0% found this document useful (0 votes)
134 views11 pages

درس الفتح الاسلامي لبلاد المغرب وابعاده الحضاريّة

تتناول الوثيقة مراحل الفتح الإسلامي لبالد المغرب من القرن الأول إلى نهاية القرن الثالث الهجري، حيث بدأت الحمالات العسكرية في عام 27 هـ واستمرت حتى تم تحقيق السيطرة على كامل البلاد. كما تسلط الضوء على التحديات التي واجهتها الجيوش الإسلامية من القبائل البربرية والبيزنطيين، بالإضافة إلى تأثير الفتح على الحضارة والثقافة في المنطقة، بما في ذلك اندماج البربر في الحضارة العربية الإسلامية.

Uploaded by

Belghuith wissal
Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
0% found this document useful (0 votes)
134 views11 pages

درس الفتح الاسلامي لبلاد المغرب وابعاده الحضاريّة

تتناول الوثيقة مراحل الفتح الإسلامي لبالد المغرب من القرن الأول إلى نهاية القرن الثالث الهجري، حيث بدأت الحمالات العسكرية في عام 27 هـ واستمرت حتى تم تحقيق السيطرة على كامل البلاد. كما تسلط الضوء على التحديات التي واجهتها الجيوش الإسلامية من القبائل البربرية والبيزنطيين، بالإضافة إلى تأثير الفتح على الحضارة والثقافة في المنطقة، بما في ذلك اندماج البربر في الحضارة العربية الإسلامية.

Uploaded by

Belghuith wissal
Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
You are on page 1/ 11

‫الباب الثاني‪ :‬بالد المغرب من القرن‬

‫األول إلى نهاية القرن الث ّالث هـ ‪:‬‬


‫ّ‬ ‫جامعة قابس‬
‫المستوى‪ :‬أولى تربية وتعليم‬ ‫سياسيّة واالجتماعيّة‬
‫التحوالت ال ّ‬
‫ّ‬ ‫المعهد العالي للعلوم اإلنسانيّة بمدنين‬
‫المادّة‪ :‬تاريخ‬ ‫والث ّقافيّة‬ ‫سنة الجامعيّة ‪2021-2020‬‬
‫ال ّ‬
‫ال ّدرس‪ :‬الفتح اإلسالمي لبالد المغرب‬
‫و األندلس وأبعاده الحضاريّة‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫امتدت الدولة اإلسالمية في عهد الخليفة عثمان بن عفان (‪35-23‬هـ) على مجال شاسع من‬
‫خراسان واذربيجان شرقا الى طرابلس غربا‪ .‬وكانت الحمالت االستطالعية الولى التي قامت بها‬
‫الجيوش اإلسالمية باتجاه بالد المغرب منذ سنة ‪27‬هـ تهدف إلى اختبار الجيش البيزنطي الذي تراجع‬
‫نحو المناطق الشمالية اإلفريقية‪ ،‬غير أن فتح بالد المغرب استغرق فترة زمنية طويلة نسبيا تعددت‬
‫خاللها الحمالت الى حين وصولها إلى المغرب القصى والندلس‪ .‬ومهد هذا الفتح إلى تالقح الثقافتين‬
‫اإلسالمية واإلفريقية مما أفرز تحوالت حضارية جذرية شملت جميع المجاالت الثقافية والعلمية‬
‫واالجتماعية والعمرانية أدخلت بالد المغرب كطرف فاعل في الحضارة االنسانية‪.‬‬

‫يهدف هذا الدرس إلى تحديد أهم مراحل فتح المغرب وانعكاساته الحضارية‪.‬‬

‫‪ -I‬مراحل انتشار اإلسالم ببالد المغرب (‪ 82-27‬هـ)‪:‬‬

‫لم تكن عملية فتح بالد المغرب يسيرة حيث تعددت الحمالت العسكرية وتخللتها عدة صعوبات‬
‫أفضت في النهاية إلى انتشار اإلسالم في كامل شمال إفريقيا والندلس‪.‬‬

‫‪ -1‬المرحلة األولى لفتح بالد المغرب (‪ 64-27‬هـ)‪:‬‬

‫منذ عهد الخليفة عمر ابن الخطاب فكر عمر ابن العاص في فتح افريقية سنة ‪ 22‬هـ وذلك بعد أن‬
‫فتح طرابلس‪ ،‬ولكن الخليفة عمر ابن الخطاب لم يوافق على ذلك وقد يكون سبب هذا الرفض أن الحدود‬
‫الشرقية الفريقية كانت منيعة حيث كتب عمر ابن الخطاب " ال إنها ليست بإفريقية ولكنها الفرقة غادرة‬
‫مغدور بها ال يغزوها أحد ما بقيت "(ابن عبد الحكم‪ ،‬فتوح افريقية والندلس‪ ،‬ص ‪.)33‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬حملة عبد هللا بن سعد بن أبي سرح ‪:‬‬

‫لما عينه الخليفة عثمان بن عفان عامال على مصر قام عبد ّللا بن سعد بأول حملة عسكرية باتجاه‬
‫افريقية سنة ‪ 27‬هـ ‪ 647/‬م فتمكن من التقدم والتقى بالجيش البيزنطي عند مشارف سبيطلة وانتصر‬
‫الجيش اإلسالمي وقتل القائد البيزنطي جرجير‪ .‬واكتفت هذه الحملة بتحقيق أول انتصار على البيزنطيين‬
‫في بالد المغرب وجمعت الغنائم وحصل اتفاق بين عبد هللا بن سعد وزعماء القبائل على ان يأخذ منهم‬
‫ماال ويخرج من بالدهم فلم يول عليهم أحدا‪ .‬وكانت هذه الحملة الولى مجرد اختبار لمدى قوة دفاعات‬
‫البيزنطيين والتعرف على طبيعة المنطقة واستكشافها تمهيدا للحمالت الموالية‪.‬‬

‫‪ -‬حمالت معاوية بن حديج‪:‬‬

‫قام بثالث حمالت لفتح بالد المغرب كانت الولى مع جيش عبد الملك بن مروان سنة ‪ 34‬هـ حيث‬
‫اتجه من الفسفاط إلى بالد قمونية (موضع مدينة القيروان) ثم قاد حملة ثانية سنة ‪ 40‬هـ وثالثة سنة ‪46‬‬
‫هـ واستقر في جبل القرن شمال القيروان وأرسل الجيوش لفتح المناطق القريبة ففتح عبد هللا ابن الزبير‬
‫سوسة وعبد الملك بن مروان جلوالء‪.‬‬

‫‪ -‬حملة عقبة ابن نافع الفهري‪:‬‬

‫اتجه الى افريقية سنة ‪ 50‬هـ ‪ 670‬م قادما اليها من الصحراء ومعه ‪ 10‬آالف فارس فاتخذ القيروان‬
‫معسكرا واختار موضعها على سهل فيضي تتوفر فيه المراعي وغابات الزياتين وهي بعيدة عن البحر‬
‫لتفادي الغزوات البيزنطية وجعلها قاعدة للجيش االسالمي وعاصمة لكامل بالد المغرب‪ .‬وواصل عقبة‬
‫تقدمه باتجاه الغرب متفاديا الصدام مع البيزنطيين المتواجدين على السواحل الشمالية الشرقية الفريقية‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 55‬هـ تم تعيين أبي المهاجر دينار واليا على القيروان فسلك سياسة مرنة مع البربر ادت الى‬
‫تراجع الغنائم والجباية فقرر المويون إعادة تنصيب عقبة ابن نافع واليا على افريقية والمغرب سنة ‪62‬‬
‫هـ فواصل حملته على القبائل البربرية مثل لواته وهوارة وزناتة ومكناسة ووصل الى طنجة ووليلي‬
‫وبالد السوس وبلغ المحيط الطلسي‪ .‬وكانت القبائل البربرية قد أعدت نفسها لالنتقام والثأر من عقبة‬
‫واستغلت بقاءه في عدد قليل من الجنود لتباغته في بسكرة جنوب جبال اوراس بجيش يضم ‪50000‬‬
‫جندي يقودهم كسيلة البربري فقتل عقبة سنة ‪ 64‬هـ ‪ 684‬م ومثلت هذه المعركة نهاية لمرحلة‬
‫االنتصارات االسالمية االولى ببالد المغرب وبداية لفترة صعوبات واجهت االنتشار االسالمي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫صعوبات ومواصلة الفتح باتّجاه الغرب‪:‬‬
‫‪ -2‬مرحلة ال ّ‬

‫كان لمقتل عقبة ابن نافع الثر االيجابي القوي على القبائل البربرية الرافضة النتشار االسالم‬
‫وللبيزنطيين الذين يحكمون سواحل افريقية‪ .‬فتبنت هذه االطراف حركة مسلحة تهدف الى صد الحمالت‬
‫القادمة من الشرق‪.‬‬

‫أ‪ -‬حركة كسيلة‪:‬‬

‫استقر القائد البربري كسيلة بالقيروان بعد ان هجرها عدد كبير من المسلمين باتجاه مصر بعد مقتل‬
‫عقبة ابن نافع‪ ،‬وهكذا اصبحت السلطة في افريقية مقسمة بين كسيلة بالقيروان والبيزنطيين بقرطاج‪.‬‬
‫وانتهت هذه المرحلة سنة ‪ 69‬هـ عندما ارسل الخليفة عبد الملك بن مروان زهير ابن قيس البلوي في‬
‫جيش الستعادة افريقية‪ .‬ووقعت المعركة في ممس غرب القيروان قتل فيها كسيلة واستعاد فيها المسلمون‬
‫سيطرتهم على كامل بالد المغرب الى حدود نهر ملوية‪ .‬واضطر زهير إلى الرجوع إلى المشرق على‬
‫اثر اندالع حركة عبد هللا ابن الزبير‪ ،‬وفي طريق العودة هاجمه اسطول بيزنطي في برقة بليبيا وقتل سنة‬
‫‪ 71‬هـ‪ .‬وتواصل تأثير الحداث السياسية بالمشرق اإلسالمي في فتح بالد المغرب حيث تعطلت الحمالت‬
‫الى حين القضاء على الحركة الزبيرية فأرسل الخليفة الموي حسان بن النعمان على رأس جيش يعد‬
‫‪ 40000‬مقاتل سنة ‪ 76‬هـ وتمكن حسان من اخضاع القيروان وانتصر على البيزنطيين والبربر ودخل‬
‫قرطاج وطرد الروم البيزنطيين منها‪.‬‬

‫ب‪ -‬حركة الكاهنة‪:‬‬

‫برزت حركة مقاومة بربرية أخرى قادتها القبائل الزناتية البدوية بجبال أوراس بالمغرب االوسط‬
‫(الجزائر) وتزعمتها امرأة وهي داهيا بنت ماتية بن تيفان ‪،‬أطلق عليها لقب الكاهنة وجهزت جيشا لمنع‬
‫تقدم المسلمين فآتجه إليها حسان ودارت بينهما معركة في جبال اوراس انتهت بانتصار الكاهنة وتراجع‬
‫الجيش االسالمي الى الجريد ثم الى قابس وفي النهاية استقر في برقة‪ .‬وهكذا تمكنت الكاهنة من بسط‬
‫نفوذها على كامل بالد المغرب من جديد واعادت بناء مملكة كسيلة في حين انحسر الوجود العربي في‬
‫منطقة برقة‪.‬‬

‫واعتمدت الكاهنة سياسة االرض المحروقة فخربت العمران واحرقت الزرع واقتلعت االشجار‬
‫وخربت البالد حتى ال يطمع فيها المسلمون‪ .‬إال أن هذه السياسة تسببت في نقمة عدد كبير من البربر‬
‫والفارقة والروم على الكاهنة ففروا بآتجاه الجيوش اإلسالمية‪ .‬وفي سنة ‪ 82‬هـ دارت معركة بوسط‬

‫‪3‬‬
‫افريقية انتهت بانتصار حسان ابن النعمان ومقتل الكاهنة واسترجع المسلمون نفوذهم على كامل بالد‬
‫المغرب من جديد وساهم هذا االنتصار في نشر االسالم واللغة العربية في صفوف القبائل البربرية ‪.‬‬

‫وبشكل عام فإن عملية فتح بالد المغرب كانت صعبة وبطيئة استغرقت حوالي نصف قرن متأثرة‬
‫بأزمات الخالفة اإلسالمية بالمشرق وكذلك بمحاوالت التصدي التي تزعمها بعض القادة من البربر‬
‫ودعمها الروم البيزنطيون‪.‬‬

‫ج‪ -‬فتح المغرب األقصى واألندلس‪:‬‬

‫عينت السلطة الموية موسى ابن نصير واليا جديدا لبالد المغرب سنة ‪85‬هـ فاتخذ القيروان عاصمة‬
‫لواليته وواصل حمالته العسكرية باتجاه المغرب القصى فأخضع المناطق الغربية لوادي ملوية وصوال‬
‫إلى المحيط الطلسي وجعل من مدينة طنجة قاعدة بحرية لتجهيز الجيش والسطول لدخول الندلس‬
‫مستغال انتشار اإلسالم في صفوف البربر الذين اندمجوا في الجيش اإلسالمي وكذلك االنقسامات‬
‫السياسية التي كانت تشهدها الندلس‪.‬‬

‫بدأت الغارات الولى على السواحل الجنوبية لألندلس منذ سنة ‪ 91‬هـ ثم عين موسى بن نصير‬
‫طارق بن زياد ‪،‬وهو من أصل بربري‪ ،‬على جيش من ‪ 7000‬مقاتل اغلبهم من القبائل البربرية مثل‬
‫مكناسة وزناتة وهوارة ‪ ...‬وانطلق السطول من طنجة سنة ‪ 92‬هـ ‪711/‬م وحقق انتصارا حاسما على‬
‫جيش لذريق‪ ،‬والتحق موسى ابن نصير بالندلس ليدخل طليطلة وسرقسطة وإشبيلية سنة ‪ 94‬هـ ولم‬
‫تتوقف عملية اإلنتشار بل تواصلت على كامل الندلس ثم واصل عبد الرحمان الغافقي الى مدينة بواتيي‬
‫الفرنسية سنة ‪ 114‬هـ ‪ 732/‬م وانهزم امام شارل مارتال‪.‬‬

‫ساهمت هذه المعارك والحمالت التي قادها المسلمون في افريقية وبالد المغرب وصوال إلى الندلس‬
‫‪.‬‬ ‫الرض‬ ‫مغارب‬ ‫في‬ ‫المسلمون‬ ‫حمله‬ ‫الذي‬ ‫الحضاري‬ ‫المشروع‬ ‫إرساء‬ ‫في‬
‫وتشهد الحضارة اإلسالمية لبالد المغرب على اندماج العنصر االصلي البربري في المجتمع االسالمي‬
‫الجديد من خالل المعالم العمرانية و اإلنتاجات الثقافية و العلمية لبالد المغرب التي قام فيها البربر بدور‬
‫فعال وبناء‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ - II‬األبعاد الحضاريّة النتشار اإلسالم في بالد المغرب‪:‬‬

‫تعددت مظاهر االزدهار الحضاري لبالد المغرب بعد الفتح اإلسالمي ومن بينها اندماج البربر في‬
‫الحضارة العربية اإلسالمية وإثراء الحضارة اإلنسانية بعدد هام من العلماء والمفكرين والمبدعين فضال‬
‫عن تطور الفنون كالعمارة والزخرف ‪...‬‬

‫‪ -1‬اندماج البربر في الحضارة العربيّة اإلسالميّة‪:‬‬

‫واجهت الجيوش اإلسالمية في بالد المغرب قبائل بربرية تجيد فن القتال ومتمرسة في الحروب إلى‬
‫جانب الجيش النظامي البيزنطي‪ .‬وكانت تلك القبائل متحررة في اغلب الحاالت من والءات او احالف‬
‫تجمع بينها وبقي ة القبائل في ما عدا المصالح المشتركة بحيث لم تكن توجد مظاهر وحدة تجمع بينها‬
‫وتجعلها تتضامن وتتحالف للوقوف بقوة أمام التحديات الخارجية‪ .‬ولهذا السبب كانت منطقة شمال افريقيا‬
‫منذ فجر التاريخ معرضة للغزوات المتتالية من الفينيقيين والرومان والبيزنطيين والوندال ‪ ...‬فغياب‬
‫المصير المشترك أمر جعل من القبائل البربرية تبحث عن هويتها المشتتة بين والء بعضها للبيزنطيين‬
‫واستقالل البعض اآلخر على أرضه طالما انه قادر على الدفاع عنها‪.‬‬

‫ولما جاء اإلسالم فإنه مثل عامل وحدة ثقافية واجتماعية وعقائدية وسياسية اجتمعت حوله مختلف‬
‫القبائل في تدعيم المكاسب كنشر اإلسالم في الندلس ودعم الحضارة اإلسالمية بمعالم وشخصيات علمية‬
‫ال يزال اثرها قائما ‪ .‬ويتشابه دور الدين اإلسالمي في هذا المجال مع الدور الذي لعبه في الجزيرة‬
‫العربية لما حث الرسول محمد على تأسيس نظام سياسي يتجاوز اإلطار القبلي وأدى إلى نشأة الدولة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬

‫ولئن كانت بداية عملية اندماج البربر بطيئة فإنها توسعت وفق السياسة التي اتبعها الوالة حيث شجع‬
‫ابو المهاجر دينار –وهو غير عربي‪ -‬البربر على اعتناق االسالم وكان مرنا معهم واسلم على يده الكثير‬
‫منهم مثل القائد كسيلة‪.‬‬

‫وفي سنة ‪ 65‬هـ كان ثلث جيش زهير بن قيس البلوي من البربر‪ ،‬كما ان كسيلة لما دخل القيروان لم‬
‫يدمرها وأمن أهلها وكذلك فعلت الكاهنة‪ .‬ومن جهة اخرى ساهمت سياسة القائد حسان ابن النعمان في‬
‫اندماج البربر في الحضارة االسالمية لما اشترط على القبائل المنهزمة نحو ‪ 12000‬رهينة لينشر في‬
‫صفوفهم الدين اإلسالمي ويدعم بهم الجيش لتحقيق االنتصارات‪ ،‬كما ساهم هؤالء الرهائن في نشر‬
‫اإلسالم بين ذويهم فيما بعد وشاركوا في الفتوحات ونالوا نصيبهم من الغنائم ومن االراضي وارتقى‬
‫العديد منهم في الرتب العسكرية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ومن أهم المثلة ببالد المغرب أن يعين الوالي موسى ابن نصير‪ -‬وهو عربي‪ -‬رجال من البربر وهو‬
‫طارق ابن زياد ليتولى قيادة الجيش اإلسالمي لفتح الندلس‪ ،‬وان يتكون جند موسى بن نصير من‬
‫‪ 17000‬من العرب و‪ 12000‬من البربر وبذلك نجح المسلمون في نقل مجال الصراع من داخل بالد‬
‫المغرب إلى الخارج وأصبح كل من العرب والبربر في خط واحد لمواجهة القوط الغربيين لنشر اإلسالم‬
‫في الندلس‪.‬‬

‫وقد جاء ذلك ليؤسس لحضارة جديدة لدى السكان الصليين‪ ،‬فأمر موسى بن نصير بتعليم القرآن‬
‫للبربر وأرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز عشرة علماء الى بالد المغرب لترسيخ القرآن والسنة النبوية‬
‫وتعاليم اإلسالم في صفوف البربر‪.‬كما ساهم استيطان العرب ببالد المغرب واختالطهم بالسكان‬
‫الصليين في بناء المجتمع االسالمي الجديد‪ .‬فمنذ التوسعات الولى وفد إلى بالد المغرب اكثر من‬
‫‪ 180000‬رجل من المقاتلة العرب استقر أغلبهم فيما بعد بالقيروان‪ ،‬وقد كتب اليعقوبي "في مدينة‬
‫القيروان أخالط من الناس من قريش ومن سائر بطون العرب من مضر وربيعة وقحطان وبها أصناف‬
‫من العجم من أهل خراسان ومن كان وردها مع عمال بني هاشم من الجند وبها عجم من عجم البلد‬
‫البربر والروم واشباه ذلك" (اليعقوبي‪ ،‬البلدان‪ ،‬ص ‪.)348‬‬

‫ولم تقف مظاهر الحضارة االسالمية ببالد المغرب عند هذا الحد بل شملت ميادين كانت مجهولة من‬
‫قبل مثل العلوم والفنون والعمارة‪.‬‬

‫تطور العلوم ببالد المغرب بعد االنتشار اإلسالمي ‪:‬‬


‫ّ‬ ‫‪-2‬‬

‫شهد المغرب اإلسالمي نهضة علمية تبرز معالمها من خالل تعدد مراكز العلم كجامع عقبة‬
‫بالقيروان وجامع الزيتونة بتونس وجامع القرويين بفاس وجامع قرطبة بالندلس‪ ...‬وقد اشتهر الوالة‬
‫والمراء بحذقهم للعلوم واللغات والفنون واآلداب مثل إبراهيم بن الغلب الذي أجاد الشعر والبالغة‬
‫والمعز لدين هللا الفاطمي الذي تكلم عدة لغات كالبربرية والرومية والسودانية‪ .‬وبرز في افريقية العديد‬
‫من العلماء المتخرجين من جامعة القيروان فاشتهر في اللغة والدب ابن الطرماح وأحمد اللؤلئي ومحمد‬
‫بن جعفر القزاز‪ ،‬وفي الفلسفة ابو بكر القمودي وسعيد بن الحداد‪ .‬كما تأسست بالقيروان مدرسة للطب‬
‫واشتهر فيها عدد من االطباء مثل اسحاق بن عمران ومحمد بن الجزار وخاصة أحمد بن الجزار‬
‫صاحب كتاب "زاد المسافر"‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫كما تطور علم الجغرافيا واستغل في أغراض تطبيقية كالتجارة‪ ،‬و تطور كذلك علم التاريخ‬
‫والنساب وقد اشتهر فيه ابن حيان وابن حزم القرطبي والقاضي النعمان‪.‬‬

‫وقد ساهم الغرب اإلسالمي مساهمة فعالة في إثراء الحضارة العربية اإلسالمية خاصة في المجال‬
‫الفكري فبرز العديد من المفكرين ومن أبرزهم ابن رشد الفقيه والقاضي والفيلسوف والطبيب الذي ولد‬
‫سنة ‪ 530‬هـ ‪ 1126/‬م بقرطبة وعاصر الفيلسوف ابن طفيل والطبيب ابن الزهر‪ ،‬وعاش ابن رشد بين‬
‫الندلس والمغرب القصى وألف العديد من الكتب أهمها "تهافت التهافت" و"فصل المقال فيما بين‬
‫الشريعة والحكمة من االتصال" و "الكشف عن مناهج االدلة في عقائد الملة" و" الكليات في الطب" و قد‬
‫صنف فيه ابن رشد الدوية حسب فعاليتها وآثارها‪ .‬كما شرح ابن رشد فلسفة أرسطو ونقلها إلى الغرب‬
‫ولخص مؤلفات جالينوس في الطب فأقبل الغرب المسيحي على مؤلفاته باعتباره أبرز مفكري التيار‬
‫العقالني داخل الفكر العربي االسالمي ومرجعا هاما في الفكر الوروبي فشكل بذلك نقطة تواصل‬
‫وتفاعل بين الثقافتين العربية‪-‬اإلسالمية والمسيحية‪.‬‬

‫كما أفرزت الحضارة اإلسالمية ببالد المغرب عالما اشتهر بمؤلفاته الجغرافية رغم انه كتب في علم‬
‫النبات والدوية وهو اإلدريسي ال ذي ولد في مدينة سبتة بالمغرب االقصى في اواخر القرن الخامس‬
‫هجريا وتنسب عائلته إلى الشراف الدارسة العلويين ‪ ،‬درس في قرطبة ثم تنقل في عدة بلدان والف‬
‫عدة كتب من أهمها "نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق" و"الدوية المفردة"‪ .‬وأسس اإلدريسي جغرافيته‬
‫على مفاهيم علمية صحيحة أهمها كروية الرض ووجود خط االستواء والقاليم المناخية وتأثير الجبال‬
‫في تكييف المناخ وتوجيه الرياح ونزول المطار‪ ،‬كما أنجز اإلدريسي خريطة العالم المعروف في ذلك‬
‫الوقت على شكل كروي وذلك قبل ان يثبت العلم الحديث صحة هذا الشكل‪.‬‬

‫وتجاوز اإلشعاع العلمي لبالد المغرب حدود المنطقة اإلفريقية حيث انتقل اإلدريسي إلى جزيرة‬
‫صقلية وعاش في قصر ملكها روجار الثاني الذي كلفه بتأليف كتاب شامل في وصف مملكته والبلدان‬
‫المعروفة في ذلك العهد‪ .‬وقد أشار ابن خلدون إلى تلك العالقة حينما كتب "ونحاذي بذلك ما وقع في‬
‫كتاب نزهة المشتاق الذي ألفه العلوي اإلدريسي الحمودي لملك صقلية من اإلفرنج وهو روجار بن‬
‫روجار عندما كان نازال عليه بصقلية‪ ...‬وكان تأليفه للكتاب في منتصف المائة السادسة وجمع له كتبا‬
‫جمة للمسعودي وابن خرداذبة والحوقلي وابن اسحاق المنجم وبطليموس والعذري وغيرهم ‪( "...‬ابن‬
‫خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص ‪.)86‬‬

‫‪7‬‬
‫ولم يقتصر دور الحضارة العربية اإلسالمية ببالد المغرب على العلوم والثقافة بل تجاوز ذلك الى‬
‫الفنون والعمران بما جعله قادرا على اإلسهام في تطوير التراث اإلنساني وإثرائه بإضافات بناءة كانت‬
‫منطلقا للنهضة الوروبية الحديثة‪.‬‬

‫‪ -3‬ازدهار فنّ العمارة االسالميّة ببالد المغرب‪:‬‬

‫شهد الغرب اإلسالمي نهضة عمرانية لم يسبق لها مثيل تميزت بتعدد المدن الى حد بروز شبكة‬
‫حضرية متكونة من مدن كبرى ووسطى وصغرى‪ ،‬واشتهرت المدن الهامة بتنوع خصوصياتها‬
‫المعمارية كالجوامع والقصور المتميزة بأشكالها الفنية المزخرفة‪.‬‬

‫أ‪ -‬تعدّد المدن الكبرى بالغرب االسالمي‪:‬‬

‫تأسست بالغرب االسالمي شبكة حضرية متمحورة حول المدن الكبرى التي أسسها االمراء واتخذوها‬
‫عواصم لدولهم وقواعد لجيوشهم مثل القيروان وفاس وسجلماسة وتاهرت وقرطبة بالندلس‪ .‬ونشأت‬
‫المدن المتوسطة والصغرى على طول المسالك والطرقات التي اتجهت نحو المشرق وباتجاه بالد‬
‫السودان جنوبا‪.‬‬

‫‪ -‬مدينة القيروان‪:‬‬

‫تم اختيار موضع القيروان على سهل فسيح حيث شيدت على انقاض حصن بيزنطي من طرف‬
‫عقبة ابن نافع‪ .‬وكانت القيروان في موقع حصين بعيدة عن البحر لتفادي غزوات البيزنطيين وهي في‬
‫سهل خصب تتوفر به المراعي وعلى طريق المسالك التجارية الرابطة بين الشرق والغرب وبين الشمال‬
‫والجنوب‪ .‬وفي عهد الخليفة هشام بن عبد الملك تم تجهيز المدينة بفسقيات وهي مواجل كبيرة الحجم تقع‬
‫شمال المدينة وجنوبها تجمع بها المياه لحاجة السكان كما توسعت أسواقها وأحيطت بسور يبلغ عرضه‬
‫خمسة أمتار‪ ،‬وامتدت المدينة خاصة في العهد ألغلبي فشيدت القصور خاصة في العباسية ورقادة‬
‫وصبرة المنصورية وازدهرت صناعاتها وقصدها الناس من كل مكان للتعلم والتجارة واإلقامة حتى‬
‫أصبحت من اهم الحواضر االسالمية‪.‬‬

‫‪ -‬مدينة المهديّة‪:‬‬

‫تقع المهدية على الساحل الشرقي إلفريقية‪ ،‬أسسها عبيد هللا المهدي سنة ‪ 302‬هـ على موقع روماني‬
‫قديم يسمى ُجمة واختارها عاصمة للدولة الفاطمية عوضا عن القيروان‪ .‬وقسم المهدي عاصمته إلى‬
‫قسمين أحدهما مقر الدولة ‪،‬إضافة إلى الجامع والسواق ودار الصناعة والميناء المنقور في الصخر‬

‫‪8‬‬
‫ويدعى هذا القسم الثاني المهدية وأحاطها بسور‪ ،‬والثاني لعامة الناس ويدعى زويلة‪ ،‬ويفصل بين‬
‫المدينتين باب الفتوح ‪.‬وال تزال معالم المهدية الفاطمية قائمة إلى يومنا هذا شاهدة على شموخ الحضارة‬
‫اإلسالمية بالغرب اإلسالمي رغم الحروب والحمالت التدميرية التي تعرضت لها‪ .‬ذكر البكري حول‬
‫المهدية " ولمدينتها بابا حديد ال خشب فيهما زنة كل باب الف قنطار وطوله ثالثون شبرا في كل مسمار‬
‫من مساميرها ستة أرطال‪...‬وفي المهدية من المواجل العظام ‪ ... 360‬ومرساها منقور من حجر صلد‬
‫يسع ثالثين مركبا وعلى طرف المرسى برجان بينهما سلسلة من حديد‪ ...‬وكان لها أرباض كثيرة آهلة‬
‫عامرة أقربها اليها ربض زويلة فيه السواق والحمامات ‪( "...‬البكري‪ ،‬المسالك‪ ،‬ص ‪.)31-29‬‬

‫‪ -‬مدينة سجلماسة‪:‬‬

‫هي مدينة صحراوية تقع في تافياللت تنطلق منها القوافل التجارية إلى بالد السودان جنوبا والى‬
‫فاس شماال‪ .‬تأسست سجلماسة سنة ‪ 140‬هـ لتكون عاصمة لبني مدرار الصفريين ومركزا تجاريا‬
‫صحراويا هاما‪ .‬شيدت بها القصور والمصانع والمساجد ولها سور يفتح بواسطة ‪ 12‬بابا ولها أرباض‬
‫كثيرة‪ .‬وكان ازدهار سجلماسة مرتبطا بنشاط التجارة الصحراوية حيث تراكمت ايرادات الذهب من بالد‬
‫السودان ومرت بها القوافل قادمة من فاس وأغمات والسوس والسودان وحققت تجارتها أرباحا طائلة‪.‬‬

‫‪ -‬مدينة فاس‪:‬‬

‫أنشأها الدارسة سنة ‪ 172‬هـ وتقع أسفل جبال الطلس الوسط في سهل فسيح واشتهرت بجامع‬
‫القرويين الذي يعتبر من أهم معالم المدينة إلى يومنا هذا‪.‬‬

‫تعتبر هذه المدن الكبرى أمثلة معبرة عن حركة التعمير والتمدين التي شهدها الغرب اإلسالمي بعد‬
‫الفتح‪ ،‬وال تزال هذه المدن الكبرى أمثلة معبرة عن حركة التعمير والتمدين التي شهدها الغرب اإلسالمي‬
‫بعد الفتح وال تزال هذه المدن قائمة الى اليوم لتؤكد تواصل الحضارة االسالمية ببالد المغرب على‬
‫عكس المدن التي شيدت زمن الفينيقيين والرومان والبيزنطيين والتي لم يبق منها سوى بعض اآلثار‪.‬‬

‫تطور فنّ العمارة بالغرب االسالمي‪:‬‬


‫ب‪ّ -‬‬

‫يبرز ازدهار الفن المعماري ببالد المغرب من خالل العمارة الدينية والمتمثلة في المساجد والجوامع‬
‫والرباطات‪ ،‬والعمارة المدنية المتكونة من القصور والمنازل والمنشآت المائية الكبرى‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -‬المساجد والجوامع‪:‬‬

‫شيدت المساجد والجوامع في جميع مناطق الغرب اإلسالمي بالرياف والمدن وهي تدل على متانة‬
‫العالقة القائمة بين السكان والدين الجديد‪ .‬وكانت خطة بناء الجوامع متشابهة حيث تكون أغلبها من‬
‫الصحن وقاعة الصالة والمحراب مع تواجد العمدة الرخامية والشمسيات البلورية والقباب‪.‬‬

‫ويعتبر جامع القيروان من أهم المنشآت الدينية ببالد المغرب‪ ،‬شيد على مراحل عديدة وتم توسيعه‬
‫عدة مرات‪ .‬تنقسم قاعة الصالة إلى ‪ 17‬بالطة أعرضها البالطة الوسطى التي تؤدي الى المحراب‪،‬‬
‫ويقوم الجامع على أعمدة تعلوها تيجان ومسندات خشبية وحوامل عقود وعقود تضمن اإلضاءة والتهوية‪،‬‬
‫ويضم الجامع قبة المحراب وقبة البهو ومنارة قاعدتها ذات شكل مربع تعلوها قبة‪ .‬أما المحراب فتغطيه‬
‫لوحات رخامية تعلوها الزخارف الجصية والخشب المذهب‪.‬‬

‫الرباطات‪:‬‬
‫ّ‬

‫الرباط منشأة دينية وتعليمية وعسكرية تبنى على السواحل لمراقبتها من الغزوات البحرية وكانت‬
‫الرباطات عبارة عن حصون دفاعية تتكون من عدة غرف ومسجد وتوجد ابراج دائرية في زواياه‬
‫ويحتوي كل رباط على منارة مستديرة الشكل‪ .‬ومن اهم الرباطات ما شيد على ساحل سوسة والمنستير‬
‫وكذلك رباطات المدن المغربية‪.‬‬

‫‪ -‬القصور‪:‬‬

‫يعتبر تشييد القصور دليال على أوج الرخاء االقتصادي والرفاهة االجتماعية التي تحققت خاصة‬
‫للفئات الثرية المقيمة بالمدن وخاصة بالقيروان مثل قصر الصحن برقادة الذي تكون من ‪ 109‬غرفة‬
‫ويحيط به سور ضلعه ‪ 104‬مترا‪ .‬كما تعددت القصور بفاس وسجلماسة وكذلك بمدن الندلس وخاصة‬
‫الزهراء وقرطبة‪ ،‬وال تزال آثار هذه القصور قائمة إلى اليوم‪.‬‬

‫وتميزت العمارة المغربية بالزخرفة كالنقوش والعقود والعمدة والتيجان والحنيات وكانت هذه‬
‫الشكال الفنية تنحث وتنقش على الرخام والحجارة والجص والخشب إضافة الى الرسوم واللوان التي‬
‫زينت المواد الخزفية وتكونت من أشكال طبيعية مثل ورق العنب والبراعم وجريد النخل إضافة إلى‬
‫الشكال الهندسية كالضفائر المعقدة والحروف العربية المدونة بالخط الكوفي‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫خاتمة‪:‬‬

‫خضعت شمال إفريقيا لقوى أجنبية مختلفة و متتالية كالفينيقيين والرومان والبيزنطيين ‪ .‬وقد كانت‬
‫هذه المنطقة ‪ ،‬في كل مرحلة من هذه المراحل‪ ،‬متفاعلة مع الحضارات الوافدة ‪ .‬ومثل انتشار اإلسالم‬
‫ببالد المغرب حلقة إضافية من حلقات تاريخ المنطقة حيث اندمجت العناصر المحلية ‪ ،‬مرة أخرى ‪ ،‬في‬
‫المجتمع الجديد ليحصل التالقح الثقافي بين العرب المسلمين والبربر ممهدا لنشأة حضارة وازنة في‬
‫تاريخ اإلنسانية ال تزال معالمها قائمة الى يومنا ‪.‬‬

‫‪11‬‬

You might also like