المحاضرة الثالثة - 2025-02-18T164818.986
المحاضرة الثالثة - 2025-02-18T164818.986
لقد بنيت اإلستراتيجية العثمانية للسيطرة على البحر األبيض المتوسط على إنشاء قواعد
متقدمة في الحوض الغربي للمتوسط ،ولهذا فإن أهم وأقرب منطقة له والعدو األول إلسبانيا والعالم
النصراني هي دول المغرب العربي حيث "تعود أولى االتصاالت العثمانية في الحوض الغربي
للمتوسط إلى سنة 1487م ،وذلك في "رسالة من سكان غرناطة إلى السلطان العثماني والملك
المملوكي يطلبون فيها العون والنجدة ،ولدراسة الوضع الحربي والعسكري في المنطقة أرسل
1
السلطان أح د بحارته المدعو كمال رايس ،الذي بقي في المتوسط إلى غاية سنة 1495م".
عدة عمليات
قاد الرايس كمال خالل الفترة التي استقر فيها بالجزء الغربي من المتوسطّ ،
انطلقت من ميناء بجاية وجزيرة جربة ضد العالم النصراني وكذا محاوالته إلنقاذ المسلمين
2
األندلسيين القابعين على السواحل اإلسبانية.
وما إن فرغ العثمانيون من تسوية الخالف الصفويين سنة 1514م ،واحتاللهم لمصر سنة
1517م ،حتى أصبح الحوض الغربي للمتوسط مطلبا ملحا للسياسة العثمانية.
وقد لعب الحظ دو ار كبي ار في بداية التوسع غرب المتوسط ،حيث استقر األخوان عروج
وخير الدين منذ سنة 1509م في جربة بتونس ،ثم جيجل سنة 151ومن هناك بدأ اإلخوة حمالتهما
في التوسع على بعض المناطق الجزائرية ،ففتحوا الجزائر العاصمة سنة 1516م ،وجعال منها
3
معقال لقواتهما البحرية.
1
De Jamil M et Alt, p148.
2
Ibid, op.cit.
3
PlayFair, op.cit, p34.
ليبدأ بعدها التوسع في الجهة الغربية من الجزائر ،وذلك بمحاولة لفتح تلمسان سنة 1517م،
وهي نفسها السنة التي توفي فيها عروج بعد استشهاده في معركة ضد االسبان عند نهر دي
4
سالدو.
أرسل خير الدين بربروسة بعدها حسين شاوش إلى الباب العالي يطلب من السلطان
الموافقة على طل ب انضمام الجزائر تحت اللواء العثماني سنة 1519م ،حيث وافق األخير على
طلبهما سنة 1519م.
وهكذا أصبحت الجزائر أحد القواعد العثمانية المتقدمة والمهمة في الجزء الغربي من البحر
المتوسط ،حيث أقضت مضجع أوربا كلّها ،وهاجم رياسها إيطاليا وإسبانيا وأغلب السواحل األوربية.
ولم يكن العثمانيون ليتفرغوا للتوسع غربا إال بعد أن يفتحوا جزيرة رودس معقل فرسان
القديس يوحنا سنة 1523م ،حيث تعتبر الجزيرة قاعدة متقدمة لإلسبان في الجزء الشرقي للبحر
المتوسط ،ويذكر ستانلي الن بول" :لقد سقطت جزيرة رودس آخر عقبة الستكمال سيطرة األسطول
العثماني على الحوض الشرقي من البحر األبيض المتوسط ،ومن اآلن وصاعدا ال توجد سفينة
أقل قيمة ،حيث ال توجد قوة
مسيحية آمنة بهذه المياه ،فالبحريات القديمة في هذا الوقت كانت ّ
5
تتحدى التفوق العثماني في بحر إيجة ،البحر األيوني وبحر األدرياتيك".
سنتوسع أكثر في موضوع األخوين عروج عندما نتطرق للمحاضرة الخامسة والتي تتعلق بالفتح العثماني للمغرب العربي. 4
5
Lane-Poole Stanley, The Story of the Barbary corsairs, New York: G.P Putnam’s Sons 1890, p. 74.
تحضيرات البا با ليو العاشر ،وصلت اخبار وفاة السلطان سليم األول ،حيث أعلنت الصلوات
6
والشكر وألغيت الحملة الصليبية ...ألن الجميع كان يعتقد أن سليمان القانوني رجل سالم.
هناك أمرين حدثا سنة 1529مهدا لتصاعد التنسيق الج ازئري العثماني في الجزء الغربي
للمتوسط األول :هو تمكن خير الدين من تدمير قلعة البينون المقابلة لمدينة الجزائر في شهر
ماي سنة 1529الذي وفر ملجأ آمنا للسفن الجزائرية من العواصف؛ ثانيا :التوغل العثماني في
شرق أوربا ومحاصرة فيينا التي كانت تمثل الحدود الشرقية لإلمبراطورية اإلسبانية.
إن السيطرة على البحر من قبل المسلمين ،لم تكن تعني تخريب التجارة األوربية فقط أو
تحطيم السواحل الواقعة في الجنوب؛ وإنما أصبحت تعبر عن التهديد المباشر الذي صار يمثله
المسلمون للديانة المسيحية .فمع وصول العثمانيين فيينا سنة 1529انتشرت فكرة قرب نهاية
العالم في األوساط الشعبية األوربية؛ حيث انتج هذا الوضع أشكاال مختلفة من الثقافة في األوساط
الدينية واألدبية والفنية والسياسية ،وقد عبر عن هذه الحالة األديب الفلورنسي بورجيو براشيلوني
( )Porggio Bracciloniفي إحدى الرسائل إلى أحد أصدقائه مباشرة ،بعد انتشار خبر انتهاء
7
حكم اإلمبراطورية البيزنطية" :أخشى ما أخشاه عودة زمن غزوات الوندال والقوط".
لقد أعقب تحطيم قلعة البينيون غارات بحرية واسعة قام بها البحارة الجزائريون ،ولعل أشهرها
تلك التي قادها إيدين رئيس (الملقب في الكتابات الغربية بالشيطان الضارب) وصالح رايس ضد
قرباش بلقاسم ،األسرى األوربيون في الجزائر خالل عهد الدايات (1830 -1671م) ،أطروحة دوكتوراه ،جامعة معسكر، 6
2016م ،ص.23-22
أحمد رنيمة ،المشروع العثماني والمجابهة الفكرية األوربية خالل القرن السادس عشر الميالدي ،ملتقى التنافس االسباني في 7
غرب البحر المتوسط مطلع القرن 16الميالدي 10-9 ،نوفمبر ،2010كلية اآلداب واللغات ،جامعة الشلف ،ص.05
السواحل اإلسبانية؛ فعند عودة القائد العام لألسطول اإلسباني من جنوة ،اشتبك مع 14سفينة
كان يقودها إيدن رايس؛ لقد كانت النتيجة كارثية لألسطول اإلسباني ،فقد توفي بورتندو ،وتم
8
االستيالء على ستة سفن من أصل ثماني غاليارات ضخمة ،في حين أحرقت واحدة أخرى.
جاء في رسالة كتبها نائب ملك بلنسية إلى اإلمبراطور بتاريخ 12نوفمبر " :1529لقد
أعلمت جاللتكم بطريق البريد عن الحالة التي تعيش فيها المملكة ،خصوصا بسبب المحن التي
تصيبها من جراء العمليات والتخريبات وأعمال النهب ،التي يقوم بها األتراك أعداء عقيدتنا
الكاثوليكية ...إنهم أخذوا سكان القرى التابعة لبارونة برسنت Barcentوسيد هذه القرية وكل
9
المورسكيين القاطنين بمورلة في مقاطعة أوليقا".
عاتبت اإلمبراطورة االسبانية زوجها شارل الخامس ،وذكرته أن ضياع قلعة البينيون غير
التوازن الموجود بشمال إفريق يا؛ وأن كال من جزيرة أيبيريا وقالع شمال إفريقيا وباألخص وهران
وبجاية؛ أصبحتا تحت تهديد مدافع بحارة الجزائر ،وأن كل سفينة أخذت منا أصبحت تشكل خط ار
علينا ،إضافة إلى أن هذا االنتصار جعل العديد من القراصنة الخواص ينظمون إلى صف خير
الدين 10.وقد جاء الرد اإلسباني على تحطيم قلعة البينيون عشوائيا ،فقد هاجم أندري دوريا شرشال
بأمر من اإلمبراطور شارل الخامس لكن الحملة فشلت بعد سوء التنظيم التي شهدته منذ البداية.
وقد تزامنت هذه الهجمات الجزائرية مع التوغل العثماني في شرق أوربا ،ما جعلها ضربات
قاسية للحكم الهابسبورغي ،ا لذي كان يمر بأيام صعبة خاصة مع ظهور الحركات المعادية
8
Emrah Safa Gürkan, Ottoman Corsairs in The Western Mediterranean and Their Place in The Ottoman-
Habsburg Rivalry (1505-1535), A Master’s Thesis, Ankara: Bilkent University, June 2006, p95.
9
المنور مروش ،دراسات عن الجزائر في العهد العثماني "القرصنة ،الواقع واألساطير" ،ج ،2دار القصبة للنشر والتوزيع الجزائر،
،2009ص.89
10
Emrah Safa Gürkan, op.cit, p95-96.
لإلمبراطور شارل الخامس ) " ،(Anti-Habsbourgباندالع الثورة في كل من صقلية سنة
،1516فيينا سنة ،1519فالنسيا ومايوركا ،1523-1520البيرو ،1542-1537وثورة
11
المجالس البلدية أو ثورة الكاستيل .1520
وقام خير ال دين بعد هذا االنتصار بإرسال سفينة محملة بالهدايا إلى السلطان العثماني،
يعلمه فيها بتحرير قلعة البنيون ،وكان رد السلطان العثماني أن سلمه سفينة من نوع قادرغة ذات
وكان السلطان يعلم جيدا أن المسافة بين اإلمبراطوريتين 12
العشرين مقعدا مزودة بمدافع متطورة.
تمنع م ن حدوث توسع ناجح في الجزء الغربي من المتوسط ،إال في حالة استخدام بحراته
المتواجدين بشمال افريقيا.
وخالل هذه الفترة بدأ التقارب العثماني الفرنسي ،يطفوا على الواجهة الدولية آنذاك؛ ففي
سنة 1534عين أول قنصل فرنسي بطريقة رسمية في العاصمة إسطنبول ،جين دولفورات
( )Jean De La Foretوبعودته إلى فرنسا في أفريل من سنة ،1534فتحت األبواب لتصاعد
13
التأثير الفرنسي في البالط العثماني.
ومما زاد من تأزم موقف إسبانيا هو التحالف الرسمي بين اإلمبراطورية العثمانية وفرنسا سنة
،1536فيما عرف بمعاهدة االمتيازات والتي تعتبر أول اتحاد ديبلوماسي يقوم على مبدأ غير
إيديولوجي بين دولة مسيحية وأخرى اسالمية .وقد استغل العثمانيون الصراعات القائمة بين األمراء
األلمان وشارل الخامس؛ لدعم مركزهم في أوربا الغربية.
11
Aurelio Espinosa, The Empire of the Cities, Emperor Charles V, the Comunero Revolt, and the
Transformation of the Spanish System, Vol 137, Leiden: Brill, 2009, p65.
12
مذك رات خير الدين بربروس ،مرجع سابق ،ص.144
13
Charlesa Frazee, op.cit, p27.
كما استطاع العثمانيون من خالل هذه المعاهدة ،ضمان القوة الفرنسية إلى جانبهم ،ومنع
أي تحالف فرنسي -إسباني قد ينهي التواجد العثماني غرب المتوسط ،ليس هذا وفقط بل استفاد
العثمانيون من الموانئ الفرنسية الستخدامها كقواعد في هجماتهم ضد المدن اإليطالية وكذا في
حربهم مع االسبان.
ومن جانب آخر أنتجت المعاهدة العثمانية الفرنسية دو ار جديدا لألسطول الجزائري الذي
سيكون مطالبا في المستقبل بتنفيذ هجمات متزايدة على المواقع اإلسبانية الساحلية ،بطلب من
فرنسا التي لم تكن حتى تلك الفترة تملك قوة بحرية تمكنها من مجابهة اسبانيا.
استمر البابا بول الثالث في إلحاحه على عقد معاهدة سالم بين الفرنسيين واإلسبان؛
واستمرت هذه المفاوضات من سنة ،1538-1537وكل المحاوالت بإحداث التقارب بين الطرفين
كان مصيرها الفشل " وقد جرى آخر لقاء بين الطرفين في 11جانفي 1538طالب فيه الفرنسيون
بهدنة تفوق السنتين ،في حين أن اإلمبراطور ظل ملحا على أن الهدنة يجب أن تكون في فترة
زمنية قصيرة ...ورغم محاوالت ممثل البابا في إحداث توافق بين الطرفين؛ إال أنه كان يعلم أن
14
الوصول إلى اتفاق يبدو مستحيال ،ما دام الفرنسيون متشبثين بالحصول على مدينة ميالن".
بعد عودته من تونس سنة ،1535عين خير الدين كقائد عام لألسطول العثماني ،كما أنه
استطاع أن يحتفظ بلقبه كحاكم عام على إفريقيا ،خلفا إلبراهيم باشا الذي كان يعمل فيما مضى
14
Hayward Keniston, “Peace Negotiations Between Charle 5 and Francis 1, (1537-1538), Proceeding of
The Americain”, Philosophical Society, Vol 102, N°2, (April 1985), p146.
على منح امتيازات واسعة للبنادقة موطن والدته األصلي؛ لكن مع وصول خير الدين إلى القيادة،
15
تغيرت النظرة إلى ا لبنادقة ،فخير الدين كان يرغب في جعل البحر األدرياتيكي بح ار إسالميا.
ويذكر خير الدين أنه تمكن من فتح ثمانية وعشرين جزيرة كانت خاضعة لجمهورية البندقية،
كل الظروف أصبحت تنذر بالحرب؛ فهذه األحداث دفعت البابا 16
وجعل في كل منها حامية.
كليمنت الثالث إلى حشد تحالف مسيحي ،وقد أعلن عن التحالف المقدس بروما في فيفري
17
.1538
وفي ماي 1538أعلن العثمانيون الحرب على البنادقة ،وقد انضمت إلى القوات العثمانية
سرية بحرية كان يقودها ،كل من صالح رايس ودرغوث رايس؛ وكان دور بحارة الجزائر بار از في
هذه المعركة فيقول خير الدين" :د عوت رياس البحر إلى سفينة القيادة وتشاورت معهم جميعا،
وبالرغم من الشجاعة الشديدة التي كان يتحلى بها دورغوث رايس ،والذكاء الحاد الذي اشتهر به
18
صالح رايس إال أنهما أشا ار علي بأن ال نغادر الخليج".
إن االنتصار الذي حققه الذي حققه خير الدين في البريفي از ضد عدوه أندري دوريا ،سيدعم
سيطرة العثمانيين على البحر المتوسط خالل الثالثين سنة القادمة ،أي إلى غاية معركة
ليبانتو" .1571وفي أكتوبر 1540عقد العثمانيون والبنادقة معاهدة سالم جديدة ،كرست سيطرة
العثمانيين على بيلوبونيس في اليونان ،في حين استعاد البنادقة حقوقهم التجارية على األراضي
19
العثمانية".
15
Lane-Poole Stanley, op.cit, p95.
16
مذكرات خير الدين بربروس ،مرجع سابق ،ص.182
17
Charlesa. Frazee, op.cit, p40.
18
مذكرات خير الدين بربروس ،مرجع سابق ،ص.182
19
Charlesa. Frazee, op.cit, p40.
لقد خلفت الهزيمة التي مني بها اإلسبان في المعركة ،مساسا بالهيبة االسبانية في المتوسط،
ولهذا أصبح شارلكان يفكر بشكل جدي ،القيام بعمل عسكري يسترجع به الهيبة اإلسبانية المفقودة،
وكان الحل الوحيد هو استهداف الج ازئر ،القاعدة العثمانية المتقدمة واألكثر أهمية في الصراع
العثماني اإلسباني.
وتخوفا من أن تفشل الحملة أجرى شارل الخامس ،اتصاالت مع خير الدين يطلب منه
العمل تحت رايته ،على أن يلقبه حاكما على كل إفريقيا ،وقد استغل خير الدين الفرصة لكشف
الخطة التي يود أن يدخل بها شارل الخامس إلى الجزائر.
أما عن السبب المباشر لهذه الحملة فيذكر مخطوط المحكمة ،أن سببها يرجع إلى أسر
سفينة إسبانية من طرف علج علي ،فاشتكى هؤالء لملكهم من المضايقات المستمرة من طرف
القراصنة وأنه إن لم يتدخل فأنهم سيعلنون والءهم لألتراك ،ومما ال شك فيه فان سبب الحملة
يتجاوز مجرد أسر سفينة.
وبعد تجهيز الحملة ،بدأت معاناتها بإضاعة الكثير من الوقت في جزر البليار ،ولم يصل
األسطول اإلسباني الجزائر؛ إال بتاريخ 19أكتوبر ،1541يضم خمسمائة وستة عشر سفينة
شراعية 65 ،غليارة كبيرة ،محملة باثني عشر ألف بحار ،وثالثة وعشرين ألف وستمائة مقاتل.
إن الحملة كانت تعتبر إحدى أعظم الحمالت البحرية خالل القرن السادس عشر ...فقد ضمت
أيضا مغامرين ألمان وإيطاليين ،كما أرسل البابا ابن أخيه كولونا ،وقامت منظمة مالطا بإرسال
مائة وأربعين من أفضل مقاتليها.
تبدوا الحملة ضخمة أكثر من الالزم ل توجه إلى مدينة ،كانت دفاعاتها مكونة من ألف
وخمسمائة تركي وأندلسي مدربين على فنون الحرب ،وخمسة آالف من األهالي القادرين على
حمل السالح" .20إن نظرة سريعة إلى الحملة تثبت أن العامل النفسي كان له التأثير األبرز في
حشد هذا العدد العائل من العدة ،فاالنكسارات المستمرة أمام األتراك جعلت شارلكان يفقد الثقة في
هزمهم .ويربط االنتصار في المعركة بالكمية.
في هذه المرة أيضا لم يكن االسبان أكثر حظا من المرات السابقة ،فالعاصفة التي ضربت
في 24أكتوبر ،دمرت أغلب القوات اإلسبانية ،إضافة إلى الهجمات التي كان ينفذها الجزائريون
ض د المعسكر العثماني على الشاطئ ،ما دفع شارل الخامس إلى االنسحاب .هذه الهزيمة جعلت
شارلكان يعتزل الحياة السياسية ويتفرغ للعبادة في إحدى األديرة.
تحصل الجزائريون على غنائم ضخمة تركها اإلسبان في المكان ...كما تمكنوا من رفع عدد
هائل من السفن الصغيرة وبعض الغليارات الكبيرة ،وانتشلوا حوالي خمسمائة قطعة مدفعية من
البرونز ،ومقدار كبير من األسلحة والتجهيزات المختلفة األنواع ،إضافة إلى العدد الهائل من
21
األسرى.
هذه الظروف شجعت الفرنسيين على طلب المساعدة من العثمانيين لالستعادة نيس ،وقد
رحب الفرنسيون بخير الدين الذي نزل في مرسيليا ،ومنح له ميناء طولون لقضاء الشتاء به ،وفي
هذا الصدد يذكر الن بول" :لقد بالغ الفرنسيون في الترحيب بخير الدين؛ لقد انخفضت رايتنا
22
المسيحية لتعوض بالهالل اإلسالمي".
عبرت هذه الحملة عن تصاعد التأثير الفرنسي في الباب العالي ،وأن أغلب الغارات البحرية
المستقبلية على السواحل اإلسبانية ،ستكون بطلب من الفرنسيين ،وما يؤكد التأثير الفرنسي؛ قضية
20
Walsin Esterhazy, op.cit, 146.
21
Ibid.
22
lane-poole Stanley, op.cit, p95.
عزل حسن ابن خير الدين ،الذي رفض توجيه حملة ضد السواحل اإلسبانية بطلب من فرنسوا
األول ،ورغم أن الباب العالي ادعى أن قضية عزل حسن آغا ترتبط بسوء الجوار مع إخوانه
المغاربة ،إال أن كل الدالئل تشير إلى أن عزل حاكم الجزائر جاء بعد إلحاح السفير الفرنسي في
اسطنبول.
وفي سنة ،1552أرسل هنري الثاني الفارس ألبيس إلى الجزائر ،يطلب من صالح رايس
أن ينسق مع القوات الفرنسية لمهاجمة السواحل اإلسبانية ،وقد جاء رد صالح اريس سريعا وخرج
من ميناء الجزائر في جوان 1553؛ مع أربعين سفينة حربية ونزل في مايوركة فهاجم أريافها
23
وألحق أض ار ار كبيرة بحامية ماهون.
إن المشاكل الدينية التي كانت تمر بها أوربا استغلها العثمانيون ،لدعم موقفهم في الجزء
الغربي من المتوسط ،لقد كانت الدولة العثم انية تمثل الجنة بالنسبة للمضطهدين دينيا ،فمثال :في
أواسط القرن السابع عشر؛ مجموعة من الهوغوين المطرودون من فرنسا توجهوا للعيش في
اسطنبول ،والعديد من المواطنين التابعين للكنيسة األنغليكانية هربوا من األراضي االنجليزية،
وحتى الكويكر واألنبابتيست ،وحتى المسيحيون الكاثوليك والقديسين استقروا على األراضي
وقد اعتبر لوثر أن الرب أرسل الدولة العثمانية كإشارة إليقاظ المسيحيين من سباتهم؛ 24
العثمانية.
25
وذهب أحد البروتستانت إلى أبعد من ذلك ،عندما قال أن هللا يفضل العثمانيين.
بعد هزمهم األسطول االسباني في طرابلس سنة ،1560بدأ العثمانيون يفكرون في مهاجمة
مالطة واستعادتها من فرسان القديس يوحنا ،ومنذ سنة 1564بدأ التحضير للحملة ،وكان
23
H.D.de Grammont, op.cit, p79.
24
Daniel Goffman, The Ottoman Empire and Early Modern Europe, New York: Cambridge University
Press 2004, p111.
25
M. Holt, The Cambridge History Of Islam: The Central Islamic Lands From Pre-Islamic Times to The
First World War, Vol IA, Cambridge University Press, 1970, p329.
األوربيون يعلمون عن هذه التحضيرات ،لكنهم لم يكونوا يعلمون بالمكان المستهدف بالضبط أما
فرسان مالطة فكانوا متأكدين من أن جزيرتهم هي الهدف التالي ،ولهذا استعدوا على الرغم من
نقص الدعم من أوربا التي كانت مشغولة بتسوية شؤونها الداخلية.
ويذكر ديغرامون أن القوات العثمانية كانت تتألف من مائة وخمسين غليارة كبيرة ،تحمل
أما الفرسان فقد كانوا تحت قيادة عظيمهم الوحيد دي الفاليت الذي استعد 26
ثالثين ألف جندي.
للدفاع عن قلعته بمهارة ،وسيكون من الحمق أن يحاول المرء قص قصة حصار دام خمسة
أشهر ،فكل من المهاجمين والمدافعين أظهروا بطولة عظيمة ...إن قصة الحصار قد انتقلت إلى
أوربا في كثير من الخرائط والكتيبات ،التي وزعت بطريقة شعبية ما تزال تشهد على ذلك االهتمام
27
الذي أثاره الدفع البطولي.
لقد خلف الحصار العثماني للجزيرة خسائر هائلة في الصفوف العثمانية ،فقد توفي وجرح
حوالي ستة آالف مقاتل ،كما شهد الحصار وفاة أشجع القادة العثمانيين درغوث باشا .ورافق
الجثمان إلى طرابلس حسن باشا القائد العام للحملة ،وعين مكانه على الجزائر علج علي.
وبعد عامين على هذه األحداث ،وردت برقية سرية من الباب العالي ،تعلم فيها القيادة
العثمانية حاكم الجزائر من هجوم محتمل سينفذه االسبان ضد الجزائر ،28وفعال ففي سنة 1567
حاول خوان فاسكون إحراق األسطول الجزائري المتمركز في الميناء ،لكن الحراس تفطنوا له،
وتم مالحقته والقبض عليه واعدامه.
26
H.D. de Grammont, op.cit, p99.
27
جون.ب.وولف ،مرجع سابق ،ص.80
28
Yusuf Sariny, Osmanli belgeleride Cezayir, Ankara, Osmanlı Arşivi Daire Başkanlığı, 2010, p12.
كانت قبرص تمثل عائقا للدولة العثمانية للربط بين والياتها في المشرق ،وكان البد من
اسقاطها ولهذا اتهم العثمانيون البحارة القبارصة بالتعرض للسواحل السورية ،وكان هذا هو السبب
المباشر للحملة ،التي قادها يبالي باشا ضد قبرص ،تمكن من خاللها االستيالء على الجزيرة في
سبتمبر .1570
لم يتقبل البنادقة استيالء العثمانيين على جزيرة قبرص ،وبتاريخ 28ماي ،1570أعلن في
كنيسة سانت بيار بروما ،عن تحقيق االتحاد بين إسبانيا ،إيطاليا ،وألمانيا ،ضد العثمانيين،
29
واجتمعت سفن جنوة والبندقية في ماسينا.
وقد كانت القوات العثمانية تحت قيادة بورتو باشا وزاده باشا وحاكم الجزائر علج علي ،ورغم
أن كل البراهين كانت تشير إلى انتصار العثمانيين ،إال أنهم انهزموا نظ ار للتزمت الذي أبداه قادة
الجيش البري ورفضهم مقترح علج علي ،الذي كان يقضي بعدم الدخول في اشتباك قرب الساحل
يصعب عملية المناورة أما في حالة بقاء األسطول قرب الساحل ،فيجب أن تقصف مدافع القالع
الساحلية األسطول المسيحي ثم تدخل البحرية العثمانية في اشتباكات مع العدو.
لقد كانت الخسائر العثمانية ضخمة جدا ،فقد أبيد أغلب األسطول العثماني ،ولم ينجوا من
المعركة سوى األسطول الجزائري المشارك تحت قيادة علج علي ،ليس هذا وفقط بل حطم كل
األسطول المالطي الذي كان متمرك از على الجناح األيسر .استقبل علج علي استقبال االبطال من
قبل السلطان العثماني ،وعين قائدا عاما للبحرية العثمانية.
29
Mercier Ernest, Histoire de l’Afrique septentrionale (Berberie) depuis les temps les plus reculés, jusqu’à
la conquête française (1830), T2, Paris: Ernest Lourex Editeur, 1868, p111.
يرى الكثير من المؤرخين أن معركة ليبانتو ،كانت ذا نتائج نفسية أكثر منها مادية؛ فقد
حطمت العقدة النفسية التي كان يعاني منها المسيحيون عند مالقاتهم الجيش العثماني ،كما أزالت
الفكرة القائلة بأن الجيش العثماني جيش ال يقهر.
وما إن وصلت األخبار إلى البندقية بانتصار الحلف المسيحي ،حتى دقت األجراس في
م ختلف أنحاء المدينة ،وأعلنت ثالثة أيام لالحتفاالت بالنصر ،واعتلى قوس النصر برج المسرح
الروماني ،في حين راودت األحالم البابا بيوس الخامس؛ بتوجيه حملة صليبة يتم من خاللها
استعادة فلسطين .ومهما يكن؛ فإن انتصار ليبانتوا قد ضخمه المسيحيون أكثر من الالزم ،ففي
الوقت الذي استطاع األتراك بناء أسطول أكثر قوة من السابق في مدة ال تتجاوز السنة ،كان
30
البنادقة ال يزالون منتشين بانتصاراتهم.
30
Charlesa. Frazee, op.cit, p28.