علوم التربية5
علوم التربية5
-أنها عملية إنسانيةً:فهي تختص باإلنسان ،وإلانسان مهنته التربية ،فهي تخص إلانسان ألنه هو املربي ،وهي تنظر
إليه على أنه خليفة هللا في ألارض ،والذي فضلهًوكرمه على سائر مخلوقاته.
-أنها عملية مستمرة :التربية تستمر باستمرار حياة إلانسان ،فهو يطورها ويتطور بهاًويتفاعل معها بحسب
مستجدات ومتطلبات الحياة نفسها.
علوم التربية :تعريفها ،حقولها ،تكاملها
إن الظاهرة التربوية فعالية إنسانية تتداخل فيها عناصر عدة :بيولوجية ،وسيكولوجية ،وسوسيولوجية،
واقتصادية...أي يتداخل فيها كل ما هو ذاتي مرتبط بالفرد نفسه ،وما هو موضوعي يرتبط باملؤسسات ،والشروط
العامة ،والخاصة التي تمارس في إطارها عملية التربية .وهذا ما يستلزم بالطبع تسخير مقاربات علمية عديدة،
تختص كل واحدة منها بجانب أو جوانب من الظاهرة املدروسة ،وهو ما استوجب خلق علوم للتربية .فما املقصود
بعلوم التربية؟ وماهي التصنيفات التي اقترحت بخصوصها؟ ً
مقاربة تعريفية لعلوم التربية
تتعدد تصنيفات علوم التربية بتعدد املرجعيات الفكرية والنظرية املؤطر لها ،وحتى إن وجد تصنيف واحد،
فإنه لن يصمد أمام دينامية الظاهرة التربوية التي تعرف يوما بعد يوم تطورا وتغيرا ملحوظين .بيد أنه يمكن
الاستئناس بالتصنيف ألاخير الذي اقترحه غاستون مياالري لعلوم التربية سنة ،1984باعتباره تصنيفا ذا أهمية
يستجيب للتطورات التي عرفها البحث العلمي في مجال التربية.
ويعرف مياالري علوم التربية باعتبارها
"مجموعة من املواد التي تدرس شروط وجود
الوضعيات التربوية ،واشتغالها وتطورها".
وحسب مياالري دائما فالوضعية التربوية
هي السياق الذي ينشأ داخله النشاط التربوي
وتتميز بالخصائص التالية:
-تشترط وجود شخصين على ألاقل.
-توجد في أماكن مختلفة :ألاسرة ،املدرسة ،الشارع...
-قد تكون قارة دائمة أو عابرة وظرفيةً .
-تؤثر على شركائها وتأخذ منهم نشاطا معين.
يتضح من هذا التعريف أن الوضعية التربوية كإطار منظم للنشاط التربوي هي معطى جد معقد سواء
بالنظر إلى ما يجري داخلها من تفاعالت وأنشطة وعمليات ،أو بالنظر إلى العوامل الخارجية املؤثرة عليها ،ولذلك
فإن دراستها تتطلب البحث في الجوانب ألاساسية الثالثة آلاتية:
على املستوى ألاولً :تعنى علوم التربية بالبحث في شروط وجود الوضعية التربوية أي في العوامل والظروف
الخارجية املؤثرة عليها ،وهذه ألاخيرة نوعان:
-ظروف عامة :تهم النشاط التربوي ككل وتشمل املجتمع بخصائصه التاريخية والسياسية
والاقتصادية ،املقررات والبرامج العامة والتوجيهات الرسمية املتعلقة بكيفية تنفيذها ،الطرق والتقنيات
2 األستاذ :د حميد نعيمي
علوم التربية المدرسة العليا للتربية والتكوين -وجدة-
البيداغوجية العامة أو الرسمية ،القواعد العامة املعتمدة في بناء و تشييد املنشآت التربوية ،والنظام العام الخاص
بتوظيف وتكوين رجال التربية و التعليم.
-ظروف محلية :تهم العوامل واملحددات املحلية للوضعية التربوية وتشمل الوسط الصغير الذي
يحتضن املؤسسة التربوية (قرية -مدينة) ،املؤسسة التربوية ذاتها من حيث خصائصها و تجهيزاتها ،الفريق التربوي
العامل باملؤسسة من حيث انسجامه و كيفية عملهً .
ُ
على املستوى الثانيً :ت عنى علوم التربية بالبحث في أنماط اشتغال الوضعية التربوية ،أي البحث في الفعل
التربوي ذاته وفي العالقة التربوية ،والهدف من هذا البحث هو الوصول إلى فهم أفضل لسيرورة العملية التربوية
على ضوء ألاهداف املختارة ،ويقترح (مياالري) إطالق اسم "العلوم البيداغوجية" على الدراسات املتعلقة بهذا
املستوى وتشمل الفروع التالية - :فيزيولوجيا التربية -سيكولوجيا التربية -سيكوسوسيولوجيا التربية -علوم
الاتصال -علم التدريس -علم الطرائق والتقنيات البيداغوجية -علم الامتحانات والتقويم التربوي.
ُ
على املستوى الثالثً :تعنى علوم التربية بالبحث في إمكانيات تطوير الوضعية التربوية على ضوء معايير
وقيم محددة وتتميز الدراسات على هذا املستوى بطابعها التأملي فهي ال تعنى بدراسة الوضعية التربوية كما توجد
في الواقع بل كما ينبغي لها أن تكون في املستقبل وهذه العلوم هي" :فلسفة التربية -التخطيط التربوي -علم البرامج
والنماذجً .
العلوم املهتمة بالتربية
إذا كان من الصعب القيام بحصر شامل ومانع ودقيق ملختلف العلوم والحقول التي تنضوي تحت قائمة
علوم التربية ،فإنه على ألاقل يمكن تقديم تعريف عام لها من خالل إلاحاطة بمجموعة من الحقو ل العلمي منها:
أ -فيزيولوجيا التربية :تركز "فيزيولوجيا التربية" اهتمامها على العالقة القائمة بين مجموعة من الشروط
التي يرتبط أهمها :بالصحة والتغذية املتوازنة والنوم الكافي...وبين التعلم املدرس ي بالنسبة للطفل املتعلم ،طارحة
عددا من التساؤالت من قبيل :ما هي القوانين الفيزيول ًوجية املتحكمة في ألاساس البيولوجي لعملية النمو؟ كيف
تنمو إلايقاعات الحيوية (النوم ،اللعب ،الانتباه ،)...وما عالقتها بالتعلم املدرس ي؟ ما هي آلاثار التي تحدثها التغذية
على املستوى الكمي والنوعي في النمو املدرس ي للطفل؟
ب -سيكولوجيا التربية :تهتم سيكولوجيا التربية بمقاربة الظاهرة التربوية اعتمادا على أطروحات
السيكولوجيا بمختلف فروعها ،من خالل تناول كل ما هو ذو صبغة نفسية يرتبط بشخصية الطفل :قضايا النمو
النفس ي بجوانبه املختلفة في عالقتها بالتربية ،التعلم وطرائقه ومحتوياته وأشكال تقويمه...وبعبارة أدق ،كل موقف
تربوي يكون الطفل العنصر املستهدف فيه بشكل مباشر أو غير مباشر. ً
ج-سوسيولوجيا التربية :وهي حقل يهتم بمقاربة الظاهرة التربوية مقاربة تعتمد على القواعد املنهجية
للسوسيولوجيا في دراسة وتحليل الظروف واملالبسات الاجتماعية املحيطة أو املؤطرة للموقف التربوي ،فتهتم
نتيجة لذلك بعدد من املوضوعات السوسيوتربوية في مقدمتها:
-دراسة ألانظمة التعليمية وتحليلها -التنظيم املدرس ي وعالقته بسوق الشغل -البحث في ألاصل
الاجتماعي للمتعلم وعالقته بتحصيله الدراس ي -الفشل الدراس ي.
د-سيكوسوسيولوجيا التربية :تعتبر سيكوسوسيولوجيا التربية مقاربة ترتكز على التفاعل بين ما هو نفس ي
وما هو اجتماعي ،مقاربة ما ينتج عن تفاعل ألافراد داخل الجماعات التربوية الصغيرة كجماعة الفصل الدراس ي،
وما يترتب عن ذلك من آثار إيجابية أو سلبية على مناخ الجماعة ،ومن خالله على مستوى التعلم والتحصيل؛ ومن
املحاور الرئيسة التي يختص بها هذا الحقل نذكر :دينامية الجماعة (خاصة جماعة القسم) ،التواصل التربوي..
ه -فلسفة التربية :تعد فلسفة التربية مقاربة للظاهرة التربوية برمتها مقاربة فلسفية محضة ،أي أن
اهتمامها يكمن في وضع التربية في شموليتها موضوع تساؤل كبير :ماهيتها ،طبيعتها ،إمكاناتها ،غاياتها...وعالقة كل
ذلك بالفلسفة العامة للمجتمع؛ و نظرا للدور التوجيهي لفلسفة التربية ،فهي تعد بمثابة الخيط الناظم الذي
يؤلف مختلف علوم التربية بما يجعلها تسير جميعها في خط عام مشترك ال يحيد عن التوجه العام لفلسفة
املجتمع.
تصنيف مياالريً ً
ً
تكامل علوم التربية
إن علوم التربية تمتاز بخاصية التكامل فيما بينها حيث إنها تعمل متظافرة في معالجة الفعل
التربوي ،فكل علم منها يغطي زاوية ومجاال من التربية ،لذا ينبغي استحضارها في مجموعها وتكاملها وخدمة
بعضها لبعض ،وفي هذا السياق يعرف أفنيزيني علوم التربية بأنها "هو جمع إسهامات العلوم وتوظيف
تنوع إضافتها وحملها على فهم الظاهرة التربوية ،وال يعني ذلك تصفيف العلوم جنبا إلى جنب ،بل الانتقال
من تعداد الاختصاصات إلى تداخلها وتفاعلها للنفاذ إلى جوهرها"ً .
-أمونحتب :تعزيز التعليم الديني -تعليم الكتابة والهندسة -تركز على إعداد ألافراد
والتدريب على الطقوس. والحساب والعلوم الدينية. لخدمة املجتمع امللكي
والوظائف الدينية.
-التعليم في ألاديرة
-ركزت على التعليم الديني
-توما ألاكويني :أسس دمج التعليم والكنائس .
والقيم املسيحية . التربية في
الفلسفي مع الدين. -تعليم العقائد املسيحية
-تهدف إلى توجيه الفرد أوروبا
-أوغسطينوس :طرح فكرة التربية والعلوم الالهوتية .
لخدمة الكنيسة واملجتمع املسيحية
لتحسين الروح والفضيلة. -الاعتماد على الكتاب
املسيحي.
املقدس.
-ابن سينا :تطوير العلوم الطبية
والفلسفيةً .
-الفارابي [املعلم الثاني] :وضع تصور -التعليم في املساجد
-تهدف إلى تعليم القيم
شامل للتربية التي تنطلق من والكتاتيب واملدارس .
إلاسالمية وتنمية العلوم التربية في
الفلسفة وألاخالق والعقل ،وتهدف -تعليم القرآن ،الحديث،
العقلية . الفكر
إلى تحقيق الفضيلة وخدمة املجتمع. الفقه ،والفلسفة .
-تشمل العلوم الدينية إلاسالمي
-الغزالي :الاهتمام باألخالق وتربية -الاهتمام بالعلوم الطبية
النفس. والعقلية والتجريبية.
والعلمية.
-ابن خلدون :التربية كعامل للتطور
الاجتماعي.
-جون ديوي :التربية التقدمية
-التعليم التجريبي واملناهج
والتعليم من خالل التجربة . -التركيز على الفردية وتنمية
الحديثة التي تعتمد على التربية في
-روسو :التربية الطبيعية وحرية القدرات الشخصية .
النشاط واملشاركة . العصر
الطفل. -إعداد ألافراد ملواجهة
-دمج التكنولوجيا وطرق الحديث
-كانط :التربية ألاخالقية املستندة تحديات الحياة العصرية.
التعلم الحديثة.
إلى الواجب.
خاتمة
ُ
تعتبر محطات الفكر التربوي بمثابة خطوات حاسمة في رحلة تطوير التعليم وتشكيل العقول على مر
العصور .من خالل استكشافنا لتاريخ التربية ،نجد أن كل حضارة أضافت رؤى جديدة تتناسب مع قيمها
ُ
واحتياجاتها الاجتماعية؛ ًوتظهر هذه املحطات كيف يمكن للفكر التربوي أن يتطور ويتكيف مع التغيرات الثقافية
ً ً
مسلطا الضوء على أهمية التعليم في بناء مجتمعات أكثر ً
وتقدما .إن دراسة محطات الفكر وعيا والاجتماعية،
التربوي تمنحنا رؤية شاملة لفهم دور التربية في تشكيل ألافراد واملجتمعات ،مما يسهم في بناء مستقبل أفضل
لألجيال القادمةً .
6 األستاذ :د حميد نعيمي
علوم التربية المدرسة العليا للتربية والتكوين -وجدة-
الخالصة
تمثل الاتجاهات ألاربعة في فلسفة التربية رؤى متنوعة تعكس تصورات مختلفة حول طبيعة املعرفة ودور
التربية؛ ًويقدم الاتجاه املثالي رؤية تركز على املبادئ الثابتة والقيم الروحية ،بينما يركز الاتجاه الطبيعي على تلبية
وفقا لطبيعته الفطرية .يفضل الاتجاه التجريبي التجربة العملية كأساس للمعرفة ،في حين احتياجات الطفل ً
يسعى الاتجاه البراغماتي إلى تحقيق جدوى عملية من خالل التعليم .ورغم التباين بين هذه الاتجاهات ،إال أنها
جميعا تسهم في إثراء الفكر التربوي ،حيث يمكن دمج عناصر من كل اتجاه في برامج تعليمية شاملة تعزز من تطور ً
ألافراد بشكل متواز ًنً .
إيفان بافلوف
-تقليل السلوكيات استجابة
السلبية من خالل مشروطة، بمجرد سماع صوت الجرس ،حتى دون الشرطي
الربط مع نتائج غير التركيز على وجود الطعام .هذا يظهر كيف يمكن
للمحفزات المصطنعة (الجرس) أن تثير الكالسيكي
مرغوبة. التفاعل بين
المحفز استجابة طبيعية (سيالن اللعاب) عندما
واالستجابة. ترتبط بشكل متكرر مع محفز طبيعي
-إهمال (الطعام).
الجوانب
-برامج التعلم تجربة صندوق سكينر :وضع سكينر فأرا يركز على تأثير
الداخلية
الفردي القائم على التعزيز داخل صندوق يحتوي على زر ورافعة،
للتعلم (مثل
التعزيز. (اإليجابي عندما يضغط الفأر على الزر ،يتم تقديم
التفكير التعلم
-تشجيع السلوك الطعام كتعزيز إيجابي ،مما يزيد من والسلبي) في
ب.ف .سكينر
والدوافع).
اإليجابي باستخدام تشكيل السلوك، احتمالية تكرار السلوك. الشرطي
-يُعتبر
المكافآت. حيث يُعزز في حاالت أخرى ،استخدم سكينر تعزيزا
التعليم أداة إلاجرائي
-نظام الحوافز السلوك سلبيا (مثل الصدمات الكهربائية) لتجنب
تكرار فقط.
والعقوبات في المرغوب ويقلل السلوكيات غير المرغوبة.
السلوكية
-يركز
المدارس. هذه التجربة توضح أهمية التحكم في من السلوك غير
على الحفظ
المرغوب. البيئة المحيطة للتأثير على السلوك.
أكثر من
يعتمد على قانون
-التعليم القائم على الفهم. تجربة القط وصندوق األلغاز :وضع
األثر ،الذي ينص
التكرار والمحاولة- .يؤدي إلى ثورندايك قطة داخل صندوق مغلق
على أن السلوك
-تشجيع الطالب تعلم سطحي ووضع الطعام خارج الصندوق .كانت
إدوارد ثورندايك
وليس
الذي يؤدي إلى التعلم
على حل المسائل القطة تحاول فتح الصندوق بطرق
نتيجة مرغوبة باملحاولة
عميقا. عبر التجريب عشوائية حتى اكتشفت كيفية الخروج.
أكثر يكون
-ال يشجع والخطأ. بعد عدة محاوالت ،أصبحت القطة قادرة والخطأ
احتماال للتكرار،
-تمارين التفكير على التفكير على تكرار السلوك الصحيح بشكل
يتراجع بينما
النقدي النقدي عبر أسرع؛ توضح التجربة كيف يؤثر التكرار
السلوك المرتبط
المحاولة والتحليل .واإلبداعي. والمكافأة على تعلم السلوك.
بنتائج سلبية
-تطبيقات العالج تجربة ألبرت الصغير :قام واطسون
بإجراء تجربة على طفل يُدعى ألبرت ،يعتمد على تطبيق
السلوكي للحد من
حيث عرض له فأرا أبيض ثم أتبعه مبادئ الشرطية التعلم
الخوف والقلق.
بالتكييف
جون واطسون
جان بياجيه
-يتطلب تدريبا مكثفا التجارب والمالحظة الذاتية . البنائية
بناء نشط للمعرفة،
للمعلمين. -استخدام األنشطة التفاعلية لبناء
دور المتعلم كمشارك
-الوقت الطويل المطلوب المعرفة.
نشط ،االهتمام بتطور
للتعلم البناء. -تمكين الطالب من طرح األسئلة
مراحل التعلم.
والبحث عن اإلجابات.
-صعوبة تطبيقها مع التأكيد على تأثير
-التعلم الجماعي والتعاوني .
الطالب االنطوائيين . التفاعل االجتماعي
-العمل على المشاريع في
-يعتمد على توفر بيئة في التعلم ،المنطقة
ليف فيغوتسكي
مجموعات صغيرة .
داعمة ومشتركة . القريبة للتطور ،دور السوسيوبنائية
-استخدام حوارات الصف لتعزيز
-يحتاج إلى تفاعل مستمر المساعدة االجتماعية
الفهم .
بين المعلم والطالب. والتوجيه في تعلم
-التفاعل مع الخبراء أو الطالب
-يتطلب توجيها دقيقا من المتعلمين ،دور اللغة
المتقدمين لتحسين مستوى األداء.
قبل المعلم. والتفاعل في التعلم.
-التركيز الزائد على
جان بياجيه ،جيروم برونر ،روبرت
املعرفية
-عدم االهتمام الكبير واالستيعاب. من خالل تنظيم
بالجانب االجتماعي -تعزيز مهارات التفكير النقدي المعلومات وتخزينها
للتعلم. والتحليلي. واسترجاعها ،أهمية
-يحتاج إلى موارد ومواد الفهم العميق.
تعليمية متطورة.
خاتمة
بالتأكيد على أن عملية التعلم معقدة ومتعددة ألابعاد ،وأنه ال توجد نظرية واحدة كافية لتفسير جميع
جوانبها ،وينصح باالعتماد على مزيج من النظريات وتطبيقها ً
بناء على السياق واملتعلمً .
1أحمد أوزي :املعجم املوسوعي لعلوم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة ألاولى سنة 2006م ،صً .167
12 األستاذ :د حميد نعيمي
علوم التربية المدرسة العليا للتربية والتكوين -وجدة-
وعلى العموم ،تهتم سوسيولوجيا التربية بدراسة ألانظمة التربوية في عالقتها باملجتمع ،وتبيان دورها في
التغيير الاجتماعي ،والسيما أن التربية تسعى إلى تحويل كائن غير اجتماعي ليصبح كائنا اجتماعيا 2ومن ثم،
فسوسيولوجيا التربية مفهوم عام يدرس مختلف ألانشطة إلانسانية ،وخاصة التربوية منها؛ وإذا كانت
سوسيولوجيا التربية تدرس الظواهر املدرسية ،فلها أيضا عالقة وثيقة باألسرة والسياسة والاقتصاد .ويعني هذا
أنها تدرس ما يتعلق بالتربية بالتركيز على ثالثة عناصر رئيسة هي:
▪ مداخل التربية (املتمدرسون ،و رجال التعليم ،و أطر إلادارة ،وآلاباء ،واملقررون ،واملفتشونً)ً ،...
▪ وآلياتها البيداغوجية والديدكتيكية والسوسيولوجيةً ،
▪ ومخارجها (التقويم ،والانتقاء)ً ...
التنشئة الاجتماعية ودور الفاعلين الاجتماعيين بها:
يقصد بالتنشئة الاجتماعية Socialisationعملية التطبيع الاجتماعي القائمة على التعلم والتعليم والتربية
والتهذيب ،وتقوم على التفاعل الاجتماعي ،وتمثل مجموعة من القيم واملعايير واملثل من أجل التوافق النسبي مع
املجتمع ،والاندماج في مؤسساته تكيفا وتأقلما ومسايرة .ويعني هذا أن التنشئة الاجتماعية هي التي تهدف إلى
"إكساب الفرد طفال فمراهقا فراشدا فشيخا سلوكا ومعايير واتجاهات مناسبة ألدوار اجتماعية معينة تمكنه من
مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها ،وتكسبه الطابع الاجتماعي ،وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية"ً 3.
إن التنشئة الاجتماعية عملية نمو؛ إذ ينتقل إلانسان من كائن بيولوجي ،يهتم بتحقيق غرائزه وشهواته
وميوله وحاجياته ،إلى كائن مجتمعي وثقافي يتحكم بالعقل في سلوكه ،ويعتمد على نفسه في حل مشاكله ،أضف
إلى ذلك أن التنشئة الاجتماعية عملية مستمرة دينامية .وتحيل الدينامية على مختلف العالقات التفاعلية التي
يجريها الفرد مع آلاخرين ضمن البنية املجتمعيةً .
كما أن هذه التنشئة سلسلة من التحوالت املتتابعة واملتعاقبة تصل حتى سن الشيخوخة.
ثم هي عملية تعلم اجتماعي عبر مجموعة من ألادوار واملواقف والوضعيات املتعددة ،فيكتسب الفرد
مجموعة من الخبرات والتجارب والاتجاهات النفسية ،وغالبا ما نقصد كل تعلم ذي طابع مجتمعي يحضر فيه
آلاخرونً .
وثمة مجموعة من العوامل التي تتحكم في التنشئة الاجتماعية ،وأثرها الكبير في نمو شخصية الفرد ،مثل:
العوامل الوراثية ،والهرمونات التي تفرزها الغدد الصماء ،والتغذية ،وعوامل البيئة الاجتماعية ،وعوامل أخرى
ثانوية ،مثل :أعمار الوالدين ،واملرض والحوادث ،والانفعاالت الحادة ،والوالدة املبكرة ،وعوامل املناخ والطقس
والساللة ،4بيد أن هناك عوامل أكثر نفاذا وتأثيرا في عمليات التنشئة الاجتماعية ،وهي :ثقافة املجتمع ،وألاسرة،
واملدرسة ،وجماعة ألاقران والرفاق ،ووسائل إلاعالم والحاسوب والكتب واملجالت والصحف ،واملؤسسات
الاجتماعية ،والوحدات الاجتماعية والجماعات التي ينتمي إليها الفرد ،ويرتبط بها ارتباطا وثيقا ،ولها تأثيرها املباشر
2 -Mohamed Cherkaoui : Sociologie de l’éducation, PUF, Paris, France, 1 édition 1986, p.68
3محمد ياسر الخواجة وحسين الدريني :املعجم املوجز في علم الاجتماع ،مصر العربية للنشر والتوزيع ،القاهرة ،مصر ،الطبعة ألاولى سنة 2011م،
صً .89
4خليل ميخائيل معوض :علم النفس الاجتماعي ،صً 113 :
13 األستاذ :د حميد نعيمي
علوم التربية المدرسة العليا للتربية والتكوين -وجدة-
في سلوكه الاجتماعي ،5ومن أهم الذين دافعوا عن وظيفة التنشئة الاجتماعية إميل دوركايم وبيير بورديو على
أساس إدماج الفرد داخل املجتمع ليتأقلم مع وضعياته املجتمعية ،ويحترم عاداته وأعرافه وقوانينه وتشريعاته.
أضف إلى ذلك نقل قيم ألاجداد وآلاباء إلى ألابناء ضمن جدلية املاض ي والحاضر ،وإعادة إلانتاج نفسهً .
سوسيولوجيا املؤسسة التعليمية وتفاعالتها مع املحيط:
املدرسة نظام من العالقات التربوية والاجتماعية ،أو نظام من التفاعالت النفسية والاجتماعية قائمة،
إما على مشاعر املودة واملحبة والصداقة والتعاون والتضامن ،وإما مبنية على مشاعر الحقد والحسد والكراهية
والنبذ والنفور والحقد الطبقي والاجتماعي؛ ويعني هذا أن هذه العالقات خاضعة لثنائية الانجذاب أو النفورًً .
ويعني هذا أن املدرسة مؤسسة تعليمية وتربوية تقوم بعملية التكوين ،والتأطير ،والتأهيل ،والتهذيب
ألاخالقي ،بغية تكوين مواطن صالح نافع ألسرته ووطنه وأمته وإلانسانية جمعاء.
وعليه ،تستند املدرسة التربوية إلى مجموعة من الوظائف ألاساسية التي يمكن حصرها في الوظائف
التاليةً :
وظيفة التطبيع والتنشئة الاجتماعية :بغية "إكساب الفرد (طفال فمراهقا فراشدا فشيخا) ▪
الاجتماعي سلوكا ومعايير واتجاهات مناسبة ألدوار اجتماعية معينة تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق ً
معها ،وتكسبه الطابع الاجتماعي ،وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية"ً 6.
إلاعالم والتكوين والتأهيل :ف ًال تقتصر املدرسة على نقل القيم ألاخالقية فحسب، وظيفة ً ▪
بل تسعى جاهدة إلى تأهيل املتعلم معرفيا وذهنيا ووجدانيا وحسيا-حركيا؛ كما تسهم في توعيته وتنويره
ثقافيا وأخالقيا وتربويا وعلميا وأدبيا وفنيا وتقنيا ،أو توعيته وطنيا أو قوميا.
وظيفة التغيير املجتمعي :ف ًال تقف املدرسة عند وظيفة املحافظة على إرث ألاجداد فقط، ▪
بل تسهم في تغيير املجتمع كليا أ ًو جزئيا؛ وفي هذا النطاق ،يمكن الحديث عن ثالث مدارس :مدرسة تغير
املجتمع كما في اليابان ،ومدرسة يغيرها املجتمع كما في دول العالم الثالث ،ومدرسة تتغير مع تغير املجتمع
كما هو حال املدرسة في الدول الغربيةً .
الوظيفة إلايديولوجية :تعتبر املدرسة ،في منظور لوي ألتوسير جهازا إيديولوجيا قمعيا. ▪
بمعنى أن املدرسة مؤسسة عامة تعبر عن توجهات الدولة وتطلعاتها السياسية وأهدافها إلايديولوجية،
عبر مناهجها وبرامجها ومقرراتها ومحتوياتها الدراسية ،ومن ثم فهي تعبر عن مصالح الطبقة الحاكمة، ً
وتكرس ثوابتها وأفكارها وطموحاتهاً .