المحاضرة األولى :التربية والبيداغوجيا
.1مفاهيم التربية ومعانيها
عُرفت التربية منذ العصور القديمة بتعريفات متعددة تتفق في بعض الجوانب وتختلف في جوانب
أخرى ،نظرا ً للطبيعة المعقدة لإلنسان .ويشير عبد السالم الجغافرة إلى أن التعريفات رغم
اختالفها ،ترتبط جميعها بعملية تنمية اإلنسان ككل.
المفهوم اللغوي للتربية
لغويًا ،كلمة "تربية" تعود في أصولها اللغوية إلى الفعل "ربا" الذي يشير إلى النمو والزيادة .استنادًا إلى
ابن منظور ،للتربية ثالثة أصول:
﴿و َما آَت َ ْيت ُ ْم ِم ْن ِربًا ِل َي ْرب َُو ِفي أ َ ْم َوا ِل
األصل األول" :ربا يربو" بمعنى زاد ونما .كما ورد في القرآنَ :
اس فَالَ يَ ْربُو ِع ْندَ َّ ِ
َّللا﴾ (الروم).39 : النَّ ِ
األصل الثاني" :ربى يربي" ،بمعنى نشأ وترعرع.
يعرف سالمة الخميسي التربية بأنها األصل الثالث" :ربّ " بمعنى اإلصالح ورعاية الشيء كما ّ
"إيصال الشيء إلى كماله" ،ويربط الكمال بطبيعة الشيء الذي يخضع للتربية.
من هذه التعاريف اللغوية يتضح أن معاني التربية تدور حول اإلصالح ،والقيام بأمر المتربي وتعهده
ورعايته بما ينميه ،وأن مفهومها مرتبط بجميع تلك المعاني.
المفهوم االصطالحي للتربية
ويقصد بالمفهوم االصطالحي لكلمة التربية ،المعنى الفني أو العلمي الذي يفهم من هذه الكلمة في سياقها
االجتماعي الوظيفي داخل المجتمع ،والمعنى االصطالحي لكلمة التربية أكثر تعقيدًا من المعنى اللغوي،
فإذا استقرت المعاني الفنية المستخلصة من التعريفات المختلفة للكلمة ،نجد أنها مختلفة في فلسفتها
وأهدافها ومضامينها وعملياتها وطرائق ها ،ويرجع السبب في هذا االختالف إلى التباين في الفلسفات
االجتماعية التي تحدد سياسة التربية وتوجيه عملياتها وبرامجها داخل المجتمعات اإلنسانية .ولكن مع هذا
التباين هناك ما يشكل قاعدة مشتركة لعملية التربية في المجتمعات اإلنسانية على اختالف منطلقاتها ألن
العامل المشترك فيها أنها تتوجه نحو اإلنسان وسلوكه ونموه.
تعريفات بارزة للتربية:
أبو حامد الغزالي :يرى الغزالي أن التربية هي "أشرف الصناعات التي يستطيع اإلنسان أن
يحترفها وأن أهم أغراض التربية هي الفضيلة والتقرب إلى هللا".
أفالطون :عرف التربية بأنها تدريب الفطرة األولى للطفل على الفضيلة.
أرسطو :ركز على إعداد العقل كوسيلة للحصول على المعرفة.
جون ديوي :يُعرف التربية بأنها عملية نمو مستمر ،وتفاعل مع المجتمع.
دوركايم :هي عملية التنشئة االجتماعية المنظمة لألجيال الصاعدة.
ابن سينا :في نظره ،التربية هي "تنمية ملكات اإلنسان" بشكل يتوافق مع الفطرة ويكمل التطور
العقلي والفكري للشخص.
ابن خلدون :يرى أن التربية ليست فقط عملية تعليمية بل هي جزء من عملية اجتماعية تهدف إلى
غرس القيم األخالقية ،وتعليم األفراد المهارات التي تساعدهم في تفاعلهم مع المجتمع.
ملخص مفهوم علم التربية
ُعرف هنا كفرع من المعرفة يعتمد على التجربة والحقائق الثابتة ،بهدف الوصول إلى العلم والتربية :العلم ي ّ
قوانين علمية وفق منهج منظم .علم التربية يُفهم بشكل مشابه ،حيث يدرس ظواهر التربية بمنهج علمي له
أسس نظرية وأدوات لقياس هذه الظواهر والتنبؤ بها.
أبعاد علم التربية
علم التربية يحتوي على نظريات متنوعة حول طبيعة التربية وأهدافها ،بد ًءا من نظرية أفالطون حول
"ترويض العقل" ،إلى نظرية "التفتح" لفروبل ،وصوالً إلى النظرية الحديثة في التكيف.
االتجاهات الثالثة الرئيسية في علم التربية:
كفن ،حيث يتطلب من المعلمين فهم الطالب واستيعابهم فن التعليم والتربية :يُنظر إلى علم التربية ّ
وجذب انتباههم ،وهذا الفن يتطور من خالل ممارسة التربية والتعليم.
نظرية في التربية :يهدف علم التربية كعلم نظري إلى تحليل طرق ومناهج التربية ،وتقدير
قيمتها ،مما يساعد المربين على تحسين أساليبهم وتوجيه عملهم.
نظرية تطبيقية :ينظر علم التربية كتطبيق عملي للعلوم اإلنسانية والفلسفة ،كما يقول دوركايم .في
هذا اإلطار ،يعمل المعلمون مثل األطباء الممارسين ،حيث يطبقون العلوم النظرية في ممارسات
تعليمية فعلية.
الخالصة
علم التربية ،أو البيداغوجيا ،هو علم متعدد األبعاد؛ يجمع بين الفن والتطبيق العملي والنظرية ،ويهدف إلى
تحسين العملية التربوية باستخدام منهج علمي وتطبيق نتائج العلوم اإلنسانية ويطلق عليه أيضا بيداغوجيا
-2مفهوم البيداغوجيا
التعريف اللغوي :كلمة "البيداغوجيا" مشتقة من األصل اليوناني" ، "pädagogieوتعني "قيادة وتوجيه
الطفل".
التعريف االصطالحي
تشير البيداغوجيا إلى العلم الذي يتناول فن وأساليب التدريس ،مع التركيز على منهجيات التعليم لتحقيق
أهداف محددة ،كما يراها إميل دوركايم عل ًما يدرس الطرق التي يستخدمها المعلمون لتنمية شخصية
الطالب.
الفرق بين التربية والبيداغوجيا
بينما تشير التربية إلى تنمية اإلنسان من جميع جوانبه النفسية واالجتماعية ،تركز البيداغوجيا على أساليب
التعليم داخل الصفوف الدراسية.
-3تطور الفكر التربوي عبر العصور
السائدة .
كبيرا عبر العصور ،حيث تأثرت التربية بالفلسفات تطورا ً
ً شهد الفكر التربوي
الحضارات القديمة
الحضارة اليونانية :روج أفالطون وأرسطو ألهمية التعليم لبناء المواطن الصالح.
الحضارة الرومانية :اهتمت باالنضباط في التربية.
العصور الوسطى
الحضارة اإلسالمية :شهدت ازدهارا ً كبيرا ً في الفكر التربوي ،حيث أسس العلماء مدارس متنوعة
تقدم المعرفة الدينية والعلمية .دعا العلماء المسلمون ،مثل ابن سينا والغزالي ،إلى دمج التعليم
الديني بالدراسات العلمية ،مع تركيز قوي على األخالق والقيم.
النهضة األوروبية
الفكر التربوي األوروبي :تأثرت النهضة األوروبية بالفكر التربوي اإلسالمي ،وأسهمت في
ظهور الجامعات الحديثة .ركز الفكر التربوي على تعليم اإلنسان المتكامل وتنمية الفكر النقدي.
العصرالحديث
شهد العصر الحديث ظهور نظريات جديدة مثل البنائية والسلوكية ،التي سعت لفهم كيفية تفاعل
األفراد مع المعرفة وتنظيم المعلومات ،وتقديم طرق تعليمية جديدة تُعنى بتكيف الطالب
وتطويرهم.
-4أهمية التربية والبيداغوجيا في العملية التعليمية
تسهم التربية والبيداغوجيا في بناء مجتمع متكامل ومؤهل للتكيف مع تحديات العصر.
أهمية التربية
تساعد التربية في تشكيل الفرد القادر على االندماج والتفاعل مع محيطه االجتماعي والثقافي .يصف جون
ديوي التربية بأنها "أداة أساسية لبناء المجتمعات المستدامة".
أهمية البيداغوجيا
البيداغوجيا هي األساس في العملية التعليمية ،حيث تسهم في وضع استراتيجيات مالئمة للمتعلمين ،تعتمد
على فهم احتياجاتهم وتحفيزهم للمعرفة المستمرة .يرى بياجيه أن البيداغوجيا تشكل عنصرا ً أساسيا ً في
تنمية القدرة على التفكير النقدي.
األهداف المشتركة بين التربية والبيداغوجيا
تهدف التربية والبيداغوجيا معًا إلى:
تنمية الفرد :تحقيق توازن بين الجوانب الفكرية والنفسية واالجتماعية.
تعزيز االنتماء االجتماعي :غرس قيم التفاعل والتعاون بين األفراد.
التعلم المستمر :تحفيز اإلنسان على السعي للمعرفة مدى الحياة.