0% found this document useful (0 votes)
204 views26 pages

الدروس التطبيقية في البلاغة العربية للفوجين1.2

Uploaded by

mohamedyoub07
Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
0% found this document useful (0 votes)
204 views26 pages

الدروس التطبيقية في البلاغة العربية للفوجين1.2

Uploaded by

mohamedyoub07
Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
You are on page 1/ 26

‫‪ -‬السنة ‪ :‬األولى ليسانس‪.

‬‬

‫‪ -‬التخصص ‪:‬جذع مشترك‪.‬‬

‫‪ -‬المقياس‪:‬البالغة العربية ‪.‬‬

‫‪ -‬تطـــــبيـق‪.‬‬

‫‪ -‬فـــــوج‪)1،2(:‬‬

‫‪ -‬أ‪/‬د‪ .‬موسى شروانة‪.‬‬


‫الدروس التطبيقية في البالغة العربية‬
‫للفوجين(‪)1،2‬‬
‫فـــــهرس المحتــــوى‪.‬‬

‫‪ -1‬مفهوم البالغة‪.‬‬
‫‪ -2‬مفهوم الفصاحة‪.‬‬
‫‪ -3‬قضية اللفظ عند المعتزلة‬
‫وعالقتها بالبالغة والفصاحة‪.‬‬
‫‪ -4‬مفاهيم علوم البالغة الثالثة وقضاياها‪.‬‬
‫‪ -5‬التقديم والتأخير‪.‬‬
‫‪ -7‬مفهوم الحقيقة والمجاز‪.‬‬
‫‪ -1‬مفــــــــهوم البـــــالغة‪.‬‬
‫‪ -‬تمهيد‪ :‬إشكالية المفهوم‪.‬‬
‫لكلمة البالغة في المفهوم االصطالحي كثير من المعاني وال تدل هذه الكثرة في‬
‫تعدد المفهوم على الثراء في االستخدام على نحو ما يرى بعض الدارسين‪،‬وإنما‬
‫يدل على االضطراب والتخبط في التعامل مع المصطلح‪ .‬هذه هي الحقيقة العلمية‬
‫الثابتة التي يقرها علم المصطلح وال يعترف بغيرها ؛ألن من طبيعة المصطلح‬
‫الواحد أن يكون له مفهوم واحد كاالسم للمسمى تماما وإذا تعدد هذا المفهوم‬
‫فمعنى ذلك أنه خضع لقدر من االجتهادات واالختالفات في تفسيره وهو ما ال‬
‫ينبغي أن يكون؛ ألن هذا يعيق عملية التواصل بين الذين يستعملونه‪.‬‬
‫والدارس للتراث البالغي القديم يتأكد له ما سبقت اإلشارة إليه من أن مصطلح‬
‫البالغة قد عرف قدرا غير قليل من االجتهادات والتفسيرات وتعدد وجهات النظر‬
‫إليه عبر مراحل ت اريخية طويلة من استخدامه‪ .‬ونظرا لصعوبة تقصي مجمل ما‬
‫قيل فيه فإننا نكتفي بعرض بعض هذه االجتهادات والتفسيرات في محاولة لتحديد‬
‫مفهومه‪ .‬وسيبدأ الحديث بمفهومه اللغوي ثم يعقبه الحديث عن مفهومه‬
‫االصطالحي وتلك هي البداية الطبيعية للتعريف بالمصطلح كما تقتضيه المنهجية‬
‫العلمية في البحث‪.‬‬
‫‪ -1‬المفهوم اللغوي‪:‬‬

‫عند الرجوع إلى المعاجم اللغوية للتعرف على المعنى اللغوي للكلمة الثالثية(بلغ)‬
‫بما تشتمل عليه من صيغ اشتقاقية مثل(البلوغ) و(المبالغة) فإن ما تفيدنا به هو‬
‫الداللة على معنى االنتهاء إلى الشيء والوصول إلى غايته بشكل عام‪ ،‬من ذلك‬
‫القول‪:‬‬
‫"بلغت الغاية إذا انتهيت إليها وبلغتها غيري‪،‬ومبلغ الشيء منتهاه‪ ،‬والمبالغة في‬
‫الشيء االنتهاء إلى غايته"‪.‬‬
‫‪ -2‬المفهوم االصطالحي‪:‬‬

‫حرص التراث البالغي القديم على أن يدون حصيلة كبيرة من المفاهيم لمصطلح‬
‫البالغة كما سبق القول‪ ،‬وما أمكن استخالصه من هذه المفاهيم ينحصر في‬
‫مفهومين واسعين‪:‬‬
‫األول قصد به (فن الكالم) أي طريقة الكالم أو طريقة األداء حين يكون الكالم‬
‫ارتجاال أو دون إعداد مسبق أو حين يتم إعداده من قبل‪ .‬ومن المالحظ أن هذا‬
‫المفهوم قد ارتبط في األغلب األعم بالمرحلة الشفوية التي سبقت مرحلة التدوين‪.‬‬
‫ومن هذه المفاهيم قولهم البالغة هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الفهم واإلفهام‪.‬‬
‫‪ -2‬لمحة دالة‪.‬‬
‫‪ -3‬شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا‪.‬‬
‫‪ -4‬اإليجاز‪.‬‬
‫‪ -5‬اإليجاز في غير عجز واإلطناب في غير خطل‪.‬‬
‫‪ -6‬اإليجاز‪:‬واإليجاز هو أن تجيب فال تبطئ وتقول فال تخطئ‪.‬‬
‫‪ -7‬مطابقة الكالم لمقتضى الحال مع فصاحته‪.‬‬
‫‪"-8‬هي كل ما تبلغ به المعنى قلب السامع فتمكنه في نفسه كما تمكنه في‬
‫نفسك مع صورة مقبولة ومعرض حسن‪ ،‬وإنما جعلنا حسن المعرض وقبول‬
‫الصورة شرطا في البالغة؛ ألن الكالم إذا كانت عبارته رثة ومعرضه خلقا‬
‫لم يسم بليغا‪ ،‬وإن كان مفهوم المعنى‪ ،‬مكشوف المغزى‪ .‬ومن قال إن‬
‫البالغة إنما هي إفهام المعنى فقط جعل الفصاحة واللكنة والخطأ والصواب‬
‫واإلغالق واإلبانة سواء"‪.‬‬
‫‪ -2‬الثاني بمعنى (العلم) والمقصود به قواعد الكالم وأصوله وأسسه التي ينبغي‬
‫مراعاتها فيه أوفي الكتابة ولذلك قسمت البالغة إلى ثالثة علوم فرعية هي‪:‬‬
‫‪ -‬علم المعاني‪.‬‬
‫‪ -‬علم البيان‪.‬‬
‫‪ -‬علم البديع‪.‬‬
‫كما هي عند كبار البالغيين مثل أبي يعقوب السكاكي(ت ‪626‬هـ)في كتابه(مفتاح‬
‫العلوم) والقزويني(ت‪739‬هـ) في كتابه (اإليضاح) وغيرهما من علماء البالغة‪.‬‬
‫الخالصة أن مصطلح البالغة استخدم في التراث بمعنى(الفن)أي فن الكالم‪،‬‬
‫وبمعنى(العلم) بأصول فن الكالم وقواعده‪.‬‬
‫وعادة ما يقصد اليوم باصطالح البالغة هو العلم الذي يلم بمباحث فن الكالم أو‬
‫القول وبطرق التعبير فيه‪.‬‬
‫والرسم التالي يوضح مجمل ما سبق‪:‬‬

‫المفهوم اللغوي‪.‬‬
‫الفن‬ ‫‪ -‬مفهوم البالغة‪:‬‬
‫المفهوم االصطالحي‪.‬‬
‫العلم‬

‫داللة على الثراء(ايجابي)‪.‬‬

‫‪ -‬تعدد مفهوم المصطلح‪:‬‬

‫داللة على االضطراب (سلبي)‪.‬‬


‫‪ -2‬مفـــــهوم الفصـــــاحــــة‪.‬‬
‫‪ -‬مفهوم الفصاحة‪:‬‬
‫تمهيد‪:‬‬

‫ال يكتمل الحديث عن مفهوم البالغة إال بالحديث كذلك عن مفهوم الفصاحة ألنهما‬
‫مرتبطان ببعضهما ارتباطا وثيقا ولهذا حرص رجال البالغة من القدماء على عدم‬
‫الفصل بينهما والدليل على أن مفهوم البالغة عندهم ال ينفصل عن مفهوم‬
‫الفصاحة هو قولهم في أشهر تعريف للبالغة‪:‬‬

‫" البالغة هي مطابقة الكالم لمقتضى الحال مع فصاحته"‪.‬‬

‫فالفصاحة في هذا التعريف جزء من البالغة وهو ليس جزءا ثانويا يمكن‬
‫االستغناء عنه بل هو جزء أساسي فيها ولذلك ختم التعريف بالقول(مع فصاحته)؛‬
‫ألنه يجوز أن يتطابق الكالم مع ما يتطلبه المقام وال يكون فصيحا وبذلك تنتفي فيه‬
‫صفة المطابقة‪ .‬ومن هذا يتضح لنا أن مفهوم البالغة عندهم أوسع وأشمل من‬
‫الفصاحة‪.‬‬

‫أ‪ -‬المفهوم اللغوي‪:‬‬

‫ص َح) ومعناها في اللغة الظهور والبيان‬‫تنحدر كلمة الفصاحة من المادة الثالثية ( َف ُ‬


‫بشكل عام كما جاء في المعاجم اللغوية التي عرضت لهذه الكلمة‪ ،‬وهذا يشير إلى‬
‫أن الشيء الذي ال يكون واضحا وجليا ال يستحق أن يوصف بأنه فصيح‪ ،‬ومن‬
‫ْ‬
‫انجلت‬ ‫األمثلة التي تساق في هذا المعنى على الفصاحة قولهم‪َ ":‬ف ُ‬
‫ص َح اللبنُ إذا‬
‫رغو ُته"‪.‬وفي هذا قال الشاعر‪:‬‬

‫"وتحت الرغوة اللبن الفصيح"‪.‬‬

‫ب‪ -‬المفهوم االصطالحي‪:‬‬

‫توجد عالقة بين المفهوم اللغوي واالصطالحي للفصاحة‪ ،‬وهي تبدو في‬
‫المشابهة‪.‬فإذا كانت الفصاحة في اللغة تعني الظهور والبيان بشكل عام‪،‬فإن‬
‫الفصاحة في االصطالح تعني أن تكون األلفاظ خالية من أي عيب أو نقص سواء‬

‫من حيث تركيب الحروف أم من حيث غرابة المعنى أم من حيث عدم مراعاة‬
‫قواعد اللغة؛ألن عدم خلوها من هذه العيوب يجعلها أشبه ما تكون بالرغوة التي‬
‫تعلو اللبن‪ .‬و أشهر هذه العيوب هي‪:‬‬

‫‪ -1‬تنافر الحروف‪:‬‬

‫وهي أن تكون الكلمة ثقيلة في النطق مثال على ذلك‪ " :‬أن أعربيا سئل عن‬
‫بقرته فقال‪ :‬تركتها ترعى (ال ُه ْع ُخع)وهو اسم نبات يأكله البقر"‪.‬‬

‫‪ -2‬الغرابة‪:‬‬
‫وهي آال تكون الكلمة غريبة أو وحشية حتى ال تدعو الحاجة إلى البحث عنها‬
‫في المعاجم اللغوية‪ ،‬كما روي عن عيسى بن عمر أنه سقط عن حماره فأجتمع‬
‫عليه الناس فقال‪":‬مالكم َت َكأ ْ َكأ ْتم علي تكأكؤكم على ذي جنة افرنقعوا عني؟"‪.‬‬

‫ففي هذا المثال توجد كلمتان غريبتان هما(تكأكأتم)و(افرنقعوا) وكانتا سببا في‬
‫تعجب الناس واندهاشهم لعدم فهمهم ما قاله‪.‬‬

‫‪ -3‬مخالفة القياس‪:‬‬

‫وهي أن تكون الكلمة جارية على غير ما هو معروف في قواعد اللغة كما هو في‬
‫قول أحدهم‪ " :‬الحمد هلل األجلل"‪.‬‬

‫(األج َل ِل) فُك إدغا ُمها وكان يجب أن تكون (األّجلِّ) بعدم فك اإلدغام‪.‬‬
‫ْ‬ ‫فكلمة‬

‫هذه بعض العيوب التي تنفي الفصاحة عن األلفاظ‪.‬‬

‫أما الفرق بين الفصاحة والبالغة فقد أوضحه ابن سنان الخفاجي(ت‪466‬هـ) في‬
‫كتابه(سر الفصاحة)بقوله‪:‬‬

‫"والفرق بين الفصاحة والبالغة أن الفصاحة مقصورة على وصف األلفاظ‬


‫والبالغة ال تكون إال وصفا لأللفاظ مع المعاني‪ ،‬ال يقال عن كلمة واحدة ال تدل‬
‫ضل عن مثلها‪ ،‬بليغة‪ ،‬وإن قيل فيها فصيحة‪ ،‬وكل كالم بليغ فصيح‬ ‫على معنى َي ْف ُ‬
‫وليس كل فصيح بليغا"‪.‬‬
‫المفهوم اللغوي‪.‬‬

‫‪ -‬الفصاحة‬

‫المفهوم االصطالحي‪.‬‬

‫تنافر الحروف‬

‫‪ -‬خلو فصاحة اللفظ من‪:‬‬

‫غرابة المعنى‪.‬‬

‫مخالفة القياس‪.‬‬

‫‪ -‬العالقة بين الفصاحة والبالغة هي عالقة الجزء بالكل‪.‬‬

‫فصاحة اللفظ المفرد‪.‬‬ ‫‪ -‬الفصاحة لوصف األلفاظ‬

‫كل بليغ فصيح وليس كل فصيح بليغا‪.‬‬ ‫‪ -‬البالغة لوصف األلفاظ مع المعاني‬
‫‪ -3‬قضية اللفظ عند المعتزلة في عالقتها بالبالغة والفصاحة‪.‬‬
‫‪ -‬قضية اللفظ عند المعتزلة في عالقتها بالبالغة والفصاحة‪:‬‬
‫قال عبد القاهر الجرجاني(ت‪471‬هـ)‪:‬‬
‫"في تحقيق القول على البالغة والفصاحة والبيان والبراعة‪ ،‬وكل ما شاكل ذلك‪،‬‬
‫مما يعبر به عن فضل بعض القائلين على بعض‪ ،‬من حيث نطقوا وتكلموا‪،‬‬
‫وأخبروا السامعين عن األغراض والمقاصد وراموا أن يعلموهم ما في نفوسهم‪،‬‬
‫ويكشفوا لهم عن ضمائر قلوبهم‪.‬‬
‫ومن العلوم أن ال معنى لهذه العبارات وسائر ما يجري مجراها‪ ،‬مما يفرد فيه‬
‫اللفظ بالنعت والصفة وينسب فيه الفضل والمزية دون المعنى‪ ،‬غير وصف الكالم‬
‫بحسن الداللة وتمامها فيما له كانت داللة ثم تبرحها في صورة هي أبهى وأزين‬
‫وأعجب وأحق بأن تستولي على هوى النفس‪ ،‬وتنال الحظ األوفر من ميل القلوب‪،‬‬
‫وأولى بأن تطلق لسان الحامد‪ ،‬وتطيل رغم الحاسد وال جهة الستعمال هذه‬
‫الخصال غير أن تأتي المعنى من الجهة التي هي أصح لتأديته‪ ،‬وتختار له اللفظ‬
‫الذي هو أخص به وأكشف وأتم له‪ ،‬وأحرى بأن يكسبه نبال فيه مزية‪.‬‬
‫وإذا كان هذا كذلك‪ ،‬فينبغي أن ينظر إلى الكلمة قبل دخولها في التأليف‪ ،‬وقيل أن‬
‫تصير إلى الصورة التي بها يكون الكلم إخبارا وأمرا ومنها واستخبارا وتعجبا‪،‬‬
‫وتؤدي في الجملة معنى من المعاني التي ال سبيل إلى إفادتها إال بضم كلمة إلى‬
‫كلمة وبناء لفظة على لفظة‪ .‬هل يتصور أن يكون بين اللفظتين تفاضل في الداللة‬
‫حتى تكون هذه أدل على معناها الذي وضعت له من صاحبتها على ما هي موسومة له‪.‬‬
‫ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع ثم تراها بعينها تثقل‬
‫عليك وتوحشك في موضع آخر‪ ،‬فلفظ " األخدع" في بيت الحماسة‪:‬‬

‫اإلصغاء لِيتا وأَ ْخدَ عا َ‬


‫ِ‬ ‫َو ِج ْع ُ‬
‫ت من‬ ‫نحو الحي حتى وجدتني‬
‫ت َ‬ ‫تلف ُ‬
‫وبيت البحتري‪:‬‬
‫وأع َت ْق َت مِنْ ِر ِّق ال َم َطامِع ِأَ ْخدَ عِ ي‬ ‫رف ال ِغ َنى‬
‫ش َ‬‫وإني وإن بلغتني َ‬

‫فإن لها في هذين المكانين ما ال يخفى من الحسن‪ -‬ثم إنك تتأملها في بيت أبي تمام‪:‬‬

‫َف َقدْ أض َج ْج َت هذا األنا َم من ُخ ْرقِ َك‬ ‫ــــر َق ِّوم من ْ‬


‫أخدَ َع ْي َك‪،‬‬ ‫يا د ْه ُ‬

‫فتجد لها من الثقل على النفس‪ ،‬ومن التنغيص والتكدير‪ ،‬أضعاف ما وجدت هناك‬
‫من الروح والخفة ومن اإليناس والبهجة"‪.‬ص‪44،46،47‬‬
‫دالئل اإلعجاز‪.‬‬
‫‪ -‬األفكار الواردة في النص‪:‬‬
‫‪ -1‬ال جدوى من وصف الكالم أو وصف اللغة قبل استخدامه‪.‬‬
‫‪ -2‬االستخدام أو السياق هو الذي يجعل الكلمة فضيحة أم غير فصحة‪.‬‬
‫‪ -3‬البالغة والفصاحة تكون للمعنى ال للفظ ألن اللفظ تابع للمعنى‪.‬‬
‫‪ -4‬المعاني أسبق من األلفاظ طبقا لقوله‪:‬‬
‫" ترتيب المعاني في النفس ثم النطق باأللفاظ على حذوها"‪.‬‬
‫‪ -5‬وعليه ال تفاضل بين األلفاظ قبل استخدامها مثل كلمة " األخدع" فهي عند‬
‫بعضهم تبدو وحسنة وعند آخرين رديئة‪.‬‬
‫‪ -‬تحليل موجز للنص‪:‬‬
‫حاول عبد القاهر الجرجاني في هذا النص أن يحدد موقفه مما وجده عند الدارسين‬
‫السابقين عليه في حكمهم على الكالم بالبالغة والفصاحة وما شاكل ذلك من‬
‫األوصاف‪ ،‬وبخاصة عند المعتزلة‪ ،‬وأهم ما ورد فيه يتخلص في اآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬رفضه الحكم على الكالم بالبالغة أو الفصاحة طبقا للمعايير السابقة وهي‪:‬‬
‫‪ -‬أن البالغة تأتي وصفا للفظ والمعنى‪.‬‬
‫‪ -‬أن الفصاحة تأتي وصفا للفظ فقط‪.‬‬
‫‪ -‬أن الفصاحة جزء من البالغة‪.‬‬
‫‪ -2‬وتأسيسا على هذه المعايير فإنه يصبح للفظ األهمية على المعنى وهذا غير‬
‫صحيح ألن المعنى هو األهم‪ ،‬ولذلك أصر على أسبقيته على اللفظ بقوله‪:‬‬
‫"ترتيب المعاني في النفس ثم النطق باأللفاظ على حذوها"‪.‬‬
‫‪ -3‬ركز ابن سنان الخفاجي وغيره على أن فصاحة اللفظ تكون بخلوه من‬
‫الصفات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أال يكون متنافر الحروف مثل(الهعخع)‬
‫‪ -‬أال يكون مخالفا للقياس مثل (األج َل ِل)‪.‬‬
‫‪ -‬أال يكون غريبا مثل (افرنقع)‪.‬‬
‫ولكن عبد القاهر يخالفه فيما ذهب إليه في هذه الشروط للفظ ويرى أنه ال يجوز‬
‫وصف اللفظ بالبالغة أو الفصاحة قبل االستخدام ألن االستخدام هو الذي يحدد‬
‫له تلك الصفة ولذلك ضرب مثاال بكلمة(األخدع) فهي ‪ -‬في نظره‪ -‬يمكن أن‬
‫تكون فصيحة في موضع‪ ،‬وغير فصيحة في موضع آخر والشاهد في هذا قوله‪:‬‬
‫"ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع ثم تراها تثقل‬
‫عليك توحشك في موضع آخر"‪.‬‬
‫‪ -4‬وبناء على هذا فإنه ذهب يصحح أراء السابقين عليه في قولهم إن المعاني‬
‫متناهية وأن األلفاظ غير متناهية في حين أن العكس هو الصحيح أي أن‬
‫المعاني غير متناهية واأللفاظ متناهية‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫" ومما تجدهم يعتمدونه ويرجعون إليه قولهم‪:‬‬
‫إن المعاني ال تتزايد وإنما تتزايد األلفاظ"‪ .‬وهذا الكالم إذا تأملته لم تجد له‬
‫معنى يصح عليه"‪.‬‬

‫والخالصة‪:‬‬
‫‪ -1‬ال مفاضلة بين األلفاظ في البالغة والفصاحة قبل االستخدام أو قبل‬
‫الصياغة‪.‬‬
‫‪ -2‬ال أسبقية للفظ على المعنى طبقا لما جاء عند المعتزلة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن المعاني هي التي تتكاثر وتتزايد‪ ،‬وليس األلفاظ كما ذهب إلى ذلك فريق‬
‫من البالغيين‪.‬‬
‫‪ -4‬مفاهيم علــــــوم البالغة الثــــالثة‪.‬‬
‫‪ -‬توطئة‪:‬‬
‫انتظرت البالغة بالمفهوم العلمي الذي عرضناه سابقا قرونا عديدة لكي تكتشف‬
‫بحوثها‪ ،‬وتنتظم قضاياها وتظهر في النهاية في صورة ثالثة علوم فرعية هي‪:‬‬

‫‪ -‬علم المعاني‪.‬‬
‫‪ -‬علم البيان‪.‬‬
‫‪ -‬علم البديع‪.‬‬

‫وقد جاء الحديث عن هذه العلوم الثالثة في كتاب (مفتاح العلوم) ألبي يعقوب‬
‫السكاكي(ت‪ 626‬هـ)في القرن السابع للهجرة‪ ،‬ويهمنا في هذا المقام التطبيقي أن‬
‫نعرض لمفهوم كل علم من هذه العلوم الثالثة مع األمثلة عليها‪:‬‬

‫‪ -1‬مفهوم علم المعاني‪:‬‬


‫يقول السكاكي في تعريفه‪:‬‬

‫" أعلم أن المعاني هو تتبع خواص تركيب الكالم في اإلفادة وما يتصل بها من‬
‫االستحسان وغيره ليتحرز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكالم على ما‬
‫يقتضي الحال ذكره"‪.‬‬

‫‪ -1‬شرح هذا المفهوم‪:‬‬

‫" وأعني بتراكيب الكالم التراكيب الصادرة عمن له فضل تمييز ومعرفة وهي‬
‫تراكيب البلغاء ال الصادرة عمن سواهم لنزولها في صناعة البالغة منزلة أصوات‬
‫حيوانات تصدر عن مجالها بحسب ما يتفق"‪.‬‬

‫‪ -2‬خاصية التراكيب‪:‬‬

‫"وأعني بخاصية التراكيب ما يسبق منه إلى الفهم عند سماع ذلك التركيب جاريا‬
‫مجرى الالزم له لكونه صادرا عن البليغ ال لنفس ذلك التركيب من حيث هوهو أو‬
‫الزما له لما هوهو حينا"‪.‬‬

‫‪ -3‬وأغني بالفهم‪:‬‬

‫وأغني بالفهم فهم ذي الفطرة السليمة مثل ما يسبق إلى فهمك من تركيب األتي‪:‬‬

‫" إياك نعبد وإياك نستعين "سورة الفاتحة‪.‬‬

‫" ولكم في القصاص حياة " سورة البقرة‪.‬‬

‫"وقيل يا أرض أبلعي ماءك‪،‬ويا سماء اقلعي وغيض الماء"‪ .‬سورة هود‬
‫‪ -2‬مفهوم علم البيان‪:‬‬
‫" هو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الداللة عليه"‪.‬‬

‫وهذا كما يقال في الكناية عن الجود‪:‬‬

‫‪ -‬مهزول الفصيل‪.‬‬
‫‪ -‬جبان الكلب‪.‬‬
‫‪ -‬كثير الرماد‪.‬‬

‫وفي إيراد ذلك بطريق االستعارة‪.‬‬

‫‪ -‬رأيت بحرا في الدار‪.‬‬

‫وبطريق التشبيه‪:‬‬

‫‪ -‬هو كالبحر في السخاء‪.‬‬


‫‪ -‬وهو بحر في السخاء‪.‬‬

‫‪ -3‬علوم علم البديع‪:‬‬


‫هو علم يعرف به وجوه تحسين الكالم بعد رعايته تطبيقه على مقتضي الحال‬
‫ووضوح الداللة‪ .‬وهذه الوجوه ضربان‪ :‬ضرب يرجع إلى المعنى‪ ،‬وضرب يرجع‬
‫إلى اللفظ‪.‬‬

‫أما المعنوي فمنه المطابقة وتسمى الطباق والتضاد أيضا وهي الجمع بين‬
‫المتضادين أي معنيين متقابلين في الجملة ويكون ذلك إما بلفظين من نوع واحد‬
‫اسمين كقوله تعالي‪:‬‬

‫" وتحسبهم إيقاظا وهم رقود"‪.‬‬

‫أو فعلين كقوله تعالى‪:‬‬

‫"تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من شاء"‪.‬‬

‫وقول النبي عليه السالم لألنصار‪" :‬إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع"‪.‬‬
‫‪ -5‬التـــــــقديم والتــــــأخير‬
‫‪ -‬تمهيد عن الجملة العربية‪.‬‬
‫من المعروف أن الجملة العربية تقوم على نسق معين‪ .‬فالجملة االسمية يتصدرها‬
‫المبتدأ‪ ،‬ويليه الخبر‪ ،‬ثم ما تعلق به‪ ،‬والجملة الفعلية تبدأ بالفعل‪ ،‬ثم يأتي الفاعل‬
‫الخ ولكن أحيانا يحدث أن يطرأ تغيير في بعض مكونات هذه الجملة أو في النسق‬
‫الذي تقوم عليه‪ ،‬وحين ندرس هذا النسق الجديد للجملة فإننا ال نريد أن ندرسها‬
‫من الناحية النحوية‪ ،‬وإنما نركز على ما في هذا النسق الجديد من داللة أو دالالت‬
‫‪ .‬والدراسة هنا فنية أو بالغية تسعى إلى معرفة أسرار ما يحمله التركيب الجديد‬
‫من معان أو دالالت معينة‪.‬‬
‫لقد درس القدماء النسق الجديد الذي يطرأ على هذا التركيب وأطلقوا عليه‬
‫مصطلح ( التقديم) ومصطلح ( التأخير) فماذا نعنى بهذين المصطلحين؟‪.‬‬

‫مفهوم التقديم والتأخير‪:‬‬


‫التقديم هو تبادل في المواقع‪ ،‬حيث تترك الكلمة مكانها في المقدمة لتحل محلها‬
‫كلمة أخرى لتؤدي غرضا بالغيا ما كانت لتؤديه لو أنها بقيت في مكانها في‬
‫نسقها العادي‪.‬‬
‫هذا هو مفهوم التقديم أما التأخير فهو نقيض التقديم ألن التقديم يستدعي تأخيرا‬
‫بالضرورة مادام األمر يتعلق بالتبادل في المواقع بالنسبة للنسق أو التركيب‪.‬‬
‫فالمبتدأ الذي يترك مكانه في المقدمة للخبر يحدث بينهما التقديم والتأخير‬
‫بالضرورة‪ .‬واألمر كذلك في التأخير فحينما نقدم ما ال حق له في التقديم نكون قد‬
‫أحدثنا تغييرا في المواقع‪ ،‬وفي الصالحيات‪ .‬وهنا نطرح السؤال التالي‪ :‬لماذا نقدم‬
‫ونؤخر في هذا الكالم أو في هذا النسق؟‪.‬‬

‫الغاية من التقديم والتأخير‪:‬‬


‫إن الغاية التي يتوخاها التقديم والتأخير مرتبطة بالمتكلم وبالموقف الذي يريد أن‬
‫يعبر عنه‪ ،‬ويسعى إلى نقله لآلخرين‪ ،‬وقد حاول القدماء والمحدثون حصر بعض‬
‫صور التقديم والتأخير وربطوها بأهداف معينة منها األهمية‪ ،‬واالختصاص‪،‬‬
‫والتشديد في الوعيد‪ ،‬والتشويق واإلثارة الخ‪.‬‬

‫‪ -1‬األهمية‪:‬‬
‫إن المتكلم أو المبدع حين يقدم كلمة من الكلمات فإنه يفعل ذلك لغاية تتعلق بأهمية‬
‫المعنى الذي يستأثر باهتمامه‪ .‬واألمثلة على هذا عديدة‪ ،‬و لضيق المجال نكتفي‬
‫هنا بمثالين أحدهما من القرآن الكريم والثاني من الشعر‪ .‬ففي القرآن الكريم نجد‬
‫قوله تعالى‪ :‬فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه‪ ،‬وإن تصبهم سيئة َيطيروا بموسى‬
‫ومن معه " سورة األعراف‪.131‬‬
‫فاآلية هنا ترتبط بموقف معين هو تصوير الوضع الذي كان عليه قوم موسى (آل‬
‫فرعون)‪ .‬ويتجلى هذا في حالتين متناقضتين‪:‬‬
‫األولى هي الرضا بما َمنّ هللا عليهم من الخيرات والنعم ولذلك كانوا يبدون‬
‫مطمئنين مرتاحين‪ ،‬وهم يقبلون على التمتع بهذه النعم والخيرات بشيء من‬
‫اللهفة والرغبة في التمسك بها واالستحواذ عليها‪ .‬و قد كان التعبير مناسبا لهذا‬
‫في قوله تعالى‪ " :‬لنا هذه" ولو كان التعبير على هذا النحو "هذه لنا" لما برز‬
‫المعنى األول‪.‬‬
‫الثانية هي التذمر والسخط مما يحل بهم من قحط وجدب‪ .‬و في هذه الحالة تراهم‬
‫ينسبون كل ما يحل بهم إلى موسى وأتباعه‪ ،‬ويعبرون عن ذلك بالتطير والنكران‬
‫له وألتباعه‪.‬‬
‫إن الموقف الطبيعي المنتظر منهم هو الرضا بكلتا الحالتين‪ :‬حالة النعم والخيرات‪،‬‬
‫وحالة القحط والجدب غير أنه لما كان هؤالء القوم جاحدين وأنانيين فقد حرصت‬
‫اآلية على تصوير هذه المفارقة التي يعيشونها في حياتهم‪ .‬وكان التقديم والتأخير‬
‫مجسدا لهذه المفارقة‪ .‬أما في الشعر فنجد ابن الرومي يقول‪:‬‬
‫للفــــناء‬
‫ِ‬ ‫ش ُم َ‬
‫ش ِّمــــر‬ ‫ِع لِع َي ْ‬
‫ـــ ِ‬ ‫الج ْم‬ ‫ضلة المرئ ُي َ‬
‫ش ِّم ُر في َ‬
‫انقضاء‬
‫ِ‬ ‫ِر ِ‬
‫ث وال ُع ْم ُر دائب في‬ ‫القناطـــير للوا‬
‫َ‬ ‫دائـــبا َي ُ‬
‫كنز‬
‫فالموقف الذي أراد ابن الرومي أن يعبر عنه هو حرص اإلنسان على جمع المال‪،‬‬
‫وحرصه عليه ناتج ‪ -‬في الحقيقية ‪ -‬عن غفلته وقلة حيلته‪ ،‬وقصور نظرته‪ ،‬إذ‬
‫لو لم تكن لديه غفلة وسذاجة وقلة حيلة لعرف أن حياته قصيرة ومحدودة‪ ،‬وأن‬
‫المال الذي يجمعه ويحرص عليه ال يستطيع أن يمد في عمره ولذلك كان ابن‬
‫الرومي يسخر منه ويستنكر فعله معتبرا أن المال ليس هو الغاية األساسية في‬
‫الحياة‪.‬‬
‫إن األمر هنا يبدو ‪ -‬في نظر ابن الرومي ‪ -‬في شكل مفارقة عجيبة‪ ،‬فمن ناحية‬
‫نجد هذا اإلنسان يحرص كل الحرص على جمع المال‪ ،‬ومن ناحية أخرى نجده‬
‫يسير إلى الفناء دون أن يتمتع به نظرا لقصر عمره‪ .‬وقد حرص ابن الرومي على‬
‫تجسيد هذه المفارقة بتقديم " الحال" (دائبا) على الفعل (يكنز)‪ .‬وكان األصل أن‬
‫يقول ‪(:‬يكنز القن اطير دائبا) ولكن هذا التركيب ال يبرز المكانة التي يحتلها المال‬
‫عند هذا اإلنسان كما هو في التركيب السابق‪.‬‬

‫‪ -2‬االختصاص‪:‬‬
‫يحدث أحيانا أن نجد تعبيرا أو كالما يعبر فيه المتكلم أو المبدع عن شئ يخصه وال‬
‫يشاطره فيه أحد وهو يلجأ في هذا التعبير أو الكالم إلى تقديم كلمة معينة لتجسيد‬
‫ذلك المعنى‪ .‬ويمكننا التمثيل هنا بما جاء في القرآن الكريم وفي اإلبداع الشعري‪.‬‬
‫ففي القرآن الكريم نجد قوله تعالى‪ " :‬له الملك وله الحمد وهو على كل شئ‬
‫قدير"سورة التغابن ‪.1‬‬
‫فاآلية هنا جاءت لتعبر عن القدرة اإللهية المطلقة‪ ،‬فاهلل جلت قدرته هو الذي يملك‬
‫كل شيء‪ ،‬وال تشاطره فيه قدرة أخرى‪ .‬وهو لهذه القدرة المطلقة يستحق كل‬
‫الحمد وكل الثناء‪ .‬ولكي يجعل هذه القدرة تخصه هو فقط دون سواه فقد قدم شبه‬
‫الجملة الممثلة في الجار و المجرور (له) وكان حقها التأخير كما هو مألوف في‬
‫التعبير على هذا النحو‪ ( :‬الملك له) ولكن هذا النمط من التعبير ال يبرز معنى‬
‫االختصاص الذي أشرنا إليه‪ ،‬وال يعبر عنه بالكيفية التي جاء عليها في التعبير‬
‫األول‪ .‬واألمثلة المعبرة عن هذا المعنى كثيرة في القرآن الكريم منها‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫"يؤمنون بالغيب ويقيمون الصالة‪ ،‬ومما رزقناهم ينفقون"سورة البقرة‪. 4 /3‬‬
‫هذا في القرآن الكريم أما في اإلبداع الشعري فاألمثلة كثيرة منها قول الشاعر‬
‫سليمان العيسى‪:‬‬

‫ولي بأزهاري عبيــريِ‬ ‫لي موطني ال للدخيل‬


‫الكبيـر‬
‫ِ‬ ‫نهار في وطني‬ ‫في هذه الجنـــات واأل‬
‫فالشاعر أراد أن يعبر عن حبه لوطنه‪ ،‬وعن تعلقه به‪ ،‬وأنه شيء يخصه هو وال‬
‫يشاطره فيه أي دخيل‪ .‬ولكي يبرز أن هذا الوطن له وحده ال لغيره قدم شبه الجملة‬
‫الممثلة في الجار والمجرور( لي) وكان حقها التأخير بحكم الموقع الذي تأتي فيه‬
‫باعتبارها خبرا للمبتدأ وهو(موطني) ولكن ترتيبها على النحو التالي‪ (:‬موطني‬
‫لي) ال يجسد المعنى الذي أراده الشاعر‪ .‬وما قيل (لي موطني) يقال في (لي‬
‫بأزهار عبير) وهكذا‪.‬‬

‫‪-3‬التشديد في الوعيد‪:‬‬
‫يأتي التقديم والتأخير في بعض النصوص األدبية لغاية تتعلق بالتشديد في الوعيد‪.‬‬
‫ولدينا أمثلة كثيرة تؤكد هذا االستخدام في القرآن الكريم وفي اإلبداع الشعري‪.‬‬
‫ومما جاء عنه في القرآن الكريم قوله تعالى‪ ":‬إن إلينا إيابهم ثم إن علينا‬
‫حسابهم"‪ .‬الغاشية ‪.26/25‬‬
‫فالموقف الذي أراد تعالى أن يعبر عنه في هذه اآلية هو التهديد والتشديد في‬
‫الوعيد‪ ،‬إذ يقول‪:‬إن إيابهم ال يكون إال إليه هو الواحد األحد وكذلك فإن حسابهم‬
‫ي عود إليه وحده وليس هناك من يستطيع أن يحاسب عباده إال هو القادر المقتدر‪.‬‬
‫وإلبراز هذا المعنى قدم الجار والمجرور شبه الجملة (إلينا) مرتين وكان حقه‬
‫التأخير في محل رفع خبر(إن)‪ .‬ولو أبقى التركيب األول وهو‪" :‬إن إيابهم إلينا ثم‬
‫إن حسابهم علينا" لما برز معنى التهديد والتشديد في الوعيد كما هو واضح في‬
‫التركيب السابق‪.‬‬
‫إن التعديل في التركيب يشير إلى أن لكل تركيب معنى يتطلبه مقتضى الحال‬
‫ويستدعيه الموقف‪ ،‬وبقدر ما يتعدد التقديم والتأخير تتعدد المعاني‪ .‬وقد رأينا في‬
‫األمثلة السابقة كيف أن التقديم والتأخير كان فيها ألهداف تتعلق إما باألهمية أو‬
‫باالختصاص أما هنا فقد جاء بغرض التهديد والتشديد في الوعيد‪ .‬ومن األمثلة‬
‫التي يمكن االستدالل بها في الشعر قول أحدهم‪:‬‬
‫الجياع‬
‫ْ‬ ‫سنمضى ونحن األسو ُد‬ ‫إلى ُكلِّ طاغ يمس الحدودَ‬
‫فالشاعر هنا يوجه تهديده إلى كل طاغ تسول له نفسه باالعتداء على حرمة وطنه‪،‬‬
‫ونراه قد استخدم أسلوب التقديم والتأخير إلبراز هذا المعنى‪ ،‬حيث كان يجب أن‬
‫يقول في التركيب العادي المألوف‪( :‬سنمضي إلى كل طاغ‪.)...‬ولكنه عدل عن هذا‬
‫التعبير ألنه أ راد التهديد والتشديد في الوعيد باالنتقام إن أقدم المعتدي على‬
‫المساس بكرامة وطنه‪ ،‬فقدم شبه الجملة( إلى كل طاغ) لتكون ملفتة أكثر وأخر‬
‫في اآلن نفسه كلمة (سنمضي) التي كان حقها التقديم‪ .‬و من الواضح أن التعبير‬
‫بالتقديم والتأخير أبلغ وأقوى في إبراز المعنى من التعبير المألوف‪ .‬واألمثلة عليه‬
‫كثيرة وال ضرورة إليرادها هنا ألنها من قبيل التكرار‪.‬‬

‫‪ -4‬التشويق إلى المتأخر‪:‬‬


‫من األمثلة التي وردت عنه في الشعر والنثر ما سيأتي‪ .‬ففي النثر نجد أبا طالب قد‬
‫تقدم يطلب يد خديجة البن أخيه محمد (ص) فقال‪:‬‬
‫الحمد هلل الذي جعلنا من ذرية إبراهيم‪ ،‬وزرع إسماعيل‪ ،‬وجعل لنا بلدا حراما‪،‬‬
‫وبيتا محجوجا‪ ،‬وجعلنا الحكام على الناس‪ ،‬ثم إن محمد بن عبد هللا ابن أخي من ال‬
‫يوزن به فتى من قريش إال رجح عليه برا‪ ،‬وفضال‪ ،‬وعقال‪ ،‬ومجدا‪ ،‬ونبال‪ ،‬وإن‬
‫كان في المال قُلُّ فالمال ظل زائل‪ ،‬وعارية مسترجعة‪ ،‬وله في خديجة بنت خويلد‬
‫رغبة‪ ،‬ولها فيه مثل ذلك‪ ،‬وما أحببتم من الصداق فعلي‪.‬‬
‫ففي هذه الخطبة نجد أنفسنا أمام نوع آخر من التقديم والتأخير ليس في جزء من‬
‫أجزاء الجملة‪ ،‬وإنما هو في عرض الموضوع فأبو طالب يطلب يد السيدة خديجة‬
‫إلى ابن أخيه محمد عليه السالم‪ ،‬ولكنه ال يدخل في الموضوع مباشرة‪ ،‬وال يواجه‬
‫بالفكرة‪ ،‬بل يتأتى لها‪ ،‬حتى يقنع بها‪ ،‬ألنه يعلم فيما يعلم أن خديجة من شريفات‬
‫قريش‪ ،‬وأن لها من الثراء ما ليس لغيرها‪ ،‬وأنها أمنية كثير من سراة القرشيين ‪.‬‬
‫ونالحظ أنه بدأ يتحدث عن نسب بني هاشم آل محمد؛ فإذا هو خير نسب؛ ألنهم‬
‫من ذرية إبراه يم وزرع إسماعيل‪ ،‬وانتقل إلى منزلتهم في مكة‪ ،‬فإذا هي خير‬
‫منزلة؛ ألنهم سدنة الكعبة‪ ،‬والقائمون بأمر البيت الحرام ولهم الحكم في الناس‪ ،‬ثم‬
‫تحدث عن محمد؛ فإذا هو خير فتى في قريش‪ ،‬ألنه ليس من فتيانها من يساويه‬
‫في بره أو فضله أو كرمه أو عقله أو مجده أو نبله وإذ بلغ من نفوس السامعين‬
‫اعتذر عن قلة ماله بأن المال ظل زائل‪ ،‬يكون حينا‪ ،‬وال يكون حينا آخر ثم عرض‬
‫بعد ذلك كله موضوع الخطبة‪.‬‬
‫وال شك في أن جمال هذا التقديم نابع من اقترانه بشعور أبي طالب‪ ،‬ومن تقديره‬
‫للموقف‪ ،‬ومن انتقاالته التي أمتلك بها السيطرة على النفوس‪ ،‬فكان له ما أراد‪.‬‬
‫ومثلما يكون هذا التقديم في عرض الموضوع النثري‪ ،‬فإنه يكون أيضا في عرض‬
‫الموضوع الشعري‪ ،‬كما في أبيات الفيتوري التالية‪:‬‬
‫ولقينا من أذاه ما لقيــــــنـا‬ ‫إِنْ َن ُكنْ سرنا على الشوك سنينا‬
‫أو نكن عشنا حفاة بائســينا‬ ‫إن نكـن بـتنا عــراة جـــائعــيـنا‬
‫فوقفنا نتحدى الساقطـــينـا‬ ‫الفأس قوانـــا‬
‫ِ‬ ‫إن نكـن قد أَ ْو َه ِ‬
‫ت‬
‫فبنينا ألمانينا ســــــجونـــا‬ ‫إن نكـن سخــرنــا جـــــــال ُدنــــا‬
‫ولثمنا قدميه خاشعيــــنــــا‬ ‫ورفـــعناه عـــــلى أعــــناقــــنــا‬
‫فتساقانا جراحـــا وأنيــــــنا‬ ‫ومــــألنا كــــأْ َسه مـن دمـــــنــا‬
‫ونقشناه جفونـا وعيــــونـــا‬ ‫وجعلنا َح َج َر ال َق ْ‬
‫ص ِر رؤوســـــا‬
‫ص ْم َة ال ِّذلة ِفيـــنا‪.‬‬
‫ومحونا َو َ‬ ‫ــرنا على أنفســـــــنا‬
‫فلـــــقد ثـ ُ ْ‬
‫ففي هذه األبيات يعرض الشاعر فظائع االستعمار في صور تتوالى كما تتوالى‬
‫صور المأساة حزينة دامية‪ .‬فقد سار أهل إفريقية دهرا بين أشواك الحياة‬
‫بعبوديتها وذلتها وحرمانها وقاسوا اآلالم منها وكان ليلهم للعرى والجوع‬
‫ونهارهم للبؤس والحفاء‪ ،‬وكانت الفأس التي يضربون بها األرض في خدمة‬
‫جالدهم ‪ ،‬توهي قواهم‪ ،‬ومع ذلك ال يلقونها من أيديهم‪.‬‬
‫كان هذا الجالد يسخرهم فيخضعون له‪ .‬وقد انطووا على نفوسهم‪ ،‬وقبروا فيها‬
‫أمانيها‪ .‬كانوا يمجدون هذا الجالد‪ ،‬فيحملونه على األعناق‪ ،‬ويخرون له خاشعين‬
‫ليلثموا أقدامه‪ .‬كانوا يقدمون له الدماء ليمأل منها كأسه‪ ،‬ويحتسيها مستمتعا‬
‫بأنينهم وجراحهم‪ .‬بنوا له قصرا من جماجمهم‪ ،‬وجعلوا نقشه من عيونهم‬
‫وأجفانهم‪.‬‬
‫كان ذلك كله‪ ،‬وقد تحملوه‪ .‬و نالحظ هنا أن الشاعر حرص على أن يقدم هذه‬
‫المآسي في هذا العرض الذي توالى فيه الشرط في األبيات حتى البيت ما قبل‬
‫األخير وال جواب له‪ .‬وفي البيت األخير يظهر الجواب بعد كل ما تقدم على هذا‬
‫النحو‪:‬‬
‫لقد ثاروا على الضعف في نفوسهم‪ ،‬وحطموا بهذه الثورة ما كانوا فيه من ذلة‬
‫وهوان‪ .‬وقد لجأ الشاعر إلى هذا األسلوب الذي أخر فيه الجواب ليعرض جرائم‬
‫المستعمرين متتابعة‪ ،‬تستثير القارئ‪ ،‬وتدفعه إلى مشاركة الشاعر في السخط‬
‫عليهم‪ ..‬حتى إذا انتهى إلى آخر األبيات أحسست إشراقة األمل بما ذكر عن الثورة‬
‫التي قضت على الضعف في النفوس‪ ،‬وعلى ما كان من ذلة ومهانة‪.‬‬
‫والتقديم يرد كذ لك في القصة‪ ،‬فكثيرا ما يقدم الكاتب بعض أجزائها لغرض فني‬
‫يتمثل في التشويق واإلثارة ثم يواصل أحداث القصة‪.‬‬

‫‪ -6‬مـــــفهوم الحــــــقيقة والمجـــــــاز‪.‬‬


‫‪ -‬مفهوم الحقيقة والمجاز‪:‬‬
‫توطئة‪:‬‬
‫قبل أن نتحدث عن الحقيقة والمجاز بمفهومهما االصطالحي يجدر أن نتحدث عن المعنى‬
‫اللغوي لهذين اللفظين فإن معرفة المعنى اللغوي تمهد لفهم المعنى االصطالحي‪.‬‬

‫‪ -1‬مفهوم الحقيقة‪:‬‬
‫الحقيقة مشتقة من حق‪،‬يحق‪ ،‬والحق هو الشيء الثابت بمعنى فاعل وهي أيضا فعيلة‬
‫بمعنى مفعولة‪ ،‬ألن صيغة فعيل في اللغة تصلح أن تكون اسم فاعل أو اسم مفعول‪.‬‬

‫‪ -2‬مفهوم المجاز‪:‬‬
‫أما المجاز فهو مصدر ميمي من جاز الشيء جوازا إذا تعداه ويمكن أن يكون‬
‫بمعنى اسم المكان من قولهم‪ " :‬جاز الطريق مجازا" أي سلكه‪.‬‬
‫ومن المعنى اللغوي جاء المعنى االصطالحي لكل منهما‪ .‬فالحقيقة هي اللفظ‬
‫المستعمل فيما وضع له‪ ،‬والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعالقة‬
‫مع قرينة تمنع إيراد المعنى الحقيقي‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك قول‪:‬الحطيئة يستعطف أمير‬
‫المؤمنين عمر بن الخطاب(رضي هللا عنه)‪ ،‬وكان قد ألقاه في السجن لهجائه المقذع‪:‬‬
‫ش َج ُر‬‫صل ال ماء وال َ‬ ‫الح َوا ِ‬
‫ب َ‬ ‫ُز ْغ ِ‬ ‫ماذا تقول ألفراخ بذي مـــرخ‬
‫فاغ َف ْر عليك سال ُم ِ‬
‫هللا يا ُعـــــ َم ُر؟‬ ‫ألقيت كاسِ َبهم في َق ْعر ُم ْظلِ َمة‬
‫َ‬
‫وقال أبو نواس يصف فتاة تبكي‪:‬‬
‫وتــلــــــط ُم الـــــوردَ بعنــــا ِ‬
‫ب‬ ‫تبكي فتدري الـــــدر من نرجــس‬
‫وقول آخر يصف فتاة باكية حزينة‪:‬‬
‫وردا وعض ْت على ال ُعنا ِ‬
‫ب بال َب َردِ‪.‬‬ ‫وس َق ْت‬
‫فامطرت لؤلؤا من نرجس َ‬

‫‪ -‬شرح الكلمات‪:‬‬
‫‪ -‬األفراخ‪:‬صغار أطفاله‪.‬‬
‫‪ -‬اللؤلؤ‪ :‬الدمع‪.‬‬
‫‪ -‬العناب‪ :‬األصابع المخضوبة‪.‬‬
‫‪ -‬البرد‪ :‬حبيبات الثلج‪.‬‬
‫‪ -‬النرجس‪ :‬العين‪.‬‬
‫‪ -‬الورد‪ :‬الخد‪.‬‬

‫نهاية‪.‬‬

‫مع التمنيات بالتوفيق‪.‬‬

You might also like