الياقوت الفريدة صلاة الفاتح
الياقوت الفريدة صلاة الفاتح
ُأ
ِر اِص َن َق َب َس ا ِلَم الخاِتِم و َق ِل ْغ الَّلُه َّم َص ِّل َع لى َس ِّي ِد َنا ُم َح َّم ٍد الفاِت ِح ِلَم ا
الَح ِّق َبالَح َّق و الَه اِد ي إلى ِص َراِط َك الُم ْس َت ِق يِم و َع َلى آِلِه َح َّق َق ْد ِر ِه و
ِم ْق َد اِر ِه الَع ِظ يِم
صالة الفاتح لما أغلق أو الياقوتة الفريدة كما سماها بذلك شيخنا
رضي هللا عنه ،هي مع صالة جوهرة الكمال ،من األسرار التي يتلقاها
الكّم ل العارفون الكبار في مقاماتهم الخاصة الشهودية سواء من
الحضرة القدسية أو من الحضرة المحمدية على صاحبها أفضل
الصالة و السالم ،و الكل من الثابت المعروف عند أربابه ،و من الحق
المعمول به في بابه .
و من المقرر عند العلماء األعالم أنه يعمل بجميع ما يتلقاه العارفون
من الرسول صلى هللا عليه و سلم سواء في اليقظة أو في المنام ،ما
لم يصادم شيئا من النصوص القطعية أو يؤدي إلى انخرام قاعدة
شرعية ،و القاعدة الشرعية في هذا الباب حسبما ذكره الشيخ جالل
الدين السيوطي رضي هللا عنه في فتاويه أنه ليس ألحد أن يحكم
على ذكر أو دعاء لم يرد بمقدار معين من األجر ،ألن ذلك مرجعه إلى
النبي صلى هللا عليه و سلم ،و قد ُع لم أن اخباراته صلى هللا عليه و
سلم على قسمين :
ُأ
قسم عام :وهو ما ِم ر صلى هللا عليه و سلم أن يخاطب به عامة
الناس ،كتشريع الشرائع و تحديد األحكام وتبيين الفرض من النفل و
الحالل و الحرام ،و هذا القسم انقطع بوفاته صلى هللا عليه و سلم .
ُأ
و قسم خاص :وهو ما ِم ر صلى هللا عليه و سلم أال يخاطب به إال
الخواص ،و هذا لم ينقطع بوفاته صلى هللا عليه و سلم ،فال يزال
يلقيه إلى آخر الدهر لمن أهله هللا لذلك.
قال سيدنا رضي هللا عنه ":ومن توهم أنه صلى هللا عليه و سلم
انقطع جميع مدده عن أمته كسائر األموات فقد جهل رتبة النبي صلى
هللا عليه و سلم و أساء األدب معه ".
و جميع ما هو مذكور عن شيخنا رضي هللا عنه مما تلقاه من الحضرة
المحمدية في فضل هاتين الصالتين ليس فيه مصادمة للنصوص
القطعية ،و ليس فيه ما يؤدي إلى انخرام القواعد الشرعية ،إذ غايته
أنه إخبار عدل عنه صلى هللا عليه و سلم ،بذكر غير خارج عن معنى
ما أتى به ،و ال منحرف عن أصول دينه القويم ،و بتضعيف األجر
الثابت أصله في الكتاب و السنة { و هللا يضاعف لمن يشاء} البقرة .و
في الحديث " بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة "
هللا
و قوله ( التي يدعون بالياقوتة الفريدة ) فإن الشيخ رضي هللا عنه هو
الذي سماها بذلك ،ووجه التسمية في غاية الوضوح ،و مراتب
الفضل المذكور سبع أو ثمان .
و قوله (و جلها عن الخالئق انكتم ) إنما انكتم ألنه ال ينال إال بالذوق و
التعريف اإللهي ،و ال يفشيه من فتح عليه فيه إال بإذن ال غير ،و أشار
الناظم بهذا إلى ما ذكره سيدنا رضي هللا عنه في فضل هذه الصالة
وهو أن لها من الفضل سبع أو ثمان مراتب ،و أن الذي ُذ ِكر من فضلها
هو جزء من المرتبة األولى ،و غير ذلك كله مكتوم.
أشار بهذا على فضل الياقوتة الفريدة ،في مرتبتها الظاهرة ،وهو أن
سيدنا رضي هللا عنه سئل عن فضلها فقال ":من ذكرها عشر مرات لو
عاش العارف ألف ألف سنة كان ذاكرها عشرا أكثر منه ثوابا ،يعني
العارف الذي لم يذكرها ".وهو من باب تضعيف األعمال باألضعاف
الكثيرة .
واعلم أن المقرر لدى العلماء في التضعيف أنه يكون تارة باعتبار لفظه
،كاشتماله على جميع األوصاف الذاتية و الفعلية ،و تارة يكون
باعتبار األشخاص فإن عبادة أهل المراتب ليست كعبادة غيرهم في
الفضل ،وأهل المراتب هم أيضا متفاوتون بحسب تفاوت مراتبهم ،
فمنهم من يومه كليلة القدر ،و منهم من يومه بألف سنة ،و منهم من
يومه كيوم المعارج بخمسين ألف سنة ،قاله سيدنا رضي هللا عنه و
أشار إليه أيضا الشيخ زروق و كذا ابن عطاء هللا .
و قد يعَّظ م فضل هللا تعالى على أهل المراتب فَي سري سر التضعيف
في أتباعهم بسبب إذنهم لهم ،فيحصل للمأذون له قسط مما لآلذن و
إن لم يجاهد مجاهدته ،قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي هللا عنه
":أنا تحملت التعب عن أتباعي ، ".و مثله قول سيدنا في حق أصحابه
وهذا لهم من أجلي ،وذلك لما خصوا به من فضل ،و تارة يكون
باعتبار األزمان ،و تارة باعتبار األمكنة كالعمل في الحرمين الشريفين
على ما ورد.
و إذا عرفت هذا فاعلم أن هذه الصالة الشريفة ،صالة الفاتح لما
أغلق ،قد اشتملت على الوجوه التي تكون سببا للضعف المذكور ،
فإنها اشتملت على نداء هللا تعالى باالسم الجامع للذات و الصفات و
األفعال ،وهو يتضمن الثناء عليه سبحانه و تعالى بما هو أعم وجوه
الثناء ،واشتملت من الثناء على حبيبه األعظم و رسوله األكرم على
أبلغ الثناء و أعم المدح ،مع ما اشتمل عليه قوله فيها ":حق قدره و
مقداره العظيم " ،هذا باعتبار اللفظ .
و أما باعتبار األشخاص فيكفي ما صرح به الشيخ رضي هللا عنه من
الفضائل التي أعطاها هللا تعالى ألهل هذه الطريقة من المحبوبية
المفاضة عليهم من الحضرة المحمدية عليه الصالة و السالم ،هذا مع
حصول اإلذن في صالة الفاتح من أستاذ الطريقة الذي هو الختم
األكبر المحمدي ،وهو عن سيد األزمان صلى هللا عليه و سلم بال
واسطة.
وأما باعتبار األزمان فمن حيثية كونهم في آخر األزمان الذي ورد
الخبر أن القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر ،و أن للعامل من
أهل هذا الزمان أجر الخمسين ،قالوا ":منا أو منهم؟" قال صلى هللا
عليه و سلم " :منكم ألنكم تجدون على الخير أعوانا وهم ال يجدون
عليه أعوانا".
والذي نعتقد به أن هللا تعالى تفضل بذلك بمحض جوده و كرمه ،إما
بال سبب أو بسبب ال يدركه أمثالنا إال بتعريف من هللا تعالى .
أشار بهذا إلى ما ثبت عن سيدنا رضي هللا عنه من أن المرة الواحدة
من صالة الفاتح لما أغلق تكفر ذنوب العبد .
قال سيدنا رضي هللا عنه في بعض رسائله ووصاياه " :واعلموا أن
الذنوب في هذا الزمان ال قدرة ألحد على االنفصال عنها ،فإنها تنصب
على الناس كالمطر الغزير ،و لكن أكثروا من مكفرات الذنوب ،و آكد
ذلك صالة الفاتح لما أغلق ،فإنها ال تترك من الذنوب شاذة و ال فاذة".
و قوله (تزن من كل تسبيح) الخ أشار به إلى ما ثبت عنه رضي هللا عنه
أيضا أن المرة الواحدة من هذه الصالة الشريفة تعدل من كل تسبيح
وقع في الكون ،و من كل ِذ كر أو دعاء كبير أو صغير ستة آالف مرة .
أشار إلى كالم الشيخ رضي هللا عنه ":مالزمة الصالة على النبي صلى
هللا عليه و سلم تدرك الرجل و أوالده و أوالد أوالده ".ثم قال ":و أما
صالة الفاتح لما أغلق فهي ضامنة لخير الدنيا و اآلخرة لمن التزم
دوامها ، ".ثم بين رضي هللا عنه خير اآلخرة بقوله ":من داوم على
الفاتح لما أغلق يموت على اإليمان قطعا ، ".وقد ذكر الشعراني أذكارا
من الزمها يموت مسلما برواية عن الخضر عليه السالم.
(ذا) الثانية راجعة إلى الشيخ رضي هللا عنه أوحد األولياء علما و حاال
و مقاما .
و قوله (سمع ) أي من النبي صلى هللا عليه و سلم ،و أشار بهذا إلى ما
في" جواهر المعاني " من قول سيدنا رضي هللا عنه ":قال لي صلى
هللا عليه و سلم ":ما صلى علّي أحد بمثل صالة الفاتح لما أغلق ".
هللا
و قد صّر ح سيدنا رضي هللا عنه بأن جميع ما في الصلوات من
الخواص و غيرها يحصل لذاكر الفاتح لما أغلق.
هللا
بسواه ،وهو الناصر لدين هللا تعالى الملِك العدل ،بالحق و الجد ال
بالباطل و الهزل ،ناصر الحق بالحق ،ناصر هللا بالله ،فال ينصر باطال ،
و ال ينصر الحق بالباطل.
و معنى قوله " :الهادي إلى صراطك المستقيم "
أنه صلى هللا عليه و سلم الهادي إلى طريق الفالح و المرشد إلى سبيل
النجاح
يقول تعالى { :و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم }
" وعلى آله "
اآلل :في مقام الدعاء جميع أمته ،لكن البد من لحظ آله صلى هللا
عليه و سلم بمزيد تعظيم و تشريف ،كما ال يخفى على ذي عقل سليم
،تعلقا و تشبثا به و بأذياله صلى هللا عليه و سلم ،فالبد بعد التعميم
بجميع أمته من التخصيص آلله ،رزقنا هللا محبتهم وأعظم في قلوبنا
حرمتهم بمنه و كرمه.
و قيل في آله أيضا ":ورثته الكمل الذين حملوا ظاهر الشريعة و
باطنها .".
هللا
صلى هللا عليه و سلم ،أو يسمعون هاتفا يهتف به ،أو يرونه مكتوبا أو
غير ذلك.
تكملة:
قال في جواهر المعاني ":وسألته رضي هللا عنه عن صالة الفاتح لما
أغلق ألنها خالية عن السالم ألمر أوجبه .فأجاب رضي هللا عنه
بقوله":
وأما سؤالكم عن صالة الفاتح لما أغلق الخ فإنها وردت من الغيب على
هذه الكيفية وما ورد من الغيب كماله ثابت خارج عن القواعد
المعلومة.
ليست من تأليف مؤلف ووراء هذا أّن كيفيات وردت عنه صلى هللا
عليه و سلم في الصالة الخالية من السالم وهي كيفيات نبوية متعّب د
بها فال التفات لما يقوله الفقهاء والسالم".
قال رضي هللا عنه:
" وخاصية الفاتح لما أغلق أمر إلهي ال مدخل فيه للعقول فلو قّد رت
مائة ألف أمة كل أمة مائة ألف قبيلة في كل قبيلة مائة ألف رجل
وعاش كل واحد مائة ألف عام يذكر كل منهم في كل يوم ألف صالة
على النبي صلي هللا عليه و سلم من غير صالة الفاتح لما أغلق الخ
وجميع ثواب هذه األمم كلها في مدة هذه السنين كلها في هذه األذكار
كلها ما لحقوا كلهم ثواب مرة واحدة من صالة الفاتح لما أغلق فال
تلتفت لتكذيب مكذب وال لقدح قادح فيها فإّن الفضل بيد هللا يؤتيه
من يشاء فإّن لله سبحانه وتعالى فضًال خارجًا عن دائرة القياس
ويكفيك قوله سبحانه وتعالى {ويخلق ماال تعلمون} فما توّج ه متوّج ه
إلى هللا تعالى بعمل يبلغها وإن كان ما كان وال توّج ه متوجه إلى هللا
ّأ
هللا
ّأ
بعمل َأحّب ِإ ليه منها وال عظم عند هللا جدوة منها إال مرتبة واحدة
وهي من توجه إلى هللا تعالى باسمه العظيم األعظم ال غير هو غاية
التوّج هات والدرجة العليا من جميع التعبدات ليس لفضله غاية وال
فوقه مرتبة نهاية.
وهذه صالة الفاتح تليه في المرتبة والتوّج ه والثواب والفوز بمحبة
هللا لصاحبها وحسن المآب فمن توّج ه إلى هللا تعالى مصدقًا بهذا
الحال فاز برضى هللا وثوابه في دنياه وأخراه بما ال تبلغه جميع
األعمال يشهد بهذا الفيض اإللهي الذي ال تبلغه اآلمال ،وال يحصل هذا
الفضل المذكور إال مع التسليم .ومن أراد المناقشة في هذا الباب وهذا
المحل فليترك فإّن ه ال يفيد استقصاء حجج المقال واترك عنك
محاججة من يطلب منك الحجج فإن الخوض في ذلك ردًا وجوابًا
فإن قلت ":رّبما يطلع بعض القاصرين ومن ال علم له بسعة الفضل
والكرم فيقول ":إذا كان هذا كما ذكر فينبغي االشتغال به أولى من كل
ذكر حتى القرآن. ".
قلنا له ":بل تالوة القرآن أولى ألّن ها مطلوبة شرعًا ألجل الفضل الذي
ورد فيه ولكونه أساس الشريعة وبساط المعاملة اإللهية ،ولما ورد في
تركه من الوعيد الشديد ،فلهذا ال يحّل لقارئه ترك تالوته أّم ا فضل
الصالة التي نحن بصددها فإنها من باب التخيير ال شيء على من
تركها.
وثانيًا :إّن هذا الباب ليس موضعًا للبحث والجدال بل هو من فضائل
األعمال وأنت خبير بما قاله العلماء في فضائل األعمال من عدم
المناقشة فيها.".