد
والدقيق لهذه الثنائية.
ذكر لنا محمد نبيل قول محمد الفاتح الذي يؤكد على الفرضية نفسها
وللناقد العربي الذي ينص على أهمية نقد التحيز لكن في األخير يقع
فيه ،وهذا ما ذهب اليه المسيري الذي أكد أن كثير من شعوب العالم
بدأت بفكــرة التخلي عن تحيزاتهــا ،فالمشــكلة من واقعهــا التــاريخي
واإلنساني في بداية تولــد تحــيزات أخرى وجديــدة .هــذه الحالــة هي
حالــة النقد العــربي المعاصــر الــذي قتــل هويتــه التاريخيــة وأيضــا
الوجودية.
ذكر لنا محمد نبيل صغير عن عالقــة أشــكال التحــيز الــتي تحكم فهم
النقد العربي بقضية التنظيم والتنظير في التراث النقدي .باعتبـار أن
التحــيز أســاس يرتبــط بعمليــة التلقي فالناقــد الــذي يستند الى فهم
49
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
حيثيات في الظاهرة النقدية فهـو ناقـد متحـيز .والعالقـة الموضـوعية
من خالل ارتباط بنسبة عقل االنسان بذاتها ،فهــو يستبعد لنا بعض
التفاصيل ويبقي بعضها اآلخر ويضـخم بعض ما تبقى ويقوم بتهميش
الباقي.
في األخير يمكننا استنتاج أن قضية التنظير والتطبيق تعتــبر مثــال من
األمثلة على هيمنة الفكــر النقدي الغــربي على النقاد المعاصــرين
الدارسين للتراث ،كما ذكر لنا محمد من أمثال حمودة ومحمد فــاتح
والعديد .ولقد تناولنا قسمين ذو قيم جوهرية عن النظرية وامتــداداتها
المعرفية التي من خاللها تناولنا نظريات وفرضيات ومعلومات قيمة
عن هذا المجال.
-ثالًثا :قراءة في إواليات النظرية اللغوية العربية :
/ 1نظام اللسان العربي و نظرية النظم َ .أ ّية عالقة ؟
كانت فكرة وجود آليــات وأساســيات لكــل نظريـة في الوجـود فيجب
علينا البحث في نظرية اللغوية البديلة التي قدموها لنا حمودة فأظهر
لنا نبيل على اختيــار عبــد العزيــز التحــدث عن النظريــة اللغويــة قبــل
النظرية األدبية و النقدية ،والسبب في هذا االختيار هو منذ اختياريــه
و بداياتــه إلهتمام بالدراســات اللغويــة بشــكل اكــثر هــذا في القرن
العشرين والسبب االخر هو نجــاح نموذج البنيويــة اللغويــة الكتساب
هذه القيمة العلمية ومواجهته
أيضا انطباعية النقد األدبي فكان توجــه العقول العربيــة إلى تحــديث
النقد ومن بين كل هذه هــذه األســباب يمكننا التساؤل :لماذا هــذه
األسباب بحد ذاتها؟ ولماذا اختيار النظرية اللغوية قبل النظرية األدبية
وحتى النظرية النقدية ؟
ذكر لنا محمد عن سبب آخر لحمودة الــذي يعتــبر واكــثر اقناعا من
أسباب القبلية واعتباره مقدما اكثر النه نابع وما ولد من األساس من
األســاس من المناخ المعــرفي العــربي الــتراثي أي ليس من المناخ
المعــرفي الغــربي حيث وذكــر لنا " :المدخل اللغــوي هــو المدخل
50
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
األساسي ليس دراسة النص األدبي والقصيدة فقط بالدراسة وصــول
1
الفقه اإلسالمي "
نجــد محمد يــونس الــذي يؤكــد لنا في كتابه عن علم التخــاطب
اإلســالمي صــدر هــذا الكتــاب ســنة 2000وترجمة medieval.
Islamic pagmaticsهذا العمل إلى كتــاب على وجــود عالقــة بين
الرؤية اللغوية والفقهية في صناعة األحكام والمعــاني فهــو ابحث عن
نظرية لغوية شاملة وكل يدخل المولـود من أصـول الفقه اإلسـالمي
ولالمر نفسي هكذا لنا أيضـا على ضـخامة المادة العلميـة للمسائل
اللغويـة المبثوثـة في كتب األصــول وانحصـر ابن الجــزري في كتــابي
النشر في قراءة العشق يعد هذا الكتاب من أهم كتب القراءة الــذي
أكد لنا صحة القراءة بتوفر ثالثة شروط من بينها شرط لغوي وهي :2
موافقة أحد المصاحف العثمانية ولوال احتماال -
موافقة العربية ولو بوجه من وجوها المتعددة -
صحة سندها واتصال روايتها -
وذكر علينا محمد نبيل استناد عبد العزيز على البيئة العربيــة والرؤيــة
المعرفية المبثوث وقد قدم مبررا مقبوال للبحث عن الشخص و عائم
النظرية اللغوية لكن ال يجب أن تكون هذه الــدعائم مفارقــة لعوامل
المناخ المعرفي العربي التراثي
وقد وضع لنا محمد نبيل صغير عنوان فــرعي بالخــط العــريض وهــو :
نظام اللسان العربي و نظرية النظم أية عالقة ؟
وفي هذا العنوان الفرعي ذكر لنا عرض حمودة ألحد من القصــص
المشهور عن نشأت النحــو العــربي وهي القصــة الــتي دارت بين أبي
األسود الدؤلي وابنته حينما أرادت التعجب من شــدة الحــر ،فحققت
معنى االستفهام عن زمن اشـتداد الحـر ،وهـذا عندما غـيرت حركـة
حرف الدال في كلمة "ما أشد الحر من الضمة التي تفيد االستغراب
3
والتعجب إلى الفتحة التي تفيد االستفهام و التساؤل
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 181 1
المرجع نفسه ،ص 182 2
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 183 3
51
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
يمكنني أن أقدم تساؤل :لماذا ذكر علينا نبيل محمد صغير القصــة ؟
وما الهدف منها ؟
انطالق من تعليق الجابري لهذه القصة حدد حمودة التغير الذي حدث
بطبيعة الحال على مستوى المعنى لم يكن على مستوى تحققه من
عدمه إنما كان مربوط في نظره فقد ذكــر ان وظيفــة النحــو ليست
مجرد ضبط الوحدات داخل النص اللغوي بل هو تحديد المعنى أيضا ،
وان كان النحو مجرد مستوى من مستويات نظــام اللسان العــربي
فحمودة هنا يحــاول اســتبدال المحتــوى فيــه " نسقا "" نظما" في
الرؤية الغربية وهو يريد تغيــيره بمصــطلح عربي وهــو النظم ،وكــان
وكان لمصطلح النظم العديد من التعريفات حيث نجد :
فخــر الــدين الــرازي الــذي عرفــه خلوص الكالم من التعقيــد، -
1
وأصله من الفصيح وهو اللبن الذي أخذت منه الرغوة
وكما عرفه الجرجاني بقوله :واعلم انه ليس نظم إلى أن تضع -
كالمك الوضــع الــذي يقتضــيه علم النحــو وتعمل على قوانينه
وأصــولها وتعــرف مناهجــه الــتي نهجت فال تــزغ عنهــا وتحفــظ
2
الرسوم التي رسمت لك فال تخل بشيء منها
حيث نظــر حمودة إلى النظريــة النقديــة من منظــور بيــنيوي نسقي
ضيق جدا فهو يحاول تثبيت عالقتها بالنظرية السوسيرية والنظريــات
التي تولدت عنها و التي ترى أنه بإمكاننا ربط النصــوص عن طريــق
القدرة على الكشــف عن طريــق واحدتها اللغويــة وبخصــوص هــذا
الصدد نجد أنه قــال عن ربه النظم الجرجــاني في البنيويــة " :عنيت
نظريــة النظم بمكونــات التشــكيل اللغــوي الفصــيح والبنيــة األدبيــة
المتميزة بدأ بالحرف منفـردا ومؤتلفـا ،واللفظــة مؤتلفـة و منفـردة
ومقترنــة بأخرى أو أخريــات ،و مواجهــة االشــكاليات النظريــة و
المنطقية التي تثيرها قضية اللفــظ والمعــنى ...و انتهــاء بكــل ما من
شــأنه بيــان ســر التفــاوت بین نظم و نظم و االختالف بين اســلوب و
3
أسلوب ،مما ال يمكن حصره من ضروب التحسين الكالمي "
1صالح بلعيد ،نظرية النظم ،نقال عن فخر الدين الرازي ،نهاية اإلجاز ،في دارية العجز ،
ص 161
2عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز ،ترجمة :سيد محمد رشيد رضا ،دار المعرفة ،ط3
1422 ،هـ 2001 ،م ،بيروت ،لبنان ،ص63
3نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 183
52
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
عن طريــق هــذا القول ال يمكن القول أنهــا نظــرة محايــدة لنظريــة
النظم بل هي أسـقاط لنظريـة البنيـة ونسق عليهـا ،لكن لم يتفطن
حمودة ان النظريــة يمكن أن تكــون في عدة جــوانب أخرى أيضــا
المنظــور ســميائي حيث كــان هــذا المصــطلح أي " ســيميائي" محــل
الدراســة وإنشــغال العديــد من البــاحثين والدارســين الــذين قــاموا
بدراساتهم وأعمالهم للوصول إلى التعريف لــه ومن هــذه التعريفــات
قد تعددت اختلفت فتعريفه األول هو دراسة االشارات
حيث هناك من يعرفــه " :ان السيميولوجيا هي علم العالمات أو
االشــارات أو الــدوال اللغويــة أو الرمزيــة ســواء كــانت طبيعــة أم
اصطناعية ،و يعني هذا أن العالمات من وضــع االنسان اصــطالحا و
اتفاقا مع أخيه االنسان و داللتها ،فاذا كانت اللسانيات تدرس ما هــو
لغوي فإن السيميولوجيا تتعدى ذلك فهي تتناول ما هــو لغــوي أو غــير
لغــوي ،اي ليس المنطــوق و فقط ،بل حتى البصــري كــالرموز و
االشارات و الشفرة و لغة الصم والبكم و دراسة األزياء و غيرهــا من
الرموز " ، 1و أما األمريكي بورس يقول (السيميائية ) هي الدســتور
2
الشمالني لإلشارات
كما فعله محمد سالم سعد الله في مؤلفه مملكة النص الذي ذكر لنا
ثالث أنظمة تواصلية الذي استغل على الخطاب المجــازي الجرجــاني
و يمكن ذكر تلك االنظمة باآلتي :3
النظام اللساني :األلفاظ /بالدوال -1
النظام الداللي :المعنى /المدلوالت -2
النظام الماوراثي :معنى المعنى /المدلوالت الثانية -3
فهذه الرؤية التي قدمها لنا محمد سالم الذي نبهنا منها مفهوم النظم
والمجاز عند الجرجاني فكانت لهذه الرؤية عالقة باالبحاث السميائية
الظاهرة في العديد من المواضيع مثال نجدها في كتاباته ومفاهيمه و
حتى في تفكيره
1ينظر :أحمد سالم ،ولد أباه :السميولوجيا و الشعر العربي القديم ،المفضليات لضبي
نموذجا ،المكتبة المصرية ،ط ، 2010 ، 1ص14
2دانيال تشاندلر ،أسس السميائية ،ترجمة طالل وهبه ،المنظمة العربية للترجمة ،ط، 1
بيروت ،ص29-30
3نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 184
53
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
ذكر لما نبيـل عن النظريـة البيانيـة لعبـد القاهر الجرجـاني ،و هـذه
النظرية هي العالقة القائمة بين الثنائية المشبه و المشبه به .و ذكــر
لنا مثــال لعبــد القاهر الجرجـاني في اطــار قــراءة تشـبيهات العــرب
بالشمس الممدوح من خالل بيت أبي تمام:
ض و شكر الرياض لألمطار ما ترى نعمة السماء في األر
هنا الشمس تستعير من الممدوح وتستفيد او تتعلم منه االستشــراق
وتكسب منه االضاءة فاالضاءة 1هي سمة مشتركة بين الممدوح وبين
الشمس ،حيث ان االضاءة هي سمة أساسية للشــمس فقط وليس
لكليهما ،لكن هنا الشاعر حاول أن يقوم بحملة التغريب حيث وجعل
أبي تمام سمة االستشراق هي ســمة اساســية من ســمات الممدوح
وجعل الشمس استعيره منه وكــأن الممدوح هــو مركــز الكــواكب و
الشمس هي التي تدور حوله .و من هنا حاول الجرجــاني ان يربط
السمة المشتركة في الدال بالثقافــة العربيــة الــتي كــانت تتحكم في
توليدها فذكر لنا نبيل قول الجرجـاني الـذي يقول :اســتتار السماء
القيم هو سبب رجاء الغيث الذي يعد مجرى العادة جوادا منه ونعمة
2
صادرة عنها " .
وفي هذا القول الذي ذكره لنا هنا سمة الجواد هي ســمة الغيث دون
سواه و عن هذه األمثلة نصل الى النتيجة ان السمة مرتبطة الثقافــة
التي تنتج فيها الدرال لذا جعل لنا الشــتاء نعمة السماء على االرض
هنا سمة الجواد كامنة للغيث و السماء مكان وجوده.
يؤكد سالم سعد الله في كتابه مملكة النص الذي تم انشاءه في 17
ســبتمبر 2017الــذي متكــون من 210صــفحة ان الجرجــاني يمكن
مقاربته من منظور غربي سيميائي فقد قدم قراءة لقول الجرجــاني
في هذا الخصوص حيث قال :نجد بعض المعــاني الجزئيــة الــتي تبــنى
عن التشــكل الــداللي للعالقــات في داخل تلك العالقــات ،يمكن ان
3
تحدد البناء العالمي في النص "
المرجع نفسه ،ص 184 1
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 185 2
المرجع نفسه ،ص 185 3
54
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
فــذكر لنا بوجمعــة شــتوان عن السمات في التفكــير البالغي في
المشابهة ،و اكد لنا ان االسماء ترتبط بعضها البعض و ايضا لها تــأثير
بين بعضـــها البعض ،يمكننا القول أن شـــرح غـــير مباشـــر الكالم
الجرجاني السابق الذي ذكرناه .كما ان قراءة الجرجاني في نصوصه
من منظور نظريــة التلقي "عرفهــا عبــد الواحد أنهــا عمليــة التفاعل
1
النفسي والذهني مع النص القرائي" .
هــذه النظريــة كــانت قائمة وظــاهرة في قــول الجرجــاني إذا هــذه
النظرية كانت قائمة وظاهرة في قـول الجرجـاني " إذا رأيت البصـير
بجواهر الكالم يستحسن شعرا أو يستجيد نثرا ،ثم يجعل الثناء عليــه
من حيث اللفظ فيقول :حلو رشــيق و حسن أنيــق و عذب ســائغ و
خلوب رائــع ،فــاعلم انــه ليس ينبئــك عن أحوال ترجــع إلى أجــراس
الحروف ،و الى ظاهر الوضع اللغوي ،بل الى أمر يقع من المرء في
2
فؤاده ،و فضل يقتدحه العقل من زناده "
ولقد بين من خالل هذا النص الذي يحمل فكرة من أفكــار الجرجــاني
و هي المعنى الذي يقع للمتلقي و القارئ و كان محمد الــوالي الــذي
قال عندما قام بقراءة النص أكــد أن من خالل هــذا النص حاول عبــد
القاهر الكشف عن حقائق استحسان الشــعر بسبب اللفــظ ،و قــد
توجه الى شيء يقع للمرء في فؤاده اي الى المعنى .من خالل هــذا
التعليق يمكننا أن نتأكــد أن الــوالي لم يهتم الى معــنى نص جرجــاني
من خالل مؤشراته المذكورة عن دور القارئ في المعــنى ،بطبيعــة
الحال هذا ما تنص عليه نظرية التلقي وهي نظرية عريقة في العربية
حيث عرفها عبد الواحد أنها عملية التفاعل النفسي و الــذهني مع
النص القرائي ".
وكان هناك كالم عن هذه النظرية حيث قال لنا أيـزر " :انـه بدأ من
الصــعب ان يخطــر ببــال النقد ان النص ليس في وســعه أن يمتلك
3
المعنى اال عندما يكون قرئ "
1ينظر :عبد الواحد ،محمود عباس :قراءة النص و جمالية التلقي ،دار الفكر العربي ،
، 1996القاهرة ،ص14
2نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 186
3المرجع نفسه ،ص 187
55
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
إنما هذا الكالم قد قام بتصريح به الجرجاني في القرن الرابع ،لكن
لم يتفطن له احد من النقاد العـرب اال بعـد قــراءة معطيـات نظريـة
التلقى التي نسختها عندي يــاوس على مركزيــة القارئ على عكس
رؤيــة ايــزر الــتي كــانت ضــمن تفاعليــة الــتي تكــون بين الــذات
والموضوع :المتلقى والنص بطبيعة الحال قد تأسست هذه النظريــة
على يد الناقديين األلمانيين (هــانس روبرت يــاوس) و (فــو لففــانغ
ايــزر) وهي بحــد ذاتهــا تسعى إلى تجديــد التواصــل األدبي بين النص
والقارئ واالهتمام بهما .كما تحــدث تحــدث عنهــا يــاوس احاديــة
المتلقى ودورها في إنتاج المعنى هنا هــو يقترب اكــثر واكــثر إلى ما
ذهب إليه الجرجاني في المعـنى ال ينحصـر في النص بقدر ما يوجـد
لدى المتلقى وهي طريقة اعتباطية.
ذكر انا محمد نص الجرجاني الذي ال يحمل فقط نظرة هاوس و ايزر
بل كل ما يكتبه علم من أعالم التأويلية المعاصرة ،فهناك من يؤكد و
ينص عل دور القارئين تحديد سيرورة التأويل الذي ينفي دور الكاتب
في تشـكيل النص ،و اكـد لنا ايكـو ان الشـاعر ال يجب ان يقدم أيـة
تفسيرات عن عمله و كتاباتــه ،باعتبــار النص بمثابة آلــة الثــارة
التفسير ،و مثال عندما يكــون تساؤل بخصــوص النص فمن غــير
المناسب التوجه مباشــرة الى المؤلــف و انما الى القارئ من خالل
هــذه اآلليــة التخيليــة فهــو من يقوم و يخلق المعــنى و يحــدده عبر
موســـوعات التأويليـــة ،النص هـــو من يمثـــل سلسلة من الحيـــل
التعبيرية .فالنص في نظره يكون موضوعا للتفعيــل فهــو يصــير غــير
كامل فالنص كامل يتأسس عبر تفعيل القارئ لمضمونه عبر سلسلة
بالغة الصعوبة و التعقيــد بين النص و الــذات .من خالل عذا التعقيــد
فمن الضــروري العــودة الى القواميس و التسليم الى بمدلوالت
الدوال القاموسية
وقد تحدث نبيل محمد عن النصوص الجرجانية الــتي تتضــمن األدوات
واإلجــراءات والمفــاهيم المرتبطــة بالنظريــات النقديــة الغربيــة ومن
المهم أن نبين معالم مفاهيم نظرية أفعال الكالم التداولية في تفكــير
النصوص عبد القاهر الجرجاني وهذا ما قام بفعله عبد العزيز حمودة
من أجل إثباته ضيق نضرته السوسيرية الى التراث
56
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
/ 2معالم نظرية أفعال الكالم لدى الجرجاني /نحو تجاوز
النظرة النسقية
و للحديث عن هذا ال يعني أننا سنتعمق في البحث عنه النــه يحتــاج
إلى بحث عميق و أعمق بكثير ويحتاج إلى بحث كامال منفرد لــه أنــا
ما ســنتحدث عنه من اجــل رؤيــة االحاديــة لحمودة الــتي حصــرت
الجرجاني في بيــنيوي غــربي الــذي ال يقيم دور للمتلقي و بخصــوص
حمودة فهو دائما يتسائل عن من يسبق اآلخر العالمة اللغويـة أم
الموجــود .من خالل هــذا التساؤل فإنــه يقربنا الى الرؤيــة البالغيــة
التداولية من دون تفكير لكنه سرعان ما يغير هذا من خالل ميله إلي
ثنائية اللغة والكالم التي تعتبر من اشــهر ثنائيــات دي سوســير الــتي
قام بإعادة صياغتها لتاسيسه للنظرية اللغوية العربية .
فقد عرف خطاب الجرجاني على عدة منظــورات فهــذا النص الــذي
يتحدث عنه سالم سعد الله فقط لتاكيــده لنا ســيميائية تفكــير عبــد
القاهر الجرجاني الذي تم ذكره وتناوله في كتابه ( مملكــة النص )
الذي يعتبر من أهم كتب " لسالم ســعد الله " و قــد قــال الجرجـاني
في قولــه " :االلفــاظ ال تفيــد حتى تؤلــف ضــربا خاصــا من التــأليف
ويعمد بها الى وجه دون وجــه من الــتركيب والــترتيب ، 1 ".من خالل
هــذا القول المذكور يمكن القول إن التــأليف يمكن أن يعــود الى
توافق في سمات او ما يمكن أن نطلق عليها ماهيـات النص بالرغم
من البعد البنيوي الــذي يكــون في معظم وأغلبيــة كتب البالغــة ،فــإن
الشق التداولي ومصطلح التداولية يعود من أبرز المصــطلحات الــتي
عرفت الكثــير من التعريفــات .كما عرفهــا دالش ) : )Dalachانهــا
تخصص لساني لكيفيــة اســتخدام الناس لألدلــة اللغويــة ،في صــلب
احاديثهم و خطاباتهم كما يعني من جهة أخرى بكيفيــة تــأويلهم لتلك
2
الخطابات و األحاديث".
فالشق التداولي كان حاضر بكثرة لدى الجرجاني إلنها ضمن تخصصه
اي تخصص اللساني ،لهذا نجدها أعمق و تظهــر لنا من خالل كتابه
(دالئل االعجاز) الذي يتضمن 716صفحة
1نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 189
2الجياللي دالش ،مدخل إلى السانيات التداولية لطلبة معهد اللغة العربية و آدابها ،ترجمة
محمد حايتن ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،ص1
57
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
و هــذا ما يربط التشــكيل بسياق التلفيــظ حيث أكــد لنا الجرجــاني
السياق الشارح العجاز المعنى و اللفظ في القرآن الكــريم ،فــاالول
هو يــبين ســياق النص الــداخلي و الثــاني ليــبين لنا المقام .فمسألة
السياق هنا يمكن ربطهــا بالنظريــة السياقية االنجليزيــة فال يمكن
بعزلها عن الفكر التداولي
و حدثنا نبيل على العالقــة الــتي تجمع بين الجرجــاني و أوســتين في
تشكالت المعنى (فالجرجاني عرف اعتماده على الخطــاب الشــعري
التخيلي ،سواءا مباشرة أو غير مباشر و التخيلي ،و كــل هــذا يمكننا
ان نلخصــها و نختصــرها في المتحــدثين و المتخــاطبين و الزمان و
المكان).وهذه نعتبرها ظروف كما ســماها جــون ســيرفوني بالمكون
اللفظي فهو يساعد في خروج الملفوظ من معناه الحرفي الى معناه
المجـــازي .بهـــذا الخصـــوص قـــال الجرجـــاني حيث يقرأ المجـــاز
العقلي ":فعــل الربيــع في كونــه خروج عن موضــعه في العقل ألن
اثبات الفعل لغير القادر ال يصح في قضــايا العقول ،إال ان ذلــك على
سبيل التأول و على العرف المجــاري بين الناس أن يجعلوا الشــيء
1
سببا او كالسبب".
وذكر لنا نبيل شرطين متالزمين و ضعهما الجرجاني فاالول هو التأول
العقلي و الثاني فهو مراعاة لذلك التأول العقلي ،و كــان لغــرايس و
عبد القاهر اقتراب في قضية االنتقال من المعنى الحــرفي الى الغــير
الحرفي حيث ذكر ان بعض من االغراض تقوم على داللة اللفظ على
معناه الوضعي الظاهر لهذا الكالم امثلة الجرجاني عن هذا :2
كثير رماد القدر -
طويل النجاد -
نؤوم الضحى -
رأيت أسًدا -
فالمثال االول و الثاني و الثــالث هم كنايــات عن صــفات المضــايقة،و
هذا يدل على بالغة الكناية التي كانت في مشروع الجرجاني و هذه
أهم بعــد الطــرح التــداولي العــربي الــتراثي ،فكتابة ال تفهم في
السياق النه يسهل علينا عملية االستدالل .
نبيل محمد الصغير ،تشريح المرايا في نقد عبد العزيز حمودة ،ص 190 1
المرجع نفسه ،ص191 2
58
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
رابعًـا :قراءة في إواليات النظرية األدبية العربية : -
/ 1األدب بوصفه محاكاة لغوية
" األدب بوصــفه محاكــاة لغويــة " و هــذا ما ســنتوقف عليــه
حمودة في هذا الجزء الذي ذكر كلمة " المحاكاة " التي تعتــبر من
أشهر الكلمات عند فالسفة اليونانين أمثال سقراط إلى أفالطون إلى
ارسطو بطبيعة الحال المحاكاة هي كلمة عربية التي تعــني
تقليد أو تمثيل شئ ما بطريقة مشــابهة أو مصــغرة و هي
مشتقة من كلمة التينية “ ، “ simulareو االنطالق من هذا
الذي يؤكده لنا حمودة أن ظاهرة التأثر كــانت و واضــحة في الــتراث
العـربي حيث كـان لتـأثير اليونـاني مكانـة تاريخيـة و لم يكن بإمكاننا
تفاديه ولم يكن سبب في ذكاء البالغة العربيــة حتما ألنهــا كــانت لهــا
إتجاهها الذي كان يؤدي إلى تصوير النظرية األدبية سواء حدث التأثير
اليوناني و إن لم يحدث ذكر لنا نبيــل حكم الــذي إعتــبره دعما عاما
لحمودة في هذه القضية تطوير البالغة العربية الذي كامت ذو منهجها
الخاص.
يمكننا أن تقدم تساؤل حول هذا لمــاذا كــانوا يحــاولون ربــط
تطوير البالغة العربية بالتأثير اليوناني عليهــا ؟ اال أنــه ليس
من الشرط ظاهرة التأثر و التأثير قائمة على الفكر اليوناني .
وذكر لنا نبيل عن الميزة الــتي إكتشــفها حمودة عند النقاد العــرب
الذي اعتمدوا على مفهوم المحاكــاة للكشــف عن خطــوات الخطــاب
الشعري [ فمفهوم المحاكاة عند طرح أفالطون هي تقليــد
أو محاكاة لماهو موجود في عــالم المثــل و المحاكــاة في
طرح ارسطو حيث يــرى أن كــل الفنــون تعــود في أصــلها
الى رغبة اإلنسان في محاكاة لما حوله ] مناسبات قبلية.
حيث يقول حمودة " :تصوير الباطل في صــورة الحــق ،و الحــق في
صورة الباطل بمثل التعديل الذي أضافه البالغيون العرب إلى مفهوم
أرســطو األصــلي ،فجعــل الجميــل قبيحــا و القبيح جميال لم يقل به
أرسطو الذي تحدث عن محاكاة القبيح بصــورة أكــثر قبحــا و الجميــل
59
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
بصورة أكثر جماال ،وشــتان بين النظريــتي " 1و كــان اليونــاني قــول
مشهور بهذا الخصوص وهو الجميل لماهو جميل و القبيح لما هو قبيح
وكان للعرب رأي أيضا وهو معاكس تماما لليوناني وهم جعلوا القبيح
جميال و الجميل قبيحا .حدثنا عن ميزة البالغــة العربيــة من منظــور
عبد العزيز التي تعاملت مع مفهوم المحاكاة األردنية بحرية و الصــحة
حيث باءت كخالصة لمقتنيات البالغة العربيــة ومن أســباب ســوء فهم
المحاكاة وهي بسبب الترجمة و النقل.
وكل هذا األســباب إعتبرهــا مجــرد فرضــيات الــتي يمكن االســتفتاء و
التسليم عنها اال أنه إستفتى عليها .وقد ذكــر لنا أن البالغــة العربيــة
إعتبرهــا حمودة مكتسبة من الفكــر اليونــاني في البعض منهــا لكن
بطريقة يمكن القول عنها نظامية .
فالطريق األولى المذكورة كانت ضمن نطاق الفهم و القراءة فلذلك
و القراءة فلذلك قاموا بأخد ما يمكن اإلفــادة من المحاكــاة اليونانيــة
للكشف عن خصائص الظاهرة األدبية فحسب نظر حمودة فالطريقة
االحتياطية قامت عبر الفهم الخــاطئ عن المحاكــاة عند أرســطوا و
بخصــوص الموضــوع المتعلق بالمحاكــاة نجــد العديــد من التعــارض
الواضحة في الطريقة األولى و الثانية ،لكن الفهم الذي يعتبر صــحيح
في فهم المحاكاة اليونانية و تحيينا الحصيف و أما عدم فهمهــا .وكب
هذه االعترافات يمكننا أن نتقدم و نقترح فكرة على عبــد العزيــز إما
أن يتقبل هذا التراث البالغة العربي و إعتبره كظــاهرة صــحيحة ،أوال
يتقبل ذلــك مع النقاد العــرب المعاصــرين أمثــال كمال أبي ديب
الــذي قــام بتحســين معطيــات كلــود ليفي ســتراوس و
فالديمير بروب في تحليله للقصائد العربية ،و كذلك الشئ
نفســـه ،لـــدى يمـــنى العيـــد في تأثيرهـــا بغولـــدمان و
2
إستفادتها منه.
و لكل هذه التناقض للرأي اليمكنني فهمها ،فهل التأثير ماهو أجنبي
عن الثقافة و النقد العربي صحيح و مقبول فقط عندما يكون قديم ؟
لهــذا يجب أن يكــون التــأثير واحد ،ال أن يكــون متساهله مع كــل
ماتراشي ،ويجب أن يكون متزامنا مع كل ماهو عصري وليس قديم
فقط .
فحدثنا نبيل محمد صغير عن محاولة ربط عبد العزيز حمودة لعنصــر
التخييل و المحاكاة .مم هذه المحاولة الذي يربط ربطتها سأذكر
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص194 1
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 195 2
60
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
بداية فكرة التخييم بأرسطو الــذي يــرى أن الفن محاكــاة ،لكن كــان
لربط حمودة بأكبر عدد من النقاد العــرب من أهمهم عبــد القاهر
الجرجاني فخيال عند عبد القاهر "و هــو قــوة تحفــظ ما يدركــه
الحس المشــترك من صــور المحسوســات بعــد غيبوبة المادة بحيث
يشــاهدها الحس المشــترك كلما إلتفت إليهــا .حيث قــام بربط بين
المحاكاة في الشعر و المحاكــاة في الرســم و التصــوير وكــان هناك
نص للجرجــاني الــذي إستشــهدا به حمودة بخصــوص الربط " و
لإلحتفاالت الصنعة في التطورات التي تروق الســامعين و
تروعهم ،و التخيالت التي تهز الممــدوحين و تحــركهم ،و
تفعل غعال شبيها بما يقع في نفس الناظر إلى التصــاوير
الــتي يشــكلها الحــذاق بالتخطيــط و النقش أو بــالنت و
النفر ...حتى الدني رفعه ،والغــامض القــدر نباهـة ،وعلى
العكس يغض من شرف الشريف ،ويطأ من قدر ذي العزة
،ويخــدش وجــه الجمــال ويتخونــه ...و يصــنع من المــادة
الخسيس بدعا يلغو في القيمــة و يعلــو" 1فــالجزء األول من
النص الذي يشير لنا إلى المقاربة بين التخيل والمحاكاة وكــل مادمج
و خلط المفــاهيم فــالجزء الثــاني هــو المفهــوم العكسي لمفهــوم
2
المحاكاة األرسطية:
تخييله و محاكاته في صورة أجمل و أبرع الجمال
محاكاة مطابقة
تخييله و محكاته في صورة القبح القبح
فمفهوم محاكاة االرســطية قائمة على الجميــل و القبيح اال أن عيــد
القاهر الجرجاني لم يلتزم بهذا الفهم لقضية التخييل والمحاكاة .فهــو
يعكسها تماما من خالل أن محاكــاة الجمال في صـورة قبيحــة فهـذه
داللة على محاكاة تقبيح و محاكاة القبح في صورة جميلة فهــذه هي
محاكاة تحسين عنده لكن لماذا هــذه المفــاهيم المعاكسة لبعضــها
البعض ؟
1عبد القاهر الجرجاني ،أسرار البالغة ،دار المعرفة للطباعة و النشر ،مكتبة القاهرة ،
1961
2نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص196
61
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
وبخصوص قضية المحاكاة و التخييل عند ذكرنا لعبد القاهر الجرجاني
فإننا حتما سنتحدث عن القرطاجني الذي قام بجمع أنواع المحاكيــات
و التخاييل وهذا من خالل االدماج بين كل من وجهتي نظر أرســطو و
الجرجــاني فإعتمد حمودة أيضــا على نص القرطــاجني " ،وتنقسم
التخاييل و المحاكيات بحسب ما يقصــد بهــا الى :محاكــاة تحسين و
محاكاة تقبيح و محاكاة مطابقة "
أي محاكاة التحسين نستعملها في المدح و الفخــر و محاكــاة تقبيح
في الندم و الهجـاء و محاكـاة مطابقة هي الـتي تحـدث وأثـر عليهـا
أىسطو و هــذه األخبرة نستعملها لغــرض التعلين و التطهــير .ومن
خالل هــذا نتأكــد بنسبة كبــيرة على أن عبــد القاهر الجرجــاني و
القرطاجني لم يلتزما أبدا بما جاؤ به أريطو .وهنا نتساءل لماذا لم
يلتزما بما جاؤ به ارسطو؟ و لماذا هــذا التوســع هــل توســع بطريقة
إعتباطية أو نظامية ؟
ذكر نبيل عن قضية الخلط االعتباطي بين مفهوم المحاكاة و التخييــل
التي كــانت لهــا دور هاما عند حمودة في تغيــير المقوالت النقديــة
القرطاجنية بالرغم من انتفــاده لما ذكــره محمد الــولي عند وقــوع
التباي لدى القرطاجني بين هذين المفهومين أي المحاكــاة و التخييــل
الذي كان ملتبسا الذي زاد في لبسه كونه يعطف أحدهما على اآلخر.
وقد قام حمودة بتسجيل إعتراض على تخريج الــولي وهــذا التعــويض
صادر من توجه معاصر متأثر بتيارات علم النفس .
ذكر لنا نبيل قول بلعلي إمنة في مفهمهــا للتخييــل و المحاكــاة لــدى
القرطاجني "لقد اوضح حازم كيف تتم عملية التخييــل وحدد طرقهــا
التي تتمثل في تفكر بحث أو بواسطة سماع أو مشاهدة شــئ يــوذي
إلى تــذكر شــئ آخر ،أو محاكــاة معــنى معين لقول ما ســاعد على
تخييله" . 1
ومن هذا المنظور فإن المحاكاة تعتبر وسيلة للتخييل وهي التي تقوم
بلحــق معــنى آخر وهــو الــذي يحــاكي ما ثم تخييله بطبيعــة الحــال
فالمحاكاة هي خاصية إنسانية ألنها هي عبارة عن جسر تواصــل وهي
وسيلة للكالم وهي أيضا التي تنتج لنا التفاعل بين النص و المتلقي .
/ 2اإلبداع بوصفه تغريبا لغويا
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص195 1
62
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
سنتحدث عن قضية اإلبداع عند حمودة التي تعتبر القضية المجــاورة
القضية التخييل و المحاكاة التي تطرقنا لها سابقا حيث أن الخطــاب
الشعري فهو يعتمد على اإلبداع كما قال عنها اإلبداعيـة اللغـة فجعـل
لنا عبـد العزيـز من النقد اللغـوي الـذي يتمحـور على القصـيدة أول
البيت الشعري فقط للكشـف عن كيفيـة ابداع الشـاعر لخطاباتـه و
ايضا نصوصه و على فهم الناقد التراثي لهذه االبداعية.
ذكر لنا نبيل محاولة حمودة في القيام بالمقاربة بين تحليــل البــنيوي
والكشـــــف عن العديـــــد من التالعبـــــات اللغـــــة في الخطـــــاب
الشعري .وحدثنا عن اقتراضه بأنه نقد تطبيقي عربي ":لماذا يحــل
البنيويين في جميع بقاع االرض التعامل مع النص األدبي من مدخل
لغوي ،ويحرم ذلــك على البيــان العــربي على الــرغم من أن التحليــل
البنيوي اللغوي يتوقف عند آلية تحقق الداللــة ،و ال يكــترث للداللــة
1
نفسها بينما يحقق التحليل اللغوي العربي االثنين معا".
من خالل هــذا النص الــذي ذكرنــاه يمكننا نتعــرف عن ســبب الــذي
يسعى إليه حمودة إلثبات وجود النقد تطــبيقي في الــتراث التطــبيقي
النقدي والبالغي ،ومن هنا نتعرف عن طرحه لتحليل الجرجاني لــبيت
شعري ،سنقوم بذكر البيت لكي نكشف عن اليات التحليل الحــداثي
عند عبد القاهر الجرجــاني الــتي يمكننا أن نتعــرف عليهــا من خالل
تاويله وفهمه في حيز معاصر حداثي ،ســنذهب الى قــول الجرجــاني
في تحليله للبيت الشعري التالي:
وكم ذدت عني من تحامل حادث
و سورة ايام حززن الى العظم
ســنتطرق الى ذكــر تحليــل خاص لهــذا الــبيت من خالل هــذا الفهم :
"حززن اللحم الى العظم ،إال ان مجيئه به محذوفا و إسقاطه له من
النطق و تركه في الضمير مزية عجيبة و فائــدة جليلة ،و ذاك ان من
حذق الشاعر ان يوقع المعنى في نفس السامع ايقاعا يمنعــه به من
ان يتوهم في بدء االمر شــيئا غــير المراد …و يجعله بحيث يقع في
أنف الفهم (اول الفهم) و يتصوره في نفسه من أول االمر ان الحــز
2
مضى في اللحم حتى لم يرده الى العظم
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص 198 1
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ص 199 2
63
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
يعتبر هذا النص هو نموذج اساسي في النقد التطــبيقي العــربي .و ال
يمكننا الرفض و االعتراض على هــذا النموذج الن عبــد القاهر يتخــذ
التطبيق أساًس ا للقيام باستخراج االحكام النظريًة
فقام عبد العزيز حمودة بتاويل هــذه آليــات التفكــير التطــبيقي لــدى
اآلخر لكنه نظر اليها نظرة من ايستيمولوجية ،فسنذكر مثــال حمودة
بخصوص تأويله لكن بشكل خاص به هــو فقط مع ادخال تساؤالت
عن هذا
"أليس اللفظ المحذوف هنا هو المسكوت عنه the unsaidفي لغة
النقد الحــداثي ،و ما بعــد الحــداثي اليــوم؟اال يخلق المسكوت عنه
"اللحم"هنا،فجوة يقوم المتلقي بملئها،بالمعنى ما بعد الحداثي أيضا؟
اليس هذا على وجه التحديد ما يعنيــه عبــد القاهر الجرجــاني حينما
يحول الحذف الى مبدأ نقدي ســبق اليــه نقاد النصــف الثــاني م من
1
القرن العشرين "
ومن خالل كل هذه التساؤالت ال يمكننا ان نقوم بإنكــار مدى حضــور
معلومات النقد الحداثي .ومن هذا الــذي ذكرنــاه ســابقا نتعــرف على
موقـــف حمودة المتناقض لمثـــل هـــذه التـــأويالت و حتى لهـــذه
االسقاطات لكنها من دون مبرر ،فحــدثنا حمودة عن الحــذف كأنــه
مؤشــر لوجــود مسكوت عنه واليمكن التصــريح عنه النــه ال وجــود
لقاعدة لهذا المسكوت عنه.و من جهة اخرى فإنه يمكن لهذا الحــذف
فقد من اجــل خلق فــراغ للمتلقي فئ ملئهــا فهــذا ال يمكن االعتماد
عليه ابدا ،و انطالقا من مفهــوم الجرجــاني فإنــه العكس تماما فهــو
قام بالحذف لحصر الفهم و وضع حد للتــأويالت المتعــددة .و من هــذا
نستخلص أن الفراغ ال يمكننا خلقها عبر وجود فراغ فقط ،لهــذا عبــد
القاهر قام بتصحيح لنا هذه المعلومة.
حدثنا نبيــل عن النقطــة األساســية الــتي تم كشــفها لنا عبــد العزيــز
حمودة في األمثلة التطبيقية .و هي عبارة عن تجاوز الجرجاني و هذا
التجاوز هدفه الكشف عن آليات تحقيق الداللة.و حمودة ال يقلل في
نماذجــه في النقد التطــبيقي على "دالئــل اإلعجــاز بل يركزهــا على
أسرار البالغة "و هذين القوانين عما كتب لعبد التــامر الجرجــاني .ثم
المرجع نفسه ص 202 1
64
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
ذكرهم فقط للدفاع عن أطروحات كــون النقد البالغي العــربي قــام
بتجاوز كل هدف للكشف عن الداللة و التحقق إلى تحديد المعــنى .و
عندما نتحدث عن تشكل مرجعية حمودة فإننا سـنذكر تحليله لثالث
أبيات وهم : 1
بيت بشار: -
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
و أسيافنا ليل تهاوى كواكبه
بيت المتنبي: -
يزور األعادي في السماء عجاجة
أسنته في جانبيها الكواكب
بيت عمرو بن كلثوم : -
تبني سنابكها من فوق أرؤسهم
سقفا كواكبه البيض المباتير
حيث قال الجرجاني ان لكل هذه االبيات الثالث كأنها بيت واحد النهــا
كلها تشبه لمعان السيوف في الغبار بالكواكب في ليل .رغم ان لكل
بيت له شاعره الخاص به .
فاالول نجده الى شاعر بشار الذي نجــد لهــا التــأثير النفس من خالل
الكــرم و اللطــف الــذي تحمله .ومن خالل هــذه االبيــات ســنعود الى
السمات ،فالسمة هنا هي الجامعــة بين الكــواكب و السيوف انهــا
تتساقط دون نهايـة و كانهـا ال نهايـة لهـا ابدا .لهـذا قـام الجرجـاني
بتفضيله لبيت بشار النــه في حاجــة الى تــدبر و تأويــل عكس البيــتين
األخريين يعني بين المتنبي و عمرو بن كلثوم .
فالهــدف من المقارنــة هنا جــاءت على اســاس اتمامهــا المعــنى و
توضيحه للقارئ لكن ليس تمام التمام المعنى او عدم اتمامه فهــو ال
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص200 1
65
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
يخلق البعد الجمالي بل هو االبداعية و التغريب للقيــام بالعالقــات من
جهة و من جهة اخرى التي تقوم بين معانيها و سماتها المتميزة.
و ســنقوم بالمقارنــة بين كــل من تحليــل الجرجــاني و فهم حمودة ،
فسنجد ان الجرجاني لم يحصر البعــد الجمالي و الــداللي في عالقــة
الحذف و الذكر فبيت بشار هو عبارة عن توضــيح السمة المشــتركة
بين المشبه و المشبه به ،فعبد القاهر في تحليالتـه نجـد ان النقديـة
تميل الى تحديد البعد الداللي و القيمة الجماليــة ايضــا.وفهم حمودة
آلليات النقد التأويلية الجرجاني و هو اثبات لوجود نقد تطبيقي عربي
يستند الى البالغة و هذا من اجل الكشف عن ابداعية الشعر ،و قــام
حمودة بربط تقنية اساسية و هي اعجــاز الحداث عنصــر االبداعيــة و
اللغة الشعرية.و كان يسعى لهذا بشدة و اخذ من طرح جوناثان كللر
مؤطرا حيث قال حمودة ":السبب في اختيار تلك الكلمات لجونثــان
كلر البد ان يكون واضًح ا و ضــوح الشــمس .فــالتعريف الــذي يقدمه
الناقــد األمريكي الكبــير في نهايـة القرن العشـرين لطبيعــة المجــاز
ووظيفته ال يختلف في اي من جزئياتــه عن تعريــف البالغــيين العــرب
1
لطبيعة المجاز في اللغة و األدب و وظيفته"
ومن خالل هــذا النص نجــد إلتقاء بين تــوجهين بالغــيين ،رغم ذلــك ال
يثبت او يبرهن جــدارة البالغــة العربيــة ،و قــد قــدم حمودة بتقديم
اعتراف عن المجــاز الــذي كــان عند عبــد القاهر الجرجــاني اســاس
لنظرية الشعر العربية .اكد لنا محمد الــوالي ان الوظيفــة االنشــائية
عند عبد القاهر هو اعتبارها مجموعة من الصفات التي تعمر الكالم و
تحدث له تأثير جمالي للمتلقي .
سنتحدث عن الطابع المجازي للغة الشعرية من منظور الجرجاني ،و
هذا يستدعي ثنائية المعــنى و معــنى المعــنى.و نجــد أن هــذه الثنائيــة
هذه تعتبر حامية للغة اإلنسانية جميًعا.
حيث حاول حمودة القيام بربط بعض أراء الجرجــاني ،و هــذا الربط
الذي كان مع فكر الجرجاني البالغي النسقي الضابط لحــدود التأويــل
و المعنى و هذا تم ربطه مع جاك دريدا ،حيث ذكر لنا عبد العزيــز ان
ما قالـه عبــد القاهر قبــل دريـدا بالعديـد من القرون بثمانيــة قــرون
بالضبط فإنه ال يختلف كثيرا عن مفهوم الناقد التفكيكي.
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص202 1
66
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
و قد تم تفصل الجرجاني في شرحه للمعاني قائاًل في نصــه التــالي :
" فهاهنا عبارة مختصرة و هي ان تقول المعنى ومعنى المعنى تعــني
بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ و الذي تصل اليــه بغــير واســطة،و
بمعنى المعنى ان تعقل من اللفــظ معــنى ثم يفضــي بك ذلــك الى
معنى آخر 1 ".ومن خالل هــذا الشــرح نــرى انــه وضــع اســاس االول
الجوهر ميتافيزيقيــة الحضــور .ومن خالل الربط ســألجأ الى تساؤل
حول :ماهو اساس هذا الربط؟
نجد ان حمودة نقد جاك دريدا في كتابه المرايــا المحدبة و الخــروج
من التيــه .لكننا لم نستطيع اال ان هــذا النقد اما مدح او اعالء من
قيمة طرح الجرجاني
كشــف لنا حمودة عن رغبتــه في الوصــول الى ايجــاد مقاربة بين
طرحين متناقضين جدا و نص الجرجاني هــو ايضـا عبر بهـذه الجملة
الــتي هي مقيــدة لكيفيــة االســتدال و هــذه الجملة (كالــذي فسرت
لك، ).و قد ذكر لنا ان االســتدال مضــبوط بكلمة "تعقل"حيث هــذه
الكلمة تدل الى اعمال العقل و آلياتــه المنطقيــة لالنتقال من معــنى
الى معنى.
ذكر نبيل ثالث شروط التي سنها الجرجاني و الهدف منهــا هــو لعــدم
2
وقوع في الغموض الداللي اثناء توظيفه االستعاري في الشعر وهي
:
-1اساس التــأليف بين المتباينات ان يكــون هناك ســبب معقول
المشابهة
-2ن تكون المعاني التي تجسدها الصورة المجازيـة تستحق عناء
البحث عنها
-3نقل او استعارة صفة غالبة من المشبه به للمشبه
حيث بدى لنا هذا الغموض الذي يميز لغة النقد البــنيوي و التفكيكي ،
ومن خالل هــذا جعلنا حمودة يسعى الى اثبــات غيابه في النظريــة
النقدية العربية.و عن وصولنا هنا نجد ان ربط فكر الجرجاني بتفكيكة
دريدا الغير مبررة،التي تهدف الى ايجاد نقاط تقارب سطحية مقاربة
بينهما .
و لكن لماذا الرجوع الدائم الى تفكيكية جاك دريدا؟
حيث قــام حمودة بمقارنــة بين تعامل الجرجــاني وتعامل جــاك
دريــدا ،وهــذا هــو عبــارة عن رفــع من قيمة النقد البالغي العــربي
المرجع نفسه ،ص203 1
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة ،ص204 2
67
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
باعتبـــاره يقترب من اطروحات دريـــدا في مقولـــة" الزيـــادةLa
" supplément
وحسب ما رأيته من هذا التحليل أجــد أن عبــد العزيــز حمودة يــدافع
كثيرا عن نفسه من أي ردت فعل ومن نقد لــه ،من خالل ربطــه بين
المتناقضات .ومن خالل هذه القراءة لهذا الجزء نجد أننا ســنتجه إلى
نقطتين اساسيتين و هما :اليمكننا اعتبار كل ربط بين النقد الحــداثي
و ما بعد الحداثي من جهة و البالغة العربية من جهة اخرى هذه تعتبر
هي النقطة االساسية االولى و اما النقطة الثانية و هي ابداعية اللغــة
و مجازيتها في الخطاب الشعري.
68
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
/3قضية الصدق و الكذب بوصفها مؤطرا شعريا
بعد استعراض األسلوب اإلبداعي للشعر ومجازاتــه في النقد األدبي،
يتجه حمودة نحو موضوع آخر يتعلق بالصدق و الكــذب في الشــعر
وشخصية الشاعر نفسه ،ينتقل النقاش من النظــر إلى الشــعر كفن
بحت إلى النظر إليه كوسيلة للتعبير عن الحقيقة والواقع ،وقد تمت
معالجة هذه األفكار من قبل في النقد األدبي الذي يركز على االلتزام
والجمال ،يستند حمودة في تأسـيس موقفـه إلى البالغـة العربيـة،
متسائًال عن موقفهــا من الصــدق والزيــف وكيــف تعامل البالغيــون
العرب مع التأثيرات األجنبية والتقاليد السلفية.
ترتبط مفاهيم الصدق والزيــف بالنقد األخالقي الــذي يــدعو الشــاعر
للتعبير عن المشاكل االجتماعية ،مما يدفعه بعيًدا عن مبدأ الفن للفن
ويقربه من الواقعيــة ،يحلل حمودة النقد الحــديث للعقاد لمرثيــة
شوقي ،مشيًر ا إلى تحليل العقاد النصي للغة الشعرية وكيف يتناقض
ذلك مع النقد الصادق إذ يقول : 1
لما نعيت إلى الحجاز مشى األسى
في الزائرين وروع الحرمان
السكة الكبرى حيال رباهما
منكوسة األعالم والقبضان
تحدث الكــاتب عن نقد العقاد لشــعر أحمد شــوقي ،حيث يستخدم
العقاد معيار الحقيقة والماهية لتقييم الشــعر ُ ،يشــير إلى أن الشــعر
يجب أن يعكس الواقع بدقة ،ويستخدم مثال السكة الحديديــة لُي بين
أن بعض الصور الشــعرية ال تمتلك خصــائص واقعيــة ،مثــل القبضــان
الــتي ال تنكس ُ ،يظهــر العقاد كيــف أن الشــعر ينبغي أن ُيبــنى على
أساس مورفولوجي الــتي ال تنكس ُ ،يظهــر العقاد كيــف أن الشــعر
ينبغي أن ُيبنى على أساس مورفولــوجي صــحيح ،وُيطبــق نقًدا نص ـًيا
ينظر :نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا ،ص206 1
69
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
وسيميائًيا للغة الشعريةُ ،معارًضا بذلك الشكوك الــتي أثارهــا حمودة
حول صدق ومنطقية تحليالت شوقي النقدية ُ ، 1ي برز أهميــة الدقــة
في استخدام اللغة والصور الشعرية لتعكس الحقيقة والواقــع بشـكل
صحيح
يناقش " بن الصــغير " اعتماد الشــاعر أحمد شــوقي على معيــار
الصــدق في شــعره ،مما يقلل من اســتخدام الخيــال والمحاكــاة
اإلبداعية ،يستشهد العقاد بمثال عن الحرمين في الحجاز ليبرز كيف
أن التمسك بالواقعية يمكن أن يحــد من الجماليــة الفنيــة في الشــعر
قائال " :والحرمان في الحجــاز هما الحــرم المدني والحــرم المكي،
وكل قارئ للصحف ،والسيما لدن وفاة مصطفى كامل يعلم أن ليس
حيال ُر بى مكة سكة كبرى وال صغرى ،وكذلك هي حتى الساعة " ،2
مظهرا كيف أن التعامل مع الشــعر بمنظــور تــاريخي وثــائقي يفقد
النص جانبه الفني
كما يتطرق إلى موضوع الصدق والكذب في النقد العربي القديم،
مشيًر ا إلى النقد اإلسالمي الذي يفصل بين الشاعر والقيم الدينية،
مع ذكر مثال عن الشاعر قيس بن ذريح ُ ،يقدم النص تقسيًما
لمفهوم الصدق إلى صدق علمي يتوافق مع الواقع ،وصدق فني
يتوافق مع قبول النفس ،وينتقد عدم إدراك حمودة لهذه الجوانب
الفلسفية
/ 4السرقات األدبية بوصفها تناصا
ُتعتبر العالقة بين االقتباســات واإلحاالت األدبيــة في األدب العــربي و
التناص(*) عنصــًر ا محورًي ا في النقد األدبي العــربي ،خاصــة في
نظريات حمودة .على الرغم من البحث المكثـف في هـذا الموضـوع،
يــرى حمودة أن هــذه العالقــة تشــكل دليًال على وجــود تقليــد نقدي
1
ينظر :نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا ،ص206
2المرجع نفسه ،ص206
70
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
تطـــبيقي في األدب العـــربي .يؤكـــد حمودة أن النقاشـــات حول
االقتباسات األدبية قد مهدت الطريق للتنظير البالغي والنقدي الحًقا
يسعى حمودة إلى إقامة عالقة بين االقتباســات األدبيــة والتناص في
الفكر ما بعد الحداثي ،معتبًر ا أن االهتمام الكبير باالقتباســات األدبيــة
من قبل البالغيين لمدة قرون يمثل األساس للمفهوم ما بعد الحداثي
قائال في هذا الصدد " :إن السرقات األدبية التي انشغل بها البالغيون
انشغاال كبيرا لمدة قرنين على األقل هي البداية الحقيقية للمفهوم ما
بعد الحداثي والمصطلح النقدي البـاهر الـذي اسـتخدم للداللـة عليـه
وهو التناص ( ، 1 " )Intertextualitéيشــير إلى أن التناص على
الرغم من طابعه اإليجابي ،يختلف عن االقتبــاس األدبي الــذي يتطلب
اإلشارة إلى المصدر األصلي ،بينما التناص يحتفـظ بالنص المقتبس
داخل النص الجديد دون الحاجة إلى اإلشارة المباشــرة إلى المصــدر،
وهــو ما يتوافــق مع النهج ما بعــد الحــداثي الــذي ال يعــترف بثبــات
المصدر األصلي.
ُيعد الربط المطلق بين السرقات الشعرية والتناص مبالًغا فيــه ،حيث
أن التقاليد النقديــة العربيــة القديمة كــانت تعــرف تــداخل النصــوص
وترابطها ،وخاصة فيما يتعلق بالسرقات األدبيــة 2ومع ذلــك ،يختلف
اإلطار اإليبيستيمولوجي للتناص عن هذه التقاليــد ،فالتقاليــد العربيــة
تؤكد على الحفاظ على المعاني واأللفــاظ ،مما يــؤدي إلى تشــابهات
في بعض الخصائص اللغوية ،بينما التناص الغــربي يهــدف إلى تحطيم
النظرية البنيوية التي ترى النص مغلًقا ومنسًقا .يحاول حمودة إيجــاد
)*(1و التناص عبارة عن مجموعة من العالقات التي تتضمن التلميح واالقتباس واإلشارة
والتضمين ،وظهر ذلك عند العلماء الغربيين مثل جوليا كرستيفا وميخائيل باختين الذي عده
أحد مكونات النص األساسية والتي تحيل على نصوص سابقة عنها ،أو معايشة لها ،وكما
يرى( سولير) أن " التناص في كل نص من النصوص يتمركز في نصوص كثيرة ،بحيث تعد
كل قراءة جديدة تشديًدا وتكثيًفا ،ويكون التناص عبر طبقات جيولوجية كتابية ،وهذه
الطبقات تتم عن طريق اكتفاء عدد غير محدد لمواد النص وتكون داخل مكون أيديولوجي
شامل".
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا ،ص 208
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا ،ص 208 2
71
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
تقارب بين هذين النهجين اإليبيستيمولوجيين ،مشيًر ا إلى أن النقاش
حول السرقات الشعرية وشروطها يتمحور حول المعــاني واأللفــاظ،
وهو ما يكتسب أهمية في مفهوم البينصية في الفكر ما بعد الحــداثي
1كما يربط حمودة بين العالقة المضــطربة بين الــدال والمدلول في
النقد التفكيكي والنقد البالغي العربي فيما يخص المعنى واللفظ
يسلط حمودة الضوء على الرابط بين تقنيــات الجرجــاني في تنظيم
االقتباســات األدبيــة وتفسيرات كريستيفا ودريــدا لمفهــوم التناص،
مشيًر ا إلى أن هذا الربط ُيثقل كاهل التناص بأكثر مما ينبغي .يعتــبر
حمودة أن التناص ،بعد أن ُيجرد من عناصره الحادة وُي روض ،يتحــول
إلى مجرد صيغة مبهرة للسرقات األدبيــة المقننة الــتي تحــدث عنهــا
2
عبد القاهر بمصطلح "االحتذاء"
ُيظهر حمودة اهتماًما بتحليــل العالقــة بين المفــاهيم النقديــة العربيــة
وتلك الموجــودة في فكــر ما بعــد الحداثــة ،لكنه ُيشــير إلى غيــاب
استراتيجية واضحة لتحديث مفهوم التناصُ .يقدم حمودة نقًدا لهــذا
الغياب ،معتــبًر ا أنــه يــؤدي إلى تجريــد التناص من جــوهره ومكوناتــه
األساسية ،كما يلخصها محمد مفتاح : 3
فسيفساء من نصوص أخرى أدمجت فيه بتقنيات مختلفة -1
ممتص لها يجعلها من عندياتــه وبتصــييرها منسجمة مع فضــاء -2
بنائه ومع مقاصده
محمول لهــا بتمطيطهــا أو بتكثيفهــا بقصــد مناقضــة خصائصــها -3
وداللتها أو بهدف تعضيدها
رغم أن الخصائص الثالث تشير إلى اتجاه ما بعد الحداثي االنفتــاحي،
إال أنه من بينها ،الخاصية الثالثة تتماهى مع المبدأ التفكيكي األساسي
وهو االنتشار .هذا يعني أن النص ال يقف منعزًال ،وال يتشكل من ذاتــه
فحسب ،بل يتألف من خالل تشابكات متعددة ومتباينة ،ســواء كــانت
متجانسة أو متضادة
/ 5الشكل و المضمون بوصفها داخال و خارجا
المرجع نفسه ،ص 208 1
ينظر :المرجع نفسه ،ص 209 2
المرجع نفسه ،ص 209 3
72
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
بدأ عبد العزيز حمودة بتحليل العالقة بين "الشكل والمضــمون "
في األدب ،مستخدًما المنهج البنيوي لطرح أسئلة حول كيفيــة كتابة
النصوص األدبية .يربط حمودة هذا التحليل بالتقاليد النقديــة العربيــة،
معبًر ا عن دهشته تجاه األعمال البالغية العربيـة األولى الـتي ناقشـت
هذه القضايا
يتناول كل ناقد عربي ،سواء من العصور القديمة أو الحديثة ،مسألة
الشــكل والمضــمون بطريقة تعكس خلفيتــه الثقافيــة ،مما أدى إلى
تنوع اآلراء في البالغة العربيــة وإثــراء المحتــوى النقدي ،هناك من
يعطي األولوية للشكل على المضمون ،والبعض يفضل المعنى ،بينما
يسعى آخرون إليجاد توازن بينهما
استهل حمودة مساهمات عبــد القاهر الجرجــاني في النقد األدبي،
وتحديــدًا في موضــوع العالقــة بين " اللفــظ و المعــنى " ُ ،يظهــر
الجرجاني تقديرًا كبيرًا لهــذه العالقــة ،معتــبرًا إياهــا محوريــة في فهم
البالغة واألدب ُ ،يقارن الجرجــاني المعــاني بأشــكال الحلي ،موضــحًا
أنهــا قــد تبــدو بسيطة وعاديــة في البدايــة ،لكن بلمسات البالغــة
واإلبداع ،يمكن تحويلهــا إلى أعمال فنيــة معقدة وجميلة ُ ،يشــير
الجرجــاني في كتابه “دالئــل اإلعجــاز” إلى أن األفكــار ،مثــل الحلي،
يمكن أن تكــون عاديــة ومألوفــة ،لكن عندما ُيطبــق عليهــا الخــبراء
مهــاراتهم في البالغــة ،تتحــول إلى أعمال فنيــة متقنة ومبتكــرة في
1
صياغتها
ُيعلي الجرجاني من شأن الكلمات بوصـفها حامالت للمعـاني الغنيـة
والمتعددة األبعاد ،مشيًر ا إلى أن دورها ال يقتصــر على نقل المعــاني
البسيطة .بل يجب أن تكــون محملة بطاقــة إيحائيــة تــدفع القارئ
الستكشــاف المعــاني الخفيــة .وُيقدم مفهــوم التشــاكل كمثــال على
التعقيد والغنى الذي يمكن أن تحمله اللغة ،حيث ُيشــير إلى التوافــق
والتناغم بين األلفاظ والمعاني في تشكيل النص األدبي
عندما ُيستخدم اللفــظ خارج معناه األصــليُ ،يفتح المجــال لتــدفق
دالالت متعـــددة ومتسلسلةُ ،يحركهـــا ثالثـــة عناصـــر أساســـية : 2
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا ،ص 210 1
المرجع نفسه ،ص ص 211 2
73
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
(الموضـــوع ،) Objet (المـــاثول،)Representamen
(المؤول ، )Interprétantالعالمة كما ُيعرفها بيرسفهو " شيء
ما يمثل شيئا ما ،بالنسبة لشـخص ما ،مظهـر ما أو إمكانيـة ما " ،1
وعلى الــرغم من تعقيــد هــذا المفهــوم ،إال أنــه ُيسلط الضــوء على
الطبيعة المتعددة األبعاد للعالمة اللغويــة ،الــتي ال تقتصــر على داللــة
واحدة ،وهو ما ُيشترك فيه كل من الجرجاني وبيرس في تصــوراتهما
للغة
ُيعطي الجاحظ األولويــة لألســلوب والتعبــير اللفظي على المعــنى
وتحلى هذا في المقولتين :األولى :فالمعاني مطروحة في الطريق
يعرفها العجمي والعربي ،"...الثانية " :وإنما الشأن في إقامة الوزن
وتحيز اللفظ ...وسهولة المخرج ،وصحة الطبــع ...وجــودة السبك...
وإنما الشــعر صــناعة وضــرب من التصــوير ُ .2معتــبًر ا أن المعــاني
معروفة ومفهومة للجميع ،بينما يكمن اإلبداع في كيفيــة تقديم هــذه
المعاني بأسلوب فني متقن
يسلط ابن طباطبة الضوء على أهمية التـوازن بين الشـكل الخـارجي
والمحتــوى الــداخلي للشــعر ،مؤكــًدا على أن كالهما يكمل اآلخر.
يناقش جــابر عصــفور هــذه الفكــرة بالقول إن ابن طباطبــة يعتــبر
الصياغة الجيدة والمعنى العميــق عناصــر ال يمكن فصــلها في العمل
الشعري .ويتفق قدامة بن جعفر مع هــذا المنظــور ،مشــدًدا على أن
الشكل والمضمون يشــكالن وحدة متكاملة ،حيث يستطيع الشــاعر
التعبير عن المعاني التي يختارها بحرية ،معتبًر ا المعــاني كمادة خام
3
يشكل منها الشعر صوًر ا فنية
ُيظهر موقف قدامة توافًقا مع ابن طباطبة في منح الحرية للمبــدعين
في اختيار المحتوى والشكل ،مع التأكيد على أهميــة الجــودة كمعيــار
لإلبداع الحقيقيُ .يشــير حمودة إلى أهميــة التــوازن بين الموهبــة
والتقاليــد ،كما ُيوضــح ابن طباطبــة في "معيــار الشــعر" حيث ُيحث
الشاعر على دراسة األشعار لتعزيز فهمه وترسيخ المعاني في ذهنه.
ُيشبه هذا العمل بصهر المعــادن الســتخالص جوهرهــا ،أو كاالســتفادة
المرجع نفسه ،ص211 1
المرجع نفسه ،ص211 2
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا ،ص 212 3
74
البدائل النظرية والنقدية في الفصل الثاني :
مراجعات نقد النقد
من مجاري متنوعة لتكوين نهر غــني ،أو كــتركيب عطــر من مكونــات
متعددةُ .يستشهد بقصة خالد بن عبد الله القسري الــذي حفــظ ألــف
خطبة بأمر من والده ثم ُنسيها ،مما س ـّهل عليــه فهم وإبداع الكالم،
1
ُمظهًر ا كيف أن الحفظ كان تمريًنا لعقله ومادة لفصاحته وبالغته
تقوم عملية إبداع الشعر ،حسب ما جاء في نص ابن طباطبة على:
الموهبة واالستعداد الفطري لقرض الشعر -1
يقوم الشاعر بحفظ متــون الشــعر السالفة ألوانــه ،بشــرط أن -2
تكون تلك المتون من أحسن ما قيل وأجوده
بعد الحفظ تأتي عملية النسيان؛ يجب على الشــاعر أن ينسى -3
كـــل مـــا حفظه من الشعر.
يظهر إبداع الشــاعر وتفــرده في أشــعاره الــتي تنم عن فهم متعمق
ولغة غنيــة ،وهــو ما يتحقق بعــد مرحلة من تنميــة مهاراتــه اللغويــة
وتعميق معرفته بأساليب الشعر المختلفــة ،مما يمثــل عمليــة صــقل
لموهبته األصيلة ،ليصبح قادًر ا على نظم الشعر بكلمات دقيقة ومعاٍن
عميقة
في ختام هذا الفصل ،نستنتج أن المنهج النقدي الذي طرحه حمودة
لم يقدم حلواًل كافية للتساؤالت الرئيسية ،وظلت العناصــر الجوهريــة
للنظرية األدبية واللغوية موضوًعا للجدل والتأويالت المتعــددة .تفتقر
هذه المحاولة إلى االبتكار ،ويرجع ذلك إلى تأثرها بالنقد الغــربي دون
تطوير ،وتجاهلها للمناهج السيميائية والمبادرات العربيــة الراميــة إلى
تجديد البالغـة العربيـة ،مما أدى إلى صـعوبات في عمليـة التأسـيس
النقدي
المرجع نفسه ،ص 212 1
75
الخاتمة
الخاتمة
وبعد رحلة البحث والتعمق في كتاب " تشريح المرايا في نقد
مشروع عبد العزيز حمودة" لنبيل محمد الصغير ،تم التوصل في نهاية
دراستنا إلى جملة من النتائج المستخلصة من كل فصل في هذا
العمل.
عرض لنا نبيل الصغير عدة قضايا تناولها عبد العزيز حمودة في
كتابه ،وبين لنا بعض األفكار التي طرحها وهي كالتالي:
اعتراض حمودة للغموض ،والدعوة إلى التبسيط ،وعجزه عن -
فهم أهداف الدراسات البيوية.
الكشف عن تحوالت فكر وذهنيات النقاد ومواقفهم النقدية. -
موقف عبد العزيز جمودة من الحداثة ،وتقليله من إنجازات -
الباحثين أمثال يمنى العيد وجابر عصفور.
تناول عبد العزيز حمود قضية الحداثة العربية والغربية ،وما بعد -
الحداثة ،وارتباطهما بمسألة التعقيد ،ووضح أطروحته بمجموعة
من أعمال الحداثيين النقدية وقام بتشويهها ،وعرض قصورها
وأسباب فشلها ،واتهام أصحابها بعدم الكفاءة.
أبرز اتجاهات الحداثة (البنيوية والتفكيكية) وقام بتعريفها ونقدها -
وفرق بينهما.
مقاربة الخطاب النقدي والكشف عن خصوصياته ،والكشف عن -
العديد من التالعبات في الخطاب النقدي.
اعتراض حمودة على مشروع يمنى العيد ،وعدم تبريره هذا -
االعتراض ،كما اعترض على كمال ديب في مباحثه واتهمه بتأثره
بمنهج بنيوي آخر ،وكشفه للتناقض الحاصل عنده .كما عاب على
هدى وصفي استنادها على العلمية الظاهرية ،وربطها بين
المغامرات الوجودية واالجتماعية والمعادالت الرياضية.
اعتراض حمودة على طبيعة القطيعة مع التراث. -
77
الخاتمة
نظرة حمودة للمثقف وحديثه عن القطيعة المعرفية -
تناول القضايا الفلسفية والفكرية بطرق مختلفة ،مما يجعله ناقدا -
مميزا.
تراجع حمودة عن مواقفه اتجاه جابر عصفور في الدراسات -
النقدية والبالغية والتراثية
عرض مفهوم النظرية عند عبد العزيز حمودة ،وتأكيد وجودها في -
التراث ،واستناده على نظريات سوسير ،وإظهار اهتمامه الكبير
بثنائياته ،واعتماده عليها.
إيمان حمودة باالختالفات والتناقضات في المحيط النقدي التراثي -
ودفاعه على ذلك ،وحاول توضيح فكرة االختالف بين نموذجين
حضاريين مختلفين داخل إطار التجديد والتحديث.
الكشف عن مسوغات تأسيس البديل النقدي وحيثياته ،التي -
جعلت حمودة يقوم بدراسة التراث البالغي والنقدي.
ذكر فكرة القطيعة مع التراث والتخلي عن الماضي كشرط -
لتحقيق الحداثة.
استناد عبد العزيز حمودة على البيئة العربية والرؤية المعرفية . -
التطرق لموضوع الصدق والكذب في النقد العربي القديم، -
وتقديمه لمفهوم الصدق على أنه صدق علمي يتوافق مع الواقع،
وصدق نفسي يتوافق مع قبول النفس.
محاولة الكشف عن استراتيجيات وترسبات خطاب نقد النقد -
العربي المعاصر من خالل مشروع عبد العزيز حمودة.
الكشف عن إمكانية تجاوز الفهم البنيوي للبالغة الجرجانية ،من -
أجل الكشف عن إبداعية الشعر.
فهم األركان التي قدمها كأسس لنظرية األدبية العربية -
78
الخاتمة
المنهج النقدي لحمودة لم يكن كافيا للتساؤالت الرئيسية ،فهي -
تفتقر إلى االبتكار ،ويرجع ذلك إلى تأثرها بالنقد الغربي دون
تطوير.
سجالية النقد وقضية السرقات األدبية والتناص في الفكر ما بعد -
الحداثة ،واعتباره أن االقتباسات األدبية هي البديات لمفهوم ما
بعد الحداثة.
79
المالحق
المالحق:
الــمـلــحق رقــم : 01صــورة الــغــالف
عنوان الكتاب " :تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز حمودة
"
المؤلف :د .نـبـيـل مـحـمـد اصـغـيـر
الناشر :منشورات االختالف -منشورات ضفاف – دار األمان الرباط
الطبعة :األولى 1436هـ 2015 -هـ
البلد :الجزائر
عدد الصفحات 231 :صفحة
الــمـلــحق رقــم : 02نــبــذة عــن
الــكـــاتـــــب
81
المالحق:
" نبيل محمد صغير " Nabil Mohamed Seghir
من مواليد 1989 / 07 / 14في تيزي وزو ،الجزائر هو ناقد جزائري
و أستاذ جامعي في النقد األدبي المعاصر ،متحصل على عدة شهادات
منها :
شهادة البكلوريا :جوان 2007 -
شهادة الليسانس :جامعة مولود معمري ( ، 2011األول في -
الدفعة )
شهادة الماجستير :جامعة مولود معمري ، 2014بعنوان " : -
خطاب نقد النقد عند عبد العزيز حمودة " ،بدرجة حسن
جدا
السنة الثالثة دكتوراه في رسالة بعنوان :خطاب الفكر -
النقدي العربي المعاصر بين البنية والتفكيك
" نبيل محمد صغير " له عضوية في هيئات التحرير مثل :
عضو هيئة التحرير في مجلة فصول المصرية ،مكلف بالتواصل -
والمتابعة
عضو في مخبر تحليل الخطاب ،بجامعة مولود معمري ،تيزي وزو -
و لديه العديد من المقاالت المنتشرة سواء وطنية و دولية ،باإلضافة
إلى الكتب المنتشرة منها الفردية و الجماعية
82
قائمةالمصادر
والمراجع
مصادر البحث:
القرآن الكريم -1
نبيل محمد صغير ،تشريح المرايا في نقد مشروع عبد العزيز -2
حمودة ،منشورات االختالف ،الجزائر ،ط2015 ،1
عبد العزيز حمودة ،المرايا المحدبة ،من البنيوية إلى -3
التشريحية ،عالم المعرفة ،دط ،الكويت1998 ،
عبد العزيز حمودة ،المرايا المقعرة -4
عبد العزيز حمودة ،الخروج من التيه -5
المراجع بالعربية:
علي حسين يوسف ،النقد العربي المعاصر دراسة في -1
المنهج واإلجراء ،الدار المنهجية ،عمان ،ط2016 ،1
د.صالح فضل ،مناهج النقد المعاصر ،مكتبة الروضة ، -2
القاهرة ،ط2002 ،1
محمد الدغمومي ،نقد النقد وتنظير النقد العربي المعاصر، -3
منشورات كلية اآلداب بالرباط ،ط1999 ،1
حفناوي بعلي ،قراءة في نصوص الحداثة وما بعد الحداثة -4
كمال أبو ديب ،مقدمة جدلية الخفاء والتجلي ،دط ،بيروت، -5
1997
جابر عصفور ،قراءة التراث النقدي -6
عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز ،الشيخ محمد رشيد -7
رضا ،المؤسسة الوطنية المطبعية ،وحدة ،رغاية ،الجزائر
1991 ،
عبد القاهر الجرجاني ،أسرار البالغة ،دار المعرفة للطباعة -8
و النشر ،مكتبة القاهرة 1961،
صالح بلعيد ،نظرية النظم ،نقال عن فخر الدين الرازي ، -9
نهاية اإلجاز ،في دارية العجز
أحمد سالم ،ولد أباه :السميولوجيا و الشعر العربي القديم -10
،المفضليات لضبي نموذجا ،المكتبة المصرية ،ط، 1
2010
ينظر :عبد الواحد ،محمود عباس :قراءة النص و جمالية -11
التلقي ،دار الفكر العربي ، 1996 ،القاهرة
المراجع المترجمة :
-1الجياللي دالش ،مدخل إلى السانيات التداولية لطلبة معهد
اللغة العربية و آدابها ،ترجمة محمد حايتن ،ديوان
المطبوعات الجامعية ،الجزائر
المراجع األجنبية المترجمة:
84
-1ســارتر جــان بول :دفــاع عن المثقفين ،ط ،1ترجمة جــورج
طرابيش ،منشوراتداراآلداب :بيروت 1973م
-2آن جفرســون وديفيــد روبي ،النظريــة األدبيــة الحديثــة تقديم
مقارن ،ترجمة ســعيد ،منشــورات وزارة الثقافــة ،دمشــق ،
سوريا .د.ط 1992
-3روالن بارت ،نقد وحقيقة ،ترجمة منذر عياشي ،مركز النماء
الحضاري ،ط ، 1حلب ،سوريا 1994
-4دانيــال تشــاندلر ،أســس السميائية ،ترجمة طالل وهبــه ،
المنظمة العربية للترجمة ،ط ، 1بيروت
المراجع األجنبية:
-1تيري ايجلتون ،أوهام ما بعد الحداثة ،ترمي اسالم ،مركو
اللغات والترجمة ،أكاديية الفنون ،القاهرة
85
الملخص
86
الملخص
في كتابه " تشريح المرايا " في نقد مشروع عبد العزيز حمودة"،
يستكشف البــاحث "نبيل محمــد صــغير" مجــاالت متعــددة في
النقد العربي الحديث والمعاصر ،باإلضافة إلى النقد الغـربي الحـداثي
وما بعد الحداثة .يركز الكتاب على مشروع النقد الحديث لعبد العزيز
حمودة ،ويحلل خطابه النقدي من خالل مرايا متعددة.
أحد المحــاور الرئيسية في الكتــاب هــو اســتناد حمودة إلى مفــاهيم
النقد الجديــد ،يبحث الكتــاب في كيفيــة اســتمد حمودة مفاهيمه
النقدية من هذه المرايا الفكرية ،كما يتناول البالغة العربيــة كأســاس
للنظرية النقديــة ،وُيظهــر كيــف أن البالغــة كــانت وما زالت تشــكل
أساًس ا للنقد العربي.
في الكتاب يقوم نبيل محمد صــغير بتحليــل خطــاب " نقد النقد " ،
ويعود إلى مرجعيات عبد العزيــز حمودة مثــل النقد التفكيكي و ما
بعد الحداثة
باإلضافة إلى ذلك ،يتناول الكتــاب نقد التفكيــك وتــأثيره على الهويــة
والمعنى ُيظهر كيف أن حمودة اســتند إلى نقد التفكيــك في قراءتــه
للنقد العربي ،كما يحلل السجاالت والصراعات النقدية الــتي خاضــها
حمودة مع نقاد عرب حداثيين ،ويستند إلى قراءتــه لمعاصــريه من
النقاد لفهم خطابه النقدي
87
فهرس
الموضوعا
ت
فهرس الموضوعات:
الصفحة المحتوى
الشكر
اإلهداء
7 مقدمة
الفصل األول :آليات القراءة و الفهم في سجالت خطاب نقد النقد
14 أوال :قراءة في الجنوح إلى التبسيط /ضد
الغموض والتعقيد في النقد المعاصر
19 ثانيا :قراءة في االعتراض على القصور
المنهجي لدى يمنى العيد
25 ثالثا :قراءة في االعتراض على علمية اللغة
الواصفة لدى كمال أبي ديب
29 رابعا :قراءة في االعتراض على شكلنة النقد
لدى هدى وصفي
31 خامسا :قراءة في االعتراض على طبيعة
القطيعة مع التراث النقدي لدى جابر عصفور
الفصل الثاني :البدائل النظرية و النقدية في
مراجعات نقد النقد
36 تمهيد
37 أوال :قراءة في مسوغات تأسيس البديل
النقدي و حيثياته
43 ثانيا :قراءة في مفهوم النظرية عند عبد
العزيز حمودة وامتداداتها المعرفية
43 /1في مفهوم النظرية عند عبد العزيز حمودة
48 /2االمتدادات و التحّيزات المعرفية للنظرية النقدية
البديلة
89
فهرس الموضوعات:
51 ثالثا :قراءة في إواليات النظرية اللغوية
العربية
51 /1نظام اللسان العربي و نظرية النظم .أيّة
عالقة ؟
58 /2معالم نظرية أفعال الكالم لدى الجرجاني /نحو
تجاوز النظرية النسقية
61 رابعا :قراءة في إواليات النظرية األدبية
العربية
61 /1األدب بوصفه محاكاة لغوية
65 /2اإلبداع بوصفه تغريبا لغويا
71 /3قضية الصدق و الكذب بوصفها مؤطرا شعريا
73 /4السرقات األدبية بوصفها تناصا
75 /5الشكل و المضمون بوصفهما داخال و خارجا
80 الخاتمة
84 الملحق
88 قائمة المصادر و المراجع
91 الملخص
93 الفهرس
90