0% found this document useful (0 votes)
26 views13 pages

الدين والتهكم عند كيركيغارد.

تتناول الوثيقة مسألة الدين والتهكم عند سورين كيركيغارد، حيث ينتقد التدين الزائف الذي يسلب الإنسان إنسانيته. تشير إلى أهمية الدين كظاهرة اجتماعية وتأثيره على سلوكيات الأفراد، وتستعرض آراء فلسفية مختلفة حول الدين من فلاسفة مثل سبينوزا وكانط وهيغل. تسلط الضوء على التباين في التعريفات والممارسات الدينية وتأثيرها على المجتمعات.

Uploaded by

kilwzoldi
Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
0% found this document useful (0 votes)
26 views13 pages

الدين والتهكم عند كيركيغارد.

تتناول الوثيقة مسألة الدين والتهكم عند سورين كيركيغارد، حيث ينتقد التدين الزائف الذي يسلب الإنسان إنسانيته. تشير إلى أهمية الدين كظاهرة اجتماعية وتأثيره على سلوكيات الأفراد، وتستعرض آراء فلسفية مختلفة حول الدين من فلاسفة مثل سبينوزا وكانط وهيغل. تسلط الضوء على التباين في التعريفات والممارسات الدينية وتأثيرها على المجتمعات.

Uploaded by

kilwzoldi
Copyright
© © All Rights Reserved
We take content rights seriously. If you suspect this is your content, claim it here.
Available Formats
Download as PDF, TXT or read online on Scribd
You are on page 1/ 13

‫كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬ ‫مجلة متون‬ ‫جامعة سعيدة‬

‫‪ISSN: 1112-8518, EISSN: 2600-6200‬‬ ‫املجلد التاسع‪ /‬العدد الثالث سبتمبر ‪2017‬‬

‫الدين والتهكم عند كيركيغارد‪.‬‬


‫بن زينب شريف‬
‫طالب دكتوراه علوم‪ /‬جامعة وهران‪.2‬‬
‫تحت إشراف‪ :‬أ‪.‬د دراس شهرزاد‪/‬جامعة وهران‪.2‬‬

‫« إن ما أحتاج إليه هو التوافق مع ذاتي‪،‬بأن أجد حقيقة تكون صادقة بالنسبة لي‪،‬وأن أعثر على الفكرة التي‬
‫أعيش وأموت من أجلها»‪.‬‬
‫*سورين كيركيغارد‪.‬‬

‫ملخص‪:‬‬

‫تعترب املسألة الدينية من بني املسائل اليت فرضت حضورها وال تزال بقوة يف املشهد اليومي على مدار احلقب‬
‫التارخيية‪ ،‬كما أخذت حيزا من التفكري الفلسفي‪ ،‬فجاءت املواقف الفلسفية متباينة خبصوصه‪ .‬فكانت النصوص‬
‫املؤسسة مؤنسنة ‪ ،‬مما جعل التدين الزائف يفقد الدين روحه اخلالصة‪ ،‬يؤسس لالغرتاب أكثر ما يرسم معامل اخلالص‬
‫والسعادة املنشودة‪ .‬هلذا جند سورين كريكيغارد (‪ Søren Kierkegaard)1855 -1813‬حياول من خالل‬
‫استحضار التهكم السقراطي حياول نقد التدين الزائف املمارس من طرف املتدينني الذي سلبوا اإلنسان إنسانيته من‬
‫خالل استغالل الدين ألغراض شخصية‪.‬‬
‫كلمات مفتاحية‪:‬‬
‫الدين‪ ،‬التدين‪ ،‬التهكم‪ ،‬الوجود‪ ،‬اإلنسان‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬ ‫مجلة متون‬ ‫جامعة سعيدة‬
‫‪ISSN: 1112-8518, EISSN: 2600-6200‬‬ ‫املجلد التاسع‪ /‬العدد الثالث سبتمبر ‪2017‬‬
‫توطئة‪:‬‬

‫ال خيتلف اثنان َكو َن الدِّين ظاهرة إنسانية اجتماعية بامتياز‪ ،‬وإذا كان مبقدورنا الوقوف على جمتمعات غري‬
‫متدينة‪ ،‬فال ميكن العثور على جمتمع ُمتَديِّن من غري ِدين مع استحضار للمقدس‪ ،‬ومهما اختلفت طبيعة ِّ‬
‫الدين‬
‫املمارس من دين وضعي أو دين مرسل‪ ،‬فإن اجملتمعات املتدينة تقوم على اإلميان املشرتك باملقدس‪ ،‬وتروم من خالل‬
‫هذا اإلميان‪ ،‬محاية اإلنسان من االغرتاب الكوين‪ ،‬والقلق الوجودي الذي صاحب اإلنسان منذ ظهوره يف خضم هذا‬
‫الوجود املرتامي األطراف‪ ،‬كما يعمل الدين على محاية معتنقيه من العبثية والالمعىن‪ .‬كما أننا قد جند أديان عديدة‬
‫يف جمتمع واحد وهلذا « فإن الدين ليس شيئا يضاف إىل اجملتمع من خارجه‪ ،‬بل هو مؤسسة من مؤسساته ومكون من‬
‫مكوناته التارخيية»‪ 1‬وال يكون كل هذا إال من خالل ممارسة طقوسية إميانية روحية تستحضر قوة متعالية متمثلة يف‬
‫اإلله منبع الوحي والتشريع‪ .‬هلذا كثريا ما يطلق على اإلنسان أنه حيوان متدين‪ ،2‬كما مل يغب موضوع الدين والتدين‬
‫و املقدس عن الفلسفات القدمية واحلديثة‪ ،‬حيث بالكاد جند فيلسوف مل يتناول هذه املوضوعات إثباتا أو نفياً‪ .‬إن‬
‫قضايا الدين واإلميان واإلحلاد ووجود اإلله من عدمه‪ ،‬قضايا ال تزال حاضرة بقوة يف الفكر الفلسفي الغريب احلديث‬
‫واملعاصر‪ ،‬م ا جعل آراءهم تتباين وختتلف من فيلسوف إىل آخر‪ ،‬وتتعارض يف الكثري من األحيان مع مفهوم الكنيسة‬
‫باخلصوص‪ .‬مثال يعرتف باروخ سبينوزا(‪ Baruch Spinoza )1677-1632‬يف رسالة إىل صديقه هنري‬
‫أولدنربغ*(‪ Henry Oldenburg )1677-1619‬عن رأيه يف الدين وعن معتقده فيقول‪ «:‬إنين أعتنق رأياً‬
‫عن اإلله والطبيعة‪ ،‬خيتلف كل االختالف عن الرأي الذي يدافع عنه املسيحيون احملدثون‪ ،‬فأنا اعتقد أن اإلله هو‬
‫العلة الباطنية لألشياء مجيعا‪ ،‬ولكين ال أعتقد أنه العلة املتعدية‪ ...‬وأنا أقول‪ :‬إن كثرياً من الصفات اليت يرون‪ ،‬ويرى‬
‫مجيع اآلخرين الذين اعرفهم على األقل – إهنا من صفات اإلله‪ -‬أرى أهنا أشياء خملوقة‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن‬
‫األشياء اليت يرون أهنا خملوقة – بسبب حتيزاهتم‪ -‬أرى أهنا صفات لإلله‪ ،‬ولكن يسيؤون فهمها‪ ،‬وكذلك ال أستطيع‬

‫‪ -1‬وجيه قانصو‪ ،‬التعددية الدينية يف فلسفة جون هيك‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2007‬ص‪11.12‬‬
‫‪ -2‬جفري بارندر‪ ،‬املعتقدات الدينية لدى الشعوب‪ ،‬ترمجة إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬مكتبة مدبويل للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪ ،1996‬ص‪.11‬‬
‫* دبلوماسي وفيلسوف طبيعي والهويت أملاين ‪.‬كان أحد أبرز رجال االستخبارات يف أوروبا يف القرن السابع عشر‪ ،‬مع شبكة من‬
‫اجلواسيس تضم فابري دي بريسك ومارين مريسني وإمساعيل بوليو‪ .‬وعند تأسيس اجلمعية امللكية‪ ،‬توىل مسئولية املراسالت األجنبية‬
‫كسكرتري أول للجمعية‪.‬‬
‫‪137‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬ ‫مجلة متون‬ ‫جامعة سعيدة‬
‫‪ISSN: 1112-8518, EISSN: 2600-6200‬‬ ‫املجلد التاسع‪ /‬العدد الثالث سبتمبر ‪2017‬‬
‫أن أفصل اإلله عن الطبيعة على اإلطالق‪ ،‬وهذا ما فعله كل من أعرفهم»‪ ،1‬سبينوزا برسالته هذه يوضح فكرته اجتاه‬
‫اهلل إهنا مغايرة ملا هو سائد عند الغري فهي فكرة ذاتية جوانية نابعة عن قناعة شخصية وفهم ذايت للعامل واإلله‪،‬‬
‫فاالعتقاد ليس بالضرورة يكون مسايرا للكثرة قد تكون الغالبية على اعتقاد خاطئ‪ .‬أما اميانويل كانط(‪-1724‬‬
‫‪ Emmanuel Kant )1804‬يقدم صياغة ذات عمق فلسفي للدين‪ ،‬كانط الداعي إىل ضرورة حترر العقل‬
‫اإلنساين من قصوره الذايت الذي أغرق فيه ذاته‪ ،‬كان صرحيا يف دعوته إىل ضرورة إجياد حال فلسفياً وسطاً وصادقاً‬
‫للمنحة اليت عاشتها الثقافة الغربية يف شقها الديين‪ ،‬خصوصاً االعتقاد يف اهلل‪ ،‬معتقدات جعلت اجملتمعات تعاين من‬
‫أآلم وحمن‪ ،2‬هلذا ُحي ِّمل كتبه النقدية خاصة كتابيه" نقد العقل العملي" ‪La Critique de la pratique‬‬
‫‪ raison‬و " نقد العقل اخلالص" ‪ La Critique de la raison pure‬و كتاب " الدين يف حدود جمرد‬
‫العقل"‪ La Religion dans lilimets de la Raison‬نظرته ملفهوم اهلل والدين أو مكانة األخالق يف‬
‫الدين‪ ،‬حيث يقول‪ « :‬إمنا األخالق تقود على حنو ال بد منه حنو الدين‪ ...‬األخالق مؤسسة على مفهوم اإلنسان‪،‬‬
‫األخالق ال حتتاج أبدا فيما يتعلق بذاهتا إىل الدين‪ ...‬بل بفضل العقل احملض العملي هي مكتفية بذاهتا»‪.3‬‬
‫أما جورج فيلهلم فريدريش هيغل(‪Georg Wilhelm Friedrich )1831-1770‬‬
‫‪ Hegel‬يعرف اإلنسان وعالقته بالدين فيقول‪ «:‬هو وحده الذي ميكن أن يكون له دين‪ ،‬وأن احليوانات تفتقر إىل‬
‫الدين بقدر ما تفتقر إىل القانون واألخالق»‪ ،4‬وهنا يؤكد هيغل على فكرة ارتباطية الدين باإلنسان‪ ،‬كما ال تقتصر‬
‫دراسة الدين والتدين عند اإلنسان من طرف الفالسفة فقط‪ ،‬وإن كان املوضوع احملوري يف الفلسفة الدين‪ ،‬إال أن‬
‫املشتغلني يف شىت اجملاالت الفكرية األخرى يناقشون الدين من وجهات نظرهم املتباينة‪ ،‬هلذا يضيف هيغل فيقول‪«:‬‬
‫موضوعات الفلسفة هي نفسها‪ -‬بصفة عامة – موضوعات الدين‪ :‬فاملوضوع يف كليهما هواحلقيقة‪ ،‬ومها ينتقالن‬
‫بطريقة متشاهبة إىل معاجلة العاملني املتناهيني‪ :‬عامل الطبيعة والروح املتناهي‪ ،‬من حيث عالقة الواحد منهما باآلخر‬
‫ومن حيث عالقتهما باهلل بوصفه حقيقتهما»‪.5‬‬
‫تعريف الدين ‪:Religion‬‬

‫‪ -1‬جيمس كولينز‪ ،‬اهلل يف الفلسفة احلديثة‪ ،‬ترمجة فؤاد كامل‪ ،‬مكتبة غريب‪ ،‬القاهرة‪ ،1973 ،‬ص‪.103‬‬
‫‪ -2‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.230‬‬
‫‪ -3‬إمانويل كانط‪ ،‬الدين يف حدود جمرد العقل‪ ،‬جداول‪ ،‬بريوت‪ ،2012 ،‬ص‪.45-12‬‬
‫‪ -4‬هيغل‪ ،‬موسوعة العلوم الفلسفية‪ ،‬ترمجة إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬مكتبة مدبويل للنشر والتوزيع‪ ،‬ب ط‪ ،‬ب ت‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ -5‬هيغل‪ ،‬موسوعة العلوم الفلسفية‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪138‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬ ‫مجلة متون‬ ‫جامعة سعيدة‬
‫‪ISSN: 1112-8518, EISSN: 2600-6200‬‬ ‫املجلد التاسع‪ /‬العدد الثالث سبتمبر ‪2017‬‬
‫يعترب الدين الظاهرة االجتماعية األكثر حضورا عند اإلنسان‪ ،‬بل واألكثر تأثريا يف سلوكاته وحىت‬
‫حضارته اليت بناها‪ ،‬فالشعوب القدمية ممثلة يف الشعوب املستقرة املؤسسة ملفهوم العمران أو مرحتلة على شكل قبائل‪،‬‬
‫فكالمها أسس ملفهوم املمارسة الدينية ممثلة يف طقوس وعادات ونذور‪ .‬هلذا جند التباين يف التعريفات اليت قدمت‬
‫للدين ونورد منها على سبيل الذكر ال احلصر‪:‬‬
‫عرف أندريه الالند( ‪ André Lalande)1963-1876‬الدِّين على أنَّه « مؤسسة اجتماعية‬ ‫يُ ِّ‬
‫متميزة بوجود إيالف من األفراد املتحدين‪ )1( ،‬بأداء بعض العبادات املنتظمة وباعتماد بعض الصيغ‪ )2(،‬باالعتقاد‬
‫يف قيمة مطلقة‪ ،‬ال ميكن وضع شيء آخر يف كفة ميزاهنا‪ ،‬وهو اعتقاد هتدف اجلماعة إىل حفظه‪ )3(،‬بتنسيب الفرد‬
‫إىل قوة روحية أرفع من اإلنسان‪ ،‬وهذه ينظر إليها إما كقوة منتشرة‪ ،‬وإما كثرية‪ ،‬وإما وحيدة‪ ،‬هي اهلل »‪.1‬‬
‫يعلق الالند على تعريفه‪ ،‬أنه يتغاضى عن العنصر األساسي واخلصوصي يف وعي اإلنسان املتدين‪،‬‬
‫حيث أن هذا العنصر ليس موضوعا وال فكرة وال قوة قد ميتلكها اإلنسان‪ ،‬ألنه كان قد كوهنا أو قد استحوذ عليها‪،‬‬
‫بل هو ذات كائن حي ومريد وخفي ال تدركه األدوات الطبيعية لفكرنا ولفعلنا‪ ،‬وال يكشف عن ذاته إال بالشهادة‬
‫اليت يصرح هبا عن ذاته وعن تعاليه الشأين‪ ،‬بالرسالة املنزلة أو املأمور هبا يف املعتقدات واملمارسات اليت تضع يف‬
‫متناولنا مكنونيته بالذات‪ ،‬أي عدم قابليته للبلوغ إال بذاته‪ .2‬وإذا كانت املمارسة البشرية للدين ال ختلو من بعد إمياين‬
‫ذو عالقة أفقية بني اإلنسان وغريه أو عالقة عمودية بني اإلنسان وربه‪ ،‬فإن هذا اإلميان يقسم إىل نوعني‪ :‬معريف‬
‫وعرفاين‪ . 3‬فإذا كان النوع املعريف ذو بعد فلسفي باخلصوص‪ ،‬فإن العرفاين ذو بعد صويف أو التجربة الصوفية اليت تعرب‬
‫عن العمق الروحي للدين وهذا ما عرب عنه ولرت ستيس(‪ Walter Terence Stace )1967-1886‬بتعريفه‬
‫للدِّين بقوله‪ «:‬إن الدِّين عيان لشيء يقوم فيما وراء اجملرى العابر لألشياء املباشرة‪ ،‬أو خلف هذا اجملرى‪ ،‬أو يف باطنه‪،‬‬
‫شيء حقيقي ولكنه مع ذلك ال يزال ينتظر التحقيق‪ ،‬شيء هو مبثابة إمكانية بعيدة‪ ،‬ولكن يف نفسه أعظم احلقائق‬
‫الراهنة‪ ،‬ش يء خيلع معىن على كل ما من شأنه أن ينقضي ويزول‪ ،‬ولكنه مع ذلك يند عن كل فهم‪ ،‬شيء يعد‬

‫‪ -1‬أندريه الالند‪ ،‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،2001 ،‬ص‪.1204‬‬
‫‪ -2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.1205‬‬
‫‪ -3‬عزمي بشارة‪ ،‬الدين والعلمانية يف سياق تارخيي‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬املركز العريب لألحباث ودراسة السياسات‪ ،‬قطر‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪ ،2013‬ص‪.19‬‬
‫‪139‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬ ‫مجلة متون‬ ‫جامعة سعيدة‬
‫‪ISSN: 1112-8518, EISSN: 2600-6200‬‬ ‫املجلد التاسع‪ /‬العدد الثالث سبتمبر ‪2017‬‬
‫امتالكه مبثابة اخلري األقصى‪ ،‬ولكنه يف اآلن نفسه عصي بعيد املنال‪ ،‬شيء هو املثل األعلى النهائي‪ ،‬ولكنه يف الوقت‬
‫نفسه مطلب ال رجاء فيه»‪.1‬‬
‫خطيئة األب وميالد الفيلسوف‪:‬‬
‫من ا لضروري االعرتاف املسبق بصعوبة اإلملام مبوضوع الدين والتدين يف فلسفة كريكيغارد يف وريقات‬
‫معدودات‪ ،‬وهذا راجع إىل تعدد املواضيع اليت عاجلها كريكيغارد من حب‪ ،‬زواج‪ ،‬قلق‪ ،‬موت‪ ،‬املصري‪ ،‬التدين الزائف‪،‬‬
‫التهكم‪ ،‬فهو حبق فيلسوف وجودي عايش وجوديته بكل املعاين‪ ،‬كما جيدر بنا القول أن احلياة اليومية بسوداويتها‬
‫فرضت نفسها على كريكيغارد لتولد لديه ذلك احلس الفلسفي الوجودي ومن خالهلا أسس لفلسفته الوجودية‪.‬‬
‫سورين كريكيغارد أبو الوجودية‪ ،‬الفيلسوف الذي كان يطلق على نفسه أنه ابن الشيخوخة‪ ،2‬ألنه يوم‬
‫مولده كان والده قد بلغ من العمر ستة ومخسون سنة‪ ،‬وأمه مخسة وأربعون سنة‪ .‬ترعرع سورين يف بيت تسوده السلطة‬
‫األبوية والرتبية الصارمة‪ ،‬بيت أحكم األب ميخائيل كريكيغارد املتوجس من انتقام الرب بسبب خطيئتيه‪ :‬األوىل عندما‬
‫قام على صخرة يف براري إقليم جوتلند الغريب بالدامنارك ليسب الرب بسبب املعيشة الضنكا اليت حيياها وهو طفل‬
‫أكثر ما حيتاج للرمحة والشفقة من هذا اإلله‪ ،‬أما اخلطيئة الثانية فهي خيانته لزوجته اليت كان يكن هلا كل احلب‪،‬‬
‫خيانة كانت مع خادمته سوريندا ترواند‪ ،‬اليت سيتزوجها بعد وفاة زوجته األوىل‪.‬‬
‫حياة بالرغم من السعة املالية وحسن العيش‪ ،‬إال أن القلق واخلوف واالضطراب كان هو املسيطر على‬
‫احلياة األب‪ ،‬فبالرغم من كل الثراء والبنني‪ ،‬إال أن الوسواس القهري والقلق من انتقام الرب كان هو املسيطر على حياة‬
‫األب‪ ،‬بل كان يعت رب هذه احلياة ما هي إمهال من الرب لينتقم منه شر انتقام‪ ،‬هلذا كان األب‪ -‬ال شعوريا‪ -‬يورث‬
‫القلق والرهبة واخلوف إىل ابنه على الرغم من صغر سنه‪ ،‬اعتقادا منه أن عقوبة الرب ستحل بأصغر أبنائه "سورين"‪،‬‬
‫فكانت حياة سورين‪ ،‬حياة قلق ومأساة على مجيع األصعدة‪ ،‬فكانت اعرتافات األب باآلثام واملوحشة بالقلق واخلوف‬
‫والرعب‪ ،‬كفيلة ببناء شخصية الصيب املمزقة واملرعوبة القلقة‪.‬‬
‫ومل تكن حياة األب القلقة والكئيبة إال نتاج تعاليم الكنيسة اإلجنيلية(الربوتستانتية)‪ .‬حياة كتب عنها‬
‫سورين كريكيغارد معلقا« إن أيب كان ينسى الفارق الكبري بني الطفل وبينه‪ ،‬وينسى أن الطفل برئ ومن مث ال يستطيع‬

‫‪ -1‬ولرت ستيس‪ ،‬الزمان واألزل‪ ،‬مقال يف فلسفة الدين‪ ،‬ترمجة زكريا إبراهيم‪ ،‬املؤسسة للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت ‪ ،1967‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -2‬فربتيوف برانت‪ ،‬كريكيغارد‪ ،‬ترمجة جماهد عبد املنعم جماهد‪ ،‬مكتبة دار الكلمة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪،2009 ،‬‬
‫ص ‪.10‬‬
‫‪140‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬ ‫مجلة متون‬ ‫جامعة سعيدة‬
‫‪ISSN: 1112-8518, EISSN: 2600-6200‬‬ ‫املجلد التاسع‪ /‬العدد الثالث سبتمبر ‪2017‬‬
‫إال أن يسئ الفهم»‪ ، 1‬كانت نفسية األب قلقة ومسكونة بفكرة انتقام الرب‪ ،‬جعلته ينتظر هذا االنتقام يف كل حلظة‪،‬‬
‫ومل يرى أي عناية إهلية يف كل ما جرى من حوله‪ .‬فالربغم من األزمة املالية اليت عصفت بالدانيمارك بسب األوراق‬
‫اليت أصدرها البنك وبدون غطاء ذهيب‪ ،‬ما جعل األمالك املودعة يف ما عرف " بسندات امللكية " الوحيدة اليت تنجو‬
‫من هذه األزمة‪ ،‬وكان والد سورين من مالك الناجيني من هذه األزمة‪ ،‬وبالرغم من كل هذه النجاة‪ ،‬إال أنه رأى يف‬
‫كل هذا‪ ،‬استدراج من الرب لينتقم منه بطريقة مغا يرة متاما‪ ،‬انتقام سيكون يف املولود السابع الذي ينتظره وهو سورين‬
‫كريكيغارد‪ .‬هلذا عمل األب على تربية ابنه تربية دينية صارمة ليصبح عامل الهوت‪ .2‬أوهام و وساوس جعلت من‬
‫األب يعيش قلقا طول حياته‪ ،‬ويرى يف نفسه وابنه نفس قصة النيب إبراهيم وابنه إسحاق‪ .‬وعن هذه الرتبية اليت عمل‬
‫األب على زرعه يف االبن املنتظر‪ ،‬كتب سورين كريكيغارد يقول‪ « :‬يف طفوليت تربية على مسيحية صارمة متشددة‪.‬‬
‫لقد تربيت بصورة جنونية‪ .‬لذلك انطبعت سوداوية الرجل العجوز الذي كان مصابا هبا على ذايت»‪.‬‬
‫ينطلق كريكيغارد يف دراسته ملفهوم الدين والتدين‪ ،‬من الواقع الذي عاشه‪ ،‬ومن الرتبية األبوية الصارمة‬
‫اليت ترىب عليها‪ ،‬فهو مل يرى إال التناقض بني أقوال القساوسة وأفعاهلم‪ ،‬فكيف يدعون رعاياهم إىل التقشف واالكتفاء‬
‫بالضنك من العيش‪ ،‬وجعل املعاناة شعار حياهتم‪ ،‬ويف املقابل يتنعم القساوسة يف رغد العيش مع ضمان راتب بعد‬
‫ا لتقاعد‪ ،‬من هذا الواقع انطلق كريكيغارد يف جتربته الدينية الفردية ناقدا كل أشكال الدين والتدين الزائف‪ .‬من هذا‬
‫الواقع الديين املسيحي الزائف‪ ،‬ينطلق كريكيغارد يف نقده للمسيحية يف الدانيمارك خاصة والعامل املسيحي عامة‪ ،‬حيث‬
‫طبع هذا العمل يف كتاب حتت عنوان" اهلجوم على العامل املسيحي"‪ ،‬لتصر بعد ذلك يف سلسلة كتيبات حتت عنوان‬
‫" اللحظة" ‪ The Instant‬ومن يتضح لنا من خالل هذا العنوان‪ ،‬أن كريكيغارد يعرب عن فلسفته الوجودية من‬
‫خالل مفهوم اللحظة الفردية املعاشة‪ ،‬بعيدا عن اجلمع أو الدمهاء كما يسمهم كريكيغارد أو القطيع كما يسميه‬
‫نيتشه‪.3‬‬
‫عرف عن كريكيغارد فيلسوف وجودي مؤمن ولكن ذو نزعة هتكمية كانت السالح األكثر استعماال يف الرد‬
‫على املستهزئني به يف صغره أو يف رده على القساوسة االنتهازيني الذين يعتربون أنفسهم واسطة بني اهلل والبشر أو بني‬
‫املسيح ورعاياه‪ .‬وهم يف حقيقة األمر خيالفون كل تعاليم املسيح يف نبذ الطقوسية والوسطية بني اهلل وعباده‪ ،‬ورغبة‬
‫العبد الشخصية يف طاعة اهلل‪ ،‬رغبة تكون وليدة الذات اإلنسانية ال اجملتمع‪ ،‬فالوجود احلق ينبثق عن الذات وال ليس‬

‫‪ -1‬حسن يوسف‪ ،‬فلسفة الدين عند كريكيغارد‪ ،‬مكتبة دار احلكمة‪ ،‬مصر‪ ،‬ب ط‪ ،‬ب ت‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪141‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬ ‫مجلة متون‬ ‫جامعة سعيدة‬
‫‪ISSN: 1112-8518, EISSN: 2600-6200‬‬ ‫املجلد التاسع‪ /‬العدد الثالث سبتمبر ‪2017‬‬
‫من الغري‪ .‬وتعترب املسيحية يف نظر كريكيغارد هي الذاتية‪ ،‬وليست املسيحية املوروثة من األسرة أو اجملتمع‪ ،‬ويف هذا‬
‫يقول كريكيغارد‪ «:‬إن قبول املسيحية قبوال موضوعيا يعد من قبيل الوثنية أو اخلرافة ‪ ...‬فاملسيحية طريقة للحياة وإذا‬
‫قبلناها كمجرد طقوس‪ ،‬أو إذا قمنا بتفسريها تفسريا عقليا‪ ،‬فإننا بذلك حنيلها إىل العبث»‪ ،1‬و هبذا املوقف يؤكد‬
‫كريكيغارد على ف كرة الفردانية يف املمارسة الدين‪ ،‬ممارسة يكون العقل واإلميان الشخصي األكثر حضورا‪ ،‬ومها منبعا‬
‫احلياة النفسية الفردية والكفيالن ببث الطمأنينة يف الذات‪.‬‬
‫يؤكد كريكيغارد من خالل نقده للمسيحية القائمة على فكرة تقاطعه مع موقف لودفيج‬
‫فيورباخ*(‪ : Ludwig Feuerbach )1872-1804‬إن الكتاب من أمثال فيورباخ هم التشكيلة األخرية من‬
‫املفكرين األحرار‪ ،‬ميكن أن يفيدوا املسيحية كل الفائدة ألهنم يدافعون عنها أساسا ضد مسيحي هذه األيام‪ ،‬الذين‬
‫ما عادوا يعرفون أهنا مل تعد إنسانية وتقدما‪ ،‬بل صارت عاملا مقلوبا‪ .2‬فالنقد الذي يتوجه هبا كريكيغارد للمسيحية‬
‫القائمة يوم ذاك‪ ،‬تلك املسيحية املتناقضة الذي ميثلها القساوسة واآلباء املستغلني لسذاجة رعاياهم‪ ،‬وإمياهنم القائم‬
‫على فكرة التسليم واالعتقاد بدون انتقاد‪ ،‬اعتقاد حىت وإن كان يتناىف ومنطق العقل‪.‬‬
‫هلذا يقول كريكيغارد عن هجومه للكنيسة‪ :‬إن السبب احلقيقي من وراء هجومي على الكنيسة يكمن يف أن‬
‫تعاليمها تتجاهل املخاطرة واملفارقة من اإلميان‪ .‬هلذا جند كريكيغارد يوجه نقده لثالثة أطراف مهمة يف عصره‪ ،‬ال تقل‬
‫أي واحد أمهية عن األخرى‪ ،‬وهي الصحف اليت تعمل يف نظره على ختدير الشعب‪ ،‬والكنيسة الرمسية‪ ،‬والفلسفة‬
‫اهليغيلية السائدة يف عصره واليت ميثلها‪ .‬حيث كانت الصحف يف نظره تفكر بالنيابة عن الشعب‪ ،‬والكنيسة تؤمن‬
‫بالنيابة عنه كذلك‪ ،‬واألخرية – الفلسفة اهليغيلية – ختتار بالنيابة عن الشعب‪ .3‬تعترب احلرب اليت دخل فيها كريكيغارد‬
‫يف انتقاد املمارسة الك هنوتية من أبرز احلروب الفكرية يف تاريخ الدانيمارك خاصة يف فكرة شاهد على احلقيقة اليت عرب‬
‫عنها األسقف يعقوب بطرس منيسرت(‪ ،)1854-1775‬حيث كان يعترب نفسه شاهد على احلقيقة‪ ،‬ويف هذا يقول‬
‫كريكيغارد‪ «:‬هل كان األسقف منيسرت شاهدا على احلقيقة؟ وهل كان شاهدا أصيال على احلقيقة؟ هل هذه‬

‫‪ -1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.31‬‬


‫* لودفيغ أندرياس فيورباخ فيلسوف أملاين ولد يف ‪28‬يوليو ‪ 1804‬يف مدينة الندسهوت بوالية بافاريا األملانية وتويف يف راخينربغ يف‬
‫‪13‬سبتمرب ‪ 1872.‬يف البداية كان تلميذاً هليغل مث أصبح من أبرز معارضيه‪ .‬أدى كتابه « أفكار حول املوت واخللود » الذي نشر‬
‫يف عام ‪ 1830‬حتت اسم مستعار إىل فصله من اجلامعة‪.‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪ -3‬توماس آرفلني‪ ،‬الوجودية‪ :‬مقدمة قصري‪ ،‬ترمجة مروة عبد السالم‪ ،‬مؤسسة هنداوي للثقافة والتعليم‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪،2014‬‬
‫ص‪.36‬‬
‫‪142‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬ ‫مجلة متون‬ ‫جامعة سعيدة‬
‫‪ISSN: 1112-8518, EISSN: 2600-6200‬‬ ‫املجلد التاسع‪ /‬العدد الثالث سبتمبر ‪2017‬‬
‫احلقيقة؟»‪ ،1‬وبالرغم من أن منيسرت كان كاهن والد كريكيغارد‪ ،‬و كثريا ما استمع ملواعظه وخطبه‪ ،‬إال أن هذا مل مينع‬
‫من معارضته يف آخر حياته وهذا بسبب املنعرج املالذيت الذي ركن إليه األسقف‪.‬‬
‫وشاهد احلق عند كريكيغارد هو الذي تبدأ حياته معاناة وتنتهي هبا‪ ،‬معاناة ظاهرية وباطنية من قلق وخوف‬
‫والرعشة‪ ،‬هذه احلياة القلقة هي اليت جتعل من الفرد باحثا عن احلقيقة من أجل الصفاء الروحي والطمأنينة‪ ،‬حىت وإن‬
‫توصل به األمر إىل التضحية بذاته مثل ما حدث للمسيح‪ .‬واإلنسان املعاقب املساء معاملته‪ ،‬هو الشاهد األصيل‪،‬‬
‫ألنه م ا يفتأ خيرج من سجن حىت يدخل إىل غريه‪ ،‬ويف النهاية مرتق حيث يعرتف به يف قمة السلك الكنسي بني‬
‫الشهود األصالء على احلقيقة‪ .‬وأخريا يصلب أو يضرب عنقه أو حيرق أو يشوى على حمرقة وينقل جسمه الفاقد‬
‫احلياة على يد اجلالد بعيدا عن موقع الوفاة دون أن يدفن‪ .‬ومن هنا يدفن كشاهد على احلقيقة‪ .2‬وكان هلذا الرد على‬
‫موقف األسقف املادة الدمسة للصحافة يف الرد على كريكيغارد خاصة من خليفة األسقف منيسرت‪ ،‬لينشر كريكيغارد يف‬
‫سنة‪ 1855‬مقاال يف صحيفة " الوطن" مقاال حتت عنوان "ماذا أريد؟ يوضح فيه وجهة نظره بشكل جلي فكتب‬
‫يقول‪ «:‬بكل بساطة ‪ :‬أريد اإلخالص‪ .‬أنا لست قوة مسيحية ضد التساهل املسيحي كما صوروين الناس ذو النية‬
‫املغرضة‪ .‬كال أنا لست تساهال وال القسوة‪ ،‬أنا إخالص إنساين‪ .‬إن التساهل الوارد يف املسيحية الشائعة أي يف هذا‬
‫البلد أريد أن أضعه جنبا إىل جنب مع العهد اجلديد ألرى كيف ميكن أن يرتبط هذان الشيئان‪ .‬وحينئذ إذا ثبت‬
‫هذا‪ ،‬إذا استطعت أنا أو أي إنسان آخر أن يبني أن شبها باملسيحية يف العهد اجلديد‪ :‬حينئذ سأتفق مع هذا بأكرب‬
‫فرح‪.‬‬
‫لكن هناك شيء لن أفعله وال خلاطر أي شيء يف العامل‪ :‬لن أحاول بالكبت أو احليلة أن أقدم الوهم بأن‬
‫املسيحية العادية يف هذا العهد ومسيحية العهد اجلديد متشاهبتان‪ .‬تنبهوا‪ ،‬إنين لن افعل هذا»‪ ،3‬يتضح من هذا القول‬
‫بشكل جلي ذلك املوقف الكريكيغاردي من املسيحية املتناقضة وتعاليم العهد اجلديد‪ ،‬مسيحية ممثلة يف أساقفة‬
‫وقساوسة يبيعون الوهم والدجل لرعاياهم واستغباءهم من أجل ضمان عيشة هنية ومرتب بعد التقاعد‪ ،‬كل هذا باسم‬
‫الدين وما هو يف حقيقة األمر إال تدين زائف يوظف تعاليم العهد اجلديد خلدمة مصاحلهم الشخصية‪ .‬واهلدف‬

‫‪ -1‬فريتيوف برانت‪ ،‬كريكيجرد‪ ،‬ترمجة جماهد عبد املنعم جماهد‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪،1981 ،‬‬
‫ص ‪.157‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.158‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.160،161‬‬
‫‪143‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬ ‫مجلة متون‬ ‫جامعة سعيدة‬
‫‪ISSN: 1112-8518, EISSN: 2600-6200‬‬ ‫املجلد التاسع‪ /‬العدد الثالث سبتمبر ‪2017‬‬
‫األمسى الذي كان يرومه كريكيغارد من هذا النقد هو نبذ كل نفاق أو استغالل للدين مع الدعوة الصرحية لإلخالص‬
‫وضرورة التوافق بني القويل والعملي‪.‬‬
‫ومل يقف كريكيغارد عند هذا الرد فقط‪ ،‬بل كانت له العديد من الردود نشرها يف جملة املوسومة بـ" اآلن"‬
‫الذي كتب فيها عن معىن املسيحي واملسيحية وخاصة عن الكهنة واصفا إياهم بأكلة حلوم البشر و بأكرب شكل‬
‫وحشي‪ « ،‬إن الكاهن يستقر آمنا ومسرتخيا يف مقره الريفي‪ ،‬ويأمل أيضا أن يكتسب انتشارا جذابا‪ ،‬وزوجته هي‬
‫نفسها ممتلئة‪ ،‬وال عنها أوالده‪ .‬وكل هذا بسبب معاناة ومرض العظماء شاهد احلقيقة‪ ،‬هذا هو ما يعيش عليه‬
‫الكاهن‪ ،‬وهؤالء العظماء هم الذين يأكلهم ويتغذى معهم من اجل الفتنة املبهجة للحياة ولزوجته وألوالده‪ .‬لقد‬
‫احتفظ هبؤالء العظماء يف أحواض من الدموع‪ .‬وهم يصيحون‪ ":‬اتبعوين‪ ،‬اتبعوين" وهي صيحات بال جدوى‪ .‬رمبا‬
‫يظل للحظة يتحصن تلك الصيحة ولكن مع كر األعوام يصبح قاسيا حىت انه ال يعود يسمعها‪ .‬رمبا إذا بدأنا يشعر‬
‫باخلجل عندما جيد ألنه يسمى " تلميذا خملصا للمسيح" ولكن مع كر السنني يعتاد على مساعها حىت أنه يعتقد هو‬
‫نفسه أهنا حقيقة‪ .‬وهكذا ميوت وقد احنرف كثريا ويدفن على انه شاهد على احلقيقة»‪ .1‬كان النقد املوجه للقساوسة‬
‫جد قاس من طرف كريكيغارد كل هذا حماربة للرياء االدعاء للزهد والرتفع عن ملذات احلياة وواقع احلال ينفد كل‬
‫ادعاء زائف‪ ،‬ف القساوسة يتنعمون يف رغد من العيش‪ ،‬وعلى منابر الكنائس يذرفون دموع النفاق والرياء‪ .‬فهؤالء‬
‫القساوسة يتدينون تدينا زائفا‪ ،‬حيث ال يشعر الكاهن أو القس بأي حرج يف ذلك حىت وإن خالفت تعاليم املسيح‬
‫والعهد اجلديد‪ ،‬كما أن القس ال جيد حرج يف اعتناق معتقدات ال تتحول إىل سلوك كعملي‪ ،‬وأقواال ال تتعدى حدود‬
‫الشفاه‪ ،‬بل من العكس ذلك متاما جتده يشكر اهلل ويقرب القرابني هلل ألنه يطبق هذه املعتقدات وكأنه أصبح يعيش‬
‫الوهم‪ .‬وهبذا يصبح هذا القس يعيش يف عاملني خمتلفني يروح ويغدو من الواحد إىل اآلخر‪.2‬‬
‫ويضيف كريكيغارد يف مقاله يف اللحظة ‪ 57‬التعبري أكثر عن امتعاضه عن احلالة اليت وصلت إليها الكنيسة‬
‫واملسيحية فيقول‪ «:‬يعظ القس بأنه يشهد (حسنا شكرا على ذلك)‪ ،‬بأن املسيحية هي التربؤ من‪ ،‬مث جيعل هذه‬
‫املوعظة مصدر رزقه‪ ،‬ووظيفته‪ ،‬إنه ال يعرتف بنفسه أبدا‪ ،‬أن هذه يف الواقع ليست مسيحية‪،‬ـ لكن إذا أين هو التربؤ؟‬
‫أليست هذه أيضا حالة شاعر؟ بيد أن الشاعر ميارس النفاق مع الناس ـ والقس هو شاعر‪ ،‬كما شاهدنا حىت اآلن‬
‫تصبح عبادة اهلل الرمسية على هذا النحو‪ :‬أن تنافق‪ ،‬لكي حتصل على املكرمة الكبرية‪ ،‬اليت ال تردد الدولة طبعا من‬
‫تقدمي األموال هلا‪ .‬ولكي مننع الريا‪ ،‬فإن أسهل الطرق لذلك‪ :‬هو أن يعرتف" القس"‪ ،‬بأن هذه يف الواقع ليست‬

‫‪ -1‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.163،164‬‬


‫‪ -2‬إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬كريكجوررائد الوجودية" اجلزء الثاين"‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،1986 ،‬ص‪.208‬‬
‫‪144‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬ ‫مجلة متون‬ ‫جامعة سعيدة‬
‫‪ISSN: 1112-8518, EISSN: 2600-6200‬‬ ‫املجلد التاسع‪ /‬العدد الثالث سبتمبر ‪2017‬‬
‫املسيحية ـ وما عدا ذلك فهو نفاق‪ ،‬وهلذا فإن العنوان هلذا املقطع ليس صحيحا متاما‪ ،‬بأن الشاعر‪ ،‬إهليا‪ ،‬هو األكثر‬
‫خطرا على اجلميع‪ .‬الشاعر ال يدعي سوى أن يكون شاعرا‪ ،‬إن ما هو أكثر خطرا أن شخصا‪ ،‬الذي هو جمرد شاعر‪،‬‬
‫من خالل أن يصبح كما يسمى قسا‪ ،‬يقدم نفسه باعتباره أكثر جدية وحقيقة من الشاعر‪ ،‬ومع ذلك فهو جمرد‬
‫شاعر‪ ،‬إن هذا نفاق من نوع عال‪ .‬وهلذا حنتاج إىل موهبة شرطي‪ ،‬شخص قادر على كشف كل ما هو مزيف‪ ،‬مبجرد‬
‫ذكر الكلمة‪ ،‬اإلدعاء بأنه شاعر فقط»‪ .1‬يوضح يف هذا امل قطع أو اللحظة كما أطلق عليها كريكيغارد ضرورة احلذر‬
‫من األفاكيني واملستغلني ملشاعر الناس‪ ،‬فهؤالء القساوسة ال خيتلفون عن الشعراء‪ ،‬فالشاعر يستعمل اخليال لتهيج‬
‫مشاعر الناس أو إسعادهم فقط من غاية واحدة وهي كسب قوت يومه وهذا أمر عادي كونه شاعر ال يصل إىل حد‬
‫تسريهم واالستحواذ على مشاعرهم باسم أي صفة‪ ،‬يف حني جند القس ال خيتلف عن الشاعر كونه يستعمل اخليال‬
‫وال يؤمن بأي كلمة يقوهلا ولنفس الغاية ضمان قوت يومه مع أن هذه تضمنه الدولة بالراتب الذي تقدمه له‪ ،‬إال أنه‬
‫يتعدى إىل أكثر من الراتب فهو يستغل عواطف رعاياه وسذاجتهم وإن كانوا ذو شاهدات علية ولكن بدون عقل‬
‫ناقد‪ ،‬وجند هذا التناقض يف موقف القس بني ما يقول وما يفعل‪ ،‬هلذا توجب ضرورة احلذر من هؤالء القساوسة‬
‫املدعني فهم ال ميثلون إال مسيحيتهم اليت صنعوها ألنفسهم وال تتوافق وتعاليم املسيح‪ ،‬وال عالقة هلم ال باهلل وال‬
‫باإلميان‪ .‬وإذا كان يقدم نقده للقساوسة فهذا ال يعين أنه يستثين الكنيسة بل يوجه هلا النقد نفسه متهما إياها املتاجرة‬
‫بالدين وتشويه املسيحية احلقة‪ ،‬فيقول‪ « :‬التهمة اليت أوجهها للكنيسة القائمة هي أن كل شيء يبىن على كذب‪:‬‬
‫عبادة اهلل ليست سوى سخرية من اهلل‪ ،‬واملشاركة فيها جرمية‪ .‬ويف الوقت ذاته أود أن أسوق اهتاما أعظم بأن أبني أن‬
‫الكنيسة القائمة نفسها تعرف أن كل شيء يقوم على الكذب‪ ،‬وأن هذا هو السبب يف عدم القيام بأي فعل‪ .‬آه! إنه‬
‫ألمر مرعب حقا أن يفكر املرء يف األعماق اليت هويت إليها الكنيسة القائمة‪ ،‬وإىل أي حد بلغت التفاهة‬
‫والنزعة(املادية) والقدرات( املتوسطة) وألوان الكذب‪.‬‬
‫لكن هلذا السبب نفسه ـ وستشع هذه احلكمة البارعة للكنيسة القائمة على جمرى الزمن»‪ ،2‬يتضح لنا من‬
‫خالل هذا املوقف أن النقد الكريكيغاردي وجه باخلصوص للكنيسة املتواطئة مع القساوسة يف ختدير الشعيب وممارسة‬
‫التدين الزائف‪ ،‬وال مينع كل هذا من جماهرة الكنيسة بأهنا تدعو إىل املسيحية احلقة‪.‬‬
‫كيركيغارد فيلسوف الخالص‪:‬‬

‫‪ -1‬عبد اجلبار الرفاعي‪ ،‬احلب واإلميان عند كريكيغارد‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،2016‬ص‪.137‬‬
‫‪ -2‬إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬كريكجور رائد الوجودية‪ ،‬ص‪.339‬‬
‫‪145‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬ ‫مجلة متون‬ ‫جامعة سعيدة‬
‫‪ISSN: 1112-8518, EISSN: 2600-6200‬‬ ‫املجلد التاسع‪ /‬العدد الثالث سبتمبر ‪2017‬‬
‫بعد النقد الذي وجهه كريكيغارد لكل من الكنيسة والقساوسة‪ ،‬واهتامهم مبمارسة النفاق والتدين الزائف من‬
‫أجل استغالل الرعايا‪ ،‬جنده يف املقابل يوضح معامل خارطة طريق التدين الصحيح واملسيحية السليمة‪ ،‬كونه خملص‬
‫اجملتمع املسيحي من وهم التدين الزائف الذي أغرقه فيه القساوسة‪ ،‬ويعرف اإلميان فيقول‪ «:‬ال يعرف اإلميان يف العهد‬
‫اجلديد على حنو عقلي بل على حنو أخالقي‪ :‬إنه يشري إىل عالقة شخصية بني اهلل واإلنسان‪ ،‬واإلميان كتعبري عن‬
‫اإلخالص مطلوب على أنه اعتقاد ضد الفهم‪ ،‬االعتقاد ال يرى اإلنسان من خالله وهلذا يتحدث الرسول عن طاعة‬
‫اإلميان» موقف يعرب فيه صراحة عن حمور فلسفة اليت أسس هلا‪ ،‬فلسفة وجودية قائمة على فكرة الفردانية والتفرد‪،‬‬
‫فاإلميان ال حيتاج إىل واسطة بني اهلل واإلنسان بل هو قناعات شخصية وممارسة فردية تنبثق من الذات ال تفرض من‬
‫اخلارج‪ ،‬ألن خار ج الذات جمرد زيف‪ ،‬وهو ما ميثله القساوسة يف تدينه الزائف‪ .‬وال يكون هذا اإلميان ذو نفع إال إذا‬
‫كانت هناك حرية شخصية وهذه األخرية أساس الفلسفة الوجودية‪ .‬تنقسم أعمال كريكيغارد إىل ثالثة أقسام متباينة‪:‬‬
‫املؤلفات اجلمالية‪ :‬أصدرها حتت أمساء مستعارة‪ ،‬تظم مؤلفاته " إما‪...‬أو" و" خوف ورعدة"‬ ‫‪-1‬‬
‫و" مفهوم القلق" وكتاب " مراحل على طريق احلياة‪ .‬وتتميز هذه املؤلفات بأسلوهبا الرومانسي الشاعري‪.‬‬
‫املؤلفات الفلسفية‪ :‬تتميز هذه املؤلفات بالصبغة الفسلفية اليت طغت عليها‪ ،‬ولقد نشرت هذه‬ ‫‪-2‬‬
‫األعمال بأمساء مستعارة‪ ،‬وتارة بامسه احلقيقي‪ .‬وجند منها كتابه" الشذرات الفلسفية"‪.‬‬
‫املؤلفات الدينية‪ :‬وتظم كتب دينية ومقاالت ومنشورات متنوعة‪ ،‬ولقد نشرت حتت اسم سورين‬ ‫‪-3‬‬
‫كريكيغارد‪ .‬ولقد عرفت هذه املؤلفات باسم" أحاديث هتذيبية أو إرشادية"‪.1‬‬
‫وال خيرج التهكم من روح فلسفة كريكيغارد بل يعترب حمرك فلسفته برمتها‪ ،‬حيث جند التهكم ضد خمالفيه أو‬
‫منتقديه أو حىت رده على أباء الكنيسة هلذا يعترب مفهوم التهكم نقطة البدء احلقيقية يف فلسفة كريكيغارد‪ .2‬ولقد اختذ‬
‫كريكيغارد السخرية والتهكم‪ ،‬كوسيلة من وسائل التعبري واالتصال مع اجملتمع‪ .‬والعودة إىل اإلنسان وتذكر وجوده‪،‬‬
‫هذا اإلنسان الذي أقصته الفلسفة اهليغيلية‪ .‬وبالرغم من النقد الذي قدمه كريكيغارد للفلسفة اهليغيلية‪ ،‬خاصة يف‬
‫نظرهتا الشمولية املطلقة إال أنه استعار منها العديد من املفاهيم‪ ،‬كمفهوم الديالكتيك‪.‬‬
‫كريكيغارد وبدراسته للتهكم‪ ،‬كان يهدف إىل حترير املوجود "اإلنسان" من سيطرة الفلسفات النسقية اليت‬
‫سلبته إنسانيته بسلب مقومات وجوده األساسية "احلرية"‪ ،‬فأصبح يعيش يف اغرتاب عن وجوده احلقيقي األصيل‪ ،‬بل‬

‫‪ -1‬شانتان آن‪ ،‬احلب يف فكر سورن كري كجورد‪ ،‬ترمجة حممد رفعت عواد‪ ،‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ب‪ .‬ط‪،‬‬
‫‪ ،2011‬ص‪.‬ص ‪.8-7‬‬
‫‪ -2‬إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬كريكجورد‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪146‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬ ‫مجلة متون‬ ‫جامعة سعيدة‬
‫‪ISSN: 1112-8518, EISSN: 2600-6200‬‬ ‫املجلد التاسع‪ /‬العدد الثالث سبتمبر ‪2017‬‬
‫أصبح حييا يف يقني موضوعي وجمموعة من األوهام‪ ،‬وهنا جند كريكيغارد مبعوله التهكمي يف اليقني املوضوعي‪ ،‬جيعل‬
‫الناس يرتدون إىل ذواهتم ويفيقون من سباهتم‪ ،‬وتتجلى هلم حقيقية وجودهم‪ .‬فمن خالل التهكم نستطيع إجياد‬
‫اإلجابة عن السؤال الذي شغل سقراط" ما اإلنسان؟"‪ ،‬كما أن التهكم« يعيد الفرد من جديد إىل نفسه‪ ،‬وخيلق فيه‬
‫اهتماما بوجوده األخالقي‪ :‬فال ميكن أن تكون هناك حياة بشرية أصيلة بدون هتكم»‪ ،1‬ويكون التهكم كحلقة بني‬
‫الوجودين احلسي الزائف واألخالقي احلقيقي‪ .‬فاألول زائف ناقص وغري واعي‪ ،‬والثاين هو األصيل الواعي‪ ،‬ولكن‬
‫التأيت إىل هذا األخري ال يكون إال بالتهكم الذي يعترب مبثابة الذبابة اليت توقظ البشر من غفلتهم وتبث فيهم الوعي‬
‫الذايت حبقيقة وجودهم‪ ،‬وهلذا قسم كريكيغارد الذوات إىل ثالثة أقسام حسب تقسيم مؤلفاته‪.‬‬
‫يرى كريكيغارد أن العملية االرتدادية اليت يقوم هبا اإلنسان إىل ذاته‪ ،‬ما هي يف حقيقة األمر إال عملية‬
‫فصل عن اآلخر‪ ،‬بإثبات الوجود الشخصي بالثورة على النظم و التقاليد االجتماعية اليت تقيد الفرد‪ .‬وإذا الفلسفة‬
‫الكريكيغاردية تقوم على أساس اخلطيئة األوىل‪ ،‬ومفهوم القلق واحلرية‪ ،‬فهي تعلو كذلك من شأن التهكم أو فليكن‬
‫التهكم احلجر األساس يف هذه الفلسفة‪ ،‬فالتهكم ال يكون إال ذاتية وهنا جند حضور الذاتية‪ ،‬هلذا يربط كريكيغارد بني‬
‫التهكم والذاتية فيقول‪ «:‬فالتهكم حتديد للذاتية وتعني هلا‪ ،‬ومن مث فال بد أن يرتبط ظهوره ألول مرة يف التاريخ‬
‫بظه ور الذاتية األوىل‪ ،‬وذلك يشري إىل نقطة حتول تارخيية تظهر فيها الذاتية ألول مرة‪ ،‬وهاهنا جند أنفسنا مع‬
‫سقراط»‪ ، 2‬فاملوقف السقراطي يف حقيقة األمر دعوة إىل الذاتية الفردية واإلعالء من شأهنا‪ ،‬بالرتابط بني الذاتية‬
‫والتهكم‪ ،‬شرط ضروري لتطور التهكم فحىت « يكتمل التهكم ال بد للذات أن تصبح على وعي بتهكمها‪ ،‬وان‬
‫تشعر على حنو سليب‪ ،‬أهنا حتررت‪ ،‬وهي تشعر بذلك عندما تدين الواقع الفعلي املعطى وتستمتع هبذه احلرية السلبية‪،‬‬
‫لكن لكي حيدث ذلك فال بد للذاتية أن تتطور‪ ،‬أو باألحرى عندما تؤكد الذاتية نفسها يظهر التهكم‪ ،‬فالذاتية تشعر‬
‫أهن ا تواجه الواقع الفعلي املعطى‪ ،‬وتشعر بقوهتا اخلاصة وبشرعيتها ومغزاها‪ ،‬وهي بشعورها هذا حتافظ على نفسها من‬
‫النسبية اليت حياول الواقع املعطى أن يضعها فيها»‪.3‬‬
‫وأخريا ميكننا القول أن كريكيغارد كان الصوت الثائر يف وجه كل زيف أو ممارسة باسم الدين تروم‬
‫استغالل اجملتمع من أجل مصاحل الكنيسة‪ .‬وبالرغم من احلياة القصرية اليت عاشها كريكيغارد إال أنه يعيد لإلنسان‬
‫إنسانيته املهدورة باسم التدين الزائف‪ ،‬كما أسس للفلسفة الوجودية اليت أهلبت اجملتمع اإلنساين خاصة بعد احلرب‬

‫‪1- S.Kierkegaard : The Concept of Irony, P.338.‬‬


‫‪ -2‬إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬كري كجورد‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪3 - S.Kierkegaard : The Concept of Irony,P.280.‬‬
‫‪147‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬ ‫مجلة متون‬ ‫جامعة سعيدة‬
‫‪ISSN: 1112-8518, EISSN: 2600-6200‬‬ ‫املجلد التاسع‪ /‬العدد الثالث سبتمبر ‪2017‬‬
‫العاملية الثانية عندما وجدت البشرية نفسها تعيش قيم االغرتاب والتوحش‪ ،‬فذاب اإلنسان يف عامل التقنية ففقد وجود‬
‫العام واخلاص على حد سواء‪.‬‬

‫‪148‬‬

You might also like