0% found this document useful (0 votes)
51 views14 pages

علوم التربية5

تتناول الوثيقة تعريف علوم التربية وأهميتها، حيث تُعرف التربية بأنها عملية تعليمية تهدف إلى تطوير الفرد والمجتمع. كما تستعرض خصائص التربية مثل كونها عملية تكاملية وفردية اجتماعية، وتختلف باختلاف الزمان والمكان. بالإضافة إلى ذلك، تُشير الوثيقة إلى تصنيفات علوم التربية وأهميتها في فهم وتحليل الظواهر التربوية.

Uploaded by

i.ouizza-124
Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
0% found this document useful (0 votes)
51 views14 pages

علوم التربية5

تتناول الوثيقة تعريف علوم التربية وأهميتها، حيث تُعرف التربية بأنها عملية تعليمية تهدف إلى تطوير الفرد والمجتمع. كما تستعرض خصائص التربية مثل كونها عملية تكاملية وفردية اجتماعية، وتختلف باختلاف الزمان والمكان. بالإضافة إلى ذلك، تُشير الوثيقة إلى تصنيفات علوم التربية وأهميتها في فهم وتحليل الظواهر التربوية.

Uploaded by

i.ouizza-124
Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
You are on page 1/ 14

‫علوم التربية‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين ‪-‬وجدة‪-‬‬

‫الدرس ألاول‪ :‬مدخل إلى علوم التربية‬


‫تعريف التربية لغة واصطالحا‬
‫تعريف التربية لغة‬
‫َ ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وكيفا‪ ،‬قال هللا تعالى‪َِ ﴿ :‬إذا أن َزل َنا َعل ْي َها‬ ‫ً‬ ‫‪ -1‬اشتقت من الفعل املاض ي ربا ومضارعه يربو بمعنى زاد ونما كما‬
‫ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َْ َ‬
‫امل َاء ْاهت َّز ْت َو َر َب ْت َوأن َبت ْت ِم ْن ك ِل َز ْو ٍج َب ِه ٍيج﴾[آلاية ‪ ،5‬سورة الحج]‪.‬‬
‫‪-2‬اشتقت من الفعل املاض ي ربى ومضارعه يربي ويعني أصلح الش يء وقومه ورعاه واعتنى به‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فشيئا‪ ،‬وقيل‬ ‫ً‬ ‫‪ -3‬اشتقت من الفعل رب ومضارعه يرب بمعنى عالج ووجه‪ ،‬ورب الش يء تبليغه كماله شيئا‬
‫ص ِغ ًيرا﴾[آلاية ‪،24‬‬ ‫﴿و ُق ْل َرب ا ْر َح ْم ُه َما َك َما َرَّب َياني َ‬
‫اشتق من ربي على وزن رض ي أي بمعنى نشأ وترعرع‪ ،‬وقوله تعالى‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سور إلاسراء] أي أنشآني وكوناني‪ً .‬‬
‫تعريف التربية اصطالحا‪ًً:‬‬
‫تتمثل التربية في ذلك العمل الذي يقوم به الكهول إزاء ألاطفال قصد تعليمهم جملة من املعارف والقيم‬
‫لالندماج في املجتمع؛ ويقال أيضا أنها عملية صناعة إلانسان‪.‬‬
‫‪ -‬وهي في نظر أفالطون‪" :‬أن تضفي على الجسم والنفس كل جمال وكمال ممكن لها"‪.‬‬
‫‪ -‬يقول أبو حامد الغزالي إن "صناعة التعليم هي أشرف الصناعات التي يستطيع إلانسان أن يحترفها وإن‬
‫الغرض من التربية هي الفضيلة والتقرب إلى هللا"‪.‬‬
‫‪ -‬ويرى جون ديوي أن التربية هي "عملية مستمرة إلعادة بناء الخبرة‪ ،‬بهدف توسيع وتعميق مضمونها‬
‫الاجتماعي"؛ ويقول أيضا‪" :‬التربية هي الحياة وهي عملية تكيف بين الفرد وبين بيئته"‪.‬‬
‫‪ -‬وقد جاء تعريف اليونسكو في مؤتمرها بباريس للتربية على أنها "مجموع عمليات الحياة الاجتماعية التي‬
‫عن طريقها يتعلم ألافراد والجماعات داخل مجتمعاتهم الوطنية والدولية ولصالحها أن ينمو وبوعي منهم كافة‬
‫قدراتهم الشخصية واتجاهاتهم واستعداداتهم ومعارفهم وهذه العملية ال تقتصر على أنشطة بعينها"‪.‬‬
‫خصائص التربية‬
‫‪ -‬أنها عملية تكاملية‪ :‬أي أنها ال تقتصر على جانب واحد من جوانب شخصية الفرد‪ ،‬بل تتناول جميع جوانبه‬
‫الجسمية والعقلية والنفسية والخلقية‪ ،‬وأيضا فهي تربية لضميره وتسخير لعواطفه في مجال الخير والابتعاد عن‬
‫أعمال الشر والانحراف‪.‬‬
‫‪ -‬أنها عملية فردية اجتماعية‪ :‬فهي ال تقتصر على تنمية الفرد وحده‪ ،‬بل تتعداه إلى املجتمع ككل؛ فهي تنمي أفراد‬
‫املجتمع وتجعل منهم مواطنين صالحين يعملون لرقي املجتمع الذي ينتمون إليه‪ .‬وبالتالي فهي عملية تطبيع‬
‫الاجتماعي‪.‬‬ ‫اجتماعي‪ ،‬يكتسب الفرد من خاللها صفته إلانسانية‪ ،‬عن طريق التنشئة الاجتماعية والتفاعل والتطبيع ً‬
‫‪ -‬أنها تختلف باختالف الزمان واملكان‪ :‬التربية عملية دائمة متغيرة ومتطورة‪ ،‬وما دام الذي يقوم بها هو العنصر‬
‫البشري الذي يتصف بالتغيير حسب الظروف واملواقف‪ ،‬فهي دائما تختلف من عصر لعصر‪ ،‬ومن مجتمع ملجتمع‪،‬‬
‫بل إنها تختلف في داخل املجتمع الواحد‪ ،‬من مكان ملكان ومن مرحلة زمنية إلى مرحلة أخرى‪ ،‬ولذلك فإن من‬
‫صفاتها إحداث التغير‪ ،‬كما أن من صفات التغير تطوير التربية‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫األستاذ‪ :‬د حميد نعيمي‬


‫علوم التربية‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين ‪-‬وجدة‪-‬‬

‫‪ -‬أنها عملية إنسانية‪ً:‬فهي تختص باإلنسان‪ ،‬وإلانسان مهنته التربية‪ ،‬فهي تخص إلانسان ألنه هو املربي‪ ،‬وهي تنظر‬
‫إليه على أنه خليفة هللا في ألارض‪ ،‬والذي فضلهًوكرمه على سائر مخلوقاته‪.‬‬
‫‪ -‬أنها عملية مستمرة‪ :‬التربية تستمر باستمرار حياة إلانسان‪ ،‬فهو يطورها ويتطور بهاًويتفاعل معها بحسب‬
‫مستجدات ومتطلبات الحياة نفسها‪.‬‬
‫علوم التربية‪ :‬تعريفها‪ ،‬حقولها‪ ،‬تكاملها‬
‫إن الظاهرة التربوية فعالية إنسانية تتداخل فيها عناصر عدة‪ :‬بيولوجية‪ ،‬وسيكولوجية‪ ،‬وسوسيولوجية‪،‬‬
‫واقتصادية‪...‬أي يتداخل فيها كل ما هو ذاتي مرتبط بالفرد نفسه‪ ،‬وما هو موضوعي يرتبط باملؤسسات‪ ،‬والشروط‬
‫العامة‪ ،‬والخاصة التي تمارس في إطارها عملية التربية‪ .‬وهذا ما يستلزم بالطبع تسخير مقاربات علمية عديدة‪،‬‬
‫تختص كل واحدة منها بجانب أو جوانب من الظاهرة املدروسة‪ ،‬وهو ما استوجب خلق علوم للتربية‪ .‬فما املقصود‬
‫بعلوم التربية؟ وماهي التصنيفات التي اقترحت بخصوصها؟ ً‬
‫مقاربة تعريفية لعلوم التربية‬
‫تتعدد تصنيفات علوم التربية بتعدد املرجعيات الفكرية والنظرية املؤطر لها‪ ،‬وحتى إن وجد تصنيف واحد‪،‬‬
‫فإنه لن يصمد أمام دينامية الظاهرة التربوية التي تعرف يوما بعد يوم تطورا وتغيرا ملحوظين‪ .‬بيد أنه يمكن‬
‫الاستئناس بالتصنيف ألاخير الذي اقترحه غاستون مياالري لعلوم التربية سنة ‪ ،1984‬باعتباره تصنيفا ذا أهمية‬
‫يستجيب للتطورات التي عرفها البحث العلمي في مجال التربية‪.‬‬
‫ويعرف مياالري علوم التربية باعتبارها‬
‫"مجموعة من املواد التي تدرس شروط وجود‬
‫الوضعيات التربوية‪ ،‬واشتغالها وتطورها"‪.‬‬
‫وحسب مياالري دائما فالوضعية التربوية‬
‫هي السياق الذي ينشأ داخله النشاط التربوي‬
‫وتتميز بالخصائص التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تشترط وجود شخصين على ألاقل‪.‬‬
‫‪ -‬توجد في أماكن مختلفة‪ :‬ألاسرة‪ ،‬املدرسة‪ ،‬الشارع‪...‬‬
‫‪ -‬قد تكون قارة دائمة أو عابرة وظرفية‪ً .‬‬
‫‪ -‬تؤثر على شركائها وتأخذ منهم نشاطا معين‪.‬‬
‫يتضح من هذا التعريف أن الوضعية التربوية كإطار منظم للنشاط التربوي هي معطى جد معقد سواء‬
‫بالنظر إلى ما يجري داخلها من تفاعالت وأنشطة وعمليات‪ ،‬أو بالنظر إلى العوامل الخارجية املؤثرة عليها‪ ،‬ولذلك‬
‫فإن دراستها تتطلب البحث في الجوانب ألاساسية الثالثة آلاتية‪:‬‬
‫على املستوى ألاولً‪ :‬تعنى علوم التربية بالبحث في شروط وجود الوضعية التربوية أي في العوامل والظروف‬
‫الخارجية املؤثرة عليها‪ ،‬وهذه ألاخيرة نوعان‪:‬‬
‫‪ -‬ظروف عامة‪ :‬تهم النشاط التربوي ككل وتشمل املجتمع بخصائصه التاريخية والسياسية‬
‫والاقتصادية‪ ،‬املقررات والبرامج العامة والتوجيهات الرسمية املتعلقة بكيفية تنفيذها‪ ،‬الطرق والتقنيات‬
‫‪2‬‬ ‫األستاذ‪ :‬د حميد نعيمي‬
‫علوم التربية‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين ‪-‬وجدة‪-‬‬

‫البيداغوجية العامة أو الرسمية‪ ،‬القواعد العامة املعتمدة في بناء و تشييد املنشآت التربوية‪ ،‬والنظام العام الخاص‬
‫بتوظيف وتكوين رجال التربية و التعليم‪.‬‬
‫‪ -‬ظروف محلية‪ :‬تهم العوامل واملحددات املحلية للوضعية التربوية وتشمل الوسط الصغير الذي‬
‫يحتضن املؤسسة التربوية (قرية‪ -‬مدينة)‪ ،‬املؤسسة التربوية ذاتها من حيث خصائصها و تجهيزاتها‪ ،‬الفريق التربوي‬
‫العامل باملؤسسة من حيث انسجامه و كيفية عمله‪ً .‬‬
‫ُ‬
‫على املستوى الثاني‪ً :‬ت عنى علوم التربية بالبحث في أنماط اشتغال الوضعية التربوية‪ ،‬أي البحث في الفعل‬
‫التربوي ذاته وفي العالقة التربوية‪ ،‬والهدف من هذا البحث هو الوصول إلى فهم أفضل لسيرورة العملية التربوية‬
‫على ضوء ألاهداف املختارة‪ ،‬ويقترح (مياالري) إطالق اسم "العلوم البيداغوجية" على الدراسات املتعلقة بهذا‬
‫املستوى وتشمل الفروع التالية‪ - :‬فيزيولوجيا التربية ‪ -‬سيكولوجيا التربية ‪ -‬سيكوسوسيولوجيا التربية ‪ -‬علوم‬
‫الاتصال ‪ -‬علم التدريس ‪ -‬علم الطرائق والتقنيات البيداغوجية ‪ -‬علم الامتحانات والتقويم التربوي‪.‬‬
‫ُ‬
‫على املستوى الثالث‪ً :‬تعنى علوم التربية بالبحث في إمكانيات تطوير الوضعية التربوية على ضوء معايير‬
‫وقيم محددة وتتميز الدراسات على هذا املستوى بطابعها التأملي فهي ال تعنى بدراسة الوضعية التربوية كما توجد‬
‫في الواقع بل كما ينبغي لها أن تكون في املستقبل وهذه العلوم هي‪" :‬فلسفة التربية‪ -‬التخطيط التربوي ‪ -‬علم البرامج‬
‫والنماذج‪ً .‬‬
‫العلوم املهتمة بالتربية‬
‫إذا كان من الصعب القيام بحصر شامل ومانع ودقيق ملختلف العلوم والحقول التي تنضوي تحت قائمة‬
‫علوم التربية‪ ،‬فإنه على ألاقل يمكن تقديم تعريف عام لها من خالل إلاحاطة بمجموعة من الحقو ل العلمي منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬فيزيولوجيا التربية‪ :‬تركز "فيزيولوجيا التربية" اهتمامها على العالقة القائمة بين مجموعة من الشروط‬
‫التي يرتبط أهمها‪ :‬بالصحة والتغذية املتوازنة والنوم الكافي‪...‬وبين التعلم املدرس ي بالنسبة للطفل املتعلم‪ ،‬طارحة‬
‫عددا من التساؤالت من قبيل‪ :‬ما هي القوانين الفيزيول ًوجية املتحكمة في ألاساس البيولوجي لعملية النمو؟ كيف‬
‫تنمو إلايقاعات الحيوية (النوم‪ ،‬اللعب‪ ،‬الانتباه ‪ ،)...‬وما عالقتها بالتعلم املدرس ي؟ ما هي آلاثار التي تحدثها التغذية‬
‫على املستوى الكمي والنوعي في النمو املدرس ي للطفل؟‬
‫ب‪ -‬سيكولوجيا التربية‪ :‬تهتم سيكولوجيا التربية بمقاربة الظاهرة التربوية اعتمادا على أطروحات‬
‫السيكولوجيا بمختلف فروعها‪ ،‬من خالل تناول كل ما هو ذو صبغة نفسية يرتبط بشخصية الطفل‪ :‬قضايا النمو‬
‫النفس ي بجوانبه املختلفة في عالقتها بالتربية‪ ،‬التعلم وطرائقه ومحتوياته وأشكال تقويمه‪...‬وبعبارة أدق‪ ،‬كل موقف‬
‫تربوي يكون الطفل العنصر املستهدف فيه بشكل مباشر أو غير مباشر‪.‬‬ ‫ً‬
‫ج‪-‬سوسيولوجيا التربية‪ :‬وهي حقل يهتم بمقاربة الظاهرة التربوية مقاربة تعتمد على القواعد املنهجية‬
‫للسوسيولوجيا في دراسة وتحليل الظروف واملالبسات الاجتماعية املحيطة أو املؤطرة للموقف التربوي‪ ،‬فتهتم‬
‫نتيجة لذلك بعدد من املوضوعات السوسيوتربوية في مقدمتها‪:‬‬
‫‪ -‬دراسة ألانظمة التعليمية وتحليلها ‪ -‬التنظيم املدرس ي وعالقته بسوق الشغل ‪ -‬البحث في ألاصل‬
‫الاجتماعي للمتعلم وعالقته بتحصيله الدراس ي ‪ -‬الفشل الدراس ي‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫األستاذ‪ :‬د حميد نعيمي‬


‫علوم التربية‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين ‪-‬وجدة‪-‬‬

‫د‪-‬سيكوسوسيولوجيا التربية‪ :‬تعتبر سيكوسوسيولوجيا التربية مقاربة ترتكز على التفاعل بين ما هو نفس ي‬
‫وما هو اجتماعي‪ ،‬مقاربة ما ينتج عن تفاعل ألافراد داخل الجماعات التربوية الصغيرة كجماعة الفصل الدراس ي‪،‬‬
‫وما يترتب عن ذلك من آثار إيجابية أو سلبية على مناخ الجماعة‪ ،‬ومن خالله على مستوى التعلم والتحصيل؛ ومن‬
‫املحاور الرئيسة التي يختص بها هذا الحقل نذكر‪ :‬دينامية الجماعة (خاصة جماعة القسم)‪ ،‬التواصل التربوي‪..‬‬
‫ه‪ -‬فلسفة التربية‪ :‬تعد فلسفة التربية مقاربة للظاهرة التربوية برمتها مقاربة فلسفية محضة‪ ،‬أي أن‬
‫اهتمامها يكمن في وضع التربية في شموليتها موضوع تساؤل كبير‪ :‬ماهيتها‪ ،‬طبيعتها‪ ،‬إمكاناتها‪ ،‬غاياتها‪...‬وعالقة كل‬
‫ذلك بالفلسفة العامة للمجتمع؛ و نظرا للدور التوجيهي لفلسفة التربية‪ ،‬فهي تعد بمثابة الخيط الناظم الذي‬
‫يؤلف مختلف علوم التربية بما يجعلها تسير جميعها في خط عام مشترك ال يحيد عن التوجه العام لفلسفة‬
‫املجتمع‪.‬‬
‫تصنيف مياالريً ً‬

‫ً‬
‫تكامل علوم التربية‬
‫إن علوم التربية تمتاز بخاصية التكامل فيما بينها حيث إنها تعمل متظافرة في معالجة الفعل‬
‫التربوي‪ ،‬فكل علم منها يغطي زاوية ومجاال من التربية‪ ،‬لذا ينبغي استحضارها في مجموعها وتكاملها وخدمة‬
‫بعضها لبعض‪ ،‬وفي هذا السياق يعرف أفنيزيني علوم التربية بأنها "هو جمع إسهامات العلوم وتوظيف‬
‫تنوع إضافتها وحملها على فهم الظاهرة التربوية‪ ،‬وال يعني ذلك تصفيف العلوم جنبا إلى جنب‪ ،‬بل الانتقال‬
‫من تعداد الاختصاصات إلى تداخلها وتفاعلها للنفاذ إلى جوهرها"‪ً .‬‬

‫‪4‬‬ ‫األستاذ‪ :‬د حميد نعيمي‬


‫علوم التربية‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين ‪-‬وجدة‪-‬‬

‫الدرس الثاني‪ :‬محطات من تاريخ الفكر التربوي‬


‫الفكر الفلسفي‬ ‫عبر العصورً والثقافات‪ ،‬حيث انعكس ً‬
‫تأثير ً‬ ‫ً‬
‫ومعقدا تطورً ً‬ ‫غنيا‬ ‫ً‬
‫ميدانا ً‬ ‫الفكر التربويً‬
‫ً‬ ‫ُيعد‬
‫الفكر التربويً سلسلة من املحطات‬
‫ً‬ ‫والديني والاجتماعي والسياس ي على أساليب وغايات التربية‪ً ،‬ويمثل تطورً‬
‫التاريخية التي أثرت في تشكيل منظومات التعليم وأساليبها حولً العالم‪ ،‬من الحضارات القديمة‪ ،‬التي رأت في‬
‫التربية وسيلة لبناء املجتمع وغرس القيم الدينية وألاخالقية‪ ،‬إلى العصورً الوسطى‪ ،‬حيث ساد التعليم الديني‬
‫تأثير الكنيسة في أوروبا والتعليم الفقهي والفلسفي في العالم إلاسالمي‪.‬‬‫تحت ً‬
‫الفكر التربويً تحوالت جذرية مع ظهورً فالسفة أعلوا من قيمة الفرد‬ ‫ً‬ ‫العصر الحديث‪ ،‬شهد‬‫ً‬ ‫وفي‬
‫وحقوقه ودعوا إلى تعليم شامل يعززً القدرات الذاتية ويطورً املجتمعات‪ .‬وأسهم مفكرون بارزونً مثل روس ًو‬
‫التفكير النقدي‪ ،‬وتعليم املهارات‪ ،‬وتشجيع التجربة‬
‫ً‬ ‫تطوير‬
‫ً‬ ‫وكانط وديويً في تشكيل أسس جديدة للتربية تقوم على‬
‫الفردية‪.‬‬
‫ُ‬
‫الفكر التربويً كيف تطورت مفاهيم التعليم من التحفيظ وتلقين القيم إلى التعليم‬ ‫ً‬ ‫تبرز دراسة محطات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عصر وأهدافه الاجتماعية‬
‫ً‬ ‫فهما أعمق لكيفية تكييف التربية مع متطلبات كل‬ ‫موفرة لنا ً‬
‫ً‬ ‫النقدي والتجريبي‪،‬‬
‫وإلانسانية‪ً .‬‬
‫الخصائص ألاساسية‬ ‫العصر ‪/‬‬
‫الشخصيات املؤثرة ً‬ ‫الوسائل وألاساليب ً‬
‫للتربية ً‬ ‫الحضارة ً‬
‫‪-‬تعليم ألاخالق وقواعد‬
‫السلوك الاجتماعي من‬ ‫‪-‬ترتكز على ألاخالق‬
‫‪-‬كونفوشيوس‪ :‬ركز على ألاخالق‬
‫خالل النصوص‬ ‫والاحترام والنظام‬
‫والانضباط كأساس للتربية‪.‬‬ ‫التربية عند‬
‫الكالسيكية ‪.‬‬ ‫الاجتماعي ‪.‬‬
‫‪-‬مينسيوس‪ :‬دعا إلى قيم‬ ‫الصينيين ً‬
‫‪-‬التركيز على حفظ‬ ‫‪-‬هدفها تكوين فرد صالح‬
‫إلانسانية وتعليم الفضائل‪.‬‬
‫النصوص وتعليم الفلسفة‬ ‫يخدم املجتمع والدولة‪.‬‬
‫الكونفوشية‪.‬‬
‫‪-‬سقراط‪ :‬التعليم عن طريق‬
‫‪-‬الحوار والنقاش الفلسفي‬ ‫‪-‬تهدف إلى تطوير العقل‬
‫الحوار والسؤال ‪.‬‬
‫(املنهج السقراطي)‪.‬‬ ‫والفضيلة‪ ،‬وتكوين مواطنين‬
‫‪-‬أفالطون‪ :‬التربية املثالية وتكوين‬ ‫التربية عند‬
‫‪-‬الاهتمام بالتربية البدنية‬ ‫صالحين للدولة ‪.‬‬
‫القادة الفالسفة ‪.‬‬ ‫اليونان ً‬
‫والعقلية من خالل الرياضة‬ ‫‪-‬تأكيد على الحكمة‬
‫‪-‬أرسطو[املعلم ألاول]‪ :‬تطوير‬
‫واملناظرات الفلسفية‪.‬‬ ‫والفلسفة والعلوم البدنية‪.‬‬
‫املنطق والتربية ألاخالقية‪.‬‬
‫‪-‬تهدف إلى غرس القيم‬
‫‪-‬تحوتمس‪ :‬اهتمام بالتعليم امللكي‬ ‫‪-‬التعليم في املعابد‬ ‫التربية عند‬
‫ألاخالقية والدينية‪ ،‬والوالء‬
‫والتدريب العسكريً ‪.‬‬ ‫واملدارس املرتبطة بالقصر ‪.‬‬ ‫املصريين‬
‫للدولة ‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫األستاذ‪ :‬د حميد نعيمي‬
‫علوم التربية‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين ‪-‬وجدة‪-‬‬

‫‪-‬أمونحتب‪ :‬تعزيز التعليم الديني‬ ‫‪-‬تعليم الكتابة والهندسة‬ ‫‪-‬تركز على إعداد ألافراد‬
‫والتدريب على الطقوس‪.‬‬ ‫والحساب والعلوم الدينية‪.‬‬ ‫لخدمة املجتمع امللكي‬
‫والوظائف الدينية‪.‬‬
‫‪-‬التعليم في ألاديرة‬
‫‪-‬ركزت على التعليم الديني‬
‫‪-‬توما ألاكويني‪ :‬أسس دمج التعليم‬ ‫والكنائس ‪.‬‬
‫والقيم املسيحية ‪.‬‬ ‫التربية في‬
‫الفلسفي مع الدين‪.‬‬ ‫‪-‬تعليم العقائد املسيحية‬
‫‪-‬تهدف إلى توجيه الفرد‬ ‫أوروبا‬
‫‪-‬أوغسطينوس‪ :‬طرح فكرة التربية‬ ‫والعلوم الالهوتية ‪.‬‬
‫لخدمة الكنيسة واملجتمع‬ ‫املسيحية‬
‫لتحسين الروح والفضيلة‪.‬‬ ‫‪-‬الاعتماد على الكتاب‬
‫املسيحي‪.‬‬
‫املقدس‪.‬‬
‫‪-‬ابن سينا‪ :‬تطوير العلوم الطبية‬
‫والفلسفية‪ً .‬‬
‫‪-‬الفارابي [املعلم الثاني]‪ :‬وضع تصور‬ ‫‪-‬التعليم في املساجد‬
‫‪-‬تهدف إلى تعليم القيم‬
‫شامل للتربية التي تنطلق من‬ ‫والكتاتيب واملدارس ‪.‬‬
‫إلاسالمية وتنمية العلوم‬ ‫التربية في‬
‫الفلسفة وألاخالق والعقل‪ ،‬وتهدف‬ ‫‪-‬تعليم القرآن‪ ،‬الحديث‪،‬‬
‫العقلية ‪.‬‬ ‫الفكر‬
‫إلى تحقيق الفضيلة وخدمة املجتمع‪.‬‬ ‫الفقه‪ ،‬والفلسفة ‪.‬‬
‫‪-‬تشمل العلوم الدينية‬ ‫إلاسالمي‬
‫‪-‬الغزالي‪ :‬الاهتمام باألخالق وتربية‬ ‫‪-‬الاهتمام بالعلوم الطبية‬
‫النفس‪.‬‬ ‫والعقلية والتجريبية‪.‬‬
‫والعلمية‪.‬‬
‫‪-‬ابن خلدون‪ :‬التربية كعامل للتطور‬
‫الاجتماعي‪.‬‬
‫‪-‬جون ديوي‪ :‬التربية التقدمية‬
‫‪-‬التعليم التجريبي واملناهج‬
‫والتعليم من خالل التجربة ‪.‬‬ ‫‪-‬التركيز على الفردية وتنمية‬
‫الحديثة التي تعتمد على‬ ‫التربية في‬
‫‪-‬روسو‪ :‬التربية الطبيعية وحرية‬ ‫القدرات الشخصية ‪.‬‬
‫النشاط واملشاركة ‪.‬‬ ‫العصر‬
‫الطفل‪.‬‬ ‫‪-‬إعداد ألافراد ملواجهة‬
‫‪-‬دمج التكنولوجيا وطرق‬ ‫الحديث‬
‫‪-‬كانط‪ :‬التربية ألاخالقية املستندة‬ ‫تحديات الحياة العصرية‪.‬‬
‫التعلم الحديثة‪.‬‬
‫إلى الواجب‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫ُ‬
‫تعتبر محطات الفكر التربوي بمثابة خطوات حاسمة في رحلة تطوير التعليم وتشكيل العقول على مر‬
‫العصور‪ .‬من خالل استكشافنا لتاريخ التربية‪ ،‬نجد أن كل حضارة أضافت رؤى جديدة تتناسب مع قيمها‬
‫ُ‬
‫واحتياجاتها الاجتماعية؛ ًوتظهر هذه املحطات كيف يمكن للفكر التربوي أن يتطور ويتكيف مع التغيرات الثقافية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مسلطا الضوء على أهمية التعليم في بناء مجتمعات أكثر ً‬
‫وتقدما‪ .‬إن دراسة محطات الفكر‬ ‫وعيا‬ ‫والاجتماعية‪،‬‬
‫التربوي تمنحنا رؤية شاملة لفهم دور التربية في تشكيل ألافراد واملجتمعات‪ ،‬مما يسهم في بناء مستقبل أفضل‬
‫لألجيال القادمة‪ً .‬‬
‫‪6‬‬ ‫األستاذ‪ :‬د حميد نعيمي‬
‫علوم التربية‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين ‪-‬وجدة‪-‬‬

‫الدرس الثالث‪ :‬اتجاهات فلسفة التربية‬


‫فلسفة التربية هي مجال من الفلسفة يدرس ألاهداف واملبادئ والطرق التي ينبغي أن يقوم عليها التعليم؛‬
‫تهتم فلسفة التربية باإلجابة على أسئلة جوهرية حول ماهية التربية‪ ،‬وأهدافها‪ ،‬ومحتواها‪ ،‬وطبيعة العالقة بين‬
‫املعلم واملتعلم‪ ،‬ودور املدرسة في املجتمع‪ ،‬وأفضل الطرق التي تساهم في تطوير مهارات املتعلمين وإعدادهم للحياة‪ً .‬‬
‫تشمل فلسفة التربية مجموعة من الاتجاهات الفكرية التي تقدم رؤى مختلفة حول كيفية تعليم ألافراد‬
‫وتطويرهم‪ ،‬ومن أبرزها‪ :‬الاتجاه املثالي‪ ،‬الاتجاه الطبيعي‪ ،‬الاتجاه التجريبي‪ ،‬والاتجاه البراغماتي‪ً .‬‬
‫إليك مقارنة تفصيلية بين الاتجاهات ألاربعة في فلسفة التربية؛ تشمل هذه املقارنة نقاط التشابه‬
‫والاختالف من حيث ألاسس النظرية‪ ،‬أهداف التربية‪ ،‬وسائل التعليم‪ ،‬دور املعلم‪ ،‬دور املتعلم‪ ،‬النظرة إلى املعرفة‪،‬‬
‫وتطبيقاتها في التعليم‪ً .‬‬
‫ً‬
‫الاتجاه البراغماتي ً الاتجاه التجريبي ً الاتجاه الطبيعي ً الاتجاه املثالي ً‬ ‫العنصر ً‬
‫يعتمد على أولوية‬ ‫يرى أن إلانسان‬ ‫يؤمن بأن املعرفة‬ ‫يركز على الجدوى العملية‬
‫ألافكار واملبادئ‬ ‫جزء من الطبيعة‬ ‫تأتي من التجربة‬ ‫ويرى أن قيمة املعرفة‬
‫التعريف ً‬
‫الثابتة ً‬ ‫ويجب تربيته وفق‬ ‫الحسية ً‬ ‫تتحدد بفاعليتها ً‬
‫فطرته ً‬
‫الفلسفة الطبيعية ) الفلسفة املثالية‬ ‫الفلسفة التجريبية‬ ‫الفلسفة البراغماتية‬
‫أسس الاتجاه ً‬
‫(أفالطو ًن)‬ ‫(روسو)‬ ‫(جون لوك) ً‬ ‫ي) ً‬‫(جون ديو ً‬
‫السمو الروحي‬ ‫تلبية احتياجات‬ ‫إعداد الفرد لفهم‬ ‫إعداد الفرد ليصبح‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والعقلي‪ ،‬وتحقيق‬ ‫الفرد الطبيعية‬ ‫العالم الطبيعي‬ ‫عضوا فعاال في املجتمع‪،‬‬
‫وتفسيره ً‬ ‫أهداف التربية ً‬
‫الفضيلة ً‬ ‫وتطويره بشكل‬ ‫علميا ً‬ ‫وتطوير قدرته على حل‬
‫عفويً‬ ‫املشكالت ً‬
‫ثابتة وعقلية‪،‬‬ ‫قائمة على الفطرة‪،‬‬ ‫املعرفة عملية ومتغيرة‪ ،‬املعرفة قائمة على‬
‫النظرة إلى‬
‫واملهم هو اكتشاف مصدرها ألافكار‬ ‫الحواس والتجربة ً‬ ‫وتستند إلى فاعليتها‬
‫املعرفة ً‬
‫واملبادئ ألازلية ً‬ ‫الذات ً‬ ‫وجدواها ً‬
‫معلم كقدوة‪،‬‬ ‫مرشد وموجه‪،‬‬ ‫مرشد يساعد‬ ‫شريك في عملية التعلم‪،‬‬
‫وناقل للمعرفة‬ ‫ُيشجع الاكتشاف‬ ‫دور املعلم ً يشجع على حل املشكالت الطالب على إجراء‬
‫والتعاليم املثالية ً‬ ‫والتعلم الذاتي‬ ‫تجارب واختبارات ً‬ ‫والتجربة املستمرة ً‬

‫‪7‬‬ ‫األستاذ‪ :‬د حميد نعيمي‬


‫علوم التربية‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين ‪-‬وجدة‪-‬‬

‫متعلم يتلقى‬ ‫مكتشف لحقيقته‬ ‫متعلم نشط‪،‬‬ ‫مشارك في التعلم‪ ،‬ينخرط‬


‫يكتسب املعرفة من الذاتية من خالل املعرفة ويبحث عن‬ ‫في حل املشكالت‬ ‫دور املتعلم ً‬
‫الكمال ً‬ ‫البيئة الطبيعية ً‬ ‫واكتساب املهارات العملية ً خالل التجربة ً‬
‫التعليم عبر الحفظ‬ ‫التعليم عبر‬ ‫التعليم عبر حل‬
‫التعليم عبر‬
‫والتفكير الفلسفي‪،‬‬ ‫التجربة‪ ،‬استخدام‬ ‫املشكالت‪ ،‬استخدام‬ ‫الوسائل‬
‫الاكتشاف‪ ،‬تهيئة‬
‫وترسيخ القيم ً‬ ‫التعليمية ً ألاسئلة والنقاش والتعلم املختبرات والتجارب ً‬
‫بيئة طبيعية‬
‫التعاوني ً‬
‫تعتمد على القيم‬ ‫تؤكد على النمو‬ ‫ألاخالق مرتبطة بالنتائج تركز على تشكيل‬
‫والقدرة على التكيف مع الفرد ليكون ً‬ ‫النظرة إلى‬
‫املثالية كاألخالق‬ ‫الطبيعي للفرد‬ ‫عمليا‬
‫ً‬ ‫التربية‬
‫والفضيلة ً‬ ‫وتترك ألاخالق‬ ‫ومنضبطا ً‬ ‫متطلبات املجتمع ً‬
‫ألاخالقية ً‬
‫للفطرة ً‬
‫دراسة ألادب‬ ‫التعلم القائم على حل التعلم التجريبي في التعلم من خالل‬
‫العلوم والرياضيات ً البيئة وألانشطة والفلسفة وألاخالق‬ ‫املشكالت‪ ،‬واكتساب‬ ‫التطبيقات‬
‫لتعزيز العقل‬ ‫الخارجية ً‬ ‫مهارات حياتية ً‬ ‫العملية ً‬
‫والروح ً‬
‫ً‬
‫متساهال‪ ،‬مثالي ً‬
‫جدا ويصعب‬ ‫قد يكون‬ ‫يفتقر للبعد‬ ‫يهمل القيم الثابتة‬
‫تطبيقه في الحياة‬ ‫وغير منظم بما‬ ‫ألاخالقي والروحي‪،‬‬ ‫ويعتمد على النتائج‬
‫النقد املوجه ً‬
‫العملية ً‬ ‫يكفي ً‬ ‫ويفضل املعرفة‬ ‫العملية مما قد يخلق‬
‫العلمية فقط ً‬ ‫نفعية زائدة ً‬

‫الخالصة‬
‫تمثل الاتجاهات ألاربعة في فلسفة التربية رؤى متنوعة تعكس تصورات مختلفة حول طبيعة املعرفة ودور‬
‫التربية؛ ًويقدم الاتجاه املثالي رؤية تركز على املبادئ الثابتة والقيم الروحية‪ ،‬بينما يركز الاتجاه الطبيعي على تلبية‬
‫وفقا لطبيعته الفطرية‪ .‬يفضل الاتجاه التجريبي التجربة العملية كأساس للمعرفة‪ ،‬في حين‬ ‫احتياجات الطفل ً‬
‫يسعى الاتجاه البراغماتي إلى تحقيق جدوى عملية من خالل التعليم‪ .‬ورغم التباين بين هذه الاتجاهات‪ ،‬إال أنها‬
‫جميعا تسهم في إثراء الفكر التربوي‪ ،‬حيث يمكن دمج عناصر من كل اتجاه في برامج تعليمية شاملة تعزز من تطور‬ ‫ً‬
‫ألافراد بشكل متواز ًن‪ً .‬‬

‫‪8‬‬ ‫األستاذ‪ :‬د حميد نعيمي‬


‫علوم التربية‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين ‪-‬وجدة‪-‬‬

‫الدرس الرابع‪ :‬نظريات التعلم‬


‫ً‬
‫تعريف النظرية‪:‬‬
‫"هي مجموعة من القواعد والقوانين التي ترتبط بظاهرة ما‪ ،‬بحيث ينتج عن هذه القوانين مجموعة من‬
‫املفاهيم والافتراضات والعمليات التي يتصل بعضها ببعض لتؤلف نظرة منظمة ومتكاملة حول تلك الظاهرة"‪ً .‬‬
‫فوائدها‪ - :‬تجمع الحقائق و املفاهيم و ترتبها‪.‬‬
‫‪ -‬تقدم تفسيرا للظواهر وألاحداث‪.‬‬
‫‪ -‬تساعد على التنبؤ‪.‬‬
‫‪ -‬توجه التفكير العلمي‪.‬‬
‫تعريف التعلم‪:‬‬
‫"هو العملية الحيوية الديناميكية التي تتجلى في جميع التغيرات الثابتة نسبيا في ألانماط السلوكية‬
‫والعمليات املعرفية التي تحدث لدى ألافراد نتيجة لتفاعلهم مع البيئة املادية والاجتماعية"‪ً .‬‬
‫خصائصه‪:‬‬
‫ً ‪ -‬هو عملية تنطوي على تغير شبه دائم في السلوك‪.‬‬ ‫ً‬
‫ً ‪ -‬هو عملية تحدث نتيجة لتفاعل الفرد مع البيئة‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪ -‬هو عملية مستمرة ال ترتبط بزمان أو مكان محدد‪.‬‬
‫‪ -‬هو عملية تراكمية تدريجية‪.‬‬
‫‪ -‬هو عملية تشمل كافة السلوكات والخبرات املرغوبة وغير املرغوبة‪.‬‬ ‫ً‬
‫الانفعالية‪ /‬الاجتماعية ‪/‬‬
‫‪ -‬هو عملية شاملة‪ ،‬متعددة املظاهر (السلوكات العقلية ‪ً /‬‬
‫اللغوية ‪)...‬‬
‫نظريات التعلم‬
‫ُ‬
‫نظريات التعلم هي أطر مفاهيمية تصف كيفية استيعاب ألاشخاص للمعلومات ومعالجتها والاحتفاظ‬
‫بها؛ وسنعرض النظريات التالية‪ً :‬‬
‫‪ )1‬النظرية السلوكية‪ً .‬‬
‫‪ )2‬النظرية الجشطلتية‪ً .‬‬
‫‪ )3‬النظرية البنائية‪ً .‬‬
‫‪ )4‬النظرية السوسيوبنائية‪ً .‬‬
‫‪ )5‬النظرية املعرفية‪ً .‬‬
‫ًوهذا الجدول يوضح نظريات التعلم‪ ،‬مما يساعد في فهم خصائصها وتطبيقاتها العلمية‪ً .‬‬

‫‪9‬‬ ‫األستاذ‪ :‬د حميد نعيمي‬


‫علوم التربية‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين ‪-‬وجدة‪-‬‬

‫النقد‬ ‫التطبيقات‬ ‫الخصائص‬ ‫الرواد‬ ‫النظرية‬


‫التجربة المعتمدة‬ ‫االسم‬ ‫التيار‬
‫يعتمد على الربط‬
‫‪-‬تعزيز السلوك‬ ‫بين محفز غير‬ ‫تجربة الكلب‪ :‬قام بافلوف بإجراء تجربة‬
‫شرطي ومحفز اإليجابي باستخدام‬ ‫شهيرة على الكالب‪ ،‬حيث ربط بين‬
‫شرطي إلحداث محفزات مفضلة‪.‬‬ ‫صوت الجرس وتقديم الطعام للكلب؛ بعد‬
‫عدة تكرارات‪ ،‬بدأ الكلب يسيل لعابه‬ ‫التعلم‬

‫إيفان بافلوف‬
‫‪ -‬تقليل السلوكيات‬ ‫استجابة‬
‫السلبية من خالل‬ ‫مشروطة‪،‬‬ ‫بمجرد سماع صوت الجرس‪ ،‬حتى دون‬ ‫الشرطي‬
‫الربط مع نتائج غير‬ ‫التركيز على‬ ‫وجود الطعام‪ .‬هذا يظهر كيف يمكن‬
‫للمحفزات المصطنعة (الجرس) أن تثير‬ ‫الكالسيكي‬
‫مرغوبة‪.‬‬ ‫التفاعل بين‬
‫المحفز‬ ‫استجابة طبيعية (سيالن اللعاب) عندما‬
‫واالستجابة‪.‬‬ ‫ترتبط بشكل متكرر مع محفز طبيعي‬
‫‪-‬إهمال‬ ‫(الطعام)‪.‬‬
‫الجوانب‬
‫‪-‬برامج التعلم‬ ‫تجربة صندوق سكينر‪ :‬وضع سكينر فأرا يركز على تأثير‬
‫الداخلية‬
‫الفردي القائم على‬ ‫التعزيز‬ ‫داخل صندوق يحتوي على زر ورافعة‪،‬‬
‫للتعلم (مثل‬
‫التعزيز‪.‬‬ ‫(اإليجابي‬ ‫عندما يضغط الفأر على الزر‪ ،‬يتم تقديم‬
‫التفكير‬ ‫التعلم‬
‫‪-‬تشجيع السلوك‬ ‫الطعام كتعزيز إيجابي‪ ،‬مما يزيد من والسلبي) في‬

‫ب‪.‬ف‪ .‬سكينر‬
‫والدوافع)‪.‬‬
‫اإليجابي باستخدام‬ ‫تشكيل السلوك‪،‬‬ ‫احتمالية تكرار السلوك‪.‬‬ ‫الشرطي‬
‫‪-‬يُعتبر‬
‫المكافآت‪.‬‬ ‫حيث يُعزز‬ ‫في حاالت أخرى‪ ،‬استخدم سكينر تعزيزا‬
‫التعليم أداة‬ ‫إلاجرائي‬
‫‪ -‬نظام الحوافز‬ ‫السلوك‬ ‫سلبيا (مثل الصدمات الكهربائية) لتجنب‬
‫تكرار فقط‪.‬‬
‫والعقوبات في‬ ‫المرغوب ويقلل‬ ‫السلوكيات غير المرغوبة‪.‬‬

‫السلوكية‬
‫‪-‬يركز‬
‫المدارس‪.‬‬ ‫هذه التجربة توضح أهمية التحكم في من السلوك غير‬
‫على الحفظ‬
‫المرغوب‪.‬‬ ‫البيئة المحيطة للتأثير على السلوك‪.‬‬
‫أكثر من‬
‫يعتمد على قانون‬
‫‪ -‬التعليم القائم على الفهم‪.‬‬ ‫تجربة القط وصندوق األلغاز‪ :‬وضع‬
‫األثر‪ ،‬الذي ينص‬
‫التكرار والمحاولة‪- .‬يؤدي إلى‬ ‫ثورندايك قطة داخل صندوق مغلق‬
‫على أن السلوك‬
‫‪ -‬تشجيع الطالب تعلم سطحي‬ ‫ووضع الطعام خارج الصندوق‪ .‬كانت‬
‫إدوارد ثورندايك‬

‫وليس‬
‫الذي يؤدي إلى‬ ‫التعلم‬
‫على حل المسائل‬ ‫القطة تحاول فتح الصندوق بطرق‬
‫نتيجة مرغوبة‬ ‫باملحاولة‬
‫عميقا‪.‬‬ ‫عبر التجريب‬ ‫عشوائية حتى اكتشفت كيفية الخروج‪.‬‬
‫أكثر‬ ‫يكون‬
‫‪-‬ال يشجع‬ ‫والخطأ‪.‬‬ ‫بعد عدة محاوالت‪ ،‬أصبحت القطة قادرة‬ ‫والخطأ‬
‫احتماال للتكرار‪،‬‬
‫‪ -‬تمارين التفكير على التفكير‬ ‫على تكرار السلوك الصحيح بشكل‬
‫يتراجع‬ ‫بينما‬
‫النقدي‬ ‫النقدي عبر‬ ‫أسرع؛ توضح التجربة كيف يؤثر التكرار‬
‫السلوك المرتبط‬
‫المحاولة والتحليل‪ .‬واإلبداعي‪.‬‬ ‫والمكافأة على تعلم السلوك‪.‬‬
‫بنتائج سلبية‬
‫‪ -‬تطبيقات العالج‬ ‫تجربة ألبرت الصغير‪ :‬قام واطسون‬
‫بإجراء تجربة على طفل يُدعى ألبرت‪ ،‬يعتمد على تطبيق‬
‫السلوكي للحد من‬
‫حيث عرض له فأرا أبيض ثم أتبعه مبادئ الشرطية‬ ‫التعلم‬
‫الخوف والقلق‪.‬‬
‫بالتكييف‬
‫جون واطسون‬

‫بصوت مزعج‪ ،‬مما جعل ألبرت يخاف الكالسيكية على‬


‫‪ -‬التكييف السلوكي‬
‫من الفأر؛ مع تكرار التعرض للفأر مع البشر‪ ،‬ويرى أن‬ ‫الكالسيكي‬
‫لألطفال لتعلم‬
‫الصوت المزعج‪ ،‬أصبح ألبرت يخاف من جميع السلوكيات‬
‫السلوكيات المناسبة‪.‬‬ ‫(التحفيز‬
‫الفأر وحده‪ .‬توضح هذه التجربة كيف يمكن تعلمها من‬
‫‪ -‬التعليم القائم على‬
‫يمكن للسلوك المكتسب أن يكون نتيجة خالل التكيف مع‬ ‫املشروط)‬
‫المحفزات‬
‫المحفزات البيئية‪.‬‬ ‫لمحفزات بيئية مشروطة‬
‫المتكررة‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫األستاذ‪ :‬د حميد نعيمي‬


‫علوم التربية‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين ‪-‬وجدة‪-‬‬

‫النقد‬ ‫التطبيقات‬ ‫الخصائص‬ ‫الرواد‬ ‫النظرية‬


‫‪-‬صعوبة تطبيق النظرية‬ ‫‪ -‬استخدام الرسوم والصور لتعزيز‬
‫تُركز على الكل بدال‬

‫ماكس فيرتهايمر‪ ،‬كورت‬


‫في التعلم المعقد الذي‬ ‫اإلدراك‪.‬‬

‫كوفكا‪ ،‬ولفغانغ كوهلر‬


‫من األجزاء‪ ،‬اإلدراك‬
‫يتطلب خطوات تفصيلية‪.‬‬ ‫‪ -‬التعلم القائم على حل المشكالت‬
‫يعتمد على رؤية‬
‫‪-‬عدم االهتمام كافيا‬ ‫واكتشاف العالقات بين المفاهيم ‪.‬‬ ‫الجشطلتية‬
‫األشياء كأنماط‬
‫بالجوانب العاطفية للتعلم‪.‬‬ ‫‪ -‬التطبيقات التي تتضمن إعادة‬
‫متكاملة‪ ،‬التنظيم‬
‫‪-‬عدم االهتمام بالعمليات‬ ‫تنظيم المعلومات‪.‬‬
‫البصري‪ ،‬تأثير‬
‫المعرفية العميقة بشكل‬ ‫‪ -‬التشجيع على استبصار العالقات‬
‫الخلفية والشكل‪.‬‬
‫كاف‪.‬‬ ‫بين المعلومات‪.‬‬
‫‪ -‬التعلم القائم على المشاريع والعمل‬
‫التركيز على تفاعل‬
‫‪-‬صعوبة تطبيقه في‬ ‫الجماعي‪.‬‬
‫المتعلم مع البيئة لبناء‬
‫الصفوف الكبيرة ‪.‬‬ ‫‪ -‬تشجيع الطالب على إجراء‬
‫المعرفة‪ ،‬التعلم هو‬

‫جان بياجيه‬
‫‪-‬يتطلب تدريبا مكثفا‬ ‫التجارب والمالحظة الذاتية ‪.‬‬ ‫البنائية‬
‫بناء نشط للمعرفة‪،‬‬
‫للمعلمين‪.‬‬ ‫‪ -‬استخدام األنشطة التفاعلية لبناء‬
‫دور المتعلم كمشارك‬
‫‪-‬الوقت الطويل المطلوب‬ ‫المعرفة‪.‬‬
‫نشط‪ ،‬االهتمام بتطور‬
‫للتعلم البناء‪.‬‬ ‫‪ -‬تمكين الطالب من طرح األسئلة‬
‫مراحل التعلم‪.‬‬
‫والبحث عن اإلجابات‪.‬‬
‫‪-‬صعوبة تطبيقها مع‬ ‫التأكيد على تأثير‬
‫‪ -‬التعلم الجماعي والتعاوني ‪.‬‬
‫الطالب االنطوائيين ‪.‬‬ ‫التفاعل االجتماعي‬
‫‪ -‬العمل على المشاريع في‬
‫‪-‬يعتمد على توفر بيئة‬ ‫في التعلم‪ ،‬المنطقة‬

‫ليف فيغوتسكي‬
‫مجموعات صغيرة ‪.‬‬
‫داعمة ومشتركة ‪.‬‬ ‫القريبة للتطور‪ ،‬دور‬ ‫السوسيوبنائية‬
‫‪ -‬استخدام حوارات الصف لتعزيز‬
‫‪-‬يحتاج إلى تفاعل مستمر‬ ‫المساعدة االجتماعية‬
‫الفهم ‪.‬‬
‫بين المعلم والطالب‪.‬‬ ‫والتوجيه في تعلم‬
‫‪ -‬التفاعل مع الخبراء أو الطالب‬
‫‪-‬يتطلب توجيها دقيقا من‬ ‫المتعلمين‪ ،‬دور اللغة‬
‫المتقدمين لتحسين مستوى األداء‪.‬‬
‫قبل المعلم‪.‬‬ ‫والتفاعل في التعلم‪.‬‬
‫‪-‬التركيز الزائد على‬
‫جان بياجيه‪ ،‬جيروم برونر‪ ،‬روبرت‬

‫العمليات العقلية وتجاهل‬ ‫تركز على العمليات‬


‫العوامل العاطفية‪.‬‬ ‫‪-‬استخدام الخرائط الذهنية‬ ‫العقلية مثل اإلدراك‬
‫‪-‬قد يكون معقدا للطالب‬ ‫والتنظيمية‪.‬‬ ‫والذاكرة وحل‬
‫األصغر سنا‪.‬‬ ‫‪ -‬التعلم القائم على الفهم‬ ‫المشكالت‪ ،‬التعلم يتم‬
‫جانييه‬

‫املعرفية‬
‫‪-‬عدم االهتمام الكبير‬ ‫واالستيعاب‪.‬‬ ‫من خالل تنظيم‬
‫بالجانب االجتماعي‬ ‫‪ -‬تعزيز مهارات التفكير النقدي‬ ‫المعلومات وتخزينها‬
‫للتعلم‪.‬‬ ‫والتحليلي‪.‬‬ ‫واسترجاعها‪ ،‬أهمية‬
‫‪-‬يحتاج إلى موارد ومواد‬ ‫الفهم العميق‪.‬‬
‫تعليمية متطورة‪.‬‬
‫خاتمة‬

‫بالتأكيد على أن عملية التعلم معقدة ومتعددة ألابعاد‪ ،‬وأنه ال توجد نظرية واحدة كافية لتفسير جميع‬
‫جوانبها‪ ،‬وينصح باالعتماد على مزيج من النظريات وتطبيقها ً‬
‫بناء على السياق واملتعلم‪ً .‬‬

‫‪11‬‬ ‫األستاذ‪ :‬د حميد نعيمي‬


‫علوم التربية‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين ‪-‬وجدة‪-‬‬

‫الدرس الخامس‪ :‬سوسيولوجيا التربية‬


‫مقدمة‬
‫تعتبر سوسيولوجيا التربية أو علم اجتماع التربية مقاربة ترصد مختلف العالقات املوجودة بين املدرسة‬
‫مصغر تعكس جميع العالقات التي يعرفها املجتمع املكبر‪.‬‬
‫ً‬ ‫واملجتمع‪ ،‬على أساس أن املدرسة بمثابة مجتمع‬
‫وتركز سوسيولوجيا التربية اهتمامها بموضوع دور املدرسة في املجتمع وأهم الوظائف التي تؤديها‪،‬‬
‫والتشديد على أهم الفاعلين في املؤسسة التعليمية من متعلمين‪ ،‬ورجال تربية‪ ،‬وأطر إدارية‪ ،‬عالوة على دراسة‬
‫موضوع النجاح والفشل الدراس ي‪ ،‬ومناقشة مبدأي التوحيد والانتقاء‪ ،‬وتبيان عالقة ذلك باملساواة الطبقية‪ ،‬مع‬
‫رصد الوضعية الاجتماعية للفاعلين التربويين‪ ،‬ومعالجة قضية تكاف ًؤ الفرص‪ً .‬‬
‫تعريف سوسيولوجيا التربية‬
‫يعرف أحمد أوزي سوسيولوجيا التربية بقوله‪" :‬يقوم علم الاجتماع التربوي بدراسة أشكال ألانشطة‬
‫التربوية للمؤسسات‪ ،‬كأنشطة املدرسين والتالميذ وإلاداريين داخل املؤسسات املدرسية‪ .‬كما يقوم بوصف طبيعة‬
‫العالقات وألانشطة التي تتم بينهم‪ ،‬كما يهتم علم الاجتماع التربوي بدراسة العالقات التي تتم بين املدرسة وبين‬
‫مؤسسات أخرى‪ ،‬كاألسرة‪ ،‬واملسجد‪ ،‬والنادي؛ كما يهتم بالشروط الاقتصادية والطبيعية التي تعيش فيها هذه‬
‫املؤسسات‪ ،‬وتؤثر في شروط وجودها وتعاملها"‪ً 1.‬‬
‫فسوسيوبوجيا التربية تعنى بدراسة املدرسة في عالقتها بمحيطها املجتمعي‪ ،‬ودراسة مختلف التفاعالت‬
‫الاجتماعية داخل املؤسسة التربوية نفسها‪ ،‬والاهتمام بمختلف ألانشطة وألادوار التي تقوم بها املدرسة التربوية‪،‬‬
‫بالتركيز على مجموعة من الظواهر الاجتماعية التربوية‪ ،‬مثل‪ :‬سلطة املدرسة‪ ،‬والنجاح وإلاخفاق‪ ،‬والانتقاء أو‬
‫الاصطفاء التربوي‪ ،‬ودور املدرسة في انتخاب النخبة‪ ،‬والفوارق الاجتماعية والطبقية داخل املؤسسة‪ ،‬والهدر‬
‫املدرس ي‪ ،‬وديناميكية الجماعات‪ ،‬ومشروع املؤسسة‪ ،‬والشراكة التربوية‪ ،‬والتوجيه التربوي‪ ،‬واملسالك املهنية‪،‬‬
‫وديمقراطية التعليم‪ ،‬وتفاعالت املدرسة الداخلية والخارجية‪ ،‬وقضية الالمساواة الطبقية‪ ،‬واملدرسة وإلاعالم‪ ،‬أ ًو‬
‫موقف املدرسة من التحديات إلاعالمية للتلفزيون وألانترنيت‪ ،‬والتفاعل التربوي داخل املؤسسة أ ًو الفصل‬
‫الدراس ي‪ ،‬وطبيعة العالقة بين املدرسة وألاسرة‪ ،‬وقضية الانتماء الاجتماعي‪ ،‬والتحصيل الدراس ي‪ ،‬والنجاح‬
‫املدرس ي؛ ًومنه فأن مجال علم الاجتماع املدرس ي هو رصد التحول الذي ينتاب الفرد‪ ،‬وه ًو ينتقل من كائن بيولوجي‬
‫غريزي إلى كائن بيولوجي إنساني وثقافي‪ ،‬ومن ثم فعلم الاجتماع التربوي مجال واسع ورحب‪ ،‬ومتعدد املواضيع‬
‫والقضايا‪ ،‬وأن املدرسة مجتمع مصغر‪ .‬وبالتالي‪ ،‬تزخر بكثير من الظواهر واملجتمعية التي تنقلها من املحيط الذي‬
‫يحوم بها‪ً .‬‬

‫‪ 1‬أحمد أوزي‪ :‬املعجم املوسوعي لعلوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة ألاولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪ً .167‬‬
‫‪12‬‬ ‫األستاذ‪ :‬د حميد نعيمي‬
‫علوم التربية‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين ‪-‬وجدة‪-‬‬

‫وعلى العموم‪ ،‬تهتم سوسيولوجيا التربية بدراسة ألانظمة التربوية في عالقتها باملجتمع‪ ،‬وتبيان دورها في‬
‫التغيير الاجتماعي‪ ،‬والسيما أن التربية تسعى إلى تحويل كائن غير اجتماعي ليصبح كائنا اجتماعيا‪ 2‬ومن ثم‪،‬‬
‫فسوسيولوجيا التربية مفهوم عام يدرس مختلف ألانشطة إلانسانية‪ ،‬وخاصة التربوية منها؛ وإذا كانت‬
‫سوسيولوجيا التربية تدرس الظواهر املدرسية‪ ،‬فلها أيضا عالقة وثيقة باألسرة والسياسة والاقتصاد‪ .‬ويعني هذا‬
‫أنها تدرس ما يتعلق بالتربية بالتركيز على ثالثة عناصر رئيسة هي‪:‬‬
‫▪ مداخل التربية (املتمدرسون‪ ،‬و رجال التعليم‪ ،‬و أطر إلادارة‪ ،‬وآلاباء‪ ،‬واملقررون‪ ،‬واملفتشونً)‪ً ،...‬‬
‫▪ وآلياتها البيداغوجية والديدكتيكية والسوسيولوجية‪ً ،‬‬
‫▪ ومخارجها (التقويم‪ ،‬والانتقاء)‪ً ...‬‬
‫التنشئة الاجتماعية ودور الفاعلين الاجتماعيين بها‪:‬‬
‫يقصد بالتنشئة الاجتماعية ‪ Socialisation‬عملية التطبيع الاجتماعي القائمة على التعلم والتعليم والتربية‬
‫والتهذيب‪ ،‬وتقوم على التفاعل الاجتماعي‪ ،‬وتمثل مجموعة من القيم واملعايير واملثل من أجل التوافق النسبي مع‬
‫املجتمع‪ ،‬والاندماج في مؤسساته تكيفا وتأقلما ومسايرة‪ .‬ويعني هذا أن التنشئة الاجتماعية هي التي تهدف إلى‬
‫"إكساب الفرد طفال فمراهقا فراشدا فشيخا سلوكا ومعايير واتجاهات مناسبة ألدوار اجتماعية معينة تمكنه من‬
‫مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها‪ ،‬وتكسبه الطابع الاجتماعي‪ ،‬وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية"‪ً 3.‬‬
‫إن التنشئة الاجتماعية عملية نمو؛ إذ ينتقل إلانسان من كائن بيولوجي‪ ،‬يهتم بتحقيق غرائزه وشهواته‬
‫وميوله وحاجياته‪ ،‬إلى كائن مجتمعي وثقافي يتحكم بالعقل في سلوكه‪ ،‬ويعتمد على نفسه في حل مشاكله‪ ،‬أضف‬
‫إلى ذلك أن التنشئة الاجتماعية عملية مستمرة دينامية‪ .‬وتحيل الدينامية على مختلف العالقات التفاعلية التي‬
‫يجريها الفرد مع آلاخرين ضمن البنية املجتمعية‪ً .‬‬
‫كما أن هذه التنشئة سلسلة من التحوالت املتتابعة واملتعاقبة تصل حتى سن الشيخوخة‪.‬‬
‫ثم هي عملية تعلم اجتماعي عبر مجموعة من ألادوار واملواقف والوضعيات املتعددة‪ ،‬فيكتسب الفرد‬
‫مجموعة من الخبرات والتجارب والاتجاهات النفسية‪ ،‬وغالبا ما نقصد كل تعلم ذي طابع مجتمعي يحضر فيه‬
‫آلاخرون‪ً .‬‬
‫وثمة مجموعة من العوامل التي تتحكم في التنشئة الاجتماعية‪ ،‬وأثرها الكبير في نمو شخصية الفرد‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫العوامل الوراثية‪ ،‬والهرمونات التي تفرزها الغدد الصماء‪ ،‬والتغذية‪ ،‬وعوامل البيئة الاجتماعية‪ ،‬وعوامل أخرى‬
‫ثانوية‪ ،‬مثل‪ :‬أعمار الوالدين‪ ،‬واملرض والحوادث‪ ،‬والانفعاالت الحادة‪ ،‬والوالدة املبكرة‪ ،‬وعوامل املناخ والطقس‬
‫والساللة‪ ،4‬بيد أن هناك عوامل أكثر نفاذا وتأثيرا في عمليات التنشئة الاجتماعية‪ ،‬وهي‪ :‬ثقافة املجتمع‪ ،‬وألاسرة‪،‬‬
‫واملدرسة‪ ،‬وجماعة ألاقران والرفاق‪ ،‬ووسائل إلاعالم والحاسوب والكتب واملجالت والصحف‪ ،‬واملؤسسات‬
‫الاجتماعية‪ ،‬والوحدات الاجتماعية والجماعات التي ينتمي إليها الفرد‪ ،‬ويرتبط بها ارتباطا وثيقا‪ ،‬ولها تأثيرها املباشر‬

‫‪2‬‬ ‫‪-Mohamed Cherkaoui : Sociologie de l’éducation, PUF, Paris, France, 1 édition 1986, p.68‬‬
‫‪ 3‬محمد ياسر الخواجة وحسين الدريني‪ :‬املعجم املوجز في علم الاجتماع‪ ،‬مصر العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة ألاولى سنة ‪2011‬م‪،‬‬
‫ص‪ً .89‬‬
‫‪ 4‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬علم النفس الاجتماعي‪ ،‬ص‪ً 113 :‬‬
‫‪13‬‬ ‫األستاذ‪ :‬د حميد نعيمي‬
‫علوم التربية‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين ‪-‬وجدة‪-‬‬

‫في سلوكه الاجتماعي‪ ،5‬ومن أهم الذين دافعوا عن وظيفة التنشئة الاجتماعية إميل دوركايم وبيير بورديو على‬
‫أساس إدماج الفرد داخل املجتمع ليتأقلم مع وضعياته املجتمعية‪ ،‬ويحترم عاداته وأعرافه وقوانينه وتشريعاته‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك نقل قيم ألاجداد وآلاباء إلى ألابناء ضمن جدلية املاض ي والحاضر‪ ،‬وإعادة إلانتاج نفسه‪ً .‬‬
‫سوسيولوجيا املؤسسة التعليمية وتفاعالتها مع املحيط‪:‬‬
‫املدرسة نظام من العالقات التربوية والاجتماعية‪ ،‬أو نظام من التفاعالت النفسية والاجتماعية قائمة‪،‬‬
‫إما على مشاعر املودة واملحبة والصداقة والتعاون والتضامن‪ ،‬وإما مبنية على مشاعر الحقد والحسد والكراهية‬
‫والنبذ والنفور والحقد الطبقي والاجتماعي؛ ويعني هذا أن هذه العالقات خاضعة لثنائية الانجذاب أو النفورً‪ً .‬‬
‫ويعني هذا أن املدرسة مؤسسة تعليمية وتربوية تقوم بعملية التكوين‪ ،‬والتأطير‪ ،‬والتأهيل‪ ،‬والتهذيب‬
‫ألاخالقي‪ ،‬بغية تكوين مواطن صالح نافع ألسرته ووطنه وأمته وإلانسانية جمعاء‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تستند املدرسة التربوية إلى مجموعة من الوظائف ألاساسية التي يمكن حصرها في الوظائف‬
‫التالية‪ً :‬‬
‫وظيفة التطبيع والتنشئة الاجتماعية‪ :‬بغية "إكساب الفرد (طفال فمراهقا فراشدا فشيخا)‬ ‫▪‬
‫الاجتماعي‬ ‫سلوكا ومعايير واتجاهات مناسبة ألدوار اجتماعية معينة تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق ً‬
‫معها‪ ،‬وتكسبه الطابع الاجتماعي‪ ،‬وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية"‪ً 6.‬‬
‫إلاعالم والتكوين والتأهيل‪ :‬ف ًال تقتصر املدرسة على نقل القيم ألاخالقية فحسب‪،‬‬ ‫وظيفة ً‬ ‫▪‬
‫بل تسعى جاهدة إلى تأهيل املتعلم معرفيا وذهنيا ووجدانيا وحسيا‪-‬حركيا؛ كما تسهم في توعيته وتنويره‬
‫ثقافيا وأخالقيا وتربويا وعلميا وأدبيا وفنيا وتقنيا‪ ،‬أو توعيته وطنيا أو قوميا‪.‬‬
‫وظيفة التغيير املجتمعي‪ :‬ف ًال تقف املدرسة عند وظيفة املحافظة على إرث ألاجداد فقط‪،‬‬ ‫▪‬
‫بل تسهم في تغيير املجتمع كليا أ ًو جزئيا؛ وفي هذا النطاق‪ ،‬يمكن الحديث عن ثالث مدارس‪ :‬مدرسة تغير‬
‫املجتمع كما في اليابان‪ ،‬ومدرسة يغيرها املجتمع كما في دول العالم الثالث‪ ،‬ومدرسة تتغير مع تغير املجتمع‬
‫كما هو حال املدرسة في الدول الغربية‪ً .‬‬
‫الوظيفة إلايديولوجية‪ :‬تعتبر املدرسة‪ ،‬في منظور لوي ألتوسير جهازا إيديولوجيا قمعيا‪.‬‬ ‫▪‬
‫بمعنى أن املدرسة مؤسسة عامة تعبر عن توجهات الدولة وتطلعاتها السياسية وأهدافها إلايديولوجية‪،‬‬
‫عبر مناهجها وبرامجها ومقرراتها ومحتوياتها الدراسية‪ ،‬ومن ثم فهي تعبر عن مصالح الطبقة الحاكمة‪،‬‬ ‫ً‬
‫وتكرس ثوابتها وأفكارها وطموحاتها‪ً .‬‬

‫‪ 5‬نفسه‪ ،‬ص‪ً .117‬‬


‫‪ 6‬محمد ياسر الخواجة وحسين الدريني‪ :‬املعجم املوجز في علم الاجتماع‪ ،‬مصر العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة ألاولى سنة ‪2011‬م‪،‬‬
‫ص‪ً .89‬‬
‫‪14‬‬ ‫األستاذ‪ :‬د حميد نعيمي‬

You might also like